بقلم: محمد واني
ما يشهده الواقع العراقي من نزاعات وصراعات وإرهاب وأزمات لا أول لها ولا آخر ، سببها يعود بالأساس إلى عدم قبول العراقيين لبعضهم البعض، الشيعي لا يقبل بالسني، ويرى أنه وراء كل ما جرى له من مظالم تاريخية، والسني يعتبر الشيعة طابورا خامسا لدولة إيران الصفوية، ينفذ أجندتها في العراق والمنطقة، والاثنان لا يثقون بالكوردي، ولا يرونه إلا في صورة المتمرد على قوانين البلد وثوابته، ولديه مشروع دائم للانفصال والاستقلال، والكوردي أيضا لديه تصور سلبي للغاية تجاه عرب العراق، بشكل عام، ويراهم قوة استعمارية احتلت أرضه بالقوة .. وهذه النظرة "الإقصائية" لم تنحصر في الجانب السياسي، بل امتدت إلى جوانب أخرى اجتماعية وثقافية أيضا ..هذه المشكلة قد تكون مشكلة مجتمعات الشرق الأوسط أيضا، ولكنها لدى العراقيين برزت أكثر..
كان من الممكن أن تفتح آفاق جديدة في العراق بعد 2003، لو أن الأحزاب المشاركة في العملية السياسية تعاونت فيما بينها لإدارة الدولة، وتخلت عن رفض بعضها بعضا، وخاصة الائتلاف الشيعي و"المالكي"، الذي تولى الحكم، فلو قبل بالشراكة الوطنية، واحتكم إلى الدستور، وتعاون مع شركائه السياسيين في اتخاذ القرارات المصيرية للبلاد، ولم يمارس سياسة الإبعاد والتهميش بحقهم، بحجة الأكثرية، لما تفاقمت الأوضاع سوءا بهذا الحد .. هذه المشكلة ليست مشكلة سياسية، بقدر ما هي مشكلة حضارية وثقافية، فكلما ازداد المستوى الحضاري لمجتمع، أصبح أكثر انفتاحا على الآراء المختلفة، والعكس أيضا صحيح، فكلما هبط المستوى الحضاري لمجتمع، وكثر فيه الجهل، قلت فيه مساحة التفاهم المشترك بين أفراده، وتشبث كل واحد منهم بآرائه، وقاتل من أجلها، وإن كانت على خطأ .. كما هو الحال في العراق .
وليس بالضرورة أن نتطابق مع الآخرين حتى نتوافق معهم، وقد نتفق معهم في نقاط، ونخالفهم في نقاط أخرى، قد لا نكون متفقين في السياسة، أو الدين، ولكن تجمعنا المواطنة، أو القومية، أو اللغة، أو المدينة والقرية الواحدة، أو تجمعنا العشيرة، أو الأسرة، الواحدة، وإذا لم نلتق في كل هذا، سنلتقي حتما في "الإنسانية"، وهي أسّ العلاقات بين البشر .. ولكننا لا ننظر إلى الأمور بهذا الشكل، مع الأسف، فبمجرد أن نختلف في جانب حتى يجر هذا الاختلاف جوانب أخرى، وتحدث القطيعة الشاملة، وحركة الانشقاقات الكثيرة التي تحدث في صفوف الأحزاب العراقية، الكوردية والعربية، خير دليل على جهلنا بالعلاقات الإنسانية، وعدم نضوجنا الحضاري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق