د. أياد الزيباري
المقدمة
إن
الإسلام هو دين الهدى والنور والسعادة والسكينة، فأي أمة من الأمم في أي بقعة من
الأرض، وفي أي زمان من الأزمان، إذا دانت بهذا الدين، واعتصمت بحبل الله المتين،
واتبعت رسوله الأمين، بصدق وعلم ويقين، لا بد أن تكون أسعد الأمم، وأكثرها أمناً
واستقراراً، تعيش في رغد من العيش، وتحيا حياة عز وسؤدد، تقود ولا تقاد، وتأمر ولا
تؤمر، تحب الخير للناس كلهم.
وأما
إذا رفضت هذا الدين، وبعدت عن هديه، فإنها لجديرة بأن تكون أكثر الأمم شقاء وخوفاً،
واضطراباً وضنكاً، في كل شأن من شؤون حياتها، حتى لو بدت في ظاهرها عكس ذلك، لأن
السعادة لا يجلبها منصب ولا مال، والأمن لا يحصل بسلاح ولا رجال، وإنما هي الحياة
الآمنة التي تطمئن فيها القلوب، ويأمن فيها الناس على أنفسهم وأموالهم
وأعراضهم،
ينتشر فيها العدل، ويختفي فيها الظلم، أو يقل، ويقود الناسَ فيها الأكفياء
الصالحون إلى ما يرضي الله تعالى، ومتاع الدنيا المادي المباح جزء من الحياة
السعيدة الطيبة.
والأمن
من أجلّ نعم الله عز وجل، التي أنعم بها على عباده، وتكرّم بها على خلقه. والعمل
البشري لا يكون مجدياً، والحضارات لا تتقدم، إلا في ظلال من الأمن والاستقرار.
فالأمن إحساس بالطمأنينة، وشعور بالأمان، فبدونه لا تستقيم الحياة، ولا تهدأ
النفوس، ولا تقرّ العيون، ولا تهنأ المجتمعات بعيشها، مهما كانت قوة دولها، وضخامة
إمكانياتها. وبفقد الأمن تتعطل مسيرة الحياة على كافة شرائح المجتمع.
والإسلام جاء للناس بمنهج شامل كامل، يحتوي
على الأسس التي تمكنه من التغلب على كل الأزمات والمشكلات التي تواجهه في كل زمان
ومكان.. والتربية الصحيحة جزء من المنهج الإسلامي، وعملية التربية ملازمة للإنسان
منذ وجد، وهي مستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..
وما
من شك في أن التربية الإسلامية تعد وسيلة فاعلة لبناء الإنسان المسلم، القادر على
عمارة الأرض بكفـاءة، والقيام بواجباته تجاه الأمانة التي ارتضـى حملها.. كما أن
التربية الإسلامية تشكّل العامل الأقوى في إحداث التغيّرات الجذرية المنشودة في
واقع الأمّة المسلمة، على جميع المستويات، وأنها قد اهتمت بجميع جوانب الإنسان، وراعت
تهيئة البيئة المناسبة لإتمام تربية الإنسان فيها. ولعل من أهم ركائز هذه
البيئة: الأمن والاستقرار، فلا تكتمل تربية بدون أمن واستقرار، ولا يكون أمن من
دون تربية صالحة تستمد أسسها، وترتسم أهدافها من توجيهات الإسلام. وتلبية حاجات
الجسد لا تكفي، إن لم يكن معها شعور بالأمن، وطمأنينة في النفس .
واهتم
الإسلام بجميع شرائح المجتمع، وخاصة جيل الشباب، لأن الشباب يعدّ ركيزة أساسية لكل
أمّة ترنو إلى التقدم الحضاري في شتى مجالات الحياة، وذلك لأن الشباب ثروة،
بطاقاتهم، وحيويتهم، ونشاطهم، وحماسهم،
إن هي أحسنت استغلال تلك الخصال في الخير والصلاح والبناء والفضيلة. لكنها في
الوقت ذاته قد تكون معاول هدم لها، إن لم تحسن تربيتهم تربية صحية.. لذا، فإن
الأمم والدول والمجتمعات تبذل كل إمكاناتها المادية والبشرية في سبيل العناية
بتربية شبابها، وإصلاحهم، لأنهم أملها، وعمادها، وقوتها، في حاضرها ومستقبلها .
ومن
هنا جاء هذا البحث ليسهم في تسليط الضوء على ظاهرة خطيرة، ابتلي بها العالم
الإسلامي جميعاً، وهي ظاهرة الإرهاب والتطرف، لدراسة موقف الإسلام من الإرهاب،
وكيفية وقاية الشباب منه، من خلال التربية الإسلامية الصحيحة، لأن الإرهاب يقوّض
دعائم الأمن والاستقرار، ويعيق التنمية، في مجالاتها المختلفة كافة.
والإرهاب
مشكلة خطيرة، بالنظر لما يترتب عليه من نتائج وخيمة، وهو عمل إجرامي لا يقتصر ضرره
على فئة دون أخرى، وإنما يلحق أذاه كافة فئات المجتمع، صغيرها وكبيرها، نسائها
ورجالها، دون تمييز، ويدمر الممتلكات بطريقة همجية ووحشية.
أهمية الموضوع :
1-الموضوع عبارة عن تحدّ من التحديات التي تواجه العالم
كله، والعالم الإسلامي بالأخص. لذا على أهل العلم، وطلبته، الدخول فيه، والبحث في
وضع حلول ملائمة للتعامل مع مثل هذه التحديات، التي أرهقت كاهل الشعوب والأمم.
2- التأكيد من خلال هذا الموضوع على وسطية الإسلام، ومدى
معالجته الحكيمة لجميع القضايا -خاصة ما يتعلق بأمن الفرد والمجتمع- بشفافية
وصراحة وحكمة.
3- تقديم الصورة الجميلة الحقيقية للإسلام في علاقته
بالآخر، سلماً وحرباً، فلم يأت ليذبح ويحرق ويهتك ويدمر، بل ليحي وليبني ويعمّر.
4-من المؤمل أن تسهم هذه الدراسة في دعم الدراسات
التربوية، فيما يتعلق بتفعيل المدرسة لمواجهة ظاهرة الإرهاب.
5- بيان أن التربية الإسلامية لا تفصل بين الجانب التعبّدي
والجانب الدنيوي، فهي لا تعزل الدين عن الدنيا، ولا تفصل جوانب الإنسان العقلية،
والروحية، والجسمية، عن بعضها البعض، بل تعطي كل جانب حقّه من الرعاية والاهتمام.
فهي تستمد قوتها، ونشاطها، من قوة وثبات الشرع الإسلامي.
6-إن التربية الإسلامية تربية شاملة تركّز على التوازن،
بين المطلب الفردي والمطالب الاجتماعية، وتهتم بالأسرة، خاصة الشباب، وتعد شريحة
الشباب المحور الأساسي لتكوين المجتمع.
7-إحياء المنهج الوسطي في فهم الإسلام، وممارسته، لا
سيما في هذا العصر، الذي برزت فيه أفكار وآراء طابعها التشدد والتعسير. ومن جانب
آخر، ظهور أفكار تدعو إلى التساهل، بل يصل الأمر بها أحياناً إلى تبني آراء شاذة
وغريبة عن المنهج الإسلامي، وقواعد الشريعة .
8-وأخيراً، إغناء المكتبة الإسلامية بموضوع مهم وساخن،
وهو مسألة الإرهاب، وكيفية معالجته؛ من خلال أثر التربية الإسلامية في تحصين
الشباب من تبني الأفكار الإرهابية.
أسباب اختيار
الموضوع :
1- الإنسان صنع الله، واليوم يهدّم هذا البناء، ويسال
دمه، وخاصة دماء المسلمين، في أكثر بقاع الأرض، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً،
وبالأخص في بلدي، فأيقنت أنّه من واجبي - كطالب علم - أن أصرف جهدي في أمرٍ يكون
سبباً لوقف حمام الدماء، فلعل الله يخرج من قلمي كلمة يحصن بها دماً بريئاً.
2- حبي ورغبتي في تقديم شيء أخدم به ديني الإسلام، الذي
أكرمنا الله به، ومجتمعي؛ الذي أظنّه جزءاً لا يتجزأ مني، وخاصة أن العراق من أكثر
البلدان التي أعطت –ومازالت تعطي- ضريبة هذا الإرهاب.
3- أنا على يقين أنّ الإسلام شريعة صالحة لكل زمان
ومكان، وفيه حلّ لكل المعضلات، فأردت أن أغوص في بحاره، لأخرج اللؤلؤ والمرجان، لتضاء
به أرض أصبح الظلم والظلام فيها سائداً.
4- الموضوع عبارة عن تحدٍ من التحديات التي تواجه
الفقهاء والمفكرين المسلمين، وتتطلب منهم إيجاد حلول منطقية للحدّ من ظاهرة
الإرهاب، وخاصة بين شريحة الشباب.
5- التعرّف على دور الأسرة المسلمة، والوسائل الفاعلة
التي تمتلكها، في مواجهة ظاهرة الإرهاب الفكري، والتصدّي لها، بشكل منهجي سليم.
6- محاولة لملء الفراغ الحاصل في معالجة ظاهرة الإرهاب، خاصة
من منظور تربوي إسلامي، نظراً لما تمثّله التربية الإسلامية من دور حيوي فعال،
لوقاية وحماية الشباب المسلم من الإرهاب، تأثيراً ومسلكاً .
وقد
اقتضت طبيعة البحث أن يشتمل على مقدمة، ومبحثين، وخاتمة، إذ أشرت في المقدمة إلى
أهمية الموضوع، وسبب اختياري له.
أما المبحث الأول: فقد اقتضت طبيعة البحث
أن يمثّل هذا المبحث مدخلاً لدراسة مفردات البحث، ببيان مدلولاتها. ويشتمل على
ثلاثة مطالب:
المطلب
الأول: مفهوم التربية .
المطلب
الثاني: مفهوم الشباب .
المطلب
الثالث: مفهوم الإرهاب.
المبحث
الثاني: التربية الإسلامية، ومنهجها في رعاية الشباب، ووقايتهم من الإرهاب. ويشتمل
على ثلاثة مطالب:
المطلب
الأول: مفهوم التربية الإسلامية،وأهدافها، ومصادرها.
المطلب
الثاني: دور التربية الإسلامية في الحد من ظاهرة الإرهاب .
المطلب
الثالث: المنهج الإسلامي في رعاية الشباب، وتلبية حاجاتهم .
أمّا
الخاتمة، فقد ذكرت فيها أهم النتائج، وأبرز التوصيات،
التي توصلت إليها أثناء كتابة البحث.
المبحث
الأول: يعدّ مدخلاً لدراسة مفردات البحث، ببيان مدلولاتها.
ويشتمل
على ثلاثة مطالب:
المطلب
الأول: مفهوم التربية .
1-التربية
في اللغة: لكلمة التربية في معاجم اللغة عدة معان، منها: بمعنى تولّي الأمر،
والقيام على الشيء، وإصلاح شأنه. يقال: (رَبَّ) يَرُب، بوزن مدّ، بمعنى أصلحه،
وتعهده بما يغذيه، وينميه، ويؤدّبه، وتولى أمره، وساسه، وقام عليه، ورعاه. وبمعنى:
النماء والزيادة والرفعة. يقال: (ربا) الشيء يربو. وربا: أي: زاد ونما. وأربيته:
نمّيته([1]).
ومنه قوله تعالى: {وَمَا
آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ
اللَّهِ}.
2-التربية
في الاصطلاح: عملية تكييف بين الفرد وبيئته ، تنشأ عن طريق اشتراك الفرد في الحياة
الاجتماعية الواعية للجنس البشري([2]).
أو هي عملية مقصودة تهدف إلى إعداد الفرد، وتنشئته، وتنمية جوانب شخصيته جميعاً،
لإحداث تكيّف بينه وبين البيئة التي يعيش فيها، ولتمكينه من تحقيق الغاية الوجودية
التي خلق من أجلها([3]).
وأما القصد من التربية الإسلامية، فهي: تهيئة
الفرد ليتكيف مع بيئته، ومجتمعه، وذلك لإقامة شرع الله تعالى، على الوجه الذي
يرضاه الله لنا.
فالتربية
الإسلامية هي عملية تنشئة إسلامية، تمكّن الفرد المسلم من تحقيق أهداف الإسلام،
وعلى رأسها عبادة الله، وعمارة الأرض، مراعية الشمول والتكامل([4]).
فهي تربية تسعى إلى تنمية جوانب الشخصية الإنسانية، لترقى هذه الشخصية إلى مستوى
يمكّنها من تطبيق الإسلام في المجتمع، بما يكفل ازدهار الدنيا، وسعادة الآخرة.
فالتربية
تهدف إلى تنمية الإنسان تنمية متكاملة: عقلياً، وجسدياً، ونفسياً، واجتماعياً،
بواسطة خبرات تربوية، لتحقيق أهداف المجتمع المستقبلية في أجياله المختلفة، بحيث
تحقّق هذه الأهداف على مراحل ومستويات. ويمكن القول أيضاً: إن الصـراع الحضاري،
وتأكيد الهوية الدينية والثقافية والقومية بين الأمم والشعوب، في عصـرنا هذا، أصبح
مرهوناً بقدرة الأنظمة التربوية، وفعالياتها في إنتاج الإنسان الصالح، والمتوازن،
القادر على المبادرة والخلق والإبداع والتغيير.
وعليه، إن للفكر التربوي دوراً عظيماً في تقويم
العقول، وتوجيهها نحو الصواب. ولا شك أن حماية عقول الشباب كانت - وما زالت-
مكفولة بحماية التربويين.
المطلب
الثاني: مفهوم الشباب.
1-الشباب
في اللغة: الشباب هو جمع مذكر ومؤنث معاً، وتعني: الفناء، والحداثة. ويطلق لفظ:
شبان، وشبيبة، كجمع لمذكر مفرد (شاب). ويطلق لفظ: شابات، وشائب، وشواب، كجمع مؤنث
على مفرد (شابة). وأصل كلمة شباب، هو: شبّ، بمعنى: صار فتياً، أي: من أدرك سن
البلوغ ، ولم يصل إلى سن الرجولة([5]).
2-الشباب
في الاصطلاح: لقد ظهر أكثر من اتجاه في بيان المراد بالشباب، نتيجة الاختلاف في
المفهوم، ومنها :
الاتجاه
الزمني (العمري): فقد حدّد وزراء الشباب العربي، في مؤتمرهم الأول، أن مفهوم
الشباب يتناول أساساً من تتراوح أعمارهم بين 15-25 سنة، انسجاماً مع المفهوم
الدولي المتفق عليه في هذا الشأن ([6]).
وبنظرة أخرى، فإن ذلك يخضع لكل مجتمع بحسبه، فالمجتمعات ليست واحدة، وتحديد سنّ
بداية مرحلة الشباب، وسنّ النهاية، يختلف من مجتمع لآخر، حسب الأوضاع الاجتماعية
والاقتصادية والثقافية السائدة في كل مجتمع([7]).
الاتجاه
النفسي: من يؤيد هذا الاتجاه، من التربويين، يرى أن مرحلة الشباب ليست مرحلة زمنية
تتحدد بسنّ معيّن، بل ترتبط باكتمال البناء الدافعي والانفعالي للفرد، في ضوء
استعداداته، واحتياجاته، الأساسية ([8]).
الاتجاه
البيولوجي: ويميل أصحاب هذا الاتجاه إلى تحديد مرحلة الشباب على أساس اكتمال نمو
البناء العضوي، والوظيفي، للمكونات الأساسية لجسم الإنسان. فيرون أن الشباب: يمثّل
آخر مرحلة من مراحل النمو المتزايد في الكمّ والكيف، فطول القامة، والجهاز العظمي،
يتم تحديده في أواخر العقد الثاني، وأوائل الثالث، على أبعد حدود([9]).
الاتجاه
الاجتماعي: ويرون أن فترة الشباب تبدأ عندما يحاول المجتمع تأهيل الفرد لكي يحتل
مكانة اجتماعية، ولكي يؤدي دوراً، أو أدواراً، في بنائه. وتنتهي عندما يتمكن الفرد
من احتلال مكانته الاجتماعية، وأداء دوره في المجتمع، بشكل ثابت ومستقر([10])
.
ويمكن
القول: إن المرحلة العمرية (18-25) لها الأثر الكبير في إصلاح الشباب، إذا ما تمّ
إدراكها، وفهمها، ورعايتها، والاهتمام بها ([11]).
المطلب
الثالث: مفهوم الإرهاب .
1-الإرهاب
في اللغة: الإرهاب - كلفظ - كلمة مشتقة من الفعل المزيد فيه: (أَرهبَ يُرهِبُ إرهاباً)، على وزن: (أفعل يفعل
إفعالاً)، والثلاثي المجرد منه: (رهِب) بكسـر الهاء([12])،ورهب
بالكسر، يرهب رهبة رهباً أو رهباناً، وهو بمعنى: خاف، مع تحرّز واضطرار. والإرهاب،
بكسر الهمزة: بمعنى الإزعاج والإخافة([13]).
2-الإرهاب
في الاصطلاح: عرّف العلماء والفقهاء (الإرهاب) بتعريفات عدة، من منظور نفسي وفكري
واجتماعي وسياسي. وسوف نستعرض بعضاً من تعريفات الإرهاب، من الناحية الفقهية، لأنه
متعلّق ببحثنا، منها:
1-تعريف
مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر: الإرهاب هو ترويع الآمنين، وتدمير مصالحهم،
ومقومات حياتهم، والاعتداء على أموالهم، وأعراضهم، وحرياتهم، وكرامتهم الإنسانية،
بغياً وإفساداً في الأرض. ومن حق الدولة التي يقع على أرضها هذا الإرهاب الأثيم،
أن تبحث عن المجرمين، وأن تقدمهم للهيئات القضائية، لكي تقول كلمتها العادلة فيهم
([14]).
2-تعريف
الشيخ محمد علي التسخيري: الإرهاب كل عمل يتنافى، من حيث الوسيلة والهدف، مع القيم
الدينية والإنسانية، ويتضمن تهديداً للأمن، بأيّ نوع من أنواعه ([15]).
3-تعريف
الدكتور وهبة الزحيلي: كل عنف، أو اعتداء، أو إجرام، ليس له مسوغ شرعي، لأسباب
سياسية، أو لمحاربة نظام جائر، أو لدوافع اعتقادية، أو وطنية([16]).
فتعريف
مجمع البحوث أدرج الإرهاب النفسـي – الترويع- في ثنايا الإرهاب، بشكل عام، وقصر
وقوعه على الآمنين غير المحاربين، فأخرج بذلك استعمال الوسائل الإرهابية ضد الجيوش
المحاربة.
وأما
تعريف التسخيري، فهو تعريف فكري، أبعد من أن يكون تعريفاَ قانونياً. وزاد الدكتور
الزحيلي، في تعريفه: محاربة الأنظمة الجائرة، بالوسائل غير المشـروعة، إلى خانة
الإرهاب، والذي يسمّى في الفقه الإسلامي بـ(البغي).
والذي
يبدو لي أن تعريف مجمع البحوث الإسلامية أقرب إلى طبيعة الإرهاب في هذا العصر.
المبحث
الثاني: التربية الإسلامية، ومنهجها في رعاية الشباب، ووقايتهم من الإرهاب الفكري.
ويشتمل على ثلاثة مطالب:
المطلب
الأول: مفهوم وأهداف ومصادر التربية الإسلامية .
الفرع الأول: مفهوم
التربية الإسلامية: سبقت الإشارة إلى مفهوم
التربية الإسلامية في المبحث الأول من هذه الدراسة. وهي منهج كامل للحياة، ونظام
متكامل لتربية النشء، ورعايته، يحرص على الفرد، والمجتمع، وعلى الأخلاق الفاضلة،
والقيم المادية والروحية الرفيعة، ويوازن بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة. وتقوم
التربية الإسلامية على أُسس تعبدية، وأسس تشـريعية. وتتضمن الأُسس الفكرية نظرة
الإسلام إلى الإنسان والكون والحياة.
الفرع
الثاني: أهداف التربية الإسلامية: لقد أنزل الله تعالى
الإسلام لتحقيق عدداً من الأهداف العامة، التي تسعى التربية الإسلامية إلى تحقيقها.
ومن أبرز هذه الأهداف هي([17]):
1-بناء
الشخصية الإنسانية السوية، بصورة شاملة ومتوازنة، في جميع أبعادها: العقلية
والجسمية والاجتماعية والنفسية والأخلاقية، دون أن يطغى جانب على جانب. وكذلك بناء
شخصية متكاملة في السلوك. قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ
نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا
تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}([18]).
فالتربية الإسلامية تنظر إلى الإنسان، باعتباره كلاً متكاملاً، يتكون من جسم وعقل
وروح، وتتعامل مع هذه المكونات بطريقة متوازنة. ففي مجال الجسم، اهتمت التربية
الإسلامية به، بما يحقّق له البقاء والنماء. قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا
يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}([19]).
فالطعام والشـراب من ضرورات البقاء، وتناولها يكون بقدر، تبعاً لحاجة الجسم،بعيداً
عن السـرف والتبذير.
وفي
مجال العقل، اهتمت التربية الإسلامية بتنميته، والمحافظة عليه، وذلك بإكسابه
المعارف والمهارات والخبرات، ومنع كل ما يحول دون إعماله، وتفعيله. فقد دعا
الإسلام إلى التعلّم، وأنزل العلماء منزلة عظيمة. قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ
لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}([20]).
وفي مجال الروح، اهتمت التربية الإسلامية بهذا
المكون اهتماماً عظيماً، فبه يتّصل الإنسان بخالقه الذي كرّمه بنفخ الروح فيه، وتمييزه
عن الجمادات والأشياء. قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا
وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ
النَّارِ}([21]).
فالتربية
الإسلامية تهدف إلى بناء الشخصية الإنسانية السوية في الجسم والعقل والروح، دون أن
يطغى جانب على جانب.
2-
بناء الشخصية المؤمنة بالله، الملتزمة بطاعته: فهي تربية تسعى إلى الانتقال بالفرد
المسلم من الاستسلام لله تعالى باللسان، إلى الاستسلام له بالقلب والجوارح، ومراقبة
الله في كل حركة وسكنة. قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ
الْقَيِّمَةِ}([22]).
3-
بناء الشخصية المنسجمة مع الفطرة: أودع الله تعالى في الإنسان حاجات وغرائز
واستعدادات، تؤهله للعيش في هذه الحياة الدنيا، وتضمن للجنس البشـري البقاء
والاستعداد، وكل ما يمكنه من تحقيق عمارة الأرض. والتربية الإسلامية راعت هذه
الحاجات والغرائز، وتعمل على تنظيمها وتهذيبها وفق شرع الله سبحانه وتعالى. قال
تعالى:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ
حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ
مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ
وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ
الْمَآبِ}([23]).
4-
تحقيق التوازن بين الجانب النظري والجانب العملي التطبيقي: التربية الإسلامية جاءت
بشرائع واقعية قابلة للتطبيق في أي زمان ومكان، لتضمن الحياة السعيدة الآمنة
المستقرة المطمئنة للناس على الأرض. فالتربية الإسلامية حياة متكاملة، تصلح لكل
زمان ومكان، والنظم والتشريعات التي جاءت بها ليست نظرية مثالية، وليست محض خيال
بعيد المنال، بل هي واقع يصلح منهاجاً للحياة السعيدة الآمنة المستقرة المطمئنة. وهي
تهدف إلى تحقيق التوازن بين الجانب النظري والجانب التطبيقي، ليسهل الفهم
والتطبيق، ولتكون أدعى للاقتداء والاستجابة، وتحقيق تعليم فاعل. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا
تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}([24]).
5-
تحقيق التوازن الاجتماعي: حددت التربية الإسلامية دور كل فرد في المجتمع؛ فالأب له
دور، والأمّ لها دور، والأفراد ينتظمون في المجتمع، ويخضعون لمعيار مرجعي ينظم
أدوارهم، بطريقة تعاونية تارة، وتنافسية تارة أخرى .
6-
تحقيق الانسجام النفسـي: تهدف التربية الإسلامية إلى تثبيت النفس المطمئنة المؤمنة،
والارتقاء بالنفس اللوامة، لتصل إلى النفس المطمئنة. قال تعالى:{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، ارْجِعِي
إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً}([25]).
7-تربية
المواطن الصالح: تهدف التربية الإسلامية إلى تربية الفرد تربيةً سوية، حتى يكون إنساناً
صالحاً في أسرته، وفي مجتمعه، ودولته، التي يعيش فيها.
الفرع
الثالث: مصادر التربية الإسلامية:
إن
مصادر التربية الإسلامية متنوعة. ويمكن إجمال هذه المصادر على النحو التالي:
أ-
القرآن الكريم: وهو "كلام الله المنزّل على محمد (صلى الله عليه وسلم)،
المتعبّد بتلاوته"([26]).
والقرآن الكريم مصدر شامل للتربية، وقد حوى تصورات متكاملة عن جوانب حياة الإنسان،
وعلاقاته بالكون والحياة، كما تضمّن إطاراً للمعرفة والقيم، وتصورات أساسية عن
المجتمع، وغير ذلك مما يُعّد إطاراً عاماً للحياة والتربية.
والقرآن
الكريم هو الأصل الأول الذي تستمد منه التربية الإسلامية مبادئها، وأسسها.
ونوجز منهج القرآن الكريم في التربية فيما يلي:
1-
يرى القرآن أن العلم نعمة يمّن الله بها على عباده، كما قال في حق الرسول صلى الله
عليه وسلم: {وَعَلَّمَكَ مَا
لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}([27]).
ويبيّن القرآن أيضاً فضل العلماء: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}([28]).
2-
وقد أشار القرآن إلى آداب رفيعة؛ ليتأدّب بها طلاب العلم، منها: الدعاء، والرجاء
أن يزيدهم علماً، وأن يلهمهم ذكراً، إذا ما نسوا شيئاً: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسـَى أَنْ
يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا}([29])،
ومنها التركيز على القدوة الحسنة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ
لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}([30]).
والقرآن
يربّي العقل والعاطفة، متمشياً مع فطرة الإنسان في البساطة، وطرقِ بابِ العقل مع
القلب مباشرة.
وقد اتّبع القرآن عدة أساليب في التربية، من
أهمها: أسلوب الحوار، وأسلوب الممارسة العملية، وأسلوب ضرب الأمثال([31])
.
وعليه،
فالقرآن الكريم يقدّم منهاجاً تربوياً متكاملاً، شاملاً، متوازناً، يحقّق السعادة
في الدنيا والآخرة، للأفراد والأمة. فهو كتاب يفيض بالتربية الهادفة إلى إعداد
الشخصية السليمة السوية، وإيجاد العناصر المطلوبة لها.
وحتى
نستفيد من كتاب الله - عز وجل - في مجال التربية، كان لا بد من امتلاك مهارات
التعامل معه: قراءة، وفهماً، وممارسة، وبذلك يمكن أن نستخرج حاجاتنا التربوية من
خلال آياته، ذلك أن عطاءه الغزير لا يقف عند حدٍ معين:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي
لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا
بِمِثْلِهِ مَدَدًا}([32]).وقد
أشار سيد قطب إلى دور القرآن الكريم في تكوين الجيل الأول من الصحابة - رضوان الله
عليهم - ، فكان جيلاً متميزاً خالص القلب، والعقل، والتصور، والشعور ([33]).
ب-
السنة النبوية: تشكّل السنة النبوية مصدراً أساساً من مصادر التربية الإسلامية،
والقرآن الكريم يوجّه المسلمين إلى الأخذ والتلقي عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) {وَمَا آتَاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}([34]).لقد
كانت سنّة النبي- ولم تزل – معيناً تربوياً لا ينضب، ومصدراً غنياً للفكر التربوي،
تفي بحاجات المعلمين والمتعلمين، ويتضح ذلك من خلال معرفة الغاية من بعثته (صلى
الله عليه وسلم)، وهي تبليغ الرسالة الربانية، بما تحمل من نظرات متكاملة للإنسان،
والحياة، والكون: {يَا
أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ
تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ
اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}([35]).
وهناك
فوائد كبيرة للسنة في المجال التربوي، منها: إيضاح المنهج التربوي الإسلامي
المتكامل الوارد في القرآن الكريم، وبيان التفاصيل التي لم ترد في القرآن الكريم،
واستنباط أسلوب تربوي من حياة الرسول مع أصحابه، ومعاملته الأولاد، وغرسه الإيمان
في النفوس([36]).
وقد
تميّزت شخصية الرسول التربوية، حيث كان الله - عز وجل - مؤدّبه ومعلّمه، كما جاء
في قوله تعالى: {وَعَلَّمَكَ
مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}([37])،
وقد امتدح القرآن الكريم خلق الرسول المربّي عليه الصلاة والسلام: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}([38]).
ولقد
أثبت التاريخ، أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، كان معلّماً ومربيّاً متميّـزاً.
ولعلّ نظرة يسيرة إلى ما كانت عليه البشرية، قبل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)،
وإلى ما آلت إليه بعد رسالته، تعطي أوضح شاهد على ثبوت ذلك، وأن أثر التربية
النبوية على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان كبيراً، حيث عايش الصحابة
دون أن يكون بينه وبينهم حجاب، وكان يخالطهم في المسجد والسوق والبيت والسفر والحضـر،
وكانت أفعاله وأقواله محلّ عناية وتقدير، وكان(عليه الصلاة والسلام) محور حياتهم
الدينية والدنيوية([39]).
وما
من شك في أن تربية الرسول عليه الصلاة والسلام قد أسهمت– بفاعلية لا مثيل لها– في
بناء الجيل القرآني الفريد من أصحابه، هذا الجيل الذي لم يتكرر في التاريخ([40]).
إن الاقتداء بالرسول(عليه الصلاة والسلام) مطلب
شرعي، وينبغي أن يكون كاملاً، يشمل جميع مجالات الحياة، بما فيها التربية
والتعليم، وذلك من منطلق أن الدين الإسلامي - بطبيعته- نظام شامل، يتناول جميع
مظاهر الحياة الفكرية والاعتقادية والخلقية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية
والسياسية...إلخ.
وخروجاً
من حالة التخبط واللاوضوح الذي أصاب التربية في عالمنا العربي والإسلامي، وسعياً
إلى التربية المهتدية، وحتى نتجنّب التجارب الفاشلة في تربية النشء المسلم، كان لا
بدّ من الرجوع إلى سنّة الرسول عليه الصلاة والسلام، ففيها كلمة الفصل في التربية،
كما في القرآن الكريم. وهذا ما يفهم من خلال التوجيه النبوي الشـريف: ((يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ
فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا: كِتَابَ اللَّهِ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ))([41])،
وما عدا المصدران الأساسيان –القرآن الكريم والسنة النبوية- هناك مصادر أخرى يمكن
الاستفادة منها في التربية، مثل: الاجتهاد. وذلك لأن المفكرين المسلمين قدّموا- على
مرّ التاريخ - اجتهادات في الميدان التربوي، تعدّ مصدراً هاماً، خاصة فيما يتعلّق
بتفسير القرآن، وشروح السنة. ولا شك أن هذا يمثل قطاعاً تربوياً، نظرياً على
الأقل، يشتمل على قواعد ومبادئ، تمثّل تراثاً فكرياً كبيراً، يمكن اعتباره مصدراً من
مصادر التربية الإسلامية .
وما
من شك في أن التراث التربوي الإسلامي، الذي توصّـل إليه الرعيل الأول من المجتهدين،
كان تطبيقاً لأساسيات التربية الإسلامية، ومفاهيمها، وأهدافها، وقيمها، ومبادئها،
التي وردت في الكتاب والسنة، بما يتناسب مع حاجات المسلمين، ومتطلباتهم، في تلك
الأزمنة .
وبناءً
على ما تقدم، لا يمكن غضّ الطرف عن التراث التربوي الإسلامي الشامل، والغني، في
مجال الفلسفة التربوية، والمناهج، وإعداد المعلم، والمتعلم، الذي شارك في إنتاجه
علماء الكلام، والفلاسفة، والفقهاء، وغيرهم([42]).
المطلب
الثاني: دور التربية الإسلامية في الحدّ من ظاهرة الإرهاب .
الفرع
الأول: دور المؤسسات التعليمية في مواجهة الإرهاب:
أولاً:
دور المؤسسات التعليمية: عندما يراد لمجتمع أن يتوجّه
لفكرة ما، يبدأ القائمون على الفكرة بخطوات عدة لتحقيق رؤيتهم وترسيخها في المجتمع.
ومن أبرز الخطوات لترسيخ الأفكار التي منها تنبثق الأفعال؛ لا بدّ من التوجه
للمناهج التعليمية في كافة المستويات الدراسية، لأن من خلالها تصل الأفكار إلى كل
بيت، في مدر أو وبر، وكل فرد من أفراد المجتمع.
فلا
يقل دور المؤسسات التعليمية عن دور الأسرة، ودور الإعلام، حيث لا يستثنى أحد، في
هذا العصر، في أكثرية بلدان العالم، من الالتحاق بالمؤسسات التعليمية، ولو لفترة
وجيزة. فالمدرسة هي الحضن الثاني بعد الأسرة، وهي مكان مخصص لبناء جيل المستقبل،
خاصة في فترة الطفولة، لكونها فترة هامة من فترات حياة الإنسان. فما يتعلّمه الطالب
في المدرسة، ينعكس على تصرفاته ورؤيته بعد أن يخرج منها، وكما يقول أحد المفكرين:
فتح مدرسة بمثابة غلق سجن([43]).
ولا
يوجد دين ومنهج، مثل الإسلام، قدّس العلم والتعليم، وعظّم من شأنه. ومع أن الإسلام
يؤكد كثيراً على قيمة المساواة في كل شيء؛ إلا في باب العلم، فيقرّ بأن لا مساواة
بين عالم وغير عالم، كما في قوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}([44]).
بل وكانت أول آية نزلت، وأول أمر يؤمر به، وأول
سلاح يتسلح به رسول الله محمد(صلى الله عليه وسلم)، في معركته مع الجاهلية، التي
غطّت على كل مفاصل الحياة صغيرها وكبيرها؛ كلمة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}([45]).
فلا تهدم الجاهلية بالمدافع والقنابل والسيوف والرماح، بل بمعول {إقرأ}، وأخواتها.
وتقدّم
الأمم متوقّف على تقدّمها العلمي، وليس على التقدّم في الأسلحة والصواريخ. فإذا
تقدمت الدولة علمياً، أبدعت في وسائل الدفاع، وأرضخت أضدادها وأعداءها، لحاجتهم
لها. فكيف يمكن لدولة تستورد ملابسها وغذائها ومراكبها وبنادقها، بل وحتى حشو تلك
البنادق، وما إلى ذلك..كيف يمكن لها أن تهدد غيرها؟، وأن تستعلي على غيرها؟.
والتقدم
الحضاري الإسلامي في التاريخ لم يكن بسبب قوة جيش المسلمين؛ عتاداً وأعداداً، بل
أوجبت الحضارة الإسلامية، وأخضعت كل أعدائها، الذين جاءوا متسولين على أبوابها،
مغترفين من بحر تقدّمها العلمي، الصحي، القانوني، الفلسفي، والجانب السلوكي
والأخلاقي على رأسها. فبنوا مجدّ الطبّ اليوم على ما أسّسه علماء مسلمين،
واستفادوا من منهج الإسلام الذي بني على قاعدة التجربة والتطبيق. وما نرى من تخلّف
ودمار في الدول الإسلامية يرجع إلى أنهم تركوا المنهج الإسلامي المتكامل، وبقوا متمسكين
فقط بظواهر الأمور، وتركوا حقيقتها، وأهدافها.
ولا
شك أن المناهج التعليمة الصحيحة هي بذور تغرس في نفوس الطلبة حبّ التحدّي
والمثابرة. ولتأثير المناهج الإسلامية، ومؤسساتها، على الفرد والمجتمع، قام المستشـرقون
بالهجوم عليها، واليوم يتآمرون على هذه المؤسسات، ويكيدون لها آلاف المكايد، تحت
مسمّيات عديدة. كما يقول أحدهم: "مع أن الثقافة الدينية التقليدية أصبحت
محصورة في عدد قليل محدود، ومع ذلك كلّه فالمعاهد الدينية نفسها لا تزال قائمة،
ولا يزال حفّاظ القرآن، ودارسوه، كما كانوا، لم ينقص عددهم، ولم يضعف سحر آيات
القرآن، وتأثيرها، على تفكير المسلمين" ([46]).
وعمد
المستعمرون إلى إنهاء دور المؤسسات التعليمية الإسلامية، بالإهمال، والمحاربة،
ووضع معايير لخريجي المدارس، بحيث لا تنطبق على خريجي المؤسسات الإسلامية، ليحرموا
من الاندماج في المجتمع، وتسوء سمعة هذه المؤسسات في المجتمع. ففي تركيا - مثلاً - قام كمال أتاتورك، ومن بعده، بإقصاء
دور التعليم الشـرعي، التي تغذّي القرى والمدن بالأئمة والخطباء، الذين كان لهم
دور بارز في إبقاء روح الإسلام في المجتمع التركي، مع كل الإجراءات الدكتاتورية
التعسفية ضد معالم الإسلام([47]).
ثانيا:
المناهج التعليمية، وعلاقتها بالإرهاب ونشر السلام.
لمّا
وقعت أحداث 11سبتمبر 2001م في الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ الحديث عن مراجعة
المناهج التعليمية، وفرضت على العديد من الدول (كالسعودية، ومصـر، وباكستان)
مراجعة مناهجها التعليمية في معاهد التدريس الديني، لعلمهم بأهمية وتأثير المناهج
التعليمية الدينية([48]).
فهذه المناهج هي التي تشكّل صورة الآخر في الذهن.
ويؤكد
الباحثون أن المناهج التعليمية في الغرب، وخاصة الولايات الأمريكية المتحدة، تشوّه
صورة الإسلام، وتقدّمه كدين دمويّ مبنيّ على العنف والقتال، يبيح العبودية
واستعباد الرجل للمرأة. ولكن لا ترى أصواتاً تطالبهم بوقف هذا الإرهاب الفكري
تجاهنا. ومن جانب آخر، تراهم لا يضيّعون فرصة للمطالبة –وكثيراً ما يكون بصيغة
الأمر- بتغيير المناهج التعليمية التي تتحدث عن اغتصاب اليهود للأراضي الفلسطينية،
وعدم إدراج آيات القرآن التي تلعن اليهود، وتبيّن حقيقتهم، في المناهج([49]).
فالدراسات
وتوصيات الاجتماعات حول التطرف والعنف، تؤكّد على أهمية التوسع في القبول بالكليات
والمعاهد، والاهتمام بالمعلّم، ومراجعة المحتوى المعرفي لبعض المناهج، بما في ذلك
مادة الثقافة الإسلامية التي تدرّس في الجامعات، وربطها بالقضايا الفكرية المعاصرة([50]).
فالمناهج
التعليمية لها دور كبير في مسألة نشـر ثقافة السلام والتوعية ضد العنف والإرهاب
وتقبّل الآخر، فلو تربى الطلبة - الذين هم بالآلاف - على فكرة السلام، لوجدت أنه
يدخل كنسيم الصباح كل بيت، في أقصـر وقت ممكن، فيشمّه الجميع؛ الكبير، والقاعد،
والمرأة، والوالد. ولقد أكدت الدراسات الميدانية التأثير الايجابي للمناهج
التعليمية في قضية السلام، خاصة في الدول المضطربة التي شهدت حروباً طاحنة، وكان
للتعليم دور بارز في تأصيل ثقافة السلام،
وإحلالها مكان ثقافة العنف.
ويشهد
التاريخ، القديم والحديث، والواقع، والدراسات، والإحصائيات، والاستبيانات، كلها،
على حقيقة؛ أن مناهج التعليم هي الأساس لبناء الفكر، بدءاً من الروضة، وانتهاءً
بالجامعة، فتغرس في العقل بذوراً لا تقتلع حتى لو حرق أصحابها. وهذه البذور إما
تكون نافعة صالحة، أو ضارة مضرة.
وعليه،
فإن على الحكومات أن لا تستهين بمسألة المناهج التعليمية، فلبناء المجتمع لا بدّ
أولاً من بناء الذات قبل بناء الأرض. فعمران الأرض يكون لخدمة الإنسان، وتبْنيها
الأيدي والعقول. ومن هنا أرى القيام بما يأتي :
1-
تشكيل لجان متخصصة مستقلة، متكّونة من (تربويين، كُتّاب، فنانين، رسامين، مفكرين)،
تقوم بمراجعة كافة المناهج التعليمية، بدءاً من الروضة، وانتهاءً بالجامعة.
2-
تحديد فترة زمنية لقيام اللجان بدراسة حالات العديد من الدول المتقدمة الآن، والتي
كانت تشهد الحروب قديماً، وخاصة الدول التي لها تقاربات ثقافية واجتماعية معنا.
3-
توعية العاملين في السلك التعليمي بأهمية دورهم في بناء المجتمع، وترسيخ روح
التسامح، وتوطيد الأمن.
الفرع الثاني: كيفية مقاومة التربية الإسلامية للإرهاب:
التربية الإسلامية ضد الإرهاب والتطرف، لأن
الإرهاب يُعطّل الإنسان عن عبادة الله تعالى، وإقامة الشرع الحنيف في الأرض،
وإعمارها بالدين. قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ}([51])،
وتوعّد من أعرض عن ذكره {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً
ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}([52]).
فالتطرف والإرهاب يأتي من المعيشة الضنك التي يحياها الإنسان في الأرض، ويعطّله عن
عبادة الله، ويخرجه عن دين الله الذي ارتضاه لهم سبحانه. وقد وصف الرسول(صلى الله
عليه وسلم)التشدد في العبادة بأنه رغبة عن سنّته:((فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي
فَلَيْسَ مِنِّي))([53]).
فدور التربية الإسلامية في الحد من ظاهرة الإرهاب يكمن
في تكوين المنهج الدراسي للطالب، حيث يهتم بما يربّى عليه الطالب، فتبسط المعاني
الشرعية التي تقي من الوقوع في هذه الاتجاهات الفكرية، وتأثيرها مع العاطفة على
السلوك البشـري، وذلك بترسيخ أن الإسلام دين الحنفية السمحة، ودين اليسر، وبيان
نهي الإسلام عن التشدد في الأمر في غير محله، وتوضيح فقه الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، وإبراز نهي الشـرع عن الغلو في الأمور، وترسيخ أهمية لزوم الجماعة، وخطر
ترك السمع والطاعة لولاة الأمور، في غير معصية الله([54]).
ويكمن أيضاً دور
التربية الإسلامية في تكوين المعلّم الناجح. ويتصف-المعلّم- بالقوة العلمية التي
تؤهله للتدريس، بحيث يفهم المادة، ويُحسن تدريسها، ويوضّح مشكلاتها. وكذلك سلامة
المنهج، بمعنى أن يكون المعلّم على منهج سليم، غير متأثر بالأفكار الداخلية على
مجتمعاتنا الإسلامية، ولا يسير في ركب الجماعات المنحرفة، ويمتاز بحبه لعمله،
وشعوره بالمسؤولية الدينية والوطنية والاجتماعية .
وهذه الصفات
التي أشرنا إليه تندرج تحتها الأمور الآتية، التي على المعلّم أن يراعيها، وهي([55]):
1-مراعاة جانب الإجمال في كلام العلماء؛ بتفصيله وبيانه،
ومراعاة الردّ على الشبه الواردة، والمعاصرة، فإن الإنسان ابن بيئته، شاء أم أبى .
2- مراعاة بيان مسائل الخلاف التي لا إنكار فيها على
المخالف، ومسائل الخلاف التي ظهر فيها الدليل الذي يجب المصير إليه.
3-فتح باب الحوار البنّاء، والتفكير الناقد، في العملية
التعليمية التربوية، وعدم الاقتصار على أسلوب التلقين، والتركيز على هذا المبدأ
الشرعي الهام.
4- تعظيم وإبراز مكانة العلم والعلماء، وبيان صفاتهم
وأحوالهم، حتى يعرف الطالب لمن يرجع عند نزول الفتن، ويتعلم الاستفادة منهم.
5- إبراز القدوة الصالحة، والشعور بالمسؤولية، وعظم
الأمانة الملقاة على عائق المعلّم والمعلّمة.
وأخيراً، دور التربية الإسلامية يكمن في متابعة الأسرة.
فإن البيت، والأسرة، بيئة ونظام اجتماعي، لا بد أن يعطي صورة صالحة لهذه الأفكار،
ولا يُمكن ذلك بدون الأسرة، فلا بد أن تضع يدها بيد المعلّم والمعلّمة، لتجنيب
أولادنا شرّ الأنماط السلوكية المنحرفة الضالة.
ولقد اهتم الإسلام بالأسرة أشد الاهتمام، فأوصى وأمر
بأعمال قبل تكوينها، وخصها بأحكام بعد تكوينها، ولن تجد وصفاً أبلغ وأدق - مهما
تفكرت- من هذا الوصف؛ حيث يقول الله -
سبحانه - عن الهدف الأساسي لتكوين الأسرة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ
مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ
مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}([56])،السكون
ضد كل حركة واضطراب نفسـي، أو جسمي، أو ذهني. والإرهاب حركة مضطربة شرسة، ملتهبة،
فتكون الأسرة سفينة النجاة للفرد بين الأمواج المتلاطمة المتهيجة في بحر الإرهاب،
فتوصله إلى بر الأمان، حيث تسكن فيه الأمواج، وتقف عاجزة، وكذلك تسكن بالزواج
غرائز الإنسان الشريرة، وتتوقف عن إنتاج المزيد منها.
وأهمية الأسرة
ترجع إلى أن أكثر القيم تتكون لدى الإنسان قبل أن يتجاوز السابعة من عمره. ولهذا
يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): ((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ،
فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ،...))([57])،
فالوالدان هما المسؤولان الأولان عن بناء الطفل، وعقليته، وعقيدته، وقيمه، ونظرته
للحياة.
ولقد أثبتت الدراسات أن الأسرة لها علاقة وثيقة
بالعمليات الإجرامية، وتكوين شخصية المجرم على مرّ التاريخ، فالأسرة المتصدّعة
والمضطربة المتفككة، يخرج منها المجرمون والسجناء. ففي دراسة في سنة 1939م – 1949م،
على (500) نزيل في إصلاحية (ماستثوسس) في الولايات المتحدة الأمريكية، ظهر أن
حوالي 60% من نزلاء السجن جاءوا من أسر متصدعة([58]). وفي دراسة
أخرى، حول الوضع الأسري لمجموعة من المنحرفين، وجد أن 42.5% منهم جاءوا من أسر
متفككة([59]).
وفي دراسة على (150) نزيلاً من قسم الإصلاح الاجتماعي للكبار في نينوى –العراق،
تبيّن من نتائج البحث أن 50% من المسجونين ذكروا بأن طبيعة معاملة الآباء لهم تقوم
على الإهمال، و23.3% منهم عوملوا بقسوة، في حين أن 26.7% فقط كانت طبيعة معاملة
الآباء لهم تتسم بالحب والعطف([60]).
والإحصائيات تقول إن 80% من جرائم القتل، في الولايات الأمريكية المتحدة، جرائم
عائلية، وتكشف أنه في كل 18 دقيقة تتعرض امرأة للضـرب، وأن أخطر مكان بالنسبة
للمرأة هو بيتها، وأنّ أخطر عدو لها هو زوجها، أو حتى عشيقها([61]).
ويقول عالم نفسٍ: "عندنا جيل كامل من الأولاد الذين
يعانون من الإهمال، فالولد يعود من المدرسة فلا يجد أحداً في البيت، وهذا الإهمال
الاجتماعي يزيد من التوجه العنفي"([62]).
ولو حلّلنا شخصيات المتطرفين والمتشددين في التاريخ، القديم والجديد، لوجدنا
أكثرهم أناساً محرومين من العطف الأسري، وينتمون لأسر متشتة. وهكذا كانت الأسرة - ولا
تزال - هي محور عمارة هذه الأرض، ومصدر حضارتها وتقدّمها المستمر([63]).
والأرقام حول العنف الأسري رهيبة، فقد ذكر الخبير الدولي
بمناهضة العنف ضد الأطفال بالأمم المتحدة (باولو سيرجيو بينيرو)، أن هناك 40 مليون
طفلاً يتعرّضون سنوياً للعنف، وسوء المعاملة، في الأسرة، والمدارس، والشوارع!([64]).فبناء
الشخصية يبدأ من الأسرة، وتتحقق لها الحماية من الغلو والتطرف والانحراف([65]).
وأهمية
التوعية الأسرية تكمن في كون الدراسات النفسية تؤكد بأنه يتم بناء شخصية الإنسان بنسبة 80% خلال السنوات
السبع الأولى من عمره، وآخرون يرفعونها إلى 90%، فلم يبق سوى 20 أو 10% من أسس عقلية الإنسان، التي من خلالها يتعامل
مع ما حوله، يتكّون بعد السنوات السبع من عمره، حتى يصل إلى سنّ 18 سنة؛ حيث تكتمل
البرمجة الإنسانية([66]).
وأثبتت الدراسات أنّ الذين يتعرّضون للعنف في الصغر، يمارسونه- بشكل من الأشكال -
في الكبر، وأنه كلما تقلّص العنف في الأسرة، تقلّص في المجتمع، وكلما زاد في
الأسرة، تضاعف في المجتمع .
فالنصوص الشـرعية، والقانونية، والدراسات العلمية، تؤكد
أن أهم فترة، وأخطرها، هي فترة الطفولة. فلو غرس في عقلية الطفل حبّ الخير والسلم،
وكرّه إليه الشـر والتعدي والقتل، لانطبعت هذه الأفكار في ذهنه، وسيتفاعل معها في
حياته اليومية، ويكون من الصعب جداً لجوؤه إلى خيار العنف في تحقيق مطامعه، ونشـر
أفكاره. ولقد اهتمت الاتفاقيات، والقرارات، الدولية والإقليمية، عند معالجتها
لقضايا الإرهاب، بقضية الأسرة، ففيها يكتسب الإنسان اتجاهاته، ومواقفه الأساسية،
إزاء نفسه، وإزاء الآخرين([67]).
فالتوعية تكون بمثابة درع حصين أمام الغزو الفكري، ومن أهم الطرق والوسائل التي
نغرس، من خلالها، بذور الخير في أذهان الأطفال. وتكون التوعية من خلال ما يأتي:
تنمية الحب الأسري: فالحبّ يستبدل ثقافة العنف بثقافة
السلم. ويجب على الوالدين أن لا يستهينوا بأمر إشباع الحاجات الأساسية لأولادهم،
وفي مقدمتها حاجة (الحب). فالأسرة المتماسكة بالحب، لن تهدم، وبدونه لن تتماسك.
فعلى الوالدين التعامل مع الأولاد، وخاصة عند الخطأ، بحكمة وعقلانية، وحب وحنان،
لا بعنف وعدوان. وعليهم غرس قيمة كرامة الإنسان، وحرمة دمه، وأنّ أغلى ما يملكه
الإنسان نفسه التي بين جنبيه، وغرس الاستشعار بنعمة الأمن والاستقرار، وتقبيح صورة
المخرّب والقاتل والمجرم، وغرس حب الوطن والولاء له، فمن أحب وطنه لا شك أنه سيصعب
عليه الانخراط في الخطط التدميرية للمجتمع. وكل ذلك من خلال قراءة وشرح الآيات والأحاديث الواردة في
ذلك، ومن خلال قصص مستهدفة، خاصة قصص ما قبل النوم، ومن خلال الموعظة الحسنة،
والوصايا الأبوية، وبيان الوجه الصحيح للإسلام والمسلمين، بأنه دين الأمن والأمان،
والسلم والسلام، والحب والحنان، والعفو والغفران، وسلامة الصدر، وحفظ اللسان،
فالمسلم رحمة، وخالقه كتب على نفسه الرحمة، ودينه رحمة، ورسوله رحمة، ورسالة الله
التي يحملها رحمة([68]).
المطلب الثالث: المنهج الإسلامي في رعاية الشباب وتلبية
حاجاتهم .
إن الإسلام دين كامل شامل، دين ارتضاه الله رب العالمين
منهجَ حياة لجميع الناس. قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}([69])، وفيه أنواع عدة من الخصائص التي تجعله منهجاً صالحاً
لكل مكان وزمان، ومن يعرض عنه ويستبدله بمناهج أخرى من صنع البشر، فلن يجد إلا
الضلال والشقاء والتعاسة، في الدنيا قبل الآخرة، كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ
غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ
الْخَاسِرِينَ}([70])،
ويقول أيضاً: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا
وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}([71])،
الضنك أي: في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشـراح لصدره، بل صدره ضيّق، حرج،
لضلاله، وإنْ تنّعم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء([72]).
وأستطيع أن أجزم، أنه لا يوجد منهج على وجه الأرض مثل
المنهج الإسلامي، في رعاية الشباب، وتلبية حاجاتهم. فلقد أولى الإسلام رعاية
كبيرة، وعناية بالغة، بالشباب، من حيث تربيتهم وتنشئتهم على الخير والصلاح،
وحمايتهم ووقايتهم من الشر والفساد.
فتربية الشباب على أساس الإيمانِ، والخُلقِ الحسَن،
والدعوةِ إلى الله، والأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكرِ، والشجاعة والجرأة على
قولِ الحقِّ، والتسامح وقبول الآخر، من واجب الآباء والأمَّهات، وهي مسؤولية رجال
التعليم والتربية، في المدارس والمعاهد والجامعات؛ فبتربيتهم يتحقَّق الخيرُ للأمة
الإسلامية؛ لأنهم طاقةُ الأمة الحيوية المتجدِّدة، وثروتها الحقيقية، التي من خلالها تستطيعُ
تجاوز المراحل الحرِجة التي تمر بها.
ولقد اهتم ديننا الحنيف أعظم اهتمام بالشباب، واعتنى بهم
أكرم عناية. فقد عرض كتاب الله لمراحل حياة الإنسان، واعتبر مرحلة الشباب مرحلة
البأس والقوة، فقال تعالى:{اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ
جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ
الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}([73]).
كما بيّن القرآن الكريم بأن الشباب هم الفئة الواعية، التي تسارع إلى دعوة الخير
والحق، وإلى محاربة الرذائل والنقائص، في كل زمان ومكان، متى كانت هذه الفئة على
صلة بربها، مرتبطة به. وقد ضرب الأمثلة على ذلك بالأنبياء(عليهم السلام)، وفي
مقدمتهم إبراهيم الخليل، عندما أعطى المثل لقومه في الدفاع عن الحق، ونكران
الباطل، فتصدى - وهو في ريعان شبابه - لكشف زيف وضلال ما يعبدونه من أصنام، حينما
ألقوه في النار التي انقلبت برداً وسلاماً عليه. قال تعالى: {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ
الظَّالِمِينَ ، قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ
، قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ،
قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ، قَالَ بَلْ
فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ}([74]).
وكذلك كان الأمر مع شباب الإيمان من الأنبياء والمرسلين، مثل: لوط، وإسماعيل،
ويوسف، وموسى (عليهم السلام)، في القصص الرائعة التي أوردها القرآن الكريم، دليلاً
قوياً على مسارعة الشباب إلى نصـرة دعوة الحق، والدفاع عنه. إلى أن نصل إلى رسولنا
الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي كان في شبابه القدوة الصالحة، والأسوة
الحسنة، والنموذج الحي، لكل من يريد الحياة الفاضلة، بعيداً عن اللهو والمجون،
متصفاً بالمروءة والصدق، متمسكاً بالشـرف والفضيلة، حتى لقب بالأمين والصادق (عليه
الصلاة والسلام).
لقد رعى الإسلام مرحلة الشباب حق رعايتها، وخصّ الرسول
الكريم الشباب بما لم يخص به فئة أخرى. لقد كان عبد الله بن عباس ردف رسول الله
على راحلته ذات يوم، وكان شاباً حدثاً، وأراد أن يفتح له طريق التقدم والتفوق،
فرسم له، ولشباب المسلمين، الخطوط الأساسية التي تعتبر المثل الأعلى له، حتى يكون
قوياً مجداً، مؤمناً مفيداً، ولا يكون إمّعة متواكلاً متخاذلاً، وقد خاطبه المصطفى
قائلاً: ((يَا غُلاَمُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ
يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ...)) ([75]).
لقد كان الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وخلفاؤه من بعده، يخصّون الشباب بالتوجيه
الدائم، والعناية المستمرة، ويوجهونهم نحو الفقه في الدين، ويعلّمونهم أدب
الإسلام، ويرشدونهم إلى التقوى والعمل الصالح، بما يفيدهم ويفيد أمتهم. يقول
الرسول (عليه الصلاة والسلام) مخاطباً الشباب: ((يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ
اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَـرِ،
وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ
لَهُ وِجَاءٌ))([76]).
كما كان (صلى الله عليه وسلم) يتعّهدهم بالتعليم والتربية، والتهذيب والتوجيه، فقد
روى الإمام البخاري عن عمر بن أبي أسلمة قال: كنت في حجر رسول الله (صلى الله عليه
وسلم)، وكانت يدي تطيش (تتحرك) في الصحفة (الإناء)، فقال لي: ((يَا غُلاَمُ، سَمِّ
اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ..)([77]).
وهناك أمثلة كثيرة في السيرة،
والجيل الأول، حول رعاية الشباب، وتلبية متطلباتهم .
لذلك كان شباب المسلمين نموذجاً للشباب في تاريخ أمتنا، بما
توفّر لهم من توجيه كريم، وتربية وتنشئة، وأسوة صالحة، مما حافظ على شخصيته وهويته
ومكانته. وآية ذلك أن أغلب فتوح الإسلام قامت على أكتاف الشباب، الذين كانوا
قادتها وفرسانها، كما كانوا في مقدمة الدعاة والسفراء، وفي مقدمة شيعة الرسول،
وأنصاره، حتى عدّ الرسول الأكرم الشاب الناشئ في طاعة الله من السبعة الذين يظلّهم
الله في ظلّه يوم القيامة.
فالتربية الإسلامية الصحيحة للشباب، هي العاصم للمجتمع من الانحراف والزيغ، والضلال والرفض، ومختلف الظواهر التي تعاني منها المجتمعات المعاصرة، وخاصة الأفكار الضالة والمنحرفة، مثل الإرهاب والتطرف، ولا سيّما باسم الدين.
فالتربية الإسلامية الصحيحة للشباب، هي العاصم للمجتمع من الانحراف والزيغ، والضلال والرفض، ومختلف الظواهر التي تعاني منها المجتمعات المعاصرة، وخاصة الأفكار الضالة والمنحرفة، مثل الإرهاب والتطرف، ولا سيّما باسم الدين.
فالشباب في كل
عصـر ومصـر وجيل، رصيد الأمة، وعمدتها، وعنوان مستقبلها، ورأس مالها العظيم، ومعقد
آمالها، وكنزها الذي لا يفنى ولا يبلى، بشرط الاهتمام بهم، وتربيتهم تربية صحيحة،
من قبل الآباء والأمّهات والمربّين والدعاة والمصلحين، ومختلف الجمعيات والهيئات
والأمم والدول، والتخطيط لتكوينهم وتوجيههم ورعايتهم، وإعدادهم للمشاركة في الحياة
العامة، وبناء صرح الأمة الحضاري.
وأخيراً، أستطيع
القول إن الشباب أصبح اليوم سلاحاً ذا حدين، إنْ أحسنّا رعايتهم وتربيتهم تربية
صحيحة، فسيرجع بهم الخير والقوة للأمّة جميعاً ، وإن لم نحسن ذلك، فسوف تكون
النتائج وخيمة، وعكسيّة.
الخاتمة
أحمد الله
سبحانه وتعالى على توفيقه وعونه لي على إتمام هذا العمل المبارك، وأرجو من الباري
عز وجل أن يتقبله مني، ويجعله في ميزان حسناتي يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا
بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وإن ممّا تعارف عليه الباحثون، في نهاية بحوثهم،
تسجيل النتائج المستخلصة من دراستهم، وجعلها مسك الختام لها.
وجرياً مع هذا
التقليد العلمي المتّبع، يطيب لي أن أدوِّن أهم النتائج التي يمكن تسجيلها من هذه
الدراسة لموضوع (التربية الإسلامية، وأثرها في وقاية الشباب من تبنّي الأفكار
الإرهابية). ويمكن تقسيمها إلى فقرتين: الأولى في الاستنتاجات، والثانية في
التوصيات.
أولاً: الاستنتاجات .
1-
الإرهاب هو ترويع الآمنين، وتدمير مصالحهم، ومقوّمات حياتهم، والاعتداء على
أموالهم وأعراضهم وحرياتهم وكرامتهم الإنسانية، بغياً وإفساداً في الأرض، وبشكل
منظم ومدبر. وهي ظاهرة قد استفحلت، واكتوى بنيرانها القاصي والداني. والإرهاب لا
دين له، ولا وطن، ولا تحدّه حدود، وهو التحدي الكبير أمام البشـرية والإنسانية
جمعاء.
2-التطرف
والإرهاب الديني ظاهرة شاذة، وموجودة لدى جميع الأديان والشـرائع السماوية السابقة،
فهي موجودة عند اليهود، كما عند النصارى. فهي ظاهرة عالمية مشتركة، تشترك بها شعوب
الأرض جميعاً، وليست حكراً على العالم الإسلامي فقط، بل هي قديمة قدم التاريخ،
فمنذ أن وجدت البشـرية وجد الإرهاب والعنف والتطرف، ولكن صوره، في كل زمان وأوان،
قد تختلف عن سابقتها. والأعمال الإرهابية بصفاتها اليوم؛ من قتل المواطنين الآمنين،
وترويعهم، وتدمير القرى والبلدان، أعمال ترفضها الفطر السليمة، والديانات السماوية،
والأعراف الدولية.
3-
علاج التطرف والإرهاب لا يمكن من جانب واحد ، بل لا بد من حقن فايروس الإرهاب
بجرعات متعددة، وبتدرج واستمرار .
4-
إن مشكلة الإرهاب تتطلب من المؤسسات الفكرية، والاجتماعية، والتربوية، والعسكرية،
جهوداً متضافرة، للعمل على مواجهتها. ومن الخطأ الاعتماد فقط على المؤسسة
العسكرية، لأنها لا تجدي نفعاً، ولا تصلح، كما نرى الجهود الكبيرة، والمبالغ
الباهظة، التي تبذلها الدول في سبيل تعزيز أجهزتها الأمنية، سعياً لوضع حدّ لظاهرة
الإرهاب. حيث يمكن أن تحقق نتائجها بشكل أكبر، بتضافر الجهود مع المؤسسات الأخرى،
وخاصة ترسيخ مفهوم الحماية الفكرية لدى جيل الشباب، لأن الشباب في كل أمة عماد
نهضتها وشرايينها التي تقوم عليها، وهم رجال المستقبل المنتظر، إذا ربّوا على
المنهج الوسطي الصحيح، لا إفراط ولا تفريط فيه.
5-
يجب تجفيف منابع إعلام المنظمات والجماعات الإرهابية بشكل عام، لأنهم استفادوا
كثيراً من التقدم العلمي وثورة الاتصالات والإعلام، والانتقال من مكان إلى مكان،
وثورة التكنولوجيا والمعرفة، في عملياتها الإرهابية.
6-
منهج الإسلام منهج كامل شامل لحياة الفرد والأسرة والمجتمع، لم يدع شاردة ولا
واردة يحتاج إليها البشر، لتنظيم حياتهم الدينية والدنيوية، إلا وجدوا فيها ما ينظّمها،
ويبيّن حكمها، وفائدتها أو مضرّتها، ولا سبيل لسعادتهم وأمنهم وعزّهم، إلا أن
يعودوا إلى المنهج الرباني .
7-
التربية الإسلامية تسعى إلى تنمية جوانب الشخصية الإنسانية، لترقى هذه الشخصية إلى مستوى يمكّنها
من تطبيق الإسلام في المجتمع، بما يكفل ازدهار الدنيا، وسعادة الآخرة، لأنها منهج
كامل للحياة، ونظام متكامل للتربية، ورعاية النشء، وتحرص على الفرد، والمجتمع،
وعلى الأخلاق الفاضلة، والقيم المادية والروحية الرفيعة، وتوازن بين الحياة الدنيا
والحياة الآخرة. وتقوم التربية الإسلامية على أُسس تعبدية وأسس تشـريعية، بما يضمن
السعادة في الدنيا والآخرة .
8-
إن تربية الفرد بالعلم النافع كفيلة بجعل الإنسان ذي فطرة سليمة، يستقيم على صراط
الله، ينفع نفسه، وينفع الناس، ولا يضرهم. وهو الهدى الذي أنزله الله تعالى على
رسوله محمد( صلى الله عليه وسلم)، لتسعد به البشرية في الدنيا والآخرة.
9-
هناك تفكّك وتناقض في أدوار المؤسسات التربوية، في أغلب الدول الإسلامية، فنجد
البيت بعيداً عن دور المؤسسات التعليمة، ووسائل الإعلام أصبحت - على الأغلب - أداة
هدم ما تبنيه المدرسة والبيت، ممّا خلق تناقضاً في سلوكيات المتربين، وتشويشاً في
أفكارهم، وتصرفاتهم .
10- لا شك أن التربية الإسلامية هي ضد الإرهاب والتطرف،
لأن الإرهاب يُعطّل الإنسان عن عبادة الله تعالى، وإقامة الشـرع الحنيف في الأرض،
وإعمارها بالدين. وأن التطرف والإرهاب ظاهرة مرفوضة، خاصة إذا كان باسم الدين، لأنه
شوّه صورة الإسلام، بل خطفها، والذين يحاولون إلصاقه
بالإسلام، وأتباعه، هم خصوم الإسلام، الذين يحاولون تشويهه في الداخل والخارج،
والإسلام بريء منه براءة الذئب من دم يوسف.
11- دور التربية الإسلامية في الحدّ من ظاهرة الإرهاب، يبرز
في تكوين المنهج الدراسي للشباب، حيث يهتم بما يربّى عليه الشباب، وينسجم مع
ميولهم وعواطفهم. فتبسط المعاني الشرعية التي تقي من الوقوع في هذه الاتجاهات
الفكرية، وتأثيرها مع العاطفة على السلوك البشري، وذلك بترسيخ أن الإسلام دين
الحنفية السمحة، ودين اليسـر، وبيان نهي الإسلام عن التشدد في الأمر في غير محله، وتوضيح
فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
12- ويكمن أيضاً دور التربية الإسلامية في تكوين المعلّم
الناجح، الذي يتّصف بالقوة العلمية التي تؤهّله للتدريس، بحيث يفهم المادة، ويُحسن
تدريسها، وتوضيح مشكلاتها، وكذلك سلامة المنهج. بمعنى أن يكون المعلّم على منهج
سليم، غير متأثر بالأفكار الدخيلة على مجتمعاتنا الإسلامية، ولا يسير في ركب
الجماعات المنحرفة، ويحبّ عمله حبّاً جمّاً، ويشعر بالمسؤولية الدينية والوطنية
والاجتماعية .
13- المنهج الإسلامي في رعاية الشباب، وتلبية حاجاتهم،
منهج فريد، لا يوجد مثله على وجه الأرض قاطبةً، من حيث الاهتمام بالشباب، وتلبية
حاجاتهم، في مختلف المجالات؛ من حيث تربيتهم، وتنشئتهم على الخير والصلاح،
وحمايتهم، ووقايتهم من الشر والفساد.
ثانياً:
التوصيات.
1-
إنشاء مركز لبحوث مكافحة التطرف والإرهاب، يضمّ أعضاء من مختلف الأقطار الإسلامية،
من ذوي الكفاءة والخبرة الشرعية والقانونية، ويُلحق بإحدى المنظمات الإسلامية
الكبرى، كمنظمة المؤتمر الإسلامي، ليكون مرجعاً للدول الأعضاء في مناهضة التطرف
والإرهاب، ومكافحته، وتوفير الدعم المادي والمعنوي اللازم له، لقيامه بواجباته على
الوجه المطلوب.
2-
ضرورة تعاون كافة مؤسسات المجتمع المدني في مواجهة ظاهرة الإرهاب الخطيرة. فلا
يمكن القضاء على هذه المشكلة المتشعبة من خلال مؤسسة دون أخرى، بل لا بد من تعاون
جميع مؤسسات المجتمع، للقيام بالدور الوقائي. وفي مقدمة هذه المؤسسات تأتي الأسرة،
ثم المدرسة، ثم المسجد، ثم المؤسسة العسكرية، والأمنية، ثم باقي المؤسسات، حتى
يتسنّى مواجهة هذه الظاهرة.
3-
العمل على تحصين فكر وعقول الشباب المسلم بالفكر الإسلامي النيّر الوسطي، الذي ينمّي
فيهم الخير، ويزرع في نفوسهم المحبة والولاء، وفق القيم الإسلامية الصحيحة، وينشر
الوعي الديني البعيد عن الغلو والتطرف بينهم.
4-
من الضـروري جداً المراجعة المتواصلة لسياسة التعليم، في المؤسسات التربوية
والتعليمية، في ضوء مستجدات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية،
حتى نحصل على مخرجات تتناغم وتنسجم مع أسس التربية في سياسة التعليم.
5-
ضرورة مراجعة مادة مقررات التربية الإسلامية، في معظم البلاد الإسلامية، وصياغتها،
وتجديدها، لأن المادة الموجودة الآن تؤدي إلى الجهل بالدين، والبعد عن التمسّك
بالشريعة الإسلامية.
6-
فتح أقسام دراسية جديدة في كليات الشـريعة والعلوم الإسلامية، هدفها معالجة مشاكل
الواقع المعاصرة، ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة لها في ضوء الإسلام.
7- نشر الثقافة الإسلامية الوسطية في مختلف
الكليات، والمعاهد، ودور العلم.
وأخيراً، فإني أتضرّع إلى الباري عز وجل أن
يزيل الغمّة عن المسلمين، وأن يرفع المحنة عنهم، وأن يصلح جميع أحوالهم، وأن يوحّد
كلمة المسلمين، ويجمع شملهم على الإسلام وتطبيق الشريعة الإسلامية .
والحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات، وتخلص
النيات، وتربو الأعمال، وتصدق الآمال، والصلاة والسلام على رسولنا محمد (صلى الله
عليه وسلم) وآله وصحبه والتابعين .
المصادر والمراجع
القرآن الكريم .
1. الإرهاب التشخيص
والحلول، عبد الله بن بيه، وزير العدل الموريتاني سابقاً، سلسلة محاضرات الفكر
الإسلامي، المجمع الفقهي الإسلامي، جدة.
2.
الإرهاب
جذوره-أنواعه- سبل علاجه، أبحاث ندوة مكافحة الإرهاب، لندن، 2004م.
3.
الإرهاب والسلام، المجمع الفقهي الإسلامي (الهند)،
دار الكتب العلمية –بيروت، ط 1، 1427هـ-2007م.
4.
الأساليب
والوسائل التقنية التي يستخدمها الإرهابيون وطرق التصدي لها ومكافحتها، محمد فتحي
عيد، الرياض،1422ه -2001م.
5.
أصول
التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، عبد الرحمن النحلاوي، دار
الفكر، دمشق، 1979م.
6.
بيان مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر بشأن ظاهرة
الإرهاب 1422هـ، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م.
7.
تأثير
الغزو الثقافي على سلوك الشباب العربي، إحسان محمد الحسن، أكاديمية نايف العربية
للعلوم الأمنية، الرياض، 1419هـ.
8.
التربية
الإسلامية، د.وليد رفيق العياصرة، دار الميسـرة، عمان، ط1، 1431هـ-2010م.
9.
التربية
الإسلامية أصولها ومنهجها ومعلّمها، عاطف السيد. (نقلاً عن المكتبة الشاملة،
الإصدار السادس).
10. التربية الإيمانية وأثرها في تحصين الشباب من
الانحراف، سعيد بن فالح المغامسي، دار العلوم والحكم، سوريا، 1424هـ .
11. تفسير القرآن العظيم، لإسماعيل بن عمر بن
كثير الدمشقي، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر، ط2، 1420هـ - 1999م.
12. الجامع الصحيح، مسلم، أبو الحسن مسلم بن
الحجاج القشيري(ت 261هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الجيل، بيروت.
13.
الجامع المسند الصحيح، البخاري،
محمد بن إسماعيل (ت 256هـ)، تحقيق: محمد زهير بن ناصر، دار طوق النجاة، ط1، 1422هـ- 2001م.
14. جرائم العنف وأساليب مواجهتها في الدول
العربية، عباس أبو شامة عبد المحمود، الرياض، 1433ه-2012م.
15. الحركات الأصولية الإسلامية في العالم العربي،
د. رضوان أحمد شمسان الشيباني، مكتبة مدلوبي، القاهرة، ط1، 2005م.
16.
دور
التربية في مكافحة التطرف والإرهاب، د. محمد بن عمر بازمول. الرابط .minhajnobowa.net
17. السنن البيهقي الكبرى، أبو بكر أحمد بن
الحسين البيهقي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط3،
1424هـ- 2003م.
18.
سنن الترمذي، محمد بن عيسـى
بن سورة، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط2، 1429هـ-
2008م
19. الشباب القطري اهتماماته وقضاياه، علي ليلة،
جامعة قطر، الدوحة، ط1، 1411هـ.
20. الصحاح تاج
اللغة، إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطا، دار العلم للملايين،
بيروت، ط2، 1979م.
21. الصحاح في اللغة والعلوم، نديم مرعشلي وأسامة
مرعشلي، دار الحضارة العربية، بيروت، ط1، 1974م.
22. صناعة الإرهاب،
الدكتور عبد الغني عماد، دار النفائس، الأردن، ط1، 1423هـ -2003م.
23. طرائق تدريس التربية الإسلامية، د.ناصر أحمد
ويحيى إسماعيل عيد، مكتبة الفلاح، الكويت، ط2،
1424هـ- 2003م.
24. الطلاق وأثره في الجريمة دراسة تحليلية
تطبيقية، صالح بن سليمان، رسالة ماجستير في العدالة الجنائية، جامعة نايف، الرياض،
1429هـ-2008م.
25. العنف الأسري، كاظم الشيب، المركز الثقافي
العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2007.
26.
العوامل
الأسرية للجريمة - دراسة ميدانية، عبد الله مرقس رابي، مجلة الرافدين، العدد (24)، www.alukah.net
27. عوامل التطرف والغلو والإرهاب وعلاجها في ضوء
القرآن والسنة، خالد عبد الرحمن العك، دار المكي، دمشق-سورية، ط3، 1430ه-2009م.
28. العولمة والشباب من منظور اجتماعي ، محمد سيد
فهمي، دار الوفاء، الإسكندرية، ط1 ،2007م.
29. فقه الأسرة، أحمد علي طه ريان. الرابط http://shamela.ws/
30. في اجتماعيات التربية، د.منير سرحان المرسي،
دار النهضة، ط3، 1981م.
31. القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي،
مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1426هـ - 2005 م.
32. لسان العرب، ابن منظور، دار إحياء التراث، بيروت،
ط3، 1414 هـ .
33. مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، مكتبة
وهبة، القاهرة ، ط5، 1401هـ- 1981م.
34. مدخل إلى التربية الإسلامية وطرق تدريسها، عبد
الرحمن صالح وآخرون، دار الفرقان، الأردن، ط1، 1991 .
35. المسند، أحمد بن محمد ابن حنبل (ت 241هـ)، تحقيق:
شعيب الأرنؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1420هـ- 1999م .
36. مشكلة الغلو في الدين في العصر الحاضر
الأسباب-الآثار-العلاج، عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1420ه-1999م.
37. معالم في الطريق، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة
، ط1.
38. معجم اللغة
العربية المعاصرة، د أحمد مختار ، عالم الكتب، القاهرة، ط1، 1429 هـ - 2008 م.
39. معجم الوسيط، إبراهيم مصطفى وآخرون، مكتبة
الشروق الدولية، ط4، 2004م.
40. معجم مقاييس اللغة، ابن فارس الحسين أحمد بن
فارس بن زكريا، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، بيروت،ط1، 1399هـ-1979م
41. مقدمة في التربية الإسلامية، د. محمود خليل
أبو دف، ط3، 1428هـ-2007م.
42. مهارات التواصل مع الأولاد- كيف تكسب ولدك؟
د. خالد بن سعود بن عبد العزيز الحليبي، مركز الملك عبد الله للحوار الوطني، ط1،
1431هـ.
الملخص
إن هذا البحث يعدّ إسهاماً متواضعاً في
دراسة التربية الإسلامية، وأثرها في وقاية الشباب من تبنّي الأفكار الإرهابية، وكذلك
في إطار الاهتمام بشـريحة الشباب، ووقايتهم من الانخراط في الجماعات الإرهابية، أو
تبنّي أفكارهم. وتهدف إلى بيان موقف الإسلام من الإرهاب، وكيفية وقاية الشباب منه،
من خلال التربية الإسلامية الصحيحة، الموافقة للكتاب والسنة، وهي كفيلة في دفع
الشباب للتعليم الذاتي الصحيح، ونبذ العنف والإرهاب، وحلّ المشاكل، التي قد
تواجههم، وتلبية حاجاتهم، وتقييم الأفكار التي ينادي بها عناصر الجماعات الإرهابية،
والتنظيمات المتطرفة، الذين يشوهون الإسلام ليلاً ونهاراً. ولا شك أن أهم أهداف
التربية هو إيجاد الفرد الصالح، النافع لنفسه ومجتمعه وبلده r
Abstract
This is a modest
contribution to the study of Islamic education and its impact on preventing
young people from adopting terrorist ideas or engaging in terrorist groups، as well as caring for young people. This
studyaims at investigating the position of Islam on terrorism and how to
protect young people from it through the correct Islamic education based on
Quran and Sunnah.Islamic education based on Quran and Sunnahurges to push young
people to self-education correct، renounce violence and terrorism and solve
problems that may face them and meet their needs، and assess the ideas advocated by elements of terrorist groups
and extremist organizations that distort Islam day and night.There is no doubt
thatone of the most important goals of education is to find an individual
righteous for himself، his community and his country
([49]) طالب رئيس وزراء إسرائيل(بيجن)، في زيارته لمصر في 25/8/1981م،
حيث قال للرئيس المصري أنور السادات: "إن إسرائيل لا يمكن أن ترضى بأن يستمر
الطلبة في مصر بدراسة كتب التاريخ التي تتحدث عن اغتصاب الأراضي العربية
والإسلامية، وكتب التربية التي تحوي آيات من القرآن تندد باليهود وتلعنهم".
ينظر: الحركات الأصولية الإسلامية في العالم العربي، د. رضوان أحمد شمسان
الشيباني، ص53.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق