01‏/10‏/2023

آخر الكلام/ القوى الشيعية واستراتيجية الهيمنة في العراق

محمد واني
الانتصار الذي أحرزته القوى الشيعية، وفصائلها، على الأحزاب السنيّة والكوردية، كان ساحقاً وهائلاً بكل المقاييس! ورغم الانشقاقات السياسية التي اعترت صفوفها، وكادت أن تعصف بها، في فترات متفاوتة، فإنّها استطاعت لملمة شتاتها، ونبذ خلافاتها التي تطفو على السطح بين حين وآخر، من خلال الدّعم الإيراني، الذي مكّنها من الاستمرار في الحكم، والهيمنة على مفاصل الدولة، وإدارة شؤونها لمدّة 20 عاماً. ولولا الفاعل الإيراني القوي في إدارة شؤون هذه الطبقة الشيعية الحاكمة، وتوجیهها، وتنظيم صفوفها؛ لما استطاعت أنْ تستمر في الحكم لهذه المدة الطويلة، على الرغم من اتجاهاتها السياسية المختلفة الشديدة، وهي ظاهرة قائمة في صفوف الأحزاب الكوردية والسنيّة أيضاً، مع الفارق.
إنّ الانشقاق في الحالة الشيعية يتم داخل البيت الشيعي، ولا يخرج منه، وإنْ خرج فسـرعان ما يسيطر عليه، ویوقف تصعیده، وقد يخالف المنشقُّ الشيعي حزبه في بعض توجيهاته، أو يتمرّد على سياسة زعيمه، ولكن في حدود ضيِّقة لا تتعدّى بعض الاجتهادات السياسية و(المرجعية) العابرة، ولكن الهدف الأساسي الذي يجمع الكل في إطار تحالف استراتيجي؛ يبقى واحداً لا يتغير! ولم نر - لحدِّ الآن - منشقاً شيعياً خرج عن الإجماع الشيعي، وراح يوالي الكورد أو السنّة، ويعمل معهما ضدّ طائفته، كما دأب هذان المكونان على فعله ضِدّ بعضهما البعض!
وبالرّغم من تعرّض المكوّن السنّي لأبشع أنواع الحرب الطائفية بين عامي 2006 و2007، فما زال متشـرذماً ومنقسماً على نفسه، لا يجمعه جامع. أمّا الكورد؛ فحدِّث ولا حرج، فهم مختلفون في كل شيء، وعلى كل شيء! وكاد العداء المستحكم بين الحزبين الرئيسين؛ أنْ يصل إلى مرحلة تكسـير العظام! وهذه الازدواجية في الهدف والاستراتيجية؛ أربكت السياسة الكوردية، وتكاد أن تقضـي على إقليم كوردستان، وتنهي تجربته في المنطقة.
وقد استغلّت الأحزاب الشيعية، وميليشياتها الحاكمة، حالة التناحر القائمة بين التيارات السنيّة المتفرقة، وحالت دون وصولها إلى توافق. وهي ما زالت تغذّي العداء القائم بين الحزبين الكورديين، وتدق الأسافين بينهما، وتفرض على الشعب الكوردي سياسة التجويع الظالمة منذ سنوات. ولكي تخضع الشعوب العراقية لسطوتها؛ عملت على إغراقها بالأزمات والمصائب، وتعميق الخلافات، إذ نجحت - بشكل كبير - في تحويل العراق إلى بؤرة كبيرة للفساد في المنطقة!

t مجلة الحوار ǀ العدد 185  ǀ السنة الحادية والعشرون ǀ خريف 2023

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق