03‏/10‏/2021

لقاء مع الأستاذ الدكتور صباح محمد البرزنجي

 

الأستاذ الدكتور صباح محمد البرزنجي: الأمة الكوردية أمة عريقة في هذه المنطقة، لها دورها الحضاري والتاريخي في خدمة الإسلام وقضاياه

 

أجرى اللقاء: صلاح سعيد أمين 

? أجرت مجلة (الحوار) هذا اللقاء مع الأستاذ الدكتور صباح محمد نجيب البرزنجي، وهو قامة علمية  معروفة، وسلط الدكتور الضوء على دور الأمة الكوردية في الحضارة الإسلامية، وأشار إلى الأسباب التى أدت إلى ظهور  العلوم الإسلامية في العالم الإسلامي. كما أجاب سيادته عن أسئلة أخرى متعلقة بالعلوم الإسلامية.

 

·              الحوار: كيف نعرف العلوم الإسلامية عموماً؟

- الدكتور صباح البرزنجي: مع وضوح المصطلح إلا أن فيه إشكالية كبيرة، كيف يوصف علم بأنه إسلامي، مع أن العلم بماهيته لا ينحاز لدين معين، أو دعوة معينة؟! فالعلم كشف للواقع، والصفة الدينية، أو الإيدولوجية أمر اعتباري ذاتي، إلا إذا افترضنا أن النسبة بين العلم والإسلام هي نسبة عارضة، باعتبار الإسلام هو المُلابس الأول لذلك العلم، أي العلوم التي لابست الإسلام في ظهورها، ونشأتها، وتطورها، وهذه الإشكالية الأولى. أما الإشكالية الثانية، فهي أن كل علم من العلوم بالإمكان نسبته إلى الإسلام، لأن العلوم - في غاياتها، ومقاصدها، وفي كونها مرايا للواقع التكويني والتشريعي والقيمي - كلها إسلامية، بمعنى أنها تنطلق من مبادئ إسلامية، وتتغيى غايات إسلامية، فبأي معيار نصنفها إلى إسلامية وغير إسلامية؟ وحلّ الإشكالية إنما يكون بملاحظة أن العلوم الإسلامية هي التي أبدعها المسلمون لخدمة دينهم، والدعوة إليه، وهي - بهذا المعنى - تنسب إلى الإسلام، باعتبار أن المجتمع الإسلامي هو الحاضن المباشـر لها، و هو المعني - أولاً وآخراً- بتطويرها، والتجديد والإبداع فيها. وبعد حل الإشكاليتين، نستطيع القول:

إن العلوم الإسلامية هي العلوم التي نشأت وتطورت وتنوعت في إطار الحضارة الإسلامية؛ كالفقه، والأصول، والتفسير، والحديث،  والأخلاق، والحكمة، أصولاً وفروعاً، منقولةً ومعقولةً، آليةً وغائيةً، سواء في ذلك العلوم التي هي صـرفاً من منجزات هذه الحضارة، والأخرى التي تلقاها المسلمون من غيرهم، فأجالوا النظر فيها، وانتقوا منها، وطوروها، ونقلوها إلى غيرهم.

 

·              الحوار: كيف ظهرت العلوم الإسلامية في بداياتها؟ وما هي أسباب ولادتها في العالم الإسلامي؟

- الدكتور صباح البرزنجي: العلوم الإسلامية، في بداياتها، كانت بذوراً، فجذوراً، ثم سيقاناً وجذوعاً وأشجاراً وثماراً يانعة. شأنها في ذلك شأن كل العلوم في كافة الحضارات، ظهورها خاضع لمتطلبات الحياة الاجتماعية، وتلبية لحاجات حيوية تزامنت مع نشـر هذا الدين، والتفاعل مع نصوصه وأحداثه ووقائعه، وامتثالاً للأمر الإلهي والنبوي بالعلم والتعلم والتعليم، وكونها لازمة من لوازم قراءة الكون والحياة، وقراءة الوحي، والتدبر في آياته الأنفسية والآفاقية. في البداية كان الفقه في الكتاب، والعلم بالسنة، والآثار، والسيرة، وما يتصل بها من أخبار الجاهلية، والفترة الانتقالية، فظهرت العلوم ظهورا طبيعياً، وبدافع ذاتي إيماني وعقدي، وضـرورة اجتماعية، وبتوجيه مباشر من النبي - صلى الله عليه وسلم ، مثلما حصل مع تأويل الآيات، وتفسيرها، وحفظها، وتدبرها، واستنباط الحكم منها (بذور الفقه الإسلامي)، ومن الخلفاء الراشدين؛ الذين تولوا نشـر هذا الدين بوسائله المتاحة، ومن أهمها الفقه في الدين. وبعد ذلك انتقل الإرث الحضاري من الصحابة إلى التابعين، ومنهم إلى من بعدهم، إلى أن حان عصـر التدوين، ودخلت الأمم المتحضـرة الأخرى في رحاب الدعوة الإسلامية، وحملت معها معارفها ومواريثها الفكرية واللغوية، فحصل تلاقح معرفي مع الموضوعات والحقائق الشـرعية، وظهرت العلوم الإسلامية، فنشأت الأصول في أحضان الفروع، كما نشأت الفروع في كنف السنة النبوية والراشدة.

أما الأسباب، فكثيرة، نوجزها كالآتي:

1.             الدعوة  الإسلامية دعوة قائمة على العقل والتفكير، وهما أمران مرتبطان بالعلم، ولا فكاك بينهما، فلا يمكن أن تكون مسلماً وجاهلاً في الوقت نفسه، فالإسلام يفرض على كل مسلم أن يتعلم ثم يعلم، يتعقل ثم يفكر، ليكون المسلم له الريادة في ميدان الحياة، ومتفاعلاً مع الحق الثابت والتكليف الحي.

2.             حفظ الدين كامن في حفظ نصوص القرآن والسنة والسيرة، وتلك أمور لا مناص من وضع ضوابط علمية، وقواعد أساسية، لها. وهذه الضوابط، والقواعد، هي اللبنات الأولى لوضع العلوم، وتأسيسها.

3.             الحياة السياسية، والاجتماعية، في أي مجتمع، بحاجة إلى مؤسسات، وتنظيمات، وتدبيرات. وكل منها بحاجة إلى علوم من جنسها، ومن سنخها. من هنا ظهرت علوم الإدارة، والمالية، واحتاج المسلمون إلى معرفة الحساب، والأوزان، والمقادير.

4.             الاجتهاد في الدين دعاهم إلى إبداع الفقه، والأصول، والقواعد والضوابط الفقهية.

5.             الجدل مع الخصوم أعوزهم إلى معرفة قوانين الجدل، والمنطق، وآداب الحوار.

6.             فهم الأمم، والأفكار، والملل والنحل، دفعهم إلى معرفة التاريخ، وفلسفته، وعلم الأديان، والفرق، والفلسفات الوافدة .

7.             الترويح عن النفس، وتنشيط الذهن والقريحة، وشحذ المواهب، كل ذلك دعاهم إلى ابتكار فنون الأدب، والمسامرة، والإيقاعات، والمقامات، والزخارف، والمعماريات الراقية.

8.             مجاراة الأمم، والسعي إلى الريادة الحضارية، شجعهم على معرفة علوم الملاحة البحرية، وصناعة السفن، والموانئ.

9.             بناء المدن والأمصار، كان سبباً للخوض في دقائق الفلسفة، والمناخ، والطبيعيات، والاهتمام بعلم الفلك، والمساحة.

10.          الزراعة والصناعة والتجارة، وضـرورة ضبطها بموازين الشريعة، وربطها بالمصالح والمقاصد الشـرعية، فتحت آفاقاً واسعة للتعامل الواعي مع العلوم الخادمة لهذه الأمور.

 

·              الحوار: في هذا المضمار، ما هو حجم مشاركة علماء الكورد في العلوم الإسلامية، على وجه خاص؟

- الدكتور صباح البرزنجي: الأمة الكوردية أمة عريقة في هذه المنطقة، لها دورها الحضاري والتاريخي في خدمة الإسلام وقضاياه، إلى جانب سائر الأمم والأقوام، ولها قصب السبق في كثير من المجالات العلمية، والإدارية، والسياسية، والعسكرية. ولا مجال هنا - في هذه العجالة - للتطرق والبحث في جزئيات الإسهامات الكوردية، فالمجال أوسع بكثير مما نتصور، فقد قدم الكورد نماذج ومنارات وقامات في كل مجال حيوي يتصل بالحياة والحضارة والعلوم والمعارف. لكنني آتي ببعض الأمثلة الحية في إسهامات علماء الكورد في حقول المعارف الإسلامية، قديماً وحديثاً، فمن علماء الحديث (ابن الصلاح الشهرزوري)، الذي  يعد أحد الأساطين والمنظرين الأوائل، وفي الفقه، وأصوله: (ابن كج الدينوري). وفي الكلام وأصول الفقه: سيف الدين الآمدي، وفي اللغة والأدب، تكفي الإشارة إلى ابن الحاجب الكوردي، وابن الأثير، وابن خلكان، والبيتوشي، والعوائل الحيدرية، والبرزنجية، والمردوخية، والبيرخضرية، والزهاوية، وما أكثرهم، وأشدَّ تأثيرهم في رفد الجوانب العلمية بالمؤلفات القيمة؛ تصنيفاً وتأليفاً، وشـرحاً وتحشية وتعليقاً. وفي مجال التصوف الإسلامي، يعد مولانا خالد الشهرزوري أحد المجددين للطريقة النقشبندية، في القرنين المنصـرمين، بما توفر لديه من علم وعرفان ومقام ومكانة سامية بين أقطابها. وكذلك الشيخ معروف النودهي؛ بمساهماته العلمية، والأدبية، والروحية. ونجله البار (كاك أحمد الشيخ)، وإرشاده، وخدماته الجليلة، في مدينة السليمانية. ولا ننسى دور مدرسة بيارة الشـريفة، في نشر العلوم والمعارف والأدبيات الراقية، والتي كانت محط الآمال لكل المسلمين، وفي الشام علينا الإشارة إلى مدرسة الشيخ (أحمد كفتارو) المتأصلة والمتدفقة بالعلم والعمل. والأمثلة كثيرة، لا يمكن الإحاطة بها جميعاً. ومن أراد التوسع في الموضوع، فعليه بمطالعة كتب الشيخ العلامة عبد الكريم المدرس، والشيخ العلامة بابا مردوخ الروحاني، والعلامة الشيخ طاهر البحركي، فقد أجادوا في تخليد أسمائهم ومآثرهم. وهذا الذي أوردته غيض من فيض.

 

·              الحوار: كيف تقيمون هذه المشاركة، أقصد مشاركة علماء الكورد في العلوم الإسلامية؟

- الدكتور صباح البرزنجي: مشاركة علماء الكورد صفحات ناصعة، خالدة، نعتز بها، كماً وكيفاً. فقد أبدع العلماء الكورد في تطوير العلوم الإسلامية، وتأسيسها، وحفظها من يد الضياع والنسيان. وفي القرون الأخيرة من حياة الأمة، كان علماء الكورد هم أئمة العلوم الإسلامية في العراق، والشام، والحجاز، مثلما تشهد لهم آثارهم العلمية، ونتاجاتهم الأدبية، والروحية، فقد كان (الحيادرة) و(الزهاويون) أساتذة لعلماء العراق، ومن بعدهم حمل لواء الإفتاء كل من الشيخ القزلجي، والشيخ المدرس، والشيخ الباليساني، وهم من أعلام الكورد.

وفي الشام كان للشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، وقبله والده الملا رمضان، الأثر الكبير في تربية العلماء، وإرشاد الناس. ولا ننسـى ما لـ(مجمع النور)، الذي أسسه الشيخ أحمد كفتارو، من متانة، وأصالة، وقوة علمية، وتأثير.

وفي الحجاز، كان للسيد محمد ابن بابا رسول البرزنجي المدني، فضل لا يدانى في مجالات العقيدة، والتصوف، والذب عن الإسلام والمسلمين، ما يشهد له القاصي والداني.

فالمساهمات الكوردية كبيرة، وكثيرة، ولا بد من الفحص والبحث والتحقيق المتزايد للوقوف عليها، في تأثيراتها، وتجلياتها العميقة.

 

·              الحوار: كلمة أخيرة تريدون التفضل بها؟

- الدكتور صباح البرزنجي: لا بد لهذه الحركة العلمية، بكل بأبعادها المختلفة، من إحياء وتجديد، وإنقاذ لنصوصها وأسنادها من الضياع والتلف. لأن هذه الحركة شاهد عدل على حيوية الأمة الكوردية، وانتمائها العميق إلى الإسلام، وإلى الأمة الإسلامية الكبرى؛ الأمر الذي يزعج كثيراً من الناس المتربصين بهذه الأمة، فالواجب علينا - في هذه المرحلة - هو التعريف بهذه الإسهامات واحدة فواحدة، وعبر العصور المتلاحقة.

وشكراً لمجلتكم الزاهرة، والراقية، لاهتمامها بالأمر، وتسليط الضوء عليه، عسى أن تكونوا قدوة خير لغيركم، والله المستعان.

·              الحوار: شكراً جزيلاً، لإتاحة هذه الفرصة، ودمتم بخير.

 

 

السيرة الذاتية

الأستاذ الدكتور صباح محمد نجيب حسن البرزنجي.

من مواليد 1/8/1968، قرية (نەوێ)، التابعة لمحافظة حلبجة. وهو من أسـرة علمية، دينية، معروفة.

حامل شهادة الدكتوراه في الفقه وأصول التشريع الإسلامي، من جامعة طهران، عام 2001م، وكانت أطروحته بعنوان: (حركة الفقه الإسلامي في مسيرة التاريخ).

أشـرف على العديد من رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية، والشريعة، والقانون، والتاريخ.

كتب الكثير من البحوث العلمية، والفكرية.

شارك في عدة ندوات علمية، داخل وخارج إقليم كوردستان.

وهو عضو لعدة مراكز علمية، وهيئات تحريرية لمجلات علمية محكمة.

له مؤلفات باللغات الكوردية والعربية والفارسية، وله عدد من الترجمات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق