عبد الباقي يوسف
يسكن الرجل المرأة، ويهدأ بها، ويشعر في سكنه معها بنعمة
السكينة. فالمرأة هي بيت الرجل، ورجل دون زوجة لا بيت له، مهما ملك من مساكن عقارية.
بيد أنه يشعر بدفء المسكن عندما تكون له زوجة، حتى لو كان يعيش معها في خيمة معزولة.
فهو عندما يخرج، يشعر أنه ترك خلفه بيتاً لا بدّ أن يعود إليه. ومعنى ذلك أن المرأة
تُقيم له بيتاً وهي تنجب، فيُنظر إليه أنه صاحب بيت، حتى لو لم يكن بيتاً، في حين أن
المجتمع لا ينظر إلى العازب على أنه صاحب بيت حقيقي، مهما ملك من بيوت. والأمر الآخر،
فإن الرجل حتى وهو لا يملك بيتاً، يستمتع بنعمة السكن عندما يقعد أو ينام مع امرأته،
في حين أن العازب لا يستمتع بنعمة السكن، مهما قعد ونام في بيوته. لذلك فإن الرجل ليس
بوسعه الاستغناء عن المرأة، رغم ما ينشب بينهما من خلافات تبلغ أحياناً مراحل التصاعد،
فتراه يعود إليها، لأنه دونها لا يشعر بالسكن. من الطرف
الآخر، فإن المرأة سواء أكانت
متزوّجة، أم عازبة، فهي بذاتها تبقى سَكناً، بيد أنها عندما تكون عازبة تكون سكناً
غير مسكون، والسكن غير المسكون، هو سكن بارد، لا دفء، ولا حيوية فيه، ولذلك فهي تريد
أن تكون سكناً مسكوناً، لا سكناً مهجوراً. وعلى هذا، ترى المرأة ترتعب من شبح العنوسة،
وكلما تقدّمت في العمر استبدّ بها هذا الشبح أكثر، خاصة وهي تتجاوز الخامسة والعشرين
من عمرها، فإن ذلك يبث إليها إشارات قوية بالعنوسة على رأس كل سنة جديدة تلجها، وتبقى
مهددة بالعنوسة حتى اليوم الذي تظفر فيه بِمَن يَسكنها. فهي، والحال هذه، تكون أكثر
اضطراباً من الرجل في سنوات عزوبيتها، ذلك أن هناك سنوات ذهبية محددة بالنسبة إليها،
تكون فيها مزدهرة، وقادرة على الاختيار، بيد أنها إن خطت تلك السنوات دون زواج، سينقلب
الشأن عليها، فتضطر مرغمة للقبول بأي فرصة زواج، كي تقي نفسها الاستسلام لشبح العنوسة.
والسكن من السكينة،
أي من الاستقرار، بالنسبة لكليهما، فهي تكون مستكينة، عندما تُسكن به، وهو يصبح مستكيناً
عندما يسكنها. إن حال المرأة هنا كحال البناء السكني، الذي يبدأ خطوة خطوة، لبِنة لبِنة،
يوماً يوماً، في التشكل، حتى إذا اكتمل واستوى على كماله، حينها إن دخلتَ إليه، وهو
غير مسكون، ستراه بارداً، فاقداً للحياة، رغم كل الأبهة التي يستوي عليها، فلا تملك
سوى أن تخرج منه، لأنه لا يحقق لك الأنس، وإن مررتَ بجانبه مرة أخرى، تتجنّب أن تدخله،
لأنه غير مسكون، بل تشفق عليه، وأنت تنظر إلى جماليته، وتكامله، بيد أنك - في ذات الوقت-
تشعر بخوائه، وبروده، وفقدانه لعنصر الحياة. ثم إن أردفت مسيرك، ورأيت خيمة مكتظة بالناس،
ستشعر أنها سكن ينضح بالحيوية أكثر من ذاك القصر الفارغ من رائحة الإنسان. ولذلك فإن
الرجل المتزوّج هو رجل مستقرّ ومستكين عاطفياً، في حين أن الرجل الذي لا زوجة له، يكون
مضطرباً في عاطفته، وهذا يعكس اضطراباً على سائر ممارساته الحياتية. فمهما كانت مستويات
الخلاف بين الرجل والمرأة، ليس لأحدهما غنى عن الآخر، ومهما اكتمل أحدهما، ونضج، فإنه
لا يستوي في كماله ونضجه إلا بالآخر.
إن ذلك من شأنه أن يعرّف الرجل بخصائص المرأة، هذه الخصائص
المختلفة عن خصائص الرجل. ولعل عدم مراعاة هذا الفارق، هو الذي يتسبب في نشوب خلافات
بين الرجل والمرأة، ذلك أن الرجل أحياناً يتعامل مع المرأة كما لو أنه يتعامل مع رجل،
بل يطلب منها أموراً فوق طاقتها، وهي أن تكون مثله، ناسياً أنها لو استجابت له - وهي
لا تستطيع أن تستجيب، لأن فطرتها لا تسمح لها بذلك - وأصبحت مثله، لن يكون بوسعها أن
تكون امرأة، لأن ذلك سيُسقط عنها كل تلك المزايا التي تتمتع بها حتى تكتمل معالم أنوثتها.
فمهما كانت مستويات الخلاف بين الرجل والمرأة، ليس لأحدهما غنى عن الآخر، ومهما أخذ
أحدهما من الآخر، فإنه يعطيه أكثر مما أخذ، ومهما اكتمل أحدهما، ونضج، فإنه لا يستوي
في كماله ونضجه إلا بالآخر، ولننظر إلى حجم برودة الحياة إذا خلت من تلك القوة البشرية
الناعمة التي تُمثلها المرأة، وتُحدثُ توازناً لتلك القوة البشرية الخشنة التي يمثلها
الرجل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق