03‏/10‏/2022

آخر الكلام/ لهاث وراء السراب!‏

محمد واني
‏‏لم يكن الشيخ سعيد النورسي مجانباً الحقيقة عندما تعوذ من الشيطان والسياسة، لأن السياسة بمعناها الميكافيللي التي ‏تمارس الآن على النطاق الدولي، ذي الدهاليز الملتوية والألاعيب غير الأخلاقية، تدمر البلاد والعباد، وتجرد السياسة من كل ‏القيم والمبادئ الإنسانية والدينية، وقد طغت هذه السياسة المجردة، ذات الطابع العسكري، على كل مناحي حياة ‏الإنسان، وهي التي تقوده وتنظم أموره، وتحدد مصيره، إلى درجة أنها تحولت إلى إله يعبد من دون الله إن صح التعبير، ‏وقد حشرت أنفها في كل شيء؛ من التجارة إلى الثقافة إلى السياحة، وتدخلت حتى في الرياضة، من ‏خلال مصطلحات سياسية وعسكرية (استراتيجية كرة القدم، وتكتيك كرة السلة، وهكذا).
والعلاقات السياسية بين الدول ‏والمجتمعات المعاصـرة، ومنظماتها الأممية، قائمة ‏على المصالح والمنافع، يقول الكاتب الجزائري عبدالإله بلقزير: ‏‏"المادية البحتة"! "فما من سياسةٍ إلاّ ومَبْناها على المصالح؛ فالمصلحة مبدأُ السياسة ووقودها الذي به تشتغل ‏آلتُها.. لا شيء يطلب في السياسة غير تحقيق مصلحة، أو الدفاع عن مصلحة متحققة، ولا غاية أخرى لها غير هذه ‏الغاية". وفق هذه القاعدة اللاأخلاقية التي ترسخت في السياسة المعاصرة، ساند المجتمع الدولي ودعم بعض الشعوب ‏والمكونات العرقية والإثنية، وساعدها على الاستقلال، مثل: جنوب السودان، والبوسنة والهرسك، وتيمور الشرقية، بينما ‏تخلى عن الكورد عام 1975، وكذلك في 2017، عندما أعلنوا عن استفتاء للانفصال عن العراق، صوّت عليه أكثر ‏من 93% من الشعب الكوردي، ولكن كفة ميزان المصلحة (الدولية) رجحت لصالح العراق، وبلع الكورد – كعادتهم - مرارة ‏الغدر والهزيمة!
مهما أجدت لعبة السياسة المعاصرة (الميكافيلية)، فإنها بضاعة غربية خالصة، ككثير من البضائع ‏التي استوردت من المجتمعات الإسلامية، كالديمقراطية مثلاً، التي مهما أجدت استعمالها فإنك لن تستطيع مجاراة هذه ‏الدول (الاستعمارية)، ووكلائها في المنطقة. وقد دخلت جماعات وتنظيمات إسلامية في منافسة (خاطئة)، وغير ‏متكافئة معها، وخاضت غمار العملية الديمقراطية، ودخلت البرلمان، وشكلت الحكومة، ولكن في النهاية خرجت من ‏المولد بلا حمص! لا طالت بلح الشام، ولا عنب اليمن! ولم ينلها إلا التعب والحسرة وانقطاع النفس، كجماعة الإخوان ‏المسلمين! وربما أدرك حزب كالاتحاد الإسلامي الكوردستاني هذه الحقيقة، فانسحب من المشاركة في الحكومة بهدوء، وفضل ممارسة دور المعارضة السياسية في إقليم كوردستان، والتصدي للإصلاح من أبواب أخرى سوى باب السياسة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق