21‏/01‏/2022

أهمية المراجعات في تجديد دورة حياة الأحزاب والجماعات الإسلامية

محمد صادق أمين

?  اتباع منهجية المراجعات في عمل الجماعات الإنسانية عموماً، والدعوية الإسلامية خصوصاً، حالة صحية، من منطلق أن المعرفة الإنسانية معرفة نسبية؛ وهي متجددة بسبب اعتمادها على التراكم المتأتي من عاملي الزمن والممارسة العملية الحركية في الحياة، اللذان يُغيران خبرات الإنسان ومعارفه على الدوام، وبناء على ذلك يتغير تعاطيه مع الأحداث والوقائع.

وتأتي أهمية المراجعات في عمل الجماعات الدعوية الإسلامية، من كونها مؤسسات اجتماعية هي الأكثر التصاقاً بواقع الناس ومعاشهم، كون الدين عنصـر رئيسـي في حياة الإنسان، فيه يبدأ، وبه ينطلق، وبضوئه يقيّم حياته من الميلاد إلى الممات، خصوصاً أن في الإسلام نُظماً متنوعة شمولية متعددة، تستوعب حياة الفرد الشخصية

والجماعية، وتعمل على بنائها وفق الرؤية الربانية. وهذه الجزئية هي الأهم والأخطر التي جلبت على الأحزاب الإسلامية نقمة شـركاء الوطن، وعداوة العالم بأسـره، واتفاق قوى متناقضة في المصالح والأيدولوجيات على التوحد في مواجهتها وحربها.

متى تكون المراجعة؟

إذا كان دين الله؛ خيرٌ كله، وحقٌ كله، وبناءٌ وتنميةٌ كله، ونجاح وفلاح للفرد والمجتمع كله، وهذه مسلمة لا يجادل فيها مؤمن، فإن سلوك الحركة الإسلامية، وطريقة طرحها لدين الله للناس، والمنهجية التي تتبعها في ذلك، هو من يحدد وصول الرسالة للناس بنقائها وجمالها وما فيها من حق، وبالتالي الوصول للهدف الذي أنشأت الحركة من أجله، أو وصولها مشوهة على غير وجهها الحقيقي، وبالتالي الإخفاق في تحقيق الهدف.

فحين تستقي السلوكيات جمالها من جمال المنهج، وتراعي عوامل متغيرات الزمان والمكان والظرف والبيئة، يتحول منهج العمل إلى منهج مثمر منتج. وقياس ذلك كثرة الاتباع، وتحلّق الناس حول الحركة، وقدرتها على تقديم معالجات لقضايا الناس وهمومهم الاجتماعية والاقتصادية والمعاشية.

على سبيل المثال، لو افترضنا حركة من الحركات كانت في مرحلة من عمرها حاضنة للمجتمع، يجد فيها الناس ملاذهم عند الأزمات، ونجحت عبر رموزها الدعوية والاجتماعية، وعبر أعمالها الإغاثية والإنسانية، بالوصول إلى قلوب الناس وبيوتهم، وحققت أعداد تنظيمها الصلب نمواً مُطرداً، إلى جانب تضاعف أعداد الهالة الاجتماعية إلى أضعاف مضاعفة عاماً بعد عام.

ذات الحركة، بنفس قدراتها وإمكاناتها، تعاملت مع ذات المجتمع، في ظل متغير ما، ليتحول المشهد في سنوات قليلة من النقيض إلى النقيض، وأصبحت تعاني من نكران اجتماعي، بسبب حجم الملاحظات والملابسات والمؤشـرات التي أحاطت بسلوكها، وسلوك أفرادها، الأمر الذي تسبب في تراجع الهالة الاجتماعية، وبلوغها أرقاماً صفرية في قواعدها التنظيمية والاجتماعية.. ألا تصبح المراجعات الشاملة من أوجب الواجبات لهذه الحركة؛ في مناهجها، وسلوك أفرادها، وخطابها الاجتماعي والسياسي، وبرامجها الداخلية والخارجية، وقبل ذلك وبعده: من يقوم على هذه البرامج، ويخطط لها، وينفذها على أرض الواقع؟.

إذا تغاضت هذه الحركة عن المخرجات، وتسترت على الأخطاء، وخشـي القائمون عليها على مصالحهم وأسمائهم وعناوينهم، وحادت عن طريق المراجعة الحقيقية، أو نحت نحو المراجعات الشكلية، فأقم عليها مأتماً وعويلاً، لأنها اتخذت قرارها بالانجرار وراء الانحدار، ثم الاندثار.

وإذا كان القائمون على أمرها ربانيون بما يكفي، فإنها ستراجع خطواتها بكل عناية ودقة، وتمحص برامجها وخططها بكل عناية وموضوعية، وستؤشـر إلى مواطن الخلل، وتشخص المخطئين بذواتهم، وإن كانوا في مواقع المسؤولية، ثم تجدد المسيرة ببرامج جديدة، أو وجوه جديدة، أو بتجديد يشمل الأمرين معاً، دون استثناء، فالأشخاص خطائون زائلون، والدعوة باقية ما بقي الليل والنهار وتعاقبا.

وللمراجعة الحقيقية الجوهرية الصادقة المحايدة، مجموعة خطوات، أعرّج على بعضها حسب ما تتسع مساحة النشـر.

 

فتح باب النقد على مصاريعه

لن تتمكن أي حركة بشـرية من تحقيق المراجعات الناجزة، مالم تكسـر الأسوار التي تحمي بها نفسها من غوائل النقد، وشـرره المتطاير، على اختلاف قدرات الناقدين، وثقافتهم، وطبائعهم في النقد، وتحمل ذلك، وتلقيه بصدر رحب، وتدقيق، ومتابعة.

فالنصيحة واحدة من أهم القيم التي جعلها الإسلام وسيلة لبناء المجتمع، وهي بذلك ركيزة مهمة من ركائز بناء المؤسسة الدعوية، بها يتحقق الارتقاء، وبدونها تضيع الطاقات، وتتبدد الخبرات، وتحرم الجماعة من أهم روافع الارتقاء.

فقد روى البخاري ومسلم عن جرير بن عبد اللَّه -رضي الله عنه- قال: بايعت رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وسلَّم - على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم.

وكذا قوله - صلى الله عليه وسلم-: (الدين النصيحة)، قلنا لمن؟، قال: (لله، ورسوله، وكتابه، وأئمة المسلمين وعامتهم) مسلم.

ويعتبر النقد من أهم أركان النصيحة، ومن أهم عوامل تحقيق الرقي المؤسسـي، فالمؤسسات الكبرى المعاصـرة تخصص أقساماً فيها، مهمتها فقط نقد ما تقدمه من منتج، بهدف الارتقاء بالأداء للصورة الأمثل.

 

أنواع النقد

ولكن؛ ما هي ماهية النقد؟ وهل يصح أن يقال عن كل كلام يقال، أنه نقد؟ وما هي آداب الناقد، والمهارات التي ينبغي أن يتمتع بها؟.

النقد نوعان؛ بناء: هدفه تقويم الخطأ، وتقديم النصح لإصلاحه على أسس علمية، من شخص متخصص في المجال الذي ينقده، شـرط أن يفعل ذلك دون تعصب، أو تبني أحكام مسبقة.

أما النوع الثاني، فهو؛ هدام: وسمّي هداماً لأن مخرجاته تؤدي إلى تعطيل عجلة العمل، بدل إصلاح مساره وفق ما يقتضي النصح. فالناقد الهدام يعمد إلى النيل من الآخرين، والتشكيك في قدراتهم، أو شـرعيتهم، ويترصد الأخطاء، ويؤطرها في طرح ينال به من شـرعية المؤسسة، أو العاملين على الملفات محل النقد.

وليكون النقد بناءً، لا بد من توفر الشـروط التالية فيه:

1-             الناقد البناء، يقدم المشاريع الإصلاحية في مجال تخصصه، بناء على رؤيته للواقع، وفهمه واستيعابه له، قبل أن يمارس النقد. فكاتب هذه السطور، مثلاً، متخصص في الإعلام، وإذا أراد أن يسلك طريق النقد البناء، فإن مبتدأ الطريق يكون بتقديم مشـروع إصلاحي للإعلام، يعرضه على الجهة المعنية، فيه رؤية تفصيلية تأخذ بالإمكانات المتاحة، وتقترح حلولاً للعقبات المعطلة للعمل الذي هو محل النقد. إن فعلتُ ذلك أكون قد استوفيت أول شـرط من شـروط من له حق الانتقاد للأداء.

2-             أن يخلو النقد من التجريح، والتعصب لفكرة مسبقة يتبناها الناقد، ويعتبرها صواباً من وجهة نظره، ويشفع نقده برأي تخصصـي مسند بالأدلة، إذ لا يكفي أن يقول هناك خلل في الجزء الفلاني، بل أن يشخص موضع الخلل، ويردف ذلك بالإشارة إلى الصواب، أو حل المشكل محل النقد.

3-             أن لا يعتبر الناقد رأيه هو الحقيقة المطلقة غير القابلة للنقض، فالناقد البناء يقدم ما يراه صواباً مستنداً إلى خبرته وعلمه، ثم يسلم بأن رأيه قد يؤخذ به، وقد لا يؤخذ.

4-             أن يكون هدف النقد تقديم الحلول للمشاكل، ومناقشتها مع الآخرين، دون أن يلتفت إلى ذوات الأشخاص، فيجعل من التشكيك في أهليتهم مدخلاً للنقد.

5-             أن يفصل الناقد بين فكرة وأخرى، فلا ينتقد بطريقة البلدوزر الذي يجرف كل شـيء أمامه، ويرى كل شيء أسود دون أن يلمح بياضاً في ما ينتقد، إذ لا يوجد في الكون مطلقات؛ لا شـر مطلق، ولا خير مطلق.

إذا استوفى الناقد شـروط النقد، وفتحت المؤسسة مصاريع أبوابها لكل ناقد، تكون قد وصلت إلى واحدة من أهم المرايا التي يمكن أن ترى فيها ذاتها. وإذا اختل أي من الشـرطين، تحولت عملية النقد إلى عبث، ودوران في الفراغ.

وللحديث بقية..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق