25‏/10‏/2014

مَجْدُ الغموض الشعري

عبد الكريم يحيى الزيباري
مجد الغموض
يقول (سترافنسكي): (إنَّ في تعذّر الفهم نوعاً من المجد)(1)، لا يقصد تعذر الفهم، بل ما يؤول إليه هذا التعذُّر من خلقٍ لأسئلة جديدة، وحثّ وتحريضٍ على البحث اللاحق واللازم والضروري لإزالة الغموض. فالغموض وحده من يختبئ وراء رغبة الإنسان في العلم والمعرفة، وهو وحده دافع الإنسان البدائي لخلق الأساطير، كمحاولة لتفسير الظواهر الطبيعية. فالغموض يؤول إلى مجد البحث، كما في قوله تعالى: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَان، قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا)يوسف: 36، وهو يقصد: أعصر عنباً يؤول خمراً، وهو نوعٌ من المجاز أن يُسمَّى الشيء بما يؤول إليه في المستقبل. فيصير معنى عبارة (سترافنسكي): "إنَّ في البحث الناتج عن تعذّر الفهم: نوعٌ من المجد".
ومن الشعراء من تقصَّد التغميض والتلغيز، للتسلية، والترفيه، وإشغال الناس بألغاز، تحرِّضُهم للبحث، بصورة
غير مباشرة، كقول الشاعر:
ورأيتُ عبداللهِ يضرِبُ خالدٌ
                  وأبا عميرةُ بالمدينة يضربُ
(ظاهر الكلام يقتضي أن يكون منصوباً، مفعول ليضربُ، وجوابه: مرفوع بيضربُ، ومفعوله محذوف تقديره: يضربُ خالدٌ عبدالله. الإشكال الثاني: وأبا عميرةُ، برفع عميرةُ، وظاهر الكلام يقتضي أن يكون مجروراً، بإضافة (أبا) إليه. إنَّ (أبا) فعل ماضٍ من الإباء، من قولهم: أبى يأبى، إذا امتنع، فيصير تقدير البيت: "وامتنع عميرة من أنْ يُضربَ بالمدينة")(2).
والمعنى يغمض بابتعاده عن الفهم، كالغريب من الناس، لأنَّ أحداً لا يعرفه، يبدؤون بالتخمين والاجتهاد، وقد يرون فيه ما لا يرون في القريب. ولهذا قيل: بنت الدار عَوْرَاء، وزُمَّار الحيِّ لا يُطْرِب. ومن هنا تأتى لكاتب النص أنْ لا يُعنى بشرح الغامض، وتسهيل الصعب، بقدر ما يُعنى بتورية الحقائق، وتغميض النص وتصعيبه، ليحصل كلٌّ على مراده، ولعدم الحيلولة من إسقاط معانٍ قد تبدو متناقضة على الصورة نفسها. وعلى أساس قانون الندرة، كلما عانينا في سبيل الحصول على معنى، كان اهتمامنا بالمعنى المستنتج، والمتعة المستحصلة، أكبر.
وغموض المعنى إغواءٌ وإغراءٌ لمتابعة البحث، كالتوابل والملح للطعام. وقد قيل لفيلسوف مريض: ما تشتهي؟ فقال: أنْ أشتهي. وهكذا الغموض يُوظِّفهُ الشاعر لاستثارة شهوة القارئ إلى معانٍ جديدة، ذات أبعادٍ تسير نحو الآفاق، كخطوط الطول والعرض، لتعود إلى نقطة البداية، وعند أحد هذه الأبعاد تتقاطع ثقافة الشاعر مع ثقافة القارئ. حيث أنَّ النص عبارة عن علاقة بين الشاعر والقارئ، وإذا لم يحدث تقاطع، ستظهر مشكلة غموض المعنى في أنساق الكلام، والتي كلما تباينت استشرفَت معانٍ جديدة.
 ولم يَفُتْ منظِّر علم الاجتماع، أنْ يَتَطرَّق إلى صنعة الشِّعر، رغم أنَّه اكتفى بنقل آراء الآخرين، فمجَّد الوضوح على حساب الغموض، حيث يقول (ابن خلدون): "وإنما يقصد منها ما كانت معانيه تسابق ألفاظه إلى الفهم، وكذلك كثرة المعاني في البيت الواحد، فإن فيه نوع تعقيدٍ على الفهم. وإنما المختار منه ما كانت ألفاظه طبقاً على معانيه، أو أوفى منها. فإن كانت المعاني كثيرة، كان حشواً، واشتغل الذهن بالغوص عليها، فمنع الذوق عن استيفاء مدركه من البلاغة. ولا يكون الشعر سهلاً، إلا إذا كانت معانيه تسابق ألفاظه إلى الذهن. ولهذا كان شيوخنا -رحمهم الله- يعيبون شعر (أبي بكر بن خفاجة)، شاعر شرق الأندلس، لكثرة معانيه وازدحامها في البيت الواحد، كما كانوا يعيبون شعر (المتنبـي)، و(المعري)"(3). وقد تأَّكَدَّ لدينا، ووصلنا ما لم يَصِلْ إلى علم (ابن خلدون)، لأنَّه بحسب (جان بوسيل): "الزمان شبيه بلغة إيسوب، هو أفضل الأشياء وأسوأها"(4)، فالزمان الذي حَرَمَنَا، هو الذي أكدَّ أنَّ شِّعر (المعري) و(المتنبـي) قد طوَّفا في الآفاق، وأنَّ الأشعار السهلة التي امتدحها اندثرت. 
وبانفلات الشاعر المعاصر من قيدي الوزن والقافية، انفلتت عجلة تطور الشِّعر في قفزات سريعة ومتتالية، بدأت بالتخلص من التزام القيود في تأخير نضج القريحة الشِّعرية، ومنحتهُ سَقْفَاً فلسفياً، يتسع باتساع رؤيته وثقافته وتأثره بالعصور السابقة، كتأثير العصر الجاهلي، في الاستهلال والوقوف على الأطلال، والبداية الغزلية، كاعتذار (كعب بن زهير) للنبـي صلى الله عليه وسلم: 
بانتْ سعاد فقَلبي اليوم مَتْبولُ
                    مُتَيم إثْرها لم يُفْد مَكْبُولُ
ويستمر حتى يصل إلى مبتغاه، في قوله:
كل ابن أنثى، وإن طالت سلامته
                 يوماً على آلة حدباء محمولُ
نُبِّئْتُ أنَّ رسولَ اللهِ  أَوعَدَني
              والعفو عندَ رسولِ اللهِ مأمولُ
ولو كانت (سعاد) فتاةٌ بعينها، لزجرهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم، ومنعه من قذفها، لكن التغميض أنقذه من حَدِّ القذف. وشيئاً فشيئاً ساد الغموض، ولم يعد الشِّعر المعاصر يعتني بالتصوير، كما نوَّه (الجاحظ): (جنسٌ من التصوير)، بسبب منافسة عين الكاميرا الحية، في السينما والتلفاز والفضائيات. وذكَر (الصولي): "أنشد أبو حاتم السجستاني شعراً لأبي تمام، فاستحسن بعضه، واستقبح بعضاً، وجعل الذي يقرؤه يسأله عن معانيه، فلا يعرفها أبو حاتم، فقال: ما أشبه شعر هذا الرجل إلا بثيابٍ مصقلاتٍ خلقات، لها روعة وليس لها مفتش... فجاء ابن لـ(أبي رهم السدوسي)، فأنشده قصيدةً لـ(أبي تمام) يمدح بها (خالد بن يزيد)، أولها: 
طَلَلَ الجميعِ لقدْ عَفَوْتَ حَميدَا
            وكفَى عَلَى رُزْئي بذاكَ شَهيِداَ
فلما فرغ قال: كيف ترى هذا الشعر؟ فقال: فيه ما أستحسنه، وفيه ما لا أعرفه، ولم أسمع بمثله، فإما أن يكون هذا الرجل أشعر الناس جميعاً، وإما أن يكون الناس جميعاً أشعر منه!. عن (أبي هفان) قال، قلت لأبي تمام: تعمد إلى درةٍ فتلقيها في بحر خرءٍ، فمن يخرجها غيرك؟"(5). الإنسانُ عدوٌّ لما يجهل، لخوفه من المجهول، ولهذا فالجاهل عدوٌّ لنفسه، ولأهله، وأصدقائه، وكما قيل: "عدوٌّ عاقل خيرٌ من صديق جاهل".
وكان أولُّ ممجِّدٍ للإبهام والتغميض في الشِّعر هو (أبو حيَّان التوحيدي): "وأما بلاغة المثل، فأن يكون اللفظ مقتضباً، والحذف محتملاً..والمرمى لطيفاً، والتلويح كافياً، والإشارة مغنية، والعبارة سائرة...وأما بلاغة التأويل، فهي التي تحوج لغموضها إلى التدبر والتصفح...وبهذه البلاغة يُتَّسَع في أسرار معاني الدين والدنيا، وهي التي تأولها العلماء بالاستنباط من كلام الله عز وجل، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، في الحرام والحلال، والحظر والإباحة، والأمر والنهي... وها هنا تنثال الفوائد، وتكثر العجائب، وتتلاقح الخواطر، وتتلاحق الهمم، ومن أجلها يستعان بقوى البلاغات المتقدمة بالصفات الممثلة، حتى تكون معينةً ورافدةً في إثارة المعنى المدفون، وإنارة المراد المخزون"(6). لكن كيف يُتَّسَعُ في أسرار الدنيا؟ أبالتدبُّر والتصفُّح فحسب، أم بقوى البلاغات المتقدمة؟ وما هي قوى البلاغات المتقدمة؟ هل يقصد البلاغات الستة، التي ذكرها: بلاغة الشِّعر، والخطابة، والنثر، والمثل، والعقل، والبديهة؟
ويقول الجرجاني: "المعنى إذا أتاك ممثَّلاً، في الأكثر ينجلي لك، بعد أن يُحْوِجك إلى طلبه، بالفكرة، وتحريك الخاطرِ له، والهِمَّة في طلبه. وما كان منه ألطف، كان امتناعه أكثر، وإباؤه أظهر. ومن المركوز في الطبع أن الشيء إذا نيل بعد الطلب له، أو الاشتياق إليه، ومعاناة الحنين نحوه، كان نَيله أحلَى، وبالمزِيَّة أولى، فكان موقعه من النفس أجلّ وألطف، وكانت به أضَنَّ وأَشْغَف...وأشباه ذلك مما يُنال بعد مكابدة الحاجة إليه، وتقدُّم المطالبة من النفس به. فإن قلت: فيجب على هذا أن يكون التعقيد، والتعمية، وتعمُّد ما يَكْسِب المعنى غمُوضاً، مشرِّفاً له، وزائداً في فضله، وهذا خلافُ ما عليه الناس. ألا تراهم قالوا: إن خَيْر الكلام ما كان معناه إلى قلبك، أسبق من لفظه إلى سمعك؟! فالجواب: إني لم أُرد هذا الحدَّ من الفِكْرِ والتعب، وإنما أردت القدر الذي يحتاج إليه في نحو قوله: فإن المِسْكَ بعضُ دمِ الغَزَالِ"(7). 
رغمَ أنَّ (الجرجاني) قد اندفعَ بقوة كبيرة في بداية كلامه، إلا أنَّه خَفَّفَ من ضراوته، لأنَّهُ تخَوَّفَ أنْ يصير الغموض غايةً بحدِّ ذاته. وقد كان لـ(محمود درويش) رأيٌ تراجع عنه فيما بعد، أفصحَ عنه في ديوانه الأول، الذي أصدره 1964: ((قصائدنا بلا لون/ بلا طعم..بلا صوت/ إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت!/ وإن لم يفهم "البُسَطا" معانيها"/ فأولى أن نُذَرِّيها/ ونخلدَ نحن..للصمت!/ لو كانت هذه الأشعار/ إزميلاً في قبضة كادح/ قنبلةً في كف مُكافحْ/ لو كانت هذي الأشعار!))(8). وهو يقصد أنْ يفهمها الجميع. ويقول (درويش) بعد ثلاثة عقود: "وهذا يعني أن الغموض، هنا، لا يعود إلى كون شعر الشاعر مجرد طلاسم وألغاز، وإنما يعود، كما ذكرت، إلى عمق فكر الشاعر واتساع ثقافته". ويسأله المحاور: شعرك واضح إلى حد الغموض، بل إلى حد الاستغلاق أحيانا، في حالة من إبهام كامل، كمثل قولك: "أعرف ما يحزن قلبك المثقوب بالطاووس". فيجيب درويش: ("القلب المثقوب بالطاووس" بالنسبة لي صورة في منتهى الوضوح، لكني لا أعرف كيف أفسرها. نعرف كيف يفرش الطاووس غروره، ويطلق بذلك احتفالا لونيا. إذ ذاك يثقب أي قلب)(9) . فـ(درويش) يكتب صورةً في منتهى الوضوح في ذهنه، وليس الوضوح غايته. وبعد أربعة عقود، في حوارٍ مباشر معه على (قناة الجزيرة)، يسأله محاوره (خالد الحروب): "محمود درويش في المراحل الأولى كتب "قصائد بلا لون، بلا طعم، بلا عنوان، إن لم يفهم البسطا معانيها"، ينتقدك البعض ويقولون: البسطاء الآن لا يفهمون ما يكتب محمود درويش؟ محمود درويش: أنا ككل شاعر آخر يتمنى أن يفهمه جميع الناس، وحلم الشعراء أن يكون شعرهم بسيطا كالخبز ومفهوما..لأن هدف الشاعر ليس البحث عن الغموض، ولكن الوصول إلى الوضوح، من خلال الطريق في هذا الغموض، الذي هو من طبيعة العمل الشعري. بس الغموض ليس غاية أبدا)(10). كما أنَّ الغموض ليس غاية (أدونيس) الذي يقول: "الغموض في الشعر، ليس بذاته نقصاً، وأن الوضوح ليس بذاته كمالاً، الغموض على العكس دليل غنى وعمق، وهذا ما تنبّه إليه ناقد عربي قديم: (أفخر الشعر ما غمض)". ويقول أيضاً: "العمل الفني كمثل الينبوع، سطحه في عمقه، وَعُمْقُهُ في سَطْحِهِ"(11). ولم يعجزني الناقد القديم الذي ذكره (أدونيس)، والقول هو(لأبي إسحق الصابئ)، في الفرق بين الكتابة والشعر، وهو جواب لسائل سأله، فقال: إن طريق الإحسان في منثور الكلام يخالف طريق الإحسان في منظومه، لأن الترسل هو ما وضح معناه، وأعطاك سماعه في أول وهلة ما تضمنته ألفاظه، وأفخر الشعر ما غمض، فلم يعطك غرضه، إلا بعد مماطلة منه)(12).
 والغموض تحدّ لذائقة القارئ، وإغواء كبير، "فشعر السياب، كما هي الحال في شعر درويش - قبل خروجه من الوطن المحتل- شعرٌ يستسلم للقارئ في سهولةٍ ويسر، ولكن شعر أدونيس..يمتنع على القارئ، ويستعصي حتى على الناقدين، وهنا يبدأ التحدي، والتحدِّي ليس مجرد اصطلاح نستخدمه للمبالغة والإسراف، وإنما هو مصطلح ألقاه أدونيس بنفسه، حين راح يروِّج لشعره صفة الغموض، ويعلن أدونيس غير مرة أنَّه يكتب لعدة مئات فقط، على امتداد الوطن العربي"(13) . وفي مقولة (أدونيس) تحدّ ولومٌ وعتاب يخفي وراءه إغراءً كبيراً، و"دعْ عنك لوْمِي فإن الّلوْمَ إغراءُ" وهو نهيٌ للقارئ العربي، الذي يعشق التحدِّي، بألا تقرأ شعري، لأنَّك لن تفهم، و"ما زادهُ النهيُ شيئاً غيرَ إغراءِ".
وَكُلٌّ يَدَّعى وَصْلاً بليلى
                     وليلى لا تُقِرُّ لهم بذاكا
وهكذا ترى المكتبات الشخصية، والعامة، تزدانُ بدواوين (أدونيس). 
ودواء الغموض حسن الاستفهام، وتأجيلٌ للمعنى لحين استظهاره بالسؤال المناسب، ولكلِّ سؤالٍ أجوبة متعددة ومحتملة، ناهيك عن إعادة تشكيل السؤال، لإعادة استقراء العالم المحيط، وعلاقته بالعالم الداخلي. وتاريخ الشِّعر يمضي، منتشياً بالغموض، ما استوقفه الوضوح لحظة، من المقاهي الشعبية، إلى قاعات محاضرات الطلبة في الجامعات، يبقى عذاب الشِّعراء، وأنينهم الحرفي، قابلاً لتأويلات مختلفة. "قدَّم (روربرت غريفز) في إحدى محاضراته في (جامعة كمبردج)، للعام 1954- 1955، حول (وليم بليك)، جنيهاً إسترلينياً لكل من يستطيع أن يحدد معنى مطلع قصيدة (توماس بليك): (إنْ كان رأسي آذى منبت شعرة)، وعندما انبرى (م.هودغارت) مطالباً بالجنيه، مقدِّماً تأويله المشهور بأنَّ الجنين في الرحم يخاطب أمُّه، بقيَ المحاضر غير مقتنع بما سمع"(14). ويقول المتشائمون من القرّاء: "مات الشِّعر"، انتهى دوره في التأثير على المجتمع، فالقارئ المعاصر لديه الكثير من المفردات التي شغلته عن قراءة الشِّعر، فضلاً عن البحث عن معانيه. ويرى الشعراء أنَّ الأزمةَ ليست في الشِّعر، بل في القرَّاء، والنشر، والتوزيع. يقول (جبرا إبراهيم جبرا): "كان الشِّعر دائماً في متاهة،...أمَّا اليوم فالشِّعر في متاهةٍ أكبر، وَضاعت النجوم التي كان يُستَدَلُّ بها، واضطربت الذائقة اللغوية، بحيث كَثُرَ الشعراء لدرجة الفجيعة، وَضَاع الشِّعر، وأصبح من الصعب جداً أن تجد من في شعره يُخرجكَ من المتاهة، ويُشعرِكَ بأنَّك حقَّاً اكتشفتَ شيئاً غابَ عنك طيلة عمرك"(15). ماذا يعني بـ(شيئاً) في العبارة الأخيرة؟ يعني معنًى غائباً؟ ولماذا غابَ المعنى؟ وأين غاب المعنى و"المعاني مطروحة في الطريق"، بحسب (الجاحظ)؟ وغالباً ما ننظرُ إلى السماء، لنبحث عن أشياء موجودة أمام أعيننا، ونبحث عن السعادةِ دوماً وهي منا قريبة، كما نبحثُ عن النظَّارة وهي فوق عينينا. صار المعنى مجرد فكرة ذات بنية منغلقة على نفسها، كآلاف المعاني الميِّتة، وكلماتنا الميتة ستبقى ميتة، وستلتحق تُرَّهَاتنا بِتُرَّهَات مَنْ سَبَقَنَا، خَلا فِكراً وأصالةً وإبداعاً، وأنَّى لنا تمييزهما في جوّ مشحون بلا دلالية المعنى، وتوهان الأفهام المسلوبة؟
يقول الآمدي: "قال صاحب أبي تمام: فقد عرفناكم أن أبا تمام أتى في شعره بمعانٍ فلسفية، وألفاظ غريبة، فإذا سمع بعض شعره الأعرابي لم يفهمه، فإذا فُسّر له فهمه واستحسنه"(16).
وكما قال المتنبي: 
ومن البلية عذل من لا يرعوي 
           عن جهله، وخطاب من لا يفهم
وأشدُّ منها بليةً أنْ يخاطبك من لا يفهم ما يقول، ولا يعلم ما يريد. ويصوغ (أدونيس) بيت (المتنبي) نثراً: "فإنَّ تهمة الغموض دعوى باطلة: قناعٌ يُخفي به القارئ ضعف ثقافته، وقصورها، غالباً. ويخفي إصراره على أنْ يفهم ما تغير، بذهنية لم تتغير"(17). 
وقد سَبَقَ (أبو تمام) (أدونيس)، حين رمى الكرة في مَلْعَبْ القارئ. ورغمَ أنَّ (الآمدي) كان منحازاً لـ(البحتري) ضدَّ (الطائي)، لكنَّه امتدحه وهو لا يدري، بذمٍّ صار في عصرنا مديحاً وتمجيداً: "...فقصدهما (أبو تمام) بقصيدته التي يمدح فيها (عبد الله بن طاهر) وأولها:
هن عوادي يوسف وصواحبه
            فعزماً فقدماً أدرك النجح طالبه
فلما سمعا هذا الابتداء أعرضا عنه، وأسقطا القصيدة، حتى عاتبهما أبو تمام، وسألهما النظر فيها، ولما أوصلا إليه الجائزة، قالا له: لم تقول مالا يفهم؟ فقال لهما: لم لا تفهمان ما يقال؟ فكان هذا مما استحسن من جوابه"(18). جواب (أبي تمام) هذا صار شِعاراً ومظلة لشعر الحداثة، ومقياساً لجودة القصيدة المعاصرة. وكما قال الشاعر:
أيّ عارٍ على الشموس إذا ما
                 خفيتْ عن نواظرِ العميان؟
فهذه المعاني ليست مقررة في نفوس الجميع، وإنَّما تتحصل بالتعب والبحث، ومسار البحث قد يختلف من قارئٍ إلى آخر. لأنَّ الشاعر لديه ثقافة واسعة، "فالشاعر المعاصر بحق لا بد أن يكون مثقفاً، بأوسع معاني الثقافة"(19). وأوسع معاني الثقافة، التي يُفتَرَضْ أنْ يتمتع بها الشاعر، هي من أهم مصادر الغموض. وقد جاء في المعاجم: "وقال (الأَزهري): الشِّعْرُ القَرِيضُ المحدود بعلامات لا يجاوزها، والجمع أَشعارٌ، وقائلُه شاعِرٌ، لأَنه يَشْعُرُ ما لا يَشْعُرُ غيره، أَي: يعلم"(20)، ما لا يعلم غيره. ويقول (ابن دريد): "والشِّعْر معروف، وهو مأخوذ من شَعَرتُ بالشيء، أي فِطْنت"(21)، فالشِّعر في الدلالة المعجمية هو العلم أو الفِطْنة، لذا يجب أن يكون أعلم، وأفطن، من غيره. 
يقول (نورثروب فراي): "كتبَ الشاعر الإنكليزي وليم بليك(1757-1827) إلى الأب الدكتور ترسلر: (تقول إنني أحتاج إلى شخصٍ يوضِّح أفكاري، ولكن يجب أن تعرف أنَّ ما هو رائع، هو بالضرورة غامض بالنسبة للضعفاء من الناس، وما يمكن توضيحه للبلهاء لا يستحق اهتمامي)"(22)، ثمَّ مضى (بليك) في رسالته يشرح للدكتور (ترسلر) كيف أنَّ الأطفال يفهمون شعره، ويستمتعون به.
ويقول الآمدي: "وليس الشعر، عند أهل العلم به، إلا حُسْنَ التَأَّتِّي.. واختيار الكلام، ووضع الألفاظ في مواضعها، وأن يورد المعنى باللفظ المعتاد فيه، المستعمل في مثله، وأن تكون الاستعارات والتمثيلات لائقة بما استعيرت له، وغير منافرة لمعناه...لأن الشعر أجوده أبلغه، والبلاغة إنما هي إصابة المعنى، وإدراك الغرض، بألفاظ سهلة..لا تبلغ الهذر الزائد على قدر الحاجة، ولا تنقص نقصاناً يقف دون الغاية، وذلك كما قال (البحتري):
والشعر لمحٌ تكفي إشارته 
                 وليس بالهذر طُوِّلَتْ خطبه
وإذا كانت طريقة الشاعر غير هذه الطريقة، وكانت عبارته مقصرة عنها، ولسانه غير مدركٍ لها، حتى يعتمد دقيق المعاني، من فلسفة يونان، أو حكمة الهند، أو أدب الفرس، ويكون أكثر ما يورده منها بألفاظ متعسفة، ونسج مضطرب، وإن اتفق في تضاعيف ذلك شيء من صحيح الوصف، وسليم النظم، قلنا له: قد جئت بحكمة وفلسفة ومعانٍ لطيفة حسنة، فإن شئت دعوناك حكيما، أو سميناك فيلسوفا، ولكن لا نسميك شاعراً.. ورديء اللفظ يذهب بطلاوة المعنى الدقيق، ويفسده، ويعميه، حتى يحتاج مستمعه إلى طول تأمل، وهذا مذهب (أبي تمام) في معظم شعره. وحسن التأليف، وبراعة اللفظ، يزيد المعنى المكشوف بهاءً وحسناً ورونقاً، حتى كأنه قد أحدث فيه غرابه لم تكن، وزيادةً لم تعهد، وذلك مذهب (البحتري)"(23).   
إطلاّع الشاعر على فلسفة الغرب غير كافية، حتى يمتلك ناصية اللغة، بالتشذيب، والتهذيب، والحذف، والتكثيف. وشرط (الآمدي): (حتى يعتمد فلسفة يونان)، يقول به (أدونيس)، حيث يعتقد أنَّ الفصل بين الفلسفة والشعر "لا يناقض العامل الحضاري وحسب، وإنما يناقض إلى ذلك معنى التجربة الشِّعرية"(24). وقد كان شعراء الجاهلية على درايةٍ وثقافة، نستنتج هذا من أشعارهم، يقول (النابغة الذبياني)، مستشهداً بـ(نوح) عليه السلام، مما يدل على اتصاله بثقافة أهل الكتاب:
فألفيت الأمانة لم تخنها
                  كذلك كان نوح لا يخون
فلو أنَّ أعرابياً لم يسمع بـ(نوح) عليه السلام، ولا بـ(سليمان بن داود) عليهما السلام، فليس ذنب (النابغة)، ولا من واجبه، أن يقصَّ عليهم، ولكنَّه نوَّهَ فقط. كما في قوله:
فتلك تبلغني النعمان، إن له فضلاً
            على الناس في الأدنى وفي البعد
ولا أرى فاعلاً في الناس يشبهه
           ولا أحاشي من الأقوام من أحد 
إلا سليمان، إذ قال الإله له
           قم في البرية فاحددها عن الفَنَدِ
وخبر الجن أني قد أذنت لهم
              يبنون تدمر بالصفاح والعمد         
وفي قول (النابغة): "فتلك تبلغني النعمان"، إشارة إلى ناقته التي تحمله إلى بلاط ملك الحيرة، أو إلى رجائه وأمله وطمعه. وفي قوله: "من الأقوام من أحد"، (من) الثانية زائدة، و(أحد) مفعول به للفعل (أحاشي). "إذ قال الإله له"، (إذ) تعليلية، ومخاطبة الإله له، كدليل على النبوَّة، مع الملك، وبهذا فهو يستثنيه، لأنَّهُ نبـيٌّ مَلِك. و(احددها)، أي: امنعها عن الكذب، لأنَّ الفَنَد هو الكذب، كما قال تعالى: (لولا أن تُفَنِّدون)يوسف: 94. والفَنَد هو: الخطأ في الرأي والصنيع. ويقول (الثعالبـي) في شرحه للبيت الرابع: "وأهل (تدمر) يزعمون أن ذلك البناء بني قبل زمن (سليمان) بأكثر من قدر ما بيننا اليوم وبين زمن سليمان. قالوا: ولكنكم إذا رأيتم بنياناً عجيباً، وجهلتم موضع الحيلة فيه، أضفتموه إلى الشياطين، ولم تعانوه بالفكر"(25). 
والأسطورة والتناص مصدران من أهم مصادر الغموض في الشِّعر، بعد ثقافة الشاعر، وأبعادها الصوفية والأسطورية. لكن ما هي الأسطورة؟ يوجد اختلاف كبير في شأن التعريف، يرى البعض: "أساطير العالم القديم إنما تمثِّل واحدة من أعمق منجزات الروح الإنسانية، وهو الخلق الملهم لعقول شاعرية، خيالية، موهوبة، سليمة، لم يفسدها تيار الفحص العلمي، ولا العقلية التحليلية"، "روايات خرافية تطوَّرت من أجل تفسير طبيعة الكون، ومصير الإنسان، وأصول العادات والعقائد والأعمال الجارية في أيامهم، وكذلك أسماء الأماكن المقدسة، والأفراد البارزين"(26). ويقول (شتراوس): "فلنعمَد إذن، من أجل تجويز المقارنة، إلى بناء نموذج للُّغز، يعبِّر عن خصائصه الثابتة في مختلف الأسطوريات، فنعرِّفُهُ باعتباره "سؤالاً يُفترَض به ألا يكون له جواب"، ولنَعْمَد أيضاً إلى الاكتفاء على سبيل الاختيار بقلب حدَّيهما، فنحصل على العبارة التالية: "جوابٌ لم يُطرَحْ لهُ سؤال"، ها نحن في الظاهر، حيال صيغة خالية تماماً من المعنى"(27). بنية الصيغة الثانية في علاقة تضاد مع الأولى، أما صيغة "سؤال له جواب" فهي تناقض الأولى، وأية صيغة لها علاقة بصيغة لها معنى، يجب أن تكون ذات معنى، استناداً إلى القضية الأولى، هذا اللولب الدرامي للأسطورة، مثل: "موت (بوذا) صار محتَّمَاً، لأنَّ أحد تلامذته سها عن طرح السؤال، الذي يُفترض به طرحه". وفي قصص العرب: وافقَ شنٌّ طبقه، و(طبقة) ابنة صاحب (شن) في سفره، وهي التي أجابت عن أسئلته، التي لم يجد لها والدها جواباً. هل يجوز أن نقول إنَّ (شن) وافق (طبقة) بالصدفة؟ كيف وهو قدْ خرج يبحث عنها، وكذا الشاعر يبحث عن  قارئٍ يجيب عن أسئلته، بعيداً عن المصادفة، والقارئ يبحث عن الإجابة! 
هل كان (أفلاطون) مُفرطاً ومثالياً في نقده للشعراء؟ لماذا شنَّ (أفلاطون) هجومه على الشاعر؟ كيف برر هجومه؟ لماذا وصف الشاعر بـ: خالق أساطير؟ وقال في محاوراته: "على الرغم مما كنت أشعر به منذ صباي من حب واحترام لـ(هوميروس)، غير أنَّ من الواجب ألا نحترم إنساناً أكثر مما نحترم الحقيقة"(28). واستشهد (عزيز السيد جاسم) بهجوم (أفلاطون) على الشاعر، بوصفه خالق أساطير: "الإسكافي إسكافي، وعامل البناء عامل بناء، والجندي جندي، ولا نريد لأحدٍ أن يكون كل هذا في نفس الوقت، لذا توجب أن نكرم الشاعر، ونرشه بالعطور على باب المدينة، ونقول له أن لا يعود، لأنه لا مكان له بيننا،-وفي ذلك- إدانة واضحة للشعراء الغواة، والمتقلبين، والمداحين، والمتكسبين، والثرثارين، والذين يقولون ما لا يفعلون. ويذكر (أفلاطون)، في محاوراته، تأثير الشاعر الفاسد، الذي يجِّمل للحاكم مساوءه"(29). 
ألم يكن نقد (أرسطو) فلسفياً في كتابه (فن الشِّعر)، وحائزاً للإعجاب، منذ عصره، إلى يومنا؟ فاعتبر الشِّعر محاكاة، وأَرجعَ سبب نشوء الشِّعر إلى سببين: "فالمحاكاة غريزة في الإنسان، تظهر فيه منذ الطفولة، والإنسان يختلف عن سائر الحيوان، في كونه أكثرها استعداداً للمحاكاة...وسببٌ آخر، هو أنَّ التعلم لذيذ"(30) أيتعلم مَنْ لا يسأل، ولا يستفهم؟
يقول الدكتور (إحسان عباس): "قد كانت الأسطورة هي الحجاب الكثيف دون فهم الشعر اليوناني وتذوقه، ترى لو أنها وجدت، في تاريخ مبكر، تسامحا في التقبل، كالذي فعله (البيروني)، هل كانت تؤدي إلى لقاء من نوع آخر بين الأدبين اليوناني والعربي؟"(31). وعن التناص يقول (تيري إيغلتون): "كل النصوص الأدبية محاكاة من نصوص أدبية أخرى، ليس بالمعنى العرفي، الذي مفاده أنَّها تحمل آثاراً منها، وإنما بالمعنى الأشد جذرية، والذي يعني أنَّ كل كلمة، أو عبارة، أو مقطع، هو إعادة تشغيل لكتابات أخرى، سبقت العمل الفردي، وأحاطت به"(32) . ويقول (بول فاليري): "الأسد هو مجموعة خراف مهضومة"، فالنص الشِّعري هو خُلاصة نصوص سابقة، هضمها الشاعر هضماً جيداً، واستفاد منها في بناء نصِّه الشِّعري. ونتيجة جهل القارئ بالإحالات، نرى "النص -مهما كان عظيماً- إذا مرَّ بعقلٍ صغير، سوف يصبح صغيراً"(33). وقريباً من التناص يقول (ابن دريد): "نصص: واستُعمل من معكوسه: النصّ، نَصَصتُ الحديثَ أنُصُه نَصًّا، إذا أظهرته. نَصَصْتُ الحديث، إذا عزوته إلى محدِّثك به"(34). ويقول (ابن منظور): "نصص: النَّصُّ: رفْعُك الشيء. نَصَّ الحديث يَنُصُّه نصّاً: رفَعَه، وكل ما أُظْهِرَ فقد نُصَّ. وقال عمرو بن دينار: ما رأَيت رجلاً أَنَصَّ للحديث من الزُّهْري، أَي: أَرْفَعَ له، وأَسْنَدَ. يقال: نَصَّ الحديث إِلى فلان، أَي: رفَعَه، وكذلك: نصَصْتُه إِليه.. نَصَّصْت المتاعَ: إِذا جعلت بعضه على بعض.. ويقال: نَصْنَصْت الشيءَ: حركته"(35). والتناص: إظهار، ورفع، وجعل النصوص بعضها على بعض.
و(أدونيس) نَصْنَصَ قناع الميثولوجيا، في قصيدة بعنوان "أورفيوس": (عاشقٌ أتدحْرَجُ في عَتَمات الجحيم/ حجراً غير أنِّي أضيءُ/ إنَّ لي موعداً مع الكاهنات)(36). ولو قرأنا من قصيدة (عبدالوهاب البياتي): "مرثية إلى عائشة":
يموتُ راعي الضأن في انتظاره ميتة جالينوسْ
يأكل قرص الشمس أورفيوسْ
تبكي على الفراتِ عشْتَرُوتْ
تبحثُ في مياههِ عن خاتمٍ ضاعَ وعن أغنية تموت
تندبُ تموزَ: فيا زوارق الدخان
عائشة عادتْ مع الشتاءِ للبستانْ(37)
فلو أنَّ قارئاً لا يعرف (جالينوس)، ولا (أورفيوس)، ولا (عشتروت)، ولا (تموز)، فماذا سيعني له هذا النص الشِّعري؟! أربعة أساطير ساقها (البياتي) كعوامل مساعدة لأسطرة عائشته، التي لا يفتأ يتغنَّى بها. ولكي نستخلص مصادر الغموض في هذا النص، نكشف التناص مع بيت (المتنبـي)، الذي ذَهَبَ مثلاً من قصيدته:
يموت راعي الضأن في جهله
                     موتة جالينوس في طبه
وربما زاد على عمره
               وازداد في الأمن على سربه
وغاية المفرط في سلمه 
                    كغاية المفرط في حربه؟
فلا قضى حاجته طالب
                      فؤاده يخفق من رعبه!
وبيت (المتنبـي)، هو مَنْ يسوق اسم (جالينوس)، الأسطورة في علم الطب والتشريح. وحين نكشف عن معنى بيت (المتنبـي)، الذي يتشاكل مع معنى بيت الشاعر:
إن الطبيب بطبه ودوائه
               لا يستطيع دفاع مقدور أتى
سيصير المعنى ربما: أنَّ طبَّ (جالينوس) لم ينفعه، إذ جاءه الموت. ويقترب أيضاً من قول (بشِّار بن بُردْ):
والجِد ليس بزائد في رزق مَن
                يسعى، وليس بنائم عن نائمِ
ويموتُ راعي الضأن عند تمامه
             موت الطبيب الفيلسوف العالمِ
"لقد أفاد (البيّاتي) من آراء (ألْيوت) القائلة: إنّ على الشاعر أنْ يكون وريث كلّ الموتى، وصديق كلّ العصور. فالكتابة هي وعيُ الماضي، على هيئة تفوق وعي الماضي لذاته"(38). إن عملية توظيف الأساطير في الشِّعر، تشبه عملية تحويل عملة معدنية خاصة بزمكان معين، إلى عملة لكل العصور والأماكن، لأنَّ الأساطير ذات نظام خاص، يشَكِّل الإرث العالمي المشترك للإنسانية، يساعد على استحضار التاريخ ممزوجاً بالخرافة. وكانت الأسطورة -ولا زالت- حصناً للإنسان ضد هزائمه أمام الطبيعة، وقسوة المحيط الخارجي، ومحاولة لتبرير العجز بحلم جميل، ولتحقيق التوازن النفسي. 
وقد يمتلك الشاعر فكرةً عظيمة، لا يجدُ لها عبارةً تناسب عظمتها، فيلجأ إلى التناص، والأسطورة، لإغناء النص. وقد تكون لديه الألفاظ والعبارات، وليس لديه ما يقوله، "قيل للخَليلِ بنِ أحمد الفراهيدي: ما لكَ لا تقولُ الشِّعر؟ قال: الذي يجيئُني لا أرضاه، والذي أرْضاه لا يجيئني"(39). ولقد اقتبس (البياتي) الكثير من شعر (المتنبـي)، وضمَّنَهُ في شعره، في أنواع من التناص النصَّي، أو الامتصاصي، أو الإشاري. يقول (البياتي): (ولا تقنع بما دون النجوم/ وليضرم الحب العنيف/ في قلبك النيران والفرح العميق)(40) ، تناص نصِّي مع عجز بيت (المتنبـي): (إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ/ فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ). وقول (البياتي): (والذئاب تسطو على مَنْ لا كلاب له، وسفَّاكو الدماء/ يقامرون بما تبقَّى من رصيد/ لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى/ حتى تراق على جوانبه الدماء)، وهو تناص نصِّي كامل مع بيت (المتنبـي): (لا يسلَم الشّرفُ الرّفيعُ من الأذى/ حتى يُراقَ على جوانِبه الدّمُ). وفي قصيدة "عيون الكلاب الميتة": (ونموتُ قبل الموت/ في سوح المنون/ لا يسلمُ الشرف الرفيع من الأذى/ أوهتْ قرون الناطحين)(41) ، و"أوهت قرون الناطحين" تناص إشاري مع قول (الأعشى):
ألَسْتَ منتهياً عن نَحْتِ أَثْلَتِنا
             وَلَسْتَ ضائِرَها ما أَطَّتِ الإِبلُ
كناطحِ صخرةٍ يوماً ليوهنَها
           فلمْ يَضرُّها، وأوهى قَرْنَهُ الوعلُ
أثلتنا: شجرتنا، عزنا، أصلنا، بيضتنا. وأطَّت الإبل، أي: حنَّتْ. ومعناه: لست بضائرنا أبد الدهر،  ومنه: ما دعا للّه داع، وما حج للّه راكب، ولا أفعله ما اختلف الملَوان، والفتيان، والعصران، والجديدان، والأجدّان، يعني: الليل والنهار، ولا أفعله ما غَبا غُبيس، أي: ما أظلم الليل.
ويقول (البياتي): (كان الروم أمامي، وسوى الروم ورائي، وأنا كنتُ/ أميل على سيفي منتحراً تحت الثلج)، مع قول (المتنبـي): (وسوى الرّوم خلف ظهرك رومٌ/ فعلى أيّ جانبيك تميل؟). وهكذا يعتبر التناص انعطافة في طريق القارئ، تعمل على زيادة المعنى، وإثرائه، عن طريق الإحالة إلى نصّ آخر. 
يقول (أبو الحسن الجرجاني): "ومتى أنصفتَ علمت أن أهل عصرِنا، ثم العصر الذي بعدنا، أقربُ فيه إلى المعذرة، وأبعد من المذمّة، لأن من تقدّمنا قد استغرق المعاني، وسبق إليها، وأتى على معظمها، وإنما يحصل على بقايا: إما أن تكونَ تُرِكت رغبةً عنها، واستهانةً بها، أو لبعدِ مطلَبها، واعتياص مرامها، وتعذّر الوصول إليها. ومتى أجهَد أحدُنا نفسَه، وأعمل فكرَه، وأتْعب خاطره وذهنه في تحصيل معنى، يظنّه غريباً مبتدَعاً، ونظم بيتا يحسبه فرداً مخترعاً، ثم تصفّح عنه الدواوين، لم يُخطِئه أن يجدَه بعينه، أو يجد له مثالاً يغضّ من حُسنِه. ولهذا السبب أحظر على نفسي، ولا أرى لغيري، بتّ الحكم على شاعر بالسرقة"(42). وهذا أقرب إلى المعذرة في ازدياد التناص. وقال (ابن رشيق القيرواني): "كلام علي رضي الله عنه: (لولا أن الكلام يعاد، لنفد)، فليس أحدنا أحق بالكلام من أحد، وإنما السبق والشرف معا في المعنى...وقول (عنترة): هل غادر الشعراء من متردم، يدل على أنه يعد نفسه محدثاً، قد أدرك الشعر، بعد أنْ فَرَغَ الناس منه، ولم يغادروا له شيئاً، وقد أتى في هذه القصيدة بما لم يسبقه إليه متقدّم، ولا نازعه إياه متأخر. وعلى هذا القياس يحمل قول (أبي تمام)، وكان إماماً في هذه الصناعة غير مدافع:
 يقول من تقرَّع أسماعه
             كم ترك الأول للآخر"(43). 
وفي الغرب تأخر اكتشاف الغموض، كعنصر رئيس في الشِّعر، حتى ظهور كتاب (سبعة نماذج من الغموض) لـ(أمبسون) عام 1930، الذي "كان حدثاً نقدياً كبيراً، فقد تجرأ الكتاب على معالجة ما كان دائماً يعد نقيصة في الشعر، أي عدم الدقة في المعنى، وعده فضيلة الشعر الكبرى...حقاً إن (إمبسون) حينما افترض أن الغموض هو لب الشعر، لم يكن يقرر مبدأ جديداً...فقد يكون للكلمة الواحدة عديد من المعاني المتمايزة، وعديد من المعاني المرتبط أحدهما بالآخر، وعديد من المعاني التي يحتاج واحدها إلى الآخر ليكمله، أو عديد من المعاني تتحد معاً، حتى أن الكلمة تعني علاقة واحدة، أو سياقاً واحداً، وهذا مساق يستمر مطرداً.  فـ(الغموض) معناه أنك لا تحسم حسماً فيما تعنيه، أو تقصد إلى أن تعني أشياء عديدة، وفيه احتمال أنك تعني واحداً أو آخر من شيئين، أو تعني كليهما معاً، وإن الحقيقة الواحدة ذات معان عدة"(44).
أما الشاعر غير المثقف، فلن يجد أمامه إلا المعاني المبتذلة، وحاله كمن يضع حجرةً صقيلة في خزنةٍ ثمينة، ويحرسها، يحسبها جوهرة. يقول (ابن خلدون): "وكذلك المعاني المبتذلة بالشهرة، فإن الكلام ينزل بها عن البلاغة أيضاً، فيصير مبتذلاً، ويقرب من عدم الإفادة، كقولهم: النار حارة، والسماء فوقنا. وبمقدار ما يقرب من طبقة عدم الإفادة، يبعد عن رتبة البلاغة، إذ هما طرفان. ولهذا كان الشعر في الربانيات والنبويات قليل الإجادة، في الغالب، ولا يحذق فيه إلا الفحول. وفي القليل، على العسر، لأن معانيها متداولة بين الجمهور، فتصير مبتذلة لذلك...وقد نظم الناس في أمر هذه الصناعة الشعرية ما يجب فيها. ومن أحسن ما قيل في ذلك، وأظنه لـ(ابن رشيق):
لعن الله صنعة الشعر ماذا
               من صنوف الجهال فيها لقينا
يؤثرون الغريب منه على ما
                  كان سهلاً للسامعين مبينا
ويرون المحال معنى صحيحاً
                  وخسيس الكلام شيئاً ثميناً
كل معنى أتاك منه على ما
                  تتمنى لو لم يكن أو يكونا
فكأن الألفاظ منه وجوه
             والمعاني ركبن فيه عيونا"(45)
وهكذا لا يفتأ (ابن خلدون)، ولا يترك فرصةً، إلا وَمَدَحَ الوضوح، واستشهد بأبياتٍ، تصفُ الشاعر الذي يركب الغامض الغريب من المعاني، بالجهل، وهو ما كان عليه عصره.
 وبذا قَضَتْ الأيامُ بيننا،
            مدائح عصرٍ عند عصرٍ قَبَائحُ
 والمعنى الغامض هو الذي يمنحنا فرصة إعادة تأويل ظواهر الأشياء، واستكناه فكرة الغيب الغامض، في رؤيا صالحة. وقد جاء في الحديث: (لَيْسَ يَبْقَى بَعْدِي مِنْ النُّبُوَّةِ إِلا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ)، و(الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ، أَوْ تُرَى لَهُ، جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ). وكذلك شأن معظم نُقَّاد الشِّعر القدماء، كانوا يمجدون الوضوح، فهذا (ابن الأثير) الكاتب يقول: "وقد رأيت جماعةً من مدعي هذه الصناعة، يعتقدون أن الكلام الفصيح هو الذي يعز فهمه، ويبعد متناوله، وإذا رأوا كلاماً وحشياً، غامض الألفاظ، يعجبون به، ويصفونه بالفصاحة، وهو بالضد من ذلك، لأن الفصاحة هي الظهور والبيان، لا الغموض والخفاء"(46).
جنون المعنى العبثي
كل اكتشاف جديد يتضمَّنْ لحظة جنون، ولو كان بين العبث والجنون شعرةٌ ما انقطعت، إذا شدَّ هذا أرخى ذاك. قال (الخليل بن أحمد الفراهيدي) في كتابه (العين): "عبث: عَبِثَ يَعْبَثُ عَبَثاً، فهو عابث بما لا يعنيه، وليس من باله، أي: لاعب". وقال (ابن منظور) في (لسان العرب): "والعَبَثُ أَن تَعْبَثَ بالشيءِ، ورجلٌ عِبِّيثٌ عابِثٌ، والعَبْثَةُ (بالتسكين) المَرَّة الواحدة، والعَبَثُ: اللَّعِبُ. قال الله عز وجل: (أَفَحَسِبْتم أَنما خلقناكم عَبَثاً)المؤمنون: 115، قال (الأَزهري): نَصَبَ عَبَثاً، لأَنه مفعول له، بمعنى: خلقناكم للعَبَث. وفي الحديث: (من قَتَل عُصفوراً عَبَثاً). العَبَثُ: اللَّعِبُ، والمراد: أَن يَقْتُلَ الحيوانَ لَعِباً، لغير قَصْدِ الأَكْل، ولا على جهة التَّصَيُّدِ للانتفاع". وكلمة عبث Absurd من أصل لاتيني، ومعناها: السخف، أو النشاز، أو اللامعنى. كالمعنى الشِّعري مسكونٌ باللامعقول، ولن يجد أرضاً شرعية إلا في فضاء اللامعقول، حيث اللغة تتحرر من قيود المنطق الصارمة، وتحول تحرير القارئ بنقله إلى عوالم كالحلم واللاوعي، لأنَّه يسلب الدلالة الحقيقية للدال، ويحيلها إلى دلالةٍ أخرى. وليس العبث جديداً، بل هو أقدم من الشِّعر ربما، فسؤالنا: ما قيمة الحياة؟ ما قيمة الوجود؟ هل تستحق الحياة الفانية كل هذا العناء؟ ومن ثَمَّ يتأَّتى معنى العبث من اغتراب الشاعر، وصراعه مع قيمة النمط الاجتماعي السائد، أو العقل السائد، وظنه بلا جدواهما. يقول (إيليا أبو ماضي) في الطلسم الأول: (جئتُ لا أعلم من أين ولكني أتيتُ/ ولقد أبصرت قُدّامي طريقا فمشيتُ/ وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيتُ/ كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري!. / أجديد أم قديم أنا في هذا الوجودْ/ هل أنا حرٌ طليقٌ أم أسيرٌ في قيودْ/ هل أنا قائدُ نفسي في حياتي أم مَقُود/ أتمنّى أنني أدري ولكن/ لست أدري!). مقرَّاً بحقيقة وجوده فقط، وعن كلِّ شيءٍ خلا ذلك: لا أدري. وولعه باللاأدرية سيلازمه نهاية كل مقطع. ومن الطلسم الثاني"البحر": (يرقصُ الموجُ في قاعكَ/ حربٌ لن تزولا/ تخلقُ الأسماك لكن/ تخلق الحوت الأكولا/ قد جمعتَ الموت في/ صدرك والعيش الجميلا/ ليت شعري أنتَ/ مهدٌ أم ضريح/ لستُ أدري). ومن طلسم "الدير": (قيل لي في الدير قومٌ/ أدركوا سرَّ الحياة/ غير أني لم أجد غير/ عقولٍ آسنات.../ إنْ تكُ العزلة نسكاً/ وتُقى، فالذئبُ راهبْ/ وعرين الليث ديرٌ/ حبُّهُ فرضٌ وواجبْ/ ليت شعري أيميتُ/ النسكُ، أم يحيي المواهب/ كيف يمحي النسك/ إثماً وهو إثمُ.../ أيها الهارب إنَّ/ العار في هذا الفرار/ لا صَلاحَ في الذي/ تفعل حتى للقفار/ أنتَ جانٍ، أيُّ جانْ/ قاتلٌ في غير ثار/ أفيرضى الله عن/ هذا ويعفو/ لستُ أدري). ومن طلسم المقابر: (انظري كيف تساوى/ الكلُّ في المكان/ وتلاشى في بقايا/ العبد ربُّ الصولجان). ومن طلسم القصر والكوخ: (لم أجد في القصرِ شيئاً/ ليس في الكوخِ المهين/ أنا في هذا وهذا/ عبد شكّ ويقين/ وسجينُ الخالدين الليل/ والصبحُ المبين/ هل أنا في القصر أم/ في الكوخِ أرقى/ لستُ أدري). ومن طلسم الفِكر: (ربَّ فكرٍ لاحَ في/ لوحةِ نفسي وتجلَّى/ خلته مني ولكن/ لم يقمْ حتى تولَّى/ مثلُ طيفٍ لاحَ في/ بئرٍ قليلا واضمحلا/ كيف وافى/ ولماذا فرَّ مني/ لستُ أدري). وردَّ البروفيسور (ربيع سعيد عبدالحليم) بقصيدته التي أسماها "فك الطلاسم": (جئتُ دنياي وأدري، عن يقين كيف جئتُ/ جئت دنياي لأمرٍ من هُدى الآيِ جلوتُ/ ولقد أبصرتُ قُدّامي دليلا فاهتديتُ/ ليت شعري كيف ضلّ القومُ عنه!/ ليت شعري!./ ليس سِرَّاً ذا خفاءٍ أمرُ ذيّاك الوجودْ/ كلُّ ما في الكون إبداعٌ إلى الله يَقُودْ/ كائنات البرِّ والبحر على الخلق شهود/ ليت شعري كيف ضلّ القوم رشداً!/ ليت شعري!). 
وردُّ الشعراء على بعضهم قديم، كما رد (ابن أبي الحديد المعتزلي) على (طرفة بن العبد)، في قوله:
لولا ثلاثٌ لم أخف صرعتي 
                  ليست كما قال فتى العبد
أن أنصر التوحيد والعدل في
                    كل مكان باذلا جهدي
وأن أناجي اللّه مستمتعا
                     بخلوةٍ أحلى من الشّهد
وأن أتيه الدهر كبرا على
                  كل لئيمٍ أصعر الخد(47)
وردَّ الشاعر الليبـي (خالد درويش) في قصيدته (تكذيب رسمي لأبي القاسم الشابي):
وتحكم تحكم يا من تقول
                إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فهذي القيود ولم تنكسر
            وهذى الكراسي هي الباقيات
وليس لليل أن ينجلي
               وما من خلود سوى للطغاة
وأثارت (الطلاسم) ردودا كثيرة، وجدلاً دار حولها، والطلاسم هي أسئلة مثل: "ماذا تعني الحياة؟ ما قيمتها؟ ما معناها؟ ما هدفها؟ أسئلة لا تنتهي، سألها أناس قبلنا، وسيسألها أناسٌ ياتون بعدنا بآلاف السنين، أسئلة ستظلُّ تعاود الظهور على مسرح الحياة، ولن تختفي إلا بنهاية تلك الحياة"(48). وهذه الأسئلة تنتشر في دواوين الشعراء، تقول (نازك الملائكة):
لقبوني أنا، ولم يفهموني ما أنا؟ ما وجودي المكفهِّرُ
أنا ماذا؟ تحرُّقٌ ليس يرتاح، وظلٌّ سرعان ما سيمرُّ(49)
ويقول (حسين محمود البشبيشي):
من تراني؟ لستُ أدري أيَّ معنى لوجودي    يا عذاب الفكر في سرِّي وفي سرِّ الليالي
حيرةٌ طافت بأفكاري... وأوهام خيالي    تتلقاني شكوكٌ في أصولي ومآلي
غيرُ أني لستُ أدري ما صوابي من ضلالي(50).
يحاول الشاعر أنْ يكشف أسرار الكون، كما يحاول العالم في المختبر، لكنَّ الشاعر يغامر بالكلمات، والعالم قد يغامر بمستقبل الأرض! 
وقصيدة (جبران خليل جبران): (أعطني الناي وغني، فالغنا سر الوجود/ وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود/ هل اتخذت الغاب مثلي منزلاً دون القصور/ فتتبعت السواقي، وتسلقت الصخور؟/ هل تحممت بعطر، وتنشفت بنور/ وشربت الفجر خمراً في كؤوس من أثير؟ هل جلست العصر مثلي بين جفنات العنب،/ والعناقيد تدلت كثريات الذهب؟/ هل فرشت العشب ليلاً وتلحفت الفضاء/ زاهداً في ما سيأتي ناسياً ما قد مضى؟/ أعطني الناي وغني، وأنس داءً ودواءْ)، كيف للغناء أنْ يبقى؟ وافتراش العشب شعار (عيسى) عليه السلام: (أباتُ حيث أمسي، أتوسد يداً، وألتحف الأخرى). يقول (صلاح عبدالصبور): (في لُجَّةِ الرعب العميق، والفراغ، والسكون/ ما غاية الإنسان من أتعابه/ ما غاية الحياة)(51).
 وفي الشعر الجاهلي كثير من الأشعار، التي يجوز لنا –ربما- وصفها بالعبث، بسبب نمط الحياة التي كان يعيشها الأعراب في الصحراء، فيغزو بعضهم بعضاً، دون سبب معقول. وقد عبَّر الشاعر (القطامي) عن هذا العبث:
نُغيرُ من الضبابِ على حُلولٍ
                     وَضَبَّةَ إنَّه مَنْ حانَ حانا
وأحياناً  على  بَكْرٍ أخينا
                       إذا لم نجدْ  إلا  أخانا
وكانت حياة العبث قرينة التمرد في الجاهلية، حيث آثروا الفقر والبداوة والتنقُّل، على المدنية والحضارة، وأنفوا من الزراعة، لأنَّ فيها دفع الجزية للملك. ولمَّا أراد (كسرى) أنْ يَتَّخِذَ من العرب عبيداً وجوارٍ، كبعض رعيته من العجم، رفضَ (النعمان بن المنذر) أن يُرْسِلَ له من بناته، وآل بيته، ورفضَ (آل شيبان) شرط (كسرى) تسليم وديعة (النعمان) ومائة غلامٍ يكونون رهائن أو سبايا، وهزموه في (ذي قار). 
وقد تتقارب صَعْلَكَة (رامبو) الفرنسي بحياة (امرئ القيس): "فكان يسير في أحياء العرب، ومعه أخلاط من شذاذ العرب، من (طيء) و(كلب) و(بكر بن وائل)، فإذا صادف غديراً، أو روضة، أو موضع صيدٍ، أقامَ فَذَبَحَ لِمَنْ مَعَهُ في كلِّ يوم، وخرج إلى الصيد، فتصيد، ثم عاد فأكل، وأكلوا معه، وشرب الخمر، وسقاهم، وغنته قيانه. ولا يزال كذلك حتى ينفد ماء ذلك الغدير، ثم ينتقل عنه إلى غيره. فأتاه خبر أبيه، ومقتله، وهو بـ(دمون)، من أرض اليمن..فلما أتاه بذلك، قال: تطاول الليل على دمون/ دمون إنا معشرٌ يمانون/ وإننا لأهلها محبون، ثم قال: ضَيَّعَني صغيراً، وَحَمَّلَني دمه كبيراً. لا صحو اليوم، ولا سكر غداً.اليوم خمرٌ، وغداً أمرُ، فذهبت مثلاً"(52). وتمرَّد (امرؤ القيس)، لمّا أراد غزو (بني أسد) ليطلب ثأر أبيه "نزل بـ(تبالة)، وبها صنم يسمى (ذا الخَلَصَة)، تستقسم العرب عنده بالسهام، فاستقسم (امرؤ القيس) فخرج سهم النهي ثلاثاً، فضرب بالسهام وجه (ذي الخلصة)، وقال: أيها الملعون، لو أبوك قتل ما نهيتني، ومضى لوجهه، فأوقع بـ(بني أسد)، ولم يستقسم بعد عند (ذي الخلصة) حتى جاء الإسلام. فهدمه (جرير بن عبد الله البجلي)"(53).
 على ضفاف اللامعنى، وغياب الهدف الأسمى، تتحكَّم لعبة الاستقسام بالسهام في قضايا مصيرية. ولقد عرَّف (أوجين يونسكو) العبث بأنَّه: "الشعور بأنَّ العالم قد خلا من الهدف والمعنى، وبأن الإنسان صار منزوعاً من جذوره الدينية، والميتافيزيقية، وبذلك يضيع الإنسان، وتصبح كل أفعاله بلا معنى، عبثٌ، وبلا جدوى"(54). إنسانٌ يشعرُ بأنَّ أفعاله كلها بلا جدوى، على حافة الهاوية، فإذا كان شاعراً، التحق به بعض القراء.
هل هناك عامل مشترك بين الجنون والشِّعر؟ لماذا يبحثُ بعض الشعراء عن الجنون، حتى إذا لم يجدوه، طلبوه في الخمر؟ كما قال الشاعر:
ما العيش إلا في جنون الصبـي
                     فإن تولى، فجنون المدام
وقول الشاعر الآخر:
قالتْ عَهِدِْتُكَ مَجْنَوناً فَقُلْتُ لها
             إنَّ الشّبابَ جُنونٌ بُرؤهُ الكبرُ
وعجزُ البيت ذهبَ مثلاً، فالشباب جنون، والعشقُ جنون، والغضبُ جنون، وهناك من يَنْسُبُ الفنون إلى الجنون، كقول الشاعر:
فالعقلُ فَنٌّ واحِدٌ، وطريقه
               أدرى فأرصد، والجنونُ فنونُ
وأحياناً يُتَّهَمُ الشعراء بالجنون، "قال (ابن الخثعمي) الشاعر: جُنَّ (أبو تمامٍ) في قوله:
تروحُ علينا كلَّ يومٍ وتَغْتَدي
        خُطوبٌ، يكادُ الدَّهرُ منهنَّ يُصرَعُ
أيصرع الدهر؟"(55). لم يفهموا كلامه، فقالوا: مجنون.
إذا كان العبث في الشعر الجاهلي بسبب حياة الغاب، التي كان يعيشها المجتمع الجاهلي، فإنَّ موجة العبث عادت بشكلٍ أقوى في الغرب، بعد الدمار الذي خلفته الحربان العالميتان. يقول (البير كامو): "إنَّ الشعور بالعبث، حينما نزعم بادئ ذي بدء، أننا نستخلص منه قاعدة سلوك، يجعل القتل عملاً ليس له ما يؤيده، أو ما ينافيه، وبالتالي عملاً ممكناً، فإذا كنا لا نؤمن بشيء، وإذا لم يكن هناك معنى لأي شيء، وإذا كنا لا نستطيع تأكيد أية قيمة، أصبح كل شيء ممكناً، ولا أهمية لأي شيء، ولا يعود هناك ما يؤيد، أو ما ينافي، ولا يكون القاتل على خطأ، أو على صواب"(56). إذا كان الجنون اختلاط المعاني، فالعبث عند (كامو) ليس غياب المعنى الخاص بشيءٍ ما، بل هو غياب عام شامل للمعنى، وهو أشبه بالجنون واللاعقل واللامعنى، وليس المعنى الخاطئ. ففكرة العبث عند (كامو)، هي أن الوجود عبث، لا من حيث أنه وجود، بل من حيث علاقة مكوناته مع بعضها، فكل شيء في الوجود معقول، ولكن علاقة الأشياء مع بعضها غير معقولة. وقد بلور فكرته في كتابه: (أسطورة سيزيف) ـ عام 1942م ـ وأقامها على العزلة التي تجابه الإنسان في العالم والكون، وذلك لعدم معقولية العالم، وتسلط الأقدار على رقاب الناس، وعجز الكلمات.
   ومن هذه الفكرة انطلق كُتّاب اللامعقول في نظرتهم إلى الوجود، فقدموا موضوعاتهم من زاوية أن كل شيء عبث، فالكل باطل، وهذا ما جعل مسرحهم يبدو جديداً، ثائراً، متمرداً(57). العزلة التي تجابه الإنسان أمام الحروب، ودماء الأبرياء، غير المبررة. يقول (دستوفسكي): "أصبح البشر يقتلون بعضهم بعضاً، تحت سيطرة بُغض لا معنى له، وكرهٍ لا يُفهم"(58)، لا معنى له، أي: منافٍ للعقل، فالإنسان يفهم الأشياء بشكلٍ مختلف. فـ(دون كيشوت) كان لديه أفكار مختلفة عن الأشياء. وَوَصَلَ بعض العبثيين إلى الفوضى واللاأخلاق، من حيث أنَّ "الحقائق والأحداث لا معنى لها، إلا في نظر الإنسان، أي أنَّه هو الذي يضفي عليها المعاني من عنده..فمثلاً، إذا نَظَرَ الناس إلى حدثٍ معين على أنَّه لا أخلاقي، فليس معنى هذا أنَّ الحدث فعلاً لا أخلاقي، ولكن معناه أنَّ تعتبره كذلك"(59).
وحيث "لا توجد فكرة واحدة عن الأشياء، بل ألف فكرة وفكرة، وفي الحاضر تتغيّر وتتقدّم". ولكن اختلاف (كيشوت) وَصَلَ إلى نهايته الحادة. ولغة الشِّعر هي بنية الشِّعر التي تكوِّنُهُ، ويقول (فوكو): "إنّ اللّغة هي النية الأولى والأخيرة للجنون. إنّها الهيئة التّي تكوّنه". واللغة دوال، وللدوال دلالات مختلفة. ورغمَ أنَّ الناس كان يلقبون (قيس بني عامر) بـ(المجنون)، فإنَّه ظلَّ يقول الشِّعر، كقوله:
يسمونني المجنون حين يرونني
              نعم بي من ليلى الغداة جنونُ
وقوله الآخر:
إِذا ذُكرَتْ لَيْلى عَقَلْتُ وراجَعَتْ
            رَوَائعُ عَقْلي مِنْ هَوىً متَشعِّب
وقالوا صَحيحٌ ما به طَيْفُ جِنَّةٍ
               ولا لَمَمٌ،  إِلا افتراءُ التَّكَذب
"وكان (الأصمعي) يقول: لم يكن مجنوناً، ولكن كان فيه لوثة كلوثة (أبي حية). وهو من أشعر الناس، على أنهم قد نحلوه شعراً كثيراً رقيقاً يشبه شعره)(60). واللوثة ضعف واسترخاء، ومن هذا الجو الأسطوري، نسبوا إليه كثيراً من الحكايات والشِّعر، وقلدَّهُ الكثير من أدعياء الجنون عشقاً. 
وهل الشاعر من عوّام الناس، أم له نصيبٌ من شهود المعنى في القلب؟ وذلك كقول الشاعر:
إنَّ شَمْسَ النَهارِ تَغربُ بِليلٍ
               وشمسُ القلوبِ ليست تغيبُ
ومن رؤية الحس إلى شهود المعنى، يقول (ابن عجيبة): "وحقيقة النور، في الأصل، كيفيةٌ تنبسط من النيرين على سطح الجسم، فينكشف ما عليه بواسطة البصر، ثم شبه به العلم واليقين والمعرفة، للتشابه في كشف حقيقة الأشياء، وتمييزها، فالنور الحسي ينقطع بانقطاع مصدره، والنور المعنوي -الذي هو نور القلوب- لا ينقطع"(61). في (سفر التكوين): "فليكن نور"، يقول أصحاب نظرية العبث (اللامعنى) أن لفظ النور سَبَقَ الإنارة، أي أنَّ النور كلفظ، سابق للنور كمعنى، ولكنَّ يبدو لي أنَّ النور كمعنى، سابقٌ على النور كلفظ، وكلمة (نور) تتضمن القوة الكافية لإنارة العالم، ظاهرياً وباطنياً، وأنوار الباطن قد استَخْفَتْ، فيقرُّ الرائي بالنور ولا يراه، وللقلب وجهةٌ واحدة: إذا قابلها النور أشرقت، وإذا قابلتها الظلمة أظلمت، والظلمة والنور، لا يجتمعان أبداً. وحول فلك الزهد، يدور المريدون، حتى وَصَلَ البعض إلى درجة الجنون، وصارَ لجنونهم قداسةٌ. وقد ناقشه (ميشيل فوكو) في (تاريخ الجنون)، حيث كان يُنْظَرُ إلى الجنون في العصور الوسطى، على أنّه مصدر إلهي، وأنّ خطاب المجنون، هو إعلان عن إرادة إلهيّة. ومهما كانت لغته عبثية، سيتأولونه، ويفسِّرونه، وَيُحَمِّلونَهُ ما لا يحتملْ. "وفي عصر النهضة، كان يجري إركاب المجانين على متن سفنٍ، تجوب بهم الأنهر الأوربية، بحثاً عن عقولهم. وقد كان المجنون المحبوس في سفينته، سجيناً عبر أكثر الطرق حريةً، وأفضلها نفاذاً"(62). وكتب (فوكو) فيما بعد في (ولادة العيادة): "الجنون هو تجربة عميقة، وسرية، مقنَّعة بالعقلانية، والخطاب، وبوضع الكائن البشري. وتفسيره للجنون كغيرية عميقة، يوشك أن يصبح التأويل، الذي يصغي من خلال النواهي، والرموز، والصور المحسوسة، ومن خلال جهاز الوحي بكامله، إلى كلمة الله الخفية دوماً"(63). فالجنون هنا ليس غياب العقل، بل تفعيل العقل بطريقة مختلفة، فالمجنون ليس مجنوناً إلا بقدر تسميتنا له بالمجنون، لا لسببٍ غير أنَّنا لا نفهمه. ويسأل (دريدا): لماذا يتحدَّث (فوكو) عن الجنون كبديهة لا تحتاج إلى تعريف؟ ويشكِّك في كل ما استندَ إليه (فوكو)، ويقول: "إذا كان العقل وجه الجنون الآخر -حسب (فوكو)- فإنَّ ذلك يفقد (فوكو) صفة الأركيولوجيا، التي يدَّعيها لخطابه، إذ إنَّ كتابة الصمت والمقصي لا تكون بالإقامة في الكلام والمتمركز، ثمّ إنَّ هذه الأركيولوجيا تفقد جدواها، طالما أنها تفرض كلام العقل على صمت الجنون"(64)
الهوامش:
1- جودت نور الدين، مع الشعر العربي: أين هي الأزمة؟، دار الآداب، ط1، 1996، بيروت، ص65.
2- جمال الدين بن هشام الأنصاري، الألغاز النحوية، تحقيق: موفق فوزي الجبر، دار الكتاب العربي، 1997، دمشق، ص62.
3- مقدمة ابن خلدون، عبدالرحمن بن خلدون، دار الغجر للتراث، ط1، 2004، القاهرة، ص733.
4- جان بوسيل، الزمان، ترجمة: محمد نديم خشفة، مركز الإنماء الحضاري، ط1، 2005، حلب، ص5.
5- الصولي، أخبار أبي تمام: ما روي من معائب أبي تمام، ص36، بدون ط وت.
6- أبو حيَّان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة/ ج1- الليلة الخامسة والعشرين، ص115.
7- عبدالقاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، ص50، بدون ط وت.
8- محمود درويش، الأعمال الشعرية الكاملة- أوراق الزيتون: عن الشعر، ط1، 2003، دار الهدى، كفر قرع- حيفا، ص28.
9- مجلة مشارف، عدد 3، تشرين الأول، 1995، المقابلة التي أجراها معه عباس بيضون، ص93.
10- قناة الجزيرة الفضائية، برنامج: الكتاب خير جليس، تقديم: خالد الحروب، ضيف الحلقة: محمود درويش، 11/12/2004.
11- أدونيس، زمن الشِّعر، دار الساقي، 2005، بيروت، ص13 وص113 على التوالي.
12- ابن الأثير الكاتب، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ص290، بدون ط وت.
13-د.عبدالكريم حسن، لغة الشعر في زهرة الكيمياء، المؤسسة الجامعية، ط1، 1992، بيروت، ص7.
14- المقدمة: سي بي كوكس، ديلان توماس، ترجمة: جبرا إبراهيم جبرا، 1982، دار الرشيد، بغداد، ص9.
15- دراسات نقدية معاصرة، ترجمة: علي الحلي، دار الشؤون الثقافية، ط1، 1986، بغداد، ص14. وحديث (جبرا) في مقابلة أجراها معه (بول شاؤول) في بيروت، مجلة المستقبل، عدد 158، 1/3/1980.
16- الآمدي، الموازنة بين أبي تمام والبحتري، ص9، بدون ط وت.
17- أدونيس، زمن الشِّعر، دار الساقي، 2005، بيروت، ص16.
18-  الآمدي، الموازنة بين أبي تمام والبحتري، ص7، بدون ط وت.
19- د.عزالدين إسماعيل، الشِّعر العربي المعاصر، دار العودة، 2007، بيروت، ص14.
20- ابن منظور، لسان العرب: باب شعر، ج4/ ص410، بدون ط وت.
21- ابن دريد، الاشتقاق- باب رجال الأشعريين، ص 132، بدون ط وت.
22-  نورثروب فراي، الماهية والخرافة، ترجمة: هيفاء هاشم، منشورات وزارة الثقافة، 1992، دمشق، ص218.
23- الآمدي، الموازنة بين أبي تمام والبحتري، ص93، بدون ط وت.
24- أدونيس، زمن الشِّعر، دار الساقي، 2005، بيروت، ص173.
25- الثعالبـي، ثمار القلوب في المضاف والمنسوب/ باب جن سليمان، ص17، بدون ط وت. وهو كتاب في واحد وستين باباً، مبنيٌّ على ذكر أشياء مضافة أو منسوبة إلى المعنى الذي يعقد عليه الباب، أو ما يقاربه في المعنى. ويتفاوت الحديث بين مضاف وآخر، فقد يكتفي بالتعريف به في موضع، وقد يسوق الآية والحديث والمثل والقول المأثور والشعر والنادرة.
26- مجلة الأقلام، العدد 8، أيار 1976، وليم ويميزات، الأسطورة والنموذج البدائي، ترجمة: محي الدين صبحي.وانظر: عبدالرضا علي، الأسطورة في شعر السياب، وزارة الثقافة والفنون العراقية، 1978، ص14.
27- كلود ليفي شتراوس، الإناسة البنيانية/ج2، ترجمة: حسن قبيسي، مركز الإنماء الحضاري، ص22.
28- فردريك كوبلستون، تاريخ الفلسفة، المشروع القومي للترجمة، 2002، القاهرة، ص348.
29- عزيز السيد جاسم، الاغتراب في شعر الشريف الرضي، 1987، بغداد، دار الشؤون الثقافية، ص8.
30- أرسطو طاليس، فن الشِّعر، ت: عبدالرحمن بدوي، ط2، 1973، دار الثقافة، بيروت، ص12
31- إحسان عباس، ملامح يونانية في الأدب العربي، ط1، 1977، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ص32.
32- تيري إيغلتون، نظرية الأدب، ترجمة: ثائر ديب، 1995، منشورات وزارة الثقافة، سوريا، ص236.
33- أدونيس، لقاء في قناة المستقبل، بتاريخ 18/12/2008.
34- ابن دريد، جمهرة اللغة/ ج1/ باب نصص، ص50، بدون ط وت.
35- ابن منظور، لسان العرب/ ج7/ باب نصص، ص97، بدون ط وت.
36- أدونيس، الأعمال الشعرية/ج1: أغاني مهيار الدمشقي وقصائد أخرى، دار المدى، 1996، دمشق، ص187.
37- ديوان عبدالوهاب البياتي: ج2، دار العودة، 1972، بيروت، ص143.
38- مجلة نزوى، نيسان، 2007، مقالة/ محمد الغزي:النصّ الغائب في شعر عبد الوهاب البيّاتي. والمصدر الثانوي من د. عبد الواحد لؤلؤة، من قضايا الشّعر العربيّ المعاصر: التناص مع الشّعر الغربيّ، مجلّة الوحدة، العدد 82/ 83، 1991م. 
39- الجاحظ، الحيوان، ج1/ باب شعر ابن المقفع، ص219، بدون ط وت.
40- ديوان عبدالوهاب البياتي، ج1/ قصيدة أباريق مهشمة، دار العودة، 1972، بيروت، ص127.
41- ديوان عبدالوهاب البياتي، ج2، دار العودة، 1972، بيروت، ص332.
42- أبو الحسن بن عبد العزيز الجرجاني الفقيه الشافعي القاضي( ت سنة 392 ه)، الوَساطة بين المتنبي وخصومه/ باب ادعاء السرقة في شعر البحتري، ص61، بدون ط وت.
43- ابن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشعر وأدبه ونقده، ص26، بدون ط وت.
44- ستانلي هايمن، النقد الأدبي ومدارسه الحديثة/ ج2، ترجمة: إحسان عباس، ط1، دار الثقافة، بيروت، 1960، ص54.
45- مقدمة ابن خلدون، تحقيق: د. حامد أحمد طاهر، دار الفجر للتراث، ط1، 2004، ص733.
46- ابن الأثير الكاتب، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر/ باب في اللفظة المفردة، ص59، بدون ط وت.
47- الصفدي، نصرة الثائر على المثل السائر، ص3، بدون ط وت.
48- د. حسن حماد، بحثاً عن المعنى والسعادة واليوتوبيا، ط2، 2007، دار الكلمة، القاهرة، ص17-18.
49- نازك الملائكة، شظايا ورماد، مطبعة المعارف، بغداد، 1949، ص143.
50- حسين محمود البشبيشي، مجلة المقتطف، عدد 101/ ج1، ص51.
51- ديوان صلاح عبدالصبور - دار العودة- ط1- 1972- بيروت- ص30.
52- أبو الفرج الأصبهاني، الأغاني، ج2، ص476.
53- ابن حمدون، التذكرة الحمدونية، ج2/ الباب السادس والثلاثون: في الكهانة والقيافة والزجر والعيافة والفأل والطيرة والفراسة، ص428.
54- د. حسن حماد، بحثاً عن المعنى والسعادة واليوتوبيا، ط2، 2007، دار الكلمة، القاهرة، ص66.
Martin Esslin: The Theatre Of The Absurd, Penguin Books, London, 1980, p23
55- الصولي، أخبار أبي تمام: ما روي من معائب أبي تمام، ص37.
56- ألبير كامو، الإنسان المتمرد، ترجمة: نهاد رضا، ط3، 1983، دار عويدات، بيروت، ص10.
57- محمد زكي العشماوي، دراسات في النقد الأدبي المعاصر، دار النهضة، 1986، بيروت، ص62-64.
58- دستوفسكي، الجريمة والعقاب/2، ترجمة: د.سامي الدروبي، ط2، 1985، دار ابن رشد، بيروت، ص466.
59- الدكتور رشاد رشدي، نظرية الدراما من أرسطو إلى الآن، دار العودة، ط2، 1975، بيروت، ص169.
60- ابن قتيبة الدينوري، الشِّعر والشعراء/ باب المجنون، ص121.
61- أحمد بن محمد بن عجيبة الحسني، إيقاظ الهمم في شرح الحكم للسكندري، تعليق: خليل المنصور، ط1، 1999، دار الكتب العلمية، ص120.
62- أوبير ديرفوس وبول رابينوف، ميشيل فوكو: مسيرة فلسفية، ترجمة: جورج أبي صالح، مركز الإنماء الحضاري، بيروت، ص11. فوكو، تاريخ الجنون، ص22.
63- أوبير ديرفوس وبول رابينوف، ميشيل فوكو: مسيرة فلسفية، ترجمة: جورج أبي صالح، مركز الإنماء الحضاري، بيروت، ص18. فوكو، ولادة العيادة، ص13.
64- هيثم سرحان، جماليات النقد المعرفي وحرفة التواصل الفلسفي، مجلة تنوير، صيف 2008.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق