محمَّد عبد الشافي القُوصي
عضو جمعية حُماة اللغة العربية - مصـر
وبالفعل؛ فقد اجتهدوا في تفسيرها
وفهْم دلالاتها، وإنْ لم يصلوا بعد إلى إجماع في ذلك. فمنهم مَن رأى أنَّ ورود هذه
الحروف في أوائل السوَر؛ إفهام للبشـر أنّهم مهما بلغوا من العلم، فإنهم لن
يطّلِعوا على كثير من الأسـرار! ومنهم مَن رأى فيها رموزاً إلى كلماتٍ ومعانِ
وأعداد معينة، أوْ أسماء للسوَر التي وردت في أوائلها. ومنهم مَن رأى فيها وسيلة
قرع لأسماع وقلوب المستمعين للقرآن، حتى يتهيأوا لتلقِّي كلام المَلِك العلاَّم.
ومنهم مَن ذهب إلى أنَّ هذه الحروف تنبيه على إعجاز القرآن، فإنَّ هذا الكتاب
منظوم مِمَّا ينظِمونَ منه كلامهم، فإنْ عجزوا عن الإتيان بمثلهِ؛ فذلك أوضح برهان
على إعجاز التنزيل! ومنهم مَن رأى فيها معجزة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِن حيث نُطقهِ بأسماء الحروف، وهو (أُميّ)،
والأُميّ ينطق بأصوات الحروف دون معرفة أسمائها.. ومنهم مَن رأى فيها تنبيهاً عن
إعجاز القرآن، الذي صيغ مِن جنس تلك الحروف الهجائية التي يتكلم بها العرب،
ويَعجزون عن الإتيان بشـيء مِن مثله!
رُويَ عن ابن عباس، وغيره: أنها حروف
متفرقة، دلَّت على معانٍ متفرقة. وقال الحسن البصـري: يتألّف منها اسم الله
الأعظم، إلاَّ أننا جهِلنا طريقة تأليفه منها. أوْ هيَ أسماء لبعض ملائكته
وأنبيائه، لكن جهِلنا طريقة التأليف. وقال سعيد بن جُبيْر: هي أسماء الله تعالى
مقطَّعة، لوْ أحسن الناسُ تأليفها؛ لتعلّموا اسم الله الأعظم. وقيل: هي إشارة إلى
حروف المعجم، كأنه قال للعرب: إنّما تحدَّيتُكُم بنظْمٍ مِن هذه الحروف التي
عرفتم. وقيل: هيَ حروف تدلّ على ثناءٍ أثنى اللهُ تعالى بها على نفسه. وقيل:
معانيها معلومة عند المتكلِّم بها، لا يعلمها إلّا هو!
يقول الشيخ محمد متولى الشعراوي:
"القرآن نزل على أُمّةٍ عربية فيها المؤمن والكافر، ومع ذلك لم نسمع أحداً
يطعن في الأحرف التي بدأت بها السوَر، وهذا دليل على أنهم فهموها بملكاتهم
الفطريّة، ولوْ أنهم لم يفهموها لطعنوا فيها".
والمُتأمِّل في كُنه هذه الحروف ومراميها؛
يجد أنَّ جميع هذه الآراء صحيحة ومطابقة لدلالة تلك الحروف، أيْ: أنها تحتمِل كلّ
هذه الاجتهادات والتأويلات، وتستوعِبها، بلْ تتسِع لها ولا تضيقُ بها، مصداقاً
لِمَا قاله سيّدُنا أبو بكر الصدّيق: (في كتاب الله سـِر، وسـِر الله في القرآن في
الحروف التي في أوائل السوَر".
أقول: لقد شغلت هذه الحروف علماء
التفسير، وأطالوا النظر فيها، وأكثروا القول في تأويلها وتفسيرها، وقد تجاوزت وجوه
الرأى فيها أربعين وجهاً. وقد اتّفقوا على أنها حروف هجاء، مِمَّا بُنِيَت منه
كلمات القرآن، وآياته، وسُوَرِهِ. وحين يبدأ بها في التلاوة هكذا، حرفاً حرفاً،
آخِذاً كلّ حرف نَغَماً مستقلاً على لسان القارئ- ترسم لمُرتِّل القرآن أسلوباً
خاصاً في التلاوة، فيقرأ الكلمات قراءة مُتأنّية، يأخذ فيها كل حرف مكانه على لسان
القارئ، كما أخذت حروف هذه المفتتحات وضعها المستقل على لسانهِ في أناة وتقطيع ..
حرفاً حرفاً!
وبهذا يَتحقّق الأداء السليم لتلاوة
القرآن، كما قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}. فالعرب الذين نزل
القرآنُ بلسانهم، هم قوم أُميُّون، تلقّوا لغتهم سماعاً، وحفظوا كلماتها
وأساليبها، أصواتاً تحمِل من المعاني ما تحمِل أنغام الموسيقى إلى أربابها،
فالعربي كان يعرف الكلمة جملة، كما كان يعرف مدلولها الذي تدلّ عليه جملةً أيضاً،
بلْ إنه يعرف مدلول الكلمة أكثر مِمَّا يعرف الكلمةَ ذاتها، فإذا نطق بكلمة: سيْف،
أوْ دِرع، أوْ جَمل، أوْ ليلى، أو نحو هذا، ارتسم في الحال لعينيه مدلول الاسم الذي
نطق به، دون أن يلتفِت كثيراً إلى الصوت الذي انطلق مِن فمه!
وإذا كان حساب الكلمات عند العرب
الجاهليين على هذا النحو، الذي تبدو فيه الكلمات وكأنها مجرد أصوات! وإذ كان ذلك
كذلك، وما دام القرآنُ كلاماً مُعجِزاً، فإنَّ وجه الإعجاز لا ينكشف في كلماته
وآياته، إلاَّ إذا تحقّق للكلمة وجود ذاتي، وعرف لها ناطقُها وسامعُها أنها كائن
له مشخصاته، التي تحقّق له وجوداً مستقلاً عن غيره، مبايناً له.
وعلى هذا التقدير، تحدّثَ القرآنُ إلى
هؤلاء الأميّين بما يكشِف لهم عن شخصية الكلمة، وأنها بناءٌ يقوم على أُسُس،
ويُبنَى على أصول، وأنَّ لبِنات هذا البناء هي حروف: ألف، لام، ميم، نون، قاف..
وهكذا.
وبهذا النظر إلى الكلمات؛ يَنطِق
العربىُّ بكلمات القرآن متأنياً، متأملاً، حتى لكأنَّ الحرف كلمة! وبهذا يتصل قارئ
القرآن بكلمات القرآن اتصالاً وثيقاً، يخلُص إليه منه كثير من أنوارهِ ونفحاته،
وذلك هو بعض الحكمة من ترتيل القرآن، وقراءته على هذا الوجه الذي ينفرد به عن
قراءة أيّ كلام، حيث يقول اللّه تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}. ويقول
سبحانه: {وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ
وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا}. وقد امتثلَ النبيُّ الكريم لأمر
ربِّه، فكانت قراءته ترتيلاً منغماً، يأخذ فيه كل حرف مكانه في الكلمة، وتأخذ كل
كلمة مكانها في الآية، دون أن يختفي حرف، أو تضيع كلمة. روى البخاري عن أنس، أنه
سُئِلَ عن قراءة رسول اللّه، فقال: كانت مدّاً، ثمَّ قرأ {بسم اللّه الرحمن
الرحيم} يمدّ اللّه، ويمدّ الرحمن، ويمد الرحيم. أيْ: أنَّ سيّدنا (أنس) يُمثّل
بهذا الأسلوب القراءة التي كان يقرأ بها النبيُّ الكريم – صلى الله عليه وسلم -.
وعلى هذا؛ فإنَّ مجيء هذه الأحرف
المقطَّعة - في مفتتح السوَر التي جاءت فيها - أشبه بالوحدة التي يقوم عليها اللحن
الموسيقي، والتي يسـري صداها في اللحن كله، مِن أوله إلى آخِره، وإنْ تعددت
أنغامه، وخَفَتَت أوْ عَلَت أصداؤه.. وبهذا يمكن أنْ نعتبرها مطلعاً موسيقياً،
تقوم عليه وحدة النغم في ترتيل آيات السوَر التي بُدِئت بحرف، أو حرفيْن، أو أكثر.
أبلغ درجات التحدِّي
والتبكيت
وقد تكلَّم المُعربون عن هذه الحروف،
فقالوا: لم تُعرب حروف التهجّي، لأنها أسماء ما يُلفَظ به، فهي كالأصوات، فلا تعرب
إلاَّ إذا أخبرتَ عنها، أوْ عطفتها، فإنك تعربها. ويحتمل محلها الرفع على المبتدأ،
أو على إضمار المبتدأ، والنصب بإضمار فعل، والجر على إضمار حرف القسم، هذا إذا
جعلناها أسماءً للسوَر. أمَّا إذا لم تكن أسماءً للسوَر، فلا محلّ لها من الإعراب،
لأنها إذْ ذاك أسماء لحروف المعجم، أُورِدتْ مفردة من غير عامل ولا عطف، فاقتضتْ
أن تكون مستكنَّة كأسماء الأعداد، إذا أوردتها لمجرد العدد بغير عطف.
يقول صاحب الكشّاف: "إنما ذُكِرت هذه
الحروف فى أوائل السوَر التي وردت فيها، بياناً لإعجاز القرآن بحروفه المقطَّعة،
ولم ترِد كلها مجموعة في أول القرآن، وإنما كُرِّرت، ليكون أبلغ فى التحدِّي
والتبكيت، وكرَّر التحدِّي بالتصريح، وجاء منها على حرف واحد كقوله (ص، ن، ق)،
وحرفيْن (حم)، وثلاثة (الم)، وأربعة مثل ( المر) و(المص)، وخمسة مثل (كهيعص،
حمعسق)؛ لأنَّ أساليب كلامهم على هذا مـن الكلمات ما هو على حرف، وعلى حرفيْن،
وعلى ثلاثة أحرف، وعلى أربعة أحرف، وعلى خمسة أحرف، لا أكثر من ذلك. ولهذا؛ فكل سورةٍ
افتُتِحتْ بالحروف، فلا بدَّ أنْ يُذكَر فيها الانتصار للقرآن، وبيان إعجازه
وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء، وهو الواقع في تسعة وعشـرين سورة، وهذه الحروف
تجمعها جملة واحدة: "نص حكيم قاطع له سِـر"(1).
ويقول –أيضاً-: "وإذا تأملتَ الحروف
التي افتتح اللهُ بها السور؛ وجدتها نصف أسامي حروف المعجم أربعة عشر: (الألف،
اللام، الميم، الصاد، الراء، الكاف، الهاء، العين، الطاء، السين، الحاء، القاف،
النون): في تسع وعشـرين عدد حروف المعجم، ثمَّ تجدها مشتملة على أصناف أجناس
الحروف: المهموسة، والشديدة، والمطبقة، والمستعلية، والمنخفضة، وحروف القلقلة.
ثمَّ إذا استقريتَ الكلامَ تجد هذه الحروف أكثر دوراً مِمّا بقي، والدليل أنَّ
(الألف واللام) لَمَّا كانت أكثر تداوراً جاءت في معظم الفواتح، فسبحان الذي دقَّت
في كل شيءٍ حكمته".
أكثر الحروف تكراراً
في السورة!
هذا؛ وقد انتبه القدماءُ إلى أنَّ
السوَر التي بدأت بالحروف المفردة بُنِيتْ على ذلك الحرف، فالكلمات (النونية)
تردَّدتْ في سورة (ن) كثيراً، والكلمات القافيّة تردّدت في سورة (ق) كثيراً،
والكلمات الصاديّة تردّدت في سورة (ص) كثيراً، وهكذا.
وقد جاء في كتاب (مَلاَك التأويل)، عن
السوَر التي تبدأ بالأحرف المقطعة: "إنَّ هذه السور إنما وقع في أول كل
سُورةٍ منها ما كثر تَردادهُ فيما تركّب من كَلِمها. فإذا نظرتَ في سورةٍ منها بما
يماثلها في عدد كلمها وحروفها؛ وجدتَ الحرف المفتتحَ بها تلك السورة؛ إفراداً
وتركيباً، أكثر عدداً في كلِمها من نظيرتها ومماثلتها في عدد كلمها وحروفها" (2).
واستندوا إلى الإحصاء، عن سبب بدء
سُورة يونس بـ (ألر): "أنَّه تكرر في سورة يونس من الكلام الواقع فيها
(الراء) مائتا كلمة وعشرون كلمة (220 كلمة). وأقرب السوَر إليها مِمَّا يليها
بعدها، من غير المفتتحة بالحروف المقطعة: سورة النحل، وهي أطول منها. والوارد فيها
مما تركب على الراء من كَلِمها: مائتا كلمة، مع زيادتها في الطول عليها".
هذا؛ وقد قام أحد الباحثين في
اللّسانيات بمحاولة تفسير هذه الأحرف، فرأى أنَّ الأحرف التي ذكرها القرآن تملك
معان عديدة في اللغة السـريانية، فمثلاً: (الم) تعني: اصمُت، وهو ذات اللفظ الذي
استخدمه النبيّ داود في خُطَبِه ومواعظه، ومذكور ذلك في الزبور. (الر) تعني:
تَبصَّـر أوْ تأمل بقوّة، ونجد الآيات التي تلت هذه الأحرف تتطلَّب التبصّـُر
والتأمُّل، كما في السوَر التي تحدثت عن أخبار الأمم الغابرة: كيونس، وهود،
وإبراهيم، وغيرها. (طـــه) تعني: يا رجل، فالهاء حرف نداء، والطاء تعني رجل.
(كهيعص) أيْ: هكذا يعظ(3).
تفسير ابــن
القيّــم
هذا؛ وقد اجتهد العلاّمة (ابن القيّم)(4)
في فهم علاقة مطلع السورة بموضوعها، سواءً كان المطلَع حروفاً أوْ كلمات؛ فاكتشفَ
عجائب كثيرة: فمثلاً؛ قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾[النساء: 1]. مع قوله تعالى:
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ
عَظِيمٌ﴾[الحج: 1]. وهما
سُورتان من القرآن صدرهما: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾، الأولى (سورة النساء)، في
النصف الأول، وهي الرابعة من سُوَره. والأخرى (الحج)، في النصف الثاني، وهي
الرابعة من سُوَره أيضاً.
ثم التي في النصف
الأول مُصدّرةٌ بذِكْر النشأة والمبدأ: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [النساء: 1]. والتي في النصف الثاني
(الحج) مصدّرة بذِكْر المعاد: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ
زَلْزَلَةَ السَّاعَة... ﴾[الحج: 1]. وهذه هي نهاية الخلْق والحياة عند قيام الساعة.
ثمّ َاجتهد – رحمه الله – في إيجاد
علاقة بين الحروف، وبين ما اشتملت عليه السوَر من المقاصد والمعاني، أيْ: موضوع
السورة وعلاقتها بالحرف المبدوءة به، فقال: مَن يتأمل السوَر التي اشتملت على
الحروف المفردة، يجد السورة مبنيّة على ذلك الحرف، فمن ذلك: ﴿ق﴾ فالسورة مبنية على
الكلمات القافيّة من ذِكْر القرآن، وذكر الخلْق، وتكرير القول والمحاورة مراراً،
والقرب من ابن آدم، وتلقي الملكيْن، وقول العبد وذِكر الرقيب، وذِكْر السائق
والقرين، والإلقاء في جهنّم، والتقديم بالوعيد، وذِكْر المتقين، وذِكْر القلب،
والقرون والتنقيب في البلاد، وذِكْر القيل مرتيْن، وتشقُّق الأرض، وإلقاء الرواسي،
وسُوق النخل، والرزق، وذِكْر القوم، وحقوق الوعيد.
وهناك سِـر آخَر؛ وهو أنَّ كل معاني
السورة مناسبة لِمَا في حرف (القاف) من الشدّة، والجهر، والعلوّ، والانفتاح. وإذا
أردتَ زيادة إيضاح هذا؛ فتأمل ما اشتملت عليه سُورة ﴿ص﴾ من الخصومات المتعددة،
وكلمة خصومة فيها الصاد، فأولها خصومة الكفّار مع النبيّ، وقولهم: ﴿أَجَعَلَ
الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾. ثمَّ اختصام الملأ الأعلى في الدرجات والكفّارات،
ثمّ مخاصمة إبليس واعتراضه على ربّه في أمره بالسجود لآدم، ثمّ خصامه ثانياً في
شأن ذريّته وحلِفه ليُغوينّهم أجمعين، فليتأمل اللبيب الفَطِن هل يليق بهذه السورة
غير صاد؟ وبسورة قاف غير حرفها؟".
هذا؛ وتأمل سِـر ﴿ألــم﴾، كيف اشتملت
على هذه الحروف الثلاثة: فـ(الألف) إذا بُدئ بها أولاً كانت همزة (ء)، وهيَ أول
المخارج من أقصـى الصدر، و(اللام) من وسط مخارج الحروف، و(الميم) من الأمام، وهيَ
آخِر الحروف، ومخرجها من الفم. فعندنا حروف من أقصـى، ومن الوسط، ومن المقدمة.
فشـيء من أقصـى الحلْق، وشـيء من الوسط، وشـيء من الأمام.
وهذه الثلاثة؛ هي أصول مخارج الحروف،
أعني: الحلْق، واللسان، والشفتيْن. فمخارج الحروف تنبع من الحلْق، واللسان،
والشفتيْن. وكل سورة استُفتِحت بهذه الأحرف الثلاثة ﴿ألــم﴾؛ مشتملة على بدء
الخلْق، وتوسّطه، ونهايته، فمشتملة على تخليق العالَم وغايته، وعلى التوسُّط بين
البداية والنهاية، بالتشريع والأوامر... فتأمل ذلك في سُوَر: البقرة، وآل عمران،
والسجدة، والروم.
وقد أثمرتْ تلك التأملات في مطالع
السوَر التي استهلّت بالحروف الهجائية؛ ضرباً من الإيقاع الطريف الأخَّاذ،
والتلوين الصوتي المُبهِر... فهذه الحروف المفردة، أوْ المركَّبة، عبارة عن وعاء
مليء بإيقاعاتٍ صوتيّة مشحونة بترنيمات لحنيّة، تُحيل إلى رموز دينيّة ضاربة في
القداسة... فمثلاً: لوْ تأملنا السوَر التي استهلَّتْ بحرف (الطاء)، نجدها تستدعي
أسـرار المناجاة، وأنوار التجلّيات، التي شَهِدتها البقعة المباركة عند جبل
الطور... واللهُ أعلم بمراد كلامه، وأسـرار كتابه! .
الهوامش:
(1) الكشاف،
للزمخشري.
(2) مَلاَك
التأويل، للزبير الغرناطي.
(3) الباحث
(لؤي الشريف)، المتخصص في اللغات السامية.
(4) بدائع
الفوائد؛ لابن القيّم الجوزية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق