07‏/07‏/2021

آخر الكلام/ أحسن القصص!‏

 

محمد واني

 لم يطرح القرآن الكريم قصة إلا ولها مغزى وحكمة من سـردها بشكل فني مشوق يراعي الحبكة ‏الدرامية فيها بحيث يشد القارئ لمتابعة أحداثها إلى النهاية، ولم تشذ أي من القصص الـ 142 التي ‏قدمها عن الأركان الأساسية الفنية التي يجب توافرها في أي قصة، سواء الطويلة منها (الرواية)، كقصة ‏يوسف، أو القصص القصيرة أو الطويلة عن النبي موسى، أو إبراهيم وأنبياء آخرين.. وكثيراً ما تقدم ‏القصص على شكل حوار شيق واقعي، أو يتخللها الأسلوب الفانتازي (الفنتازيا هي تناول الواقع ‏الحياتي من رؤية غير مألوفة.. وهو معالجة إبداعية خارجة عن المألوف للواقع المعاش.. معالجة خارقة ‏‏للطبيعة!‏) مثل قصة سليمان النبي مع الهدهد، وتعامله مع الجن والعفاريت، وكلام النمل، ونقل عرش ‏بلقيس من اليمن إلى الشام أو فلسطين بطرفة عين {قبل أن يرتد إليك طرفك}.‏

‏ فلندخل في صلب القصة الغريبة التي تتحدث عن عوالم مخفية لنا، ولكنها موجودة في واقع غير ‏واقعنا وعالمنا، ولها قوانينها ونظم حياتها مثلنا، ولكنها مختلفة وغيبية لا نعرفها بقدر ما يكشفها لنا ربنا.. أبطال القصة - بالإضافة إلى النبي سليمان، الذي يدير مملكة الإنسان ومملكة العفاريت والحيوانات-، ‏يبرز دور (الهدهد)، الطائر الذي يمتلك شخصية قوية جداً، بحيث يقول للملك سليمان: {أحطت بما لم تحط ‏به، وجئتك من سبأ بنبأ يقين}، أي أنا أعلم ما لا تعلم أنت؛ الملك الذي يدير عوالم الإنس والجن.. وكما تبسم ‏سليمان من قول البطل الآخر في القصة (النملة)، التي قالت: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ ‏سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}، فإنه لم يأمر بقتل (الهدهد)، أو نتف ريشه، لتجرؤه على الكلام بهذا ‏الأسلوب، بل قال سنرى إن كنت من الصادقين؟! وكما يعلمنا القرآن كيف نتعامل مع من ‏ينقل لنا الأخبار، قبل إصدار الحكم عليه! طبعاً القرآن صدّق الهدهد في خبره عن الملكة التي تعبد ‏الشمس، ولها عرش عظيم.. ويأتي ذكر هذه الملكة كبطلة أساسية في القصة أيضاً، ويتفاعل دورها ‏عندما تتلقى  رسالة من سليمان فيها الدعوة إلى الوحدانية.. فماذا أجابت الملكة، جمعت مستشاريها ‏ووزرائها وقالت: {ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون}، دائماً أحترم وجودكم وآراءكم وقراراتكم، وهم ‏أيضاً بادلوا الاحترام بالاحترام: {نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ}، فجعلوا أمر الحرب والسلم بين يديها، فاختارت طريق السلام والحكمة..‏

هذه القصة حدثت قبل آلاف السنين ينقلها القرآن لتكون درساً بليغاً لما يمكن أن يكون عليه شكل الحكم ‏الرشيد أولاً؛ يجب أن يتمتع رؤساؤنا وحكامنا بقدر كبير من الحكمة والعقل الراجح، وعدم إلغاء ‏الآخرين، ثانياً يجب أن يختار الملك أو الرئيس (بطانته)؛ جلساءه ووزراءه ومستشاريه، بعناية فائقة، ‏وحرص، ودقة، وأن يتوفر فيهم العقل الراجح، والثقافة الواسعة، والاختصاص، والحس الوطني الصادق، ‏والجرأة، لا أن يختاروا على أساس المصلحة الشخصية والحزبية الضيقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق