09‏/02‏/2012


 د.علي عبد داود الزكي


عجائب بلادنا فاقت عجائب الدنيا السبع الأسطورية المشهورة، سمعنا بالعجائب والغرائب التي تفتخر بها الدول والشعوب كإرث حضاري تميزت به عن باقي الأمم؛ وهذه العجائب هي عجائب فرح ومرح وسرور وعظمة، وعصرنا الحديث يشير إلى أن العراق هو بلد المليون عجيبة وعجيبة! بلد الغرائب المرة والفظائع المهلكة! بلد اللامعقول! فإذا سمعت بأن (واحد زائد واحد لا يساوي اثنين) فاعلم انك في العراق! أذا أردت أن تعرف في أي بلد السيارات تترك الشارع لتتسابق في الساحات التي كانت خضراء والأرصفة اعلم أن ذلك في العراق! أذا أردت أن تعرف معنى الألم المتبسم ستجده بالعراق! أذا أردت أن تعرف عظائم ظلم المتسلطين لشعب مسكين ستجد ذلك في العراق!.


 الشعب العراقي يلهث وراء الديمقراطية كأنها العلاج السحري لكل همومه، وما ديمقراطيتنا سوى لعبة طفل صنعت في الصين تكسر قبل أن ينتهي يومها الأول، شعبنا يلهث وراء ديمقراطية العجب ليس كمكسب يستمتع به ويعيشه وإنما كلون جديد يراه؛ ولعل اللون جديد يحمل معه الخلاص، لان العراقي حتى اللون الجديد يعتبره متعة لشدة وطول فترة حرمانه، شعبنا تواق لمعرفة الديمقراطية التي سرقت منه قبل أن يدرك معناها، شعبا ينزف لكنه لا يستسلم ولا يقف عند حد الرغبة وإنما يتجاوز ذلك وفي ذلك أيضا عجب؛ شعب المستحيلات، شعبنا يتكيف مع ظلم التدكتر، مع الجفاف والقحط، وحرارة الشمس ولا يستسلم أبدا، فهل هذه هي الكبرياء وأخلاق رجال الصحراء؟.
الأنفاق المظلمة التي قدر أن يمر بها العراق إحدى اغرب وأصعب عجائب العصر الحديث، يبدو أن هذه الأنفاق المظلمة في العراق ما هي ألا  مترو الم بطيء؛ ولا ينتهي  النفق المظلم على أمل أن يرى العراقي النور ألا بكارثة وطنية وبيئية وإنسانية واجتماعية  لتمهد إلى نفق أكثر ألما وظلمة من الذي سبقه، فمسلسل مترو الإنفاق المظلمة العراقي لا ينتهي! فهل هو قدر أم استسلام أم ضعف وتخاذل وطني؟!!!!.
 لماذا يتم نسيان الماضي؟ لماذا نزيح الظلم القديم بظلم جديد؟ ونبدل الكذب بكذب جديد؟ كرهنا الكاذبين، فكيف نعرف الكاذبين الجدد ونميزهم عن الصادقين المخلصين؟ هذه هي إشكالية الحياة المثالية التي يبدو أنها خدعة بصر فكري  لا غير؛ وانخداع الشعب العراقي برجال الديمقراطية ما هي ألا خيبة عظمى!.
فشمس التغيير سرقت من أولى صباحات الحرية والديمقراطية الجديدة لعراقنا الجديد، يبدو أن الظالم أجاد اللعبة ولبس أثواب التدكتر، وأثواب التدين، وأثواب العمالة والخيانة، وأثواب التناحر، وأثواب المساومة!.
 نتساءل هل من الممكن أن يمر شعب بما مر به العراق ويبقى يحتفظ بشيء من هويته وارثه وتاريخه وحضارته؟!! ..هناك تغرب وهناك نكران لسيرة الفخر الوطنية التي رفعت رايتها على ارض العراق في تاريخه الحديث ولمراحل  مختلفة، والصراع قائم والظلم مستوطن يرفض أن يغادر، إن سمة الصراع والاختلاف لها دور كبير في صنع  الحضارة في العالم القديم والحديث، ولا توجد حضارة بدون خلاف؛ بدون صراع وفكر ينشا من اختلافات رؤى، لكن خلافتنا الم وتراجع خلافتنا وجع مستوطن وصراع مهلك يستهلك مفردات الحضارة ويحيلها إلى خراب.
هل ممكن أن يصدق عاقل بان أغنى الشعوب الأرض فقراء بلا مأوى جائعون يبحثون ما بين فتات الأمم والحضارات عن ما يسدون به رمق جوعهم المتعدد الوجوه، ومن يصدق أن بلاد الرافدين (دجلة والفرات) يستجدون الماء من أهل الصحراء؟! ارض العراق التي كانت تعيش على خيراتها اغلب دول المنطقة لا ينتجون غلة زراعية تكفيهم ويستوردون كل ما يحتاجون من الجوار الفقير بالأرض والمال والماء واليد العاملة؟.
 لماذا كل هذا القحط؟ ما هذه اللعنة التي حلت على ارض العراق؟!!.
أين يوزر سيف ليقول لنا أن السنين العجاف على ارض العراق سبقت سنين الخير ووفرة المياه؟ ولينبئنا بأنه ستأتي سنين نماء وخير وبناء ليزدهر العراق من جديد؟ لننتظر تفسير يوزر سيف عساه يأتينا بخبر وتفسير مريح!! أم أن سنيننا القادمة كلها عجاف عجاف عجاف...؟!.
 هل ما يمر به العراقي  كابوس سينتهي؟ ومتى ينتهي؟ هل بعد نهاية حياتنا والقضاء على أجيالنا؟! ولماذا يتقبل العراقي كل ذلك؟! وهل لدينا خيار؟!!! ..
من لا يعيش في العراق قد يسمع شيء من العجائب؛ لكن عجائبنا فاقت كل التصورات، يوم واحد يعيشه الإنسان في بغداد ليرى كيف أن مدينة السلام تعيش  المأزق الحقيقي في فقد الأمن والسلام إلى جانب ازدحام شوارع مقرف، وكهرباء مفقودة، ونظام شبه مفقود، ولا يوجد أي ذوق واحترام للإنسان لا في الشارع ولا في أي مؤسسة من مؤسسات البلد، الخدمات العامة شبه مفقودة وان كان البعض متوفر فانه مدفوع الثمن بشكل غير قانوني عبئا على الإنسان؛ رشوة وفساد متواصل وذوق معدوم، شعارات الدوائر الحكومية كثيرة (كلا للفساد، أو الفساد الوجه الثاني للإرهاب وووووووووو) وفوق رأس كل موظف لافته وحكمة تشير إلى معنى النزاهة! وللأسف يبدو أن النزاهة حذفت من قاموس الحكم في العراق منذ سنين طويلة! لا نزاهة؛ لا أمانة، فليس غريبا أن ترى برلمانيا يدفع رشوة! أو وزيرا يشجع على ذلك! وان محاسبة أي سوء وفساد تصطدم ليس بالموظف البسيط وإنما بالإدارات العليا التي تبارك عمل الموظف وتقف معه وتزيد من الشعارات؛ والله اعلم بما يجري في الخفاء.
 نعم شعبنا مسكين أنهكه الألم، أنهكه السوء والمرض ولا علاج؛ كل العلاجات أصبحت هستيريا تخدير بدلا من معالجة السوء المتعاظم، يعطى الإنسان حقنة من المخدر لتخفف الألم وتفتح باب ألم جديد ليعيش كابوس الإدمان! مسكين إنساننا الذي يحلم بالغد ويحلم بالوطن المزدهر، يبدو أن الوطن بيع بالتقسيط بأبخس الإثمان؛ والأثمان تقاسمها رجالات المحاصصة المقيتة.
هذه المعطيات تحتاج إلى عزم وحزم وطني حكومي لمعالجتها ولتقليل الخسائر ..لان تقليل الخسائر بحد ذاته يمكن أن يعد ربحا وطنيا.. هل من الممكن أن يكون هناك إيثار من قبل سياسيي الغفلة ليعملوا على تقليل خسائر العراق؟!!.. هل العراقيون فعلا قادرون اليوم على قيادة ثورة للتغيير؟ فالسياسيون اليوم غير قادرين على التغيير!  والنفاق تسلق عليهم من كل جانب؛ وبهرجة مكاسب السلطة أعمت عيونهم! لكن هل التغيير الثوري اليوم ممكن؟!!.
التغيير الثوري الان غير ممكن لأسباب عديد منها  التشظي والصراع العرقي والطائفي  الذي لازال يغذي الصراع العراقي الداخلي، وأي ثورة وطنية قد تنحرف بشكل دموي ومهلك ومدمر للعراق ككل، كما أن مافيات السلطة من السياسيين الفاسدين وأتباعهم  المتنعمين  بخيرات البلد على حساب الشعب سوف تعمل على أن تكون القامع الأكبر  للشعب تجاه أي فكر وثورة تغيير لكي لا يزول نعيمهم، لذا أمامنا توقعان للمستقبل؛ الأول هو كلما تعاظمت المشاكل الاقتصادية مع الزمن زاد الظلم وزاد عدد المحرومين وضعفت السلطة أمام حاجات المجتمع؛ مما قد يؤسس لانقلاب يقودوه ثوار الشعب المحروم وهذا يحتاج إلى ما لا يقل على عقد من الزمن، والتوقع الثاني هو أن تتفرد أو تتآمر الفئات السلطوية لتكون أكثر دموية وظلم على العراقيين، وتسرق كل منجزات الديمقراطية وتؤسس لدكتاتورية قاهرة لا يستطيع الإنسان إمامها أن يفعل شيئا إلا الاستسلام والرضوخ ليعيش عقود ظلم جديدة، واحتمالية أن يقود الجيش ثورة تغيير  يبدو أمرا مستبعدا مالم تدعمه أمريكا، ويبدو أن أمريكا اليوم لديها إستراتيجية تعمل فعلا على أن تجعل العراق بلا قانون ولا نظام ولا سلطة حقيقية ليكون لعبة تضحك منه جميع الدول ويقال هذا جزاء من يعصون أمر أمريكا، إن أدراك إستراتيجية أمريكا لا يعني القدرة على تغييرها؛ وعدم إدراكها لا يعني أنها غير موجودة.
إن تخبطات تشكيل السلطة بعد الانتخابات الأخيرة تشير إلى أن العراق ليس على الطريق الديمقراطي الصحيح فالحكومة التي تشكلت ليست سوى حكومة تافهة كسابقاتها لا تحترم إنسانا ولا تنصف مظلوما، أستفز بهذه الكلمات المفكرين والمنظرين ليقولوا قولتهم، وان لم يقولوا فهذا يعني أنهم أما نائمون أو أنهم يلهثون وراء أهل الكراسي، مثل وعاظ السلاطين الذين وصفهم المرحوم الكاتب والمفكر العراقي الرائع علي الوردي، أو أنهم مخدرون لا يمتلكون رؤية واضحة في ظل الاغتراب الفكري الكبير والفوضى المتسارعة التي تتغير قبل أي محاولة لتفسيرها لتنقل الحدث إلى موقع اخر بعيدا عن التحليل والتفسير، كما أن كثرة التغيير والمتغيرات جعلت الإنسان يفقد تواصله مع الماضي ويصبح بعقلية تحليل مشوشة قاصرة!.
أقول هنا؛ كفى سباتا كفى إخفاء للرؤوس في الرمال، الخطر يداهمنا ونحن بحاجة إلى مشروع للإنقاذ الوطني، بحاجة إلى قيادة فكرية حازمة للبلد توقف الانهيار العظيم وتمنع تدمير البلد.r


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق