21‏/01‏/2022

قراءة في النظام العالمي بين صـراع العروش، وغياب البديل، وجهل الشعوب

د. عبد اللطيف ياسين علي

?  الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

مدخل:

لم أطلع فيما قرأت من التاريخ على مرحلة أسوأ مما تجتازه البشـرية اليوم، في ظل هذا النظام الذي يحكم العالم حكماً لا يشمله تعريف جامع مانع؛ عندما تراه جامعاً يتفرق إلى فرق متنافسة، وعندما تراه مانعاً تنصب إليه الشكوك والشبهات من كل حدب وصوب، نظام تعتريه السذاجة للسذج، والتعقيد للمتآمر، والقلق للعاقل، والأمان للأحمق.

أسباب اختيار الموضوع: في هذه المرحلة الحرجة لا أرى موضوعاً أهم، ولا ألح، من هذا الموضوع: النظام العالمي؛ بكل وسائله، وإمكانيته، وهو الذي أصبح شـريكنا في التفكير، والمال، والدار، والأولاد. لقد أصبح هذا النظام يتحكم في ذوقنا، ولباسنا، وأمور حياتنا، وبات جزءاً من نظامنا الغذائي، والصحي، والأمني.

ومن واجب كل إنسان ينتمي إلى الإنسانية أن يقوم ببيان حقيقة هذا النظام، وآثاره السلبية، ومضاعفاته الجانبية، وخطره على مستقبل البشرية جمعاء.

وسنتناول في موضوعنا هذا تعريف هذا النظام العالمي، وما هي حقيقته، وما مكانة الإنسان داخله، ومستقبل البشـرية أمام هذا السيل الجارف، والانهيار القيمي والاقتصادي والفكري، وسبل الخروج من هذا التهديد.

في بعض الأحايين يتبادر إلى ذهني أن النظام العالمي شبيه بطائر (العنقاء)، معكوساً، إذ هو  معلوم الاسم، معدوم الجسم، إلا أن النظام العالمي معدوم الاسم، ثقيل الظل على الإنسانية.

قد يكون عبارة عن (Lord of War)([1])، أو (war Dogs)([2])، أو (The Wolf of Wall Street)([3])، أو (Game of Thrones)([4])، أو (Prison Break)([5])، أو (التحالف الأسود: وكالة المخابرات الأمريكية، والمخدرات، والصحافة)([6])، أو (حقيقة الخديعة)([7])، أو (الحصن الرقمي)([8])، أو ...  أو كلها مجتمعة في عمل درامي واحد..!!

إبهام تعريف النظام العالمي:

 إذا كانت معاهدة سلام مبنية على معاهدة السلام الوستفالي، بماثبة صمام أمان للمنظومة الغربية، أو الأوروبية، فهي المسؤولة - بالدرجة الأولى - عن الحربين العالميتين؛ بكل تبعاتها، وإفرازاتها، ومضاعفاتها، وضحاياها. وكذلك الحرب الباردة، التي أحرقت الأبرياء في صقيع أجوائها.. إذا كانت معاهدة سلام أوروبية، فلماذا قسمت (برلين)، وضـُرب الـ(يورو)، وتم تفكيك الاتحاد الأوروبي؟! إذا كان سلاماً، فعلام ينذر بالحرب دائماً، وفضح عصبة الأمم، وأظهر ضعفها وشللها، وصوّرها كأنها دمية كأختها (الأمم المتحدة)، الراقدة في العناية المركزة؟!  

    يتعرض العالم إلى جملة تشويهات في التعريفات. هذا، وإن تعريف الشـيء، ومعرفته، أمر لا بد منه لصناعة الرؤية، ومن ثم التعامل معه، وتحديد الوسائل. فالتعريف يبيّن وسائل المعرفة، ووسائل التعامل معه، من جانب، لذا، لا نستغرب عندما يكون الهدف من خلق آدم - عليه السلام – وأبنائه، وتفضيلهم على غيره من المخلوقات، هو القدرة على صناعة الشـيء، وتسميته، وبيان وسائل التعامل معه. وتأويل {وعلم آدم الأسماء كلها}، أنه ليس هناك اسم بدون مسمى، فلكل اسم مسمى، وهو القدرة على الإبداع والتطوير.

  "استخدم مصطلح النظام العالمي الجديد للإشارة إلى أي فترة تاريخية اتسمت بتغيير جذري في الفكر السياسي العالمي، وتوازن القوى على الساحة الدولية. وتختلف التفسيرات حول هذا المصطلح، ولكنها ترتبط بالمدلول الأيديولوجي للحكم العالمي بصفة خاصة، وبالجهود الجماعية الناشئة والساعية لتعريف وفهم ومعالجة المشاكل التي يواجهها العالم، والتي يخرج حلها عن سعة الدول بمفردها، ويتطلب تنسيقاً بين دول العالم"([9]).

كان أحد أكثر الاستخدامات شيوعاً للمصطلح في (المبادئ الأربعة عشـر)([10])،  للرئيس الأمريكي (وودرو ويلسون)([11])، وفي دعوات لإنشاء (عصبة الأمم)([12]) في أعقاب الحرب العالمية الأولى. كما استخدم المصطلح - إلى حدّ ما - عند وصف خطط (الأمم المتحدة)([13])، و(نظام بريتون وودز)([14])، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. ولكن تضاءل استخدام المصطلح بسبب مدلولاته السلبية التي ارتبطت بفشل عصبة الأمم في منع قيام حرب ثانية. ولكن العديد من المعلقين ظلوا يستخدمونه في سياق رجعي، للإشارة إلى النظام الذي قامت دول الحلفاء المنتصـرة في الحرب العالمية الثانية، بإرسائه بعد انتهاء الحرب.

ظهر استخدام المصطلح، الذي نوقش على نطاق واسع بعد نهاية (الحرب الباردة)([15])، فاستخدمه الرئيسيان (جورج بوش الأب)([16])، و(ميخائيل غورباتشوف)([17])، لوصف طبيعة حقبة ما بعد الحرب الباردة، وروح التعاون ما بين القوى العظمى، الذين وضعوا الأمل في تحققه.

المشـروعية والقوة:

ثنائية أسدلت ظلامها على فكر المنتصـرين، أو المنتصـر في الحرب، "وظهرت جلية في وثائق استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة بعد الحرب، طرحها (والتر ليبمان) عن الأمن القومي، بأنه "قدرة الدولة على تحقيق أمنها، بحيث لا تضطر إلى التضحية بمصالحها المشـروعة لتفادي الحرب، والقدرة على حماية تلك المصالح، إذا ما اضطرت، عن طريق الحرب" ، والتي تشمل نظاماً تجارياً قائماً على قواعد التجارة الحرة.

ويقول (كيسنجر)، في كتابه (النظام العالمي): ما من نظام عالمي كوكبي فعلاً، سبق له أن كان موجوداً بالمطلق. وما يعدّ نظاماً في زماننا، تم اجتراحه في أوروبا قبل نحو أربعة قرون، في مؤتمر للسلام بمنطقة (وستفاليا) الألمانية([18])، عقد دون انخراط، بل وحتى علم، أكثرية القارات أو الحضارات الأخرى"([19]). 

تعريف النظام العالمي هو نشوة انتصار المنتصـرين في الحرب([20])، فكلما سعرت حرب بين الدول الأوروبية، قاموا برمي شظاياها على العالم الإسلامي، واستدراجه إلى قلب الحدث([21])، وكيّه بنار الحرب الملتهبة. ومن جانب آخر، تجسيد الدول الخاسـرة في قالب شيطاني، ورمي جميع أوزار الحرب على جثثها الهامدة المنهكة، والعودة إلى مزايدات طفيلية، وبناء صـرح يعبر عن أطماع المنتصـرين. فكانت عصبة الأمم، في أعقاب الحرب العالمية الأولى، والأمم المتحدة، على أعقاب الحرب العالمية الثانية. وليس مصطلح النظام العالمي إلا وسيلة كبقية الوسائل للهيمنة على العالم تحت غطاء قانوني وسياسي ودولي وإنساني.

 لقد برز مصطلح النظام العالمي في أعقاب صناعة مؤسسات ما بعد الحربين العالميتين، والحرب الباردة، ، كما هو واضح من التعريفات، وتاريخ النشأة.

ومع هذا تبقى ظلال الثنائية تخيم على سماء الحسم بين المشـروعية والقوة، "أما الموازنة بين المشـروعية والقوة، فتبقى استثنائية التعقيد، كلما كانت المساحة الجغرافية التي تنطبق عليها أضيق، وكانت القناعات الثقافية داخلها أكثر، كان استقطار نوع من الإجماع العملي أيسـر"([22]).

الحرب العالمية الأولى وانتصارات أمريكا:

مبادئ ويلسون الأربعة عشـر، هي 14 مبدأ، قدمت من قبل رئيس الولايات المتحدة (وودرو ويلسون)، للكونغرس الأمريكي، في تاريخ 8 يناير 1918، بعد الحرب العالمية الأولى، وكانت بمثابة خارطة طريق في المرحلة المقبلة، ركز فيها على 14 مبدأ للسلم - على حد تعبيرهم - ولإعادة بناء أوروبا من جديد، بعد الحرب العالمية الأولى.

لكل منتصـر كلمة، حتى وإن كانت كذبة، فهي مثابة أوامر عسكرية غير قابلة للنقاش. فكانت هذه الكلمات هي بيان لمبادئ السلام، كان من المقرر استخدامها في مفاوضات السلام من أجل إنهاء الحرب العالمية الأولى. وتم تحديد المبادئ في خطاب ألقاه الرئيس (ويلسون) في 8 يناير 1918، حول أهداف الحرب، وشـروط السلام، أمام كونغرس الولايات المتحدة. لكن زملاءه؛ الحلفاء الرئيسيين: (جورج كليمنصو من فرنسا، وديفيد لويد جورج من المملكة المتحدة، وفيتوريو أورلاندو من إيطاليا)، شكّكوا في قابلية تطبيق المثالية الويلسونية.

يؤكد (كيسنجر) على أن النظام العالمي اجترح من (معاهدة وستفاليا)، مع أن المعاهدة الوستفالية حسبما يعبر عنها (كيسنجر): كانت تهدف إلى "توفير السلم للعالم المسيحي، فإن أنهاراً استثنائية الغزارة من الدماء كانت قد أريقت، لإدراك مدى ضـرورة بلوغ هذا الهدف السامي عبر الوحدة العقدية أو السياسية، بات الآن مسلماً بأن من شأن السلم أن يبنى، إذا كان سيبنى بالمطلق، عبر تحقيق التوازن بين الأطراف المتنافسة"([23])، هي أوروبية الولادة والنشأة والرعاية، هي توفير السلم للعالم المسيحي. قد تكون كلمات (ميشيل زيفاكو) في كتابه (شهداء التعصب)، هي الصورة الحقيقية، أو تضحية جاندارك، وألاعيب الملوك الأوروبية، وخيانتهم لجاندارك، هي تكملة لهذا المشهد الدرامي. مبادئ الوستفالية هي تنظيم الوحشية والهمجية، وتوظيفها في أراض أخرى (صـراع العروش) هي عقدة الغرب في صراعه بينه وبين غيره، فهي ماكنة تحسن التدمير، إن لم تجد ما تدمره، انكبت على نفسها، فكانت السياسة الوستفالية هي تغيير التوجه، والاتجاه نحو المجتمعات الأخرى..

فما كانت مبادىء الولسونية، واتفاقية بريتون وودز‏ (الاسم الشائع لمؤتمر النقد الدولي، الذي انعقد من 1 إلى 22 يوليو 1944، في غابات بريتون، في (نيوهامشير) بالولايات المتحدة الأمريكية)، وخارطة الطريق لجورج بوش الأب، وخطب (أوباما)، إلا التكملة العملية والحقيقية لتلك المرحلة. بمعنى أن المبادئ الأربعة عشـر هي توسيع في مساحة الأوروبيين على الساحة الدولية :

أولاً: للحيلولة دون وقوع منازعات أوروبية جديدة:

ثانياً: تأمين حركة المنتصرين في البر والبحر.

ثالثاً: إحكام قبضتهم على مخالفيهم من الأوروبيين، وإلجامهم بجملة من الشـروط المفروضة بمعيار المنتصرين في الحرب.

رابعاً: حرية التجارة، أو تسويق البضائع الأوروبية (المنتصـرين)، وإرغام المقابل على فتح أسواقهم أمام بضائع المنتصـرين، ورفع جميع الحواجز أمام التجارة الأوروبية.

خامساً:  إقرار بتشكيل دول حديثة، ورسم حدود جغرافية سياسية، كصورة جديدة للمرحلة المقبلة.

سادساً: ضـرب وتدمير ما بقي من الدولة العثمانية، وصناعة دويلات جديدة في المنطقة.

سابعاً: إنشاء عصبة الأمم كواجهة للنظام الجديد، المتحكم في الاقتصاد والخريطة والسياسة.       

في جميع السياقات التي تعترض البشـرية، لاسترداد دور الإنسان في منظومته الإنسانية، هي البنية التحتية لعقلية الإنسان الغربي، الذي يعتبر نفسه صاحب رسالة العرق الأبيض، وتفوق البيض على غيرهم، وينظر إليها كثوابت كونية لا تحتمل النقاش. وهي نظرة تجلت في الأفلام والشعر والأدب والفكر، وحملت على الدبابات والطائرات والترسانة العسكرية، وفسـرت عبر مختبرات الكيمياء والفيزياء، وضمن المعادلات الرياضياتية، وكظاهرة فلكية وكونية، ولكثافة ما يبث علينا من جميع تلك الجوانب، تعطلت الشبكية في العين، بحيث أصبحت لا تشكل صورة في أدمغتنا وخيالنا، سوى ما يملى علينا، والأدمغة تتلقى صوراً مشوهة، وتبث معلومات مشوهة، حتى صار من الصعب إقناع الإنسان الغربي بأنه إنسان كالآخرين، ولا ينتمي إلى جنس فوقي، وأن غيره لا ينتمون إلى جنس تحتي أو دوني. جاء في كتاب (العولمة الثقافية): "استخدمت الثقافة الأوروبية العديد من الاستراتيجيات الثقافية، لتفكر في ما اعتقدته التفوق الأوروبي، وتغريب العالم، أي السيطرة الأوروبية على الحضارات الأخرى، كما طرحت طرقاً متعددة أريد لها أن تبرر كونية وتعميم الممارسات والقيم الأوروبية"([24]). وهي منهج إلزامي، وتتويج كنصوص سماوية، ورسالة العلمانية الغربية، جعلت من قيم الأوربيين رسالة سماوية، ومفكرية أنبياء. "يشير تفوق البيض إلى الطريقة التي يرتبط بها الحس السائد للكينونة الأوروبية بتفاعل مكثف بين التجمعات الاقتصادية، والثقافية، والمفاهيمية، التي تمنح الامتياز للكينونة البيضاء، وتقوم بتطبيعها، باعتبارها جوهر الكينونة الإنسانية"([25]).

رسالة الرجل الأبيض الحمراء:

جاء في كتاب (استعادة الخلافة): "إن ظهور الإسلامية قد تم وسمه بتطورين، إزاحة الغرب من المركز، والمحاولة المتصاعدة في شدتها لإيقاف تلك الإزاحة عن المركز، من خلال إعادة تقرير تفوق البيض. النظام ما بعد الاستعماري، هو ما بعد استعماري ليس لأن الاستعمار قد انتهى، بل لأن المنطق الاستعماري العرقي الذي منح الامتياز للكينونة البيضاء قد تعرض للتحدي، وهذا التحدي يثير النزعة الانتقامية البيضاء"([26]).

ويقول أيضاً: "لا يشير تفوق البيض إلى أفراد أو مجموعات، بل إلى نظام محدد من السيطرة العالمية، لحساب الكينونة الأوروبية (وليس بالضـرورة لحساب الأوروبيين)([27])، ولا ينفي (كيسنجر) هذه الحقيقة: "المعاهدتان المتعددتا الأطراف الرئيسيتان، كانتا كلتاهما تعلنان اعتزامهما خدمة مجد الرب، وأمن العالم المسيحي، بوصفهما سلاماً وصداقة مسيحيين، شاملين أبديين حقيقيين وصادقين"([28])، طبعاً يقصد المسيحي الأوروبي، وإلا كان سيف هذه الاتفاقية أشد فتكاً بالمسيحيين غير الأوروبيين، والمذابح التي ارتكبت، ففي العام الذي دخل فيه الإسبان إلى كولومبيا، وعاثوا فيها فساداً، واستمرت هذه المذابح والإبادة الجماعية قروناً إلى إندلاع الثورة مجدداً، والتي سمحت مع ضعف إسبانيا بنجاح الثورة التي قادها (سيمون بوليفار)، الذي أعلن أخيراً الاستقلال في عام 1819م، عندما هُزمت المقاومة الموالية للإسبان أخيراً عام 1822.. "وعلى مدار الربع قرن الأخير من القرن الـ 19، تم غزو كولومبيا عدة مرات من قبل أمريكا، تلاها (هايتي) عام 1888، ثم (شيلي) 1891، ومرة أخرى إعادة اجتياح (نيكاراغوا) عام 1894، ثم اختتم القرن بغزو (كوبا) على مدار ثلاث سنوات، انتهت باستيلاء أمريكا عام 1901 على أراضي جزيرة جوانتانامو، التي تضم الآن أشهر معسكر اعتقال في العالم، يضم العديد من الأسـرى من معظم دول العالم. بدأ القرن العشرين بإحكام السيطرة على جزيرة جوانتانامو، تلاها مباشـرة في نفس العام، العديد من العمليات العسكرية في (كولومبيا)، (1901 دخول القوات الأمريكية إلى كولومبيا)"([29]). "وفي العام التالي عملية أخرى في (الهندوراس)، وفي العام 1914 قامت قوات المارينز بغزو (هايتي) والاستيلاء على البنك المركزي لتحصيل ديون هايتي لأمريكا بالقوة، وفي العام التالي تم احتلال هايتي لمدة 19 عام"، وفي سنة (1904) إدخال القوات الأمريكية إلى كوريا. وعام (1905) القوات الأمريكية تتدخل في الثورة في هندوراس. وفي سنة (1905) غزو المكسيك؛ مساعدة الدكتاتوري (بورفيريو دماز) في قمع الانتفاضة. وسنة (1907) غزو نيكاراغوا. وسنة(1907) القوات الأمريكية تتدخل في ثورة في جمهورية الدومينيكان، وعشـرات المجازر و المذابح ضد المسيحيين غير الأوروبيين أو غير البيض، وهذا غيض من فيض([30]).

لمّ شمل الفرقاء:

فجذور الاتفاقية هي للمّ شمل البيض المسيحين، فجميع الوسائل والإمكانيات الأخلاقية وغير الأخلاقية مباحة لهم كيفما يستعملونها أو يستغلونها، وأينما يريدون. "شكّل سلام وستفاليا منعطفاً في تاريخ الأمم، لأن العناصـر التي أوجدها كانت كاسحة، بمقدار ما كانت خالية من التعقيد، الدولة، لا الإمبراطورية السلالة، أو العقيدة الدينية، تأكدت بوصفها وحدة بناء صـرح النظام الأوروبي"([31]).

فرؤية حاملي شعار النظام العالمي إلى أوروبا كسيد للعالم الحديث، هي مبنية على تعظيم وتمجيد البيض، كما أشـرنا سابقاً. يقول (كيسنجر): "لم يكن هذا الإجماع مجرد ديكور، كان عاكساً قناعات أخلاقية منبثقة من نظرة أوروبية مشتركة. لم يسبق لأوروبا قط أن كانت أكثر تلاحماً، وأغنى عفوية، منها إبان ما بات ينظر إليه بوصفه عصـر التنوير. انتصارات جديدة في العلم والفلسفة بدأت تحل محل اليقينيات الأوروبية المتمزقة، المستندة إلى التراث والإيمان. أدى التقدم العاصف للعقل على حشد من الجبهات - جبهات الفيزياء، الكيمياء، الفلك، التاريخ، الآثار، المساحة، العقلانية-  إلى تدعيم الروح الجديدة للتنوير العلماني المبشـر بأن تجلي سائر آليات الطبيعية الخفية لم يكن سوى مسألة وقت"([32]).

هذا المتن يحمل في طياته الكثير من الرؤيا، وفلسفة الأرض، فيما سيأتي من الزمن القادم، كمنهج مقدس بديل عن الإنجيل والتوراة:

 أولاً: معاهدة وستفاليا ليست ديكوراً، أو رتوشاً للواقع السياسي الأوروبي،  وإنما لها انعكاساتها السلوكية والأخلاقية والسياسية والعسكرية .

ثانياً: "كان عاكساً قناعات أخلاقية منبثقة من نظرة أوروبية مشتركة"، من المهم الاطلاع على خلفية هذه النظرة المشتركة لأوروبا، بحيث أدت إلى صياغة وبناء هذه القناعات لدى الأطراف المتنازعة. ملكية معاهدة الوستفالي انتقلت إلى جيب العم سام، فكثيراً ما يتحدث (كيسنجر) عن ميزان القوة، وهو - على حد تعبير زيغينيو بريجنسكي-: "لقد أصبحت القوة الأمريكية، التي تؤكد بشكل بارز على سيادة الأمة، الضامن الأساسي للاستقرار العالمي"([33]).

وكل مفكري أمريكا يعزفون على أوتار متشابهة من حيث المتن والمضمون، والاختلاف كامن في التعابير، "مع مرور الزمن كانت الولايات المتحدة ستصبح الطرف المدافع الذي يتعذر الاستغناء عنه ضمن النظام الذي صممته أوروبا. غير أن الالتباس تواصل حتى حين وضعت الولايات المتحدة ثقلها في خدمة المشـروع، ذلك لأن الرؤية الأمريكية استندت لا إلى نوع من احتضان نظام توازن القوة الأوروبي، بل إلى بلوغ السلام عبر نشـر المبادئ الديمقراطية"([34]). "مع بداية القرن الحادي والعشـرين، نجد أنه لا مثيل لقوة أمريكا من حيث:

1-             مداها العسكري على الصعيد العالمي.

2-             ومحورية النشاط الاقتصادي لأمريكا بالنسبة إلى صحة الاقتصاد العالمي.

3-             والتأثير الإبداعي للدينامية التكنولوجية الأمريكية.

4-             ومن حيث الجاذبية العالمية للثقافة المحض أمريكية، المتعددة الأوجه"([35]). 

"تصدرت الأجندات العالمية في خريف عام 2002، إعلان أقوى دولة في التاريخ عن نيتها الحفاظ على هيمنتها، سواء من خلال التهديد بالقوة المسلحة، أم باستعمالها فعلاً، وهو بعد من أبعاد السطوة والسلطان، لها فيه دونما شك القدح المعلى. جاء في الصياغة الخطابية الرسمية لاستراتيجية الأمن القومي (nss): إن قواتنا يجب أن تكون قوية بما فيه الكفاية لثني الخصوم المحتملين عن مواصلة بناء قوة عسكرية، بأمل مضاهاة القوة الأمريكية، أو تجاوزها"([36]).

رابعاً: "لم يسبق لأوروبا قط أن كانت أكثر تلاحماً، وأغنى عفوية، منها إبان ما بات ينظر إليه بوصفه عصـر التنوير"، هي قناعة جديدة قديمة، حيث ترتكز القوة الصاعدة على التلاحم، ووحدة الصف، وهي من أهم مرتكزات الأمم والحضارات والعوائل.. وحدة الصف نقطة انطلاقة لكل المكتسبات والانتصارات عبر التاريخ البشـري، ووحدة الصف لا تعني الذوبان الفكري، أو الاندماج الاجتماعي، والانصهار الكلي في بوتقة واحدة، أبداً.. وإنما هي قناعات واقعية تفرض نفسها للقوة الصاعدة، حتى تتمكن من إيجاد موضع قدم لنفسها، واللبيب تكفيه الإشارة. وكما قلت: إن أمريكا جعلت من نفسها الوريث الوحيد، وتجلت هذه الحقيقة في فلم (المومياء)، الجزء الأول، عندما حمل الجمل الرمز العربي الموروث العربي على ظهره، وكان يقوده البطل الأمريكي، حيث يحتضن البريطانية متوجهاً إلى أمريكا. وهذا ما أدى إلى أنه "لا يوجد ند عالمي لأمريكا، كما أنها لن تواجه نظيراً عالمياً لها في المستقبل القريب"([37]).

خامساً: عصـر التنوير له إيحاء تاريخي، وآخر فكري، وهذا الإيحاء سنقوم بعرضه في موضعه، إن شاء الله.

سادساً: (انتصارات جديدة في العلم والفلسفة، بدأت تحل محل اليقينيات الأوروبية المتمزقة، المستندة إلى التراث والإيمان). إحدى الأكاذيب والتدليسات العلمانية على العلم والمنطق والفلسفة، وصفها بالانتصارات هو زعم، فلم تكن الانتصارات للعلم والفلسفة، وإنما كانت من وسائل المنتصـرين في الحربين العالميتين، امتطاها الغرب، وربط بين انتصاره في الحرب، وانتصاره في العلم والفلسفة. وهذا لنا فيه كلمة في موضعه، إن شاء الله.

سابعاً: (أدى التقدم العاصف للعقل على حشد من الجبهات - جبهات الفيزياء، الكيمياء، الفلك، التاريخ، الآثار، المساحة، العقلانية -  إلى تدعيم الروح الجديدة للتنوير العلماني المبشـر بأن تجلي سائر آليات الطبيعية الخفية لم يكن سوى مسألة وقت). أخفى الغرب سـرقتهم وتدليسهم على الفلسفة، وتم سـرقة مئات المصادر الإسلامية، وترجمتها إلى لغاتهم، وعرضها كبراءة اختراع، وغصب حق الملكية... نعم قاموا بتطويرها في بعض الأحيان... وبتزييفها، وتحريفها، أحايين كثيرة. ويتجلى لنا هذا بوضوح عندما ننظر إلى مشـروع الأستاذ الدكتور فؤاد سزكين([38])، وأعمال وكتاب ألف اختراع واختراع من التراث الإسلامي في عالمنا هذا، ناهيك عن إسهامات مئات من علمائنا المعاصـرين في الصناعات الحديثة بكل أنواعها، ولا ننسـى مصطلح الخوارزميات في البرمجة الإلكترونية. (ولينظر القارئ إلى الكتب التالية: فضل الإسلام على الحضارة الغربية، لـ مونتجومري وات، معابر الحضارة الإسلامية إلى أوروبا، لمحمد فاروق أحمد الإمام، أثر العرب فى الحضارة الأوروبية، لعباس محمود، تاريخ الحضارة الإسلامية – لـ ف. ف. بارتولد، الحضارة الإسلامية، لأحمد زكي، حضارة العرب، لغوستاف لوبون، وغيرها كثير).. 

أود هنا أن أتطرق إلى مسألة مهمة، وهي مفهوم الحضارة، فلا شك أن الحضارة إنتاج بشـري، ومن أولى أولئك البشـر الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، فلهم باع طويل في ترسيخ الحضارة؛ مفهوماً، وتطبيقاً، وتطويراً، وإذا سلمنا بأن الحضارة إنتاج بشـري، وليست حكراً على قوم دون قوم، أو قارة دون قارة، أو دين دون دين، لعلمنا أن تاريخ البشـرية شـراكة في حمل هذه الأمانة من حقبة إلى حقبة، ومن زمن إلى زمن، ومن قوم إلى قوم، ومن أرض إلى أرض، والكل عند تسنمه ريادة الحضارة أضاف إليها أُموراً وأشياء وإبداعاً وتقدماً، من عهد آدم -عليه السلام-، ومن ثم عهد أبنائه، في حمل هذه الأمانة، فكل الإنسانية شـركاء فيما وصلت إليه البشرية، من جميع النواحي العمرانية والحضارية، ومن سنن الله المودعة في الكون عند سقوط أي امبراطورية، أو كيان، أن تقوم مقامها أخرى لحمل أمانة البشـرية. "العولمة إرث الجميع، العولمة تقاسم أفكار تناوبت عليها الحضارات على اختلاف موقعها ومكانها وجغرافيتها وتاريخها"([39])، وعند تقاعس أي قوم، يأتي الله بقوم آخرين ينوبون عنهم في أمانة الخلافة والعمران والتمكين، فليست الحضارة حكراً على أحد، وإنما هي إنتاج بشري، وشـراكة إنسانية.

التخلف الإسلامي ..!!

عند هذه النقطة تفرض مئات الأسئلة نفسها على الساحة الفكرية والتاريخية والعلمية: إذا كان المسلمون لهم هذا الباع والحضور في حمل الحضارة، وتطويرها، لم لا نرى تقدماً صناعياً أو تكنولوجياً في الأمصار الإسلامية، أو ما بقي من آثار تلك الدول؟ والإجابة - رغم قسوتها ووقعها المؤلم - تكمن في عصـر الانحطاط، الذي أصاب المسلمين، وهو تدمير الحاضنة الفكرية والإبداعية والنفسية للمسلمين، وبطرق شتى، ووسائل متعددة؛ مئات العقول تمت تصفيتها، أو تهجيرها، وإنني لعلى يقين تام بأنه ستكتب يوماً ما موسوعة كبيرة بأسماء الذين تم قتلهم، لسبب واحد، وهو أنهم كانوا مبدعين.

والطاقة الوحيدة التي لا تذعن إلى هذه الأعمال الوحشية، لا الإنسانية، هي القوة الإسلامية، فهي تأبى الرضوخ والخنوع والاستسلام.. لذا ضـرب المسلمون أينما كانوا، ومن كانوا، وبجميع الوسائل.. أذعنت (روسيا) إلى هذه الاتفاقية - وهذا ما ذكره (كيسنجر) - بعد محاولات عديدة، حتى انهار الاتحاد السوفياتي، ولم يستطع الصمود أمام الكتلة الغربية؛ كعقيدة ارثوذوكسية، وكتاريخ قيصـري، وكإرث كومونيزمي، انهار بحيث أصبحت روسيا سمساراً يجيد المساومة على مصالح الدول المغلوبة على أمرها.. وضـربت اليابان والهند، كما ذكره في صفحة 179 و 190، وأعلنت إذعانهما إلى الهيمنة الأوروبية..

 يقول كيسنجر : "من بين جميع كيانات آسيا السياسية والثقافية، كان رد فعل اليابان هو الأبكر، والأكثر حسماً، بما لا يقاس على الاقتحام الغربي للعالم طولاً وعرضاً"([40]).. وتم ضـرب اليابان بكل ما أوتوا من قوة، فبعد كل انهيار أصاب اليابان، استطاع القيام والمضـي قدماً نحو الإبداع والنهوض الاقتصادي؛ فكانت الحرب العالمية، وإدخال اليابان في هذه الحرب المشكوك في أمرها، فرصة ذهبية لضـرب اليابان، وتدميره بأسلحة الدمار الشامل، وإلزامه بشـروط الدول المهزومة في الحرب، وتحجيمه بقيود إملاءات قذرة تتلائم مع عقلية الغرب.. وكانت آثار زلزال التسونامي 2011 بمثابة حرب أخرى انهزم فيها اليابان، رغم وجود شكوك حول افتعال هذا الزلزال، وضـرب اليابان مرة أخرى.

ويقول عن الهند: "تمخض زخم الاجتياح الغربي للهند عن تغيير مسار أمة"([41])، فقد أقامت بريطانيا مجازر بحق الهنود، بغض النظر عن انتمائهم الديني والمذهبي، فكل من لم يذعن إلى هيمنة الأوروبيين كان جزاءه القتل أو الطرد والتشـريد. وفي الختام تم استسلام الهند إلى القوة الأوروبية، وذلك بعد عقود أو قرون من المذابح والقتل البطيء عن طريق تغيير سايكولوجية الفرد الهندي.. حيث "جرت دراسة وتحليل أمجاد حضارة الهند القديمة، وتصنيفها، مع تثقيف النخب الهندية بالأفكار والمؤسسات البريطانية"([42])، وتم العمل على طمس هويتها، ومعالم حضارتها.

يقول (كيسنجر): "المسيحية عاشت أحقابها الصليبية، دائبة أحياناً على إعلاء شأن رسالتها الكونية بحماسة موازية، ومعتمدة أساليب مشابهة على أصعدة الغزو، والهداية القسـرية (أقدم الغزاة الإسبان على إلغاء عدد من الحضارات القديمة في الأمريكيتين الوسطى والجنوبية، في القرن السادس عشـر"([43]). وكتعقيب على ما كتبه بأن المسيحية كانت تمثل في وقته رؤية كونية، أما اليوم وبعد أن خبت روح الصليبية برزت العلمانية، وهيمنت على الفكر الأوروبي، "صارت المسيحية مفهوماً فلسفياً و تاريخياً، بعيداً عن أن تكون مبدأ استراتيجياً عملياتياً، أو نظاماً دولياً، وتلك العملية كانت ميسـرة، لأن العالم المسيحي كان قد تبنى نوعاً من التمييز بين ما (لقيصـر)، من ناحية،  وما (للرب)، من الناحية الأخرى"([44]). وهذه السمة هي إحدى السمات الرئيسة في الفكر المسيحي، إن لم نقل إنها من الأصول الثابتة فيه، وهذا ما يؤكد عليه – في المقابل - الكثير من المفكرين بأن الإسلام مبني على فكرة الدولة، ولكن غير الدينية. وهو ما يقوله (كيسنجر): "تطور العالم الإسلامي كان أكثر تعقيداً، فترات معينة أنعشت آمالاً في مقاربات اندماجية. بالمقابل حتى تاريخ قريب لا يتعدى عشـرينيات القرن العشـرين، ظل خط مباشـر من الخلافة السياسية المستمدة من النبي - عليه الصلاة والسلام - مؤكداً بوصفه واقعاً عملياً لفن سياسة الدولة في الشـرق الأوسط، من قبل الإمبراطورية العثمانية"([45]).

فكان المسلمون متمسكين بروح الدولة الإسلامية، بغض النظر عن الاسم، سواء أكانت خلافة أم دولة، مع وجود خلافات بين المسميات، فالذين تنصلوا من المسؤولية هم العرب بالدرجة الأولى، فالعرب لم يؤسسوا أي دولة أو إمبراطورية، "وظل الوعي اليوناني والفارسي دائباً على تصويرهم غزاة طارئين على الطرق التجارية والكتل السكانية المستقرة. وقد بقي مستوى إقناعهم بجدوى رؤى هذه الثقافات لنظام عالمي، متوقفاً على الترتيبات الطارئة لشـراء ولاء قبيلة معينة، وتكليفها بمهمة فرض الأمن على امتداد الحدود الإمبراطورية"([46]).

ودول الخليج أشـرب في قلوبها ذلك الوعي اليوناني، والفارسي، وكانوا جزءاً فعالاً في إسقاط الخلافة العثمانية، وهم أول من ارتد على الخلافة، وعملوا على تقويضها.

ومنذ أن تم إسقاط الخلافة الإسلامية، بات العالم الإسلامي منقسماً إلى حفنة منصورة بالدعم الغربي، وهم الحفنة التي اعتنقوا أو اتبعوا النظام الوستفالي، وأكثرية تؤمن بالإسلام كدولة وكحكم، ودين ودنيا، لذا لم يكن من السهل على العالم الغربي الهيمنة على العالم الإسلامي إلا عن طريق تلك الحفنة القليلة المتسلطة على رقاب الناس. وتمت جلّ هذه التغيرات على العالم الإسلامي عن طريق العسكر؛ "القادة العسكريون الآتون عموماً من قطاعات سكانية مستبعدة من العملية السياسية، يوسعون دائرة تأييدهم الشعبي عبر رفع الشعارات القومية – والوطنية، ثمة ثقافات سياسية شعبوية، لكنها غير ديمقراطية تجذرت في المنطقة"([47]).

طبعاً والإسلاميون كانوا على عكس ذلك، إذ يقول فيهم (كيسنجر): "غالباً كان الإسلاميون – الذين يشكل تنظيم الاخوان المسلمين التعبير الأكثر شيوعاً عنهم هذه الأيام – أشخاصاً رفيعي المستوى التعليمي، من منتسبي الطبقة الوسطى الحديثة. كثيرون عدوا الحركة الإسلاموية طريقاً للالتحاق بركب حقبة ما بعد الحرب، دون الاضطرار للتخلي عن قيمهم، طريقاً للتحديث دون الانتساب إلى الغرب"([48]).

بناءً على هذه الرؤية، تمخض لدى المسلمين أمور عدة: "وتقدم الإسلام العاصف عبر ثلاثة قارات، أقنع المؤمنين بسماوية رسالته، ومدفوعاً بالإيمان بأن انتشاره أن يوحد البشـر جالباً السلم، كان الإسلام ديناً أولاً، دولة متعددة الإثنيات ثانياً، ونظاماً جديداً ثالثاً، في الوقت عينه"([49]). إن الذي لم يقبل الاستسلام هو المسلمين، والذي درج ضمن حركات إسلامية، لذا بدأت الحرب على الإسلام، لأنه العامل والمانع الوحيد من سقوط الأرض والبلاد في أيدي الأوروبيين، الذين إذا دخلوا أي بلاد عاثوا فيها فساداً، وكان الطريق الوحيد أمام الاستعمار هو ضـرب الحاضنة، ودعم زعزعة الاستقرار، زعزعة فكرية واقتصادية وسياسية إلخ.. فبتولي الأجهزة العسكرية زمام الأمور في العالم الإسلامي، وتنشيط حركة وثقافة الانقلابات، دخل العالم الإسلامي إلى مرحلة عدم الاستقرار، فخلال قرن من الزمن توالت عشـرات الانقلابات في العالم الإسلامي، وتعرضت الحاضنة إلى تدمير شبه كلي..

 ولكن الأمر الذي أقض مضاجعهم، ودمر أحلامهم، كانت قناعة المجتمع بالعودة إلى الإسلام، فلم تكن جميع تلك المحاولات إلا محاولات غير مجدية.. وعلى عكس توقعاتهم، فلم تمر أعوام حتى أضحى الناس يؤمنون بعودتهم إلى حاضـنة الإسلام، وهيبة الخلافة العثمانية رغم ما عليها من مآخذ، إلا أنها كانت بمثابة رمز للوحدة الإسلامية، ظل المسلمون يستظلون بها، وهوية تبعدهم عن النكران، وسقفاً يحميهم من الصواعق والأمطار، وتعريفاً بوجودهم، وهي في نظرهم استمرار لدولة النبوة بشكل من الأشكال.. وهذه القناعة تبلورت سـريعاً رغم كثافة وثقل الحملة التي بدأها عمال التغريب بكل تلك الوسائل التي هيئها الغرب لهم، من هالة الانتصار، إلى الدعم العسكري والاقتصادي والفكري و.. و.. فكانت التوقعات هي ارتداد الشعوب المسلمة عن الإسلام، واعتناق المذهب الغربي، والاستسلام التام لهم، ولكن تلك التوقعات أضحت سـراباً بقيعة، بحيث إن الشعوب المسلمة ضحّت بكل ما لديها للحفاظ على هويتها، فكل تلك الثورات التي سعرها الغرب، وعملاؤه، انتهت بمطالب جماهيرية تدعوا إلى إعادة العمل بالشـريعة الإسلامية.. وحتى الآن، ومع كل تلك الموارد التي تستخدم لضـرب الإسلام، وإبعاد المسلمين عنه، فإن العالم الإسلامي يريد الإسلام، ويزداد بناء المساجد، وأعداد الحجيج والمعتمرين، والمكتبات الإسلامية، وإقبال الناس على المساجد، والأعمال الخيرية، والذود عن الإسلام ورموزه، وأسماء محمد وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وغيرهم من أصحاب الرسول، تملأ بيوت المسلمين.. وليس هذا فحسب، بل دخل الإسلام القارة الأوروبية، ويتكاثر عدد معتنقيه بشكل كبير وسـريع بين أبناء الغرب.. وهذا بدوره أدى إلى تمسك سلطة الغرب، وحرصه على ضـرب الحاضنة يوماً بعد يوم، وبقوة أكبر، حتى ينفصل الناس عن مجتمعاتهم، فجعلوا من العالم الإسلامي جحيماً لا يطاق.. فمن خلال عملائهم وأعوانهم، ونعيق مطاياهم، أصبح العالم الإسلامي مقبرة للمواهب والإبداع والتقدم.. عندما تدمر الحاضنة، فلن يبقى مسكن أو مأوى يلم شمل المبدعين، وأصحاب العقول، والتنمية. وغيروا وجهة المبدعين، وأصحاب العقول إلى الغرب، فارين بعقولهم وشخصيتهم وإنسانيتهم إلى الغرب، حيث الأمان والحاضنة. 

 دلالات عصـر التنوير:

عصـر التنوير كلمة لها إيحاء تاريخي، وفكري، فمن الجانب التاريخي هي عبارة عن حقبة زمنية، وحلقة ربط بين زمنين.. فبعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، خيم ظلام دامس على القارة الأوروبية، وساد الركود والتخلف، وسمّي بعصـر الظلام، حيث تفشـى الجهل والأمراض، والركود الاقتصادي، والتخلف الفكري والمعرفي، وتوقفت التنمية على جميع الأصعدة، وفي المقابل بزغت شمس الإسلام على العالم.

فالتنوير اسم أطلق على حقبة زمنية من جانب، ومن جانب آخر، هو منهج جديد ساد أوروبا. ولم ينظر الغربيون إلى هذه الحقبة كتاريخ طبيعي مر عليهم، وإنما نظروا إلى عصـر التنوير كمرحلة انقلاب على جميع ما سبق، وإعادة تعريف المفاهيم من جديد.. وعصـر جديد لميلاد جديد لأفكار جديدة ثورية، انقلابية، تمردية، دموية، عنيفة... كان انقلاباً على المفاهيم والمصطلحات، والأديان، والأنبياء، وحتى الإله.. كانت هذه قناعة راسخة في أذهان رواد التنوير، فعلماء الاجتماع، وغيرهم، تبوأوا لأنفسهم مكانة الأنبياء، لذا يقول (ماكس فيبر): "إن على علماء الاجتماع التوقف عن لعب دور الأنبياء"([50]). ومن ينظر إلى غزل (كيسنجر) بعصـر التنوير، وكأنها ولادة بدون مخاض، و تحول بغير ألم.. متناسياً أن هاتين الحقبتين ضـرب بينها بسور لطخته الدماء، وعزلته الأشلاء المتراكمة.. فهي شبيهة بثورة الجياع، أو ثورة الصعاليك، أو ثورة العبيد، وتحولت هذه الثورة إلى مراجعات طالت جميع المرافق، وأعادت التسميات والتعريفات.

ولاستحواذ الغرب على خيرات ومقدرات الشعوب، لم يتوان عن استعمال أي وسيلة من الوسائل؛ بدءاً من الوسائل الهمجية المتبعة في العصور المظلمة، وإلى محاكم التفتيش، وقتل الهنود، واستنزاف دول أمريكا اللاتينية، وعملية الاسترقاق لها على قدم وساق، وإلى الآن، دون انقطاع. 

حاملو راية العلم لم يكونوا منصفين، لا في عرض ما يسمى بالحقائق، ولا في تعريف العلم.. كل مفردة، مهما كانت صغيرة، أو كانت محاولة لحل معادلة علمية، امتطوها وجعلوا منها مسلمات علمية لا تقبل الشك، وجعلوا كل ما يصل منا إليهم مشكوكاً في أمره، ولم يكن هذا إلا كذباً وافتراءً على العلم والمنهج العلمي، كما تلاعبوا بمفهوم الحرية وحقوق الإنسان، وكثير من المفاهيم التقدمية..!! كذا كان حالهم التدليس والكذب والافتراء..

عندما كانوا يزفون إلى العالم الحرية، كان السود في بلدانهم مهانين ومهمشين، وعبيداً يرثى لحالهم.. وعندما تحدثوا عن الديمقراطية، قضوا على ملايين الناس الأبرياء في العراق، ومصـر، والجزائر، وتونس، وليبيا.. ولم يكن حال العلم بأحسن من تلك المفاهيم. هذا، ناهيك عن سـرقة نتاجات المسلمين، في جميع الميادين، وانتحالها باسمهم.. وأقرب تعريف لحاملي تلك الشعارات: أنهم كانوا لصوصاً، كما دخلوا القارة الأمريكية، وعاثوا فيها فساداً ودماراً وقتلاً وفتكاً وتغييراً لهويتهم، وهكذا دخلوا بلاد المسلمين ولم يرقبوا إلّاً ولا ذمة لا في الأرض ولا في الشعوب، ولا في خيراتهم وأمنهم.. انظروا إلى ما يسمى بعالم الحيوانات، انظروا إلى تدليسهم و زورهم، يربون الحيوانات في حدائقهم ومختبراتهم، ومن ثم يجعلون منه صورة حقيقية لعالم البراري، فهم عبر ذلك كما تلاعبوا بكثير من الحقائق، تلاعبوا أيضاً بهذا العالم، فكل من له حس فني أو سينمائي يرى أن الذي يعرض في صورة عالم الحيوانات ليس إلا أفلاماً تم إخراجها وفق سيناريو مستوفي الشـروط والأركان. كيفية عرض أسد أو ضبع، تمت تربيته على التمثيل، وأداء دوره لإخراج وثيقة سينمائية لحاجة معينة، الأسد ممثل، وكذا الحمار الوحشـي، وكذا فرس النهر، يأتون به من مركز التدريب وهو مؤهل لأداء دوره من زاوية معينة، وإيصال رسالتهم كما يريدون.. إعلام لا يرحم.. عالم مبني على الافتراس.. عالم الغلبة للأقوى، عالم يؤيد جميع النظريات الغربية؛ عقيدة وقناعة، ليحل محل الإيمان..!! انظروا إلى أي فلم وثائقي، عندما يأتي بالبطل، سواء كان أسداً، أو ضبعاً، أو نمراً..  المشاهد.. وزوايا الكاميرات من جميع النواحي، لا تختلف تلك المشاهد عن مشهد رامبو أو ارنولد أو كيانو ريفز أو انجلينا جولي.. وكيفية تجوال هذا البطل (الأسد، النمر، الضبع، القط، إلخ...)، ويسير الفلم وفق سيناريو مكتوب ومدروس ومنشور، حتى تتأصل القناعة للمشاهد على صحة المنهج العلمي للغرب.

وظف الغرب كل شيء في سبيل الهيمنة على العالم، والاستحواذ على خيراته، ومقدراته، مبرراً جميع خطواته، ومذابحه، وجرائمه، تحت مسمى النظام العالمي، وهو نظام واه، مبني على توحيد الغرب تحت غطاء رسالة الرجل الأبيض، محللاً جميع أفعاله، ممتطياً العسكر والاقتصاد، مزيفاً التاريخ والعلم والثقافة.

وهذا لا ينفي كون الغرب، كإنسان فرد، وكمجتمع إنساني، ليس جزءاً من تلك المؤامرة على البشرية، فالغرب - كمنظومة اجتماعية وإنسانية - جزء أصيل من الحضارة البشـرية، وهو يؤدي دوره الحضاري، وسيقوم يوماً ما بتسليم هذه الراية الحضارية إلى غيره من الأمم والشعوب والحضارات، عندما يأذن الله ويشاء، حسب سننه في مسيرة الحضارات البشـرية.

إن العالم الإسلامي يجب أن يقوم بإعادة النظر في ملفاته، وتنظيم أفكاره المشتتة، وجمع قواه، وأن يقوم بمسؤولياته ومهامه، ولا يعفي نفسه من تلك المسؤولية الكبيرة، تحت أي تبرير كان، بالحفاظ على مقومات كيانه: القرآن كعلم للكون والحياة، وكشعوب لا تزال تعيش في الخيرية، دون ريادة.. فخلال قرون مضت تدنى العالم الإسلامي إلى العيش في التاريخ، دون الدخول في المعطيات الحضارية، فهناك حياة بايولوجية تتشاركها جميع المخلوقات في هذه الحياة، أما حياة التمكين والعمران، فهي الدخول إلى عالم التعاطي مع المعطيات الحضارية والفكرية، وأن يكون لهم موضع قدم في الركب الحضاري؛ إسهاماً ومشاركة في خدمة الإنسان والكون، والقيام بمسؤولية تعليم الأسماء بمسمياتها، والعمل على بناء مفهوم الخلافة، وإنشاء وتوطيد العلاقة بين العباد ورب العباد، والشهادة على الناس، وبيان حقيقة الرحمة الإلهية، وإفشاء السلام والرحمة بين العباد، والصدق مع العلم والفكر.


[1]  - هو فيلم أمريكي من صنف دراما وجريمة، أنتج سنة 2005م، وكانت بطولة الفيلم لنيكولاس كيج. يقوم بطل الفيلم (في دور تاجر أسلحة سوفيتي) بالسفر إلى بلدان العالم الثالث، التي أرادت من الاتحاد السوفيتي شـراء الأسلحة الخفيفة، والثقيلة، بسبب الانشغال في حرب أهلية دموية عام 1989م.

[2]  - هو فيلم كوميدي درامي أميركي، من إخراج (تود فيليبس)، ومن تأليفه، بمشاركة (جايسون سميلوفيتش، وستيفن تشين)، معتمدين على مقالة في مجلة (رولينغ ستون)، كتبها (غاي لاوسن)، في كتابه بعنوان (الأسلحة والرجال)، الذي توسع به بالتفاصيل. يتابع الفيلم تاجري أسلحة هما (إيفرام ديفيرولي و ديفيد باكوز)، اللذين يتلقيان عقداً من الجيش الأمريكي لتوريد ذخيرة للجيش الوطني الأفغاني بقيمة 300 مليون دولار تقريباً. موضوع الفيلم هو خيالي ودرامي بشكل كبير. كما أن  بعض الأحداث، مثل القيادة عبر العراق، هي إما من بناء الخيال، أو بناء على أحداث أخرى؛ منها ما يكون حصل مع كاتب السيناريو (ستيفن تشن) في حياته الخاصة.

[3]  - هو فيلم سيرة ذاتية؛ جريمة وكوميديا سوداء، أمريكي، أُنتج عام 2013، من إخراج (مارتن سكورسيزي)، مستوحى من مذكرات رجل الأعمال السابق (جوردن بلفورت). السيناريو من تأليف (تيرينس وينتر). ولعب (ليوناردو دي كابريو)، الذي كان أيضًا منتجًا للفيلم، دور البطولة في الفيلم بدور جوردان بيلفورت، بالإضافة إلى (جونا هيل)، الذي أدى دور (دوني أزوف)، وهو صديق جوردان وشريكه في العمل. مثّل في الفيلم أيضًا (مارجوت روبي)، والتي أدت دور (نعومي)، زوجة جوردان، و(كايل تشاندلر) بدور وكيل في مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي يحاول الإيقاع بجوردان. يمثل الفيلم التعاون الخامس للمخرج سكورسيزي مع دي كابريو.

[4]  - هو مسلسل فنتازيا ملحمي، من تأليف (ديفيد بينيوف، ودانيال وايز)، لصالحِ قناةِ (اتش بي او)، وهو اقتباس لرواية (لعبة العروش) التابعة لسلسلة روايات (أغنية الجليد والنار)، لمؤلفها (جورج آر. آر مارتن). صُوِّرَ المسلسل في أستديوهات بلفاست، وعدة مواقع أخرى في أيرلندا الشمالية ومالطا واسكتلندا وكرواتيا وآيسلندا والولايات المتحدة والمغرب، وعُرِضَ لأولِ مرّة على HBO في الولايات المتحدة، في 17 أبريل 2011. وعُرِضَت المواسِم الثمانية كاملة، حيث بدأ عرض الموسم الثامن في 14 أبريل 2019. تقعُ أحداث المسلسل في قارّتين خياليتين، هما ويستروس وإيسوس، في نهاية صيف طويل جداً امتد لعقد من الزمن، حيث تتصارع سبعُ عائلات للسيطرة على العرش الحديدي للممالك السبعة، وحيث يتنامى الخطر، من جهة أخرى، على الممالك من جهة الشمال المتجمد، تجسده مخلوقات خيالية. يتناول المسلسل من خلال شخصياته الغامضة قضايا عديدة: المراتب الاجتماعية، والدين، والحرب الأهلية، والجنس، والجريمة، وعقابها، والولاء، والعدالة.

[5]  - هو مسلسل تلفزيوني أمريكي، من تأليف الكاتب والمخرج (بول شويرينغ). تم عرض مواسمه الأربعة على شبكة فوكس التلفزيونية، ابتداءً من 29 أغسطس 2005، وحتى 15 مايو 2009. أما الموسم الخامس، فقد تم عرضه في 4 أبريل وحتى 30 مايو 2017. تدور قصة المسلسل حول أخوين، أحدهما حكم عليه بالإعدام لجريمة لم يرتكبها، والآخر يرسم خطة مفصلة لمساعدة أخيه على الفرار من السجن، ومسح سجله، ويتضمن المسلسل صراع الشـركات، وتضلعها في التصفيات الجسدية، وأثرها على السياسة الأمريكية، والعالم.

[6]  - كتاب التحالف الأسود وكالة الاستخبارات المركزية والمخدرات والصحافة، ألكسندر كوكبرن جيفري سانت كلير. في هذا الكتاب تتجلى نظرية المؤامرة بأبها صورها، من خلال ربط وكالة المخابرات الأمريكية بالمخدرات والدعارة وتجارة السلاح، لدعم ديكتاتوريات العالم أجمع.

[7]  - رواية صدرت عام 2001، من تأليف الكاتب الأمريكي (دان براون). و كغيرها من رواياته، اعتمدت على نظرية مؤامرة سـرية، تدور في غفلة من المواطنين العاديين. تتحدث هذه الرواية عن مؤامرة تقوم بها وكالة الأبحاث الأمريكية مع وكالة ناسا، لإقناع العالم بحقيقة حجر نيزكي، خلال السباق إلى البيت الأبيض، وذلك لأغراض إسكات الانتقادات الموجهة إلى الوكالة، ولأغراض خفية.  ويسعى المتآمرون، عبر فرقة دلتا فورس، إلى إسكات العلماء الذين اكتشفوا الحقيقة، لكن الحقيقة تظهر في النهاية. حقيقة الخديعة.

تُناقش هذه الرواية فساد السياسيين الأمريكيين، وسطوة وسائل الإعلام الكبرى، كما تناقش قوة الوكالات الخاصة، والفرق التي لا يعلم الناس عنها. أيضاً تناقش مفاهيم كالولاء للوطن والعائلة، وتقديم الوطن على العائلة في الولاء.

[8]  - هي أولى روايات الكاتب الأمريكي (دان براون)، وصدرت في عام 1998. في هذه الرواية يُقدم دان براون الخطوط الأولية للنظريات التي شغلت رواياته فيما بعد، المؤامرة الكبرى من قبل أطراف خفية، تمارس الخديعة ضد الأشخاص العاديين بدعوى حمايتهم.

تدور هذه الرواية في أروقة وكالة الأمن القومي (إن إس إيه) الأمريكية الحكومية، وفي إسبانيا واليابان. وتقوم فكرة الرواية على فكرة تمرد أحد موظفي وكالة إن إس إيه السابقين، وتركه للمؤسسة، التي تقوم بمراقبة شبكة الانترنت حول العالم، وكرد فعل انتقامي منها يقوم بعمل برنامج تشفير ليس له مثيل، أسماه الحصن الرقمي، وسيكون هذا الحصن مخبأ أسـرار كل الذين لا يرغبون في أن تتجس عليهم الوكالة عبر حاسوبها العملاق (الترانسلتر)، وتعهد بنشـره في العالم ما لم تعترف الوكالة بوجود الترانسلتر. تتصاعد الأحداث مع موت المبرمج، وتظهر حقيقة برنامج الحصن الرقمي، الذي وقع الترانسلتر في فخه، وسيكون على الأبطال أن يحلو الشفرة ليعطلوا عمل الحصن الرقمي.

[9]  - ويكيبيديا.

[10]  - مبادئ ويلسون الأربعة عشـر، هي 14 مبدأ، قدمت من قبل رئيس الولايات المتحدة (وودرو ويلسون) للكونغرس الأمريكي، في تاريخ 8 يناير 1918، ركز فيها على 14 مبدأ للسلم، ولإعادة بناء أوروبا من جديد، بعد الحرب العالمية الأولى.

المبادئ الأربعة عشـر هي بيان لمبادئ السلام، كان من المقرر استخدامها في مفاوضات السلام من أجل إنهاء الحرب العالمية الأولى. تم تحديد المبادئ في خطاب ألقاه الرئيس (ويلسون) في 8 يناير 1918، حول أهداف الحرب، وشـروط السلام، أمام كونغرس الولايات المتحدة. لكن زملاءه الحلفاء الرئيسيين (جورج كليمنصو من فرنسا، وديفيد لويد جورج من المملكة المتحدة، وفيتوريو أورلاندو من إيطاليا) شكّكوا في قابلية تطبيق المثالية الويلسونية.

[11]  - توماس وودرو ويلسون (بالإنجليزية: Woodrow Wilson)‏ (28 ديسمبر 1856 - 3 فبراير 1924) هو سياسي وأكاديمي أميركي، شغل منصب الرئيس الثامن والعشـرين للولايات المتحدة، من عام 1913 إلى 1921. كان ويلسون من الحزب الديمقراطي، وترأس (جامعة برينستون)، وكان حاكماً على ولاية (نيوجيرسي). وكان خلال رئاسته أحد أهم رموز الحركة التقدمية في البلاد، وقاد البلاد خلال الحرب العالمية الأولى، وكان منهجه السياسي خلال تلك الفترة معروفا باسم الويلسونية. أصيب خلال أواخر فترته الثانية بجلطة أثرت على عمله السياسي، ومات بعد ثلاث سنوات من تركه المنصب.

[12]  - عصبة الأمم (بالإنجليزية: League of Nations) هي إحدى المنظمات الدولية السابقة، التي تأسست عقب مؤتمر باريس للسلام عام 1919، الذي أنهى الحرب العالمية الأولى، التي دمّرت أنحاء كثيرة من العالم، وأوروبا خصوصًا. كانت هذه المنظمة سلفًا للأمم المتحدة، وهي أوّل منظمة أمن دولية هدفت إلى الحفاظ على السلام العالمي. وصل عدد الدول المنتمية لهذه المنظمة إلى 58 دولة في أقصاه، وذلك خلال الفترة الممتدة من 28 سبتمبر سنة 1934 إلى 23 فبراير سنة 1935. كانت أهداف العصبة الرئيسية تتمثل في منع قيام الحرب عبر ضمان الأمن المشترك بين الدول، والحد من انتشار الأسلحة، وتسوية المنازعات الدولية عبر إجراء المفاوضات والتحكيم الدولي، كما ورد في ميثاقها. من الأهداف الأخرى التي كانت عصبة الأمم قد وضعتها نصب أعينها: تحسين أوضاع العمل بالنسبة للعمّال، معاملة سكّان الدول المنتدبة والمستعمرة بالمساواة مع السكّان والموظفين الحكوميين التابعين للدول المنتدبة، مقاومة الاتجار بالبشـر والمخدرات والأسلحة، والعناية بالصحة العالمية، وأسـرى الحرب، وحماية الأقليّات العرقية في أوروبا.

[13]  - الأُمَمْ المُتَّحِدَة منظمة عالمية تضم في عضويتها جميع دول العالم المستقلة تقريباً. تأسست منظمة الأمم المتحدة بتاريخ 24 أكتوبر 1945 في مدينة (سان فرانسيسكو)، (كاليفورنيا) الأمريكية، تبعاً لمؤتمر (دومبارتون أوكس) الذي عقد في العاصمة (واشنطن). يتم تمويل المنظمة من خلال المساهمات المقدرة، والمساهمات الطوعية من الدول الأعضاء فيها. توجد مكاتب رئيسية أخرى في (جنيف) و(نيروبي) و(فيينا). وتشمل أهدافها الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وحماية حقوق الإنسان، وتقديم المساعدات الإنسانية، وتعزيز التنمية المستدامة، ودعم القانون الدولي.

[14]  - اتفاقية بريتون وودز (بالإنجليزية: Bretton Woods)‏ الاسم الشائع لمؤتمر النقد الدولي، الذي انعقد من 1 إلى 22 يوليو 1944، في غابات بريتون في (نيوهامشير) بالولايات المتحدة الأمريكية. وقد حضـر المؤتمر ممثلون لأربع وأربعين دولة. وقد وضعوا الخطط من أجل استقرار النظام العالمي المالي، وتشجيع إنماء التجارة بعد الحرب العالمية الثانية. وتمنى الممثلون إزالة العقبات على المدى الطويل بشأن الإقراض والتجارة الدولية والمدفوعات. وقد رفع مؤتمر غابات بريتون خططه إلى منظمتين دوليتين، هما: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير. وقد عمل الصندوق على تشجيع الاستقرار المالي الدولي، وذلك من خلال توفير المساعدات قصيرة الأجل، لمساعدة الأعضاء الذين يواجهون عجزًا في ميزان المدفوعات. وقد أعطى البنك قروضًا دولية ذات آجال طويلة، خاصة للدول ذات النمو المتدني.

[15]  - الحرب الباردة (بالروسية: Холодная война وبالإنجليزية: Cold War) هو مصطلح يُستخدم لوصف حالة الصـراع والتوتر والتنافس التي كانت توجد بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وحلفائهم، من فترة منتصف الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات.

خلال هذه الفترة، ظهرت الندية بين القوتين العظيمتين، خلال التحالفات العسكرية، والدعاية، وتطوير الأسلحة، والتقدم الصناعي، وتطوير التكنولوجيا، والتسابق الفضائي. ولقد اشتركت القوتان في الإنفاق الضخم على الدفاع والترسانات النووية والحروب غير المباشرة باستخدام وكلاء.

[16]  - جورج هربرت واكر بوش (بالإنجليزية: George Herbert Walker Bush)‏؛ (12 يونيو 1924 - 30 نوفمبر 2018) كان سياسيًا أمريكيًا، والرئيسَ الحادي والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية؛ من عام 1989 إلى 1993، ونائب رئيس الولايات المتحدة الثالث والأربعين بين عامي 1981 إلى 1989. كان بوش عضواً في الحزب الجمهوري، وعضواً في الكونغرس، وسفيراً، ثُمّ مديراً للمخابرات المركزية الأمريكية. منذ عام 2000، أصبح يشار إليه باسم "جورج هـ. و. بوش" أو "بوش 41" أو "بوش الأكبر" أو "جورج بوش الأب" لتمييزه عن ابنه الأكبر (جورج دبليو بوش)، الذي أصبح الرئيس الثالث والأربعين الولايات المتحدة، بعد انتخابات عام 2000.

[17]  - ميخائيل سيرغيفيتش غورباتشوف (بالروسية: Михаи́л Серге́евич Горбачёв) (ولد 2 مارس 1931)، شغل منصب رئيس الدولة في الاتحاد السوفييتي السابق بين عامي 1988 و 1991، ورئيس الحزب الشيوعي السوفيتي بين عامي 1985 و1991. كان يدعو إلى إعادة البناء، أو البريسترويكا. شارك (رونالد ريغان) في إنهاء الحرب الباردة، وحصل على جائزة نوبل للسلام عام 1990. آتت البريسترويكا ثمارها في 26 ديسمبر 1991، عندما توارى الاتحاد السوفيتي في صفحات التاريخ، بعد توقيع (بوريس يلتسن) على اتفاقية حل اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية.

[18]  - صلحُ وستفاليا أو سلامُ وستفاليا (بالإنجليزية: Peace of Westphalia)‏ هو اسمٌ عامٌّ يُطلقُ على معاهدتيْ السلامِ اللتيْنِ دارتِ المفاوضاتُ بشأنِهِما في كلٍّ منْ مدينتيْ أوسنابروكَ (بالألمانية: Osnabrück) (والتي أضحتْ تلقبُ بمدينةِ السلامِ منْ بعدُ)، ومونسترَ (بالألمانية: Münster) في (وستفاليا). وتمَّ التوقيعُ عليهِما في 15 مايو/أيارَ لعامِ 1648م و24 أكتوبر/تشـرينَ الأولِ 1648م وحُرّرّتا باللغةِ الفرنسيةِ. أنهتْ هاتانِ المعاهدتانِ حربَ الثلاثينَ عاماً في الإمبراطوريةِ الرومانيةِ المقدسةِ (وقعتْ معظمُ مسارحِ هذهِ الحربِ في ألمانيا القديمة، بحدودها ما قبل الحرب العالمية الأولى)، وحربَ الثمانينَ عاماً بينَ إسبانْيا ودولة المقاطعاتِ السبعِ المنخفضةِ المتحدةِ (أو فيما بعد: هولنْدا). وقعّها مندوبونَ عنْ كلٍّ منْ الإمبراطورِ الرومانيِّ المقدسِ (فرديناندِ الثالثِ) (37-1657م) (منْ آلِ هابسبورج)، وممالكِ: فرنْسا، وإسبانْيا، والسويدِ، وجمهورية هولندا، والإماراتِ الكاثوليكيّةِ، والبروتستانتيّةِ، التابعةِ للإمبراطوريةِ الرومانيةِ المقدسةِ.

[19] - النظام العالمي؛ تأملات حول طلائع الأمم ومسار التاريخ، هنري كيسنجر، ت: د.فاضل جتكر، دار الكتب العربية، بيروت – لبنان، 2015، ص 12.

[20]  - العولمة الثقافية، ص31.

[21]  - راجع كتاب: أمريكا طليعة الانحطاط.

[22] - النظام العالمي، ص19.

[23]  - النظام العالمي، هنري كيسنجر، ص34.

[24]  - العولمة الثقافية، ص 33.

[25]  -  استعادة الخلافة: تفكيك الاستعمار والنظام العالمي، سلمان السيد، ترجمة: محمد سيد بشرى، ص13، الشبكة العربية للأبحاث والنشر.

[26] - استعادة الخلافة تفكيك الاستعمار والنظام العالمي، ص12.

[27]  - استعادة الخلافة تفكيك الاستعمار والنظام العالمي، ص13.

[28]  -   النظام العالمي، هنري كيسنجر،  ص 24.

[29]  - الإمبريالية الأمريكية.. تاريخ من القتل والتآمر والاستعمار، راية الاشتراكية، تاريخ الولوج 09/08/2009، نسخة محفوظة 04 مايو 2012 على موقع واي باك مشين.

[30]  - وللمزيد من المعلومات، انظر: (ماذا يريد العم سام؟ نعوم تشومسكي)، (أمريكا طليعة الانحطاط ، روجيه غارودي).

[31]  - النظام العالمي، ص35.

[32]  - النظام العالمي، ص46.

[33]  -الاختيار: السيطرة على العالم أم قيادة العالم، زبيغنيو بريجنسكي، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، 2004م، ص7.

[34]  - النظام العالمي، ص16.

[35]  -  الاختيار: السيطرة على العالم أم قيادة العالم، زبيغنيو بريجنسكي، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، 2004م، ص7.

[36]  - الهيمنة أم البقاء السعي الأميركي إلى السيطرة على العالم، نعوم تشومسكي، ص19.

[37]  - الاختيار السيطرة على العالم أم قيادة العالم، زبيغنيو بريجنسكي، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، 2004م، ص7.

[38]  - هو باحث تركي/ألماني، تخصص في التراث العلمي العربي والإسلامي. كان المدير الفخري لمعهد دراسات التاريخ والعلوم الإسلامية والعربية في (جامعة غوته)، في (فرانكفورت)، والذي كان أحد مؤسسيه. وُلد يوم 24 ربيع الأول 1342هـ، المُوافق 24 تشـرين الأول، (أكتوبر) 1924م، بمدينة (بدليس) بالأناضول، وتوفي يوم 16 شوال 1439 هـ، المُوافق 30 يونيو 2018م، في مدينة إسطنبول.

[39]  - العولمة الثقافية الحضارات على المحك، جيرار ليكلرك، ترجمة: جورج كتورة، دار الكتاب الجديد المتحدة، 2004م، ص16.

[40]  - النظام العالمي،  ص179.

[41]  - النظام العالمي، ص190.

[42]  - النظام العالمي، ص198.

[43]  - النظام العالمي، ص107.

[44]  - النظام العالمي، ص107.

[45]  - النظام العالمي، ص107.

[46]  - النظام العالمي، ص103.

[47]  - النظام العالمي، ص 117.

[48]  - النظام العالمي، ص117.

[49]  - النظام العالمي، ص103.

[50]  -   العولمة الثقافية الحضارات على المحك، ص13.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق