03‏/10‏/2019

العلامة (ناصر سبحاني) ودعوته لمراجعة التراث والتجديد في الدين (شهادة ومناشدة)


د. عمر عبد العزيز
هذه شهادة مني، ومناشدة متجدّدة، أعلنتهما مراراً، وأعيدهما الآن، فلقد عاصرت علّامة كوردستان (ناصر سبحاني) قرابة عقد من الزمن، كنا نجتمع ونتدارس، أحياناً نراجع الماضي، وننتقده، أو نقيّم الواقع ونناقشه، أو نستشرف المستقبل، ونعدّ أيامه..
   لقد دعا الشهيد ـ بصراحة وجرأة وموضوعيةـ الصفوة الثقافية والعلمية المعاصـرة، والمؤسسات (الأكاديمية)، لدعم النهوض العلمي، بالتجديد، وإحياء روح الاجتهاد، وممارسته، وعدم مسايرة التقليد الأعمى، الذي كان يأباه سلف الأمّة، وسعى لإزالة الضبابية الطاغية على جوانب من المنظومة الفكرية الإسلامية، والتصدّي للإشكاليات التي زامنت تدوين الأحاديث والآثار، والتي بقي جانب منها لحد الآن دون علاج.

   وفي هذا السياق، دعا لإعادة صياغة جانب من مناهج العلوم الإسلامية، وتطوير كثير منها، وإضافة قواعد وضوابط وشروط لم يتحدّث السلف عن كثير منها، لأسباب تاريخية وسياسية وبيئية، أو تحدّث عنها بعضهم في فترات، ولكن طواها الزمن، لأسباب فكرية وسياسية. كما دعا للاجتماع على الثوابت المجمع عليها، بجعل القرآن، والمقاصد التي أقرّها، والقواعد التي وضعَها، والحكمة العملية لرسول الله (صلوات الله عليه)، حَكَماً ومعياراً لكثير من الأمور.
   وممّا ينبغي الشهادة فيه ـ وأنا لها قائم ـ أن الشهيد ناصر سبحاني لم يُقحم نفسه ـ ولا سعى لإقحام غيره ـ في مغبّة متاهات علمية، وصراعات جدلية، ولا كان متأثّراً بأحد من الفلاسفة، أو المستشـرقين، أو غيرهم، ممّن شكّك في منظومات الفكر والثقافة والتاريخ للمسلمين، بل كان يعيش مع القرآن الكريم، والسيرة النبوية، عيشة متفاعلة، قلّ نظيرها، عاشها بكيانه، وأحاسيسه، ومشاعره، لذا لم تكن دعواته للتجديد إلا من خلال الدعوة لفتح باب التحقيق الدقيق، والاستقراء العلمي، تماماً كبعض أسلاف الأمّة، الذين كان سبحاني نفسه من المفتخرين بهم.
   ولقد دعا لتحرير المناهج العلمية، وتنقيتها من شوائب التقليد، والتزمّت الفقهي، وإزالة غبار الركود عليها، واكتمال الأدوات العلمية، بما منحه الله البشـرية في العصـر الحاضر. وطلب أن يوضع حدّ للانبهار المفرط بكل ما هو قديم، الذي يمنع التجديد والتطوير والإبداع والاجتهاد. فلقد كان السلف أبطالاً لها لأيامهم، وحرصوا أن تستمر تلك الروح الإبداعية التجديدية في الأجيال التي تليهم، ليكونوا أبطالاً لأيامهم هم كذلك.
   ولهذا، لو وصفنا مصبّات سعيه العلمي باختصار، لقلنا: كان سعيه ينصبّ في مواجهة غرابة الفكر، وقصور المناهج، وتقصير النخب العلمية، وقداسة التقليد، وغياب المقاصد، وضبابية الرؤية، والخلل في الفهم. وكان يطالب ـ ملحّاً ـ بتجاوز تقليد المجتهدين، واجتهاد المقلّدين..
  إنني أرى أنه آن الأوان لأن يلتفت إلى هذه الشهادة أولوا النهى من النخب العلمية والأكاديميين، أناشدهم أن:
·              يبدأوا بالمواكبة على دراسة نتاجات المرحوم، التي غذّاها بدمائه الزكيّة أوّلاً.
·              وأن يجعلوا مؤلفاته، وبعض دروسه، ضمن البرامج العلمية للمدارس الشـرعية ثانياً.
·              وأن يشجّعوا طلاب الدراسات العليا لتخصيص أطروحاتهم لدراسة نتاجاته المتنوعة، ثالثاً.
   فلا يكاد يجد أيّ باحث موضوعاً علمياً، أو علماً شرعياً، إلا وللعلامة ناصر سبحاني قول فيه.. وهذا ـ في نظري ـ أقلّ وفاء، لأطول جفاء، دام ثلاثين سنة مضت على وفاته، رحمه الله تعالى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق