18‏/01‏/2011

بعيدا عن أحلام الإمبراطورية !! (3).. العثمانيون الجدد Neo-Ottomanism

يكتبها: زيرفان البرواري
في الحلقة السابقة عالجت مسألة العثمانيون الجدد وكيفية تعاطي تلك الرؤية مع القضايا الإستراتيجية لأنقرة، ومن ابرز تلك القضايا كانت القضية الكردية التي تعد محور الأزمات في خريطة الأمن القومي لتركيا وخاصة في قاموس الجيش والعلمانيون المتشددين؛ أي أن الانفتاح الذي تتبناه الرؤية الثانية "العثمانيون الجدد" تعد الوسيلة التي تعالج بها القضايا العالقة في المشهد التركي وليس التشدد والتطرف في التعامل مع القضايا المصيرية في تركيا.التغيرات الجوهرية التي حصلت على السياسة التركية خصوصا في الشرق الأوسط أدت الى التأثير العاطفي على نفسية الافراد في المنطقة وسرعان ما لقب الناس اردوغان بالخليفة! وبعض الناس سموه بـ"محمد الفاتح" وذهب البعض بعيدا الى تسمية تركيا بالامبراطورية العثمانية الجديدة.
والسؤال الجوهري في هذا المجال هل تسعى تركيا لتجديد الخلافة الاسلامية؟ وهل تسعى الى بناء وحدة اسلامية؟ ام ان حكومة العدالة والتنمية تسعى الى تحقيق اهداف قومية على غرار الحكومات الاخرى؟.للرد على التساؤلات المذكورة لابد لنا من دراسة التغيير الذي حصل على البعد الخارجي للسياسة التركية، وكذلك السياسة العامة لأنقره في ظل العدالة والتنمية؛ ففي البعد المحلي تغير مسار السياسة العامة بسبب الإصلاحات التي أحدثتها البرامج التنموية للعدالة والتنمية، وابرز تلك الاصلاحات كانت في البعد الاقتصادي، واعتمدت الحكومة في ذلك على دراسة الابعاد المختلفة ودراسة الاخفاقات المتتالية للحكومات السابقة، وخاصة مسألة الاستقرار السياسي والعلاقة بين المؤسسة المدنية والعسكرية، ومحاولة إبعادها عن رسم السياسة العامة من خلال ضمانات قدمتها الحكومة الحالية للجنرالات ومن أبرزها عدم سعيها إلى جعل تركيا دولة يحكمها الاتجاه الإسلامي؛ من خلال المحافظة على المبادئ الرئيسية للدولة التركية" العلمانية، القومية " اي عدم الاقتراب من الخطوط الحمراء التي وضعتها الكمالية في ثلاثينيات القرن الماضي.أما البعد الخارجي والذي تعدى موضوع دراستي؛ فان التغيرات التي نلاحظها في السياسة الخارجية التركية ترتبط بتغير عقلية صناع القرار الخارجي من سياسة عدم التدخل في القضايا الاقليمية الى سياسة التدخل المدروس، تحاول انقرة ان تستفيد من العمق الجيوسياسي والجيوثقافي للدولة التركية في سبيل خدمة المصلحة القومية، وما نراه اليوم من آراء عاطفية حول الخلافة الاسلامية وما الى ذلك من الامور المرتبطة بالخيال والوجدان الفردي للافراد في الشرق الاوسط لا تجد لها اي صدى في اروقة السياسة وصناع القرار في تركيا، قد تستفيد الشعوب في الشرق الاوسط والبلقان من بعض الممارسات السياسية لأنقرة؛ إلا ان ذلك لا يعني السعيالى بناء الخلافة الاسلامية او تحقيق وحدة استراتيجية بين الدول الاسلامية، لكون الاجندة القومية ما تزال من اولويات الساسة الاتراك في الوقت الراهن، وعدم وجود جهود رسمية بين تركيا وغيرها من الدول الاسلامية في هذا الاتجاه. الغرض الرئيسي من عنوان "بعيدا عن احلام الامبراطورية" كان مخاطبة الوعي الفردي في المنطقة بما يتعلق بالمعادلة التركية، ودراسة المعطيات السياسية في الشرق الاوسط، والابتعاد قدر المستطاع عن الرؤية العاطفية ونظرة المشاهد في تحليل القضايا الجوهرية التي تتبنها تركيا في الوقت الراهن، فالساسة الاتراك وخاصة مهندسي القرارات الخارجية امثال "اوغلو" يدركون حجم المسؤولية التي تقع على عاتق العدالة والتنمية في تحيقيق التنمية المحلية اولا، ومن ثم استغلال العوامل الجيوسياسية والجيوثقافية في خدمة المصالح القومية لتركيا، فالعمق التاريخي والثفافي الذي تبنته الاستراتيجية التركية ما هو الا عملية مراجعة شاملة لاعادة الدور التركي بعد عقود من سياسة الوجه المنفردة الذي تبنته انقرة في تعاملها مع البعد الاقليمي والدولي، فالتوجه الحالي يدعو إلى التخلص من عقلية الاتكال على القوى الدولية والدوران في حلقة اللعبة الدولية التي تجعل من تركيا طرف ضعيف وآلة في سبيل تحقيق مصالح دول اخرى، وهذا ما كانت علية الحال ايام الحرب الباردة، بل التحول من طرف تابع الى قوة مؤثرة في المستوى الإقليمي وذا ثقل سياسي على المستوى الدولي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق