محمد واني
لم يطرح القرآن الكريم قصة إلا ولها مغزى وحكمة من سـردها بشكل فني مشوق يراعي الحبكة الدرامية فيها بحيث يشد القارئ لمتابعة أحداثها إلى النهاية، ولم تشذ أي من القصص الـ 142 التي قدمها عن الأركان الأساسية الفنية التي يجب توافرها في أي قصة، سواء الطويلة منها (الرواية)، كقصة يوسف، أو القصص القصيرة أو الطويلة عن النبي موسى، أو إبراهيم وأنبياء آخرين.. وكثيراً ما تقدم القصص على شكل حوار شيق واقعي، أو يتخللها الأسلوب الفانتازي (الفنتازيا هي تناول الواقع الحياتي من رؤية غير مألوفة.. وهو معالجة إبداعية خارجة عن المألوف للواقع المعاش.. معالجة خارقة للطبيعة!) مثل قصة سليمان النبي مع الهدهد، وتعامله مع الجن والعفاريت، وكلام النمل، ونقل عرش بلقيس من اليمن إلى الشام أو فلسطين بطرفة عين {قبل أن يرتد إليك طرفك}.
فلندخل في صلب القصة الغريبة التي تتحدث عن عوالم مخفية لنا، ولكنها موجودة في
واقع غير واقعنا وعالمنا، ولها قوانينها ونظم حياتها مثلنا، ولكنها مختلفة وغيبية
لا نعرفها بقدر ما يكشفها لنا ربنا.. أبطال القصة - بالإضافة إلى النبي سليمان،
الذي يدير مملكة الإنسان ومملكة العفاريت والحيوانات-، يبرز دور (الهدهد)، الطائر
الذي يمتلك شخصية قوية جداً، بحيث يقول للملك سليمان: {أحطت بما لم تحط به، وجئتك
من سبأ بنبأ يقين}، أي أنا أعلم ما لا تعلم أنت؛ الملك الذي يدير عوالم الإنس
والجن.. وكما تبسم سليمان من قول البطل الآخر في القصة (النملة)، التي قالت: {يَا
أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ
وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}، فإنه لم يأمر بقتل (الهدهد)، أو نتف ريشه،
لتجرؤه على الكلام بهذا الأسلوب، بل قال سنرى إن كنت من الصادقين؟! وكما يعلمنا
القرآن كيف نتعامل مع من ينقل لنا الأخبار، قبل إصدار الحكم عليه! طبعاً القرآن
صدّق الهدهد في خبره عن الملكة التي تعبد الشمس، ولها عرش عظيم.. ويأتي ذكر هذه
الملكة كبطلة أساسية في القصة أيضاً، ويتفاعل دورها عندما تتلقى رسالة من سليمان فيها الدعوة إلى الوحدانية..
فماذا أجابت الملكة، جمعت مستشاريها ووزرائها وقالت: {ما كنت قاطعة أمراً حتى
تشهدون}، دائماً أحترم وجودكم وآراءكم وقراراتكم، وهم أيضاً بادلوا الاحترام
بالاحترام: {نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ
إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ}، فجعلوا أمر الحرب والسلم بين يديها،
فاختارت طريق السلام والحكمة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق