21‏/01‏/2022

التبليغ وجدواه

عمار وجيه

?  في كثير من الأحيان أسمع وأقرأ تعليقات للأصدقاء حين ننصح من يوصفون بـ (المنافقين) من أمتنا، بأنه لا جدوى من النصيحة، وأسمعت لو ناديت حياً، ولكن لا حياة لمن تنادي.  فرأيت أن أذكر نفسي وإياكم بنصوص الوحي الدالة على وجوب التبليغ:

 - فالأمم الغابرة على الإطلاق تم تبليغها، بل إن نوحاً - عليه السلام - دعاهم ٩٥٠ عاماً، ولم يتوقف إلا بعد أن يئس، وعلم أنهم قفلوا كل دوائر التواصل مع نبيهم، بتوريث ذرياتهم الفجور والكفر.

-  وبالرغم من كفرهم وجحودهم، كان رسلهم يدعونهم بلفظة (يا قومِ)، تأليفاً لقلوبهم.

 -  بل إن نبي الله صالح - عليه السلام - وهو يغادرهم، قبل أن يهلكهم الله بالصيحة، قال كلمته الأخيرة، معذرة إلى ربه سبحانه: ﴿فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين﴾ [الأعراف: ٧٩]

 - وموسى - عليه السلام - تحمل من قومه، وأبناء عمومته بني إسرائيل، أذىً كثيراً، قل نظيره، واستمر بدعوتهم بلطف وحلم تارة، وبزجر وتقريع أخرى، ولم يتركهم حتى مات بين ظهرانيهم، ومن أقواله المحفزة لقومه: ﴿وَإِذ قالَ موسى لِقَومِهِ يا قَومِ اذكُروا نِعمَةَ اللَّهِ عَلَيكُم إِذ جَعَلَ فيكُم أَنبِياءَ وَجَعَلَكُم مُلوكًا وَآتاكُم ما لَم يُؤتِ أَحَدًا مِنَ العالَمينَ﴾ [المائدة: ٢٠].

- وبالرغم من أن بني إسرائيل فعلوا الأفاعيل عبر مئات بل ربما ألوف السنين، من قتل للأنبياء، وتحريف للتوراة، وكفر، وربا، وفواحش، فإن القرآن خاطبهم بخطاب الموعظة والتذكير، ولم يطلب من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يتركوهم ليهلكوا، بل يبلغوهم ليقيموا عليهم الحجة البالغة بعد نزول القرآن المحكم المحفوظ على قلب النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام. فقال تعالى: ﴿يا بَني إِسرائيلَ اذكُروا نِعمَتِيَ الَّتي أَنعَمتُ عَلَيكُم وَأَوفوا بِعَهدي أوفِ بِعَهدِكُم وَإِيّايَ فَارهَبونِ﴾ [البقرة: ٤٠]

- وأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد عاش حياته مبلغاً لقريش، وثقيف، وهوازن، وسليم، وغطفان، والأوس والخزرج، واليهود والنصارى، والمناذرة، والغساسنة، والفرس، والروم، والقبط… وجميع من تمكن من الوصول إليهم، أو إرسال رسله.

- وخير دليل على صبره وحلمه واستشرافه للمستقبل، ورؤيته الاستراتيجية، هو أنه لم يغضب لنفسه بعد أن آذاه أهل الطائف من أولاد عبد ياليل وغيرهم، بل تأمل في ذرياتهم الخير: (… فنظرتُ فإذا فيها جبريلُ عليهِ السَّلامُ ، فَناداني فقالَ : يا محمَّدُ ، إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ ، قد سمِعَ قولَ قومِكَ لَكَ ، وما ردُّوا عليكَ ، وقد بعثَ اللَّهُ ملَكَ الجبالِ لتأمرَهُ بما شئتَ فيهِم

قالَ: فَناداني ملَكُ الجبالِ : فسلَّمَ عليَّ ، ثمَّ قالَ : يا محمَّدُ : إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد سمِعَ قولَ قومِكَ لَكَ ، وأَنا ملَكُ الجبالِ ، وقد بعثَني ربُّكَ إليكَ لتأمرَني أمرَكَ ، وبما شئتَ ، إن شئتَ أن أُطْبِقَ عليهِمُ الأخشبَينِ فعلتُ ،

فقالَ لَهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : بل أرجو أن يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصلابِهِم مَن يعبدُ اللَّهَ ، لا يشرِكُ بِهِ شيئًا.

فما أحلمك يا حبيبي يا رسول الله.

الخلاصة: وعطفاً على إجرام المليشيات في (ديالى)، أقول:

- يجب استخدام كل الطرق القانونية، والإعلامية، والعلاقاتية، والاجتماعية، والإغاثية، الرسمية وغير الرسمية، والتوعوية… لدعم المظلوم، وزجر الظالم..

- ومع ذلك كله، يجب أن لا تتوقف الدعوة إلى الله للجميع؛ سنة وشيعة، مسلمين وغير مسلمين.

فهناك من سيستجيب، ويكون عوناً للمظلوم على الظالم.

- وإذا قلنا إن نسبة كبيرة من شعبنا العراقي اليوم فاسقون ومنافقون وغافلون، فإن الحال لا يدوم، وإن التعليم ومحو الأمية اللغوية، والأمية الثقافية، والأمية الدينية، والأمية التنموية… هي الحل الأخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق