01‏/04‏/2019

مروان الفاعوري: الوسطية تتعرض إلى إقصاء لأنّها تمثّل حالة الحكمة والاعتدال في الأمّة


حاوره: سرهد أحمد
أكد رئيس (المنتدى العالمي للوسطية) الدكتور المهندس مروان الفاعوري، في مقابلة خاصة مع (الحوار) على أن تغوّل التطرّف، وتسيّد الخلاف والصـراع في الأمّة، ناجم عن الابتعاد عن منهج (الوسطية)، واصفاً إياه بمنهج (الحكمة)، الذي يستمدّ من المنهج الإسلامي الصحيح.
وشدّد الفاعوري على أن هذا المنهج يدفع بالمجتمع إلى حالة تفاعلية، ويحثّ الأشخاص على اتّخاذ المواقف السليمة الصحيحة؛ وفق معايير شرعية، وعقلية، ومصلحية، في الوقت نفسه، مبيّناً أنّ (الوسطية) مفهوم يتعرّض لاختطاف من جهات ودول تبطن إظهار الإسلام على أنه دين يدعو إلى الاستسلام والضعف والاستكانة..
أدناه تفاصيل ما دار في المقابلة:
  *  الحوار: ما هي الأصول الفلسفية لـ(الوسطية) التي تنادون بها؟
 د.مروان الفاعوري: تستمدّ (الوسطية) التي ننادي بها من المنهج الإسلامي الصحيح [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا]، وهو المنهج القائم على (القرآن الكريم) الذي يصف الإسلام بأنه (الدين الوسط)، [قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ]، [حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ]، كما أنه منهج قائم أيضاً على (السنة النبوية) الصحيحة.
وتعني (الوسطية) الموقف الأمثل والأحسن والأوزن، ومن تجلياتها (اللطف)، الذي ذكره (القرآن الكريم): [وليتلطَّف]، وهو منتصف (القرآن)، وميزانه. وبالتالي، نحن نعتقد أن (الإسلام) هو منهج الحكمة، ومنهج التأني والتفكير الحكيم؛ البعيد عن الشطط والإفراط والتفريط، لذلك نحن بحاجة إلى إعمال هذا المنهج، وإعادة إحياء مفاهيم (الوسطية) في كافة شؤون الحياة، على صعيد الفرد، والأسرة، والمجتمع، والدولة، والأمّة.
 فعندما تكون (الوسطية) هي السائدة، يكون حال (الأمّة) في أجمل وأبهى صوره، وعندما يتسيّد التطرّف والخلاف والصــراع تتراجع (الأمّة)، وتدخل في مراحل الاستنزاف والضعف والهوان.. وحالنا الآن هو نتيجة بـعدنا عن هذا المنهج؛ منهج الحكمة والتراحم.
 و(الوسطية) لا تعني المهادنة البتّة، بل تعني دائماً اتّخاذ الموقف الأفضل، فإذا كنّا نتحدّث عن اعتداء على البلدان والأوطان، فهي تعني مقاومة المحتل. وإذا كنّا نتحدّث عن العلاقات بين الدول والشعوب، ومكوّنات المجتمع الواحد من كافة الأعراق والملل، فتعني (الوسطية) - في هذه الحالة-؛ حالة التراحم واللطف والتآخي والتسامح والتعايش المشترك.
 * الحوار: البعض يتهم تيار (الوسطية) بأنه تيار تمييع، ما ردّكم؟
د. مروان الفاعوري: الكلام هذا على إطلاقه ليس صحيحاً، هناك من يحاول - بدعوى الوسطية - تبرير بعض الأوضاع الفاسدة، والخاطئة، في هذه الأمّة، ويسعى لتبرير حالة الاستسلام والرضوخ للعدو (الصهيوني)، أو الخنوع للأنظمة الاستبدادية.. ولا شك أن هؤلاء هم أبعد ما يكونون عن منهج (الوسطية)..
 منهج (الوسطية) هو الطريق الذي خطّه الرسول بالتمام والكمال، وهو سيرة الصحابة والتابعين، وهو سيرة القائد (صلاح الدين الأيوبي)، الذي نحتفي اليوم بالحديث عن مدرسته ومنهجه(*)، ولا نذكر مواقفه، وصولاته التاريخية، بقدر ما نتحدّث عن فلسفة وتربية، وعن حالة ومنهج.
أيْ نعم، هناك من يدّعي صلته بالوسطية، لكن كما يقول الشاعر ( وكلّ يدَّعي وصلاً بليلى .... وليلى لا تقرّ لهم بذاكا )، مثلما أنّ هناك أدعياء يتحدّثون عن (الجهاد)، وهم أبعد ما يكونون عن هذه الفريضة المقدّسة، بمعناها الشامل، إذ إنهم يستنزفون طاقات الأمّة في صراعات داخلية دامية، دمّرت دولاً عربيّة، وإسلاميّة.
وهناك من يريد أن يؤثر السلامة والراحة والدعة، فتراه يتحدّث عن (الوسطية)، وهو بعيد كلّ البـعد عن هذا المنهج.
إن (الوسطية) هي المنهج الذي يدفع بالمجتمع إلى حالة تفاعليّة، ويحثّ الأشخاص على اتّخاذ المواقف السليمة الصحيحة؛ وفق معايير شرعية وعقلية ومصلحية في نفس الوقت.. ولذلك، نحن نعتقد أن (الوسطية) مفهوم يتعرّض لاختطاف، من جهات ودول تبطن إظهار الإسلام على أنه دين يدعو إلى الاستسلام  والضعف والاستكانة.

* الحوار: هل تعزّزت الحاجة إلى (الوسطية) أكثر، من حيث هي فلسفة وممارسة، في الآونة الأخيرة، خاصة مع ظهور جماعات متطرّفة، مثل (داعش)؟
د. مروان الفاعوري: الحقيقة أن (الوسطية) تتعرّض إلى عدوان من طرفين، الطرف الأول: الغلاة الذين يريدون نقل المنطقة إلى مرحلة من الصراع والعنف المتبادلين، وهؤلاء يقومون بالتعبير عن الاحتجاج على الأوضاع السائدة، وعلى الكرامة المهدورة، من خلال التفجير، والقتل، واستباحة الدماء، وبالتالي: تدمير بنيّة الدول الوطنية.. وفي مقابل هؤلاء الغلاة، هناك فئة من دعاة الإفراط والتمييع، يكرّسون حالة التبعية للغرب، والاستلاب أمام نموذجه الحضاري، ظنّاً منهم أن اللحاق بالغرب سيجرّ التطوّر، وسيردم الفجوة المعرفية، والتقنية، التي تفصل بين عالمنا الإسلامي والعالم الصناعي المتطور.
لذلك فـ(الوسطية) تتعرض إلى إقصاء من البعض، لأنّها تمثّل حالة الحكمة والاعتدال في الأمّة.. هذه الحالة تقطع الطريق أمام أيّ محاولات لجرّ مجتمعات المسلمين نحو منزلقات خطيرة، نتائجها معروفة سلفاً: تدمير الأوطان، وخدمة الأنظمة الشمولية؛ بتكريس بقائها، من خلال إعطائها مسوّغاً لفرض الأحكام العرفية الطويلة الأمد.

·      الحوار: هل كان هناك ثمّة تداخل في المفاهيم بين تيار (الوسطية) والجماعات التي تؤمن بمنطق القوّة وسيلة للتغيير؟

د.مروان الفاعوري: لم تكن هناك ثمّة علاقة حتّى على مستوى بعض المفاهيم إطلاقاً، وتاريخ نشأة هذه الجماعات معلوم للجميع، إذ نشأت كردّ فعل على ممارسات القمع  التي مورست في مصـر وسوريا والعراق خلال العقود الماضية، فصار الشباب الملاحق، والمحاصـر، والمسجون، والمعذّب، يضمر كرهاً شديداً للدولة، ومؤسساتها الأمنيّة، والمخابراتية.
 كما أنّ بعضاً من تلك الجماعات – كما هو معروف - هي صناعة غربية – صهيونية، بامتياز، لتشويه الإسلام، مثل: (داعش)، في سوريا والعراق، وغيرها.
  ونعيد التأكيد أن لا علاقة – فكرياً - البتّة بين تيار (الوسطية)، وتلك الجماعات، بل على العكس من ذلك تماماً، إذ إن (الوسطيّة) معنيّة بتفكيك مفاهيم التطرّف، وتفنيد حجج  المتشدّدين، وإشاعة خطاب عقلاني، يحيل أفكار وقدرات شباب الأمّة إلى طاقات عبر البناء التراكمي الهادئ.. تماماً كما فعل (نوري الدين زنكي)، و(عماد الدين زنكي)، و(أبو حامد الغزالي)، و(عبد القادر الجيلاني)، وغيرهم، بوضعهم نواة مدرسة تربوية في العالم الإسلامي، اخضرّت شجرة باسقة أثمرت (صلاح الدين الأيوبي)، القائد الذي حقّق انتصارات عسكرية، ونجاحات إدارية، بعد أن قام بتهيئة الأمّة، عقائدياً وفكرياً.
·    الحوار: ما جوابكم على القائلين بضـرورة تجاوز الإسلاميين خطاب (الوسطية) إلى (الحداثة)؟
د. مروان الفاعوري: أنا لا أعتقد أن هناك تصادماً بين مفهومي (الوسطية) و(الحداثة)، فـإنْ كانت (الحداثة) تعني التحديث والتجديد، فذلك مطلب (الوسطية)، ومبتغاها، أيضاً، لأنّ متغيّرات الحياة، ومستجداتها، تحتّم علينا التجديد في أمر الدين، ومعنى الحديث الشريف في هذا السياق واضح: ((إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأمّة عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا))، والتجديد لا يشمل الأصول والقطعيات، إنّما المستهدف: تجديد الفهم، والفروع، والوسائل؛ لمواكبة مقتضيات العصـر القاهرة.
 أمّا إذا كان المقصود بـ(الحداثة)، من منظور البعض: التقليد، والارتهان الثقافي للغرب، فهذا ما لا تدعو (الوسطية) إليه، ولا تقبل به بتاتاً. فهكذا (حداثة)، بهذه المضامين، مخالفة للرؤية الإسلامية تماماً.
وعلى الجانب الآخر، أحسب أن مفهوم (الوسطية) لا يتقاطع سلباً مع مفهوم (الحداثة)، في بـُعده التنويري، أو التطوّر التكنولوجي، لأنّ توطين المعرفة مطلب وحاجة إسلامية ملّحة، مع الاحتفاظ بخصوصيتنا، لأن لنا مشـروعنا الحضاري الخاص بنا، الذي ينسجم مع كلّ المكوّنات القومية، والعرقية؛ كورداً كانوا أم عرباً، فرساً أم تركاً، وهذا المشروع هو الوحيد الذي يحوز على إجماعنا، والقابل للتطبيق، ولنا في ذلك تجربة فريدة منذ عهد الرسول، ولما بعد الفتوحات الإسلامية.
·    الحوار: بحكم زياراتكم إلى الإقليم،  وتشكيلكم لـ(منتدى الوسطية - فرع كوردستان)، أين الكورد من الوسطية؟
د. مروان الفاعوري: كان للكورد آنئذ إسهامات جليلة في البناء الحضاري الإسلامي، ونحن عندما نأتي برفقة علماء آخرين من دول عربية وإسلامية إلى كوردستان، إنّما هو للتعبير عن الوفاء للكورد، والاعتراف بجميلهم على الأمّة. ونحن ننظر إلى كافة مكوّنات الأمّة نظرة الأخوة الإسلامية، [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ].
 ولا زال الأمل معقوداً على إخواننا الكورد، في دفع حركة الوعي، وتعزيز الوحدة، في صورة تفاهمات يمكن أن تجري مع دول الجوار، حتى تتخلّص كوردستان من المظالم، وتسود الطمأنينة، ويحلّ الاستقرار.
وبكلّ صراحة، أنا فوجئت من حجم استجابة إخواننا بكوردستان السـريعة لـمنهج (الوسطية)، ولا عجب لأنّ الكورد وسطيون؛ فكراً وممارسة، وقد كنت على تواصل، منذ أكثر من عام، مع لفيف من الطلبة الكورد الذين قدموا إلى الأردن لإكمال دراساتهم العليا، وهؤلاء يعود إليهم الفضل في نقل بذرة مشـروع (منتدى الوسطية)، وزرعها في كوردستان، وسنعمل سوياً على تطوير فرع المنتدى هنا، عبر عقد العديد من الندوات والمؤتمرات في المستقبل القريب، لترسيخ مفاهيم الوسطية، ومواجهة الأفكار المتشددة والدخيلة على أمّتنا.
·        الحوار: في ختام هذا اللقاء نتوجّه إليكم بالشكر والتقدير، آملين لكم طيب الإقامة.
د. مروان الفاعوري: شكراً لكم على هذا الاستقبال واللقاء...دمتم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق