01‏/07‏/2018

دلالة المصطلح الإسلامي وتغيّرها في الفكر الإسلامي المعاصر (الإسلام والإيمان - منظومة القيم؛ دراسة تقويمية) (القسم الأول)



د. فاتح سه‌نگاوی
 تمهيد
إذا كان المصطلح هو "لفظ مخصوص لمفهوم معين، ينصرف إليه الذهن تبعاً لمعناه المتعارف عليه في مجاله"، والاصطلاح عبارة عن: "إطلاق لفظ مخصوص على مفهوم معين، فيكون التعارف عليه بين فئة المستخدمين له، لينصرف إليه الذهن تبعاً للمعنى الموضوع له في مجاله"([1])، فإن إضافة (الإسلامي) إليه، تعني الاستقلالية في الفكر والرؤية المتعلّق بالإسلام كمرجعية.
أما الفكر الإسلامي، فقد تعددت تعاريفه، ومنها قولهم: "كل ما أنتجه فكر المسلمين، منذ مبعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى اليوم، في المعارف الكونية المتصلة بالله سبحانه وتعالى، والعالم، والإنسان، والذي يعبّر
عن اجتهادات العقل الإنساني لتفسير تلك المعارف العامة، في إطار المبادئ الإسلامية، عقيدة وشريعة وسلوكاً"([2])، أو هو "إعمال الطاقات والقوى العقلية والقلبية - التي أنعم الله بها على الإنسان-، وفقاً لمنطلقات الإسلام، وغاياته، في المجالات التي أفسحها الشارع لاجتهاد العقل، ونظره، وما نتج عن ذلك، وتقيّد بقواعد الإسلام الكلية، وأحكامه العامة، وآدابه، وهديه، واصطبغ بصبغته"([3]). أو هو: "مجموع عمليات التفكير والاستنباط، المرتبطة بالمرجعية الإسلامية، وأسسها العقدية والثقافية، في مجالات الحياة المختلفة، عموماً، ومجالات العلوم والأحكام الشـرعية، خصوصاً"([4]).
 فإطار الفكر الإسلامي هو الجهد العقلي، والحصيلة الفكرية، والاجتهاد والاستنباط، وفق بعض الضوابط المنهجية، التي يحتاجها كل من يتصدى لهذا الفكر، وضمن المرجعية الإسلامية، سواءً أصاب الحق أم أخطأه، لأن الفكر - وإن كان إسلامياً - فهو اجتهاد بشري في فهم الإسلام، وقراءة الواقع به..
     ويبدو أن هناك محاولة للتفريق بين الفكر الإسلامي الحديث، والفكر الإسلامي المعاصر، من حيث التفريق بين مرحلتيهما، وذلك بتحديد المرحلة الممتدة من النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، مع انبعاث الإصلاحية الإسلامية، بزعامة السيد جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده، إلى ثلاثينات القرن العشرين، أو إلى نهاية عهد الدولة العثمانية، في عشرينات القرن العشرين، بتسمية الفكر الإسلامي الحديث، تمييزاً وتخصيصاً لها عن المرحلة التي جاءت بعدها، وهي المرحلة الممتدة من النصف الثاني من القرن العشرين، إلى ثمانينات القرن نفسه، وأطلق على هذه المرحلة تسمية الفكر الإسلامي المعاصر.
 فالفكر الإسلامي الحديث ارتبط بالدولة العثمانية، وعصرها، وواجه الهجمة الأوربية الاستعمارية على البلاد الإسلامية. في حين ارتبط الفكر الإسلامي المعاصر بالدولة العربية القطرية، وعصـرها، وواجه الفكر الإسلامي المعاصر مرحلة ما بعد الاستعمار، أو الاستعمار غير المباشر، إلى غير ذلك من مفارقات أخرى([5]).
وإضافة (المعاصر) إلى الفكر الإسلامي، لم تأت بشيء جديد، عدا تحديد المرحلة الزمنية، وإضافتها إلى واقعها المعاصر، من حيث الإشكاليات والمشاكل والقضايا، والعطاء والرؤية والمرجعية. وهذا لا يعني التقدم والتطور الإيجابي في كل الأحوال، فقد يكون تقدماً بالنسبة لشعب، وتأخّراً واستعباداً لآخر، بل ينظر إليه باعتباره حقبة زمنية لها خصوصياتها، ويمكن أن يؤرّخ لها بانتهاء الحرب العالمية الأولى، وإنهاء الخلافة أو السلطنة العثمانية في1924م، وما بعدهما، باعتبارهما منعطفاً تاريخياً في حياة المسلمين، وفي الفكر الإسلامي.
وقد تشكّلت وتبلورت بعد ذلك أفكار جديدة في الساحة الإسلامية، اختلفت - في كثير من خصائصها- عن سابقاتها، ومرّت بمراحل، لكن يبدو أن الغنى الذي حصل في الفكر الإسلامي المعاصر، يقع في النصف الثاني من القرن العشرين، ولا سيّما بعد سبعينات القرن العشرين، وإلى الآن([6]).
   فالفكر، في كل عصـر من العصور، يجب أن ينشغل بواقع العصـر الذي وجد فيه، وبقضاياه، تأسيّاً ‏بالقرآن، الذي كان يتنزّل استجابة لمشكلات وشبهات حاضرة، وواقعة.. وفي العصـر الحاضر، ‏كانت الحضارة الغربية القوية، الدافقة بالنشاط، والابتكار، والطموح للاستيلاء، والانتشار، ‏وتقويض الثقافات الأخرى، أكبر تحدّ للمسلمين.. فالفكر الإسلامي المعاصر يجب أن ينشغل بقضايا كثيرة تتعلق بهذا الواقع، منها: قضية إحياء الفهم الصحيح للإسلام، وتصحيح المفاهيم ‏الخاطئة التي أورثتها عهود الانحطاط والتخلف التي مرّت بالمسلمين، والنقد الذاتي، ومنها قضية الاجتهاد، وتقديم الحلول الإسلامية ‏للمشكلات المعاصرة، ومنها نقد وتقويم الحضارة الغربية، ومذاهبها المعاصرة، وشبهاتها التي ألحقتها  - ظلماً وجهلاً - ‏بالإسلام والمسلمين، أو ما وقع فيه المسلمون من جهل وتخلّف وعنف، وعدم تسامح، وغير ذلك. ولا تزال معظم هذه القضايا هي التي تشغل بال المفكرين الإسلاميين([7]).‏
   من المهم الاعتراف أن "الفكر البشـري، ومنه الفكر الإسلامي، يكتنفه القصور، ومحكوم بزمانه، وبقدرات الإنسان المحدودة في رؤية البعد الزمني، وقضايا زمانه من الفلسفات السائدة، والسياسات والمشكلات والقضايا الواقعة، والمستويات العلمية والثقافية. ومن المعلوم، بل من المقطوع بعلمه، أن لكل زمان قضاياه ومشكلاته وسياساته"([8]).
   وفي جانب آخر، فإن الفكر الإسلامي لا يختلف عن الفكر الإنساني من حيث قابليته للتجديد، ومن حيث خصائصه الإنسانية، إلا أنه يختلف عنه في جوانب خاصة تكفل له الاستمرارية وسلامة المنطق. ويبرز ذلك الجانب المتميز في الفكر الإسلامي، من خلال ما يمتاز به من خصائص ذاتية، وغايات إنسانية: أما الخصائص الذاتية، فتتمثل في إلهية المصدر، والثبات والاستمرار، وأخلاقية الأهداف. أما الغايات الإنسانية للفكر الإسلامي، فتتمثل في تنظيم المجتمع، ورقيّه، ومحاربة الأسطورة في مجال العقيدة، وغيرها من الأهداف([9]).
التعامل مع الفكر الإسلامي ينطلق من آلية الاجتهاد، والاجتهاد بالنسبة للفكر الإسلامي "هو الطريق إلى تجديده تجديداً لواقع عملي، وليس مجرد تنظيرٍ في فضاء الاحتمال"([10]).. وهذا يحتّم على الباحثين تتبع ما يطرح ويقدم في دائرة الفكر الإسلامي، والقيام بقراءته، وإلقاء الضوء عليه، مروراً بعملية الفحص والتمحيص والغربلة، لكي يذهب الزبد جفاء، ويمكث ما ينفع النّاس.
وبما أننا بصدد دلالة المصطلح الإسلامي، وتغيّرها، فهذا يعني أنّ هناك نيّة مسبقة للتغيير في مضمون تلك المصطلحات التي يتابعها الباحث في الفكر الإسلامي المعاصر، وذلك لأنّ التغير والتطور الدلالي الذي يطرأ على بنية اللغة، والعوامل التي تؤدي إليه، كثيرة ومختلفة، فمنها عوامل مقصودة متعمدة، كقيام المجامع اللغوية، والهيئات العلمية، والمهرة من أصحاب الخبرة، بوضع مصطلحات جديدة، للحاجة، وخلع دلالات على الألفاظ التي تتطلبها الحياة المتبدلة؛ الاجتماعية والاقتصادية والسياسية..
أما العوامل الأخرى، غير المقصودة واللا شعورية، التي تتم بلا تعمد أو قصد، وتسير ببطء وتدرُجٍ في أغلب الأحوال، فكثيراً ما تحدث من تلقاء نفسها، ولا يحدث هذا إلا إذا توفرت عوامل موضوعية، وأخرى ذاتية، تدفع العناصر اللغوية إلى تغيير دلالاتها([11]).
وفي هذه الدراسة، يشار إلى تغيير مقصود من قبل أحد الباحثين في الفكر الإسلامي المعاصر، والقراءة المعاصرة، بحسب توصيفه، وهو  محمد شحرور([12]). وقد ردّ العلماء على بعض ما كتب، ولا سيّما كتابه الأول([13]).
ويتناول البحث مصطلحي (الإسلام) و(الإيمان)، وما يتبعهما من (المسلمين) و(المؤمنين)، في كتاب شحرور: (الإسلام والإيمان – منظومة القيم)([14] دون التطرق إلى تفاصيل فرعية ذكرها المؤلف. فالأولوية هنا للدلالة، وتغيّرها.
وبهذا يكون البحث ذو شقين: شق لغوي دلالي، وآخر فكري في المصطلحات الإسلامية. ولهذا، يتمّ التأكيد على منهجية الكاتب في التعامل مع الألفاظ والمصطلحات الإسلامية، فمن خلال مسيرته نحو قراءة معاصرة للتنزيل الحكيم([15])، قام شحرور بنشـر عدد من الكتب([16])، ابتداءً من عام 1990، وإلى الآن، وقد قدّم النقاط الرئيسة للمنهج المتبع في تأليف الكتب. هذه النقاط - برأيه -  تتألف من المنهج اللغوي، والمنهج المعرفي، المتّبع في التعامل مع التنزيل الحكيم. وقد تمّ اختصار وتكثيف المنهج في بنود مرقمة، لجعلها سهلة على القارئ، وبدأ بالبنود اللغوية، ثم الفكرية، ومن ثم الفقهية، وهي تعرِّف القارئ كيف وصل إلى الاستنتاجات التي توجد في كتبه المنشورة([17]).
 والباحث - بدوره - يركّز على البنود أو النقاط التي ترتكز على تغيّر دلالة الألفاظ والمصطلحات والمفاهيم.
ومحور عمل شحرور هو التأكيد على تغيّر الألفاظ والمصطلحات والمفاهيم، واختراقها، ومن ثم صياغتها بصورة تلائم منهجه، وقراءته المعاصرة. فهو يرى أن في معنى قراءته المعاصرة، ومحتواها، تمّ اختراق كثير ممّا يسمّى بالثوابت، وخاصة ما يسمّى (أصول الفقه)، التي تمّ وضعها من قبل الناس في القرون الهجرية الأولى، وهي – برأيه – لا تحمل أيّ قدسية، وبدون اختراق هذه الأصول لن نتمكن  من تجديد أيّ فقه. فأيّ تجديد لا يسمّى تجديداً إلا إذا اخترق الأصول([18])..
 وهو يركّز كثيراً على (اللغويّات(، فهو يرى: أنّ الألفاظ خدم للمعاني، فالمعاني هي المالكة سياستها، المتحكّمة فيها. ووظيفة اللغة هي آلية التفكير، ونقل ما يريده متكلم إلى سامع. وأنّ الثقافة المعجمية غير كافية لفهم أيّ نص لغوي، فما بالك إذا كان النص هو التنزيل الحكيم. والمعاني موجودة في النظم، وليس في الألفاظ كلاً على حدة. وأنّ اللغة حاملة للفكر، وتتطور معه. وهناك تلازم لا ينفصم بين اللغة ووظيفة التفكير عند الإنسان، وأنّ التنزيل الحكيم يحوي أعلى مستوى من البلاغة، التي لا يمكن تجاوزها، أو الإتيان بمثلها، في أداء المعنى، وتوصيله إلى السامع. فهو الكتاب الوحيد الذي يمثّل - في جميع آياته - الخيط الفاصل بين التطويل الممل، والإيجاز المخل. ولهذا، فعلينا أن نقرأ المسكوت عنه، الذي اقتضته البلاغة.
وأهمّ نقطة يعمل عليها شحرور هي: أنّ التنزيل الحكيم خال من الترادف في الألفاظ، وفي التراكيب([19])، ومن الحشو واللغو والزيادة. فما اعتبره النحاة زائداً في النحو، ليس زائداً في الدلالة، ولا يمكن حذف كلمة من التنزيل الحكيم دون أن يختل المعنى، ولا يمكن - من جهة ثانية - تقديم أو تأخير أيّ من كلماته وألفاظه، دون أن يفسد النظم الحامل للمعنى، وليس مجرد خلل في جمالية الشكل، أو الوقع الموسيقي. وعند تأويل آيات التنزيل الحكيم لا بد من الإمساك بالخيط اللغوي الرفيع الذي لا يجوز تركه، والذي يربط ويصل الشكل بالمضمون. لأنه إذا انقطع هذا الخيط بين البنية والدلالة، تصبح احتمالات معاني الآية لا نهائية. لقد جاء التنزيل يحمل في ذاته تطويراً لغوياً لم يعرفه الجاهليون في لسانهم قبله. وأنّ علوم اللغات تطوّرت بشكل هائل، فيجب أخذ هذا التطور الهائل لعلوم اللسانيات بعين الاعتبار، عند دراسة آيات التنزيل الحكيم، لفهمها بشكل أفضل ومعاصر([20]).
كلّ ذلك يعني أن شحروراً يعتمد كثيراً على اللغة، وتوظيفاتها المتعددة، لصياغة قراءته المعاصرة. ويقع تغيّر الألفاظ القرآنية، ومصطلحاتها، ومفاهيمها، في قمّة اهتمامه.
الفرضية الموجودة في هذه الدّراسة هي: أنّ هناك نيّة مسبقة، وعمل موجّه، ودراسة مقصودة، لتغيير المصطلحات والمفاهيم القرآنية، وصياغتها وفق ما يسميها شحرور القراءة المعاصرة، وذلك لمواكبة التطور والتغيّرات الحاصلة في المجتمعات، وفق نظرته. وقد تؤدي هذه النظرة المسبقة، والخلفية، لدى الكاتب، إلى خروج من المنهج الذي ذكره هو، وبخاصّة في المحور اللغوي، وإنكار الترادف، والاعتماد على التنزيل الحكيم، والحجج القرآنية. مع إنّه ضد إصدار حكم مسبق على مشكلة،  قبل البحث في هذه المشكلة([21]).
والمنهج الّذي اتبعه الباحث هو المنهج الوصفي التحليلي النقدي، لعرض أفكار شحرور، ومن ثمّ تحليل أدلته التي اعتمدها في إثبات قناعته، ورؤيته المعاصرة. ومن ثمّ الحكم على ما توصّل إليه شحرور اعتماداً على الأدلّة اللغوية، والقرآنية، التي عدّهما شحرور من صلب منهجه، في قراءته المعاصرة.
 والدِّراسة تتكون من تمهيد، وثلاثة مباحث، كالآتي:
المبحث الأول: مصطلح الإسلام والمسلمين، عرض وتقويم.
المبحث الثاني: مصطلح الإيمان والمؤمنين، عرض وتقويم.
المبحث الثالث: الإسلام والإيمان بين الترادف والتباين.
ومن ثمّ خاتمة تتضمن النتائج.

المبحث الأول
مصطلح الإسلام والمسلمين، عرض وتقويم
حين تطالع كتاب (الإسلام والإيمان منظومة القيم)، للدكتور محمد شحرور، وكذلك كتبه الأخرى، ولا سيّما (الكتاب والقرآن)، تجد مصطلحات كثيرة، استعملها لأول مرة وفق مضامين جديدة ومحدثة. ولقد تحدّث الكتاب والمفكرون عن كتبه، ومنهجه، وكتبوا ردوداً - كما ذكرنا -. أمّا عن منهجه مع المصطلحات، وإعادة صياغتها، فقد وجِّهت إليه انتقادات كثيرة أيضاً([22]).
ومن الثابت أن شحرور، كما قال هو، يستهدف تغيير المفاهيم الإسلامية من الجذور، ويقوم باختراق كثير لما يسمى بالثوابت في الفكر الإسلامي، وبخاصة (أصول الفقه)، التي تمّ وضعها في القرون الهجرية الأولى، وهي - برأيه – لا تحمل أي قدسية، ولا يمكن تجديد الفقه، من دون اختراق هذه الأصول([23]). وقد قام بصياغة تعريفات جديدة لكثير من المفاهيم والمصطلحات التي لها تعريف قديم في التراث الإسلامي، من ذلك - على سبيل المثال -: القرآن، الفرقان، الحديث، الذِكر، الآيات المحكمات، الآيات المتشابهات، الكتاب المبين، الرحمن، الإمام المبين، العرش، الكرسي، القضاء، القدر، الحرام، النهي، مواقع النجوم، الوالد، الوالدة، الأب، الأم، البشر، الإنسان.. وغيرها([24]) من المصطلحات في كتبه المختلفة.
وقبل الشروع في عمق الموضوع، ومناقشة الكاتب عن المصطلحين، وما يتبعهما من المصطلحات، يمكن أن نلخص فكرة شحرور عن الموضوع المراد تناوله: فبحسب نظرته هناك دين واحد عند الله، هو الإسلام، بدأ بنوح (عليه السلام)، وتنامى متطوراً متراكماً على يد النذر والنبوّات والرسالات، إلى أن خُتم متكاملاً بالرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وسلم). والإسلام هو دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهو منظومة المثل العليا، وهو العروة الوثقى، وهو الصراط المستقيم. الإسلام فطرة.. والإيمان تكليف. الإسلام يتقدم على الإيمان، إذ لا إيمان دون إسلام يسبقه، ويأتي قبله. المسلمون هم معظم أهل الأرض، وأما المؤمنون فهم أتباع محمد (صلى الله عليه وسلم). فإبراهيم (عليه السلام) أبو المسلمين، ومحمد (صلى الله عليه وسلم) أبو المؤمنين.
 من هذه الأسس ينطلق الدكتور محمد شحرور في هذا الكتاب، لفهم الفرق بين تعاليم الإسلام، وتكاليف الإيمان..([25]).
   لا يقتنع شحرور، ولا يؤمن، بأركان الإسلام، وأركان الإيمان، كما هو متبع ومعروف. وكي يصل إلى تعريف جديد للمسلمين والمؤمنين، يرى أن ما تمّ تقديمه لنا على أنه (أركان الإسلام) غير صحيح، ولا يتطابق مع التنزيل الحكيم، ويرى أن الركن الصحيح هو فقط الشهادة، وأمّا الأركان الأخرى فهي من(أركان الإيمان)، وليست (أركان الإسلام)..([26]).
   ويعتقد، من خلال الاستشهاد بالآيات، أنه تمّ استبعاد الجهاد، والقتال، والقصاص، والشورى، والوفاء بالعقود والعهود، والعديد العديد من الأوامر والتكاليف، أو العمل الصالح، والإحسان، والأخلاق، من أركان الإسلام، مع أن حكمها واحد في الآيات، كحكم الصلاة والزكاة والصيام والحج([27]).
   ومن خلال تحليله، يرى أن الإسلام فطرة.. وأن متطلباته تتوافق بشكل طبيعي مع ميول الخلق، لكن الإيمان تكليف، وضد الفطرة الإنسانية تماماً، ويستشهد بالزكاة والإنفاق والصوم والقتال([28]).
   والإسلام "هو التسليم بوجود الله، وباليوم الآخر. فإذا اقترن هذا التسليم بالإحسان والعمل الصالح، كان صاحبه مسلماً، سواءً أكان من أتباع محمد (الذين آمنوا)، أو من أتباع موسى (الذين هادوا)، أو من أنصار عيسى (النصارى)، أو من أيّ ملّة أخرى غير هذه الملل الثلاث، كالمجوسية، والشيفية، والبوذية (الصابئين).."([29]).
   وأن التنزيل الحكيم - بحسب ما توصل إليه الكاتب - يضع أركاناً ثلاثة للإسلام، هي: الإيمان؛ تسليماً بوجود الله، واليوم الآخر، والعمل الصالح([30]). وأن (أركان الإيمان)، بحسب استنباطه وفهمه لبعض الآيات، وتأويله لأخرى، "لا تتضمن التسليم بوجود الله واليوم الآخر والعمل الصالح، فتلك أركان الإسلام، ويجب أن تتوفر في الإنسان المتقدم من دائرة الإسلام إلى دائرة الإيمان"([31]). وأن "الإسلام أعمّ من الإيمان... وأمّا الإيمان، فخاصّ بأتباع محمد (صلى الله عليه وسلم)... وأن أركان الإسلام هي الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح (الأخلاق والمعاملات)، وأن أركان الإيمان هي التصديق بالرسل والرسالات والشعائر والشورى والقتال"([32]).
         فمن آمن بالله واليوم الآخر، وعمل صالحاً، وإن لم يؤمن بمحمد (صلى الله عليه وسلم)، فقد حصل على تذكرة الدخول في (الإسلام)، الذي ارتضاه الله أن يكون ديناً له، فمنهم أتباع محمد، ومنهم أتباع موسى، وعيسى، والصابئون. فالمسلمون هم معظم أهل الأرض، أما المؤمنون فهم أتباع محمد (صلى الله عليه وسلم)، الذين يشكّلون 20% من سكان الأرض([33]).
         (الإسلام) الذي توصل إليه شحرور هو الإيمان والتسليم بوجود الله وباليوم الآخر، وهذا الإيمان - حسب فهمه - هو رأس التقوى، وشهادة أن لا إله إلا الله هي تذكرة الدخول إلى عالم الإسلام. وأركانه هي المحرّمات الواردة نصاً في التنزيل الحكيم، ومن بينها الوصايا العشـر (الفرقان)، المذكورة في (سورة الأنعام)([34]).
 وأما (الإيمان)، فهو "التصديق بنبوات الأنبياء، ورسالات الرسل، كل في زمنه. فهناك مسلمون صدّقوا بنبوة نوح، أو هود، أو موسى، أو عيسى، أو محمد (صلى الله عليه وسلم)، وكلهم يؤمن بالله واليوم الآخر. رأس هذا التصديق بنبوة محمد (صلى الله عليه وسلم)، هو شهادة أن محمداً رسول الله. أركانه هي: الشعائر (الصلاة، الزكاة، الصوم، الحج)"([35]).
  واستنباطاً من الفهم السابق فإن (المؤمنون): "هم المسلمون أتباع محمد(صلى الله عليه وسلم)، آمنوا برسالته التي ختم الله بها الإسلام الذي بدأه بنوح، ودليله أنه مكمّل الأديان، ومتمّم الأخلاق.."([36]).
   أما (المسلمون المؤمنون) لديه، فهم الذين "ينطقون بالشهادتين، بالأولى صاروا مسلمين، وبالثانية صاروا مؤمنين"([37]).
وهذه التسمية أصبحت تطلق اليوم على (المسلم)، الذي آمن بالإسلام ديناً، كآخر الأديان المقبولة عندالله، والذي لا يقبل غيره؛ وليس (الإسلام) بالمعنى الشحروري، الذي يرى بأن معظم أهل الأرض مسلمون، وإنْ لم يؤمنوا برسالة محمد، معتقداً أن ختم الرسالة لا ينفي صحة إسلام اليهود والنصارى والبوذيين والمجوس اليوم، لا السابقين لرسالة محمد.
 أمّا توضيح ذلك، فهو كالآتي:
يقول شحرور في بداية القسم الأول: الإسلام والإيمان: "ثمة العديد من آيات التنزيل الحكيم، تجدنا فيها أمام مصطلحات، هي: الإسلام / المسلمون، والإيمان / المؤمنون، والتقوى / المتقون، تقابلها في جانب آخر مصطلحات هي: الإجرام / المجرمون، والكفار / الكافرون، والشرك / المشركون، ونفتح المعاجم، والتفاسير، وكتب الأصول، فتجدنا أمام خلط واضح بين الشرك والكفر والإجرام، وأمام ثنائية غائمة لا تفرّق بين المسلم والمؤمن، والإسلام والإيمان، وتجعل المسلمين مؤمنين، والمؤمنين مسلمين، والجميع أتباع محمد (صلى الله عليه وسلم)"([38]).
لو بحثت عن الكتب الخاصّة العقدية، المعنيّة بهذه المصطلحات، تجد التمايز والاختلاف مع إيجاد المعاني المشتركة بينها، ومراعاة السياق، دون القطع والجزم في التوصل إلى المعنى النهائي. لكن صاحب الفقرة السابقة يدّعي أنّه فرّق بين هذه المصطلحات، إذ تجاوز السابقين في عدم الخلط، وتبيان المقصود منها، والوصول إلى نتائج مختلفة، ومعانٍ مغايرة، غير مستغربة. وهذا أمر طبيعي، واللاطبيعي هو الإصرار على معانٍ لا يقبلها السياق، وإن قبلها في مكان ما، قد تكون مرفوضة في سياق آخر. وهذا ما نفحصه، ونقوم باستقصائه ودراسته، لنعرف مدى مصداقيته، فهل هذه الثنائيات تصحّ بالمعنى الذي ذكره المؤلف، أمْ أنّ هناك وجهات نظر أخرى؟!
الإسلام والمسلمون وقراءة في القرآن الكريم
يقول شحرور في هذه النقطة من الإيمانيات: إن الإيمان بالله واليوم الآخر هو تذكرة الدخول إلى الإسلام، والإسلام يقوم على هذه المُسَلَّمة، والعمل الصالح هو السلوك العام للمسلم، وكل قيمة إنسانية عليا ليست وقفاً على أتباع الرسالة المحمدية هي من الإسلام، مثل: برّ الوالدين، والصدق، وعدم قتل النفس، وعدم الغش، والأمانة.. إلخ. وبما أن العمل الصالح من الإسلام، فأبدعْ ما شئت، فلك أجر، أنت ومن اتبعك. ورأس الإسلام هو شهادة أن لا إله إلا الله، شهادة شاهد {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}الأنبياء: 108.
أما شهادة أن محمداً رسول الله، فهي رأس الإيمان، والإيمان بها تصديقاً. وأتباعه هم المسلمون المؤمنون، وكل عمل هو وقفٌ على أتباع الرسالة المحمدية، ولا يقوم به غيرهم، هو من الإيمان، مثل: الصلوات الخمس، وصوم رمضان، ونصاب الزكاة، وصلاة الجنازة، إذ إن هذه الشعائر هي من أركان الإيمان، وليست من أركان الإسلام..
لذا نرى أن هناك إيمانين: الأول، الإيمان بالله الواحد، وهو الإسلام والمسلمون، والثاني: الإيمان بالرسول (صلى الله عليه وسلم) {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}الأنفال: 64، وهو الإيمان والمؤمنون.
 والإسلام يسبق الإيمان دائماً، ويوجد أجر على كل واحد منهما: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ}الحديد: 28. الكفل الأول على الإسلام، والكفل الثاني على الإيمان.
 وبما أن الإسلام عام إنساني، فهو الدين الوحيد الذي ارتضاه الله لعباده، وهو دين الفطرة، وقد تَراكَم من نوح حتى محمد (صلى الله عليه وسلم).
 أما أركان الإيمان، فهي ضد الفطرة تماماً، كصوم رمضان، والصلوات الخمس. ولا يمكن للإنسان أن يقوم بها إلا إذا أمره أحد بها، وهداه إليها. لذا قال تعالى عن الإسلام والإيمان: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}الحجرات: 17.
لذا، فإن أهم إصلاح ثقافي نحن بحاجة إليه، هو تصحيح أركان الإسلام، وأركان الإيمان، إذ تمّ وضع أركان الإيمان على أنها أركان الإسلام، مما أوقعنا في أزمة ثقافية وأخلاقية كبيرة جداً. إذ إن الأخلاق والقيم العليا أصلاً غير موجودة في أركان الإسلام المزعومة، فالإسلام فطرة، والإيمان تكليف([39]). والأركان المزعومة للإسلام هنا، لدى شحرور، هي: الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج.
تحت عنوان (الإسلام والمسلمون)، يعود الكاتب إلى التنزيل الحكيم([40])، لكي يقول: "نحن متفقون على أنه صادق، خال من الحشو، وهذا مما لا خلاف فيه بين المؤمنين به. ثم يذكر آيات لكي يعقّب عليها، لإثبات ما ذكره من ثنائيات وقع فيها الخلط، والآيات هي: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات... }الأحزاب: 35، و{عسى ربّه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات}التحريم: 5، {قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم..}الحجرات: 14. ثم يعقب بقوله: "ونفهم من الآيات أمرين: الأول: أن المسلمين والمسلمات شيء، والمؤمنين والمؤمنات شيء آخر. والثاني: أن الإسلام يتقدّم دائماً على الإيمان، ويسبقه"([41]).
لا إشكال في أن معنى المسلم والمؤمن مختلفان من حيث الجذر اللغوي والدلالة، وكذلك بحسب السياق، ولكن هل يصل هذا الاختلاف إلى الحد الّذي أوصله إليه شحرور؟! وهل يمكن لشحرور أن يثبت لنا - كما يحاول إثبات أن المسلم والمؤمن بعيدان كل هذا البعد من بعضهما البعض- إلى أيهما ينتمي ما تبقى من الآية في (سورة الأحزاب): {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} إلى المؤمنين أم المسلمين؟! وعلى أيّ أساس؟ فهذه التوصيفات أوصاف كالمسلمين والمؤمنين.. أم أنّ هذه الاختلافات خارج منهجه؟! وكيف يتعامل مع آيات أخرى، مثل: قول نوح (عليه السلام): {رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا}نوح: 28؟. وهل: (المؤمنون والمؤمنات)، في الآية الكريمة، من أتباع محمد (صلى الله عليه وسلم)، أم يجد لذلك تبريراً يتجاوز منهجه اللغوي، كما سيأتي؟!

الإسلام يسبق الإيمان دائماً!
بما أن شحرور يحسب الحساب للترتيب والأسبقية، من حيث اللفظ، في الآيات، فمن حقنا أن نضع النقاط على الحروف فيما يخالف رأيه في هذا المجال. فمن ذلك قوله: "والثاني أن الإسلام يتقدم دائماً على الإيمان، ويسبقه"، فهذا يحتاج إلى تفحص واختبار، وفيه تعميم وإطلاق يتجاوز الآيات المذكورة.
فمثلاً يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}البقرة:102. هنا تقدم الإيمان على الإسلام، وطلب من الّذين آمنوا أن لا يموتوا إلا وهم مسلمون! فهل تقدّم الإيمان على الإسلام، أم لا؟! وإذا كان كل مؤمن مسلماً، والإيمان يتضمن الإسلام، ويحتويه، فلماذا هذا الطلب؟! 
وكما في قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ، فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ}البقرة:84، فهنا سبق الإيمان الإسلام، والتوكل من صفات المسلمين، فكيف أسنده إلى المؤمنين من أصحاب موسى؟!! وهل هم من أتباع محمد (صلى الله عليه وسلم)؟! أم يرقّع هذا الخلل التصوري بإيجاد مفهوم الإيمانين؟!
وكذلك قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ، إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ}النمل:81. فالإيمان سبق الإسلام. ويمكن النّظر إلى هذه الآية، التي ذكرها شحرور في موقع الاختلاف بينهما، وقد سبق فيهم الإيمان الإسلام، يقول الله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ}الذاريات 35-36، فمع سبق لفظ (المؤمنين) على (المسلمين)، أليس من حقنا أن نسأل ونستفسر: فهل (المؤمنون) هنا، من أتباع محمد، أم من أتباع نبي آخر؟! والجواب واضح ومخالف لما تبنّاه شحرور!
 فإطلاق القول وتعميمه على أن الإسلام يسبق الإيمان، خطأ فادح لا يليق بباحث جاد، وهو يضع طروحاته الأخرى، وقطعياته، تحت الشك والتساؤل!
 ومع تقديم الإيمان على الإسلام، هناك ما يدلّ على الترابط بين المعنيين، كما في قول الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ}الزخرف69. فهنا التسليم من صفات الّذين آمنوا، وليس معناه أنّه أسلم ثم آمن واتبّع ملّة محمد (صلى الله عليه وسلم)! فهل كل من آمن بمحمد (صلى الله عليه وسلم) كان مسلماً من قبل؟! أليسوا مشركين، ومن عبدة الأصنام؟!

أدلة وإثباتات
يأتي المؤلف ببعض الآيات الأخرى لتعضيد نظريته في الإسلام، من ذلك قوله تعالى عن الجنّ: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا}الجن 14، وقوله تعالى عن إبراهيم (عليه السلام): {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا}آل عمران 67، وعن يعقوب يقول: {وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}البقرة 132:، وعن يوسف حين يدعو الله تعالى ويقول: { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}يوسف 101، وعلى لسان سحرة فرعون: {وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا ۚ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}الأعراف 126، وعن فرعون يقول: { وجاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}يونس 90، وعن الحواريين يقول: {فلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}آل عمران 52، وعلى لسان نوح يقول الله تعالى: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} يونس 72، وحين يذكر قصة لوط يقول: {فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ}الذاريات 35، 36([42]).
ثم يعقب بقوله: "ونفهم من الآيات في تسلسلها أعلاه، أن الجن وإبراهيم ويعقوب والأسباط ويوسف وسحرة فرعون والحواريين ونوحاً ولوطاً، كانوا من المسلمين، وأن فرعون حين أدركه الغرق نادى بأنه منهم، وهؤلاء جميعاً لم يكونوا من أتباع محمد (صلى الله عليه وسلم). فالحواريون من أتباع عيسى (عليه السلام)، وسحرة فرعون من أتباع موسى (عليه السلام). ونفهم من هذا كله أن الإسلام شيء، والإيمان شيء آخر، وأن الإسلام متقدّم على الإيمان سابق له، وأن المسلمين ليسوا أتباع محمد (صلى الله عليه وسلم) حصراً. ونصل أخيراً إلى السؤال الكبير: إن كانت الشهادة برسالة محمد (صلى الله عليه وسلم)، والشعائر، من أركان الإسلام، فكيف يصح إسلام فرعون، وهو لم يلتق إلا بموسى (عليه السلام)، وإسلام الحواريين؛ وهم لم يعرفوا سوى المسيح عيسى بن مريم، وإسلام غيرهم ممّن أثبت التنزيل الحكيم إسلامهم، فيما ذكرنا من آيات، وهم جميعاً لم يسمعوا بالرسول الأعظم، ولم يصوموا رمضان، ولم يحجوا البيت؟"([43]).
الإشكال الكبير عند شحرور هو أنّه يبني تصوراته بنفسه، ومن وجهة نظره، ثم يحاكم الآخر بناءً على تصوراته هو، ويبني أسئلته واستفساراته على أساسها! فمثلاً هنا لم يقل أحدٌ أن الأنبياء السابقين، وأتباعهم، لكونهم مسلمين، أنهم من أتباع محمد (صلى الله عليه وسلم)، وذلك لأنهم سابقون على رسالة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وإثارة مثل هذا السؤال ليس في محله، فهم مسلمو زمانهم، ولكل منهم شرعة ومنهاج، يتّفق ويختلف عمّن سبقهم، أو مع من جاء بعدهم. ومن ثم، فإن الاتفاق في الاسم، لا يعني التطابق في كل جوانبه. هذا عدا أنّ لفظ: (أسلم)، و(الإسلام)، قد جاء بمعنى: الخضوع والانقياد والتسليم وإخلاص الدين لله، فهم مسلمون بهذا المعنى، وليس بالمعنى الّذي يريد شحرور أن يطرحه على أنّه المعنى الراجح أو الصحيح حصراً.
 حتى إن شحرور حين استشهد بالآية: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات...}الأحزاب 35، على أساس التفريق بين الإسلام والإيمان، والمسلم والمؤمن، لم يتطرق إلى معنى: المسلمين والمسلمات بالمعنى السابق الذي ذكرته، مع أنّه هو الراجح، الذي يستنبط من الآية، بدليل وجود مواصفات أخرى تنطبق على المسلم والمؤمن، ولا تعني التغاير والفصام الشحروري. وانظر تمام الآية، الذي لم يحبذ شحرور إتمامها، لأنه ليس في صالح نظريته، يقول الله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقَينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمً}الأحزاب: 35، ومعنى: المسلمين والمسلمات: "إِنَّ الْمُتَذَلِّلِينَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ وَالْمُتَذَلِّلَاتِ"، والمؤمنين والمؤمنات: أي "الْمُصَدِّقِينَ وَالْمُصَدِّقَاتِ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ..."([44]). هكذا الصفات الأخرى، والمتعلقة بأوصاف المؤمن الّذي صدّق وآمن وخضع لطاعة الله وأوامره.
 فالتمايز بين الإيمان والإسلام، وتعلّق الإسلام بما قبل إرسال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حصراً، وإلى هذا الحد، لا تسنده الأدلة الواضحة، ومنطوقها. مع الإقرار بأنّ الإسلام دين الأنبياء عليهم السلام.

أركان الإسلام
ثم يصدر حكماً، ويعقّب بقوله: "لقد أقامت كتب الأصول، والأدبيات الإسلامية، أركاناً للإسلام من عندها، حصرتها في خمسة، هي: التوحيد، والتصديق برسالة محمد (صلى الله عليه وسلم)، والشعائر، مستبعدة العمل الصالح والإحسان والأخلاق من هذه الأركان...!!"([45]).
 بنظرة أولية نرى أن شحرور لا يفرّق، أو لا يريد أن يفرّق، بين أركان الإسلام، وما يعدّ من الإسلام. فكتب التراث تذكر الدعائم الخمسة كأركان للإسلام، لا ككل الإسلام، والعمل الصالح والإحسان والأخلاق جزء لا يتجزأ من الإسلام، وثمرة للإيمان، فكيف يستبعد ذلك؟! وكون هذه الخمس من أركان الإسلام - مع خلاف في إضافات أخرى إليها- لا يعني استبعاد هذه الثلاثية الشحرورية عن الإسلام، بالمعنى المعهود في كتب التراث، لكنها لا تعدّه ركناً، بل جزءاً.. غير أن شحرور لا يريد أن يصحح الفهم المعهود، إن كان فيه خللٌ، بل يريد أن يصل إلى نتيجة أخرى، ويذهب بعيداً، وهذا الهدف هو تعريف مغاير للإسلام، بحيث يتوسّع حتى يشمل الأديان والملل المعاصرة كافة، بحيث لا يبقى فضل يذكر في وجود الإسلام المحمدي، وبالمعنى المتعارف عليه الآن، إلا مع فارق بسيط، وتمايز، لا يصل إلى درجة راقية، كي يبذل الإنسان كل طاقاته ليصل إليها، ويقتنع بها، بل هو تكليف مغاير لفطرة الإنسان، كما سنرى.
بعد أن استشهد شحرور بقوله تعالى: {وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}البقرة، 111، 112، كحجّة لإبطال أدلة اليهود والنصارى في حكر الجنة على أنفسهم، وإثبات أن الجنة يدخلها كل من {أسلم وجهه لله، وهو محسن}. وإنكار قول عامة المسلمين من أنّه: لا يقوم الإسلام إلا على التصديق برسالة محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى الصلاة والزكاة والصيام والحج، واعتبار ذلك هو الإسلام الذي لا يقبل الله - في زعمهم - غيره، ولا يدخل الجنة إلا أصحابه.
ويرى أنّ المسلمين الّذين يقولون بهذا الكلام، ويعتقدون بهذا المعتقد، فإنهم – برأيه -  يكرّرون ما قالته اليهود والنصارى، فتصدّى لهم سبحانه في التنزيل، في سياق إنكاري. وذلك يعود إلى أنّ شحرور ينفي أن تكون الصلاة والزكاة والصيام في رمضان وحج البيت من أركان الإسلام، ويعدّ ذلك مخالفاً للتنزيل الحكيم، لأن التنزيل الحكيم يكلّف المؤمنين بهذه الشعائر، وليس المسلمين.
 ثم يذكر أدلة لتقوية وإثبات نظريته هذه: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً}النساء 103، {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله، إن الله بما تعملون بصير}البقرة 110، و{أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون}النور 56، و{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} البقرة 183، إلى قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}البقرة 185([46]).
  في الكلام الّذي لخّصناه سابقاً يرى شحرور أن الحق والإسلام لا يكمنان في اتّباع رسالة محمد (صلى الله عليه وسلم)، بل من اكتفى بتسليم نفسه لله، وأحسن، فهو ناج دون اتّباع الرسول (صلى الله علية وسلم)! وأن الصلاة والصوم والزكاة تخصّ أتباع محمد (صلى الله عليه وسلم).
وسنبدأ بالجزء الثاني من كلامه، ونؤجل الكلام على الجزء الأول، ولنا أن نستفسر: ألم تكن هذه الشعائر موجودة عند المسلمين السابقين، من أتباع الديانات السماوية الأخرى؟ وهل صحيح أن هذه الشعائر مخصصة للمؤمنين أتباع محمد(صلى الله عليه وسلم)، بحسب تعبير شحرور؟
فلنلق إذن نظرة على التنزيل الحكيم - على حدّ تعبيره - لنر هل هذه الشعائر من مميزات المؤمنين، دون المسلمين؟!!
وقبل ذلك، يجب أن نؤكد أن الإسلام، والديانات السماوية الأخرى، ورسالات الأنبياء، مصدرها واحد، فالله (عز وجل) هو الذي أرسل الرسل، وأنزل الكتب، والإسلام دين الأنبياء: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام}آل عمران:19. ويقول الله تعالى عن نوح: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ}يونس72. وهذا ما قاله إبراهيم، ووصى بها بنيه: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}البقرة:131-133. وكلام موسى لأتباعه: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ}يونس:84، وقول حواريي عيسى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}آل عمران:52. واقتنعت بالإسلام مجموعة من أهل الكتاب، لمّا سمعوا آيات الله: {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ. أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}القصص:53-54.
وبما أن الإسلام دين الأنبياء، فمن الطبيعي أن تكون هناك شعائر وعبادات مشتركة، ومنها الصلاة والزكاة والصوم، وحتى الحج، فتلك الشعائر ليست من مميزات وخصائص المؤمنين من أتباع محمد (صلى الله عليه وسلم)، كما يدّعي شحرور. فكل من له أدنى دراية، يعرف أن هذه الشعائر موجودة عندهم، بكيفيّات مختلفة، تبعاً لاختلاف الشرائع، ووحدة المنهج: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}المائدة: 48. والقرآن جاء لتصديق الرسالات السابقة، وإتمام رسالة السماء.
 مع ذلك، فإن شحرور نسي، أو تناسى، أن هذه الشعائر التعبدية موجودة عند الأديان الأخرى، وإن اختلفت الكيفيات. والقرآن شاهد على ذلك،  وناطق بوضوح: فالصلاة كانت موجودة عند إبراهيم: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ، رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ}إبراهيم :37، {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}إبراهيم: 40. وموسى وهارون: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}يونس: 87. وزكريا: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ}آل عمران: 39. وعيسى: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً}مريم:31، فقد أوصاه الله بالصلاة والزكاة، وكافة الأنبياء: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}مريم:58. وعن بعض الأنبياء، الذين ذكرهم الله تعالى، يقول: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}الأنبياء: 73، فإقامة الصلاة والزكاة، والعبادات بصورة عامة، جزء من وحي الله إليهم، لم ينفك عن إسلام السابق واللاحق.
والصيام مكتوب على الذين سبقوا من الملل الأخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}البقرة:183. والصوم كان موجوداً، ولهذا يوجّه الله تعالى مريم إليه: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً}مريم:26. فادّعاء ارتباط هذه الشعائر بالمؤمنين من أتباع محمد (صلى الله عليه وسلم)، ادّعاء باطل، لا تسنده الأدلة، ولا تاريخ الأديان، ولا واقعهم الحالي.
ثم يبني على ما أثبته لنفسه، ويثير سؤالاً، ثم يجيب عليه: لماذا تمّ استبعاد الجهاد، والقتال، والقصاص، والشورى، والوفاء بالعقود والعهود، والعديد العديد من الأوامر والتكاليف، من أركان الإسلام، مع أن حكمها واحد في الآيات، كحكم الصلاة والزكاة والصيام والحج؟ ثم يأتي بأدلة قرآنية([47]) تتواجد فيها هذه القيم والواجبات!!
 ولنا أن نستفسر ونتعجب: من قال إن هذه القيم والواجبات ليست جزءاً من الإسلام، ومن نفاها حتى يثبتها هو؟ وأركان الإسلام ممكن أن تتعدد لدى الدارسين، وفق ما جاء في الكتاب وصحيح السنة، مع وجود الحديث المشهور الذي يشير إلى أن الإسلام بني على خمس. وهناك أحاديث أخرى يمكن أن يستنبط منها أركان الإسلام، وفي القرآن الكريم آيات تشير إلى واجبات وأركان أخرى يجب الإلتزام بها، وبعضها ذكرها شحرور نفسه!!؟
لكن شحرور لديه هدف آخر، هو اختراق المفاهيم والمصطلحات، ومن ذلك مصطلحي: الإسلام والإيمان، كي يعطيهما مضموناً آخر، ومن ثمّ يبني عليه بناءاً جديداً، كي يواكب التطور، ويرضي الآخر! ويسمّي ما استنبطه الآخرون بالتحريف الخطير لما ورد في التنزيل الحكيم، لأن الدين عند الله الإسلام، لا يقبل ديناً غيره، ويفسّر الإسلام بصورة لا تتضمن بالضرورة الإيمان بمحمد (صلى الله عليه وسلم).

الإيمان بمحمد (صلى الله عليه وسلم)، واتّباع رسالته
 فبحسب ما رآه شحرور، فإن إيمان أهل الكتاب بالإسلام المحمدي ليس واجباً عليهم، وإنما زيادة أجر، وأنّ أقل ما يقبله الله هو الإسلام بالمعنى الشحروري، لأن تعريفه بأنهم مسلمون يعني أنّهم ناجون، وإن لم يؤمنوا برسالة الرسول وخاتم الأديان. فهل هذا المنطق يطابق القرآن، ومنطوقه؟!
 فلنجعل القرآن حكماً بيننا وبينه، ما دام أنّه يدّعي العودة إلى التنزيل الحكيم. وللباحث الحق في أن يسأل: إذا كان اتّباع محمد (صلى الله عليه وسلم) ليس واجباً، فلماذا يدعو القرآن الكريم النصارى إلى الإيمان بالله، وبالرسل، وضمنهم محمد (صلى الله عليه وسلم)؟ ولماذا يطلب منهم ترك التثليث، والإعتقاد بالله الواحد الأحد، وعبادته الخالصة؟ كما يقول تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً. لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً}النساء:171-172. فهل هذا يحتاج إلى تعليق وتعقيب وتعمّق، حتى نفهم معناه؟!
وهذا ما أكّده القرآن في آيات عديدة، وأضاف إليه أركاناً  أخرى، مثل: الإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالكتب السماوية، والقرآن منها، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً}النساء: 136.
 وهل الّذي لم يؤمن بالرسل والكتب، يعدّ مسلماً، وداخلاً في الإسلام؟ مع أنّ الآية صريحة في أنّ من لم يؤمن بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً؟ أليس القرآن من الكتب، ومحمد من الرسل، والإيمان بهما ضمن الإيمان المطالب به في الآية، ولا يؤول بشيء آخر؟!..
فنحن لا نحتجّ بالأحاديث، لأن الأحاديث، عنده - في أحسن أحوالها – لا تتجاوز (إنْ صحّتْ!!) الشك([48]). فلنتأمل آيات محكمات أخرى في المجال نفسه: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ. قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ. أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ. وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ. إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}القصص48-56.
فبحسب منطوق الآية، فإن بعض أهل الكتاب لم يؤمنوا برسالة النبي، وطالبوا الرسول بالمعجزات، والله تعالى طالبهم بأن يؤمنوا بالرسول، وفي حالة عدم الإيمان به، مع وجود الأدلة، فهم إنّما يتّبعون أهواءهم، ولا يستحقون الهداية، ولا يعدّون مسلمين، ولم يخضعوا لأوامر الله، بحسب ما هو موجود في الرسالة الأخيرة، وهم في عداد الظالمين.
والبعض الآخر منهم: آمن وصدّق برسالة الرسول، وأقرّوا بأنهم كانوا قبل مجيء الرسول مسلمين، فحين آمن أصبح مؤمناً بما جاء به الرسول، أيْ: أسلم، وأعطاهم الله أجرهم مرّتين.. مرّة على إسلامهم السابق، ومرّة على إيمانهم بمحمد (صلى الله عليه وسلم). فهل المطلوب - بحسب هذه الآيات- أن يؤمن أهل الكتاب بالرسول، أم هم مسلمون، لا يحتاجون إلى ذلك؟!
وإذا فرّق أهل الكتاب، وغيرهم من المسلمين (بحسب نظر شحرور)، بين الرسل، ولم يؤمنوا بالقرآن، وهو من كتب الله تعالى، فهل يعدّون بعد ذلك مؤمنين أو مسلمين ناجين؟! هل هذا ما يؤكده القرآن، ويؤيِّده؟!
 فإن كان هذا مخالفاً للقرآن، فماذا يفعل شحرور، وهل يعترف بخطئه، أم يتمادى فيما رآه، ولا يسمع الآخر، كما هو ديدنه في عدم الالتفات إلى من نقده نقداً علمياً؟!!
 فلننظر قول الله تعالى في كتابه: {قلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}سورة آل عمران: 84-85، مع أنّ الآية موجهة إلى المؤمنين من أتباع النبي (صلى الله عليه وسلم). لكن للقارئ أن يسأل: أليس الرسول أحد أنبياء الله، وقرآنه (تنزيله الحكيم) أحد كتبه؟ فهنا ذكر أن من آمن بما أنزل على الرسول والرسل الكرام، فقد أسلم لله، وبعد ذلك مباشرة يقول: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين}، أهذا الإسلام إسلام بمعناه العام، أم إسلام محمد (صلى الله عليه وسلم)؟! لا شك هو الإسلام بالمعنى الخاص، الّذي أنزل على أساسه القرآن، وكان حاكماً على الرسالات الأخرى، لتضمّنه الإيمان بالقرآن.
إذن فالإسلام، بنسخته الأخيرة، وكماله التشريعي، عبارة عن الذي نزل على محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى أهل الكتاب، وغيرهم، والإيمان به بحسب المنطق والمنطوق القرآني. تأملوا قول الله تعالى: {إنّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ. فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}آل عمران: 19-20، فإذا اعتبر الإسلام الأول الإسلام بالمعنى الشامل، فممّا لا شك فيه أن الإسلام الثاني، الذي يطلب الله من الرسول أن يدعو إليه أهل الكتاب والأميين، هو إسلام الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، الواجب اتباعه لكي يكونوا من المهتدين، وفي حالة عدم الاستجابة فما على الرسول – وهو هنا محمد صلى الله عليه وسلم- إلا البلاغ. وهذه الآيات واضحات في وجوب اتباع الرسول الخاتم، والإسلام المحمدي.
ولو لم يكن اتّباع الرسول واجباً حتمياً لما ذكر الله تعالى أن على أهل الكتاب أن يتّبعوا الرسول، انظر هذه الآيات، ثم احكم من هو المخاطب: المؤمنون أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، أم أهل الكتاب من اليهود، أم كلاهما؟
 يقول الله تعالى، بعد ذكر قصة اليهود مع موسى، لرؤية الله تعالى، وإصابتهم بالرجفة: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}الأعراف: 156-157، فالرحمة تشمل من يتّبع، في المستقبل؛ الرسول النبي الأمي الذي توجد أوصافه في التوراة والإنجيل. فمن آمن به، وأيّده، ونصره، واتّبع القرآن الذي وصف بالنور الذي أنزل معه، فهو المفلح، وهم المفلحون. أليس هذا يعني أن الإيمان بالرسول واجب على من بلغه هذا الدين، وعرف أوصافه المذكورة... إلخ؟ وهل بعد هذا يجوز أن يقال إن من لم يؤمن به، بعد معرفته، يعتبر من الإسلام الذي لا يحتاج إلى الإيمان بمحمد، وقرآنه؟!!
ألا تعدّ مثل هذه الآيات حثّاً وأمراً من الله تعالى لأهل الكتاب، وغيرهم، باتّباع دين الإسلام في نسخته الأخيرة، ومعناه الخاص: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}آل عمران: 199، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ}المائدة: 155. {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا  يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}المائدة: 199، {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}البقرة: 121. فالآيات المتفرقات من السور المذكورة، فيها حثّ على اتّباع الإسلام، وإنذار لأهل الكتاب الذين لا يتبعونه، والخسران لمن يكفر به، ولا عذر لمن عرف منهم حقيقة رسالته، كي يحتج به عند الله. واستنباطات أخرى لسنا بصدد عرضها..

مهمة الأمة الوسط، والشهادة على الناس
إذا كان الإسلام فطرياً، بالمعنى الشحروري، ولا يتضمن الإيمان بمحمد، ورسالته، وكتابه، فلماذا جاء؟ وما هي مهمته؟ وما دور الأمة الوسط؟ وما سبب مهمة التبليغ والبلاغ، المذكورة في آيات كثيرة، كي يدعى الناس جميعاً، ومنهم أهل الكتاب، إلى الدين الجديد؟! أليس هو الشهادة على الناس جميعاً: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}البقرة: 143، {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}الحج: 78.
ولهذا كانت دعوة الرسول للناس جميعاً، والنّاس مدعوون كي يتبعوه، كما قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}الأعراف: 158. فالاهتداء متعلّق باتّباعه، والآيات واضحات لا تحتاج إلى التعليق والشرح.

الإسلام والفطرة
يذكر شحرور أن الإسلام دین الفطرة، وهذا ليس محل خلاف، لكن شحرور يعطي هذا المعنى بعداً آخر، حرَّفه به عن مضمونه، وأعطاه مضموناً جديداً ابتعد به عن محتوى الأدلة، وأحياناً عن منطوقها.
 فهو يرى أن أركان الإسلام المعروفة تحريف خطير، يناقض التنزيل الحكيم، وأنّ الدين عند الله هو الإسلام الّذي لا يقبل غيره (ولكن وفق تصوره الخاص)، وباعتبار أنّ الدين الإسلامي عند الله هو دين الفطرة الإنسانية التي فطر سبحانه الخلق عليها. ثم يستشهد بقوله تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}الروم: 30، ويعقب بقوله: لا بد أن تكون أركان هذا الإسلام، بحسب الآية السابقة، فطرية مقبولة، تتوافق بشكل طبيعي مع ميول الخلق. ثم يستفسر قائلاً: فهل الشعائر (إقامة الصلاة – الصوم – حج البيت – الزكاة)، التي افترضوا أنها من أركان الإسلام، فطرية؛ تتجه إليها النفوس والأرواح والعقول مدفوعة بفطرة الخلق؟. وبما أنّ تعريف الفطرة عنده، هي: ميول الخلق، وعدم حصول التكليف والتعب، فمن الطبيعي أن تكون الصلاة والصوم والزكاة والحج خارجة عن الإسلام، حسب تصوره.
 فهو يعلّل ويذكر مثلاً: أنّ أخذ الزكاة ضد الفطرة الإنسانية تماماً!! فالزكاة إخراج للمال، وإنفاق له، بينما جبل الله خلقه على كنز المال وحبه، كجزء من أجزاء غريزة حب البقاء. يقول تعالى: {وتحبّون المال حبّاً جمّاً}الفجر: 20.
 ويرى أن الصوم – كذلك - يتعارض مع الفطرة، ومع غريزة حب البقاء. وكذلك، فالقتال ضد الفطرة. وباختصار، الشعائر كلها ضد الفطرة. ويرى أنها لو كانت من الفطرة، لما أنزلها تعالى في محكم كتابه، وكلّف المؤمنين بها تكليفاً، ولترك الخلق يؤدونها بفطرتهم، دون أمر منه..([49]).
 ونسي شحرور أن الأعمال الصالحة، التي ذكرها هو في الركن الثالث من الإسلام، قد ورد الحثّ - وأحياناً الأمر بها - في القرآن الكريم، مع أنها من الفطرة عنده!! وبهذا المنطق يحاول شحرور دحض مزاعم واضعي أركان الإسلام الخمس، وعلى تنبيه القائلين بها إلى مخالفة ذلك للتنزيل الحكيم، بحسب تعبيره.
وكما قلنا، فهو يثير شكوكاً، ثم يثبت قضايا، ومن ثم يردّ على الغير، ويوهم بأنّ أدلته أكثر إقناعاً للآخر، ويلبس الحق بالباطل، ويظهر باطله في ثوب أدلة، يحسبها الضمآن ماءً..
ولنقف هنا وقفة: فنحن - كغيرنا - نعترف ونقرّ أن الإسلام، كدين الأنبياء السابقين، ودين خاتم النبيين، هو دين الفطرة، ويقبله العقل السليم، وتطمئن به القلوب الصافية، ولكن من قال إن معنى الفطرة هو عدم وجود التكليف والتعب، أياً كان؟ وإذا كان  الإسلام ديناً فطرياً، وهذه الأركان ليست من الفطرة - بزعمه -، وأن الأنبياء السابقين، وتعاليمهم، من الإسلام، وهو دين الفطرة، (ونحن نوافقه في ذلك)، فهذا يعني أن وجود الصلاة والزكاة والصوم في الأديان السابقة هو أمر غير مبرر، ولا يجوز وجودها، لأنها تخالف الفطرة!! ولنا أن نسأل: إن كانت الرؤية الشحرورية صحيحة، فلم كانت الصلاة والزكاة والصوم، والعبادات الأخرى، موجودة عندهم، كما ذكرنا من قبل؟! أليست هذه الشعائر ضد الفطرة - كما يقول شحرور -، والأمم السابقة أمم مسلمة، بحسب المنطوق القرآني؟! ألا يعد ذلك مخالفاً للفطرة، ومن ثم للإسلام، بالمعنى الشحروري؟! فكيف يفسّر ذلك، ويبرره؟! أم أن هذا تناقض يتجاوزه، ويهمِّشه، بسهولة، كما هو ديدنه في مواضع أخرى، وخاصة إذا كان ضد مشروعه ورؤيته التي يريد إثباتها!
 أليس من المستحسن والأفضل لشحرور أن يعدّ هذه الشعائر من العمل الصالح، الذي يجعله شرطاً في الإسلام، كما سيأتي؟! أم أنّ مثل هذه التأويلات مسّوغ سهل للتفلّت من الالتزام والتكاليف الدينية!!
الشعائر التعبدية موجودة عند الأديان الأخرى، التي نسمّيها، وسمّاها شحرور، بـ(الإسلام)، كما ذكرنا، ونكرّره بصورة موجزة: فعن الصلاة يقول الله تعالى على لسان إبراهيم: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ}إبراهيم :37 ، {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}إبراهيم: 40، وعن موسى وهارون: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}يونس: 87، وفي زكريا: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ}آل عمران: 39، وقول عيسـى: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً}مريم: 31، وعن كافة الأنبياء: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}مريم: 58، وعن بعضهم يقول: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}الأنبياء: 73.
وأمر الصيام أوضح: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}البقرة: 183، {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً}مريم: 26.
 فإقامة الصلاة والزكاة، والعبادات بصورة عامة، جزء من وحي الله تعالى، فكيف يجوز لشحرور أن يعدّها ضد الفطرة، ومن ثمّ خارج الشعائر الإسلامية، بالمعنى الشحروري، وهي من واجبات المؤمنين من أتباع النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)؟!..
 فبعد هذه الأدلة، وإثبات هذه الشعائر للأمم السابقة المسلمة، واعتبارها من الإسلام، كيف نطمئن إلى حجج شحرور، وآرائه، في الأمور الأخرى؟!! ثمّ، أليست الأعمال الصالحة، التي عدّها شحرور من أركان الإسلام، قد أتى بها القرآن، وكلّف بها بني آدم، والآيات في ذلك العشرات، إن لم نقل المئات([50]!!
أما ما قاله بأنّ الفطرة تتعارض مع التكليف، وتعميم ذلك على كل ما هو مطالب به في الإسلام، بالمعنى المعروف، وبالمعنى الشحروري، فإجحاف، ومجانبة للصواب. واعتبار الشـيء من الفطرة، لا يعني أنّه خال من التعب والتكليف.. أحقاً ما يقوله شحرور إن الإسلام، بالمعنى الفطري، بما في ذلك الأديان السماوية السابقة، لا يحمل في طياته ما فيه تكليف، وأنه ضد الطبع البشري؟! أليست الشعائر الموجودة من قبل، وفي إسلام السابقين، والعبادات بأنواعها، أليس فيها تكليف ومشقة؟! أحقاً أن الوصايا العشر ليس فيها تكليف ومشقة؟! ألا يعدّ برّ الوالدين، والإحسان إليهما، نوعاً من التكليف والمشقة، لولا الدافع الديني، والخلق الإنساني، واقتران ذلك بالثواب والعقاب؟! أليس من البرّ الإحسان المادي إليهما، في حالة العوز والفقر، ألا يعد ذلك تكليفاً، ومخالفاً لحبّ الخير والمال؟! ألا يعدّ الابتعاد عن الفواحش، وحفظ الفروج، مخالفاً لشهوة الإنسان، وميوله الحيوانية؟!! أليس من الصعب جداً تطبيق العدالة إذا كانت فيها مضـرة للأقرباء؟ وهل الوفاء بالعهد، وعدم بخس الناس أشياءهم، ليس فيه تكليف وصعوبة؟! فربط عدم التكليف بالفطرة، واعتبار الفطرة إسلاماً، بهذه الصورة، مغالطة من الكاتب، ومن ثم القياس عليه افتئات!!
ومن جانب آخر، ألا يسعد الإنسان حين يصلي ويزكي ويصدق ويحج، مع كون هذه الشعائر تكليفاً؟! وأن بعض طرق الخير فيها المشقة والاطمئنان القلبي؟!!
أما عدّ أركان الإسلام أركاناً للإيمان، بحسب رؤيته، واستناداً على ما يورده من أدلة قرآنية([51])، وهو: التسليم بوجود الله، وباليوم الآخر، فإذا اقترن هذا التسليم بالإحسان والعمل الصالح، كان صاحبه مسلماً، سواء أكان من أتباع محمد (الذين آمنوا)([52])، أو من أتباع موسى (الذين هادوا)، أو من أنصار عيسى (النصارى)، أو من أيّ ملة أخرى غير هذه الملل الثلاث، كالمجوسية والشيفية والبوذية (الصابئين)، فهذا لا يسلّم له به بهذا الإطلاق. فالإسلام له معانٍ، أحدها: إسلام الأنبياء، والأخرى الانقياد، وثالثة: الإسلام بمعنى الالتزام بأوامر الله، والاجتناب عن نواهيه، وفق ماجاء به الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم). وبهذا المعنى الإسلام يكون أشمل من الإيمان، لأنه يتضمنه ويستوعبه، فلا يكون الإنسان مسلماً صالحاً، إلا إذا كان مؤمناً.
 ومن جهة أخرى، فإن الأدلة القرآنية، والآثار الواردة، لا تحصـر الإسلام في الخمس المذكورة، فالإسلام أوسع من أن يحصر في هذه الخمس، أو غيرها. فهذه سميت بالأركان في أحاديث، وهناك أدلة أخرى يمكن أن يستنبط منها أركان أخرى، وأجزاء مهمة..
 وبما أن شحرور التزم بلفظ الإسلام، ولذلك استخدم مع كل ركن لفظ التسليم، بعد وضع الإيمان قبله: الإيمان تسليماً بوجود الله، الإيمان تسليماً باليوم الآخر، وكذلك العمل الصالح، والإحسان!!([53]).
  لكن ما هو الإيمان بوجود الله؟ وماذا يتضمن عنده: أيشترط الوحدانية، أم أن التثليث عنده وحدانية؟ واليوم الآخر، هل يؤمن به البوذية، وغيرهم، مثلاً، إيماناً كاملاً؟! والعمل الصالح يمكن أن يتضمن ما لا نهاية من الأعمال، بل يتضمن كثيراً مما يمكن تسميته عملاً صالحاً؟ وهل الإيمان بالكتب، والرسل، والملائكة، جزء من الإيمان بالله، أم لا؟ وهل الإيمان شرط في الإسلام؟ أليس الله الذي قال في كتابه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}البقرة:179؟ فأين الإيمان بالرسل في أركان الإسلام لدى شحرور، فالله تعالى يطلب الإيمان بالرسل.. وهل هذا الإيمان خاص بأتباع محمد (صلى الله عليه وسلم)، ولا يشمل غيرهم؟! وهل هذا الإجمال يحلّ الإشكال؟!
وكما قلنا سابقاً، فالله تعالى يطلب من أهل الكتاب، وغيرهم، أن يتّبعوا الرسول، ويؤمنوا بكتابه، كي يكونوا من المهتدين. فقد يفسر إجمال الآية بتفصيلات أخرى ضمن التنزيل الحكيم، الذي لم يذكره شحرور!! أو قد يكون لمن لم يبلغهم هدي الله تعالى بالصورة الكاملة، فيحاسبون على ما عندهم من الإيمان الصحيح، والعمل الصالح ... وما إلى ذلك، مما لسنا بصدد بحثه الآن..

خروج عن المنهج
المجرمون، أول المسلمين، ومن المسلمين
وفي سبيل إثبات رؤيته في تعريف الإسلام، يذكر شحرور أن المصطلح المضاد للإسلام هو الإجرام، والمصطلح المضاد للمسلمين هو المجرمين. والحجّة في ذلك قوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ. مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}القلم: 35-36. ثم يذكر أصل (جرم)، ومشتقاته، واستخداماته في القرآن الكريم.
ولا إشكال لدينا في أنّ بعض هذه المعاني صحيحة([54])، لكن قصـر المعنى المضاد، والمصطلح المقابل للإسلام والمسلمين، في الإجرام والمجرمين، يخالف القرآن الكريم، ومنطوقه، عند تطبيق المنهج الشحروي. فالقرآن الكريم حين يذكر إيمان الجن، فيقول: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً. وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً}الجن: 13-14، فقد كان منهم المسلمون، وفي الطرف المضاد كان هناك القاسطون، فالقاسطون هنا مثل المجرمين، وعلى المنوال نفسه، فلماذا حصر شحرور المصطلح المضاد للمسلم في (المجرم)؟!!
والغريب في الأمر أن شحرور، لكي يبرز صحة رؤيته، يجحف أحيانا في ليّ النصوص بما لا تحتمله. من ذلك: تأويل (أوّل المسلمين) في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}الأنعام: 162-163، بمعنى النهاية والمآل([55])، مع أنّ هذا مخالف لمنهجه في الترادف. وخالف بذلك الواضح من اللغة، وجنح إلى تأويل بعيد، لتبرير موقفه، وتثبيت فكرته! فهو استند إلى ما أشار إليه ابن فارس من أنّ الْهَمْزَةَ وَالْوَاوَ وَاللَّامَ أَصْلَانِ: ابْتِدَاءُ الْأَمْرِ، وَانْتِهَاؤُهُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، وَهُوَ مُبْتَدَأُ الشَّيْءِ. لكن شحرور لم يذكر أمثلة الأصل الثاني، الذي استند إليه، لأنّه ليس في صالحه، فسكت عنه، لأنه من: آلَ يَؤُولُ، أَيْ: رَجَعَ. يُقَالُ: (أَوَّلَ الْحُكْمَ إِلَى أَهْلِهِ)، أَيْ: أَرْجَعَهُ وَرَدَّهُ إِلَيْهِمْ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ، وَهُوَ عَاقِبَتُهُ وَمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ}الأعراف: 53. لكن المذكور في الآية عبارة عن الأصل الأوّل، بمعنى البداية لا النهاية!!
         فالرسول أوّل المسلمين، باعتباره أوّل المتمسكين بما نُزِّل عليه، والتسليم بهذا الإسلام، والالتزام بأوامره، من الحنيفية الإبراهيمية البعيدة عن الشرك، والملتزمة بالصلاة والنسك: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}الأنعام:161-163، وكما في قوله: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ. وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ}الزمر:11-12، وبالمقابل فهو من المسلمين؛ باعتبار الإسلام دين الأنبياء عليهم السلام، بدءاً من آدم، وانتهاءاً بمحمد (صلى الله عليه وسلم).
يجب أن لا ننسى أنّ لفظ الإسلام في القرآن يُقرأ ضمن السياق، فقد يأتي بمعنى يتضمن الإيمان والاعتقاد، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنْ الْمُنذِرِينَ. وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}النمل:91-93 ، فهذا لا يختلف عن معنى الإيمان كثيراً،  بل يتضمن معناه.
ويأتي بمعنى الانقياد العملي، وتنفيذ الأوامر الإلهية المنزّلة على رسوله، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}الحج: 77-78، وكذلك قوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ}يونس: 90.
ولو تتبعنا الأصل اللغوي، والاستعمال القرآني، واستنباط العلماء لـ(الإسلام والإيمان)، لتوصّلنا إلى نتائج قد تقترب وتبتعد عمّا تحدّثنا عنه في هذا البحث، وبخاصّة عند تقويمنا لشحرور.
 وإذا بدأنا بأصل(الإسلام) في اللغة، فيمكن القول: إنّ مادة (السين واللام والميم) لا تخرج من معنى السلامة والعافية والتحية والخضوع والانقياد والتسليم وإخلاص الدين لله، وبعد ذلك أطلقتا على الشريعة التي جاء بها الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، والمعاني الشرعية الأخرى([56]).
         وتتعدد معاني لفظ الإسلام، واستعمالاته في القرآن الكريم، وفق السياق، وإنْ رجع في الأصل إلى معنى، أو أكثر، كما في اللغة. فمن معانيه: (هو اسم للدين الذي تدين به)، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام}آل عمران: 19. وقد فسـّر أبو جعفر الطبري الإسلام بـ"الانقياد بالتذلل والخشوع"([57])، وإن كان ضمناً يقصد(الدين الذي تدين به)، وذلك حين يقول: "إنَّ الطاعةَ التي هي الطاعة عنده، الطاعةُ له، وإقرار الألسن والقلوب له بالعبودية والذّلة، وانقيادُها له بالطاعة فيما أمر ونهى، وتذلُّلها له بذلك، من غير استكبار عليه، ولا انحراف عنه، دون إشراك غيره من خلقه معه في العبودة والألوهة"([58]). أما ابن كثير فيفسر(الإسلام) بالوجه الأول، ويقول: "إخبار من الله تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام"([59]). ويؤكد الزمخشـري قبله على هذا المعنى – مع ربطه بإحدى أصولهم - ففي تعليقه على الآية يقول: "فقد آذن أن الإسلام هو العدل والتوحيد، وهو الدين عند الله، وما عداه فليس عنده في شيء من الدين"([60]). وهذا ما ذهب إليه أبو الفرج الجوزي، في قوله تعالى: {هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ}الحج: ٧٨([61]). فالإسلام هنا واحد، سواءاً أكان الإسلام السابق، كدين الأنبياء، أو الإسلام اللاحق، ممثلاً في دين خاتم الأنبياء.
ومن الوجوه الأخرى لكلمة (الإسلام) في القرآن: الإذعان، والإخلاص، والخضوع، والاستسلام، والإقرار، أيْ الإنقياد بصورة عامة لأوامر الله. فالّذين أسلموا في قوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا}المائدة: 44، و"هم الذين أذعنوا لحكم الله، وأقرُّوا به"([62])، و(الذين أَسْلَمُواْ) عند الزمخشـري "صفة أجريت على النبيين على سبيل المدح، كالصفات الجارية على القديم سبحانه، لا للتفصلة والتوضيح"([63]). وقوله تعالى: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}الصافات: ٨٤، يعني: "مُخْلَصٍ مِنَ الشِّرْكِ وَالشَّكِّ"([64]). وكذلك قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}البقرة: ١٣١، ومعناه أخلص، قال: أخلصت، وهذا ما أكّده الطبري بقوله، تأويلاً للآية: "إذ قال له ربه: أخلص لي العبادة، واخضع لي بالطاعة، (قال أسلمت لرب العالمين)، فإنه يعني :خضعت بالطاعة، وأخلصت العبادة، لمالك جميع الخلائق، ومدبّرها، دون غيره"([65]). ومثله قوله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا}آل عمران: ٢٠، فأسلمت وجهي لله يعني: "أخلصت ديني لله، وأأسلمتم يعني: أأخلصتم بالتوحيد؟ فإن أسلموا، يعني: فإن أخلصوا، و(أسلمت) هنا يعني: انقدت لله وحده بلساني وقلبي وجميع جوارحي،  و(أأسلمتم) يعني: هل أفردتم التوحيد وأخلصتم العبادة والألوهة لرب العالمين...(فإن أسلموا) يعني: فإن انقادوا لإفراد الوحدانية لله، وإخلاص العبادة والألوهة له"([66]). (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ للَّهِ) أي "أخلصت نفسـي وجملتي لله وحده"([67]). وفي قوله تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}لقمان: ٢٢، يعني: يخلص دينه لله..([68]). وفسـّره الطبري بقوله: "ومن يُعبِّد وجهه متذللاً بالعبودية، مقرّاً له بالألوهة"([69]).
          ووجه آخر لكلمة (الإسلام) هو(الاستسلام)، وهو من المعنى المذكور آنفاً، ومنها: قوله تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}آل عمران: ٨٣، "أَيِ: اسْتَسْلَمَ لَهُ مِنْ فِيهِمَا طَوْعًا وَكَرْهًا"([70]). وكذلك قوله: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ}يونس:٩٠، وقوله : {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}النمل: ٤٤، وكذلك قوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}الصافات: ١٠٣، وكل ذلك أتى بهذا المعنى، كما أشار إلى ذلك ابن الجوزي([71] ولا يخرج عن المعنى السابق، كأصل، مع أنّه وظِّف سياقياً. وعن الآية الأخيرة يقول الطبري: "فلما أسلما أمرهما لله، وفوّضاه إليه، واتفقا على التسليم لأمره، والرضا بقضائه"([72]).
         والوجه الآخر: (الإقرار)، والذي يتداخل أحياناً مع المعنى الآنف. ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}الحجرات: ١٤، استسلمنا: ودخلنا في السلم، وتركنا المحاربة والقتال، بقولهم: لا إله إلا الله([73]). ويعني: الاقرار باللسان، كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ}التوبة: ٧٤، يعني: بعد إقرارهم، ولم يخلصوا قط([74]).
فهذا مجمل القول لمعنى (الإسلام) في القرآن الكريم، فهو: اسم للدين الذي ندين به، والتوحيد، والإخلاص، والاستسلام، والإقرار([75])، فمعناه الإسلام، ودين الأنبياء، واسم للشريعة الخاتمة، مع معاني الخضوع والإنقياد والتذلل والخشوع والإخلاص.
 وهذا يعني أنّه لا يمكن حصر معنى (الإسلام) في معنى من المعاني، إلا بقرائن وأدلّة أخرى، مع الاتفاق على الأصل اللغوي، والاختلاف في السياق. وهذا ممّا لم يراعه شحرور في دراسته هذه.



[1] نحو منهج لتنظيم المصطلح الشرعي، هاني محي الدين عطية، القاهرة، مصر، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1417هـ/1997م، ص17.
[2] الفكر الإسلامي تقويمه وتجديده، محسن عبد الحميد، بغداد، العراق، دار مكتبة الأنبار، ط 1 ،1408هـ/1987م، ص7. ولدى محسن عبدالحميد تعريف مماثل، أشرت إليه، وهو أن الفكر الإسلامي عبارة عن "كل ما أنتجه المسلمون، في ظل الإسلام، من فكر بشري، في الفلسفة والكلام والفقه وأصوله والتصوف والعلوم الإنسانية، منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم إلى اليوم محسن عبد الحميد، المذهبية الإسلامية والتغيير الحضارى، قطر، مطابع الدولة الحديثة، ط1،(1404هـ)، ص 21.
[3] التجديد في الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر مدارسه ومناهجه، إسحاق بن عبد الله السعدي، بحث مقدم للمؤتمر الدولي الأول لقسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم - جامعة الفيوم، في الفترة من 27-29/10/1429هـ-27-29/10/2008،1429ه، ص10.
[4] البناء الفكري، علي بن عمر بادحدح، جامعة الملك عبد العزيز بجدة، مؤتمر فور شباب العالمي، تحت شعار: بناء وإخاء عن:www.islameiat.com
[5] http://www.rasid.com/artc.php?id=15128  زكي الميلاد لـ«البصائر» الجزائرية: قضايا التجديد الإسلامي ومستقبل العلاقة بين الإسلام والغرب، شبكة راصد الإخبارية - « أجرى الحوار: الدكتور مولود عويمر، من صحيفة «البصائر» الجزائرية » - 23 / 2 / 2007م - 1:44، بتصرف.
[6] معجم مصطلحات الفكر الإسلامي المعاصر دلالاتها وتطورها، فاتح محمد سليمان، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 2012م، ص123-124.
[8] منهج تجديد الفكر الإسلامي، عبد الله بن عبد المحسن التركي، منهج تجديد الفكر الإسلامي، التجديد في الفكر الإسلامي(ندوة)، محمد إبراهيم الكتاني ومجموعة من الباحثين، السعودية، مؤسسة الملك عبدالعزيز آل سعود والمركز الثقافي العربي، ط1، 1989م.ص 18. وقبلهم يرى محمد الغزالي أن الفكر الإسلامي ليس هو الإسلام، بل هو صنعة المسلمين العقلية في سبيل الإسلام... وغير معصوم عن الخطأ... فلا تجب له الطاعة، إلا بقدر ما فيه من تمثيل لكتاب الله، ورسالة السماء؛ وذلك لأنه يخضع للنقد والمخالفة... ويظل الفكر الإسلامي صنعة الإنسان في أرض المسلمين، ينظر: ليس من الإسلام، محمد الغزالي(د:ت)، القاهرة، دار الشروق، ط6،ص113-115.
[9] منهج التجديد في الفكر الإسلامي، فاروق النبهان، التجديد في الفكر الإسلامي (ندوة)، محمد إبراهيم الكتاني ومجموعة من الباحثين، السعودية، مؤسسة الملك عبدالعزيز آل سعود والمركز الثقافي العربي، ط 1، 1989م. ص50-51، باختصار.
[10] الفكر الإسلامي المعاصر، مجموعة من الباحثين، لبنان، منشورات دار المقاصد الإسلامية، ط1 ،1428 هـ / 2007 م ص 36.
[11] ينظر: علم اللغة، علي عبد الواحد وافي، القاهرة، مصر، دار النهضة، ط7، ص 314-316. دلالة الألفاظ، إبراهيم أنيس، القاهرة، مصر، مكتبة الأنجلو المصرية، د:ط، 2004م، ص103. علم اللغة، محمود السعران، بيروت، لبنان، دار النهضة العربية، د:ط، ص 280. والتطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه، رمضان عبد التواب، القاهرة، المؤسسة السعودية في مصر، مطبعة المدني، ط1، ص66.
[12] محمد ديب شحـرور، من مواليد دمشق – 1938، حصل على الدكتوراه عام 1972 في الهندسة المدنية – اختصاص ميكانيك تربة وأساسات، عيّن مدرساً في كلية الهندسة المدنية، جامعة دمشق عام 1972 لمادة ميكانيك التربة، بدأ في دراسة التنزيل الحكيم وهو في إيرلندا، بعد حرب 1967، وذلك في عام 1970، واستمر بالدراسة حتى عام 1990، حيث أصدر عدداً من الكتب، منها: الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة، والدولة والمجتمع، والإسلام والإيمان – منظومة القيم، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي – فقه المرأة، تجفيف منابع الإرهاب، والقصص القرآني، والسنة الرسولية والسنة النبوية – رؤية جديدة، والدين والسلطة – قراءة معاصرة للحاكمية، مع بروز في القنوات الفضائية، ومشاركة مؤتمرات، وزيارات لمراكز بحثية وجامعات. للسيرة الذاتية وتفصيلات أخرى، ينظر: موقعه الرسمي على الإنترنت http://www.shahrour.org/?page_id=2
[13] من ذلك: القراءة المعاصرة للدكتور شحرور – مجرد تنجيم/ كذب المنجمون ولو صدقوا، سليم الجابي. والقراءة المعاصرة للقرآن في الميزان، أحمد عمران. وتهافت القراءة المعاصرة، د. منير الشواف. وتهافت الدراسات المعاصرة في الدولة والمجتمع، د. منير الشواف. وبيضة الديك: نقد لغوي لكتاب (الكتاب والقرآن)، يوسف الصيداوي. القرآن وأوهام القرآة المعاصرة والإشكالية المنهجية في الكتاب والقرآن – دراسة نقدية، ماهر المنجد. والفرقان والقرآن – قراءة إسلامية معاصرة ضمن الثوابت العلمية والضوابط المنهجية، الشيخ خالد عبد الرحمن العك. قراءة علمية للقراءات المعاصرة، الدكتور شوقي أبو خليل. والأسس الخاسرة للقراءة المعاصرة، المهندس مأمون الجويجاتي. التحريف المعاصر في الدين، عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني. الماركسلامية والقرآن، محمد صياح المعرّاوي، ومجموعة من الباحثين. بناء المفاهيم، العبث بالمفاهيم: دراسة نقدية في الكتاب والقرآن، السيد عمر، وغيرها من الكتب.
[14] وهو الكتاب الثالث للمؤلف، ولم يتناوله بالدّراسة – بحسب اطلاع الباحث، حتى هذه اللحظة- بكتاب مستقل، غير: الرد القرآني على أوهام د.محمد شحرور في كتابه “الإسلام والإيمان”، للدكتور محمد شيخاني، دار قتيبة، دمشق، سورية 1998. يبدأ المؤلف كتابه: الإسلام والإيمان - منظومة القيم، بتوطئة في الأساس مشاركة للمؤلف في مجلة (مقدمات) المغربية، يعتبره بمثابة تمهيد، وجزء متعلق بالقسم الأول، ومن ثم يبدأ بالقسم الأول، المتكون من عناوين: الإسلام والإيمان، والإسلام والمسلمين، والإجرام والمجرمين، والإيمان والمؤمنين، الإحسان والعمل الصالح، وعناوين فرعية أخرى، مثل: الكتاب، الفريضة، الوصية، الموعظة، وفي النهاية يختم هذا القسم بـ(أركان الإسلام، وأركان الإيمان). أما القسم الثاني: منظومة القيم، فتندرج تحته فصول، وعناوين فرعية، فالفصول عبارة عن: العباد والعبيد، الشهادة والشهيد، والأبوين والوالدين، والذنب والسيئة، وقول في الإسلام والسياسة، وموضوعات فرعية تخدم الفكرة الرئيسة. ينظر: الإسلام والإيمان منظومة القيم، محمد شحرور، الأهالي للطباعة للنشر، دمشق، ط1، 1996.
[15] يقصد شحرور بالتنزيل الحكيم: (الكتاب) الذي: هو مجموعة المواضيع التي جاءت إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وحياً، على شكل آيات وسور، وهو ما بين دفتي المصحف، من أول سورة الفاتحة، إلى آخر سورة الناس، وفيه الرسالة والنبوة، وهو ما أطلق عليه التنزيل الحكيم، أي القرآن الكريم، عند العلماء. http://www.shahrour.org/?page_id=12
[16] كما سبق ذكره.
[17] ينظر: الموقع الرسمي للمؤلف http://www.shahrour.org/?page_id=3
[18] ينظر: الموقع الرسمي للمؤلف http://www.shahrour.org/?page_id=3
[19] المنهج اللغوي الذي تبناه المؤلف، بحسب المقدمة التي كتبها الدكتور جعفر دك الباب لكتابه: الكتاب والقرآن، هو: المنهج التاريخي العلمي في الدراسة اللغوية، الذي طرحه لدى دراسته الخصائص البنيوية للعربية، في ضوء الدراسات اللسانية الحديثة. لقد استنبط أسس ذلك المنهج من اتجاه مدرسة أبي علي الفارسي اللغوية. وبلور ابن جني في “الخصائص”، والإمام الجرجاني في “دلائل الإعجاز”، اتجاه مدرسة أبي علي الفارسي اللغوية في نظريتين متتامتين. ينظر: الكتاب والقرآن قراءة معاصرة، محمد شحرور، شركة مطبوعات، بيروت، لبنان، ط8، ص2.
[20]  لا يوجد إشكال مع هذه التعابير الجميلة، ولكن المشكلة مع النتائج التي تفرز، كما سيأتي، لمنهجه في اللغويات، وغيرها، ممّا لم يذكر. ينظر: الموقع الرسمي للمؤلف http://www.shahrour.org/?page_id=3.
[21]  لهذه المقولة ينظر: الكتاب والقرآن قراءة معاصرة، المصدر السابق، ص30.
[22] بل وصل الأمر إلى الاتهام والتحيز المقصود، المنبثق من خلفية معارضة للمرجعية الإسلامية. فهذا السيد عمر، في دراسته النقدية لكتاب محمد شحرور(الكتاب والقرآن)، يرى أن محمد شحرور يقوم بعملية العبث بالمفاهيم، عبر آليات متعددة، من ذلك آلية الوحي بزخرف القول غروراً، والنفاق المفاهيمي، والإلحاد في آيات الله، وأسمائه الحسنى، وآلية تعضية منظومة المفاهيم الإسلامية، واللؤم المفاهيمي، وتبديل القول، وتحريف الكلام عن مواضعه، وتخليق المفاهيم المزيفة، وتأويل المتشابه ابتغاء الفتنة، وتخليق مفاهيم مزيفة، والمكاء والتصدية، والتبييت، والتعالم، وانتحال القوامة في عالم المفاهيم، والتغامز، والتفكه. لتفصيل تلك الآليات والأمثلة لها ينظر: مجموعة من الباحثين(1429هـ/2008م): بناء المفاهيم،  العبث بالمفاهيم: دراسة نقدية في الكتاب والقرآن ، السيد عمر، القاهرة، مصر، المعهد العالمي للفكر الإسلامي-دار السلام، ج1، ط1، ص555-576.
[23] المنهج المتبع في التعامل مع التنزيل الحكيم وفق القراءة المعاصرة في
الموقع الرسمي لمحمد شحرور http://shahrour.org/?page_id=12
[24] لهذه المصطلحات وغيرها ينظر: http://www.shahrour.org/?page_id=12

[26] ينظر: الإسلام والإيمان منظومة القيم، محمد شحرور، الأهالي للطبع والنشر، دمشق، ط1، 1998ص22؛ ولتوضيح رؤيته وتفصيل أركان الإسلام والإيمان لديه ينظر: المصدر نفسه، ص113-128. 
[27] المصدر نفسه، ص32-35، لتفصيل استشهاداته والآيات المذكورة في هذا الباب ينظر: ص31-38.
[28] المصدر نفسه، ص36-37.
[29] المصدر نفسه، ص38.
[30] الإسلام والإيمان منظومة القيم، المصدر السابق، ص38-39.
[31] المصدر نفسه، ص54، مثل تأويله لآية285 من البقرة، ينظر: المصدر نفسه، ص56.
[32]  المصدر نفسه، ص55.
[33] ينظر: المصدر نفسه، 129-132.
[34] الموقع الرسمي لمحمد شحرورhttp://shahrour.org/?page_id=12 هل يمكن اعتبار المحرمات أركاناً للإسلام! لكن يبدو إنّه يرى أنّ اجتناب تلك المحرمات من الإسلام، بحسب فهمه!
[35] الموقع الرسمي لمحمد شحرورhttp://shahrour.org/?page_id=12
[36]  الإسلام والإيمان منظومة القيم، المصدر السابق، ص129.
[37] الموقع الرسمي لمحمد شحرورhttp://shahrour.org/?page_id=12، ولتفصيل استدلالاته بالقرآن على مفردة (المسلمون والمؤمنون)، ينظر: الإسلام والإيمان منظومة القيم، المصدر السابق، ص31-57.
[38] الإسلام والإيمان، المصدر السابق، ص30.
[39] ينظر: الموقع الرسمي للمؤلف http://www.shahrour.org/?page_id=3 ... وسوف نقف وقفات على بعض هذه النقاط.
[40] بحسب عبارته، وهذا من مصطلحاته التي طالما يؤكد عليها، لكي يستخدمها كبديل للفظ القرآن الكريم،  والذي يعطيه تعريفاً آخر..
[41] الإسلام والإيمان،  ص30.
[42] الإسلام والإيمان، ص32مع إضافات لتنسيق وترابط الكلام.
[43] الإسلام والإيمان، ص32-33.
[44] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير الطبري، ت: عبدالله بن عبدالمحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر، ط1، 1422هـ-2001م، ج19، ص109.
[45] الإسلام والإيمان، ص33.
[46] الإسلام والإيمان، ص34.
[47] الإسلام والإيمان، ص34-35.
[48] فهو لا يعتمد على الأحاديث في طروحاته، وينظر إلى السنة بعين الشك والريبة، وفي أحسن الأحوال كتطبيق زمني ومرحلي للتنزيل الحكيم!
[49] الإسلام والإيمان، ص35-37بتصرف.
[50] لإثبات تكليفية العمل الصالح، لا نحتاج إلى أن نبحث، بل نكتفي بما قد أتى به شحرور تحت عنوان الإحسان والعمل الصالح، وأركان الإسلام، ففيهما ما يدحض فكرته من الأساس، من الوصايا العشر وغيرها! ينظر: الإسلام والإيمان، ص60-126.
[51]  يستند شحرور على  آيات في تأسيسه لهذه الفكرة، منها: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}البقرة: 622، {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين}فصلت: 33، {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره}البقرة: 112، {قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون}الأنبياء: 108، {قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا اسرائيل وأنا من المسلمين}يونس: 90، {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك}البقرة: 128، {ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن …}النساء 125، {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا …}المائدة: 44. الإسلام والإيمان، ص37-38.
[52] أحياناً يعترض شحرور بعض ما لا يتوافق مع رؤيته، فيتجاوزه، أو يجد له تأويلاً، من ذلك إنه يفرق بين الإيمان والإسلام، ولكن حين يأتي الإيمان في سياق ما سماه هو الإسلام، يحاول أن يجد له تأويلاً. من ذلك قوله: "... أن التنزيل الحكيم حين يتكلم عن الإيمان، وعن الذين آمنوا، فهو يتحدث عن نوعين من الناس، أو لنقل نوعين من الإيمان، أولهما الإيمان بالله واليوم الآخر، وهو الإسلام، ثانيهما الإيمان بمحمد (صلى الله عليه وسلم) ورسالته، ويدلنا على ذلك بشكل لا يقبل اللبس ما ورد في التنزيل الحكيم..." الإسلام والإيمان، ص38.
[53] الإسلام والإيمان، ص38-39بتصرف.
[54] ينظر: الإسلام والإيمان، ص39-41.
[55] ينظر: الإسلام والإيمان، ص47.
[56] ينظر: معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، ت: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، ط1، 1399هـ - 1979م ، ج 3، ص90. تأويل مشكل القرآن، ت: إبراهيم شمس الدين، بيروت، لبنان، دار الكتب العلمية، ط2، 2007م-1428هـ، ص262. أساس البلاغة، الزمخشري، بيروت، لبنان، دارصادر، د:ط، 1399هـ/1979م، ج1، ص471. ولسان العرب، ابن منظور، بيروت، لبنان، دار صادر، ط3، 1414هـ، ج12، ص289 فما بعدها.
[57] جامع البيان عن تأويل آي القرآن،  المصدر السابق، ج5، ص281.
[58] المصدر نفسه، ج5، ص281.
[59] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر، ت: سامي بن محمد سلامة،  دار طيبة للنشر والتوزيع، ط2، 1420هـ - 1999 م ج2، ص25.
[60] الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، الزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد ،دار الكتاب العربي – بيروت، ط3، 1407 هـ ، ج1، ص345.
[61] نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر، ابن الجوزي، جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن، ت:محمد عبد الكريم كاظم الراضي، بيروت، لبنان، مؤسسة الرسالة، ط1،1404هـ/1984م، ص136.
[62] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج10، مصدر سابق، ص338.
[63] الكشاف، ج1، مصدر سابق، ص 636.
[64] معالم التنزيل في تفسير القرآن، البغوي،  محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود ، ت: محمد عبد الله النمر وآخرون، دار طيبة، ط4، 1417 هـ - 1997 م ، ج7، ص44.
[65] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج2، مصدر سابق، ص581.
[66] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج5، ص285.
[67] الكشاف، ج1، مصدر سابق، ص346.
[68] ينظر: الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، هارون بن موسى، ت: حاتم صالح الضامن، بغداد، العراق، وزارة الثقافة والاعلام، دار الحرية للطباعة،  ص123؛ ونزهة الأعين النواظر، مصدر سابق، ص137.
[69] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، د:ط، 1409هـ/1988م، ج18، ص569.
[70] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج2، ص69.
[71] نزهة الأعين النواظر، ص137.
[72] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج19، ص283.
[73] المصدر نفسه، ج21، ص392.
[74] ينظر: الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، هارون بن موسى، مصدر سابق، ص123؛ الوجوه والنظائر لألفاظ كتاب الله العزيز، أبو عبدالله الحسين بن محمد الدّامعاني، ت: عربي عبدالحميد علي، بيروت، لبنان، دار الكتب العلمية، ط1، 2003م/1424هـ، ص105-106؛ ونزهة الأعين النواظر، مصدر سابق، ص137.
[75] عدا السلامة من العيوب، والأمنة من العذاب، وأنه اسم من أسماء الله تعالى، واسم الجنة، والتحية والتسليم، وغيرها ممّا لا حاجة لتفصيله هنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق