03‏/10‏/2017

أثر القراءة على الصحة العقلية

د. أكرم فتاح سليم
باحث في مقارنة الأديان والفلسفة
إحدى الأزمات التي يعيشها شبابنا اليوم: أزمة القراءة والمطالعة، وأزمة عدم تحسين القراءة والكتابة، وعدم معرفة معانيها، ومقاصدها، وكذلك عدم وجود مكتبات منزلية متواضعة في بيوتنا؛ فالأكاديميون، وخريجو الكليات والمعاهد، والموظفون، يعزفون عن القراءة تماماً، أما الذي يدعي بأنه يقرأ عدداً من الأسطر في أحد مواقع التواصل الاجتماعي، فهذه مخاطبات جامدة، أو محادثات، لا ترتقي إلى مستوى قراءة كتاب مجسم بين يديك، والإحساس بلذة حقيقية وأنت تقلب صفحاته.. فالأزمة لا تنحصر في كوردستان، بل تتعدى إلى البلدان العربية، وغيرها، كما ذكر الدكتور (فيصل قاسم)، في برنامجه الشهير (الاتجاه المعاكس)، بأن الفرد الأوربي والأمريكي يقرأ في السنة حوالي 10-12 كتاب سنوياً، مقارنة بفرد في البلدان العربية، لا يقرأ سوى صفحة واحدة في السنة.. ولكننا لن نفصل في
هذه الجزئية، فموضوع المقال ليس حول أزمة القراءة، بل على فوائدها على الصحة العقلية والنفسية.
القِرَاءَة لغة: ضمّ الْحُرُوف والكلمات بَعْضهَا إلى بعض فِي الترتيل. سُمِّيَ القُرآن قُرْآناً لِأَنَّهُ جَمع القِصَص، والأمْر وَالنَّهْيَ،  والآياتِ والسُّوَر، بَعْضَهَا إلى بَعْضٍ. وَهُوَ مَصْدَرٌ كالغُفْران. حيث نَزَلت أول كلمة في القرآن على قاعدة إقرأ، لقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (سورة العلق: آية 1).          
يمكننا تعريف القراءة: بأنها استيعاب لكل ما يُكتب، وتراه عين الإنسان. وهي أيضاً: المعرفة المفهومة، وهي غذاء العقل، حيث تُمكّن الإنسان من التعلم بنفسه.          
تتّضح أهميتها من كلام الكاتب والمؤرخ البريطاني (جراهام جرين) (1837-1883م)، حين قال: "أحياناً أفكّر أن حياة الفرد تشكّلت بواسطة الكتب، أكثر مما ساهم البشـر أنفسهم في تشكيل هذه الحياة". وتختلف أهمية القراءة لدى الأشخاص باختلاف ميولهم واهتماماتهم، فمنهم من يعتبرها وسيلة جيدة ومفيدة للاستمتاع بوقت الفراغ، ومنهم من يعتبرها ضرورة ومنهجاً للحياة، إلا أن القراءة تتجاوز حدود المتعة والمعرفة، لما لها من  فوائد عديدة، تعود على الصحة العقلية والقدرات الذهنية.
نقدم للقارئ فوائد القراءة والمطالعة، التي من شأنها أن تعزز القدرات الذهنية، والصحة العقلية، للقرّاء. فمنها:
·               تقوية الوصلات العصبية:
تُعد القراءة من أكثر الأنشطة التي تحفّز الدماغ للقيام بمهامه، وتُطّور القدرات الدماغية التواصلية والتحليلية، خصوصاً لدى الأطفال واليافعين، كما وتقوّي عمل الوصلات العصبية الموجودة في الدماغ.
·               زيادة التركيز:
إن العمليات التي يقوم بها الدماغ أثناء قراءة النصوص، وتحليلها، تتنوع بين التأمل والتفكير، والتخيّل والتحليل، وربط الظواهر مع مفاهيمها؛ ما يؤدي إلى تنمية القدرات التأملية والتعبيرية، الكتابية منها والشفوية، وتطوير القدرات التحليلية، ورفع مستوى التركيز.. فسماعك لمقاطع موسيقيّة تساعدك على التركيز أثناءالقراءة.. وللحديث عن تعزيز وزيادة التركيز بشكل أفضل، ينصح الخبراء دائماً بأنواع معينة من الأطعمة، وبممارسات سلوكية صحية، مثل النوم لفترة كافية، والابتعاد عن التدخين.. وتأتي القراءة من الأنشطة الذهنية المساعدة بشكل قوي في زيادة تركيز العقل، وذلك للجهد المطلوب في تتبع سياق النص، أو الحفاظ على سير الأحداث -في الرواية، مثلاً-، أو الاحتفاظ بأسماء شخصيات العمل الروائي، أو استشهادات الكاتب وأفكاره.
·               تطوير القدرات الإبداعية:
تتناسب القدرات الإبداعية طردياً مع معدلات القراءة، إذ إن القراءة تمكّن الفرد من التفكير بشكل غير مألوف، وتمكنّه أيضاً من الإتيان بما هو غير مسبوق، نظراً لتجدّد أفقه الثقافي والفكري المستمر نتيجة القراءة والاطلاع. وقد ربط العديد من المختصين بالصحة العقلية، مدى تطور القدرات الإبداعية لدى الأفراد بمعدلات القراءة والمطالعة.
·               تنشيط الذاكرة:
  القراءة المنتظمة، كونها واحدة من الأنشطة الدماغية، ومصدراً لتعزيز المهارات العقلية، تقلّل من فقدان الذاكرة، وتَحِدُّ من الإصابة بمرض الزهايمر؛ فقد أظهرت بعض الدراسات أن القرّاء المصابون بمرض الزهايمر ظهرت عليهم أعراض الإصابة بالمرض في وقت متأخّر، مقارنةً بغيرهم من غير القرّاء.. فالمطالعة المستمرة تضمن لصاحبها نشاطاً أفضل على مستوى الذهن والذاكرة.. قد يكون من المفيد أيضاً هنا تدريب العقل بتمارين بسيطة على التذكر، من خلال عمل تلخيصات للكتب، على شكل رسوم توضيحية، أو مخططات تلخيص.
·               مقاومة الاكتئاب والتوتر:
تلعب القراءة دوراً في تقليل معدلات الاكتئاب والتوتر العصبي، لأن القارئ يكتسب أبعاداً فكرية جديدة، قد تقلل من سلبية أفكار معينة اكتسبها بفعل بعض التجارب الاجتماعية والشخصية.. وتعد القراءة أحد مقاومات الأمراض العصبية البسيطة، مثل الصداع والأرق.. ويمكنك تطوير استراتيجية في مقاومة الاكتئاب، من خلال خطة قراءة، تنتقي فيها عناوين محددة، قد تكون هذه الكتب في مجال الرواية، أو التنمية البشـرية، وربما السيرة الذاتية، التي تحكي قصص أشخاص آخرين.
·               تحفيز الذهن:
يحتاج العقل إلى تحفيز دائم، وقد تختلف هذه المحفزات من شخص إلى آخر، ومن عقل إلى آخر.. وقد يكون السفر، وتعلّم اللغات، أو ألعاب الذكاء، والألغاز، وألعاب الذهن، مثل الشطرنج، وغيرها، من المحفزات الجيّدة للذهن والعقل.. والتحفيز هنا مرتبط باستقبال معلومات جديدة تحتاج لاستيعاب أو تحليل، وربما إلى ربط، مما يحفّز العقل على العمل. من هنا ينصح بالبعد عن الكتب الدسمة، التي تحتاج جهداً عقلياً في القراءة، في فترة ما قبل النوم، حيث يكون العقل مهيئاً للدخول في فترة خمول، ولا يستجيب كباقي الأوقات، كما في الصباح مثلاً..
وكذلك من أهمية القراءة وفوائد المطالعة، تنمية الجانب المعرفي لدى الشخص القارئ في المجال الذي يقرأ فيه.. وفيها أيضاً اكتساب للخبرات والمعارف، والاطلاع على وجهات نظر مختلفة حول المواضيع والمجالات المتعددة.   
ومن فوائد القراءة والمطالعة: زيادة الحصيلة اللغوية لدى الشخص القارئ، وهو الأمر الذي يكسبه رصيداً من المفردات والتراكيب، التي تعينه في التعبير عن نفسه، وفي الكتابة والتأليف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق