03‏/04‏/2023

نظريات المواجهة.. كيفية التعامل مع الحاكم الجائر (من كنوز قلائد الجمان شـرح اللؤلؤ والمرجان) (الحلقة الرابعة)

فكرة وإعداد وشرح: صالح شيخو الهسنياني

في الحلقات السابقة تطرقنا إلى النظريات التالية:
1.       نظرية هجر الظالمين.
2.       النظرية العندية.
3.       نظرية النصح (النظرية النصحية).
4.       نظرية السمع والطاعة.   
5.       نظرية التقديس.
6.       نظرية الاعتراف. 
7.       نظرية الدعاء والاستسلام (نظرية الحسن البصري). 
8.       نظرية الطاعة المطلقة.  
9.       نظرية الصبر وتجميد شروط الإمامة (نظرية الحسن بن علي).

10.   نظرية الموقف (نظرية الأئمة): 

تقول النظرية: (لا خروج، ولا سمع، ولا طاعة، لأئمة الجور، أو الحاكم المتغلب).

 هذه النظرية استنبطناها من مواقف العلماء والفقهاء الأجلاء مع بعض خلفاء بني أمية وبني العباس، ومن بعدهم، الذين تصدوا لانحراف السلطة وجورها، وابتعادها عن مبدأ الشورى ونهج الخلفاء الراشدين. فمنهم من رأى المقاومة السلبية للسلطة، ورفض الدخول في أعمالها، أو التعاون مع الخلفاء والأمراء، وقد رفض الكثير من العلماء تولي القضاء في تلك الفترة، أو التقرب ممن بيدهم مقاليد الأمر، لنيل المناصب والجوائز والمكافآت، أو السكن في الفيلات والأبراج والقصور الفارهة، والتهافت على ما يتصدق به عليهم من قِبل صاحب الفضيلة والمبجل الأعظم.. بل عاشوا طريدين مختفين، معذبين في السجون، وعانوا من الموت تحت التعذيب، أو الاغتيال بصور غير مباشرة، وفضلوا ذلك على أن يعملوا مع هؤلاء الخلفاء لإضفاء الشـرعية على سلطتهم.. ولا ننسـى أن الكثيرين منهم دخلوا على أمراء الجور بالوعظ والنصح والإرشاد وقول الحق في وجوههم، من دون خوف ولا تردد. عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)، أَوْ دَخَلَ، وَنَحْنُ تِسْعَةٌ وَبَيْنَنَا وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ: (إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ يَكْذِبُونَ وَيَظْلِمُونَ، فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ، فَصَدَّقَهُمْ بِكِذْبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَيُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَارِدٌ عَلَيَّ الْحَوْضَ)[1].

ومع ما لاقاه هؤلاء على أيديهم؛ من التعذيب والسجن، وحتى الاستشهاد، فإنهم لم يخرجوا عليهم خروجاً مسلحاً - كما قال بعض العلماء من بعدهم - درءاً للفتنة، أو لأن الخروج من طاعتهم يترتب عليه من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم. 

 

مؤيدو هذه النظرية:

ومن أشهر المواقف في التصدي للخلفاء، وجورهم، والنصح بعدم الخروج عليهم:

1. مواقف بعض الصحابة، والتابعين، من خروج الحسين إلى أهل العراق:

-قال ابن عمر للحسين: لا تخرج، فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خيّره الله بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنك بضعة منه ولا تنالها (يعني الدنيا)، واعتنقه وبكى، وودّعه. فكان ابن عمر يقول: غلبنا الحسين بن علي بالخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهما ما كان ينبغي له ألا يتحرك ما عاش، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فإن الجماعة خير.

-وقال له ابن عباس: أين تريد يا ابن فاطمة؟ فقال: العراق، وشيعتي. فقال: إني لكره لوجهك هذا؛ تخرج إلى قوم قتلوا أباك، وطعنوا أخاك، حتى تركهم، سخطةً وملالة لهم؟! أذكّرك الله أن تغرّر بنفسك.

-وقال عبد الله بن الزبير للحسين: أين تذهب؟! تذهب إلى قوم قتلوا أباك، وطعنوا أخاك؟ لا تذهب! فأبى الحسين إلَّا أن يخرج([2]). 

-وقال أبو سعيد الخدري: غلبني الحسين بن علي على الخروج، وقد قلت له: اتق الله في نفسك، والزم بيتك، ولا تخرج على إمامك.

-قال أبو واقد الليثي([3]): بلغني خروج الحسين بن علي، فأدركته بملل، فناشدته الله أن لا يخرج، فإنه يخرج في غير وجه خروج، إنما خرج يقتل نفسه. فقال: لا أرجع.

-وقال جابر بن عبد الله: كلمت حسيناً فقلت: اتق الله ولا تضـرب الناس بعضهم ببعض، فوالله ما حمدتم ما صنعتم. فعصاني.

-وقال سعيد بن المسيب: لو أن حسيناً لم يخرج، لكان خيراً له.

-وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن([4]): قد كان ينبغي لحسين أن يعرف أهل العراق، ولا يخرج إليهم.

-وكتب إليه المسوّر بن مخرمة([5]): إياك أن تغترّ بكتب أهل العراق([6]).

ـ

2. موقف سعيد بن المسيب (ت: 94هـ/713م):

  فقيه الفقهاء، وعالم العلماء، سيد التابعين، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة. جمع بين الحديث والفقه والزهد والورع، وكان يعيش من التجارة بالزيت، ولا يأخذ عطاءاً. وكان أحفظ الناس لأحكام عمر بن الخطاب وأقضيته، حتى سمّي راوية عمر([7]).

اعتزل فتنة خروج أهل المدينة، ولم يدخل فيما دخلوا فيه، ولم يكن يحضـر لهم أمراً من أمورهم إلَّا الجمعة والعيد. وقد لزم المسجد نهاره، لا يبرحه إلى الليل، والناس في قتالهم أيام الحرة([8]).

يقول سعيد عن نفسه: لقد رأيتني ليالي الحرة وما في المسجد أحد من خلق الله غيري، وإن أهل الشام ليدخلون زمراً زمراً يقولون: انظروا إلى هذا الشيخ المجنون([9]).

 

موقفه مع عبد الملك بن مروان وولديه:

  دعي سعيد للبيعة للوليد وسليمان، بعد عبد الملك بن مروان، فقال: لا أبايع لاثنين ما اختلف الليل والنهار. قال: فقيل له: ادخل من الباب، واخرج من الباب الآخر، قال: والله لا يقتدي بي أحد من الناس. قال: فجلده مائة، وألبسه المسوح([10]).

وكان حجة سعيد بن المسيب في امتناعه عن البيعة أنه لا يجوز أن يبايع لاثنين بالخلافة في آن واحد([11]).

وقال عبد الرحمن بن عبد القاري لسعيد بن المسيب حين قامت البيعة للوليد وسليمان بالمدينة: إني مشير عليك بخصال. قال: ما هن؟ قال: تعتزل مقامك، فإنك تقوم حيث يراك هشام بن إسماعيل. قال: ما كنت لأغيّر مقاماً قمته منذ أربعين سنة. قال: تخرج معتمراً. قال: ما كنت لأنفق مالي وأجهد بدني في شيء ليس لي فيه نية. قال فما الثالثة؟ قال: تبايع. قال: أرأيت إن كان الله أعمى قلبك كما أعمى بصـرك، فما عليّ؟. (وكان أعمى). قال رجاء بن جميل الإيلي: فدعاه هشام بن إسماعيل إلى البيعة، فأبى، فكتب فيه إلى عبد الملك، فكتب إليه عبد الملك: مالك ولسعيد، وما كان علينا منه شيء نكرهه، فأما إذ فعلت فاضربه ثلاثين سوطاً، وألبسه تبان شعر، وأوقفه للناس، لئلا يقتدي به الناس. فدعاه هشام، فأبى وقال: لا أبايع لاثنين. فألبسه تُبَّان شعر([12])، وضـربه ثلاثين سوطاً، وأوقفه للناس([13]).

هذا هو موقف سعيد بن المسيب، وتمسّكه بفتواه، فقد رفض بشدة الخضوع للسلطان، وخداع الأمة، فهو يرى أن امتناعه عن البيعة، إذا لم يعلمه الناس، فلا جدوى منه، فلا بد للعالم والفقيه أن يبيّن ما يحدد موقفه([14]).

 

3. أبو عتاب منصور بن المعتمر السلمي (ت: 132هـ/750م):

 من أعلام رجال الحديث، أحد متقي مشايخ الكوفيين، ونساكهم. لم يكن فيها أحفظ للحديث منه. وكان ثقةً مأموناً، كثير الحديث، رفيعاً عالماً، كان أثبت أهل الكوفة. عن سفيان بن عيينة: زعموا أنه صام ستين سنة وقامها. مات بعد تولي العباسيين الخلافة بقليل([15]).

 

موقفه مع بني العباس:

قيل بعث إليه داود بن علي العباسي (عمّ السفاح) يستعمله، فدخل عليه كاتبه، فقال: إن الأمير يريد أن يستعملك، فقال: إن ذلك ليس بكائن، أنا رجل سقيم معتل.

فحبسه ابن هبيرة شهراً يريده على القضاء، فأبى عليه([16]).

قال العجلي: أُكره على القضاء شهرين([17]). 

 

4. أبو حنيفة النعمان بن ثابت (ت: 150هـ/767م):

 هو الإمام المقدم، فقيه العراق، وأفقه أهل الأرض في زمانه، وأحد أئمة الإسلام، والسادة الأعلام، وأحد أركان العلماء، وأستاذ مدرسة الرأي، العَلَم العلّامة، وأحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة، وهو أقدمهم وفاة. كان من أذكياء بني آدم، جمع الفقه والعبادة، والورع والسخاء. وكان لا يقبل جوائز الدولة، بل ينفق ويؤثر من كسبه.

كان يأبى العمل لخلفاء بني أمية وبني العباس، ويعدّهم أئمة جور، لأن الأمّة لم تخترهم عن شورى ورضا. وقد كان العلماء يتأولون في رفضهم العمل لهؤلاء الخلفاء قوله تعالى: {وَلَا تَركَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ}[هود: 113]، ويرون أن القضاء لهم من الركون إليهم، وإضفاء الشـرعية على ولايتهم. ولهذا عذّب الخلفاء والأمراء كثيراً ممن رفضوا تولي القضاء، فقد قام ابن هبيرة أمير العراق - في عهد بني أمية - بتعذيب أبي حنيفة، لرفضه تولي القضاء لهم، كما تعرض للتعذيب في عهد أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي الثاني. قيل: دعا أَبُو جعفر أبا حنيفة إلى القضاء، فأبَى عليه، فحبسه، ثم دعا به يوماً، فقال: أترغب عما نحن فيه؟ قال: أصلح الله أمير المؤمنين، إني لا أصلح للقضاء، فقال له: كذبت. قال: ثم عرض عليه الثانية، فقال أَبُو حنيفة: قد حكم عليّ أمير المؤمنين أني لا أصلح للقضاء، نسبني إلى الكذب، فإن كنت كاذباً فلا أصلح، وإن كنت صادقاً، فقد أخبرت أمير المؤمنين أني لا أصلح، قال: فردّه إلى الحبس([18]).

شعر أبو حنيفة أن المراد ليس إسناد القضاء إليه، بل انتفاع الدولة باسمه، واكتسابها تأييده، فأبى قبول المنصب المعروض، وزجّ به الخليفة في السجن([19]).

فمع أن للقاضي استقلاليته الكاملة في القضاء، إلَّا أن أبا حنيفة كان يرى أنهم أئمة جور، ولا يرى الدخول في أعمالهم، حتى لا يتم إضفاء الشـرعية على سلطتهم، وهذا حدا بالخلفاء والأمراء إلى إلزام العلماء بالقضاء، ولو بالضرب والحبس، لإضفاء الشرعية على سلطتهم.

وقد ظل أبو حنيفة في السجن حتى مات سنة (150هـ/767م)، وقيل: ضرب فيه حتى مات. وكان ذلك أيضاً لوقوفه مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن، حين خرج على المنصور([20]).

 

5. ابن أبي ذئب (ت: 159هـ/776م):

 هو الإمام شيخ الإسلام أبو الحارث محمّد بن عبد الرّحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب القرشيّ المدنيّ الفقيه. كان من أوعية العلم، ثقة، فاضلاً، قوالاً بالحق، مهيباً([21]). قال أحمد بن حنبل: كان يشبّه بسعيد بن المسيّب، وما خلّف مثله.

كان أفضل من مالك، إلَّا أنّ مالكاً أشدّ تنقية للرّجال.

وقال الواقدي تلميذه: كان ابن أبي ذئب يصلّي الليل أجمع، ويجتهد في العبادة، فلو قيل له: إن القيامة تقوم غداً، ما كان فيه مزيد من الاجتهاد([22]). 

حجّ المنصور، فدعا ابن أبي ذئب فأقعده معه على دار الندوة عند غروب الشمس، فقال له: ما تقول في الحسن بن زيد بن الحسن ابن فاطمة؟ قال: فقال: إنه ليتحرى العدل. فقال له: ما تقول فيّ؟ مرتين أو ثلاثاً، فقال: وربّ هذه البنية إنك لجائر([23]).

لما حجّ المهدي دخل مسجد النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلم يبق أحد إلَّا قام، إلَّا ابن أبي ذئب، فقال له المسيّب بن زهير: قم، هذا أمير المؤمنين! فقال ابن أبي ذئب: إنما يقوم الناس لرب العالمين. فقال المهدي: دعه، فلقد قامت كل شعرة في رأسي([24]).

سئل أحمد بن حنبل عن مالك وابن أبي ذئب؟

فقال: ابن أبي ذئب أصلح في دينه، وأورع ورعاً، وأقوم بالحق من مالك عند السلاطين. وقد دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر فلم يهله أن قال له الحق، قال: الظلم فاش ببابك، وأبو جعفر أبو جعفر([25]).

 

6. سفيان الثوري (ت: 161هـ/778م): 

 الإمام شيخ الإسلام الفقيه الحافظ الحجّة العابد سفيان بن سعيد بن مسـروق الثوري، أمير المؤمنين في الحديث. هو أحد الأئمة المجتهدين، ومن أقطاب الإسلام وأركان الدين، ومن أكابر التابعين، جمع بين الفقه والحديث والزهد والورع والعبادة. والده المحدث سعيد بن مسـروق الثوري، من أصحاب الشعبي، وخيثمة بن عبد الرحمن؛ من ثقات الكوفيين. الفقيه الكوفي سيد أهل زمانه علماً وعملاً.

 طلبه المنصور، ثم المهدي، ليليَ الحكم، فتوارى منهما سنين، ومات بالبصـرة مستخفياً.

كان رأساً في الزهد والتأدب والخوف، رأساً في الحفظ، رأساً في معرفة الألفاظ، رأساً في الفقه، لا يخاف في الله لومة لائم، من أئمة الدين، وكان يُنكر على الملوك، ولا يرى الخروج أصلاً([26]).

 

حواره مع المهدي:

عن سفيان الثوري، قال: أدخلت على المهدي بمنى، فلما سلّمت عليه بالإمرة. قال لي: أيها الرجل طلبناك فأعجزتنا، فالحمد لله الذي جاء بك، فارفع إلينا حاجتك.

فقلت: قد ملئت الأرض ظلماً وجوراً، فاتق الله، وليكن منك في ذلك عبرة.

قال: فطأطأ رأسه، ثم رفعه، وقال: أرأيت إن لم استطع رفعه؟

قلت: تخلّيه لغيرك.

قال: فطأطأ رأسه، ثم قال: ارفع إلينا حاجتك.

قال: قلت: أبناء المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بالإحسان، بالباب، فاتق الله، وأوصل إليهم حقوقهم.

قال: فطأطأ رأسه.

فقال: أيها الرجل، ارفع إلينا حاجتك.

فقلت: وما أرفع؟ حدثني إسماعيل بن أبي خالد: قال: حج عمر بن الخطاب فقال لخازنه: (كم أنفقت؟ قال: بضعة عشر ديناراً، وأرى هنا أموراً لا تطيقها الجبال)([27]).

 

لا بد للناس من شـرطي:

 لقي سفيان الثوري شـريك القاضي([28]) بعدما ولي القضاء بالكوفة، فقال: يا أبا عبد الله، بعد الإسلام والتفقه والخير تلي القضاء، أو صرت قاضياً؟ فقال له شـريك: يا أبا عبد الله، لا بد للناس من قاض. فقال سفيان منكراً عليه: يا أبا عبد الله، لا بد للناس من شرطي.

من أقواله: النظر إلى وجه الظالم خطيئة، ومن دعا لظالم بالبقاء، فقد أحب أن يعصـى الله.

 وكان يقول: إن يسألوكم عن شيء، فلا تجيبوهم (يعني القضاة)([29]).

عن سفيان الثوري، قال: أتاه رجل في زمن هارون، فقال له: إن رجلاً قد خرج وأظهر ما ترى من العدل، فما ترى في الخروج معه؟ فقال له سفيان: كفيتك هذا الأمر، ونقرت لك عنه، اجلس في بيتك([30]).

 

7. الأوزاعي (ت: 170هـ/789م):

 عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، شيخ الإسلام، وعالم أهل الشام، أبو عمرو الأوزاعي. الثقة، المأمون، ولد بـ(بعلبك) سنة ثمان وثمانين، وكان عالم الأمّة، منفرداً بالسيادة، مع اجتهاد في إحياء الليل. أجاب في سبعين ألف مسألة([31]).

كان أهل الشام والمغرب على مذهبه، قبل انتقالهم إلى مذهب مالك -رحمه الله([32]).

قال النووي: "أجمع العلماء على إمامة الأوزاعي، وجلالته، وعلو مرتبته، وكمال فضله، وأقاويل السلف - رحمهم الله- كثيرة مشهورة مصـرّحة بورعه، وزهده، وعبادته، وقيامه بالحق، وكثرة حديثه، وغزارة فقهه، وشدة تمسكه بالسُنّة، وبراعته في الفصاحة، وإجلال أعيان أئمة عصره من الأقطار له، واعترافهم بمرتبته"([33]).

 

موقفه مع عمّ السفاح:

رفض الأوزاعي أن يلي القضاء في الدولة العباسية، وكان ممن يرى المقاومة السلمية، وقد استدعاه عبد الله بن علي، عمّ السفاح والمنصور، بعد أن سيطر على الشام، وقتل بني أمية، سنة (132هـ/750م).

قال الأوزاعي: لَمَّا فَرَغَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ -يَعْنِي: عَمَّ السَّفَّاحِ- مِنْ قَتْلِ بَنِي أُمَيَّةَ، بَعَثَ إِلَيَّ، وَكَانَ قَتَلَ يَوْمَئِذٍ نَيِّفاً وَسَبْعِيْنَ مِنْهُم بِالكَافِركُوبَاتَ([34]).

قَالَ: بَعَثَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ إِلَيَّ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيَّ، وَقَدِمْتُ، فَدَخَلْتُ وَالنَّاسُ سِمَاطَانِ([35]). فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي مَخْرَجِنَا، وَمَا نَحْنُ فِيْهِ؟

قُلْتُ: أَصلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، قَدْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ مَوَدَّةٌ.

قَالَ: لَتُخْبِرَنِّي.

فَتَفَكَّرْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: لأَصْدُقَنَّهُ.

وَاسْتَبسَلْتُ([36]) لِلْمَوْتِ، ثُمَّ رَوَيتُ لَهُ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ حَدِيْثَ الأَعْمَالِ([37])، وَبِيَدِهِ قَضِيبٌ يَنكُتُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! مَا تَقُوْلُ فِي قَتْلِ أَهْلِ هَذَا البَيْتِ؟

قُلْتُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ: عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ ... )[38]، وَسَاقَ الحَدِيْثَ.

فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الخِلاَفَةِ، وَصِيَّةٌ لَنَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)؟

فَقُلْتُ: لَوْ كَانَتْ وَصِيَّةً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ، مَا تَرَكَ عَلِيٌّ أَحَداً يَتَقَدَّمُهُ.

قَالَ: فَمَا تَقُوْلُ فِي أَمْوَالِ بَنِي أُمَيَّةَ؟

قُلْتُ: إِنْ كَانَتْ لَهُم حَلاَلاً، فَهِيَ عَلَيْكَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِم حَرَاماً، فَهِيَ عَلَيْكَ أَحرَمُ.

فَنَكَسَ رَأْسَهُ، وَنَكَسْتُ، فَأَطَلْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: البَولَ.

فَأَشَارَ بِيَدِهِ: اذْهَبْ.

فَقُمْتُ، فَجَعَلتُ لاَ أَخطُو خُطوَةً إِلَّا قُلْتُ: إِنَّ رَأْسِي يَقَعُ عِنْدَهَا.

فَأَمَرَنِي، فَأُخْرِجْتُ.

قُلْتُ (والقول للإمام الذهبي): قَدْ كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ مَلِكاً جَبَّاراً، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، صَعبَ المِرَاسِ، وَمَعَ هَذَا فَالإِمَامُ الأَوزَاعِيُّ يَصْدَعُهُ بِمُرِّ الحَقِّ كَمَا تَرَى، لاَ كَخَلْقٍ مِنْ عُلَمَاءِ السُّوءِ الَّذِيْنَ يُحَسِّنُوْنَ لِلأُمَرَاءِ مَا يَقْتَحِمُوْنَ بِهِ مِنَ الظُّلمِ وَالعَسْفِ، وَيَقلِبُوْنَ لَهُمُ البَاطِلَ حَقّاً - قَاتَلَهُمُ اللهُ - أَوْ يَسكُتُوْنَ مَعَ القُدْرَةِ عَلَى بَيَانِ الحَقِّ([39]). 

 

8. مالك بن أنس (ت: 179هـ/795م):

  شيخ الإسلام، حجة الأمّة، إمام دار الهجرة، أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، المدني، إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه تنسب المالكية. مولده ووفاته في المدينة. كان صلباً في دينه، بعيداً عن الأمراء والملوك، وشي به، فضـربه سياطاً انخلعت لها كتفه. ووجه إليه الرشيد العباسي ليأتيه فيحدثه، فقال: العلم يؤتى! فقصد الرشيد منزله.

نشأ في صون ورفاهية وتجمل. قيل لم يكن بالمدينة عالم من بعد التابعين يشبه مالكاً في العلم، والفقه، والجلالة، والحفظ. وجلس للإفادة، وله إحدى وعشـرون سنة، وحدث عنه جماعة وهو حيي شاب طري. وقصده طلبة العلم من الآفاق في آخر دولة أبي جعفر المنصور، وما بعد ذلك، وازدحموا عليه في خلافة الرشيد، وإلى أن مات([40]).

محنته:

 في سنة (147هـ/764م) أفتى الإمام مالك أن يمين المكره لا تلزمه، عملاً بقول ابن عباس: (لَيْسَ عَلَى مُسْتَكْرَهٍ طَلَاقٌ)، وكانت هذه الفتوى سبباً للثورة عليه، والنيل من مكانته العلمية؛ فلما بلغ الأمر أبو جعفر المنصور، أمر الإمام مالك ألَّا يحدث الناس بهذا الحديث، وبهذه الفتوى، ونهاه عن ذلك بشدة. ثم دس إليه من سأله، فحدّث به على رؤوس الناس، وقيل: إن الذي نهاه هو جعفر بن سليمان والي المدينة، وقيل: إنه سعى به إلى جعفر، وقيل له: إنه لا يرى أيمان بيعتكم بشـيء. وقيل: إنه أفتى عند قيام محمد (النفس الزكية) بن عبد الله العلوي، بأن بيعة أبي جعفر لا تلزم، لأنها على الإكراه"([41]).

 ضـرب جعفر بن سليمان مالك بن أنس في طلاق المكره، قال ابن وهب: وحمل على بعير، فقال: ألا من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي، وأنا أقول: طلاق المكره ليس بشـيء. فبلغ جعفر بن أبي سليمان أنه ينادى على نفسه بذلك، فقال: أدركوه، أنزلوه([42]). فأمر جعفر بن سليمان بتجريده من ملابسه، وضربه بالسياط، وجذبت يده حتى انخلعت كتفه، وبقي بعد ذلك مطال اليدين لا يستطيع أن يرفعهما، ولا أن يرتب رداءه، وعذبه عذاباً شديداً. وقيل: حمل مغشياً عليه؛ فلما أفاق، ودخل الناس عليه، قال: أشهدكم أني جعلت ضاربي في حل. ثم قال في اليوم الثاني: قد تخوفت أن أموت أمس، فألقى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فأستحي منه بأن يدخل بعض آله النار بسببي([43]).

وكان يقول: ضربت فيما ضرب فيه محمد بن المنكدر، وربيعة الرأي، وابن المسيب. ويذكر قول عمر بن عبد العزيز: ما أغبط أحداً لم يصبه في هذا الأمر أذى([44]).

رفض مالك تولي القضاء، وكان إذا سئل عن القتال مع الخلفاء ضد من خرج عليهم، يقول: إن كان الخليفة كعمر بن عبد العزيز، فقاتل معه، وإن كان مثل هؤلاء الظلمة، فلا تقاتل معهم.

 بل كان لا يرى الجهاد مع أئمة الجور، إلَّا حالة الضرورة([45]). 

 

مرضه:

  كان مالك يشهد الصلوات والجمعة والجنائز، ويعود المرضى، ويقضـي الحقوق، ويجلس في المسجد، ويجتمع إليه أصحابه، ثم ترك الجلوس في المسجد، وكان يصلي ثم ينصـرف إلى منزله، وترك شهود الجنائز، فكان يأتي أصحابها فيعزيهم، ثم ترك ذلك كله، فلم يكن يشهد الصلوات في المسجد، ولا الجمعة، ولا يأتي أحداً يعزيه، ولا يقضـي له حقاً، واحتمل الناس ذلك كله له([46]). 

 ولما حضـرته الوفاة سئل عن تخلفه عن المسجد، وكان تخلف عنه سبع سنين قبل موته، فقال: لولا أني في آخر يوم من الدنيا، وأوله من الآخرة، ما أخبرتكم، بي سلس بول فكرهت أن آتي مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكرهت أن أذكر علتي فأشكو ربي. وقيل: كان اعتراه فتق من الضـرب الذي ضربه، فكانت الريح تخرج منه، فقال: إني أوذي المسجد والناس([47]).

 

 

9. أحمد بن نصر الخزاعي (ت: 231هـ/846م):

الإمام الكبير، الشهيد، أبو عبد الله أحمد بن نصـر بن مالك بن الهيثم الخزاعي، المروزي، ثم البغدادي. كان جده أحد نقباء الدولة العباسية([48]). وكَانَ أَحْمَد بن نصـر من أهل الفضل وَالعلم، مشهوراً بالخير، أمّاراً بالمعروف، قوَّالاً بالحق. سمع الحَدِيث من مالك بن أنس، وغيره.

قُتل أَحمد بن نصـر بن مالك الخزاعي سنة إحدى وثلاثين ومائتين. وكَانَ قتله فِي خلافة الواثق، لامتناعه عن القول بخلق القرآن([49]).

وكان الإمام أحمد بن حنبل يقول: رحمه اللَّه، ما كَانَ أسخاه، لقد جاد بنفسه([50]).

وكان يحيى بن معين يترحم عليه، ويقول: ختم الله لَهُ بالشهادة([51]).

وقال ابن كثير: وقد كان أحمد بن نصـر هذا من أكابر العلماء العاملين، القائمين بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر([52]).

ذكر البغدادي في تاريخه: لم يصبر في المحنة إلَّا أربعة، كلهم من أهل مرو: أحمد بن حنبل أبو عبد الله، وأحمد بن نصـر بن مالك الخزاعي، ومحمد بن نوح بن ميمون([53])، ونعيم بن حماد([54])، وقد مات في السجن([55]).

 

10. أحمد بن حنبل (ت: 241هـ/855م):

هو: الإمام حقاً، وشيخ الإسلام صدقاً، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، المروزي، ثم البغدادي، أحد الأئمة الأعلام، وإمام المحدثين، الناصر للدين، والمناضل عن السنة، والصابر في المحنة، الزاهد، العابد، النقي، التقي، الورع، ركن الدين، صاحب المذهب الحنبلي([56]).

 

من عبادته وزهده:                                                                       
قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مائة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط، أضعفته، فكان يصلي كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة([57]). 

قيل: جاء رجل بعشرة آلاف من ربح تجارته إلى أحمد، فردّها.

وقيل: إن صيرفياً بذل لأحمد خمس مائة دينار، فلم يقبل([58]).

 

محنته:

  في أيامه دعا المأمون إلى القول بخلق القرآن، ومات قبل أن يناظر ابن حنبل. وتولى المعتصم، وكان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، فقال أحمد: أنا رجل علمت علماً ولم أعلم فيه بهذا، فأحضـر له الفقهاء والقضاة فناظروه... فلم يجب، فضـرب وحبس وهو مصرّ على الامتناع، وكان ضربه في العشـر الأخير من شهر رمضان، سنة (220هـ/835م)، وكانت مدة حبسه إلى أن خلي عنه ثمانية وعشـرين شهراً، وبقي إلى أن مات المعتصم. فلما ولي الواثق، منعه من الخروج من داره، إلى أن أخرجه المتوكل، وخلع عليه، وأكرمه، ورفع المحنة في خلق القرآن([59]).

 

رأيه في الخروج:

_ سئل في أمر كان حدث ببغداد، إذ همَّ قوم بالخروج [على الواثق]، فقيل: يا أبا عبد الله، ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم؟ فأنكر ذلك عليهم، وجعل يقول: سبحان الله، الدماء، الدماء، لا أرى ذلك، ولا آمر به، الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يسفك فيها الدماء، ويستباح فيها الأموال، وينتهك فيها المحارم، أما علمت ما كان الناس فيه، يعني أيام الفتنة؟ قيل له: والناس اليوم، أليس هم في فتنة، يا أبا عبد الله؟ قال: وإنْ كان، فإنما هي فتنة خاصة، فإذا وقع السيف عمّت الفتنة، وانقطعت السبل، الصبر على هذا، ويسلم لك دينك خير لك. قيل: وكان ينكر الخروج على الأئمة([60]).

اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبد الله، فقالوا: يا أبا عبد الله، هذا الأمر قد تفاقم وفشا - يعنون إظهاره لخلق القرآن، وغير ذلك - فقال لهم أبو عبد الله: فما تريدون؟ قالوا: أن نشاورك في أنّا لسنا نرضى بإمرته، ولا سلطانه([61]). فناظرهم أبو عبد الله ساعة، وقال لهم: عليكم بالنكرة بقلوبكم، ولا تخلعوا يدًا من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، انظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر([62]).

  وقد كان يرى الإمام أحمد أن أولئك الخلفاء، ومن معهم، وإن اعتقدوا عقيدة خلق القرآن، إلَّا أنهم مسلمون متأولون، وإن كان هذا الاعتقاد في حد ذاته كفراً؛ لمصادمته للنصوص، ولهذا أبى الخروج على الواثق، وكان يرى وجوب طاعتهم والجهاد معهم، وقد علل رفضه للخروج عليهم خوفاً من الفتنة، وسفك الدماء، وضياع الحقوق، وقطع السبيل، وانتهاك المحارم([63]).



[1] - مسند الإمام أحمد: (30/50؛ رقم: 18126)، صحيح.

[2] - البداية والنهاية: (11/498).

[3] - أبو واقد الليثي (ت: 68هـ/): الحارث بن عوف الليثي: قيل: إنه شهد بدراً، وقيل: لم يشهدها. وكان معه لواء بني ضمرة، وبني ليث، وبني سعد بن بكر بن عبد مناة، يوم الفتح. وقيل إنه شهد الفتح مسلماً، وشهد اليرموك بالشام، وجاور بمكة سنة، ومات بها، ودفن في مقبرة المهاجرين بفخ سنة ثمان وستين، وهو ابن خمس وسبعين سنة، وقيل: خمس وثمانين سنة. روى عَن أَبِي بكر، وعمر رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وروى عنه ابن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعطاء بن يسار، وغيرهم. أنساب الأشراف: (11/96)؛ أسد الغابة: (6/319؛ رقم: 6343)؛ تهذيب التهذيب: (12/270؛ رقم: 1235).

[4] - أبو سلمة بن عبد الرحمن (ت: 94هـ، وقيل: 104هـ): عبد الله، وقيل: إسماعيل بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب. أحد الأئمة والأعلام الكبار بالمدينة. قال الزّهري: أربعة وجدتهم بحورا: عروة، وابن المسيّب، وأبو سلمة، وعبيد الله بن عبد الله. طبقات ابن سعد: (5/118؛ رقم: 693)؛ سير أعلام النبلاء: (5/166؛ رقم: 476)؛ شذرات الذهب: (1/376).

[5] - المسور بن مَخْرَمَة (2 - 64هـ / 624 - 683م): المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب القرشي الزهري، الإمام الجليل، أبو عبد الرحمن، وأبو عثمان، من فضلاء الصحابة وفقهائهم. أدرك النبي وهو صغير، وسمع منه. له صحبة ورواية. وكان مع خاله عبد الرحمن بن عوف، ليالي الشورى، وحفظ عنه أشياء. وروى عن الخلفاء الأربعة وغيرهم من أكابر الصحابة. وشهد فتح إفريقية مع عبد الله بن سعد. وهو الّذي حرض عثمان على غزوها. ثم كان مع ابن الزبير، فأصابه حجر من حجارة المنجنيق في الحصار بمكة فقتل. سير أعلام النبلاء: (4/414)؛ أعلام الزركلي: (7/225).

[6] - البداية والنهاية: (11/502-503).

[7] - ينظر ترجمته: طبقات ابن سعد: (2/289؛ 5/89؛ رقم: 683)؛ تهذيب التهذيب: (4/84؛ رقم: 145)؛ سير أعلام النبلاء: (5/124؛ رقم: 456)؛ أعلام الزركلي: (3/102).

[8] - طبقات ابن سعد: (5/100)؛ سير أعلام النبلاء: (5/129).

[9] - طبقات ابن سعد: (5/100)؛ سير أعلام النبلاء: (5/129).

[10] - سير أعلام النبلاء: (5/131).

[11] - سير أعلام النبلاء: (5/131).

[12] - التبان: سـروال صغير مقدار شبر، يستر العورة المغلظة.

[13] - سير أعلام النبلاء: (5/131).

[14] - الفقهاء والخلفاء، سلطان حثلين: (ص: 70)، عن: الدولة الأموية للصلابي: (2/66).

[15] - ثقات ابن حبان: (7/473؛ رقم: 11011)؛ حلية الأولياء: (5/40)؛ سير أعلام النبلاء: (6/131)؛ إكمال التهذيب: (11/373؛ رقم: 4750)؛ تهذيب التهذيب: (10/ 312؛ رقم: 546)؛ أعلام الزركلي: (7/305).

[16] - حلية الأولياء: (5/42).

[17] - تهذيب التهذيب: (10/ 315)

[18] - الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: (15/451-452). 

[19] - محمد الغزالي، الإسلام والاستبداد السياسي: (ص197)، دار نهضة مصر، ط1.

[20] - تحرير الإنسان وتجريد الطغيان: (ص601-602). سيأتي تفاصيل ذلك في نظرية الخروج وثورة ذو النفس الزكية.

[21] - سير أعلام النبلاء: (6/561؛ رقم: 1051).

[22] - شذرات الذهب: (2/265).

[23] - تاريخ بغداد: (رقم الترجمة: 1051).

[24] - تاريخ بغداد: (رقم الترجمة: 1051).

[25] - تاريخ بغداد: (رقم الترجمة: 1051).

[26] - ينظر ترجمته: الوافي بالوفيات: (15/174)؛ طبقات المفسرين للداوودي: (1/193؛ رقم: 186)؛ سير أعلام النبلاء: (6/620؛ رقم: 1083)؛ وفيات الأعيان: (2/386؛ رقم: 266)؛ الجواهر المضية: (1/546)؛ من أعلام السلف لأحمد فريد.

[27] - حلية الأولياء للأصفهاني: (7/44-45).

[28] -  شريك النخعي (95 - 177هـ / 713 - 794م): أبو عبد الله شريك بن عبد الله الكوفي، العلامة، الحافظ، القاضي، أحد الأعلام،  عالم بالحديث، فقيه، اشتهر بقوة ذكائه، وسرعة بديهته. استقضاه المنصور العباسي على الكوفة سنة (153هـ/670م) ثم عزله. وأعاده المهدي، فعزله موسى الهادي. وكان عادلاً في قضائه. قال ابن المبارك: شريك أعلم بحديث بلده من الثوري. فذكر هذا لابن معين، فقال: ليس يقاس بسفيان أحد، لكن شريك أروى منه في بعض المشايخ.

وقال النسائي: ليس به بأس.

وقال الجوزجاني: سيء الحفظ، مضطرب الحديث، مائل.

قيل: فيه تشيع خفيف على قاعدة أهل بلده. وكان من كبار الفقهاء، وبينه وبين الإمام أبي حنيفة وقائع. سير أعلام النبلاء: (7/246؛ رقم: 1207)؛ أعلام الزركلي: (3/163).

[29] - معرفة الثقات للعجلي: (1/407؛ رقم: 625).

[30] - السنة لأبو بكر الخلال،: (1/137)، دار الراية - الرياض، ط2، 1994م.

[31] - وفيات الأعيان: (3/127؛ رقم: 361)؛ شذرات الذهب: (2/258).

[32] - تهذيب الأسماء واللغات: (1/298؛ رقم: 355).

[33] - تهذيب الأسماء واللغات: (1/299).

[34] - جمعٌ مفرده (الكافر كوب)، وهو مركب من لفظتين: عربية وفارسية، معناه: قامع الكافر: آلة حربية. قيل: هي المقرعة.

[35] - سماطان: صفّان، سماط القوم: صفهم، وهم على سماط واحد: على نظم.

[36] - يقال: أبسل نفسه للموت، واستبسل: إذا وطن نفسه عليه، واستيقن.

[37] - حديث: (مَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ ... ).

[38] - اللؤلؤ والمرجان: (رقم: 1090).

[39] - سير أعلام النبلاء: (6/551-552).

[40] - سير أعلام النبلاء: (7/150؛ رقم: 1180)؛ أعلام الزركلي: (5/256). للمزيد: ينظر: تزيين الممالك بمناقب الإمام مالك للسيوطي.

[41] - تزيين الممالك: (ص28)؛ مواهب الجليل: (1/28).

[42] - حلية الأولياء: (6/316).

[43] - مواهب الجليل: (1/29).

[44] - مواهب الجليل: (1/29).

[45] - تحرير الإنسان: (ص607).

[46] - تزيين الممالك: (ص21).

[47] - مواهب الجليل: (1/28).

[48] - تاريخ بغداد: (رقم: 2893)؛ سير أعلام النبلاء: (9/184؛ رقم: 1866).

[49] - كَانَ أَحْمَد بن نصر وسهل بن سلامة - حين كَانَ المأمون بخراسان- بايعا للناس عَلَى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إِلَى أن دخل المأمون بغداد، فرفق بسهل حَتَّى لبس السواد، وأخذ الأرزاق، ولزم أحمد بيته، ثم إن أمره تحرك ببغداد فِي آخر أيام الواثق، فاجتمع إليه خلق من الناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، إِلى أن ملكوا بغداد، وتعدى رجلان من أصحابه يقال لأحدهمَا: طالب فِي الجانب الغربي، ويقال للآخر: أبو هارون فِي الجانب الشرقي، وكانا موسرين، فبذلا مَالاً وعزمَا عَلَى الوثوب ببغداد فِي آخر أيام الواثق، فِي  شعبان سنة إحدى وثلاثين ومَائتين، فنمّ عليهم قوم إِلَى إِسْحَاق بن إبراهيم، فأخذ جمَاعة منهم فيهم أحمد بن نصر وصاحباه (طالباً وأبا هارون) فقيدهمَا، ووجد فِي منزل أحدهمَا أعلامَاً، وضرب خادمَاً لأحمد بْن نصر، فأقر أن هؤلاء كانوا يصيرون إليه ليلاً فيعرفونه مَا عملوا، فحملهم إسحاق مقيدين إِلَى سامراء. فجلس لهم الواثق، وقال لأحمد بن نصر: دع مَا أخذت لَهُ، مَا تقول فِي القرآن؟ قَالَ: هُوَ كلام الله. قَالَ: أفمخلوق هُوَ؟ قَالَ: هُوَ كلام الله. قَالَ: أفترى ربّك فِي القيامة؟ قَالَ: كذا جاءت الرواية. قَالَ: ويحك، يرى كمَا يرى، أفمخلوق هُوَ؟ قَالَ: هُوَ كلام الله، قَالَ: المحدود المجسوم، ويحويه مكان، ويحصره الناظر، أنا أكفر برب هَذِهِ صفته، مَا تقولون فِيهِ؟

فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ بن إسحاق- وَكَانَ قاضياً عَلَى الجانب الغربي ببغداد وعزل-: هُوَ حلال الدم. وقال جمَاعة الفقهاء كمَا قَالَ. فأظهر ابن أبي دؤاد أنه كاره لقتله، فَقَالَ للواثق: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، شيخ مختل، لعل به عاهة، أو تغيّر عقله، يؤخر أمره ويستتاب. فَقَالَ الواثق: مَا أراه إلَّا مؤذناً بالكفر، قائمَاً بمَا يعتقده منه. ودعا بالصمصامة [السيف القاطع] وقال: إذا قمت إليه فلا يقومن أحد معي، فإنّي أحتسب خطاي إلى هذا الكافر الّذي يعبد رباً لا نعبده ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بِهَا، ثم أمر بالنطع فأجلس عليه وهو مقيد، وأمر بشد رأسه بحبل، وأمرهم أن يمدوه. ومشـى إليه حتى ضرب عنقه، وأمر بحمل رأسه إِلَى بغداد، فنصبت فِي الجانب الشرقي أيامَاً، وفي الجانب الغربي أيامَاً. وتتبع رؤساء أصحابه، فوضعوا فِي الحبوس. تاريخ بغداد: (رقم: 2893)؛ المنتظم لابن الجوزي: (11/165؛ رقم: 1341)؛ تهذيب الكمال: (1/508-509).

[50] - تاريخ بغداد: (رقم: 2893).

[51] - تهذيب الكمال: (1/507). 

[52] - البداية والنهاية: (14/315).

[53] - صاحب الإمام أحمد ابن حنبل، كان عالماً زاهداً مشهوراً بالسنّة والدّين، امتحن بخلق القرآن، فثبت على السّنّة، حتى حمل هو والإمام أحمد فى القيود الى المأمون، فمات محمد فى الطريق بعانة، قبل أن ينظر وجه المأمون، وصلى عليه أحمد. المنتظم: (11/39؛ رقم: 1243)؛ النجوم الزاهرة: (2/229).

[54] - نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي، أبو عبد الله: أول من جمع (المسند) في الحديث. كان من أعلم الناس بالفرائض. ولد في مرو الشاهجان، وأقام مدة في العراق والحجاز يطلب الحديث. ثم سكن مصر، ولم يزل فيها إلى أن حمل إلى العراق في خلافة المعتصم. وسئل عن القرآن: أمخلوق هو؟ فأبى أن يجيب، فحبس في سامراء سنة (224ه/839م)، ومات في سجنه سنة (228هـ/843م)، وأوصى أن يدفن في قيوده، وقال: إني مخاصم. سئل أحمد بن حنبل عن نعيم بن حماد، فقال: لقد كان من الثقات. سير أعلام النبلاء: (9/17؛ رقم: 1746)؛ أعلام الزركلي: (8/40).

[55] - تاريخ بغداد: (رقم: 2893).

[56] - ينظر ترجمته: تاريخ بغداد: (رقم: 2586)؛ سير أعلام النبلاء: (9/192؛ 1874).

[57] - سير أعلام النبلاء: (رقم: 1874).

[58] - سير أعلام النبلاء: (رقم 1874).

[59] - وفيات الأعيان: (1/63؛ رقم: 20)؛ أعلام الزركلي: (1/203).

[60]- السنة لأبو بكر الخلال: (1/132-133)، دار الراية الرياض، ط2، 1994م.

[61] - يعنون: الواثق بالله الخليفة.

[62] - السنة لأبو بكر الخلال: (1/133-134).

- تحرير الإنسان: (ص611).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق