زيرفان البرواري
إن مهمة
حماية الأمن والسلم الدوليين مناط بالأمم المتحدة، التي بدورها نظمت العلاقات الدولية
على أساس التوازن والمصالح المشتركة بين الدول المستقلة، بهدف منع النزاعات والحروب
بين الشعوب. ولكن نظرا للتسابق والتنافس على الموارد والنفوذ السياسي والاقتصادي، فقد
أخفقت (الأمم المتحدة) في تحقيق أهدافها، في ظل الحرب الباردة بين القطبين: السوفيتي
السابق، والولايات المتحدة الأمريكية. وفي ظل العولمة، والتسارع في التكنولوجيا الرقمية،
وفي غضون انهيار الاتحاد السوفيتي، تغير وجه العالم: من عالم الثنائية القطبية، إلى
عالم متعدد في أقطابه، ومتنوع في أزماته، وتعقيداتها الإقليمية والدولية.
إن دراسة
الأمن الإقليمي في بداية تسعينيات القرن الماضي، وبداية الألفية الثالثة، تظهر حقائق
ومعطيات جديدة في السياسة الدولية، وذلك بسبب تغير الأرقام التي تتحكم بالمعادلات السياسية.
فالدولة لم تعد العنصر الوحيد في إدارة السياسة الدولية، حيث ظهر لاعبون جدد، سوى الدول، غيروا من الحقائق والنظام الدولي، من خلال المساهمة في تغيير السياسات الدولية، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ومن بين تلك العناصر: المنظمات العسكرية الإرهابية، التي استخدمت من قبل المخابرات الدولية في تصدير الأزمات، وصناعة التأثير، خارج حدود دولهم. وكذلك المنظمات الأهلية، التي تحولت هي الأخرى إلى وسائل في تصدير التأثير، وتنفيذ مخططات القوة المرنة للقوى العظمى، خاصة مخططات ومشاريع السياسة الخارجية الأمريكية، في ظل إدارة الحزب الديمقراطي للبيت الأبيض. والعنصر الأخير، يتمثل في ظهور قوى منظمة، في الدول التي تتجه نحو الدول الفاشلة، والتي حملت على عاتقها مهمة الدول التقليدية في حماية الأمن الإقليمي، ومواجهة التهديدات المتزايدة من قبل الجماعات الإرهابية، وهذا الدور يمكن القياس عليه في حالات عديدة بعد الربيع العربي، وأخص بالذكر في هذا المضمار: الكورد، باعتبارهم القوة التي لا يستهان بها، رغم عدم امتلاكهم لكيان سياسي مستقل، في تسلسل الدول المستقلة، ضمن منظمومة الأمم المتحدة.
إن ظهور
(داعش)، أيا كان مصدرها، والقوى الخفية التي تقف خلف ظهورها، مثل تهديدا واضحا على
الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، حتى وصل الأمر إلى محاولة دول إقليمية كبيرة تجنب
التصادم معها، و(تركيا) مثال بارز في ذلك. إن المخططات الإقليمية، والأجندة الخفية،
حولت (داعش) من منظمة قائمة على تجارة الحرب، في المعادلة السورية، إلى عنصر وورقة
عسكرية وأمنية، في المعادلة العراقية، بعد إعلان الخلافة المزعومة في (نينوى)، مما
أفرز تعقيدات جديدة على الأزمة العراقية، في ظل غياب القيادة السياسية الواقعية، وكذلك
الاحتكار السلطوي لحكومة المالكي، وأجندتها غير الوطنية .
إن ظهور
(داعش)، وتمددها في (نينوى)، شكل تهديدا أمنيا مباشرا على الأمن القومي الكوردي، وذلك
للاحتكاك الجيوسياسي مع الإقليم، وكذلك التوجه الأيديولوجي المعادي تجاه الإقليم، في
داخل القيادات التي تحكمت بالقوة العسكرية لـ(داعش)، ويكمن التوجه الأيديولوجي في التعبئة
الفكرية ضد الكورد من خلال ربطهم بالمشاريع الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة. إن
الواقع السياسي والاقتصادي في الإقليم لم يكن ملائما لمواجهة خطر أمني بمستوى (داعش)،
ولم تكن لدى القيادة الكوردية استراتيجية الحماية الضرورية على الحدود التي تفصل بين
الموصل والمناطق المتنازع عليها بين الكورد والعرب السنة، الأمر الذي أدى إلى الانسحاب
أمام هجمات (داعش)، وأسلحتهم النوعية .
إن التصدي
الكوردي لخطر (داعش)، حول أنظار العالم باتجاه إقليم كوردستان، وأدرك اللاعبون الدوليون
أن الحرب على الإرهاب، وحماية المنظومة الأمنية في البعد الإقليمي، لا يمكن أن يتحقق
من دون مساندة للجهود السياسية والعسكرية لإقليم كوردستان. وبذلك تحول الإقليم، والكورد،
من ورقة سياسية في أروقة صناع السياسات العالمية، إلى شركاء في حماية الأمن الإقليمي،
وهذا يظهر بأن الإقليم سوف يتحول، في المرحلة القادمة، إلى محطة مهمة في محاربة الإرهاب
العالمي، ولكن في ظل التهميش، وربط الرقم الكوردي بالأزمات الداخلية للعراق، قد يتعرقل
ويضعف هذا الجهد. ولكن الأحداث الدولية تتجه نحو دعم الكورد بالمزيد من المواقف السياسية،
والدعم العسكري، وذلك لوجود المصالح المشتركة في الوقت الراهن بين الكورد والمجتمع
الدولي، وهذا ما يضمن تحرير الكورد من كونهم أوراقا سياسية، إلى شركاء بارزين في السياسة
الدولية، الأمر الذي يتطلب مزيدا من الجهود من الإدارة الكوردية نحو إعطاء الصفة الدولية
في مواجهة (داعش)، وذلك عن طريق التأثير في الرأي العام العالمي، بتفعيل الإعلام الكوردي
خلال مخاطبتها للرأي العام العالمي، وتفعيل بحوث علمية في هذا المجال، على مستوى الدول
الفاعلة في السياسة الدولية، وكذلك صياغة رسالة كوردية مشتركة تعبر عن المصلحة الكوردية
في البعد الخارجي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق