02‏/01‏/2018

كتاب: مدارس الموصل (دراسة تاريخية حضارية)

عرض : د. محمد نزار الدباغ
صدر عن دار الكتب العلمية في بيروت كتاب (مدارس الموصل - دراسة تاريخية حضارية)، للأستاذ الدكتور علي نجم عيسى، وهو كتاب صدرت طبعته الأولى في سنة 2017، في حلّة مميزة، وغلاف فني أنيق، وبلغ عدد صفحاته (608) صفحة.ومما جاء في مقدمة المؤلف لهذا النتاج العلمي المميز، قوله: إن موضوع المؤسسات التعليمية من المواضيع التي تساهم في بناء فكر الأمة وثقافتها ونهضتها وحركتها، وقد تجسد ذلك في العراق، فكان اكتشاف الكتابة في بلاد وادي الرافدين، أعظم حدث في تاريخ البشـرية، التي دفعت المجتمعات إلى الاهتمام بالمؤسسات التعليمية، وكانت مدينة الموصل من بين المدن التي ساهمت في بناء المؤسسات التعليمية وبناء المدارس، فقد أجمع المؤرخون على أن أقدم مكتبة في العالم هي مكتبة آشور بانيبال، التي ضمت (30000) لوح طيني، اكتشفت في قصره في نينوى، وكانت هذه من أروع الإنجازات الحضارية التي سبقت فيها الحضارات القديمة.
وقد اهتمت الموصل في بناء المدارس، فقد شيّدت فيها مدرسة في عصـر واليها (الحر بن يوسف) الأموي، الذي حكم الموصل للفترة (106- 113هـ/ 724-731م). وتقع هذه المدرسة في محلة (حوش الخان)، في الجهة الشـرقية من المدينة، قرب شارع نينوى، الشارع الرئيسـي في المدينة، في المسجد الذي يسمى (مسجد الحر بن يوسف)، والذي أطلق عليه (جامع الرحماني)، وكانت تدرس فيها العلوم الدينية وقراءة القرآن والحديث والشعر، وظلت اثار هذه المدرسة باقية إلى فترة زمنية قريبة.
وفي التاريخ الحديث سبقت الموصل المدن الأخرى في تشييد المدارس، فقد شيّد الحاج (فهمي أفندي بن مصطفى العمري) مدرسة في (باب لكش) سنة 1861م، في عهد والي الموصل (كنعان باشا). وأشارت كتب التراجم إلى أن هذه المدرسة كانت نواة لمئات من العلماء الذين حملوا مشاعل العلم والمعرفة على مر العصور، حتى قال السَّري الرَّفَّاء في الموصل ما يلي:
سَقَى رُبى المَوْصِلَ الفَيحاءِ مِنْ  بَلِدٍ *** جودٌ مِنَ المُزنِ يَحْكِي جُودَ أَهِليها
أأندبُ العَيْشَ فيهـا أمْ أَنـوحُ علـى*** أيامِهـا أمُ أُعَـزي فـي لياليهـا
أرضٌ يَحـنُ إليهـا مَـنْ يُفَارِقُهـا *** ويحـمدُ العيـشَ فيهـا مَنْ يُدانِيهـا
لذا نجد أن من ينسب إليها من أهل العلم أكثر من أن يُحصوا، وأن هؤلاء العلماء اعتزوا بمدينتهم الموصل، فكانت ألقابهم (الموصلي)، وكان لهم دور في نشر علوم المعرفة، وتقلّدوا المناصب العليا في مدن العالم الإسلامي، فأحيطوا بمظاهر التقدير والتكريم في الأماكن التي وطأت فيها أقدامهم.
وهذا الكتاب يهدف إلى إظهار التجذّر التاريخي، والسبق في بناء المدارس، في مدينة الموصل، بوصفها محطة كبيرة لتنوير عقول طلبتها في الإبداع والتفوق والنهوض في مجالات الحياة المختلفة، فكان لزاماً علينا أن نوثّق تاريخ هذه المدارس. وهناك دراسات رائدة عن التعليم، قام بها باحثون وأساتذة مختصون، ولهم الفضل الكبير في دراسة التعليم في العراق، والموصل بصورة خاصة، منهم: ساطع الحصـري في (مذكراته) عن التعليم في العراق، وعبد الرزاق الهلالي في كتابيه: (تاريخ التعليم في العراق في العهد العثماني)، و(تاريخ التعليم في العراق في عهد الاحتلال البريطاني)، وإبراهيم خليل العلاف، في دراساته الشاملة عن التعليم في العراق، ومنها: (تطور التعليم الوطني في العراق)، وجمال أسد مزعل، في كتابه: (نظام التعليم في العراق)، وذنون يونس الطائي، الذي بذل جهوداً متميزة عن التعليم في مدينة الموصل، منها: (ملفات مدارس الموصل الإبتدائية مصدر لدراسة التعليم). وتوجد دراسات كثيرة لطلبة الدراسات العليا في جامعة الموصل، على شكل رسائل وأطاريح جامعية، وهي دراسات جيدة، وذات قيمة علمية، سنشير إليها في متن الكتاب.
ولقد اعتمد المؤلف  في دراسته على العديد من الوثائق والملفات، ومنها السجلات الخاصة بقيود الطلبة والمعلمين، والبلاغات (الكتب الرسمية) الصادرة من وزارة المعارف العراقية، والسالنامات العثمانية، وخاصة سالنامات ولاية الموصل، كما اعتمد على الصحف المحلية، ومنها: جريدة الموصل، ونصير الحق، وغيرهما.
وشمل الكتاب الحديث عن مدارس الموصل فترة زمنية طويلة، بدأت منذ تأسيس أول مدرسة فيها في العصر الأموي إلى سنة 1958، ولم يشر إلى المدارس التي تأسست فيما بعد، وهي بحاجة إلى دراسة خاصة، لافتتاح مدارس كثيرة، وبداية مرحلة جديدة في تاريخ العراق المعاصر، تمثّل بسقوط النظام الملكي (1921-1958)، وقيام ثورة 14تموز 1958.
وفي بعض المدارس تجاوز المؤلف هذه الفترة الزمنية لاستمرار المدرسة في عطائها العلمي، وتحدّث عنها إلى وقتنا الحالي، وكان همّه أن يتابع تاريخ تأسيس المدرسة، ومكانها، ومدرائها، وملاكها التعليمي، ونماذج من طلبتها، سواء كانوا من عامة الطلبة، أم من الذين صار لهم شأن في الوسط الثقافي والاجتماعي والسياسي. كما أشار المؤلف إلى تأسيس مديرية تربية نينوى، والمدارس المهنية، وبدايات تأسيس الكشافة، ومشاكل الطلبة، وغيرها.
وقُسِّمَ الكتاب إلى سبعة عشر فصلاً، جاء فيه ذكر المدارس حسب التسلسل التاريخي. فأشار المؤلف إلى مدارس العهدين الأتابكي والعثماني، ومدارس الطوائف الدينية، والأقليات القومية (الأرمن)، والمدارس الحديثة، الواقعة داخل وخارج الموصل. وهناك مدارس أخر سيواصل دراستها، إن أتيحت الفرصة له. وتمنّى المؤلف أن تكون مساهمته هذه فيها إضافة جديدة إلى الصرح العلمي التربوي، وتمنى أن تستمر وتنمو من قبل الباحثين في حقل التعليم، خدمة لمدينة الموصل العزيزة.
وقدّم المؤلف شكره وتقديره إلى قسم الإعلام في مديرية تربية محافظة نينوى، ويأتي في مقدمته مديره الدكتور بشار إبراهيم نايف النعيمي، الذي كان عوناً في تشجيعه له في مواصلة العمل وتذليل الصعوبات، ومتابعة البريد الخاص بالبحث والوارد من المدارس. كما لم ينس الذين اطلعوا على مسودات هذا الكتاب، وساهموا في تقديم أي نص كان مفيداً للكتاب، ومنهم: الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف، والدكتور عبد الفتاح علي يحيى البوتاني، والدكتور يونس حمش خلف، والدكتور عبد الرافع جاسم، والدكتورة وفاء رفعت نور الدين، والأستاذ وائل سليمان داود، والست منى أحمد علي البابلي.
وقد أمتاز المؤلف بتقيّده بالروح العلمية، فكان مستوفيا متن الكتاب تفصيلاً في المادة، ومقارنة في النصوص التاريخية، وتحليلاً وترجيحاً وبياناً للرأي، وناقداً وممحّصاً لنصوص الكتب، ومؤلفيها، موثّقاً لشواهدها العمرانية ووفيات أعلامها؛ من المؤرخين والعلماء والمدرسين والمعلمين، بالتاريخ الهجري والميلادي. ولا تقلّ هوامش الكتاب عن متنه في قوتها، ودقتها، وتفصيلاتها، ما بين توثيق لمصادر الكتاب، وتعريف لشخصية، أو ذكر لمؤلفات عالم معيّن، بمتوسط عدد هوامش يصل إلى خمسة هوامش للصفحة الواحدة.
وليست النصوص التاريخية هي ما استعان به في تأليف كتابه فحسب، بل استشهد بالقصائد والقطع والأبيات الشعرية التي قيلت لأغراض مختلفة، وهناك ميزة مهمة في هذا الكتاب، وهي إن مؤلفه وثّق كتابه بالصور التي التقطها بنفسه للمدارس، وبعض الشخصيات، من المدراء والمدرسين والمعلمين، فضلاً عن بعض صور المدارس، وبعضها الآخر كان للكادر التعليمي لبعض المدارس. واستعان بصور أخرى من بعض الكتب، في بيان بعض الإصدرات من المجلات، التي صدرت في الموصل عن طريق بعض المدارس، والتي يعود تاريخها إلى الربع الأول من القرن العشرين. كما استعان بالجداول في بيان عدد الطلبة الخريجين، والأوائل، ومعدلاتهم، وفروعهم الدراسية، وأعدادهم، ونضـرب مثلاً للسنوات من 1922 إلى 1992  لثانوية الموصل (الإعدادية المركزية أنموذجاً)، أي إنّه أرّخ ووثّق لسبعة حقب، أيْ حوالي سبعين سنة.
وقد أفاض المؤلف في عرضه لكل مدرسة من المدارس الموصلية، سواء في داخل الموصل، أو في أقضيتها ونواحيها وقراها، من حيث ذكر اسم المدرسة، والتغيّر الذي طرأ على الاسم، وبيان موقعها، وأسماء مدرائها، وكادرها التدريسـي، وأهم طلبتها الخريجين، مع ذكر أعدادهم، ومناهجها، وموادها الدراسية، والمجلات والنشـرات التي كانت تصدرها، ونشاطاتها الثقافية، وبيان وضعها الحالي.
وقد استعان المؤلف بجملة كبيرة من المصادر المتنوعة، منها (17) مصدر أولي، وحوالي (65) مرجع حديث، و(12) رسالة جامعية، فضلاً عن سالنامات الموصل العثمانية، بواقع (4) سالنامات، مما ووثّقه في مصادره، كما نوّهنا لذلك مسبقاً، زيادة على الدراسات والبحوث والمقالات، والتي بلغ عددها (21). أما الصحف فبلغت (96) صحيفة، أبرزها وأعرقها من حيث القدم جريدة (الموصل)، التي استعان بأعداد كثيرة منها، للفترة بين عشـرينيات وإلى أربعينيات القرن العشرين، فضلاً عن جريدتي (نصير الحق)، و(الوقائع العراقية).
ومن بين المجلات التسعة التي جاءت في قائمة مصادر الكتاب، تبرز لنا من بينها مجلات مهمة، كمجلة (لغة العرب)، ومجلة (الجزيرة) الموصلية، ومجلة (سومر)، وهي من المجلات القديمة الصدور، والتي تمتاز بندرة أعدادها، فضلاً عن الدوريات الأكاديمية الحديثة، التي تمتاز برصانتها العلمية، مثل مجلة (دراسات موصلية)، التي يصدرها مركز دراسات الموصل/ جامعة الموصل.
ومن المصادر الأخرى للكتاب: التقارير، والبلاغات، وسجلات المدارس، التي بلغ عددها (36)، فضلاً عن الوثائق الدراسية، وهي نادرة جداً، وبواقع وثيقتين (2)، لا سيما أنها صادرة للفترة بين سنتي 1936 و1959. وكذلك جاءت تقارير المدارس بحدود (58) تقريراً، زيادة على  الاستبيانات، والمقابلات الشخصية، والتي بلغت (18) مقابلة، والأدلة السياحية للموصل والمملكة العراقية، والمقالات المنشورة على الانترنت، والتي بلغ عددها (33) مقالة.
ومن الجدير بالذكر، أن المؤلف الدكتور (علي نجم عيسى جاسم الراشدي) ولد في مدينة الموصل/ العراق سنة 1957، دخل قسم التاريخ في كلية التربية /جامعة بغداد، ثم واصل دراسته العليا في كلية الآداب/ جامعة البصرة، وحصل على الماجستير عن رسالته الموسومة: (حماة في العهد الأيوبي)، والدكتوراه عن أطروحته: (حلب في العهد الأيوبي)، وقد رُقي لمرتبة الأستاذية سنة 2016، وله عدد من الكتب المنشورة، هي:
- رسائل القاضي الفاضل، دراسة وتحقيق، بيروت: دار الكتب العلمية، 2005.
- رحلة الشيخ طه الكردي، بيروت: دار الكتب العلمية، 2007.
- حماة في ظل الأيوبيين، دراسة في سياستها وعمرانها وحياتها الثقافية، بيروت: دار الكتب العلمية، 2009.
 - مدارس الموصل، دراسة تاريخية حضارية، بيروت: دار الكتب العلمية، 2016.
فضلاً عن نشر العديد من البحوث والدراسات والمقالات، ومنها:
1 ـ جهود القاضي الفاضل السياسية والعسكرية والثقافية في دولة صلاح الدين الأيوبي.
2ـ  أبو الفداء ملكاً ومؤرخاً؛ دراسة في منهجه وموارده.
3ـ  التحصينات العمرانية في قلعة حلب في العصر الأيوبي.
4ـ الفوائد العلمية بين حماة الأيوبية والأندلس وصقلية.

5ـ التعليم في اليابان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق