03‏/07‏/2019

القيادي الإسلامي الأردني سالم فلاحات: آن أوان أن تتخذ الحركة الإسلامية قراراً جريئاً، وترسم برنامجاً تحديثياً، بالفصل بين الدعوي والحزبي..


أجرى الحوار: سرهد أحمد
 تشكّل (ثنائية الدعوة والسياسة) محور اهتمام لمجلة (الحوار)، فما برحت تكشف المزيد عن أعقد إشكالية تواجه الفكر الحركي الإسلامي المعاصر والحديث، من خلال ما تنشره من ندوات، ودراسات، وما تجريه من حوارات مع أصحاب الرأي وصنّاع القرار في التيار الإسلامي، بمجرد أن تحين الفرصة.. وقد حانت مجدّداً في هذا اللقاء الذي أجرته مع القيادي الإسلامي الأردني البارز (سالم فلاحات).

  * الحوار: ما النتائج التي جنتها الأحزاب الإسلامية من تجربة الدمج الطويلة بين الدعوي والسياسي ؟ 
- سالم فلاحات: لغالبية التيارات الإسلامية تجارب طويلة في اعتماد الإسلام منهجاً، وانتهاج العمل السياسي معاً. وهذه التيارات تمرّ حالياً بمرحلتين، الأولى: استعصاء الفصل بين (الدعوي)، و(الحزبي)، وليس السياسي، لأن السياسة مشاعة، بإمكان أيّ شخص أو جهة ممارستها بطريقة ما.. لكن قصدنا (التنظيم الحزبي)، الذي يسعى عبر الآليات المتاحة إلى حيازة السلطة.. فالمطلوب إذاً، فصل الكيانين (الحزبي المنظّم)، عن (التربية والدعوة).
 المرحلة الثانية: صعوبة تطبيق مبدأ الفصل عملياً، وإنْ توافرت النيّة لذلك.. إذ ربّما يتمّ طرح الفصل نظرياً، لكن بالأساس يبقى (الدعويّ) مهيمناً على (الحزبي) بطريقة ما.. ربّما لتمتّع الوظيفة الدعوية بالأسبقيّة، وتوافر إمكانيات بشرية ومادية متراكمة نتيجة التاريخ الطويل من الممارسة.. وبتقديري تظلّ حالة الهيمنة وقتية، وسينتقل العمل الإسلامي إلى (المرحلة الثالثة)، وهي الانفصال التام.. ولا يشترط أن ينسب (الدعوي) إلى مدرسة معيّنة مطلقاً، وإن اتّخذ اسم مدرسة بذاتها؛ فالعمل الحزبي سينتهج نهجاً آخر بمرور الزمن، أي إن (المدرسة الحزبية) ستستقل تماماً، ولن يربطها شيء بـ(المدرسة الدعوية).. وربّما تذهب أبعد من ذلك، كما في التجربة الإسلامية بتونس، إذ لم يبق هنالك مدرسة دعوية، ولا حزبية، كل التجربة تحوّلت إلى (حزب سياسي) بحت.. وحتى في المغرب؛ حيث توجد مدرستان دعوية وحزبية، وبينهما تداخل، فنلاحظ أن رئيس الوزراء المنتمي للمدرستين، يحاول شيئاً فشيئاً الانفكاك عن الدعوي والحزبي، والبقاء في دائرة الممارسة السياسية.

* الحوار: هل فصل الدعوي عن الحزبي نتاج حاجة، أم أنه تحوّل جذري في الفكر الإسلامي؟
سالم فلاحات: المدرسة الإسلامية الحركية، أو مدرسة الإسلام السياسي، يكثر فيها الإداريون والتنفيذيون والجنود والمضحون والرساليون والوعاظ، لكن يقلّ فيها المفكّرون، لذلك تجد التحوّلات الفكرية بطيئة للغاية.. وهذا ما نلمسه نحن في المدرسة الإسلامية الأردنية، وأنا قيادي في هذه المدرسة منذ 50 عاماً.. سواء كنت في القيادة العليا، أو ما دون ذلك.. المفكّرون عندنا قلائل.. وحتى المفكّرين الإسلاميين من غير المنتظمين في هذه المدرسة، تأتي خطاباتهم مكرّرة، نفس خطابات الأربعين عاماً الماضية، تتسم بالمثالية والطوباوية إلى حدّ كبير.. ليس هذا وحسب، فقد كانت هناك نخبة فكرية منتظمة في هذه المدرسة، انسحبت هي أيضاً، وغادرت مواقعها القيادية، لأسباب لا حاجة لإيرادها هنا.. فأصبح التنظير شحيحاً، وظلّت السياقات الفكرية السابقة كما هي دون تغيير.
وأيضاً، كانت شخصيات فكرية، ضمن الإطار الإسلامي الحركي العام، قد قدّمت أفكاراً، قبل أكثر من ثلاثة عقود، لفصل الدعوي عن الحزبي، لكن لم يؤخذ بها، منها: (خالص جلبـي)، و(عبد الله النفيسي)، و(عبيد حسن).
وأنا شخصياً صنّفت كتاباً بعنوان (إضاءات ومراجعة)، ذكرت فيه علاقة الحركة الإسلامية بالفكر، وذبول الفكر العقلاني، إضافة إلى الخلل في علاقة التربية الروحية بالتربية السياسية، والخلل في علاقة الطاعة بالحرية.

* لماذا لم يؤخذ بمقولات تلك الشخصيات الفكرية، هل السبب عدم نضج الحركة الإسلامية فكرياً؟
سالم فلاحات: ربما الشخوص الفكرية القليلة لا تستطيع التنظير للفصل بين الإسلام العظيم، الموحى به سماوياً، وبين الممارسة البشرية التي ينتهجها حزب سياسي، فتتواصل طقوس تقديس التنظيم، وتبجيل قيادات التنظيم، واجتهادات التنظيم، كما لو أنّها الرسالة السماوية المقدّسة ذاتها.. وهذا خطأ وقعنا فيه.. وإذا سألت أحداً: هل أنت تقدّس التنظيم؟ سيكون جوابه بالرفض.. لكن لو تابعت سلوكه، لوجدته يقدّس التنظيم دون أن يتلفظ بذلك. الآن لو طرحت على تنظيمات إسلامية سياسية فكرة الفصل بين الدعوي والحزبي، لأنكرت عليك، فهي ترفض الفصل نظرياً، بينما تمارسه عملياً، تحت ضربات الواقع، دون أن تقرّ بالأمر.
 لقد آن الأوان أن تتخذ الحركة الإسلامية قراراً تلقائياً جريئاً، وترسم برنامجاً تحديثياً، وتحدّد عملاً جديداً، بالفصل بين الدعوي والحزبي، تلافياً لضربات الواقع المتواصلة.

* الحوار: وهل هناك حركات إسلامية تلافت ضربات الواقع، بسبقها فصل العمل الحزبيّ عن الدعويّ؟
- سالم فلاحات: الحركة الإسلامية في المغرب، تتمتّع بالاستقلالية، وتفصل الوظيفة الدعوية عن العمل السياسي منذ بواكير نشأتها، مع وجود بعض التداخلات بين الاتجاهين.
في تونس المسألة مختلفة نوعاً ما، كانت هناك حاجة لمراجعات، بعد الذي حصل من تطوّرات على الساحة السياسية الداخلية والدولية.
ينبغي على الحركة الإسلامية أن تقدّم البرنامج على الآيديولوجيا، فالمجتمع ليس بحاجة لآيديولوجيا، المجتمع بحاجة إلى الحرية والعدالة، كما في العالم الغربي؛ نرى عدالة متعدّدة الأوجه، الديمقراطية، والتوزيع العادل للدخل والثروة، نرى المزاوجة بين المسؤولية والسلطة.. وهذه ليست بالضـرورة أن تكون إسلامية أو مسيحية، المهم أن يكون هناك برنامج يحكم من خلاله الناس أنفسهم بأنفسهم، لا وجود للاستبداد السياسي، والفساد الإداري، وتتمتّع بلدانهم باقتصاديات قوّية، ولا يتمّ تصنيف الناس على أساس الدين والعرق والآيديولوجيا.. جوهر القضية هو تحقيق مصالح الجميع بدون استثناء.
علينا أن لا نظلم الآيديولوجيا الإسلامية، ونلبسها كل هذه الهموم، من خلال عدم وضع الفواصل بيننا كمجموعة مواطنين في الأردن، أو في كوردستان، مثلاً.. فالجميع يحملون بين جنباتهم آيديولوجيات متباينة.. نتّفق - نحن حملة الآيديولوجيا الإسلامية - مع الكثيرين من أبناء المجتمع على ما نريد في الإسلام من حرية وعدالة ومساواة، دون الاشتراط أن يكون الفرد مصليّاً، أو صائماً، أو محتشماً أو غير محتشم.
والآن، أنا أسأل: ماذا حقّقنا خلال التسعين عاماً الماضية بتقديمنا الآيديولوجيا على البرنامج؟.. هل المطلوب أن نعيد تكرار نفس التجربة، أم نخوض تجربة جديدة، وإن كانت ثقيلة بعض الشيء على النفس!؟

* الحوار: لكن هل يقبل بكم الآخر شريكاً في البرنامج والعمل السياسي الجامع؟
سالم فلاحات: كما أن لدينا في المدرسة السياسية الإسلامية عقليات لا تقبل التحوّل، وبخاصة من الذين أمضوا عقوداً من أعمارهم متبنين فكرة مؤطّرة، يصعب عليهم التحوّل، وهذا النمط سائد أيضاً في الاتجاهات الأخرى.. فإذا قصدت رؤوس هذه الاتجاهات على اختلافها (علمانية أو قومية أو يسارية)، بالتأكيد سنجد صعوبة.
 إن مسألة قبول الآخر عموماً، تتوقف على ثقافة المجتمع.. وفي مجتمعاتنا الشرقية، نحن بحاجة إلى توطين ثقافة قبول الآخر، وهذه مهمة شاقة، وقد تصدّى لها الإسلاميون متأخّراً.
 على كافة الحركات الإسلامية الرجوع خطوة إلى الوراء، والمبادرة بطرح نموذج للعمل السياسي المشترك، لاستقطاب الآخر، والعمل معاً، وفق برنامج جامع يتجاوز الآيديولوجيا.

* الحوار: الصورة النمطية للإسلام تستحوذ على أذهان المجتمعات الإسلامية، فهل ستستوعب هذه المجتمعات خطاب فصل الدعوة عن السياسة؟.. وهل ستمنح أصواتها في الانتخابات للأحزاب القائمة على الفصل بين الوظيفتين؟
سالم فلاحات: إذا لم تنو مغادرة المربّع الأوّل، فأنت حرّ.. وأقصد إذا بقيت الحركة الإسلامية على عقلية (الكوتا الحزبية)، فلن تتقدّم خطوة واحدة.
يجب التعلّم أن فوز البرنامج الوطني الإصلاحي - أياً كان حامله (علماني، قومي، ليبرالي، يساري)-، هو فوز للإسلاميين، طالما أنّ الهدف واحد، وهو ترسيخ الديمقراطية، وتحقيق العدالة، وإشاعة الحرية، وإنْ لم يحصد الإسلاميون أنفسهم فوزاً في الانتخابات.
إن التمترس في خندق الآيديولوجيا، ورفض قبول الآخر، وإدامة نزعة الصـراع بين الانتماءات السياسية المتباينة، يطيل أمد بقاء الحاكم المستبد.. ولنا في بلداننا العربية تجارب مرّة من هذا القبيل.

        الحوار: في ختام هذا اللقاء نتوجّه بالشكر الجزيل إليكم، آملين لكم دوام التوفيق.
- سالم فلاحات: شكراً لكم على هذا اللقاء، ودمتم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق