03‏/10‏/2021

نظرية ما بعد الاستعمار.. إرهاصات اليقظة الإنسانية في الفكر والأدب (الجزء الأول)

عبد الله خوراني

?تمهيد:

تركز  الدراسات المتزايدة حول القراءات الاستعمارية، في السنوات الماضيةّ، بشكل خاص، على واحدة من أكثر نظريات النقد الأدبي إثارة للجدل، وهي نظرية ما بعد الاستعمار، التي تحمل معاني مختلفة؛ من السياسة إلى الاقتصاد، وإلى جميع جوانب الحياة الأخرى. ويهدف هذا النهج النقدي إلى تفكيك الخطاب الاستعماري، ويحاول مراجعة تاريخ البلدان المستعمَرة، وثقافة وأدب هذه البلدان، بمختلف المنهجيات، من وجهة نظر المستعَمرين. وهناك مصادفة غريبة - بعض الشـيء - فيما يتصل بالتوقيت: فقد تصاعد الاهتمام الأكاديمي الغربي بالاستعمار، في الوقت الذي فقدت فيه القوى العظمى بالفعل مصداقيتها وثقتها لدى المفكرين والمثقفين والباحثين على

مستوى العالم. في الماضي، وفي بدايات الغزو الاستعماري للبلدان خاصة، كان هؤلاء الأكاديميون متحمسين، يهللون للتحركات الاستعمارية، على أساس أن القوى الاستعمارية تستهدف نشـر الحضارة والمدنية والديمقراطية والحرية للشعوب المتخلفة، وتستهدف التطور والرقي بكل أشكاله؛ ولكنهم الآن لم يعودوا متفائلين بأهداف تلك الحملات الاستعمارية، وبدأوا بالتشكيك فيها، كما نرى ذلك في كتاباتهم ورواياتهم الأدبية والنقدية.

تسلط هذه الدراسة الضوء على بعض المفاهيم المتعلقة بنظرية ما بعد الاستعمار، بشـرح مختصـر، ونشير فيها إلى مساهمات بعض الكتاب في مسارات الأدب العربي المعاصـر، حيث خصصنا جزءاً خاصاً حول مساهمات الدكتور نجيب الكيلاني، وركزنا على اثنتين من رواياته الشهيرة: (ليالي تركستان)، و(نابليون في الأزهر)، اللتان تمثلان أسلوبه الكتابي البارز، وتعكسان ما تصبوا إليه نظرية أدب ما بعد الاستعمار، وانعكاسها في نظر أدباء العالم العربي والدول الآسيوية والأفريقية.

 

تعريف النظرية:

إن نظرية أدب ما بعد الاستعمار تنطوي على قضايا ثقافية واجتماعية وسياسية في عالم يعاني من مشاكل حقيقية. فهي تحاول؛ سياسياً واقتصادياً وثقافياً، تحليل خطاب الاستعمار، ومن ثم استعراض الشـرق والغرب في ظل الصـراعات العسكرية والاقتصادية والثقافية والعلمية. كما تعمل هذه النظرية الأدبية على استكشاف نقاط الاختلاف بين الشـرق والغرب، وتحديد أنماط التفكير التي يتبناها المؤلفون والمفكرون. وهي تتناول حالة الشعوب المستعمَرة، ولا سيما الشعوب الأفريقية والآسيوية، خلال فترة الاحتلال، وما بعدها.

 وهذا يعني أن نظرية ما بعد الاستعمار تقدم - على نطاق واسع - المعالجة التكوينية، والتفكيكية، وباعتبارها الأنا الجدلية والغير، وثنائية الشـرق والغرب، وتصنيفاً للخطاب الاستعماري، وتجلية له، وتمييزاً لبعض المستشـرقين المنصفين، عن الآخرين الذين كانوا في خدمة الاستعمار.

 إن النظرية تحاول أن تجد دور الشعوب المستعمرة في المركزية الغربية، في مجال صـرف القوة الموجودة، أو في مجال التنمية، مشيرة إلى تطور التفاعل الفكري والوجداني للشعوب، بعد كل الصـراعات التي حدثت.

ولا يعني هذا، بالضـرورة، الكفاح ضد جميع ما أنتجته الحقبة الاستعمارية في مختلف جوانب الحياة، وأشياءها السلبية والإيجابية، رغم أن إيجابياتها أقل بكثير من سلبياتها.

 وكذلك، فإن خطاب ما بعد الاستعمار يعني الوعي بالثقافات الأخرى الموجودة في المستعمرات، وبالهويات، والمواقف، والتاريخ، والوثائق المعرضة للخطر.  وكذلك الاحتفال بالإبداعات والكتابات المختلفة لأبناء المستعمرات، أو غيرها، كردٍ مباشـر على خطاب المحتل الأجنبي، ومواقفه، وترسيخ هوية الثقافات التي عانت من النفي والتهميش. وهنا تكمن المشكلة في استعادة دور الهامش، في إطار الخطاب الاستعماري المركزي المهيمن.

إن الاستعمار - كمصطلح - مفهوم واسع يشير إلى مشـروع الهيمنة السياسية الأوروبية، من القرن السادس عشـر إلى القرن العشـرين، الذي انتهى بحركات التحرر الوطني في الستينيات. وسيتم استخدام مفهوم ما بعد الاستعمار لوصف الصـراعات السياسية والنظرية للمجتمعات التي عانت من الانتقال من التبعية السياسية إلى السيادة الوطنية.  [1](محمد بن أحمد، خطاب ما بعد الاستعمار في الأدب، 2016: 5).

 يعتمد خطاب ما بعد الاستعمار على نظرية ثقافية جديدة، مع امتدادات وفروع تتعلق بعلم النفس وعلم الاجتماع واللغة والنقد الأدبي والدراسات العرقية والسياسة والاقتصاد. سيتم فهم هذا الخطاب، فقط، في ضوء التحليل الثقافي المتكامل، ولا يتم جرّه إلى التوجه الأحادي والأيديولوجي، أو التركيز على مجال معين.  ولا شك في أنها تنضم إلى حركة ما بعد الحداثة في جوهرها، وأن ما بعد الحداثة بنيت على مراجعات الفلاسفة والمؤرخين الجدد، والنقد الثقافي للخطاب المركزي الغربي، الذي ينظر بازدراء إلى ثقافات الشعوب الأخرى، ويتعامل معها من وجهة نظر فوقية.

 كيف أثرت التجربة الاستعمارية على أولئك الذين استعمروا، من ناحية، والذين ذاقوا ويلات الاستعمار، من ناحية أخرى؟  كيف تمكنت القوى الاستعمارية من السيطرة في هذا الفضاء الواسع من العالم غير الغربي؟ ماذا تبقى من التعليم الاستعماري، والعلوم، والتكنولوجيا؟  أيضاً: كيف أثر الاستعمار على المجتمعات المستعمرة بعد فترة الاحتلال، وكيف أثر التعليم الاستعماري، واللغة المرتبطة به، على ثقافة المستعمرات، وهويتها؟  وكيف أدت العلوم والتكنولوجيا الغربية، والطب الغربي، إلى السيطرة على نظم المعرفة السائدة؟  وما هي أشكال الهوية التي ظهرت بعد رحيل المستعمرين؟ هل يجب عليك دائمًا اتخاذ إجراءات ضد الاستعمار، من خلال العودة إلى طريق الشكل السابق لفترة ما قبل الاستعمار؟

 تحتاج هذه الأسئلة إلى الكثير من الدراسات، وإعادة البحث، للوصول إلى بعض الإجابات.

ولشـرح المزيد حول هذه النظرية، في الممارسة العملية، وكيف عبّر الكتُاب عن ذلك من خلال نتاجهم الأدبي، قدّمنا مثالاً إفريقياً عربياً، واثنتين من رواياته المعروفة، وهو – كما نوهنا - الدكتور نجيب الكيلاني، وروايتيه: (ليالي تركستان) و(نابليون في الأزهر).

عبّر المفكرون والكتاب المستغربون، خصوصاً في العالم الغربي، عن تغيرات في واقع مجتمعاتهم الأصلية؛ من حيث اعتقاداتهم الدينية، وحالتهم الثقافية، والاجتماعية، وفي كافة نواحي الحياة. وتجدر الإشارة إلى أن هؤلاء ساهموا في المجال الفكري، والنقد، وأوصلوا رسالتهم - بشكل أو بآخر - إلى المجتمعات الغربية، للتعريف بشعوب الشـرق.

لقد بدأ ظهور المشـروع الاستعماري الأوروبي عندما أصبح من الممكن التحرك العسكري بشكل أسهل في البحار، ونقل أعداد كبيرة من الناس في جميع أنحاء المحيطات، والسيطرة على السيادة السياسية للبلدان الأخرى، على الرغم من التشتت الجغرافي الواسع.

إن استخدام مصطلح الاستعمار يهدف إلى وصف عملية التوطين الأوروبية، والسيطرة السياسية على بقية العالم؛ بما في ذلك الأمريكيتين، وأستراليا، وأجزاء من أفريقيا وآسيا.

ومن الصعوبة تحديد تعريف دقيق للاستعمار، بناءً على حقيقة أن المصطلح يستخدم   -غالباً - كمرادف للإمبريالية. لأن الاستعمار، والإمبريالية، ما هي إلا شكل من أشكال الاحتلال التي جرت لتفيد مصالح أوروبا؛ اقتصادياً واستراتيجياً. وكثيراً ما يستخدم مصطلح الاستعمار لوصف المستوطنة الأوروبية في أمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا والجزائر والبرازيل، والأماكن التي سيطر عليها مواطنون كثر من السكان الأوروبيين الدائمين.

ويميز بعض العلماء بين المستعمرات المقامة للاستيطان، والمستعمرات المقامة للاستغلال الاقتصادي. ويستخدم آخرون من الباحثين مصطلح الاستعمار لوصف الدول التابعة التي تحكمها أمة أجنبية بشكل غير مباشـر، وهذا هو الفرق والتباين مع الإمبريالية، التي تعني الهيمنة وحكم البلدان بشكل مباشـر. والمسألة هي حكومة أجنبية تدير إقليماً دون تسوية أو اتفاق واضح مع شعوب هذه المناطق؛ ومن الأمثلة النموذجية: احتلال أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشـر، والسيطرة الأمريكية على الفلبين، وبورتوريكو. ومع ذلك، ليس هناك كبير تمييز بين الاثنين، وهو غير مميز تماماً في المجال الأدبي.

قام (دوغلاس روبنسون) بتحديد ثلاثة تعريفات لمصطلح (ما بعد الاستعمار)، والتي تختلف بشكل كبير بحسب السياقات التاريخية، وهي كما يلي: [2](روبنسون، 2014: 12)

التعريف الأول: أن نظرية ما بعد الاستعمار هي دراسة للمستعمرات الأوروبية السابقة منذ استقلالها؛ والطريقة التي استجابت بها للإرث الثقافي الاستعماري؛ سواءً باتباعه وتطبيقه، أو بالتكيف معه، أو بالتصدي له ومقاومته، أو بالتغلب عليه، من خلال الاستقلال. ومن هنا تشير بعض خصائصها إلى ثقافات ما بعد نهاية الاستعمار، مغطاة بفترة تاريخية، هي النصف الثاني تقريباً من القرن العشـرين.

التعريف الثاني: أن نظرية ما بعد الاستعمار هي دراسة للمستعمرات الأوروبية السابقة منذ استعمارها؛ وطريقة استجابتها للإرث الثقافي الاستعماري، سواءً باتباعه وتطبيقه، أو بالتكيف معه، أو بالتصدي له ومقاومته، أو بالتغلب عليه من خلال الاستقلال. ومن هنا تشير بعض خصائصها إلى ثقافات ما بعد نهاية الاستعمار مغطاة بفترة تاريخية، هي – تقريباً - بداية القرن السادس عشـر.

التعريف الثالث: ما بعد الاستعمار هو دراسة لجميع الثقافات والمجتمعات والأمم والبلدان، من حيث علاقات القوة التي ترتبط بالثقافات الأخرى والمجتمعات والبلدان والأمم، أي كيف أخضعت الثقافات المفتوحة الثقافات الأقل انفتاحاً لإرادتها، وكيف تأثرت القطاعات المختلفة للمجتمع; وكيف استجابت الثقافات المفتوحة لهذا الإكراه، وتكيفت معه، أو قاومته، أو تغلبت عليه؟. هنا إطلاق صفة (ما بعد) تشير - حسب نظرتنا في أواخر القرن العشـرين - إلى علاقات القوة السياسية والثقافية، والفترة التاريخية التي تغطيها هو التاريخ كله.

يتطابق التعريف الأول مع مفهوم ما بعد الاستقلال، حيث يركز العلماء على التداعيات السياسية والثقافية واللغوية والدينية والأدبية على المجتمعات المستعمرة سابقاً، والمستقلة حديثاً، وينتصـر النقاد لهذا التعريف، لأن هذا المجال له وقت محدود، وإشكالية معرفية محددة واضحة إلى حد كبير، كما هو الحال في كثير من الأحيان فيما يتعلق باللغة والهوية والمكان والانتماءات. إذا أخذنا الجزائر كمثال على المستعمرة السابقة للدول الأوروبية، فإن المجال النظري لما بعد الاستعمار، وفقاً للفترة التاريخية، والمشكلات السابقة، بشكل خاص، يتمحور حول قضية الفرنكوفونية في المجتمع الجزائري فيما بعد الاستقلال.

أما التعريف الثاني، فيشمل المرحلة الثانية من الاستعمار، وما تلاه، ويركز على المستعمَرين، كما يركز – أيضاً - على المستعمِرين. كما يلقي الضوء على مناطق الظلام في تاريخ أوروبا الاستعمارية، ويطرح أسئلة محرجة حول مدى دوافع وآفاق طموحاتها الاستعمارية. كما يحلل خطاباتها التي تحيط بالحضارة والتنمية والدعاوى التبشيرية، والمبطنة بالنوايا والطموحات الاقتصادية والثقافية. كما يبحث عن المواد الخام، والأسواق الخارجية، وينشـر الثقافة الأوروبية في البلدان الأخرى. وإذا عدنا إلى المثال الجزائري         -كمجال لدراسة ما بعد الاستعمار، ولتحليل العلاقات الاستعمارية بين الجزائر وفرنسا - فيجب أن نقف على العملية الاستعمارية، وردود فعل المستعمَرين.

التعريف الثالث هو الأكثر شمولاً والأوسع طموحاً، لأنه يشمل العلاقات الاستعمارية، على الصعيد العالمي على مدى تاريخ طويل. ومن هنا، وعلى هذا المستوى، تبدو النظرية وسيلة للنظر في علاقات القوة بين التحولات الثقافية والنفسية والاجتماعية التي تنتجها ديناميات الهيمنة والإكراه المنسق، والتوسع الجغرافي واللغوي. علاوة على ذلك، فهي لا تحاول تفسير كل شيء في هذا العالم، ولكنها تقتصـر على هذه الظاهرة المهملة الوحيدة، التي تسيطر على ثقافة معينة بثقافة أخرى. [3](روبنسون، 2014: 13)

لذلك يمكننا أن نقول باختصار: إن ما بعد الاستعمار هو خطاب نقدي يهدف إلى تفكيك الخطاب الاستعماري، ومحاولة مراجعة تاريخ الأدب في البلدان المستعمَرة أولاً، عن طريق إعادة كتابة تاريخ حضارة البلدان المستعمِرة من وجهات نظر البلدان المستعمَرة.

ما بعد الاستعمار هو مصطلح تأسس أساساً في المجال السياسي منذ عام 1970، لوصف حالة الدول المستقلة حديثاً، ثم دخل في مجال نظرية النقد الأدبي لوصف حالة كل دولة أو ثقافة تأثرت بعملية الاستعمار، منذ لحظة الاستعمار حتى يومنا هذا.

وقد ظهر المصطلح لأول مرة على صفحات المجلة الأكاديمية في منتصف الثمانينيات، حيث تقوم بعمل الترجمات في المؤسسة، كما هو معروف في الكتاب الشهير ( الإمبراطورية ترد بالكتابة: النظرية والممارسة في أدب ما بعد الاستعمار)، من قبل (آشكروفت)، و(غريفيث) و(تيفين)، حيث حدّد هؤلاء في مجال الأدب جغرافياً، ويشمل أدب جميع البلدان الأفريقية وأستراليا وبنغلاديش وكندا ودول البحر الكاريبي والهند وماليزيا ومالطا ونيوزيلندا والباكستان وسنغافورة وجنوب المحيط الهادئ وسريلانكا. اعترف الكتاب أنفسهم بأنهم ركَزوا عمداً على أدب المستعمرات البريطانية السابقة، دون إمبراطوريات أوروبية مستعمرة أخرى، وهذا لا يعني أن أدب ما بعد الاستعمار هو حصـريٌ على الأدب الأنكلوفوني، بل يمتد حتى الأدب الفرنكوفوني، وغيره، وتمت مناقشته ومعالجته حسب الاستشهادات الأوروبية الفرنكوفونية. إذن، القيود الجغرافية لا تكفي للتعرف على أدبيات ما بعد الاستعمار، ولكن يجب أن تقف على الحدود وشواغلها. [4](Bill Ashcroft، 1989: 25)

حددت (ويكيبيديا) نظرية ما بعد الاستعمار على النحو التالي: ما بعد الاستعمارية هي الدراسة الأكاديمية للإرث الثقافي للاستعمار والإمبريالية، وهي تركز على التبعات البشـرية لاستغلال السكان الأصليين، في الأراضي المستعمرة، والسيطرة عليهم وعلى أراضيهم. تعتبر ما بعد الاستعمارية تحليلًا نظريًا نقديًا لتاريخ وثقافة وأدب وواقع القوى الاستعمارية الأوروبية.[5] (موقع ويكيبيديا)    

فأدب ما بعد الاستعمار هو أدب البلدان المستعمرة من قبل الدول الأوروبية - في الغالب-، والتي تتوزع على جميع القارات، ما عدا (أنتاركتيكا). غالباً ما يتناول هذا الأدب مشاكل وعواقب الاستعمار في بلد ما، ولا سيما الأسئلة المتعلقة بالاستقلال السياسي والثقافي للشعوب المستعمرة سابقاً، والموضوعات المهمة، مثل العنصـرية والاستعمار. [6](مابعد الكولونيالية، 2017: 1)

تطورت مجموعة من النظريات الأدبية حول هذا الموضوع، لأن أدب ما بعد الاستعمار يعمل على إعادة الكتابة، أو إعادة القراءة، وهذا ما أدى إلى تعديل التفسيرات الأدبية الشهيرة من وجهات نظر كتُاب دول المستعمرات السابقة، مثل رواية (بحر سارجاسو الواسع)، التي تعتبر إعادة كتابة لـ(جين إير)، رواية (شارلوت برونتي)، حيث يعيد تشكيل مناهضة السـرد الاستعماري للشعوب المحلية كضحايا وليس كأعداء للمستعمِرين، وهذا ما يسهل تصوير الشعوب المستعمَرة بشكل كبير على أنهم شعوب إنسانية مظلومة، وأيضاً بإعفائهم من مسؤوليتهم. وبعبارة أخرى: اعتبر أدب ما بعد الاستعمار  - في الغالب - بمثابة تفكيك للنصوص الاستعمارية من أجل الكشف عن أيديولوجياتها الاستعمارية، بقصد أم دون قصد، ولفضح حجم التناقض بين مزاعم الحضارات التي يتفاخر بها الخطاب الأوروبي. لعل أهم النصوص الأدبية لما بعد الاستعمار، على سبيل الذكر وليس الحصـر، هي رواية (الأشياء تتداعى)، لـ (تشينوا أتشيبي)، و(موسم الهجرة إلى الشمال)، لـ(الطيب صالح)، التي تعتبر بمثابة إعادة قراءة لرواية (قلب الظلام) لـ(جوزيف كونراد).

اعتبر معظم مفكري ما بعد الاستعمار أن قواعد المعرفة للفكر الاستعماري لا تزال موجودة حتى اليوم، لذا فهم يسعون إلى تقديم خطاب جديد يعيد صياغة إطار المعرفة الغربية حول الشـرق. كما يبحث مثقفو ما بعد الاستعمار عن طرق للتغلب على آثار الاستعمار على الشعوب التي عانت بشكل خاص على المستوى الثقافي، وذلك من خلال إبراز صوت الفئات المهمشة في المجتمعات التي مرت بالاستعمار. في هذا الإطار، ومن خلال العقدين الأخيرين من الدراسات، ظهر عدد من التخصصات في مجال دراسات ما بعد الاستعمار ، وأبرزها دراسات حول التابع.

لقد ترك خطاب ما بعد الاستعمار تأثيرًا كبيرًا في أعمال عدد لا يحصـى من الروائيين، مثل (تشينوا أتشيبي)، و(سوينكا)، الحائزَين على جائزة نوبل للآداب، و(ديريك والكوت)، و(أميتاف غوش)، وغيرهم. [7](ما بعد الكولونيالية ، 2017: 2)

1.1. مفاهيم ما بعد الاستعمار:

1.1.1. الاستشراق:

يعد الكاتب الأمريكي من أصل فلسطيني (إدوارد سعيد) من أشهر الشخصيات التي تحدثت عن مصطلح ما بعد الاستعمار، وطورته، ووسعت النقاش فيه، خاصة في كتابه (الاستشـراق)، الصادر عام 1978. وهذا الكتاب تحليل جذاب ومتين لما تمثله النظرة الغربية للشـرق والعالم الإسلامي وجنوب شـرق آسيا، والذي أتبعه بكتاب آخر، هو (الثقافة والإمبريالية)، وربما هو المؤسس الحقيقي لهذا الموضوع، حيث كان من أوائل من لفت الانتباه إلى المصطلح.

لقد حاول تفسير هيمنة الإمبراطورية الأوروبية، وتحديد طبيعة دور أوروبا نفسها، وقال إن الاستشـراق عمل كنظام إنتاج معرفي، وأنتج سلسلة من اللقاءات الهرمية بين الغرب والشـرق؛ حاول الغرب فيها أن يؤكد تفوقه وسيطرته على المجتمعات الشـرقية. والأهم من ذلك، أن (إدوارد) قدم مجموعة مهمة من الأدوات الفكرية لأفراد المجتمعات الثانوية، ولم يقتصـر عمله على القراءات الصعبة للمفكرين الآخرين، بل كان له - أيضاً - تأثير عميق على الأبحاث في العلوم الإنسانية بشكل عام.

 انطلق (سعيد)، في كتابه (الاستشـراق)، من مبدأ أساسي، وهو أن هناك هيمنة خطاب يفرض مفهومه أو تمثيله على الآخر، الذي ليس لديه خطاب يمكن أن يمثل نفسه. ومن هنا جرب (سعيد) وألقى بالمسؤولية على عاتق العديد من الكتابات الغربية، والخطابات الأيديولوجية، التي جعلت من الشـرق موضوعًا في مجالات مختلفة من المعرفة، مثل: فقه اللغة، والأنثروبولوجيا، والمسرح، والأدب.

القاسم المشترك لهذه الرسائل - وفقاً لـ(إدوارد) - كانت دونية الشـرق، والنظر فيه ككيان ثقافي وحضاري مختلف، مما أدى إلى نهج الأيديولوجية الاستعمارية، التي ترى أن من واجب المثقفين الغيورين أن يحملوا الشعلة والحضارة والتقدم والحرية لتلك البلدان المتخلفة الشـرقية، في جميع المجالات. إنه مجرد خطاب أيديولوجي فج، يكون هدفه الأول والأخير هو الهيمنة الاستعمارية على هذا العالم الآخر، وبصورة أدق: مناورة خفية تدعم وتساهم في تشكيل صورة الغرب كحضارة وقوة متفوقة.

حاول (إدوارد سعيد) استكشاف أبعاد هذا النهج الغربي في كتابه (الاستشـراق)، وأوضح أن الاستشـراق مرآة تعكس قوة الغرب، وشهوته الإمبريالية، وهو أسلوب لكيفية تكوين الأمم بالمعرفة بطرق مختلفة، ومن خلال السـرديات الكبرى على وجه الخصوص. معرفة تطورت مع توسع الاستعمار الأوروبي الفرنسـي والإنجليزي، وتعبير للمجتمعات والشعوب الأخرى الخاضعة للفعل الاستبدادي، وتصويرها كمجتمعات وشعوب يجب أن تُحكم ويسيطر عليها، لا ككيانات يجب فهمها والحكم عليها بطريقة عادلة وموضوعية. لذا، فإن الاستشـراق هو الخيط الأول لبدء الحديث عن الخطاب الاستعماري.

 ومن هنا، فإن كتاب (الاستشـراق) هو الأقرب إلى النقد المضاد، أو ما يمكن وصفه بالخطاب المعاكس للمهاجرين، يشمل كل ميل أساسي في فهم الثقافة والأدب والنقد. ولقد اختار (إدوارد) في هجومه هذا أحد أكثر الخطابات تعقيداً في الفكر الغربي عن الشعوب الأخرى ، وهي الدراسات الاستشـراقية. لذلك يعتقد أن البحث عن المعرفة في المجال الاستعماري لا يمكن أن يكون عادلاً، أولاً لأن العلاقة بين الثقافات غير متكافئة، وثانيًا تلك المعرفة، سواء كانت اللغة، أو العادات، أو ديانات هذه الشعوب، استخدمت دائمًا لمصلحة الإدارة الاستعمارية. [8](حمادي ، 2014: 2)

الفكرة الأساسية التي يدافع عنها ويركز عليها (إدوارد سعيد) هي أن الشـرق - كما يدركه الغربيون - ما هو إلا اختراع أو تلفيق لغوي وأيديولوجي لا علاقة له بالشـرق الجغرافي، الموجود موضوعيًا في الواقع. الهدف من هذا هو تحقيق الهيمنة، وممارسة الهيمنة الثقافية والإمبريالية على الشعوب الأخرى، وهنا تلتقي المعرفة بالقوة، وفقًا لـ(ميشيل فوكو)، وهذا يعني أن قوة الغرب قد أعطت لنفسها الفرصة لأخذ الشـرق كموضوع لها في الدراسات والبحوث المعرفية، ولكن تم استغلال هذه المعرفة نفسها كغطاء أيديولوجي لممارسة الهيمنة والقوة الاستعمارية على الشـرق. لذا، فإن الرؤية السائدة في كتاب ( الاستشـراق) هي أن العلاقات بين الغرب والدول الأخرى ستستمر في أن تكون موصوفة بالانقسامات والصـراعات كنتيجة حتمية، وكردود فعل على العنف الذي خلقه التاريخ الاستعماري. [9](حمادي ، 2014: 3)

 

1.1.2. الهيمنة:

استخدم الفيلسوف الإيطالي (أنطونيو غرامشي) هذا المصطلح أولاً فلسفيًا، وفسـّره على أنه محاولة فعالة لتفسير قوة السلطة الدائمة لتشكيل مفهوم الذات والقيم والأنظمة السياسية وشخصية الشعب ككل، حتى بعد فترة طويلة من زوال المصدر الخارجي لتلك القوة.  الهيمنة مبنية (في العالم الغربي) على القوة الثقافية والعلمية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، ولا يحتاج الناس من دول الجنوب للتحدث مع الغرب لفهم ذلك، فهم يشعرون من تعابير الناس وحركاتهم وتعاملهم معهم، أنهم أمام شخص آخر مختلف، وحتى أمام كتلة بشـرية أخرى؛ في بنيتها ونظامها، وفكرها وثقافتها. ومما لا شك فيه أن المستعمر الغربي مارس - وما زال يمارس- الازدواجية في التعامل، بين ادعاءاته بالقيم والأخلاق والفلسفات، وبين سلوكياته وأفعاله، سواء في العصـر الاستعماري، أو ما بعده، وحتى يومنا هذا، وهو أصبح معروفًا في الوقت الحاضـر بسياسة ازدواجية المعايير، التي تظهر في الشعارات الغربية وإعلامها. المستعمر الغربي الذي يدعي الإنسانية، ينخرط في ممارسة التمييز والاستبداد وإلغاء الآخر، وقد يستنكر أعمال العنف من قبل الطرف المقاوم، في الوقت الذي يقوم هو نفسه بممارسة أقسـى صور العنف وأبشعها. يعني أن ما يستبعده المستعمر، أو ينفيه بطريقة ما، فهو يجلبه ويعطيه معنى ومصداقية بطريقة أخرى، أو على مستوى مختلف، ويفاجئنا بالطغيان مغطى بحب الحرية، أو يدعو إلى المساواة، ولكنه يقدم نوعاً من التمايز فحسب. وهذا هو سلوك النفاق بذاته من قبل من ينادون بالحرية، في الوقت الذي يمارسون فيه وصايتهم النخبوية على البشـر، ليحتكروا حقوقهم، ويحرموهم من كل ما لهم من الثروات المادية والمعنوية. [10](عطية، دكتور مصطفى جمعة. أدب ما بعد الاستعمار في كتاب «القرن المحلّق».2017 الخرطوم، جائزة الطيب صالح، 2017: 13)

يقول (فرانتز فانون)، في كتابه المهم (معذبو الأرض): إن هذا العالم مقسم إلى قسمين، يسكنهما نوعان مختلفان من البشـر. وأصالة السياق الاستعماري هو أن الواقع الاقتصادي، وعدم المساواة، والاختلاف الهائل في أساليب الحياة، لا يخبئ أبدًا الواقع البشـري. وعند فحص السياق الاستعماري، واستقراء أحداث التاريخ، يبدو أن ما يقسم العالم يبدأ بحقيقة الانتماء أو عدم الانتماء إلى عرق معين، أو نوع معين. والأساس الاقتصادي للمستعمرات هو البنية الفوقية، والسبب هو النتيجة، فأنت غني لأنك أبيض، وأنت أبيض فإنك غني، ولهذا السبب يجب أن يتوسع التحليل الماركسـي دائمًا عند التعامل مع مشكلة الاستعمار. أعلن (فرانز فانون) بشكل حاسم أن العنف هو السبيل الوحيد لتفكيك الاستعمار ، بالقول إن "إنهاء الاستعمار هو دائمًا عنيف" [11](فانون ، معذبو الأرض ، 2004: 1). وأمام هذا البيان الحاسم، شجب (فانون) ورفض أي محاولة أخرى للتواصل بين الطرفين، سواءً كانت المحاولة في شكل تسوية أو مفاوضات، وذلك لقناعة (فانون) بأن العالم الاستعماري هو عالم ثنائي، يحاول كل طرف استبدال الآخر، لذلك لا يمكن زوال هذا الثنائي إلا بالعنف. لذا، فإن تغيير العالم الاستعماري من قبل المستعمر، ليس معركة عقلية بين وجهتي نظر. إنه ليس تفاوتًا في الكلام بين البشـر، ولكنه تأكيد عنيف للأصالة المطلقة. (فانون، معذبو الأرض ، 2004: 5)

رانتز فانون) لا يؤسس إيمانه بالعنف على اعتبارات عنصـرية، أو انتقام شخصـي، بل إنه يبني قناعته ورأيه بفاعلية العنف، انطلاقًا من التحليل النفسي لثنائية الصـراع، وقد تم بالفعل إنهاء عملية الاستعمار بطريقة عنيفة، ويشهد التاريخ على هذا القول بما يروي من قصص عن مجازر وحشية وإبادة جماعية بحق الشعوب الأصلية، كما أن المستعمر يعترف بعنفه، بحجة وغطاء رسالته الحضارية والثقافية، بزعم أنها ستفطم الملايين من الناس البدائيين والوحشيين اللبن - على حد تعبير فرانز فانون-،  الذي يقول إن النظام الاستعماري يستمد شـرعيته من السلطة، ولا يحاول - في أي لحظة من اللحظات - أن يراوغ في هذه القضية التي تنسجم مع طبيعة الأشياء، فالنظام مدين بشـرعيته للقوة، ولا يسعى في أي وقت للتغطية على هذه الطبيعة للأشياء ". (فانون، معذبو الأرض، 2004: 42)

لم يكن العنف الاستعماري على شكل إبادة جماعية ومجازر فحسب، بل تجاوزه إلى تشويه صورة الآخر، أي جعل الشعوب الأخرى الراضخة تحت الاستعمار شـرًا مطلقًا. إنه عنصـر هدام، يدمر كل ما يقترب منه، عنصـر تخريبي يشوه كل ما يرتبط بالجمال والأخلاق، إنه مستودع للقوى الشيطانية، إنه أداة للقوى العمياء، وأداة ليس لها وعي ولا توجد طريقة لإصلاحها. وهذا ما قاله السيد (ماير) بجدية في (المجلس الوطني الفرنسـي): "لا ينبغي السماح بتدنيس الجمهورية بقبولها دخول المواطن الجزائري إليها". [12](فانون ، معذبو الأرض ، 2004). فهذه التصـريحات تشكل جزءًا من خطاب أوسع وأشمل يسمى الخطاب الاستشـراقي، والذي عمل عليه (إدوارد سعيد) في كتابه التأسيسي ( الاستشـراق)، كما نوضحه لاحقًا. وأمام هذه النظرة الدونية التي يراها المستعمِر (بكسـر الميم) إلى المستعمَر (بفتح الميم)، لا يستطيع الأخير امتلاك سوى إحساس كبير بالكراهية تجاه المستعمِر، الذي لا يذكّر المستعمَر إلا بوضعه المتدهور؛ ففي مقابل ثراء ومعرفة الدول المستعمِرة، لا يذكرون إلا فقر وجهل الشعوب الأخرى، وهذا ما خلق الشعور الانتقامي الذي يؤدي إلى الحسد والرغبة في استبدالهم. هذا هو الواقع، بحيث يرى المستعمَر كل يوم حلماً، مرة واحدة على الأقل، بزوال الاستعمار بكل أشكاله عن بلادهم، وأخذ مكانهم منهم.

إذا كانت (قوانين نيوتن) تؤكد أن لكل فعل رد فعل مساوٍ في القوة، ومعاكس في الاتجاه، فلا عجب أن تفكيك الاستعمار هو فعل تاريخي، هو ظاهرة واضحة تجعل العنف المطلق إلزاميًا، لكنه عنف بنّاء، ومثمر، وإيجابي، فهو يصنع معنى للحياة، وهدفًا للمستعمَر، ويوحد الأفراد على المستوى القومي، ويذيب الكراهية الداخلية، ويمحو الخلافات العرقية والقبلية، ويطهر الأرواح المعذبة من الكراهية والحسد واليأس ومشاعر النقص، ويطهر العقول من الأساطير والأشباح والغول ..إلخ.

 وهنا يتحدث (فانون) عن شيء آخر - ولكننا لن نتطرق إليه، لضيق المجال - وهو: ما هي الطبقة التي يمكنها ممارسة العنف، وتحقيق تحررها الوطني؟ وقام بتحليل الطبقات الاجتماعية، وتوصل إلى أن الفلاحين وحدهم هم من يستطيعون القيام بالثورة، والنجاح في تحرير بلدهم [13](فانون ، معذبو الأرض ، 2004: 53)..

    يدرك (فرانز فانون) حقيقة أن أوروبا تدين في تطورها ورقيها إلى المستعمرات القديمة، لأنها استنزفت ثرواتها من الموارد الطبيعية والموارد البشـرية لتلك البلاد، منذ قرون طويلة، لذلك على أوروبا دفع ثمن تطورها، ويجب عليها أن تساعد المستعمرات القديمة في التقدم دون قيود أو منّ أو أذى. يقول (فانون) إن أوروبا أنشأها العالم الثالث، والثروات التي سـرقت منها، صنعت أوروبا اليوم، وجعلتها من الشعوب المتقدمة. وإن من الواجب على أوروبا تقديم المساعدات إلى الشعوب النامية والفقيرة، كاعتراف بالنعمة، وكتعويض عادل يقدم لها.. ويؤكد أننا لا نقبل أن تقدم المساعدات إلى البلدان المتخلفة كبرامج خيرية، ولكن ينبغي أن يحدث هذا من منطلقين: الأول من وعي المستعمَرين أن هذا من حقهم. والثاني متعلق بوعي البلدان الرأسمالية؛ حيث يجب أن يفهموا أن عليهم حقاً، وأنهم يجب أن يدفعوا.

 وهذا مناقض للأدب والعرف الاستعماري، الذي ينسب تطوره إلى المواصفات الذاتية والتفوق العنصـري على العروق الإنسانية الأخرى. وهذا الاعتراف يخالف الموقف الاستعماري الذي يدعي أن ما فعلته أوروبا هو إيصال رسالة ثقافية إلى جانب الإنجيل والقلم، ومصـروفة من أموالها. سحق (فانون) هذه الادعاءات رأساً على عقب، بتأكيده أن ازدهار أوروبا يرجع إلى المستعمرات السابقة، وأن أقل ما يجب أن يفعلوه هو أن يعيدوا الديون المادية ضمن ترتيب إصلاح ما أفسدوه لعدة قرون.

 إن أطروحة (فانون) تعد عموداً أساسياً لمرحلة ما بعد الاستعمار[14](فرانز فانون، 55)، وهذا ما أكد عليه فيما بعد (إدوارد سعيد)، وجعله أساساً لنظرته في كتابه الشهير (الاستشـراق).

الممارسات الاستعمارية تقوم على أساس استخدام القوة العسكرية في ضبط وتغيير التركيبة السكانية، وبناء الخريطة السياسية، وتخطيط حدود جديدة، لتسهيل عملية السيطرة، فكلما زاد تفرُّق السكان، وضعفت قدراتهم، ساهم ذلك أكثر في الرضوخ للمستعمِر، وسهل في الشـروع في فرض الثقافة والأخلاق على الناس، بما في ذلك إعادة رسم سلوكياتهم الجديدة، والأفعال التي تتوافق مع ثقافة المستعمر، وسياسة القهر العسكري. هذه هي سياسة قديمة استخدمها أسلافهم الرومان لإخضاع الشعوب الأخرى، على حد تعبير (مونتسكيو)، في كتابه (تأملات في تاريخ الرومان). فهناك عدة طرق يحاول بها المستعمر إخضاع الشعوب الواقعة تحت سيطرته، ومنها المعاهدات، بحجة الحماية الاقتصادية، والسيطرة من خلال معاهدات طويلة الأمد، يفقد فيها المستعمَر الكثير من إمكانياته لصالح المستعمِر، الذي يحول الثقافة المحلية من سياقها الفعلي إلى سياق أكثر تعقيدًا وغرابة. وكل هذه الأساليب تساهم في تحقيق أهداف حقيقية للمستعمر، كما أن كل هذه الأساليب تنعكس سلبًا على سلوك وتصـرفات الشعوب في ظل الاستعمار. [15](محمد بن أحمد ، 2016: 4).

المراجع:

- أنيا لومبا، (2007م.) في نظرية الاستعمار وما بعد الاستعمار في الأدب. (ط .)1ترجمة: د. محمد عبد الغني غنوم، اللاذقية، دار الحوار.

- براون ، ج،ب. تحليل الخطاب، ترجمة: محمد الزليطي، 1997، جامعة الملك سعود، الرياض.

- القاعود، حلمي محمد، الرواية الإسلامية المعاصـرة، دار العلم والإيمان، 2009.

- عطية، دكتور مصطفى جمعة. أدب ما بعد الاستعمار في كتاب (القرن المحلّق)، 2017، الخرطوم، جائزة الطيب صالح.

- بن أحمد، محمد، خطاب ما بعد الاستعمار في الأدب، 2016، الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا للنشر IIUM Press.

- عتيق، الدكتورة مديحة، ما بعد الكولونيالية: مفهومها، أعلامها، أطروحاتها، جامعة سوق أهراس.

- شـركيان، د. عمر مصطفى، عنصـريَّة الرَّجل الأبيض في رواية (قلب الظلام) لجوزيف كونراد.

- ديملي، فاطمة، تفكيك الخطاب الكولونيالي وإسقاط الأقنعة، مجلة تطوير، العدد الثاني، نيسان 2015، جامعة سعيدة، الجزائر.

- بن علي، امغر الحافظ، معالم خطاب ما بعد الاستعمار في روايتي (مواكب الأحرار) لنجيب الكيلاني، و(أسـرة حرب العصابات) لبرامود، 2017، الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا للنشر IIUM Press.

- ثقافة المقاومة، صحيفة الاتحاد    ، https://www.alittihad.ae/article/9523/2017

 

-                     AlWadhaf، Y. H. (2008). A Postcolonial Reading of Selected Arabic Novels. Kulalampur، Kulalampur، Malaysia: Putra University.

-                     Badawi، M. M. (1985). Modern Arabic Literature and the West. London : Ithaca Press

-                     Ball، J. (2004 ). Imagining London: Postcolonial Fiction and the Transnational Metropolis. Toronto: University of Toronto Press

-                     Bhaba، H. (1996). The Location of Culture: Discussing Post-Colonial Culture. London: Routledge.

-                     Bill Ashcroft، G. G. (1989). The Empire Writes Back: Theory and Practice in Post-colonial Literature. London and New York: Rutledge.

-                     Bill Ashcroft،Gareth Griffiths،Helen Tiffin. (1998). The Key Concepts in Post-Colonial Studies. London،New York: Routledge.

-                     Boehmer، E. (1995). Colonial & Postcolonial Literature. . Oxford and New York: Oxford University Press.

-                     Carter، D. (2006). Literary Theory. Pocket Essentials

-                     Conrad، J. (2007). The Heart of Darkness. London : Penguin Classics

-                     Davis، C. (2005). The Politics of Postcolonial Publishing. London: Oxford

-                     Dr. Pona Mahanta، Retd.، Dibakar Maut . (2014، November). The Impact of Colonizer on the Colonized: A Postcolonial Study of Nigerian Igbo Culture and History in Chinua Achebe’s Things Fall Apart. IOSR Journal of Humanities and Social Science (IOSR-JHSS)، 19(11)، 01-8

-                     During، S. (1993). Postmodernism or Post-colonialism Today. Docherty.

-                     Fanon، F. (1965). A Dying Colonialism. (M. R. Press، Çev.) New York، United States of America : Grove Press

-                     Fanon، F. (2004). The Wretched of the Earth. (R. Philcox، Çev.) New York : Grove Press

-                     Firdous، A. (1993). The Colonial Rise of The Novel. London: Routledge.

-                     Graduateway. (2017، 6 6). Representation of Colonialism in Joseph Conrad’s Heart of Darkness.

-                     Griffiths، G. (2000). African Literatures in English: East West. Harlow:Pearson Education.

-                     GÜVEN، S. (2013). Post-Colonial Analysis of Joseph Conrad’s Heart of Darkness. Journal of History Culture and Art Research، 2 ، 87. June 2013 http://kutaksam.karabuk.edu.tr/index.php

-                     Hammadi، L. (2014، June). Edward Said ; The postcolonial Theory and The literature of Decolonization،. European Scientific Journal، 12، 202.

-                     Harasym، S. (1990). The Post-Colonial Critic: Interviews، Strategies، Dialogues. London: Routledge.

-                     Helen Gilbert،Joanne Tomkins. (1996). Post-Colonial Drama:Theory،Practs،Politics. London: Routledge.

-                     Hogan، P. C. (2000). Colonialism and Cultural Identity. New York: State University of New York.

-                     Huggan، G. (1997، 4). The Neocolonialism of Post colonialism:A Cautionary Note. Links & Letrers، s. 19-24.

-                     Julian Wucherpfennig، Philipp Hunziker، Lars-Erik Cederman . (2016، October). Who Inherits the State? Colonial Rule and Postcolonial Conflict. American Journal of Political Science، Vol. 60، No. 4 ، 60(4)، 882-898

-                     K، N. P. (2012). Postcolonial Theory: An Introduction. New Delhi: Pearson.

-                     Kwame Nkrumah. (1995). Neo-Colonialism، The Last Stage of Imperialism;. Neo-Colonialism، London ، Great Britain : Thomas Nelson & Sons، Ltd

-                     Nabi، M. b. (1981). The Intellectual Struggle in the Colonial Country. Damascus: Dar al-Fikr.

-                     Noor، R. (2002، WINTER). Reviewed Work: Perspectives on Postcolonial Literature by D. C. R. A. Goonetilleke . World Literature Today، 76(1)، s. 237. 08 05، 2018 https://www.jstor.org/stable/40157248

-                     Raskin، J. (2014، 5 9). Imperialism : Conrad's Heart of Darkness. Sage Publications، Ltd. http://www.jstor.org/stable/259954 .

- Robinson، D. (2014). Translation and Empire: Postcolonial Approaches Explained. . Rutledge.

- S.X.Goudie، J. (1997). Theory، Practice and the Intellectuals:A Conversion with Abdul R.Jan Mohamed. A Journal of Post-colonial Studies، 1(2). Said، E. (1974). Orientalism.

- Said، E. (1993). Culture and Imperialism. London : Chatto and Windus.

- Said، E. (2011). The Treason of The Intellectuals (first b.). Damascus، Syria : Ninawa House.

-                     Sharabi، H. (1970). Arab Intellectuals and The West. Baltimore: Johns Hopkins.

-                     Shirley Chew and David Richards. (2010). A Concise Companion to Postcolonial Literature. John Wiley & Sons، Ltd.، Publication.

-                     Spivak، G. C. (1999). A Critique of Post-colonial Reason: Toward a History of the Vanishing Present . MA: Harvard UP

-                     Thiong'o، N. W. (1986). Writing Against Neocolonialism. Wembley،UK: Vita Books.

-                     Tiongo، N. W. (1986). Decolonising The Mind: The Politics of Language in African Literature. London:.

-                     Voice and Representation: A Post colonial Approach to Higher Education. (2015). University of Adelaide.

-                     Wikipedia. (2017، 4 25). (Post colonialism،) 4 25، 2017. www.Wikipedia.com.

Xie، S. (2015). Rethinking the Problem of Post colonialism. New Literary History، 28(1)، 7-19.


[1] بن أحمد، محمد، خطاب ما بعد الاستعمار في الأدب، 2016، الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا للنشر IIUM Press.

[2] Robinson, D. (2014). Translation and Empire: Postcolonial Approaches Explained. . Rutledge.

[3] Robinson, D. (2014). Translation and Empire: Postcolonial Approaches Explained. . Rutledge.

[4] Bill Ashcroft, G. G. (1989). The Empire Writes Back: Theory and Practice in Post-colonial Literature. London and New York: Rutledge

[5] انظر موقع ويكيبديا،على الرابط : https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%A7_%D8%A8%D8%B9%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9.

[6] عتيق، الدكتورة مديحة، ما بعد الكولونيالية: مفهومها، أعلامها، أطروحاتها، جامعة سوق أهراس.

 

[7] عتيق، الدكتورة مديحة، ما بعد الكولونيالية: مفهومها، أعلامها، أطروحاتها، جامعة سوق أهراس.

[8],8 Hammadi, L. (2014, June). Edward Said ; The postcolonial Theory and The literature of Decolonization,. European Scientific Journal, 12, 202

 

[10] عطية، دكتور مصطفى جمعة. أدب ما بعد الاستعمار في كتاب «القرن المحلّق».2017 الخرطوم,جائزة الطيب صالح.

[11]Fanon, F. (2004). The Wretched of the Earth. (R. Philcox, Çev.) New York : Grove Press

 

[12],12 Fanon, F. (2004). The Wretched of the Earth. (R. Philcox, Çev.) New York : Grove Press

 

[14] Fanon, F. (2004). The Wretched of the Earth. (R. Philcox, Çev.) New York : Grove Press

 

[15] بن أحمد، محمد: خطاب ما بعد الاستعمار في الأدب،2016، الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا للنشر IIUM Press.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق