05‏/10‏/2011

هل كان ماركس يعلم شيئاً عن الدين؟

د. سعد سعيد الديوه جي*
أشك كثيراً بذلك قياساً بمدى علمه بالاقتصاد والاجتماع والتاريخ رغم السقوط المريع لنظريته.
ذلك أن مشكلة العالم التاريخية تتعلق بكثير من المنظرين الذين تبوءوا صدارة الفكر والتنظير وخلطوا الأمور على الدهماء والبسطاء من الناس، فصاغوا نظريات مسخها الزمن وحولها إلى قمامة، فكانت الماركسية؛ ومثلها نظرية نهاية التاريخ وغيرها من الحتميات التي سحقها قطار الزمن، ذلك أن التاريخ لا يُرسم من خلال نظريات بائسة...
فقول ماركس الشهير "الدين أفيون الشعوب" صار دستوراً لا جدال حوله عند أتباع ماركس، وكل من لا يفهم الفرق بين هذا الدين وذاك في نظرة سطحية مادية لا تدخل أعماق المبادئ، فانسحب الأمر على أهل الشرق عموماً وباتوا يضعون الإسلام وتاريخه ومبادئه في هذه الخانة، وهبطوا بهذا القول بالإنسان إلى مستوى البهائم حين حصروا مشاكله بين الفم والفرج ولا أكثر!.

فالإسلام لا يؤمن بمبدأ "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله" ، وإن نسب القول للمسيح (عليه السلام) على ما يدّعون، فالملك كله لله والأمر كله لله؛ وعلى المؤمن أن يقاتل ويجاهد ويحاور ويدعو بالكلمة الطيبة لكي تكون الأمور كلها حسب شرع الله الخالق البارئ الرحمن الرحيم، وبمنظور أن الإنسان روح ومادة وأنه لا يمكن الحكم عليه كما نحكم على البهائم باحتياجاتها.
والإسلام لا يؤمن بمبدأ "طوبى للبُله فلهم ملكوت السماوات"، لأنه يدعو للتفكر والتعقل والأخذ بأسباب الأمور، ولا يرضى بالظلم ابتداءاً من الشرك "الظلم العظيم"، إلى عبادة الطواغيت والأصنام البشرية المبتلى بها شرقنا المظلوم.
والإسلام لا يقيد الإنسان بالمحسوس من المادة، فذلك ظلم عظيم وقصور في النظر ما بعده قصور بعد أن علم الإنسان مكانه في هذا الكون اللامتناهي وهو جزء من الوجود الذي يصعب تخيله.
إن خلط الأديان كلها في جملة واحدة ينم عن جهل كبير وقصور في النظر ما بعده قصور، ففي ديننا لا يوجد كهنوت ولا رجال دين بالمفهوم السائد لدى الأديان الأخرى، فكل مسلم ملتزم هو رجل دين ورجل دنيا بالقدر الذي يريده ويتعمق فيه، ولا تقديس لشجر ولا بقر ولا حجر ولا بشر، ولا عصمة مطلقة لغير الله الواحد الأحد.
وفي ديننا لا توجد مؤسسات دينية بالمفهوم السائد في الأديان الأخرى تدخل هذا في ملكوت السماء وتطرد ذلك حسب ما يشتهيه رجال الكهنوت، ولا مكان للسؤال الغبي الشهير "أين الله" ولن يحل مكانه "ما قيمة من لا يعرف الله؟".
إن ما يشهده شرقنا الحالي من ثورات ومسيرات ضد الظلم والطغيان إنما يحركه أساسا ذلك الدافع الجياش في نفوس المسلمين عموماً الذين يرفضون الضيم وتسلط المستعمر على مقدراتهم.
فديننا محرك الشعوب ضد الظلم وليس أفيون الشعوب كما اعتقد ماركس وأتباعه لزمن طويل، فالأفيون الحقيقي هو النظرة الأحادية الضيقة لمفهوم الإنسانية، والغباء هنا ليس بالمعنى المتداول به بين الناس، ولكنه النظرة الأحادية التعصبية للرأي والفكرة وإسقاط كل المتداخلات التاريخية والاجتماعية والسياسية وصب الفكرة في قالب الحتمية الذي يعيبون فيه الدين والرسالة الإلهية.
وعليه فلا توجد حتمية في مسالك التاريخ الملتوية إلا حتمية الموت، وهذا "الشك" هو "اليقين" مهما بلغت شهرة "المفكر" وسمعته إذا لم يؤمن بأن التاريخ يتحرك بمسارات غير منتظمة وإنه لا يعلم الغيب إلا الله.
ولو علم ماركس شيئاً عن مفهوم الدين لما قال بأن رأس المال الحقيقي هو الإنسان بمنظوره المادي، ولكن الإنسان هو رأس المال الحقيقي بمفهومه الروحي والمادي وبعلاقته بالكون كله وبما يحيط به وبخالقه.
-----

* كلية الهندسة – جامعة الموصل



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق