بكر أبو بكر - فلسطين
يُحكى أن أعرابياً دخل على الخليفة هارون الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين، ثبت الله عليك النِعَم التي أنت فيها بإدامة شكرها، وحقق لك النعم التي ترجوها بحسن الظنّ به ودوام طاعته، وعرّفك النعم التي أنت فيها ولا تعرفها لتشكرها. فأعجب الرشيد بذلك، وقال: ما أحسن تقسيمه! حيث جمَعَ له النِعَم الثلاث: النعمة الحاصلة، والنعمة المنتظرة، والنعمة التي لا يراها.. فاللهم عرّفنا بالنِعم عند وجودها، وعند زوالها، يا أكرم الأكرمين! وحقق لنا النجاح والسعادة.
ومما كتبه د.صالح النهام في مقالة له بمجلة
(الوعي الإسلامي) الكويتية مشكوراً: أن القرطبي ذكر في تفسيره لقوله تعالى:
{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152]،
أن شكر العبد لله تعالى ثناؤه عليه بذلك لإحسانه إليه، وشكر الحق سبحانه للعبد
ثناؤه عليه بطاعته له؛ إلا أن شكر العبد نطقٌ باللسان، وإقرارٌ بالقلب بإنعام الربّ،
مع الطاعات.
الشُّكر اصطلاحاً: قال المناوي: الشُّكر
شُكران: شُكر باللسان؛ وهو الثناء على المُنعِم، والآخر شُكر بجميع الجوارح؛ وهو
مكافأة النِّعمة بقدر الاستحقاق. والشُّكور: الباذل وسعه في أداء الشُّكر بقلبه
ولسانه وجوارحه؛ اعتقادًا واعترافًا.
وقال ابن القيم: الشُّكر ظهور أثر نعمة الله
على لسان عبده؛ ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه؛ شهودًا ومحبةً، وعلى جوارحه؛ انقيادًا
وطاعةً.
ويضيف النهّام: لقد قرن الله تعالى الشُّكر
بالذكر في كتابه، مع أنه قال سبحانه: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت/ من
الآية:45]، وقال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ
تَكْفُرُونِ} [البقرة/ من الآية:152]. وقال سبحانه: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن
كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172]. وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ
أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ
الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا
وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}[آل عمران:145].
ويشير، ناقلًا عن صهيب الرومي - رضي الله عنه -
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كلّه خير،
وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء
صبر، فكان خيرًا له.
وقال الإمام الشافعي: وشاكِرُها يحتاج شُكرًا
لشُكْرِها ** كذلك شُكرُ الشُّكرِ يحتاجُ للشُّكرِ.
قال بعض أهل العلم: "مَن أُعطي أربعًا، لم
يُمنع أربعًا: مَن أُعطي الشُّكر، لم يُمنعِ المزيدَ، ومَن أُعطي التوبةَ، لم
يُمنعِ القبولَ، ومَن أُعطي الاستخارةَ، لم يُمنعِ الخِيَرَةَ، ومَن أُعطي
المشورةَ، لم يُمنعِ الصوابَ".
وفي ذات الأمر قال الفيروز آبادي: الشُّكر أعلى
منازل السالكين، وفوق منزلة الرضا، فإنه يتضمن الرضا وزيادة، والرضا مندرج في
الشُّكر، إذ يستحيل وجود الشُّكر بدونه، وهو نصف الإيمان، ومبناهُ (أي الشكر) على
خمس قواعد:
- خضوع الشَّاكر
للمشكور.
- حبّه له.
- اعترافه بنعمته.
- الثناء عليه بها.
- ألا يستعملها فيما
يكره..
فمتى
فُقِد منها واحدة، اختلت قاعدة من قواعد الشُّكر.
قال ابن حجر: الشُّكر يتضمن الصبر على الطاعة،
والصبرُ عن المعصية. وقال بعض الأئمة: الصبر يستلزم الشُّكر، ولا يتم إلا به،
وبالعكس فمتى ذهب أحدهما ذهب الآخر، فمن كان في نعمة ففرْضُه الشُّكر والصبر، أما
الشُّكر فواضح، وأما الصبر فعن المعصية. ومن كان في بليّة، ففرْضُه الصبر
والشُّكر، أما الصبر فواضح، وأما الشُّكر فالقيام بحق الله في تلك البلية، فإن لله
على العبد عبوديةً في البلاء، كما له عليه عبوديةٌ في النَّعماء.
ويشير د. عبدالدائم الكحيل قائلًا: إن أكثر ما
لفت انتباهي في أقوال الخبراء في علم النجاح والسعادة وتطوير الشخصية والإبداع، هو
أنهم يبدأون صباحهم بالشكر لله، وربما أتذكر نبينا - عليه الصلاة والسلام - الذي
كان يبدأ يومه بعد الاستيقاظ مباشرة بحمد الله تعالى، فيقول: (الحمد لله). فقد جاء
في الحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا انتبه من الليل
قال: (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) [البخاري ومسلم].
ولذلك، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد
لنا الخير والنجاح والسعادة، وأمرنا أن نشكر الناس باستمرار على أي معروف يؤدونه
لنا، بل جعل الشكر للناس موازياً للشكر لله تعالى، والذي لم يتعود على شكر الناس
لا يمكن أن يشكر الله، ولذلك يقول النبي الأعظم - صلى الله عليه وسلم-: (لا يشكر
الله من لا يشكر الناس) [رواه الترمذي].
قام باحث يسمي (ماكراتي)، وزملاؤه، في دراسة
عام (1998)، بتعليم 45 شخص (تنمية التقدير والمشاعر الإيجابية الأخرى). وكانت
نتائج الدراسة ملموسة، حيث وُجد انخفاض ملحوظ بهرمون (الكورتيزول) بنسبة 23٪، وهو
الهرمون المسؤول عن الإجهاد. وأثناء استخدام التقنيات التي وجههم لها الباحثون،
حدث أن حوالي 80٪ من المشاركين أصبح معدل ضـربات القلب لديهم اكثر اتزاناً
وانضباطاً، وهذا يعتبر دليلاً على انخفاض مستوى التوتر لدى المشتركين.
هذا، وفي إطار تحقيق النجاح والسعادة - كما
يشير علماء النفس - فإن القواعد السبع هي:
1-تصالح مع ماضيك، حتى لا تفسد واقعك.
2-لا
أحد يتحكم بسعادتك إلا أنت؛ بقيمك وأخلاقك وجهادك النفسي.
3- لا
تفْرط بالتفكير المرهق.
4-ابتسم، تتفتح الأزهار، فليس لديك كل مشاكل
العالم.
5-لا
تقارن نفسك وحياتك بالغير، ولا تحكم على الآخرين.
6- دع
الوقت يأخذ مجراه، فقد يبلسم جراحك.
7-دعهم
يقولون ولا تُعِرهم انتباهًا، ما دمت سائرًا بالطريق الصحيح.
يقول البابا شنوده الثالث: "إن حياة الشكر
مرتبطة بأمور أخرى تسبقها وتندمج معها.. فحياة الشكر تلزمها حياة الإيمان، الإيمان
بالله في صفات معينة، بدونها لا يمكن أن نصل إلى حياة الشكر.. فلا بد أن تؤمن
أولاً أن الله صانع الخيرات، وثانياً أنه محب للبشر. فالله لا بد أن يصنع خيراً –
لا يصنع إلا الخير – وهو باستمرار يصنع خيراً معك ومع باقي الناس.. ولا بد أن تؤمن
ثالثاً أن الله قادر على كل شيء – هو يحبك ويريد أن يصنع معك خيراً، وهو قادر على
صنع الخير.. هذه الصفات الثلاث تجعلك تثق بأن الله يصنع دائماً خيراً."
حثت المسيحية، كما حثّ الإسلام، على الشكر
والامتنان (والشكر والامتنان مرتبطان بالقلب والروح والنفس من جهة، وبالعمل
المصدق)، في عدة مواضع، منها:
* منذ لحظة الاستيقاظ تقول الحمد لله الذي
أحيانا بعد أن أماتنا.
*وفي أذكار الصباح والمساء، بمجرد النظر،
تجد الكثير من الأدعية والأذكار التي تشير للشكر في جوانب مختلفة من حياتنا،
وتذكرنا بالنعم دائماً.
* تأمل الصلاة، تجد في كل ركعة تقول:
الحمد لله رب العالمين، وقت القيام من الركوع تقول: سمع الله لمن حمده، أي حوالي
٣٤ مرة يوميًّا في الصلاة فقط.
* عند تناول أي شيء تقول أذكار الطعام،
وقت إنهاء الأكل تقول: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين. والحمد لله
والشكر والامتنان له أوله وآخره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق