03‏/04‏/2023

مرافئ/ هل صعبت التكنولوجيا من عملية التربية أم سهلتها؟

د. يحيى عمر ريشاوي

يشهد العالم تطوراً تكنولوجياً سـريعاً ومذهلاً، تطوراً لم تشهده البشرية من قبل، بصورة أثرت على البشـرية جمعاء، فالتكنولوجيا الآن تحرك أروقة الصـراعات السياسية، وعملية الانتخابات، واقتراع المواطنين، وتؤثر عليها. وهي الآن في الاقتصاد، وفي البورصة، وفي الأسواق، والبنوك، وحركة النقود، وعمليات البيع والشـراء اللحظاتية! انسلت التكنولوجيا -وبخفة- إلى علاقاتنا الاجتماعية، وتبرز نفسها في السوشيالميديا ومواقع التواصل الاجتماعي.. التكنولوجيا في رحلات الطيران، وداخل السفن البحرية، وفي تحريك سكك القطارات الحديدية.. التكنولوجيا في الأرض لإطلاق الصواريخ الحربية، وهي

أيضاً في السماء داخل الأقمار الاصطناعية.. التكنولوجيا في فنادقنا، وسياراتنا، ومطابخنا، وبيوتنا، وحتى داخل حماماتنا، وفي ساعاتنا اليدوية.. التكنولوجيا محرك للأجهزة الذكية، ومسهل لطلب قطعة بيتزا من المطاعم السياحية. باختصار صارت التكنولوجيا رديفة لكل نشاط أو حركة نقوم بها في حياتنا اليومية.

وعلى مستوى العالم هناك جدل حول ما إذا كانت هذه التكنولوجيا نعمة ورحمة، أم نقمة نزلت على البشـرية؟! ونقطة الجدل تكمن في من يرون أن التكنولوجيا أثرت سلباً على علاقاتنا الاجتماعية، وكانت سبباً في تسريح آلاف الأيدي العاملة، وبالتالي ازدياد نسبة البطالة والعاطلين عن العمل، وغيرها من المساوئ والنقاط السلبية. وفي الجانب التربوي يرى هؤلاء أن التكنولوجيا صعبت من عملية التربية بالنسبة للآباء والأمهات والمؤسسات التربوية، حيث بات الأطفال أسـرى الأجهزة الذكية، والإدمان على استخدام التكنولوجيا بصورة مفرطة، ونجم عن ذلك ظهور العديد من الأمراض الجسمية والنفسية، وأبعدت هذه التكنولوجيا الأطفال والمراهقين عن الأجواء الاجتماعية الطبيعية، والرياضات البدنية، والعديد من الظواهر السلبية الأخرى.

وفي المقابل، ينظر آخرون إلى الجانب الآخر من المشهد، ويرون أن التطورات التكنولوجية حالة طبيعية للتطور البشـري، وبالتالي فإنها ساعدت المؤسسات التربوية على خلق نوع من التشويق في عملية التربية، وجذب الأطفال والمراهقين إلى التعلم، وبسـرعة أكبر من ذي قبل. وأن هذه التكنولوجيا شجعت الآباء والأمهات على الانخراط مع أطفالهم في أجواء التعليم، والعيش في البيئة التعليمية نفسها التي يعيش فيها أبناؤهم. وبالتالي، فإن على الآباء والأمهات، وكذلك المؤسسات التربوية، استغلال هذه التطورات التكنولوجية لتسهيل عملية التربية والتعليم، وعدم الوقوف بوجهها، وقد شهد العالم الدور المهم لهذه التكنولوجيا أثناء انتشار وباء كورونا، وكيف لجأ الجميع؛ دولاً وشـركات، وعوائل ومؤسسات، إلى استخدام التكنولوجيا في سبيل استمرار عملية التربية والتعليم، والتي تمثلت في دخول الجميع إلى الفضاء الانترنتي، وخلق عالم افتراضي تواجد فيه الجميع.

من كل ذلك، فإن التكنولوجيا نقمة حين تأسـرنا، ونبالغ في الانشغال بها، وهي نعمة حين نوظفها ونترجمها إلى تطبيقات عملية وحياتية.. هي نقمة حين تستغلنا، ونعمة حين نستغلها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق