01‏/01‏/2012

السوط والجلاد في تربية الأبناء


بقلم: رقية عبوش

 يحكى أن جماعة من المفكرين الأوربيين في القرون الوسطى كانوا جالسين يوما يتناقشون حول أسنان الحصان، وقد ذهب الجدل بهم كل مذهب، والغريب أن الحصان كان موجوداً بالقرب منهم وكانوا قادرين على أن يذهبوا إليه ويتفحصوا أسنانه!.
أحيانا الأمثال وبعض الطرف تنطبق على واقعنا الذي نعيشه، ذكرني جدل زميلي وزوجته بهذه الطرفة التي بدأت بها المقال؛ والربط بين جدلهما والطرفة، أنهما أب وأم وقد اختلفا على من تقع مسؤولية رعاية الأبناء، ونسيا أنهما آبٌ وأم ولهما أبناء، بطبيعة الحال كل واحد منهما وقف منحازا لصالح وجهة نظره، وبهذه الصورة أصبح جدلهما عقيماً.....


تطرق زميلي إلى أن الأب في الزمان الماضي كانت له سطوة وله هيبة لا يجدها اليوم لدى أبنائه، أما زميلتي فأكدت على أن للأب دورا كبيرا في تربية الأبناء، ولم يدركا أن الزمان والمكان تغيرا مع تغير الحياة ونمط العيش؛ وأصبح الأب الصديق هو الأكثر سطوة من الأب المتسلط، والأم الواعية الفطنة هي الأكثر نجاحا في وقتنا الحاضر.
في الماضي كانت سبل تربية الأبناء تتم على نمط واحد نمط (السوط والجلاد) وكان هذا هو دور الأب، والحنان والتحفظ على خطايا الأبناء هو دور الأم، ثم يسير الركب حتى يكبروا ويحدد الآباء عمل أبنائه ومن ثم حياتهم باختيار الشريك ليعيد الزمان نفسه.
يحاول الآباء تربية أبنائهم على ما تربوا عليه وان لم يتمكنوا من ذلك فإنهم يلقون اللوم على الزمان الذي افلت زمام الأمور فيه؛ في حين كان الابن والبنت في السابق يعيشان في مجتمع محافظ، في مرحلة المراهقة مثلا لا يتعرضان لما يثير غرائزهما، فلا اختلاط على نطاق واسع بين الطرفين، فالشاب المراهق لا يكاد يرى من ابنة الجيران والحارة إلا طرف ثوبها أو ربما حالفه الحظ بان تلقي نظرة عليه بقصد وبغير قصد فيرى وجهها؛ وهذا كان أفظع ما يرتكبه الأبناء في بحق أنفسهم، وربما هناك أغلاط أخرى هي اقل وطأة حين يبدأ بشرب السيجارة في الخفاء، أو التأخر ليلا في أزقة بلدته.
أما اليوم فأصبحت السيجارة شيئا يتباهى به الشاب على أساس أنها رمز لرجولته، أما بنت الجيران فتعدد وجودها وتواصلها مع ابن الجيران عبر النت والهاتف الجوال، وتحولت النظرة إلى كلام جريء متبادل بينهما، كل ذلك قد يراه الآباء من العصيان والتمرد وقلة الحياء بناء على ما تربوا عليه من قيم وأعراف وتقاليد، إلا أن هذه الأمور في حقيقتها تفسر على أنها تطور للمجتمع من الناحية النفسية وتأثر بالعولمة ووسائطها ووسائلها.
 حين نعطي أبناءنا حرية التصرف بالحد المسموح به بعيدا عن الخوف والترهيب؛ مع المراقبة من بعيد وإرشادهم إلى الطريق الصحيح نضمن لهم الامان من الوقوع في الزلل والخلل، هذا يأتي من الأم الذكية والأب الصديق؛ حينها فقط يفتح الأبناء سبل الحوار مع آبائهم، وحين يهمون بفعل شيء يفعلونه بعلم الوالدين، وفي غياب الحوار والتواصل يفعلون ما يشاؤون بالخفاء وهذا له أبشع النتائج التي يمكن ان تدخلهم في مطبات غير قادرين على مقاومتها، ومشكلات قد ترهق الآباء بنتائجها اكثر واكثر.
فلماذا لانترك ارث آبائنا في تربية أبنائنا، وليكن لنا نمط تربية يواكب ما نعيشه اليوم، مبني على الصراحة وتقبل رأي الآخر ونستبدل (السوط) بكلمات حوارية تلقى على ابنائنا بدل العنف وتخويف (الجلاد).
 وأنا واثقة انه ما من أب ذكر أمام أبنائه ضرب أبيه له تباهيا، بل إن الضرب ترك داخله شيئاً من الألم والحسرة، ولكنه لا يظهره وإنما يتظاهر بالفخر كما فعل زميلي منذ أيام .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق