أحمد الزاويتي
ليس ما أتحدث عنه هو الجوانب الإيجابية للإعلام الكوردي،
ولا منجزاته، ولا الإشادة به، فهناك الكثير الذي كتب في ذلك، ما سأتحدث عنه، هو الآثار
السلبية جراء سوء أداء هذا الإعلام، بعد مرحلة الانتفاضة في آذار عام 1991، سوء أداء
هذا الإعلام يولد دورا خطيرا له، ربما لا يحس به المسؤولون عنه، بل يعتبرونه ممارسة
لحرية الصحافة، والحقيقة هي كمن يحمل مطرقة يضرب بها رأسه صباح مساء، ما يشبه عملية
انتحار، لأن هذا الإعلام صنع جيلا يكاد لا يثق بقضيته الكوردية، بل يرى كل مظاهر السيادة
في كوردستان، من: سلطة برلمان، أو حكومة، أو حزب، هو
ظاهرة فساد، لا يمكنه كمواطن كوردي
أن يفتخر بها. وهذه نتيجة سلبية، يمكن لأي ناقد أن يصل إليها، بعد نظرة تمحيصية عميقة
لواقع هذا الإعلام. ولنفصل في الأمر أكثر، سنتطرق للمراحل التي مرت بها هذه الصحافة،
والتي يمكن تحديدها بالتالي:
1- مرحلة النشأة
(إعلام الحرب الداخلية): هذه المرحلة
تبدأ مباشرة بعد عام 1992، وبداية أول انتخابات كوردية لتشكيل برلمان كوردستان. وكانت
تلك بداية انطلاق ثورة في الصحافة، أسعدت كل كوردي، رغم تواضع الإمكانيات المهنية الصحفية
في ذلك الوقت، إلا أن عددا كبيرا من الجرائد والمجلات بدأت بالصدور، وكذلك من الإذاعات
ومحطات التلفزة، وغالبيتها كانت صادرة باسم الأحزاب الرئيسية، لكن للأسف بقيت الصحافة
الكوردية، منذ ذلك الحين، تعيش ثورة الكم دون النوع، فهي لم تستطع أن تكون غير أحزابها،
بل مثلت أحزابها في الجانب المتشدد منه، أكثر من الجانب المنفتح، لتكون بعد ذلك آلة،
استخدمت فيما نشب من خلافات بين هذه الأحزاب، بل سلاحا استخدم في الحرب الداخلية، التي
قتل فيها الكوردي أخاه الكوردي. لهذا يمكن وصف هذه المرحلة من عمر الصحافة الكوردية
بمرحلة السقوط في أول امتحان لها، عندما أصبحت إعلاما للحرب الداخلية، وأدت دورا سلبيا،
وتحولت إلى آلة النفخ في كير نار الحرب، حتى عام 1998.
2- مرحلة إعلام دعاية وترفيه: كانت نتيجة الحرب الداخلية هو تقسيم كوردستان إلى إدارتين
في كل شيء (أربيل والسليمانية)، بدءا من عام 1996، واستمرت حتى عام 2003. وتحول الإعلام
الكوردي بعد ذلك، وبالتحديد بعد عام 1998، والذي توقفت عنده الحرب الداخلية، إلى إعلام
دعاية وترفيه، أكثر من كونه إعلام نقل واقع للجمهور الكوردي. فغنّى كل إعلام بمنجزات
حزبه، ومنجزات إدارته، وصور سلطته وكأنها سويسرا الشرق الأوسط، ونقل لنا هذا الإعلام
مظاهر الجمال والإعمار والغنى في كوردستان، الحالة التي لم تكن تعتبر نسبيا 10% من
الحقيقة. في حين كانت 90% من الحقيقة المخفية في الإعلام، هي أن (كوردستان)، التي خرجت
من سيطرة النظام، كانت منعدمة البنية التحتية، تنتشر فيها البطالة، ويسود فيها الفقر
والتخلف، في غالبية مجالات الحياة، التي كانت تضم شريحة كبيرة، فقدت من يعيلها سواء
من ظلم النظام السابق، الذي تركهم بلا معيل، نتيجة الحروب والكوارث والإبادات الجماعية،
أو نتيجة الحرب الداخلية بين الحزبين الكورديين الرئيسين (الديمقراطي الكوردستاني)
و(الاتحاد الوطني الكوردستاني). وهكذا، فإن الإعلام في كوردستان، بدأ يفقد تدريجيا
جمهوره ليكون إعلام الـ 10% فقط من المجتمع، وبقية الـ 90% من الجمهور يرى نفسه بلا
إعلام! ورأت نسبة الـ 90% هذه، أن (كوردستان) المصورة في الإعلام، هي ليست كوردستانهم
المقصودة، ولم يجدوا أنفسهم جزءا من ذلك الوطن، بل رأوا أن هذا الوطن المصور إعلاميا،
ليس بوطنهم الواقعي. كانت هذه النتيجة، سواء بعلم الإعلام، أو بدون علمه، وسواء خطط
لهذه النتيجة المسؤولون عن الإعلام، أم لا، ما ولد حالة خطيرة جدا في المجتمع، بحيث
أن الغالبية من المواطنين لم يشعروا بأنهم جزء من الوطن.
3- إعلام رد الفعل الإعلام الأهلي - اللاحزبي: بعد أن أحس بعض الإعلاميين الكورد، بما وصل إليه الإعلام
الكوردي، وعرف أن الحزبية والإعلام الدعائي والترفيهي هي أهم أسباب فقد الإعلام للجمهور،
بحث عن طريقة يصنع له جمهورا، فكان بذلك الإعلام الناقد الجريء لكل مظاهر السلطة في
كوردستان، من برلمان وحكومة، وما يترتب عليهما من مظاهر الإدارة والسياسة. وتمكن هذا
الإعلام، ولفترة وجيزة، من جذب الجمهور، الذي هرب من الإعلام الحزبي والدعائي، وهذا
ما شجع إعلام رد الفعل على الاستمرار في مساره، والتصعيد من حدة لغته الانتقادية، بحيث
أصبح ظاهرة، إلى درجة أصبح الإعلام الحزبي أيضا يقلده، بل استغلت الأحزاب في صراعها
المتبادل هذا النوع من الإعلام، ليستخدمه كل طرف ضد آخر، ليكون أقرب إلى إعلام الظل،
بدلا من أن يكون الإعلام المستقل. وإذا كانت نتيجة الإعلام الكوردي، في مرحلته الثانية:
(الدعائي الترفيهي)، أن صنع جمهورا لا يثق به، ولا يصدقه. أصبحت نتيجة المرحلة الثالثة:
(إعلام رد الفعل)، هي صناعة جمهور لا يثق بكوردستان، ويفقد الأمل بما هو موجود من أوجه
السيادة، من برلمان وحكومة ورئاسة إقليم وأحزاب وسياسيين. وهذه نتيجة خطيرة جدا، بحيث
سيجعل من الجيل الجديد أن لا يعتبر نفسه صاحبا لهذا الوطن، بل ينتظر الفرصة للهروب
منه. الإعلام في مرحلته الثالثة، رغم جرأته، إلا أنه سقط في امتحان المهنية والحيادية،
لهذا تم استغلاله بسهولة من قبل الأطراف المتصارعة سياسيا، داخليا وإقليميا، وكان بذلك
إعلاما غير مسؤول. الإعلام الكوردي، رغم مرور 24 سنة على عمر ثورته بعد الانتفاضة،
لكنه لم يستطع أن يحرر نفسه من سيطرة الأحزاب، والقوى، والموجهين له، ذلك لأنه يفتقد
إلى الممول المحايد، الذي يشعر بأهمية وقيمة الإعلام، وفي الوقت نفسه يشعر بمسؤوليته
تجاه القضية الكوردية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق