17‏/11‏/2014

من هو الضحية؟


محمود صالح كانيلاني
وسط كل الجرائم البشعة التي ترتكبها العصابات الداعشية المُنظِمة، التي تذهب بعض الآراء الإعلامية إلى أن (وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية)، مع (الموساد) الإسرائيلي، هي التي دربتها، وتخطط وتحدد لها جميع عملياتها.. ووسط اعترافات (هيلاري كلينتون) بأن أمريكا هي التي صنعت (داعش).. ووسط الاختلافات البينية بين جميع الكتل السياسية، منذ أكثر من ثمان سنوات.. ووسط مطالب شعبية غير محققة، وأولها نبذ السياسات الطائفية، ودعوة السياسيين لترك العنصرية والعصبية الحزبية..
ووسط اغتيالات منظمة، استهدفت كل النخب المثقفة، والمتعلمة، من علماء دين، وأساتذة جامعات، وكوادر حزبية، وسياسية، ووجهاء عشائر، وأغنياء، في أغلب مناطق العراق.. ووسط تدمير أضرحة العلماء والعظماء، من قبل الـ(دواعش).. ووسط غلق أغلب المؤسسات والدوائر الحكومية، التي تتوقف عليها الحياة، في المدن التي يسيطر عليها المسلحون.. ووسط هروب معظم الكوادر الطبية في مستشفيات المدن الساقطة بيد الدواعش.. ووسط انعدام الأدوية الرئيسة من صيدليات المدن، التي يسيطر عليها المسلحون. ووسط فتاوى نارية بالجهاد ضد المسلحين، دون تحديد لفئة منهم، مع اعترافات الكثير من الشيعة بأن معمميهم أفتوا بالجهاد ضد أهل السنة.. ووسط جُموع من المتطوعين، يدّعون الولاء للمرجعية الدينية الشيعية، ويرضخون لأوامرها، وينادون: لبيك يا مرجعية، ناسين وتاركين عبارة: لبيك يا وطني الحبيب.. ووسط عدم ثقة المواطنين بما تبقى من جيش (دولة القانون)، وضحْكهم على تباهيها أنها ستعيد تشكيل قوات أقوى مما سبق، بعد خيانة أكثر قادات جيشها لها.. ووسط إعدام (داعش) 1350 شخصاً، حسب مصادر إعلامية من الأقلية اليزيدية، في (سنجار)، وخطفها حوالي 500 من نسائها وبناتها.. ووسط وصول عدد النازحين في إقليم كوردستان إلى أكثر من 400 ألف نازح، من الأقليات الدينية الهاربة من (داعش).. ووسط انضمام المئات من أهالي المناطق التي استولت عليها (داعش)، إلى صفوف الأخيرة، والذي يبين أن هناك دائماً خلايا إرهابية نائمة، تنتظر الفرصة المناسبة للظهور، ليقوموا بعد ذلك بسلب ونهب أبناء مدنهم، وقراهم، الفارين، الذين عاشوا معهم لمئات السنين.. ووسط جريمة ارتكبت في أحد مساجد (ديالى)، التي أدت إلى مقتل 70 من المصلين، واتهامات موجهة إلى (المالكي)، والميليشيات الشيعية، بارتكاب تلك الجريمة.. ووسط اتهام (السعودية) و(قطر) بدعم (داعش) في (العراق)، ونكران الدولتين للتهمة.. ووسط احتمال استمرار وجود مجموعة من القوات الأمريكية في (العراق) إلى الأبد.. ووسط هجوم طائرات سورية على مدن عراقية، وسقوط قتلى مدنيين، وتصفيق رئيس الوزراء المنتهية ولايته لذلك، ونسيان ذلك على طاولة المناقشات البرلمانية.. ووسط ضياع الأمان، وصب اللعناتِ على من تسَببوا بحرمان المواطنين من أبسط حقوقهم المشروعة.. ووسط قتل واغتصاب النساء في (الموصل)، وغيرها، واستهداف الأقليات بشكل واسع، وخاصة المسيحيين، والشبك، ورجم الشباب حتى القتل، لتهم تافهة.. ووسط عجز حكومة الدولة العراقية تماماً، عن كسب ثقة المواطن بها.. ووسط اعتبار البعض أن (المالكي) جعل (العراق) مجرد محافظة إيرانية، لا سلطة له، ولا جاه، إلا بإمرتها، وأن خليفته (حيدر العبادي) لن يفعل شيئاً سوى أن يوقع على معاهدات واتفاقيات وولاءات (المالكي)، دون أن يقرأها، ويتمعن فيما بين سطورها، فكلاهما من (دولة القانون)، البنت المدللة عند دولة (ولاية الفقيه) الإيرانية.. ووسط إعدام المئات من السجناء، وإطلاق سراح آلاف المتورطين بالإرهاب، وإعدام الأسرى المستسلمين من الجيش والشرطة، بعد سيطرة (داعش) على بعض المدن.. ووسط دعوات دولية إلى تشكيل حكومة شراكة وطنية عراقية، ليس فقط بالاسم، بل بالأفعال.. ووسط محاولة (داعش) التقدم نحو إقليم كوردستان، وسيطرتها على بعض المناطق، ثم انسحابها، وسقوطها نسبياً بيد قوات البيشمركة.. وسط كل ذلك: من يا ترى يكون الضحية؟ أهو السياسي الذي يتحرك بقافلة من السيارات المدرعة، وعشرات الحراس المدربين؟ أم هو المواطن الذي يعجز عن توفير لقمة يومه، وحماية عائلته، من مسلحين لا يعرفون لغة الرحمة والرأفة؟!

مهما يكن الوضع الذي سيصبح عليه (العراق) بعد شهور، إذا استمرت سيطرة (داعش) على (الموصل)، ومناطق أخرى، أو إذا تقدمت نحو (بغداد)، والجنوب، أو إذا حاولت التقدم لمهاجمة قوات البيشمركة، في المناطق التي حسمت للأكراد، بعد حسم المادة 140، فإن المواطن له متطلبات واحدة، وأهداف واحدة، وشروط واحدة، وهي توفير كل وسائل الأمان والراحة، التي تقع على عاتق الحكومة العراقية، والتي لم تستطع تحقيقها حتى الآن.. فهل بوسع الحكومة المقبلة توفير ذلك، واسترجاع الأمان، وقد فقدت ثقة الشعب بها من الجذور، وأعماق الجذور؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق