07‏/07‏/2021

في الذكرى (152) ليوم الصحافة العراقية.. نبذة مختصرة عن المطابع والصحف العراقية في العهد العثماني

حامد محمد علي

 يرتبط تاريخ الصحافة، في أي بلد، بتطور الطباعة فيها ارتباطاً وثيقاً. وفي العراق ارتبط نشوء الصحافة بظهور المطابع، حيث رافق تأسيس مطبعة ولاية بغداد، في العهد العثماني، صدور أول صحيفة عراقية باسم (زوراء) في (15) حزيران 1869، وهو اليوم الذي تحتفل فيه أسـرة الصحافة العراقية سنوياً..

 بهذه المناسبة وددت أن أشير - ولو باختصار- إلى بدايات نشوء الطباعة والصحافة في العراق، والتي تأثرت - كما تأثر غيرها من جوانب الحياة- بالأوضاع السياسية للبلد عامة.. أرجو أن يكون هذا  المقال بداية لدراسات أوسع وأعمق عن الصحافة العراقية ومراحلها التاريخية وتطورها ومواقفها.

مدحت باشا ومطبعة الولاية وجريدة (زوراء)

يعتبر مدحت باشا واحداً من الولاة العثمانيين المتميزين الذي اشتهر بإصلاحاته الواسعة في العراق.

ويعتبر - بالرغم مما يؤخذ عليه- واحداً من أنشط الولاة في مجالات الإعمار والتطوير، حيث يعتقد الكثيرون أن ما قام به مدحت باشا في العراق من إصلاحات لم يكن بمقدور الدولة العثمانية أن تقوم به خلال قرون. حيث انعكست نتائج هذه الأعمال بوضوح على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للشعب العراقي.

قبل أن يتولى ولاية بغداد، كان مدحت باشا سفيراً لبلاده في (باريس)، وهذا ما جعله يتأثر بمبادىء الثورة الفرنسية، كما تأثر بالنهضة الحضارية التي شهدتها أوروبا عامة، وفرنسا على وجه الخصوص.. وعلى الرغم من أن فترة ولايته لم تكن طويلة، حيث بدأت في 1869، وانتهت في 1872، هذا فضلاً عن عدم توفر موارد مالية كافية لديه، إلا أنه قام بمجموعة من الأعمال والإصلاحات لتحقيق مستوى من التقدم.

ما يهمنا هنا، والذي يعتبر من روائع أعمال مدحت باشا، هو شـراء وتأسيس أول مطبعة في تاريخ العراق، والتي اشتهرت بمطبعة (الولاية)، والأهم من ذلك هو قيام مدحت باشا بإصدار أول صحيفة عراقية في هذه المطبعة، باسم جريدة (زوراء)، التي صدر العدد الأول منها في 15 حزيران 1869، وأغلقت الصحيفة مع احتلال الإنكليز لبغداد عام 1917. عندما تولى مدحت باشا ولاية بغداد في نيسان 1869، كان أول شـيء فكر به هو المطبعة، ولذلك قبل أن يدخل إلى العراق زار (باريس)، واشترى مطبعة آلية حديثة ومتكاملة وجاء بها مع مجموعة من المختصين للإشراف عليها وتشغيلها. كان من بين المتخصصين القادمين مع المطبعة، مهندس فرنسـي تولى بعد ذلك إدارتها، كما كان من بينهم كاتب تركي باسم (أحمد مدحت)، عيّن بعد ذلك رئيساً لتحرير (زوراء).. بالإضافة إلى مطبعة الولاية، جلب مدحت باشا مطبعة أخرى من الخارج، خصصها لطبع منشورات الجيش العثماني في بغداد، وسميت بمطبعة (الفيلق).

استخدمت مطبعة الولاية أنماطاً من الحروف العربية والتركية، بالإضافة إلى بعض الحروف اللاتينية.. وبعد إبعاد مدحت باشا عن ولاية بغداد، عمل الولاة الذين جاءوا بعده من أجل إدامة المطبعة، وتجديد آلاتها، وتوسيع مطبوعاتها.. ففي عهد ولاية (الحاج حسن رفيق باشا1872 -1891) كان في المطبعة سبع مكائن للطبع، إحداها حديثة تعمل بالبخار. وهذا يعتبر تطوراً كبيراً في تاريخ المطبعة.. كما كان عدد المطابع الحجرية في تلك الفترة (أربع) مطابع، وفي فترة ولاية (حازم بك) طرأت على المطبعة عدة تغييرات؛ منها زيادة بعض الآلات و المكائن الخاصة بمراحل الطبع، وتوسيع أعمال المطبعة، وكثرة مطبوعاتها.. واستمرت على هذا الحال حتى انهيار الدولة العثمانية في العراق، واحتلال بغداد من قبل الإنكليز في آذار 1917، حيث جلب الإنكليز  معهم عدداً من المطابع القديمة من (الهند)، وضموها إلى مطبعة الولاية، ثم قاموا بتغيير اسم المطبعة إلى (مطبعة الحكومة)، وأغلقوا جريدة (زوراء)، وأصدروا مكانها صحيفة (العرب)، وعينوا الأب (أنستاس ماري الكرملي) رئيساً لتحريرها.

لقد اعترضت مسيرة مطبعة الولاية خلال 48 عاماً مشكلات وعقبات كثيرة، عرضتها للتوقف عدة مرات.

 

مطبعة ولاية الموصل وجريدة (موصل)

تعتبر مطبعة ولاية الموصل ثاني مطبعة حكومية في العراق، تأسست على يد الوالي العثماني تحسين باشا سنة 1875.

حيث اشترى جميع آلاتها ومكائنها من (الآستانة- اسطنبول) وجاء بها إلى (الموصل). لقد ساعد على تأسيس وتشغيل مطبعة ولاية الموصل، عمال مطبعة (الآباء الدومنيكان). وبعد تأسيس المطبعة أسندت إدارتها إلى مجموعة من الموظفين الحكوميين في الموصل، منهم: (رؤوف الشربتي) و (حسن فائق).

تعتبر جريدة (موصل)، التي صدر العدد الأول منها في 25 حزيران 1885، أهم وأشهر مطبوع لمطبعة ولاية الموصل.. هذه الجريدة كانت تصدر من قبل مؤسسات الولاية، كل أسبوعين مرة، بأربع صفحات، وباللغتين العربية والتركية .

وعلى العكس من جريدة (زوراء)، تميزت جريدة (موصل) بأسلوبها الأدبي الجميل، ولغتها العربية الواضحة، والسبب في ذلك كما يقول (الدكتور إبراهيم خليل)، في كتابه (أربعون عاماً من تاريخ الصحافة الموصلية 1885-1925)، هو أن محرري الجريدة، والمشـرفين عليها، كانوا من خيرة أدباء الموصل، ولم يكن بينهم أتراك. لم يستعمل في طبع جريدة الموصل (الزنكغراف)، سوى في إعداد (تايتل) الجريدة (أي كلمة موصل)، التي كانت تكتب بالنمط النسخي. جريدة موصل كانت تنشـر جميع أخبار الولاية؛ من قوانين، وقرارات، وبيانات، وإعلانات حكومية، وكانت لسان حال ولاية الموصل العثمانية.

مع بدء الحرب العالمية الأولى عام 1914، استولى الأتراك العثمانيون على مطبعة (الآباء الدومنيكان)، وضموها إلى مطبعة الولاية .

وعندما احتل الإنكليز الموصل، في مطلع تشـرين الثاني 1918، أعادوا المطبعة المذكورة إلى أصحابها، وأغلقوا جريدة موصل، وبعد فترة أمر (الكولونيل لجمن) - الحاكم السياسي لمدينة الموصل - بإصدار الجريدة مرة ثانية، ولكن هذه المرة باللغة العربية فقط، وبمضامين جديدة. وعيّن القس (سلمان الصائغ) رئيساً لتحريرها.

بالإضافة إلى جريدة (موصل)، قامت مطبعة ولاية الموصل بطبع مجموعة من الكتب والمؤلفات، منها كتاب (أبهى القلائد في تلخيص الفوائد) للمرحوم (أحمد فائز البرزنجي)، هذا بالإضافة إلى عدد من التقاويم والمطبوعات المتنوعة والكتب المدرسية للولاية.

 

مطبعة ولاية البصرة وجريدة (بصرة)

في عام 1889، وفي عهد الوالي العثماني (هدايت باشا)، تأسست في (البصـرة) أول مطبعة حكومية، من قبل رجل بغدادي باسم (محمد علي جلبـي زاده)، الذي كان رئيساً لدائرة الأملاك السلطانية في البصـرة. اشترى (محمد علي جلبـي) هذه المطبعة على حسابه الخاص، ونصبها في محلة (السيف). ثم حصل على إجازة إصدار جريدة باسم جريدة (بصـرة)، التي صدر العدد الأول منها في آب 1889.

لقد كتبت جريدة (زوراء) في عددها 1402 عن مطبعة ولاية البصـرة، وجريدة بصـرة، وقالت: "تأسست في ولاية البصـرة مطبعة، وتصدر هناك جريدة (بصـرة) بإشـراف الأديب والكاتب المعروف محمد علي أفندي، وباللغتين العربية والتركية". لم تكن مطبعة البصـرة في بداية تأسيسها، تابعة لولاية البصـرة، وعندما ساءت علاقات الوالي (حمدي باشا) مع (محمد علي أفندي) عام 1894، أمر الوالي بتأسيس جريدة بصـرة، التي كانت متممة ومكملة لـ(بصـرة) الأولى. وفي عام 1904 عندما ذهب (محمد علي أفندي) إلى (بيروت)، استولت السلطات في الولاية على مطبعته، وضمتها إلى مطبعة الولاية. وهكذا بقيت المطبعة واستمرت جريدة (بصـرة) تصدر بصورة أسبوعية إلى أن احتلت القوات البريطانية مدينة البصـرة في 22 تشرين الثاني 1914، حيث بسطت يدها على مطبعة الولاية، وجميع المطابع الأخرى، وجعلتها مطبعة واحدة، طبعت بها بعد ذلك جريدة (الأوقات البصـرية)، باللغتين العربية والإنكليزية.

 المصادر :

- أعداد مختلفة من مجلة (الطباعة) العراقية.

- محاضـرات حول تاريخ الطباعة والصحافة في العراق، جامعة بغداد- قسم الإعلام، 1985-1986.

- حضارة العراق- موسوعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق