03‏/10‏/2017

قراءة في كتاب (الأذواء والأقيال دراسة في التاريخ اليمني القديم) للباحثة: أزهار كامل ناصر

عرض: د.محمد نزار الدباغ
صدر عن دار الفيحاء للطباعة والنشـر والتوزيع، في لبنان، لسنة 2017، كتاب (الأذواء والأقيال: دراسة في التاريخ اليمني القديم)، للباحثة (أزهار كامل ناصر)، وبواقع (167) صفحة. وقد جاء في مقدمة الكتاب أن اليمن تمتعت بموقع استراتيجي يتوسط القارات الثلاثة (آسيا، أفريقيا، وأوروبا)، فكانت اليمن همزة الوصل بين حضارات شرقي البحر المتوسط وبلاد الرافدين وبلاد وادي النيل، وحضارات الهند والصين وشرقي أفريقيا. وقد انتفع اليمنيون القدماء من موقع بلادهم المتوسط بين الحضارات فمارسوا الزراعة، ثم التجارة، حيث بنوا المدرجات ليتمكنوا من زراعة الجبال، واستخرجوا منها المعادن للاستفادة منها في مختلف أنواع الصناعات التي يحتاجونها في حياتهم اليومية.
وقد أقام اليمنيون القدماء حضارة راقية تميزت بالتنوع والأصالـة، ومن أبرز سماتها الحضارية الفن المعماري المتمثل ببناء القصور والقلاع والبيوت ومنشآت الري كالسدود والقنوات.
وعلى الرغم من الدراسات العديدة عن تاريخ اليمن وحضارته عبر العصور، والتي قام بها الباحثون الأجانب والعرب، إلى جانب التنقيبات الآثارية التي أنتجت لنا العديد من المؤلفات التي جمعت النقوش المسندية، وتبعتها مؤلفات وكتابات بحثية ورسائل وأطاريح جامعية تضمنت دراسة تلك النقوش، إلى جانب المعاجم اللغوية، التي ساهمت بشكل كبير في تفسير تلك النقوش، اعتمدت معظم الدراسات التاريخية والنقشية دراسة تاريخ اليمن السياسي، وأعمال وإنجازات ملوكه، أو التي وضحت المعتقدات الدينية بما أشارت إليه من أسماء الآلهة اليمنية، لكن حتى تلك الدراسات العديدة عن الآلهة كانت عامة، ولم تكن تخص شريحة أو فئة في المجتمع التي بحثت القبائل اليمنية.
إن الأذواء والأقيال، الذين شكلوا قوة مهمة في المجتمع اليمني، كان لها دور سياسي وإداري، فضلا ًعن أنها تمثل القوى القبلية اليمنية، ودراستها توضح أحوال اليمن وميزان القوى عبر فترات تاريخية مختلفة، ولـذا وجدنا البحث في هذه المجموعة  (الأذواء والأقيال) ضرورة لإلقاء الضوء على القوى القائمة في بلاد اليمن، التي أسهمت في تطورات تاريخية مهمة، أيْ مراحل القوة والانحلال والاضمحلال.
أما سبب اختيار المؤلفة لهذا الموضوع، فهو لقلة الدراسات فيه، ولغنى حضارة اليمن بتراث حضاري كبير وعريق. وهدف البحث: التواصل الحضاري بين اليمن وبلاد الرافدين. أما بالنسبة للصعوبات التي واجهتها المؤلفة، فهي ندرة المصادر أو المراجع المتعلقة بهذا الموضوع، لذلك اضطرت إلى مراسلة الأساتذة اليمنيين، الذين لم يألوا جهدا ًبالمساعدة وتزويدها بالمصادر والمراجع.
قسم هذا الكتاب إلى أربعة فصول، موزعة على ثلاث فقرات لكل فصل تقريباً. شمل الفصل الأول: تعريف الأذواء والأقيال، ودراسة مجتمع الأذواء والأقيال، وقبائلهم. وتضمن الفصل الثاني: الدور الإداري والعسكري والعمراني، حيث شمل دراسة مناصبهم، وقيادتهم للجيوش، ودور الأذواء والأقيال في مجال العمارة والبناء. أما الفصل الثالث، فقد تناول دراسة أحوالهم الاقتصادية، فشمل الزراعة والتجارة والصناعة. ودرس الفصل الرابع معتقداتهم الدينية، وأبرزها: الآلهة، والقرابين، والنذور، وعقائد ما بعد الموت.
واعتمدت المؤلفة على جملة من المصادر والمراجع في تأليف هذا الكتاب، منها على سبيل المثال لا الحصـر: كتــاب (الإكليل) للهمدانــي (ت 334هـ)، إذ تحدث في الجزء الثاني منه عن أنساب حمير، وتناول في الجزء الثامن وصفا ً لآثار اليمن المعمارية؛ من محافد، وقصور، وقلاع، وسدود، ومدن. وعرض في الجزء العاشر لأنساب القبائل؛ وكتاب (القصيدة النشوانية) لنشوان بن سعيد الحميري (ت 573هـ)، وفيه ذكر ملوك حمير ومفاخرهم؛ وكتاب (نشوة الطرب في أخبار جاهلية العرب)، لابن سعيد الأندلسي (ت 685هـ)، وقد أفادت منه في معرفة أنساب القبائل.
أما الكتب البلدانية فمنها كتاب (صفة جزيرة العرب) للهمداني، وكتاب (معجم البلدان) لياقوت الحموي، وكتاب (البلدان اليمنية عند ياقوت الحموي) لإسماعيل بن علي الأكوع، وكتاب (معجم البلدان والقبائل اليمنية) لإبراهيم المقحفي، الذي رتّب مادته على الحروف الأبجدية، وتحدث عن أنساب اليمن وقبائلها.
كذلك اعتمدت المؤلفة على كتاب (نقوش محرم بلقيس/Sabaeaninscriptions from mahrambilgis)، الذي وضعه عالم النقوش (ألبرت جام)، ويحتوي على مجموعة النقوش المكتشفة في حفريات البعثة الأمريكية لدراسة الإنسان في (محرم بلقيس) بمأرب، وهو من الكتب المهمة التي يستند عليها مؤرخو علماء النقوش العربية الجنوبية.
كذلك جرت الاستعانة بالبحث الذي نشـره الدكتور (محمد عبد القادر بافقيه) في مجلة (دراسات يمنية)، بعنوان: (الأقيال والأذواء ونظام الحكم في اليمن القديم)، وهو من البحوث المهمة التي تحدثت عن الأذواء والأقيال بالتفصيل، كما بحثت العلاقة بين قبيلة سيبان واليزنيين، وقد تكون العلاقة هذه قديمة قدم الوجود السيباني، ولكن وضوح تلك العلاقة واتخاذها شكلاً رسمياً يعود إلى الربع الأخير من القرن الخامس، في ظروف يبدو أنها كانت عاصفة وممهدة لأحداث القرن السادس. ولا ننسى المعاجم وأبرزها (المعجم السبئي) لبيستون وآخرون، و(المعجم اليمني في اللغة والتراث) للأستاذ مطهر علي الأرياني.
أما المصادر النقشية، فكان من أهمها كتاب (تاريخ اليمن: نقوش مسندية وتعليقات) لمطهر علي الأرياني، فقد تضمن شرح مجموعة كبيرة من النقوش اليمنية، وترجمتها، وقد قام الأرياني بنشرها وجمعها في هذا الكتاب. وكتاب:(تاريخ اليمن القديم)، لمحمد عبد القادر بافقيه، وهو كتاب تضمن ذكر الوقائع التاريخية، وأورد المؤلف فيه بعض النقوش المتعلقة بالأقيال، ودورهم العسكري والديني. وكتاب (مختارات من النقوش اليمنية القديمة)، مشتركا ًمع بيستون وكرستيان روبان ومحمود الغول. وكتاب (تاريخ حضارة اليمن القديم)، لزيد بن علي عنان، وأورد المؤلف فيه النقوش المتعلقة بالأذواء والأقيال، وقد قام عنان بجمعها ونشـرها في هذا الكتاب. وكتاب: (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام)، للمرحوم جواد علي، وهو من المراجع المهمة التي تضمنت معلومات عن الأذواء والأقيال، وأورد بعض النقوش المتعلقة بهم. وأيضا ًكتاب: (دراسات في تاريخ العرب قبل الإسلام)، للمرحوم منذر عبد الكريم البكر، وقد تضمن دراسة شاملة عن تاريخ اليمن، فضلا ًعن كتابه:(معجم أسماء الآلهة والأصنام لدى العرب قبل الإسلام)، ويعد من المعاجم المهمة التي تناولت دراسة الأوثان والأصنام التي عبدها العرب قديماً،ومنهم اليمنيون القدماء.
واعتمدت المؤلفة في منهجها من خلال هذا الكتاب، على ذكر سنة الوفاة بالتاريخ الهجري، بعد اسم المؤلف، في هامش الكتاب. وكانت صيغ كتابة الهوامش صحيحة من حيث ذكر اسم المؤلف، ويتبعه اسم الكتاب، فالمحقق - إن وجد -، ثم المترجم - إن وجد -، فالطبعة، تليها اسم المطبعة، ثم المدينة، والسنة، ورقم الجزء والصفحة.
وقد تم الاستشهاد بالآيات القرآنية، مثال ذلك: الآيات التي ذُكر فيها اليمن في القرآن الكريم، ومن الجوانب الفنية المرتبطة بالمنهج، نجد أيضاً كتابة بعض الأسماء أو المصطلحات باللغة الانكليزية، وكذلك أسماء المستشـرقين والكتّاب الأجانب من الآثاريين والمنقبين، وأسماء المواقع الجغرافية المعربة للإنكليزية من الرومانية والإغريقية.
وكان الفصل الجغرافي في غاية الدقة وغني بالمعلومات الجغرافية من مدن وبلدات ومعالم جغرافية أخرى، كالجبال والوديان والتلال والأنهار والبحيرات والهضاب والعيون وغيرها.
وتمت الاستعانة بالنصوص المعززة ببحوث ودراسات باللغة العربية والإنكليزية، المعتمدة على النقوش والكتابات اليمنية القديمة عن الحضارات التي قامت في تلك البلاد العريقة التي كان لها دور مهم في تغيير مجرى أحداث التاريخ، خذ مثلاً قصة أبرهة الحبشـي (الأشرم) وحملته على مكة.
وورد في الكتاب ذكر للعديد من المصطلحات الإدارية التي كانت موجودة في اليمن، مما تميزت به عن بقية البلاد، كالمخاليف ومفردها مخلاف، وهي أشبه بمقاطعات إدارية محصنة يحكمها أمير يقال له: قيل، وجمعُهُ: أقيال، وتقسم هذه المخاليف إلى محافد، وهي القصور، ويسمى صاحب القصـر (ذو)، وهو بمعنى (الصاحب)، فيقال مثلاً: ذو ريدان، أيْ صاحب ريدان، وهكذا. ومن المفردات الأخرى كلمة: مقولة، وهي المقاطعة التي يحكمها القيل، وجمعها مقولات، وعادة ما تكون من أملاك قبيلته.
ومن الجوانب الدالة على قوة الهوامش، نجد أن المؤلفة عمدت إلى مقارنة الآراء حول بعض المواضع الجغرافية، ومناقشتها، مما أعطى إضافة وقوة للكتاب من الجانب العلمي.
أما في متن الكتاب، فنجد أن المؤلفة لجأت إلى طرح كل الآراء والنصوص والتعريفات الخاصة ببعض المفردات، واستعرضتها تاريخياً في محاولة للوصول إلى الاستنتاج الأقرب للحقيقة التاريخية، مثال ذلك نجده عند حديثها عن الأذواء.
واستعانت المؤلفة بالقصص الشعرية والنثرية، التي كان لها دور بارز في توثيق تاريخ اليمن. مثال ذلك: قصة الملك حسان بن تبع، وحملته للقضاء على جديس في منطقة اليمامة. وكان للمؤلفة إضافات مهمة في متن الكتاب، منها استخدامها لمفردات وأسماء عديدة مستقاة من معاجم اللغات واللهجات اليمنية القديمة كـ(المعجم السبئي) لبيتسون وآخرون، ومقارنة مفرداته مع معاجم اللغة العربية.
وعالج الكتاب أيضاً وفصَّل ذكر العديد من القبائل اليمنية القديمة، حيث تتبعتها المؤلفة بالبحث والدرس والتحليل، ذاكرة أصل الاسم لكل قبيلة، تاريخياً واشتقاقياً، معتمدة على الكتابات والنقوش والألواح القديمة المكتوبة بالخط المسند وغيره، واستعراض تاريخ القبيلة وحروبها مع القبائل الأخرى، وتنقلات هذه القبائل بحثاً عن الماء والكلأ، وأحياناً ذكر ما تتمتع به القبيلة من خيرات، وما تملكه من أراضي زراعية وموارد وثروات أخرى.
وتوصلت المؤلفة من خلال كتابها إلى عدد من النتائج، أهمها:
1. إن نظام الأذواء والأقيال كان معروفاً منذ القدم في حمير، وملحقاتها: قتبان، وحضـرموت، أيضاً.
2. تنامي نظام الأذواء واﻷقيال في الفترة التي عرفت بفترة سبأ وذي ريدان، وهي فترة غلب عليها الصـراع الدامي، الذي قام فيه اﻷذواء واﻷقيال وقبائلهم بدور كبير وملحوظ، إلى جانب الملوك.
3. كان للمرأة دور في مجتمع اﻷذواء، وقد ورد في النقوش عدد من المصطلحات أو المناصب المختلفة التي شغلتها المرأة.
4. لعب اﻷذواء واﻷقيال دوراً مهماً، سياسياً وعسكرياً، وقد امتلك هؤلاء الأذواء واﻷقيال كتائب حربية خاصة بهم، لذلك نالوا استقلالية ملحوظة، وتحولوا في القرن السابع إلى حكام البلد الحقيقيين.
5. ينتسب اﻷذواء واﻷقيال لقبائل مهمة، شكّلت تحالفات مهمة، وكانوا قادة جيوش، وبالتالي هم يمثلون القوة التي لا يمكن لملوك اليمن الاستغناء عنها.
6. يتمثل الدور الإداري للأذواء واﻷقيال بإقامتهم المجالس الاستشارية، مثل مجلس المثامنة.
7. خرج من طبقة اﻷقيال من استطاع أن يعتلي عرش الملوكية، ومن هؤلاء على سبيل المثال: سعد شمس أرسع، وابنه: مرثد، اللذان كانا قيلان في عهد الملك الرشح يحضب، وكذلك: يريم أيمن، الذي كان قيال على قبيلة سمعي.
8. كان لهم دور في الجانب الاقتصادي، تمثل بالزراعة، وبامتلاكهم الأراضي، وحرصهم على زيادة الثروة والمحاصيل الزراعية. وأيضاً من خلال قيامهم بإصلاح الأرض، وحفر اﻵبار، وإنشاء السدود، وزرع اﻷشجار.
9. أما بالنسبة لدورهم في مجال التجارة، فلم ترد إلا إشارات قليلة تدل على إنه كان لهم دور في هذا المجال، حيث لم تسعفنا النقوش، ما عدا بعض الإشارات.
10. في حين نجد أن دورهم في المجال العمراني قد تمثل بإقامتهـم القصور، وبنائها، وكذلك القلاع، والسدود، وشق قنوات الري.
11. كان لهم دور كبير في الجانب الديني. يتضح ذلك من خلال القرابين المقدمة للآلهة، شكراً وحمداً لها: إما للسلامة في الحروب، أو لزيادة المحاصيل الزراعية، والنماء، واﻷنعام، أو للشفاء من اﻷمراض. وكانت القرابين، أو العشور، تمثل جزءاً مهماً من واردات المعابد.
وضم الكتاب خرائط وملاحق، حيث مثلت الملاحق صوراً لنقوش يمنية قديمة، مصورة بصيغتها الأصلية، ثم ترجمة مقاطع هذه النقوش باللغة العربية، مع ذكر مصدرها، وكذلك بعض اللوحات الزخرفية.
واستخدمت المؤلفة في قائمة مصادرها ومراجعها ما يربو على (210) كتاب، منها ما هو مختص بتاريخ اليمن وآثاره، ومنها ما تعلق بالتاريخ المحلي لليمن، والبعض اﻵخر له صلة بكتب النقوش واللوحات والكتابات الأثرية، فضلاً عن كتب الأدب واللغة والتراجم والجغرافية والعمارة والاقتصاد والفنون والزخرفة والزراعة، فضلاً عن عدد من المراجع باللغة الإنكليزية، ودراسة واحدة من شبكة الانترنت.
ومن الجدير بالذكر، أن المؤلفة من مواليد مدينة البصـرة لسنة 1989، وهي (أزهار كامل ناصر الخليفاوي)، حصلت على شهادة البكالوريوس في الدراسات التاريخية من كلية التربية للبنات/ جامعة باب الزبير في البصـرة سنة 2011،  ثم قدمت للدراسات العليا، وكانت الأولى على زملائها في السنة التحضيرية، وأكملت شهادة الماجستير سنة 2014، عن رسالتها (اﻷذواء واﻷقيال دراسة في التاريخ اليمني القديم)، وبتقدير جيدجداً عال. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق