14‏/10‏/2010

أزمة تشكيل الحكومة وحلولها المستحيلة


تبدو أزمة تشكيل الحكومة العراقية وكأنها بدون حل ما بين متناقضات المناضلين السابقين العاجزين، ورجال الصدفة السياسية المصطفين أمام مغريات التسلط والطمع والجشع اللامحدود لسرقة ثروات الوطن وإطفاء شمس الحرية والديمقراطية الجديدة. أصبحت هذه الأزمة مضحكة مؤلمة لا يمكننا اليوم أن نقول عن ما يحصل اليوم بأنه ديمقراطية ناضجة صالحة؛ إنها ديمقراطية العوق العاجزة. حيث نلاحظ حصول عدة خروقات دستورية كبيرة لدستور (التشظي) والعجز العراقي دستور الظلم والظلام، وهذه الأزمة والخروقات الدستورية تفضي إلى حقيقة مرة وهي أننا مقدمون فعلا على الأسوأ، فالحلول والتنبؤات لحل هذه الأزمة كثيرة ومقيدة بمستحيلات عديدة منها:انقلاب الجيش والسيطرة على السلطة: وهذا لن يتم إلا بموافقة أمريكية، ويبدو انه قد يكون حلا أمريكيا أخيرا لكنه مستبعد الآن. قيام رئيس الوزراء بانقلاب عسكري وحل البرلمان الجديد وفرض حكومة طوارئ برئاسة المالكي، وهذا محتمل إذا تمكن المالكي من إقناع البريطانيين. ولا حاجة به الى اقناع امريكا لان البريطانيين هم من سيقنعون أمريكا، وهذا الاحتمال مرجح جدا قد تفرضه الظروف. قد تتولد قناعة لدى البرلمانيين بأن الانتخابات فشلت في غايتها وعندها سيقومون بالعمل على تشكيل حكومة إنقاذ وطني وحل البرلمان لغرض إجراء انتخابات جديدة. وهذا لا يمكن ان يحصل لأننا لم نشاهد إيثارا ووطنية من قبل البرلمانيين، انهم يسعون إلى مكاسب ومغانم السلطة وليس في أجنداتهم حل البرلمان وإضاعة الفرص الذهبية التي حصلوا عليها. كان من المفروض وضع شرط بالدستور وهو حل البرلمان إذا فشل بتشكيل حكومة خلال مدة لا تزيد عن 45 يوما، ليكون حل البرلمان وفق الدستور لمنع أي برلمان منتخب في المستقبل من إهمال حقوق الشعب.احتمال تنازل المتشددين عن تمسكهم بالسلطة: هذا أيضا أمر يمكن اعتباره مستحيلا فهم لم يصلوا إلى الكراسي ليتركوها؛ فهم لا يفهمون معنى للديمقراطية عندما لا يكونون في السلطة. كما توجد لديهم خشية كبيرة من فتح ملفات الفساد الحكومي للسنوات الماضية. وإذا فتحت هذه الملفات فلن يفلت منها احد، هذا التخوف مشروع لدولة القانون لان الكل متربص للإطاحة بها والنيل منها بسبب (التدكتر) والانفراد بإدارة الدولة خلال السنتين الأخيرتين بالذات؛ بالرغم من اننا نتوقع ان البرلمان الحالي ليس بأحسن حالا من السابق فهو يعمل وفق دستور فاشل وكل ما ينفذه هو غير مثبت دستوريا بل هو ناجم عن اتفاقات الارتجال والتحاصص.ممكن ان تتفق الكتل المعارضة للحكومة الحالية: وتشكل حكومة بعيدا عن دولة القانون. طبعا هذا سيكون حلا مثاليا لأنه سيجعل من دولة القانون معارضة قوية وبذلك قد تنجح الحكومة ولكنها ستعاني من مأزق كبير في محاسبة السوء والفساد السابق، وأظن بان الكثير من متسلطي اليوم(مزدوجي الجنسية) سوف يهربون إلى أوطانهم الأخرى ليتخلصوا من طائلة الحساب العراقية، كما فعل الذين من قبلهم. لكن يبدو ان مثل هذا الاحتمال ايضا بعيد بسبب الاختلافات الايدولوجية والتناقضات الكبيرة فيما بينها. فقد يتفقون على إبعاد دولة القانون لكنهم لن يتفقوا على توزيع المكاسب فيما بينهم بسهولة؛ بل يبدو توزيع مكاسب السلطة فيما بينهم مستحيلا. قد تقوم أمريكا باستخدام اذرعها المخابراتية بافتعال ازمات محلية وفسح المجال للإرهاب ليضرب مواقع مهمة في العراق ليقوموا بتدخل عسكري وسياسي لفرض رؤيتهم وفرض أوامرهم لتشكيل حكومة ذليلة ضعيفة تحت عباءة الأمريكان. هذا ايضا احتمال وارد ومن الممكن حصوله وقد تكون بعض الاحداث التي نراها اليوم هي جزء من هذا السيناريو.قد تقوم المؤسسة الدينية في العراق بفرض رؤيا على البرلمان لتشكيل الحكومة. يبدو ان هذا مستبعد ايضا لأن المؤسسة الدينية تقترح ولا تفرض. قد يفرض مجلس الامن حلا لتشكيل حكومة عراقية: ولكن هذا لا يبدوا واردا الآن . لكن من الممكن إذا أحرجت امريكا في الامر سوف تفرض حلولا اممية على العراق. قد تجتمع كل دول الجوار الإقليمي من تركيا وايران وسوريا والسعودية ومصر والاردن برعاية أمريكية بريطانية لفرض حل سياسي على العراق، ويبدو ان هذا مستبعد أيضا الآن بالرغم من وجود تحرك سعودي سوري مصري للقيام بتكوين حلف ضاغط على العراق لغرض تشكيل حكومة موالية لهم. لان هذا يعني فعلا تجزئة العراق والإجهاز على الدولة العراقية، وهو ما سيمهد لحرب أهلية لا تنتهي، مما سيجلب الكوارث لكل المنطقة والعالم .قد يلعب الاتحاد الأوربي دورا في عملية تشكيل الحكومة: لكن يبدو ان دوره محدود وضعيف لانه لا يستطيع ان يفرض اي شيء في العراق. فالاتحاد الاوربي يبدو اليوم متخوفا من توجه تركيا تجاهالشرق العربي ليلعب دورا أساسيا فيه بشكل مستقل عن أوربا مستغنيا عن مغريات الانضمام الى الاتحاد الأوربي. فبدلا من دخول تركيا الاتحاد الأوربي ولربما وبدعم وتوجيه أمريكي فضلت تركيا الدخول في لعبة الشرق الأوسط الجديد. ولكي يقطع الاتحاد الاوربي الطريق على نوايا امريكا في ذلك قد يتوجه للضغط على تركيا والمساهمة في ان يكون لها دور في تشكيل الحكومة العراقية القادمة، ولن يكون هناك تدخل اوربي قوي في العراق الا عن طريق تركيا .اليسار (خصوصا اليسار الإسلامي العفوي) قد يكون له الدور الأكبر خلال المرحلة القادمة في العراق ليس على مستوى الضغط لتشكيل حكومة فقط بل وتشكيل معارضة جماهيرية قوية تعمل على محاربة الفساد الحكومي، خصوصا وان البرلمان العراقي للمرحلة القادمة على الأكثر سيكون بلا معارضة قوية وفعالة بسبب التحاصص، لذا فان قوى المستضعفين في الشارع سوف تنمو بسرعة لتكون صوت الضعفاء للمطالبة بالمساواة والعدالة، هذا الاحتمال وارد جدا فيما لو تحركت المرجعيات الدينية لكل المكونات ودفعت الشعب للانتفاضة الشعبية الكبرى في حالة فشلت جميع الخيارات الأخرى.الحياة لا تسير بالرؤى النظرية والتنبؤات؛ بل ان فوضى الأحداث وتجاذباتها الارتجالية هي التي تمهد للقرار والذي قد لا يكون معقولا او مقبولا، الامل الوحيد بالإصلاح اليوم هو التضامن الاجتماعي لكل المكونات العراقية للقيام بمعارضة صالحة تهتف بقوة من اجل العدالة والمساواة وتحارب الفساد وتزيح أوثان الغباء الديمقراطي في جحيم غضبه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق