05‏/11‏/2014

إسماعيل الفاروقي.. الرائد في العلاقات الإسلامية - المسيحية

بقلم: جون أسبوزيتو
ترجمة وتعليق: الأستاذ الدكتور ناصر عبد الرزاق الملا جاسم
وَأدَتْ وفاة (إسماعيل راجي الفاروقي) المفاجئة - حيث قتل مع زوجته، (لويس لمياء الفاروقي)، إحدى المختصات في الفن الإسلامي، في 24 مايو 1986- حياة عقل مبدع، وباحث غزير الإنتاج، ورفيق مستفز للذهن. لقد كان رائداً في تطوير الدراسات الإسلامية في أمريكا، وفي الحوار بين الأديان السماوية الثلاثة، على مستوى العالم، وناشطاً سعى لإحياء المجتمع الإسلامي في (الولايات المتحدة) وخارجها.
كان (الفاروقي) نتاج جذوره الفلسطينية، والتراث العربي، والعقيدة الإسلامية. إذ ألهمت هذه العناصر حياته وعمله. وكانت قضايا الهوية، والأصالة، والتثاقف، والإمبريالية الغربية السياسية والثقافية، التي راجت كثيراً في السنوات الأخيرة، هي السمة الغالبة في كتاباته، على الرغم من أنه عالجها بشكل مختلف في مراحل مختلفة من حياته.
انصب تركيزه المبكر على موضوع العروبة، بوصفها واسطة للإسلام، لكنه خفف من غلواء هذا التوجه لاحقاً، ليتحول صوب موضوعات الإسلام، والهوية الإسلامية. وكانت هذه المصادر مَعينه الفكري، والديني، والجمالي، طوال حياته.

الحياة المبكرة والتعليم
تلقى (الفاروقي) تعليمه الإسلامي التقليدي المبكر في المسجد، ثم التحق بمدرسة كاثوليكية فرنسية، هي (كلية الفرير) (القديس يوسف) في (فلسطين). وتبع ذلك خمس سنوات أمضاها في (الجامعة الأميركية) في (بيروت)، حصل فيها على درجة البكالوريوس في عام 1941، والتحق  إثرها بالخدمة الحكومية. وعام 1945، وفي سن الرابعة والعشرين، أصبح حاكماً لمنطقة (الجليل). وبدا أن الاتجاه المستقبلي لحياته قد ترسخ. لكن سرعان ما عصفت بذلك كله نهاية مفاجئة مع قيام (دولة إسرائيل) في عام 1948****. وأصبح (الفاروقي) واحداً من آلاف اللاجئين الفلسطينيين، إذ هاجر مع عائلته إلى (لبنان). لقد انتهت حياته المهنية، بوصفه مسؤولاً إدارياً في (فلسطين) الآن، بشكل مأساوي. وعلى غرار العديد من الفلسطينيين، تحول صوب المجال الأكاديمي، لإعادة بناء حياته وعمله الوظيفي. وأصبحت (الولايات المتحدة) ميدان تعليمه، فقد أعد نفسه لذلك، عن طريق نيل شهادتي ماجستير من جامعتي (إنديانا) و(هارفارد). ثم حصل في عام 1952 على الدكتوراه في الفلسفة من (جامعة إنديانا)** ***.
 كانت تلك سنوات صعبة ولا شك، ففضلاً عن صدمة النفي عن وطنه، كان عليه أن يتحمل المشاق من أجل إقامة أوده، وتوفير متطلبات الدراسة.
أدت محدودية فرص العمل، والدافع الذاتي به، للعودة إلى منابع تراثه الفكري، وجذوره الإسلامية.  لقد غادر (أمريكا) إلى (القاهرة)، ليمكث فيها لمدة أربع سنوات (1954-1958) ويغمر نفسه في دراسة الإسلام، في (جامعة الأزهر) الشهيرة. ثم عاد بعدها إلى (أمريكا الشمالية)، وأصبح أستاذاً زائراً للدراسات الإسلامية في (معهد الدراسات الإسلامية) في (جامعة ماكجيل) في (كندا)، وزميلاً في (كلية اللاهوت) في الجامعة نفسها، بين عامي 1959-1961. وتوافرت له في المعهد فرصة دراسة المسيحية واليهودية. ثم بدأ مسيرته المهنية أستاذاً للدراسات الإسلامية في (المعهد المركزي للبحوث الإسلامية) في (كراتشي) 1961-1963. وعاد في العام الذي يليه إلى (أمريكا) أستاذاً زائراً لتاريخ الأديان في (جامعة شيكاغو). ثم حصل في عام 1964 على أول منصب بدوام كامل، للعمل أستاذاً مشاركاً في قسم الدين في (جامعة سيراكيوز). وانتقل أخيراً إلى (جامعة تمبل) في عام 1968، ليصبح أستاذ الدراسات الإسلامية وتاريخ الأديان. وهو المنصب الذي احتفظ به حتى وفاته في عام 1986.
وإبان حياته الأكاديمية النشطة والمثمرة للغاية، التي امتدت ما يقرب من ثلاثين عاماً، قام بتأليف، وتحرير، وترجمة، خمسة وعشرين كتاباً، ونشر أكثر من مائة بحث. وكان أستاذاً زائراً فيما زاد على ثلاث وعشرين جامعة في أفريقيا، وأوروبا، والشرق الأوسط، وجنوب وجنوب شرق آسيا، وعمل ضمن هيئات تحرير سبع مجلات رئيسية.

العروبة والإسلام
كانت الهوية الإسلامية العربية الفلسطينية هي جوهر (إسماعيل الفاروقي)، الرجل والعالم. بالنسبة له، كانت العروبة والإسلام مشتبكتان مع بعضهما البعض. ومع ذلك، فإن من الممكن تحديد مرحلتين في حياته وفكره. في المرحلة الأولى كانت العروبة الموضوع المهيمن على خطابه. بينما احتل الإسلام في المرحلة الثانية مركز الصدارة. وتولى أكثر وأكثر القيام بدور العالم الإسلامي العامل، والزعيم الأكاديمي والديني في (الولايات المتحدة) وخارجها.
وقد تجسدت المرحلة الأولى فكرياً في كتابه (في العروبة: العروبة والدين)، إذ تحتل العروبة في هذا الكتاب الحقيقة المركزية في التاريخ، والدين، والثقافة الإسلامية. إنها "قديمة قدم التيار العربي نفسه، لأنها هي الروح التي أنعشت هذا التيار، وأعطته زخمه"(1)  في الواقع، إنها روح تيار الوجود العربي، والتي صهرها الوعي بوحدانية الله.
إن حدود العروبة، كما رآها (الفاروقي)، في الواقع متسعة للغاية، وشاملة، لأنها تحتضن المجتمع الإسلامي (الأمة) بمجمله، وتشتمل أيضاً على العرب من غير المسلمين. والعروبة بالنسبة لـ(الفاروقي)، ليست مجرد فكرة، بل حقيقة واقعة، فهي هوية، ومجموعة من القيم. وهي جزء لا يتجزأ ولا يمكن فصمه عن هوية جميع المسلمين، وجميع العرب من غير المسلمين. إنها الروح  الحقيقية للأمة. لقد أدمجت العروبة، ليس فقط الناطقين بالعربية في العالم العربي، ولكن أيضاً  المسلمين في العالم بمجمله، لأن اللغة، والوعي، والقيم العربية، هي في صميم العقيدة الإسلامية المشتركة.
يقرأ (الفاروقي) القرآن بعيون عربية. فلكون اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، لذا يعد مضمون الوحي رسالة للعرب. وهكذا، اعتقدَ، أن العرب هم المقصودين بالإعلان القرآني: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، وكان بإمكانه - استناداً إلى هذه القراءة - وضع القياس المنطقي الآتي المستند إلى الأساس القرآني بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: كما في تكملة الآية {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}. فالعرب يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله؛ لذلك، فإنهم هم أخلاقياً خير أمة"(2) . العرب هم النخبة، لذا يجب أن نتوقع منهم أن يفعلوا ما هو خير من سواهم.
ويمكن أن نرى مركزية فكرة العروبة، فيما يخص التاريخ والحضارة الإسلامية، في فكر (الفاروقي)، في العناوين التي اختارها لسلسلة من أربعة مجلدات، كان يعدها عن العروبة وهي: العروبة والدين، العروبة والفن، العروبة والمجتمع، والعروبة والإنسان. لقد عدّ العروبة، أو الوعي العربي، أداة للرسالة الإلهية، وأصلا للإيمان، والمجتمع، والثقافة. في هذا المعنى، كانت العروبة عاملاً مركزياً في تاريخ الدين، وعلى وجه التحديد، الديانات السماوية الثلاث. فأكد (الفاروقي) أن العروبة تنسجم مع قيم الإسلام، وكذلك مع ما جاء به أنبياء بني إسرائيل، ومع المسيح عليه السلام.(3)
وتمسك (الفاروقي) أيضاً بفكرة أن العروبة هي في قلب هوية العرب من غير المسلمين، على الرغم من أنه لم يجرِ إدراك ذلك، في كثير من الأحيان، بسبب تأثير الاستعمار الأوروبي، بقوله: "تَمثّل (العرب من غير المسلمين) كل القيم التي أقرتها العروبة، بما في ذلك القيم القرآنية، ولكنهم للأسف حافظوا على وعي زائف بهوية منفصلة، بفعل التلقين، والتحريض، والتشجيع السياسي الأجنبي، الذي يستهدف تحقيق الأهداف الإمبريالية"(4). وكان موقف (الفاروقي) ها هنا متجذراً في تمييزه بين النصارى العرب، والنصارى الغربيين. فالعرب حافظوا على الإيمان بالنصرانية  الأصلية، بنقائها السامي الأصلي، من التراكمات والتشوهات التي طالت - حسب رأيه - رسالة عيسى من قبل البولصية* الغربية. لهذا، كما يرى، فإن النصارى العرب اتهموا بالهرطقة، ووصموا بالبدعيين، واضطهدوا من قبل إخوانهم في الدين، وأخرجوا من ديارهم، بينما كانوا – كما أكد (الفاروقي) - في كثير من الأحيان، على ألفة تحت راية الإسلام، وأكثر حرية على العمل.
وسواء أكان (الفاروقي) يكتب في مرحلته العربية، أو في مرحلة الداعية الإسلامي، فإنه بقي الشخص الذي يعتقد بأن الحقيقة كل مترابط ومتكامل، وسعى لتفسيرها على ضوء ذلك. إن لحمتها وسداها هو الإيمان بالله، فالإسلام يوفر أبلغ تعبير عن إرادة الله تجاه البشرية، ومنظومة القيم التي ينبغي اتباعها. فإذا كانت العروبة هي أفضل روح أو تعبير عن القيم الإسلامية في المجتمع البشري، فإن التحديدات من قبيل المسلمين من غير العرب، والعرب غير المسلمين، يجب أن تفهم بكونها تعبيرا عن العروبة اللاواعية، أو غير المتنامية .
في الوقت الذي شكك عدد قليل في التأثير العربي على دين وثقافة المسلمين من غير العرب، أو الأثر العربي الإسلامي على العرب من غير المسلمين، فإن هذا المضمون وجد تعبيره الأتم والأوفى في تفسير (الفاروقي) للعروبة، مما عُد من قبل الكثيرين محاولة لهيمنة الإسلام العربي، أو على وجه أدق الثقافة العربية الإسلامية. وينعكس هذا الموقف في ملاحظة (الفاروقي) أن "هذا الاختلاف بين العرب والمسلمين والنصارى لا يشكل فرقاً في الثقافة، أو الدين، أو الاخلاق، ولكن في الشخصية".(6)
وكما سيتجلى لنا، ركزت نشاطات وكتابات (الفاروقي) المتأخرة، على الرؤية الشاملة للإسلام، وعلاقته بجميع جوانب الحياة والثقافة. ومع ذلك، فإنه واصل أيضاً -في المرحلة اللاحقة- التمسك بفكرة المكانة الخاصة التي تتمتع بها العروبة في الإسلام، على أساس العلاقة التكاملية للعربية في كل من شكل ومضمون القرآن: "إن القرآن لا ينفصل عن الشكل العربي، وبالتالي. . . الإسلام هو بحكم الواقع جزء لا يتجزأ عن العروبة".(7)
وكان (الفاروقي) سريعاً في التمييز بين أي شكل من أشكال القومية العربية، أو التعصب العرقي. لقد عد أي تركيز على القومية، أو العرق، ظاهرة حديثة. وهكذا، يجب أن ترفض فكرة القومية العربية، أياً كان نوعها، بوصفها بضاعة غربية، استوردها النصارى العرب، من أمثال: (قسطنطين زريق)، و(ميشيل عفلق)، تحت تأثير المفاهيم الأوروبية الحديثة عن القومية. هذه القوميات الإثنية الضيقة، تتناقض بحدة مع فهم (الفاروقي) للعروبة، المتجذر في الوحي الشامل للقرآن، وبالتالي الإرث المشترك لجميع المسلمين. إنه يعتقد أن هذه القوميات مستوحاة من الغرب، وهي تمثل شعوبية جديدة، تستهدف النيل من وحدة وعالمية أخوة الأمة.(8)
لقد وُصف (الفاروقي)، خلال المرحلة التي سبقت مباشرة تأليف كتابه (في العروبة)، وبعدها، بـ(المجدد الإسلامي). ومنهجه في التدريس والتفسير يعبر عن ذلك. كانت دروسه عن الإسلام المعاصر، تركز على أعمال وكتابات (جمال الدين الأفغاني)، و(محمد عبده)، و(سيد أحمد خان)، و(محمد إقبال)، وليس-على سبيل المثال- على (حسن البنا)، أو (سيد قطب)، أو مولانا (المودودي). ولكونه عاش وعمل في الغرب، فقد مال لتقديم الإسلام ضمن منظور غربي لمشاركة جمهوره، وكذلك جعل الإسلام أكثر فهماً وتقديراً. وقد شدد (الفاروقي) في شرحه للإسلام، من خلال كتاباته ومحاضراته، على مخاطبة المتلقي الجاهل، في كثير من الأحيان، والقليل الدراية، أو الجمهور الغربي المعادي، على رفعة المثال (المبادئ، والمعتقدات، والقيم الإسلامية)، مقارنة بالواقع المعاصر للحياة الإسلامية. أكد، على وجه الخصوص، على العقل والعلم والتقدم، وأخلاقيات العمل، والملكية الخاصة. وعلى غرار آباء التجديد الإسلامي، غالباً ما قدم الإسلام على أنه الدين البالغ التميز في نظرته للعقل، والعلم، والتقدم. ومن المفارقات، أنه مع انتقاده الاختراق والنفوذ الثقافي الغربي، فإن معاييره في الشرح والدفاع عن الإسلام، كانت غربية. في الواقع، جادله البعض بأنه قدم الإسلام ضمن رؤية عالمية للتنوير وأخلاق العمل البروتستانتية.

من القومي العربي إلى العالم - العامل الإسلامي
بدا (الفاروقي) في الخمسينات والستينات وريثاً لحركة التحديث العربي الإسلامية، والتجريبية الغربية، مع التركيز على الإسلام، بوصفه دين العقل بامتياز. في أواخر الستينات، وأوائل السبعينات، أنهى تدريجياً هذا الصراع مع هويته، باضطلاعه بدور العالم العامل. ونراه يقول، وهو يتذكر تلك المرحلة الانتقالية: "كان هناك وقت في حياتي... كان كل ما يهمني هو أن أثبت لنفسي أنني يمكن أن أفوز بوجودي الجسدي والفكري في الغرب. ولكن، عندما فزت به، أصبح بلا معنى. سألت نفسي: من أنا؟ فلسطيني، فيلسوف، إنساني، ليبرالي؟ جوابي كان: أنا مسلم!".(9)
كان هذا التحول في التوجه واضحاً في إعادة صياغة إطاره الفكري ونشاطه. حلّ الإسلام محل العروبة بؤرة التركيز والنقطة المرجعية. وتم استبدال السلسلة المتوقعة من الكتب عن العروبة، بالكتب والمقالات حول الإسلام. بدلاً من العروبة والثقافة، والعروبة المجتمع، أصبح الموضوع الآن الإسلام والثقافة، والإسلام والمجتمع، والإسلام والفن، أسلمة المعرفة. كان للإسلام دائماً مكاناً مهماً في كتابات (الفاروقي)، لكنه أصبح الآن محورها، ومبدأها المنظم. لقد قدم الإسلام كأيديولوجية شاملة، بوصفه الهوية الأساسية، ومصدر الوحدة، لمجتمع عالمي متنوع من المؤمنين، وفي كونه المبدأ الموجه للمجتمع والثقافة.
هذا النهج، هذه النظرة الإسلامية الشمولية، تجسد مرحلة جديدة في حياته، ومهنته، مع مضيه في الكتابة على نطاق واسع، وإلقاء المحاضرات، وتقديم المشورة للحركات الإسلامية، والحكومات الوطنية، وتنظيم المسلمين في (أمريكا). أما من الناحية الفكرية، فقد تجسدت هذه الرؤية في أعمال من قبيل: (التوحيد، آثاره على الفكر والحياة)، وآخرها كتابه: (أطلس الحضارة الإسلامية)، الذي اشترك في تأليفه مع زوجه، (لويس لميا الفاروقي).

الإسلام: نظرة أيدلوجية إلى العالم
 رأى (الفاروقي) العالم من خلال منظور إيمانه والتزامه الإسلامي، فركز على قضايا الهوية، والتاريخ، والعقيدة، والثقافة، والأعراف الاجتماعية، والعلاقات الدولية. وبغض النظر عن الاختلافات القومية والثقافية، في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فإن تحليل (إسماعيل الفاروقي) لنقاط القوة والضعف في المجتمعات الإسلامية، في (الماضي، الحاضر، والمستقبل) تبدأ مع الإسلام - وجوده في المجتمع، ودوره الجوهري في التنمية والتطور. وإذا استعرضنا كتاباته، وأنشطته، في السبعينات والثمانينات، نرى موضوعات قديمة، واهتمامات جديدة، كلها وضعت الآن معاً تحت مظلة الإسلام. تحليله لمحنة المجتمعات الإسلامية، أسبابها وعلاجها، يصاغ في قالب إسلامي. فالأمراض الروحية، وتغريب المجتمع، والتعليم، والفقر، والتبعية الاقتصادية، والتفتت السياسي، والعجز العسكري، وتحرير القدس، كلها كانت موجهة من ضمن سياق إسلامي. أصبح الإسلام، لا العروبة، أو الفلسطينية، هو نقطة الانطلاق والإطار الأساسي في مرجعيته.

الإسلام والغرب
وضع (إسماعيل الفاروقي) إخفاقات المجتمعات الإسلامية على كاهل الغرب والمجتمع المسلم، على حد سواء. إنه يعتقد أن الحروب الصليبية، والاستعمار الأوروبي، والصهيونية، والاستعمار الجديد للقوى العظمى (الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي) كلها كانت تأثيرات تكوينية في موقف وسياسات الغرب، وصاغت الواقع السياسي والثقافي في العالم الإسلامي المعاصر. فقد بدأ تغريب المجتمعات الإسلامية في العصر الاستعماري، وابتليت به الدول والمجتمعات الإسلامية الحديثة. نشرت الحكومات القومية هذا "الفيروس الغربي الحقير"، وهو لا يختلف عن المرض القديم المتمثل بالشعوبية، الذي أدى إلى ضعف الأمة وانقسامها. استند التغريب، انطلاقاً من العلمانية، على مبادئ وقيم الغرب المفلس روحياً، وجرى التركيز على التقدم المادي، لكنه تجاهل الجانب المكمل المتمثل بالروحي.(10)
لقد تم تهميش الدين -كما يقول (الفاروقي)- من جانب الحكومات القومية، والنخب الحديثة. وتم تبني برامج التحديث الغربية، دون تمحيص، فنفرت المسلمين من ماضيهم، وجعلتهم صورة كاريكاتورية من الغربيين. وقد زاد من ضعف هذا المجتمع الواهن، تبعيته السياسية، والاقتصادية والعسكرية، والثقافية، للغرب. ولكن ماذا عن أولئك المسلمين، وتلك الحركات التي تولت الرد، بهدف بعث الأمة الإسلامية؟ كان (الفاروقي) معجباً أيما اعجاب بحركات الإحياء، التي انبثقت في القرنين الثامن عشر، والتاسع عشر، إلا أنه آمن بأنها كانت غير مهيأة لمواجهة التحديات الغربية. وأنها لم تحظ سوى بنجاح محدود. وبالمثل، فقد فشلت التجمعات الحديثة، من قبيل: حركة (الإخوان المسلمين)، التي أسسها (حسن البنا) في (مصر)، في تقديم برنامج مفصل بما يكفي للمجتمع الإسلامي. ومهما كانت المكاسب والإنجازات، فقد وجد (الفاروقي) المجتمع الإسلامي في حالة يرثى لها: منقسم على نفسه وتابع، ولقمة سائغة للأعداء في الداخل والخارج. معتقداً أن التجديد، والاصلاح الإسلامي، هو المتطلب الأكثر إلحاحاً اليوم.

الإصلاح الإسلامي
علق أحد معارف (الفاروقي) القدامى، من النصارى، بأنه كان يؤمن بحاجة الإسلام إلى الاصلاح، وأنه يعتقد بأن (الفاروقي) تطلع ليكون (لوثر)ه. في جميع الاحتمالات، كان (الفاروقي) يفضل لو أطلق عليه مصطلح المجاهد، اي المناضل الحقيقي للإسلام، أو، ببساطة، يحب أن يعرف بالمسلم، أي الشخص الذي يخضع لله، فيمضي حياته في صراع من أجل تحقيق أو تفعيل إرادة الله في حياته الشخصية، وفي المجتمع. وتنم كتاباته وأنشطته، في العقد الأخير من حياته، عن رجل تقوده الرغبة والالتزام بإصلاح أو تغيير الحالة الراهنة والمستقبلية للمسلمين. لقد تسلح بمعرفته بالإسلام والفكر الغربي، فلم يتوقف في نضاله عن زرع (العمق الفكري)، العملية التي يراها ضرورية لدمج الإسلام وتضمينه في المجتمعات الإسلامية. في الوقت نفسه، استمرت جهوده لتقديم رؤيته عن الإسلام للغرب، واقتناعاً منه بأن على أبناء (إبراهيم) (يهود ونصارى ومسلمون) أن يصلوا إلى كلمة سواء، بشأن الأسس الدينية، وكذلك الأسس السياسية والثقافية.
جمع (الفاروقي) بين روح رواد التحديث المسلمين، مثل: (محمد عبده) في (مصر)، والباكستاني (محمد إقبال)، مع النظرة الإحيائية لزعماء سابقين، مثل: (محمد بن عبد الوهاب). وقد كان مثل (ابن عبد الوهاب)، ناقداً قاسياً بمرارة للآثار التخريبية للصوفية، والمؤثرات الثقافية الخارجية على الإسلام، ومقتنعاً بالحاجة إلى رؤية حياة المسلمين بمجملها متجذرة في عقيدة التوحيد بالله.(11) إذ يجب أن يكون الإسلام المرجع الأساسي في جميع جوانب الحياة.
في الوقت نفسه، كان (الفاروقي) الوريث لحركة التجديد الإسلامي، بتركيزها على أن الإسلام هو دين العقل. كان العقل والوحي مصادر معرفة الإرادة الإلهية: "إن معرفة السنن الإلهية ممكنة عن طريق العقل، وبالتأكيد عن طريق الوحي".(12) ويمكننا أن نرى في كتابات (الفاروقي) التأثير المزدوج لـ(محمد بن عبد الوهاب) و(محمد عبده)، على حد سواء، وضمن أعمالهما كانت هناك أعمال شملت دراسة التوحيد. ويتضح ذلك بشكل خاص في كتاب (الفاروقي) في (التوحيد: آثاره على الفكر والحياة). وعلى غرار (محمد عبده) و(عبد الوهاب)، أصّل لتفسيره للإسلام في مذهب التوحيد، فجمع فيه بين التأكيد التقليدي على مركزية وحدانية الله، مع التفسير الحداثي المتمثل بـ(الاجتهاد)، وتطبيق الإسلام على الحياة العصرية. لقد قدم التوحيد بوصفه جوهر التجربة الدينية، وجوهر الإسلام، ومبدأ التاريخ، والمعرفة، والأخلاق، وعلم الجمال، والأمة، والأسرة، وفي المجالات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية والنظام العالمي. التوحيد هو أساس وقلب النظرة الإسلامية الشاملة للعالم: "إن كل التنوع، والثروة، والتاريخ، والثقافة، والتعلم، والحكمة، والحضارة، التي يمتع بها الإسلام، يمكن اختصارها في أقصر جملة، هي: لا إله إلا الله".(13)
وقد تجلى المدى الذي كان فيه (الفاروقي) نتاج وجسر بين عالمين، عبر الأفكار واللغة التي استخدمها في كتاباته وخطابه للجماهير الغربية غير المسلمة، وإخوته وأخواته في الإسلام. ومن الملفت للنظر بشكل خاص في كتاب (التوحيد)، الذي كتب بوصفه "دليل لتدريب المسلم". إذ جمع في عرضه للإسلام بين العقيدة والقيم الإسلامية، وبين اللغة والقضايا الغربية الفلسفية / الدينية. وقد يعزو البعض هذا، ببساطة، لتأثير تعليمه الغربي ومعيشته في الغرب. ولكن قد يكون الأصح، هو الرغبة في تقديم الإسلام بوصفه الرد الوحيد القابل للتطبيق لحل المشكلات الحديثة، التي عجزت -في تقديره- الثقافة الغربية عن التصدي لمعالجتها بشكل واف. وهذا النهج  يلبـي حاجة من شقين: إنه يقدم عرضاً حديثاً للإسلام، ويأخذ بنظر الاعتبار التقليد الثقافي الغربي، الذي توغل بشكل متزايد في التعليم وحياة المسلمين. وهكذا، على سبيل المثال، يتم تقديم الإسلام ديناً للطبيعة، وللإنسانية الحقة، وللأخلاق، والمجتمع. التوحيد يوفر الوحدة للطبيعة، وللشخصية الإنسانية، والحقيقة، من خلال إخضاعها لله. وبالتالي، تحل أي توتر في الصراع بين الدين والعلم، وتؤكد البعد الأخلاقي في الإسلام، وتجيز الحاجة إلى إعادة اكتشاف البعد الإسلامي في جميع المعارف، من خلال عملية الأسلمة. ويؤكد (الفاروقي) بوضوح على العلاقة التكاملية أو الأساسية للإسلام مع الحقيقة بكليتها: "إن العقل الإسلامي لا يعرف النقائض الثنائية: مثل   "الديني - العلماني، "المدنس - المقدس"، " الكنيسة - الدولة"، ولا توجد هناك في العربية، لغة الدين الإسلامي، مفردات من هذا القبيل."(14)
ويمكن أن يظهر ميله للغة الفلسفية الغربية في أقوال، من قبيل: "إن مذهب المتعة، وجميع النظريات الأخرى، التي تجد القيمة الأخلاقية في جوهر العملية النابعة من ممارسة الحياة الطبيعية، هي بهيمية سوداء بنظر(المسلم)"(15). ويتجلى ذلك، بصورة أكثر وضوحاً، في ملاحظته "المسلم هو بالتالي هو صاحب قيم في علوم التفسير الدينية، ولكن إلى حد الوصول إلى علم الأخلاق السليمة، بوصفه فقيهاً"(16). إن استخدام المعايير واللغة الغربية، لا ينم عن تقبل غير نقدي، أو تماهٍ مع الثقافة الغربية. في الواقع، ومن أجل مواجهة المخاطر التي يتعرض لها الإسلام من هذا القبيل، ركز (الفاروقي)    -ولا سيما في سنيه الأخيرة- على ما وصفه بأسلمة المعرفة.

تدريب جيل جديد
انصب جهد (الفاروقي) الرئيس على إعداد جيل جديد من المسلمين، يدرس الأساليب الحديثة، ولكن بتوجه إسلامي. ولكونه يؤمن بأن الكثير من مشكلات العالم الإسلامي مبعثها النخب، وتشتت التعليم في المجتمعات الإسلامية، فقد تناول هذه المشكلة بمجموعة متنوعة من الطرق؛ عادة، كان يجمع بين الفكر والعمل، الآيديولوجية ترافقها عملية التخطيط للمؤسسات وتنفيذها. سافر على نطاق واسع، وبانتظام، في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وقام بإلقاء المحاضرات في الجامعات، وإلى مجموعات الشباب المسلمين. وانتقى بعناية الطلاب للالتحاق ببرنامجه الدراسي في (جامعة تمبل)، في (فيلادلفيا). كان وجودهم معه في (جامعة تمبل)، تعزيزاً لتجربة التعليم لدى الطلاب من غير المسلمين، ولكن، الأكثر أهمية، أنه أتاح الفرصة للمسلمين، للحصول على التعليم الجامعي الحديث، والجمع بين دراسة الإسلام، وتاريخ الأديان، والتقاليد الدينية الأخرى. تمتع هو وزوجه (لويس لميا الفاروقي)، بعائلة كبيرة متسعة، تتجاوز القوميات. وغالباً ما تولوا العناية بالاحتياجات المادية، وكذلك المتطلبات التعليمية للطلاب، ووفروا للكثيرين بيتاً (عائلة)، لمن نأت بهم السبل عن منازلهم.
كان (الفاروقي)، من الناحية التنظيمية، زعيماً في (رابطة الطلاب المسلمين)، منذ نشوئها، وهو مؤسس ورئيس جمعيات مهنية إسلامية متعددة، من قبيل: (رابطة علماء الاجتماعيات المسلمين)، ورئيس مجلس أمناء (الصندوق الإسلامي في أمريكا الشمالية). وجمع على امتداد حياته العلمية بين التزامه الإسلامي والدراسات الإسلامية، وبين دوره مؤرخاً للأديان والتراث الديني. وعمل في نفس الوقت، بشكل دائب، لإنشاء برامج للدراسات الإسلامية، ولتجنيد وتدريب الطلاب المسلمين، وتنظيم المهنيين المسلمين، كما أنشأ وترأس لجنة توجيه الدراسات الإسلامية في (الأكاديمية الأمريكية للأديان) (بين عامي 1976-1982)، وهي أكبر رابطة مهنية لأساتذة الاديان في (أميركا). وللمرة الأولى، تمتعت الدراسات الإسلامية بحضور قوي في هذه الأكاديمية، من خلال سلسلة من اللقاءات، التي كانت تعقد كل عام ضمن الاجتماع السنوي للأكاديمية، وكذلك عن طريق الإصدارات، التي تنتج عن أعمالها. (17)
وفي أواخر السبعينات، كان (الفاروقي) قلقاً ومحبطاً من عمله في (جامعة تمبل). التخفيضات في الميزانية، وسياسات الأقسام، وتعارض الأولويات، منعته من بناء ذلك النوع من البرنامج للدراسات الإسلامية، التي كانت قد جذبته إلى هذه الجامعة. كانت نشاطاته الشخصية تدفع به أكثر وأكثر في اتجاه ما يمكن وصفه بالتخطيط الاستراتيجي، وتنفيذ الإصلاح الإسلامي. كما بينا سابقاً، إنه كرس قسماً متزايداً من طاقاته لرسم معالم تفسير لمعنى الإسلام، وآثاره على المجتمع المسلم، ولتنظيم وتثقيف المسلمين. أدرك أن تطبيق نماذج جديدة، غير غربية، لتطوير المجتمعات والجماعات الإسلامية، في الداخل والخارج، يتطلب تدريب أجيال جديدة من المسلمين، وجهوداً منظمة لأولئك الخبراء المتواجدين.
في سنواته الأخيرة، قولبت بضعة مشاريع معينة (رسالته)، واستهلكت الجزء الأكبر من وقته وطاقاته. أسس (الكلية الإسلامية الأمريكية) في (شيكاغو)، وشغل منصب أول رئيس لها. ولعقد من الزمن كان يتحدث عن إنشاء جامعة إسلامية كبرى في (الولايات المتحدة)، حيث يمكن أن تنجز الدراسات والتعليم الاسلامي، كما كان يتصوره. كانت خططه عظيمة، وفي عدد من المناسبات، بدا أنها تقترب من التحقيق. ومع ذلك، كان عليه أن يرضى ببداية متواضعة مع كلية صغيرة في (شيكاغو). في الوقت نفسه، حقق حلماً، كان يراوده منذ فترة طويلة، عندما أنشأ في عام 1981 (المعهد العالمي للفكر الإسلامي) في ولاية (فرجينيا). فقد أدرك أنه إذا كان للمرء أن يعترض على تبني دون تمحيص للنماذج الغربية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتنمية التعليمية، فلكونها النماذج القائمة والراسخة. إن الدعوة والمطالبة بدول ومجتمعات تتبنى المزيد من التوجه الإسلامي، يجب أن يؤدي ليس فقط إلى نقد الوضع الراهن، واستخدام البلاغة الدينية، فيما يتعلق بالبدائل الإسلامية. يجب أن يكون النشاط الإسلامي مستعداً لتجاوز المعارضة صوب التنفيذ. لم يعد كافياً شجب ما نحن ضده، وإعلان ما نحن معه. من الضروري امتلاك خطط ملموسة ومحددة لهذا النظام الإسلامي الجديد.
إن نمو الحركات الإسلامية، والدعوات الحكومية إلى الإسلام، قد ضاعفت، كما يعتقد (الفاروقي)، من الحاجة الملحة لمؤسسات مستودعات الفكر المهيأة لسد الحاجة العالمية المتشعبة بين النخب العلمانية الحديثة، والزعماء الدينيين التقليديين. ويمكن لمنظمات كهذه أن توفر الدراسات والخطط اللازمة لمعالجة مشكلة الكيفية، التي يجب أن تكون عليها الأنظمة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والقانونية، الإسلامية. وفي لب نظرته كانت (إسلامية المعرفة). لقد عزا الامراض السياسية، والاقتصادية، والثقافية - الدينية للمجتمع الإسلامي، في المقام الأول، إلى حالة التشتت في التعليم في العالم الإسلامي، كمحصلة لانعدام الرؤية. إنه يعتقد أن العلاج ذو شقين: الدراسة الالزامية للحضارة الإسلامية، وأسلمة المعرفة الحديثة. وهنا نجد موضوعاته المألوفة، من قبيل الجمع بين مؤثرات المجددين المسلمين، وتقاليد الإحيائيين. ويتضمن ذلك الاعتقاد بأن ضعف وفشل المسلمين هو نتيجة التخلي عن الاجتهاد، الذي هو مصدر الابداع في الإسلام، الرغبة والميل للمعارضة بين الوحي والعقل. والفصل بين الفكر والعمل؛ والازدواجية الثقافية والدينية. لقد جمع (الفاروقي) بطريقة نموذجية بين الفكر والعمل. ونشر عدة أعمال، بما في ذلك بحثاً بعنوان (إسلامية المعرفة)، و(أسلمة العلوم الاجتماعية)(18). ونظم وشارك في تنظيم مؤتمرات دولية، حول إسلامية المعرفة، في بلدان مثل: (ماليزيا) و(باكستان). وخدم مستشاراً لمنظمات، وحكومات، إسلامية، ولجامعات تتوزع من أفريقيا إلى جنوب شرق آسيا.
رغبة (الفاروقي) لتطوير وبناء المؤسسات، وتطبيق (أسلمة المعرفة)، قد تحققت في عام 1981، عندما أسس وزملاؤه ممن شاركوه تفكيره، من مثل (عبد الحميد أبو سليمان)، (طه جابر العلواني)، و(جمال البرزنجي)، (المعهد العالمي للفكر الإسلامي)(IIIT) في (هيرندن- فرجينيا).(19)  لقد اندفع المعهد، إيماناً منه بأن المثقفين المسلمين والمجتمع المسلم قد اتبعوا، دون تمحيص، العلوم الاجتماعية الغربية، التي هي متجذرة في الرؤية ومجموعة القيم الأيديولوجية الغربية، إلى تقديم رؤية إسلامية قوامها أسلمة المعرفة، وذلك عبر أسلمة التخصصات الأكاديمية المعاصرة. بهذه الطريقة يمكن للمجتمعات، والجاليات الإسلامية، أن تتقدم، دون أن تتغرب. إذ بمقدورها أن تستعير وتستفيد من أفضل ما تقدمه العلوم والتكنولوجيا، وهي تستند في تطورها على المبادئ والقيم الإسلامية. وقد طوّر المعهد، طوال سنوات وجوده، رؤية وجدولاً من خلال المنشورات والندوات والمؤتمرات، وإنشاء شبكة من الفروع في أوروبا، والشرق الأوسط، وآسيا.

العلاقات الاسلامية - المسيحية
الحوار بين الأديان
صيّر تنقل (الفاروقي) في أرجاء العالم، بصفته أحد الناشطين الإسلاميين، مشاركاً فاعلاً ورائداً للإسلام المعاصر في الاجتماعات الدينية الدولية. وقد بيّن، منذ نشر كتابه المبكر (الأخلاق المسيحية) في عام 1967، وإلى كتابه (ثلاثية الأديان الإبراهيمية)، عن اهتمامه الدائم والتزامه بالحوار بين الأديان. لقد كان قوة رئيسة في حوار الإسلام مع الديانات العالمية الأخرى. خلال السبعينات أسس نفسه على أنه المتحدث الأبرز عن الإسلام، إلى جانب عدد قليل من كبار علماء المسلمين، بمن فيهم (فضل الرحمن) و(سيد حسين نصر)، من بين المعروفين والمحترمين في الأوساط الأكاديمية الغربية والدوائر المسكونية. وقد جعلت كتاباته، وخطبه، ومشاركاته، ودوره القيادي في الاجتماعات والمنظمات عبر الأديان، التي رعتها منظمات من قبيل: (مجلس الكنائس العالمي)، و(المجلس الوطني للكنائس)، و(الفاتيكان)، و(ندوة السلام بين الأديان) (التي كان نائباً للرئيس فيها بين عامي 977-1982) كلها جعلت منه المشارك المسلم الأكثر تألقاً، والأغزر إنتاجاً، في حوار الأديان العالمية. وقد وضعت كتاباته، والمحاضرات التي قدمها، المبادئ والأسس الإسلامية للمشاركة في الحوار بين الأديان، وفي النشاط الاجتماعي.(20)
 إذا كان كتابه في العروبة، نتاج دراسته وإلقاء المحاضرات في (الأزهر)، و(المعهد العالي للدراسات العربية) في (جامعة القاهرة)، فكذلك أسفرت تجربته في (معهد جامعة ماكجيل للدراسات الإسلامية) عن تأليف أول عمل ديني كبير له، هو الأخلاق المسيحية. وهي دراسة مسلم للمسيحية. لقد كان مشروعاً طموحاً استغرق مدة عامين. قرأ فيها على نطاق واسع في تاريخ الفكر واللاهوت المسيحي، وكانت فرصة للدخول في محادثات موسعة ومناقشات مع زملاء، مثل: (ويلفريد كانتويل سميث) مؤسس ومدير (معهد ماكجيل)، و(تشارلز آدمز)، و(ستانلي برايس فروست)، الذي كان عميداً لكلية اللاهوت.
 كان كتاب (الأخلاق المسيحية) في زمنه عملاً تأسيسياً - تحليل للمسيحية، يقدمه مسلم محدث ومدرب. جمع (الفاروقي)، بصورة مثيرة للإعجاب، بين اتساع إمكانياته العلمية، والذهن المتعطش للمعرفة، والمهارات اللغوية. وإذا كان قد اعترض البعض على تفسيراته واستنتاجاته، فإن أحداً لم  ينتقده لعدم اضطلاعه بالمهمة على الوجه المطلوب. كانت نواياه الدينية، ورغبته للمضي قدماً كمؤرخ للأديان، واضحة منذ البداية. بسطت المقدمة المستفيضة، الخطوط العريضة لمبادئ ما سماه: منهاج ما بعد الدين، وهي مبادئ تتجاوز حدود التقاليد القائمة. وأعقب ذلك تقييم للحوار الإسلامي – المسيحي، وتقييم نقدي لعدد من باحثي الأدب المقارن، من اللاهوتيين المسيحيين، من مثل: (ستيفن نيل)، (هندريك كريمر)، (ا س بوسك)، و(ألبرت شفايتزر).
 دعا (الفاروقي) إلى ضرورة تخطي المنهج الدفاعي أو الجدلي في دراسة الأديان المقارنة، والدخول في ما عده، دراسة علمية أكثر فائدة. لقد أشار إلى أن كثيراً من الدراسات السابقة، قد انطلقت من التحيزات النابعة من المواجهات والصراعات الماضية، وكذلك من المجادلات التبشيرية، والتشوهات الاستشراقية. واقترح عوضاً عنها، منهجية تتجاوز اللاهوت العقائدي، وتعود إلى "ما بعد الدين الخالي من اللاهوت"، من خلال الاستناد لتحليل الأديان على مجموعة من المبادئ البديهية.
 كانت صعوبات مهمة من هذا النوع واضحة منذ البداية. تحدث (الفاروقي) عن رغبته في المساهمة في مهمة تحديد المبادئ الروحية للوحدة المستقبلية للجنس البشري، على وجه التحديد، لتحقيق التقارب بين المسيحية والإسلام، من خلال الكشف عن الأرضية الواسعة التي تجمع بينهما. ومع ذلك، فإن دعوته في إعادة بناء المسيحية، وأن يظهر للمسيحيين "المواضع التي سمحوا فيها لدينهم الأخلاقي"، هو أمر وجده الكثيرون غير مقبول.
 شجب (الفاروقي) دراسة الإسلام من قبل المسيحيين. وعلاوة على ذلك، قال إن غالبية الكتب المكتوبة عن أديان الشعوب الأخرى، من قبل غير المؤمنين، كانت نتاج من مؤلفين أخضعوا الدين للمعايير المأخوذة من التقاليد الخاصة بهم. وختم بالقول: "نحن لا نعرف أي كتاب تحليلي عن الإسلام، على سبيل المثال، كتبه مسيحي، لا يصدر عن تلك الأحكام المستندة إلى المعايير المسيحية والغربية".(21) ولكن تحليل (الفاروقي) للمسيحية، ونقده لها، وفر حالة عكسية في نقطة، مما يعكس أن الأحكام في كثير من الأحيان نابعة من إيمانه الإسلامي.

المبادئ المنهجية للتفسير
عرف أساس منهج (الفاروقي) للحوار بين الأديان، يتمثل بتحديد "المبادئ العليا التي تخدم كأساس للمقارنة بين الأنظمة المختلفة من المعاني، من الأنماط الثقافية، من الأخلاق والأديان. وهي المبادئ التي يمكن، من خلال الرجوع إليها، فهم المعاني، والأنظمة، ومفهمتها، وتقنينها".(22)
كان المبدأ الأول، هو: التماسك الداخلي، أي أن "عناصره (الشيء) المكونة ليست متناقضة مع بعضها البعض".(23)
وبالتالي، ففي حالة عقيدة الثالوث، فإن المسلمين تمسكوا بفكرة أن هناك تناقض متأصل فيها. وبالمثل قال (الفاروقي) -بشكل لا لبس فيه- إن التماسك الداخلي يستبعد اللجوء إلى المفارقة، بوصفها مبدأ لاهوتياً. وقال إنه يرى حاجة كبيرة للرد إرسالها إلى النقاد الذين قد شككوا في الأساس العالمي لرفعه لهذا التأكيد إلى مرتبة الحقيقة البديهية.
بينما نادى (مبدأ الفاروقي الثالث) بأن أوامر الله لا يمكن أن يعارض بعضها البعض، إلا أنه لم يحدد ما هي المعايير التي تستخدم لحل أو التوفيق بين مسألة الادعاءات المتنافسة، والادعاءات والأقوال الحقيقية أو المتناقضة. هو يقول فعلاً "بعد تطبيق قواعد أنظمة فهم الدين (والمبادئ النظرية والتماسك الداخلي والخارجي) بدقة على دين، نحن قد نتوقع أن التناقضات الداخلية في الدين قد أزيلت".(24) بيد أنه لا يبدو معنياً بالمسائل العملية، التي يمكن أن يخلقها هكذا تناول، من قبيل: من يحق له أن يصدر هذا الحكم، وبأي سلطة، وكيف للآخرين أن يقروا هذا الافتراض بالسلطة، أو كيف يمكن لأحد أن يتصدى لتهمة أن مبادئ هذا الشخص هي إحدى الافتراضات عن غيره؟.
ما هي قواعد افتراض صحة هذه المبادئ؟ والجواب على هذا السؤال قد يبدو: العقل، أو العقلانية. استخدم (الفاروقي) العقل لشرح أو نقد المسيحية. قيامة (يسوع) من بين الأموات يمكن شرحها عاطفياً أو نفسياً، من خلال الافتراض الأساسي أن هذا هو التفسير الوحيد (العقلاني). المذاهب المسيحية الأخرى، مثل: ألوهية المسيح، تحرم أو تدحض، لأنها غير عقلانية. ميز (الفاروقي) هذه المنهجية بأنها تستند فقط على العقل: "التحليل هو عقلاني، نقدي، والحجة الوحيدة التي يجوز أن نقدمها ضد مبادئها، هو الخطأ من التفكير العقلي".(25) وقال بأن هذا هو نقد موضوعي، بل "المطلق"، قائلاً إن "هذا العمل هو ليس لمسلم "ولا نقد إسلامي، ولكن نقد إنساني للأخلاق المسيحية".(26)
وبرر التناقض الظاهر في هذا القول بالتأكيد على أن دراسته جسدت الروح الإسلامية، التي حددها بالعقلانية نفسها، مؤكداً بأن "الإيمان بالإسلام يعني الاعتناق استناداً للأدلة اليقينية. . . كل ما هو معارض للعقل يجب في الواقع أن يكون بغيضاً إلى الله".(27)
بينما قد يميل البعض –ببساطة- إلى رؤية تأثير الفكر العقلاني المعتزلي المبكر هنا، فالأكثر دقة أن نلاحظ أن (الفاروقي) عربي مسلم، لقن الفلسفة الغربية، ويتوجه بالخطاب لجمهور غربي. وهكذا وظف شرائع البحث العلمي الغربية الحديثة (العقل والتجريبية) بوصفها الأدوات الوحيدة للدراسة، والحجج ذات المصداقية. في هذه العملية، التوتر التاريخي بين الإيمان والعقل في التاريخ والفكر الإسلامي، كما شهدنا في المناقشات بين المعتزلة والأشاعرة، أو الفقهاء والفلاسفة، كان قد تم تجاوزه، أو الارتقاء بعده، على ما يبدو. إن المواقف اللاهوتية القديمة، والخلاف، ليس فقط بين الإسلام والأديان الأخرى، ولكن أيضاً داخل الإسلام نفسه، قد تم تجاوزها، من أجل التركيز على ما عده: الأخلاق الأولية: "دعونا نسقط أسئلتنا القديمة  فيما يتعلق بطبيعة الله، التي لم يثمر عنها شيء إلا المآزق. ودعونا ننتقل إلى الإنسان، إلى واجباته ومسؤولياته، التي هي  -في الواقع- لا شيء غير إرادة الله. ليكن الله من يشاء أن يكون، أليس من الممكن، لا بل من الضروري، أن يتفق جميع البشر على تحقيق الإرادة الإلهية أولا؟".(28)

الأخلاق
آمن (الفاروقي) بأن التركيز على إرادة الله، كما رأينا، من خلال تعابير المسؤولية الإنسانية، والحساب، هو المفتاح لتجاوز الخلافات اللاهوتية، وتحقيق وحدة الأخوة البشرية. ولكن حتى هذا المعتقد، والنية النبيلة، تتضمن افتراضات خفية. لقد افترض أن المؤمنين سوف يتفقون بطريقة أو أخرى على المبادئ الأخلاقية السماوية، وغاب عليه أن يدرك أنه على الرغم من وجود الكثير من القواسم المشتركة بين الديانات الإبراهيمية الثلاث، فإن هناك اختلافات مهمة، فيما يتعلق بقضايا مثل: الزواج (جواز تعدد الزوجات)، والطلاق، وشرب الكحول، وتحديد النسل، والإجهاض.
إن تحليل (الفاروقي) لليهودية والمسيحية لافت للنظر، سواء بالنسبة في علميته، أو في أحكامه التقييمية. إنه تجنب –بمثابرة- الوقوع في شرك أولئك المسيحيين، ممن كتبوا في الدين المقارن، ممن كان قد انتقدهم، بسبب اعتمادهم على كتابات من الدرجة الثانية أو الثالثة، بدلاً من الاستناد إلى المصادر الأولية. لقد أظهر معرفة واسعة بالنصوص والبحث العلمي التوراتي، وبالتاريخ المسيحي، واللاهوت، والأخلاق. لكن، ومن المفارقات، أنه وعلى الرغم من تمسكه بفكرة أن المجتمع الديني العالمي لم يجن إلا القليل من الفائدة من عمل المنصرين، وأولئك الذين ينخرطون في الدراسة العلمية للدين، إلا أن بعض استنتاجاته هي التي استخلصها من نقده، المعروف بما بعد الدين، لا تختلف قليلاً عن تلك التي يمكن العثور عليها في كتابات المنصر، أو مؤرخ الدين. وهكذا، على سبيل المثال، استنتاجه بأن التقاليد الكهنوتية في (سفر التكوين)، يجب أن تسمى بشكل صحيح نتاجات مزورة للمعتقدات والقيم الإسلامية، حول طبيعة الوحي والمجتمع، وكذلك مبادئ ما بعد الدين، التي ترتكز على العقل.
إن حكم (الفاروقي) بأن وحي (عيسى) قد جرت خيانته على يد المسيحية، وهكذا ميز بين المسيحية والمسيحية الحقيقية، قد صعق العديد من المسيحيين، لأنه نتاج تحليل استخدم العقل، للوصول إلى الاستنتاجات الإسلامية، المتجذرة في الوحي والمعتقد الإسلامي. وبينما قد تكون منهجيته مختلفة، فإن الخطب التبشيرية اللاذعة، تم استبدالها بالجدل العقلاني المتطور، لكن كانت النتائج نفسها. يمكن للمرء أن نرى هذا الاندماج، كما هو، في توصيف (الفاروقي) لانقسام اليهود إلى فئتين. فمن ناحية، هناك من رفض فهم الكتب العبرية وفقاً للمصطلحات العرقية ممن يسميهم (اللا يهود)، أو اليهود الموسويين حقاً. أنهم "يقفون بشكل أساسي، في معسكرنا، مقارنة بأولئك الذين يعدون النصوص العبرية منزلة من السماء، وهي نسخة غير محرفة من التوراة الإلهية، التي عهد الله بها لموسى".
ومن جهة أخرى، هناك اليهود الذين "ينظر إليهم بأنهم أولئك الذين تخلوا عن النهج الموحى من السماء، من أجل السعي القبلي الشخصي، والتأكيد والحفاظ على عرقهم".(29)
دعوة (الفاروقي) للمسيحيين والمسلمين للاتحاد معاً في إنتاج لاهوت جديد، بدا -في كثير من الأحيان- دعوة إلى التخلي عن جزء كبير من العقيدة والتراث، والقبول بالرؤية الإسلامية التصحيحية للتاريخ الديني. وأكد أن هناك حاجة إلى الإصلاح الثاني، الذي، وإن لم يكن يتضمن رفض كل الماضي، إلا أنه يحررها من السلطة والغموض، الناتج من التراث التراكمي، الذي تمثل بالأناجيل، و(القديس بطرس) إلى (بارث) و(تليك). كثير من اليهود والمسيحيين يتساءلون: إذن ما الذي سيتبقى.(30)
كما هو الحال في العديد من المجالات الأخرى، خدم (فاروقي) كمثال للعلماء المسلمين الآخرين، في تبيان أهمية أخذ دراسة الديانات الأخرى على محمل الجد. هذا الاعتقاد أسس له في (جامعة تمبل)، حيث أصر على أن يدرس الطلبة المسلمون بجدية الأديان الأخرى، وكتابة أطروحات في الأديان المقارنة. لقد قدم العديد من الأفكار والملاحظات، التي تحدت الآخرين، واضطرتهم إلى التقدير والاستجابة، إلى التصور الذكي لمسلم في فهمه وانتقاده المسيحية أو اليهودية. تحليل (الفاروقي) قطبين، أو اتجاهين في المسيحية، فهي من جهة تنبذ الدنيا، ومن جهة أخرى تغرق فيها. انتقد عدم التوازن الذي تعيشه المسيحية تجاه المال والسلطة. وقال إن التراث المسيحي يحتفي بالفقر والمعاناة للمسيح المصلوب، وفي الوقت نفسه، وجد أنه من الضروري التبرير أخلاقياً لتحقيق الذات والسعي وراء الدنيا، ونشدان السلطة، من خلال الغزو والاستعمار، بإلباسها لباس التضحية والإيثار. ويمكن تطبيق هذا الفهم على دور الإمبراطورية المسيحية، والبابوية، في التاريخ المسيحي، وكذلك الدفاعات المسيحية الحديثة عن الاستعمار الأوروبي، والاستعمار الجديد، والرأسمالية الغربية.
كتب (ستانلي برايس فروست)، عميد (كلية اللاهوت)، أبان سنوات وجود (الفاروقي) في (معهد الدراسات الإسلامية) في (جامعة ماكجيل)، ملخصاً وضع (الفاروقي) جيداً بقوله:
"أصبح رجل يعيش بين عالمين، يتحرك فكرياً بينهما بسهولة، ولا يشعر بالسلام في أي منهما".(31) إن هذا الصراع بين هذين العالمين، كان لا شك وراء كتابة كتابيه: (العروبة) و(الأخلاقيات المسيحية). العروبة والإسلام والثقافة المسيحية الغربية، كانت زاد (الفاروقي) الديني والتاريخي، والثقافي، الأمتع.

الخلاصة
فرض القرن العشرين مطالب هائلة على المسلمين في جميع أنحاء العالم، نبعت عصف التغييرات السريعة: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية. ونتج عنها صعود الحركات القومية، وظهور الدول الحديثة، وزيادة في التحديث والتغريب، وإنشاء (دولة إسرائيل)، ومعها سلسلة من الحروب العربية الإسرائيلية، والثورات الاشتراكية العربية في الخمسينات، وأوائل الستينات، والحروب الأهلية والإقليمية، والصحوة الإسلامية في الحياة الخاصة والعامة. وعلى امتداد هذه المرحلة، حاول سلسلة من المسلمين المؤثرين، مثل: (محمد عبده)، و(محمد إقبال)، و(حسن البنا)، و(أبو الأعلى المودودي) -وعلى سبيل المثال- معالجة القضايا الحساسة في موضوعات العقيدة الدينية والهوية. في العقود الأخيرة، حظي العالم الإسلامي بعدد من أبرز المفكرين، ممن جمعوا بين أفضل تعليم في الجامعات الغربية، وبين تراثهم الإسلامي. وحاولوا تقديم شرح للإسلام، للجماهير غير المسلمة من جهة، والمساهمة في الفهم والتفسير المعاصر للإسلام، بين صفوف المسلمين. الأهمية المتزايدة للوجود الإسلامي في (أمريكا)، انعكست في حقيقة أن (الولايات المتحدة) قدمت أيضاً سياقاً لهذا المسعى. كان (الفاروقي) من بين أبرز الممثلين له، ليس فقط في عملية المعرفة (التفسير الديني والإصلاح)، ولكن أيضاً في مجال العمل. في مجال المؤلفات، والندوات العلمية، والتدريس، والحوارات المسكونية، والأنشطة الأخرى، نرى أنه كتب، وتحدث، وتصرف، بوضوح وقناعة من لديه رؤية ومهمة. وكان من بين طليعة من المفكرين المسلمين الذين استقروا في (أمريكا)، ولكن عكس بعد ذلك عملية تحول المعرفة (من الدول الإسلامية إلى الغرب). رؤيته، وأفكاره، وأثره، متعددة المستويات، والتأثير، كان ينقلها عبر الكتابات، وعن طريق طلبته المسلمين (وكذلك الطلاب غير المسلمين)، الذين عادوا للتدريس والعمل في الوزارات الحكومية، على امتداد العالم الإسلامي، وكذلك من خلال المنظمات والمؤسسات، التي أسسها وقادها. لقد وفر الأساس الفكري المهم لكل من العلماء العاملين في السبعينات والثمانينات، وكذلك للجيل الفكري الناشئ في بداية القرن الحادي والعشرين. كان (إسماعيل الفاروقي) في الواقع صانعاً للإسلام المعاصر.
-------
* نشر هذا البحث ضمن كتاب (صانعو الإسلام المعاصر)، الذي اشترك في تأليفه (جون أسبوزيتو) و(جون فول)، ويتناول سير وأفكار تسعة من المفكرين المسلمين المعاصرين، وصدر للمرة الأولى عن مطبعة (جامعة أوكسفورد)، عام 2001، والعنوان بالإنكليزية:
John Esposito & John O. Voll, The makers of the Contemporary Islam( London, Oxford University press.2001).
 * * (جون أسبوزيتو) من أبرز المختصين المعاصرين بالدراسات الإسلامية، وهو مدير (مركز الوليد بن طلال للتفاهم الإسلامي – المسيحي) في (جامعة جورجتاون)، لديه مؤلفات عديدة في الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر. وهو تلميذ الراحل (إسماعيل الفاروقي)، ويعد بحثه الذي بين أيدينا من الدراسات الرائدة في تناول فكر أستاذه.
*** التعليقات التي حملت أرقاماً متسلسلة هي من أصل البحث، بينما التعليقات التي ضمنها المترجم سبقتها علامة (*).
****كان لـ(الفاروقي) دور مهم في حرب 1948 ـ إذ شارك من خلال حكمه إقليم الجليل الشمالي في الجهاد، تحت (جيش الإنقاذ الفلسطيني)، لكن عندما أعلنت الهدنة الثانية، ووقف إطلاق النار، ألقى السلاح وغادر إلى (بيروت).
*****كان عنوان أطروحة الدكتوراه (تبرير الخير: الميتافيزيقيا وأبستمولوجيا القيمة).
---------- 
الهوامش
1.                 Ismail Ragi al-Al-Faruqi, On Arabism: Urubah and Religion (Amsterdam: Djambatan, 1962), pp. 2-3.
2.                 Ibid., p. 5.
3.                 Ibid., p. 207.  
4.                 Ibid., p. 211.
*نسبة إلى القديس بولص الذي ينسب له الفاروقي في كتاباته مسؤولية إعادة صياغة المسيحية وتحريفها عن صورتها الشرقية الأصلية.
5.                 Ibid., p. 209.
6.                 Ibid.
7.                 smail R. al-Al-Faruqi, Islam and Culture (Kuala Lumpur: ABIM, 1980),p.7.
8.                 Ibid.
9.                 كما نقلها م. طارق القريشي في كتابه :
Ismail al-Al-Faruqi: An Enduring Legacy(Plainfield, IN: Muslim Student Association, 1987), p. 9.
10.            Ismail Raji al-Al-Faruqi, Tawhid: Its Implications for Thought And Life (Kuala Lumpur: International Institute of Islamic Thought, 1982), p. ii.
11.            ترجم الفاروقي وحقق في سنيه الأخيرة كتابات محمد بن عبد الوهاب عن التوحيد وأصدرها بعنوان:
Sources of Islamic Thought: Three Epistles on Tawhid by Muhammad ibn Abd al-Wahhab (Indianapolis: American Trust Publications, 1980) and Sources of Islamic Thought: Kitab al-Tawhid (London: I.I.F.S.O., 1980).
12.            Ibid., p. 7.
13.            Ibid., p. 7.
14.            Ibid., p. 73.
15.            Ibid., p. 16.
16.            Ibid.
17.            John L. Esposito, ed., Islam and Development: Religion and Sociopolitical Change (Syracuse, NY: Syracuse University Press, 1980); Ismail R. al-Al-Faruqi, ed., Essays in Islamic and Comparative Studies, Islamic Thought and Culture, Trialogue of the Abrahamic Faiths (Herndon, VA: International Institute of Islamic Thought, 1982).
18.            Ismail al-Al-Faruqi, Islamization of Knowledge (Herndon, VA: International Institute of Islamic Thought, 1982) and "Islamizing the Social Sciences," Studies in Islam (April 1979): 108-21.
19.            من أجل عرض رؤية المعهد العالمي للفكر الإسلامي ينظر :
a.                  R. al-Faruqi and A. H. Abu Sulayman,
Islamization of Knowledge: General Principles and Work plan (Herndon, VA: International Institute of Islamic Thought, HIT, 1981).
20.            فضلاً عن كتاب الاخلاق المسيحية ينظر على سبيل المثال :
"Islam and Christianity: Diatribe or Dialogue," Journal of Ecumenical Studies 5, I (1968): 45-77; "Islam and Christianity: Problems and Perspectives," in The Word in the Third World, ed. James P. Cotter (Washington, DC: Corpus Books, 1968), pp. 159-81; "The Role of Islam in Global Interreligious Dependence," in Towards a Global
Congress of the World's Religions, ed. Warren Lewis (Barrytown, NY: Unification Theological Seminary, 1980), pp. 19-38; and "Islam and Other Faiths," and Historical Atlas of the Religions of the World (New York: Macmillan, 1975).
21.            Al-Faruqi, Historical Atlas, p. 21.
22.            Ibid.,p.10.
23.            Ibid.,p.11.
24.            Ibid.,p.21.
25.            Ibid.,p.32.
26.            Ibid.,p.32
27.            Ibid.,p.33.
28.            Ibid.,p.33.
29.            Ibid.,p.54.
30.            Ibid.

31.        Stanley Brice Frost, Foreword to al-Faruqi, Christian Ethics, p. v.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق