08‏/04‏/2016

فنون الصحافة الطفلية

عبد المجيد إبراهيم قاسم
صحافة الأطفال، كما يعرفها الدكتور (عيسى شمّاس)، هي(1): "الصحافة المكتوبة -المحرّرة- خصيصاً  للأطفال، وفق مراحلهم العمرية المختلفة. يكتب موضوعاتها الكبار، ويحرّرونها، وقد يشترك الأطفال في كتابة بعض الزوايا والموضوعات الصغيرة.. ومع ذلك تظلّ صحيفة الأطفال -بوجه عام- من إنتاج الكبار، أي إنّها موجَّهة من الكبار إلى الصغار، بقصد تحقيق أهداف تربوية خاصة". ويجمع هذا النوع من الصحافة بين العلوم والآداب والأشكال الثقافية المختلفة، وتضمُّ باقة من الفنون المتنوِّعة، أهمها:
- أولاً: القصة: أقْدَرُ الفنون الأدبية في الوصول إلى وجدان الطفل، وأكثرها تأثيراً فيه. والقصص المقدَّمة في صحافة الأطفال تتوزَّع بين: قصص المغامرات، والقصص البوليسية، وقصص الخيال العلمي، وقصص التاريخ، والحكايات الشعبية، وغيرها.  
- ثانياً: القصة المصوَّرة، أو السيناريو المصوَّر: فنٌّ منتشر في صحافة الأطفال بشكل كبير، ويحتل جزءاً واسعاً من مساحاتها. وهو يعني فنّ تحويل النصِّ الأدبي إلى رسوم وصور مسَلسلة ومتتابعة، تمثِّل كلّ واحدة منها مشهداً كاملاً، يرافقه - غالباً- كلام مطبوع يمتزج بالرسوم امتزاجاً عضوياً، ويسمى أصلها الأجنبي بـ(الكوميكس). يقدِّم السيناريو المصوَّر شخصيات متنوِّعة، ومشاهد جذابة، بما يجعله يحظى بإقبال لا متناهٍ من قبل جموع الأطفال.. ويحتاج لما تحتاجه القصة المنثورة من عناصر، كالموضوع، والشخصيات، والحبكة، والزمان والمكان. ولعل أهمّ مزاياه أنه يلبّي ميول الأطفال إلى الحركة والمغامرة، ويتسم بسهولة القراءة والمتابعة، وينمّي الميول القرائية لديهم.
- ثالثاً: التحقيق الصحفي: هو فنُّ يزوّد الأطفال بالتفسيرات المناسبة عن الوقائع والأحداث، بأسبابها وأبعادها، ويقدِّم الإجابات عن تساؤلاتهم، ويتحفهم بالحقائق والمعلومات، عن القضايا، بأساليب ممتعة، ولغة شائقة. يقول (د. شمّاس)(2): "من ميزات التحقيق الصحفي الجيّد، في صحافة الأطفال، قدرته على أن يقدّم التفسيرات المناسبة لقدرات الأطفال المختلفة، ولا سيما أنّ هذا التحقيق، يتعامل عادة، مع المشكلات والوقائع الحيّة، وقد يستعين التحقيق ببعض الصور التوضيحية، لكي تكون المشاهد والحقائق المرافقة لها أكثر جاذبية وواقعية وإقناعاً".
- رابعاً: الحديث الصحفي: هو فنُّ الحوار مع الشخصيّات، التي يفترض بها أن تكون قريبة من الأطفال، تتناول قضاياهم، وتناقش أموراً تتعلَّق بهم، أو مع نماذج ناجحة، بهدف الاقتداء بها.. وأهمّ ما يُشترط في الحديث الصحفي: الحيوية، والواقعية. "الحديث الصحفي، ليس مجرّد أسئلة وأجوبة فحسب، وإنّما هو عملية حوار درامي تفاعلي، تنكشف من خلاله الأفكار والانطباعات، ويكون بطلاه اثنان: المحرِّر الذي يجري الحوار، والشخصيّة التي يجري الحوار معها. وكلّما كان التواصل بنّاء كان الحوار ناجحاً، واستطاع أن يقدّم للطفل القارئ صورة صادقة عن موضوع الحديث، بشكله ومضمونه".(3)
- خامساً: المقالة الصحفيّة: من الفنون الأساسية في صحافة الأطفال، وهي تتوزّع بين المقالات النقدية، التي تجسِّد آراء أو مفهومات معيّنة، والمقالات العلمية، التي تستمدُّ مادتها من العلوم العامة، والمقالات الأدبية التي تعالج الأنواع المختلفة من أدب الأطفال، وبين أنواع المقالة الأخرى. "إنّ المقال الصحفي المقدَّم للأطفال، لا يرتبط بقالب تعبيري محدَّد، ولا يلتزم شكلاً أدبياً معيّناً.. وأبرز ما يميّز هذا المقال، أنه يخاطب الطفل مخاطبة الصديق للصديق، حيث ينقل له الفكرة، أو الرأي، أو المعلومة، بسرعة رشيقة، وهدوء لطيف".(4)
موادّ أخرى في صحافة الأطفال
إلى جانب مجموعة الفنون التي تستوعبها صحافة الأطفال، هناك العديد من الموادِّ والأشكال التي يمكن أن تتضمّنها هذه الصحافة:
- المواد والمنوَّعات الثقافية والأدبية والعلمية: كالقصائد، والنصوص المسرحية القصيرة، والمسابقات والمنوَّعات المعلوماتية، والاستطلاعات المصوَّرة، التي يمكن أن تتناول موضوعاتٍ، كتقاليد شعب، أو طبيعة بلد، أو التعريف بأحد المشاهير في إحدى ميادين العلوم أو الآداب، إضافة إلى المساحات المخصّصة للمشرفين والمربّين.. أما الموادِّ العلمية، فتشمل المعارف والأخبار العلمية، التي تدور في فلك المكتشفات التكنولوجية، وعالم الحيوان، وغيرها. 
- موادّ التسلية والترفيه والألعاب: تتخذ أشكالاً متعدِّدة ومتنوِّعة من الأساليب، كالمتاهات، والكلمات المتقاطعة، وملاحظة الفروق بين الأشكال المتشابهة، والألغاز والأحاجي والألعاب الحسابية، والطرائف والفكاهات والأقوال الضاحكة، وإكمال الرسوم، وتلوينها، وغيرها.
- بريد القرّاء، ومساهماتهم: تشمل رسائل الأطفال، والردود على أسئلتهم واستفساراتهم، وحلول المسابقات التي تجريها الصحيفة، ونشر نتاجاتهم، ورسوماتهم، وصورهم، مذيَّلة بأسمائهم وهواياتهم. تسهم - هذه المساحات- في تعزيز التواصل بين الصحيفة وقرّائها، وتمتِّن الروابط بينهما، إضافة للتعرُّف على هوايات الأطفال وأنشطتهم، وتحقيق مشاركتهم فيما يُقدّم لهم. ولهذه المواد جميعها خصائص، أهمها: أن تكون مناسبة لمستوى الأطفال المستهدفين، ومؤثّرةً في مشاعرهم وسلوكياتهم. وأن تكون قادرة على تنمية قدراتهم العقلية، ورفع مستوى معارفهم العلمية، وتنمية روح التواصل، وغرس روح المبادرة في نفوسهم. أخيراً أن تكون متنوَّعة في أساليب تقديمها، وذات لغة – مكتوبة، أو مصوَّرة، أو مرسومة- تتسم بالوضوح والبساطة. يقول (أبو المعاطي أبو النجا)(5): "إذا كانت منظومة القيم التربوية والثقافية والأهداف الإنسانية للمجلة، تتسم بقدر من الثبات، فإن وسائل تحقيقها - المتمثلة في المادة الثقافية والفنية، وأبواب المجلة المتضمنة لهذه المادة- لا بدَّ أن تتسم بقدر أكبر من القابلية للتغيير. والطفل يحب ويحتاج - في وقت واحد- إلى الثبات والتجدُّد معاً، فوجود عناصر أكثر ثباتاً في المجلة يرضي حاجته إلى الطمأنينة والألفة والاعتياد، ويسمح بنمو علاقة بينه وبين هذه العناصر. والتجدُّد والتغيير، يرضي ويشبع حاجته إلى الجديد والمغامرة والمفاجأة".
الصور والرسوم والألوان
تؤلِّف الرسوم والصور - المرافقة لفنون صحافة الأطفال، وموادها- أهمّ عناصر التجسيد في صحافة الأطفال، بل يمكنها أن تتفوَّق في قيمتها وتأثيرها على المادَّة المكتوبة، في بعض الأحيان. وتأتي أهميتها إلى جانب التزيين والتشويق، أنها تستخدم بهدف التعبير والتوضيح، وتصوير الأفكار والأجواء، والربط بين فقرات المجلة. كما تسهم في استيعاب المادة الصحفية، وفهمها، بشكل أفضل، وتساعد في تشكيل صور ذهنية عن المواقف والقيم في الموضوعات المقدَّمة، إضافة إلى تنمية الحسِّ التذوقي والجمالي. ولصحافة الأطفال إمكانات لتصوير المعاني، وتجسيدها؛ ليس من خلال الكلمة المطبوعة والصورة والرسم فحسب، بل من خلال اللون أيضاً، إذ يشكِّل – بدوره - عنصراً مهماً من عناصر التجسيد في صحافة الأطفال.
الإخراج والطباعة
يتضح التجسيد الفني في صحافة الأطفال في صياغة المضمون في شكل فني، وإخراج الصحيفة إخراجاً فنياً جذاباً.. هذا الإخراج الذي يستند على أمرين اثنين: ذوق رفيع، وقدرة فنان بارع، أولاً. والتذوق البصري للطفل، كخصيصة من خصائص شخصيته، ثانياً. "يحرص مخرجو صحف الأطفال على تحويل المادة المكتوبة؛ إلى مادة مطبوعة، نابضة بالحياة والجاذبية، عن طريق توزيع الوحدات على الصفحة البيضاء، والتحوّل بها إلى لوحة فنية ذات جمال ومعنى وشخصية، تناسب قدرات الأطفال على استخدام أعينهم، وتيسِّر لهم القراءة، وتنمي قابلياتهم على التذوق الفني، وتساعدهم على تكوين صورة ذهنية إيجابية".(6).

الهوامش
1) الموقف الأدبي، العدد 389، السنة 33، أيلول 2003 عنوان البحث: صحافة الأطفال.. خصائصها، فنونها، ص51.
2) المصدر السابق، ص 54.
3) المصدر السابق، ص /54-55/.
4) المصدر السابق، ص 55 .
5) كتاب العربي الشهري /50/ تشرين الأول/ أكتوبر 2002، ثقافة الطفل العربي، مجموعة من الكتّاب. عنوان البحث: (مع العربي الصغير: من ملامح التجربة)، ص /168-169/      
6) سلسة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد 123 مارس/ آذار 1988، ثقافة الأطفال،  د. هادي نعمان الهيتي، ص /121-122/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق