د. يحيى عمر ريشاوي
المراقب
لمشهد العملية الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات في العالم، يلحظ تشوّهاً في
الصورة النمطية والمثالية الموجودة في المخيّلة الإنسانية لهذه التجربة الإنسانية
(الحديثة – القديمة)، حيث لم تعد الديمقراطية (شكلاً ومضموناً) كما كانت عليها قبل
عقود؛ كونها حلّاً سحريّاً للمعضلات والمشاكل السياسية التي كانت تعصف بالأمم
والشعوب، وهناك الكثير من التساؤلات التي تطرح حول مصداقية روّاد وقادة
الديمقراطية في العالم، ومدى قدرتهم على التعبير عن المعاني الحقيقية للديمقراطية،
هل هي فعلاً حكم الشعب، وإعطاء الحريّة الكاملة للناخب والمواطن، وتحقيق جوهري
لحقوق الإنسان والعدالة الإنسانية، أم أنّ العملية تتخللها سيناريوهات وصفقات وتحكّم
وراء الكواليس؟!
وحين يصل الأمر إلى العاصمة الفرنسية (باريس)،
قلب الديمقراطية والحرّيّات، وتصل
النقمة من النظام السياسي، والشعور بالغبن، إلى حدّ الفوضى العارمة، وحرق المحلات،
وتخريب الأماكن العامة، فإنّ كلّ ذلك يحتاج إلى إعادة قراءة ومراجعة لشعارات
الديمقراطية الرنّانة. أضف إلى ذلك تعامل الرئيس الأمريكي مع النظام الديمقراطي،
ومفاجآته الصادمة، وقراراته اليومية، القرقوشية، والتي يوجّه بعضاً منها، لا عبر
المؤسسات الدستورية، وإنما عبر حسابه الشخصـي في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)!!
ناهيك عن تعامله المصالحي مع السعودية، ومقتل (خاشقجي)، وغيرها من الملفات
السياسية المعقّدة في العالم، وآخرها انسحابه المفاجئ من سوريا!
صحيح أنّ الديمقراطية، كونها تجربة إنسانية، يشوبها
بالتأكيد النقص والشوائب، ولكن الأمر خرج من أن يكون مجرّد نقد هنا وهناك، إلى حدّ
جعل الديمقراطية والانتخابات وسيلة ومطيّة للوصول إلى تحقيق المصالح الشخصية، وربّما
(العائلية)، وقناعاً للأنظمة الدكتاتورية في العالم، كي تحقّق أجندتها، وتتحكّم،
أكثر فأكثر، برقاب شعوبها، لا عن طريق الحديد والنّار، وإنّما عن طريق صناديق
الاقتراع! كلّ ذلك مؤشر خطير، وموضوع يحتاج إلى دراسة ومراجعة وتمحيص، فليس منطقياً
أن يرى العالم ما يحصل من تزوير فاضح، ولعب بالنتائج، في بعض الدول، ومن ثمّ يبارك
المجتمع الدولي هذه النتائج، وتتعامل المنظمات الدولية مع عرابيّ التزوير، وكأنّ
شيئاً لم يكن. وما حصل في الإقليم، في الانتخابات الأخيرة، والصمت الدولي على
الفضيحة الانتخابية، دليل على ما أسلفنا من الكيل بمكيالين، ولعبة المصالح
السياسية، والمالية، المحزنة إلى حدّ السخط والصياح!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق