محمد واني
الليبرالية وقيمها عن الحرية والفردية والمساواة والعولمة والليبرالية الاقتصادية التي روجتها الدول الغربية لردح من الزمن، وصدرتها إلى العالم على أنها ذروة التطور الآيديولوجي للإنسان ونهاية تاريخه، وفق ما طرحه المفكر السياسي الأمريكي (فوكوياما)، وقبل أن تواجه نظريته الضـربة القاضية بسبب الحرب الأوكرانية الروسية، وعواقبها (الجيوسياسية) المحتملة على أوكرانيا وأوروبا والعالم، وعلى مستقبل الديمقراطية الليبرالية، فإنها كانت قد منيت بإخفاق كبير على النطاق التطبيقي العملي في العراق، حيث أسست قائدة النظام
العالمي الجديد لنظامٍ سياسي متخلِّف على عكس ما كانت تبشـر به.. وقد نجحت الحكومات التي تعاقبت على الحكم في العراق في تكبيل المجتمع العراقي وتصفيده بالفساد والمفسدين، ودفعه إلى القبول والتسليم في النهاية بالأمر الواقع (الفاسد) المتردِّي، والتعايش معه كأمر طبيعي! وإذا ظننت لبرهة أن هذا التمدّد الخطير لغول الفساد في العراق جاء بدون برنامج شامل معد له سابقاً، فأنت مخطىء، فكل الحكومات المتعاقبة، منذ 2005، أسهمت بشكل أو بآخر في تفاقم الفساد، وتحويله إلى بعبع يبلع العراق والعراقيين جميعاً، فلا يمكن لمافيا الفساد أن تتغلغل في أهم مفاصل الدولة، وتخضعها لإرادتها، بينما تبقى تلك الحكومات ساكنة لا تتحرّك لمواجهتها، إلا إذا كانت تشارك تلك المافيات في نهب البلد وتدميره!أرادت أمريكا تطبيق أنموذجها الديمقراطي في العراق، والمنطقة
فيما بعد، ولكنها تجاهلت القوى الدينية التي جاءت من عمق التاريخ، متمثلة
بالميليشيات المتعددة سنية أو شيعية، وتحت ضغوط تهديدات هذه القوى الضاغطة، أصيب
المشـروع الأمريكي بانتكاسة وفشل ذريع، الأمر الذي اضطرت فيه أمريكا إلى مجاراة
الواقع، وعقد نوع من الاتفاق أو الشـراكة الضمنية لإدارة الحكم، لكي تحافظ على
وجودها ومصالحها الحيوية في العراق والمنطقة.. وفي ظل استمرار الحرب الأوكرانية
الروسية، والهيمنة الصينية على التجارة العالمية، قد تضطرّ إلى الخضوع أكثر
لأجندات الميليشيات، وتضحي بحلفائها وأصدقائها التاريخيين (الكورد). إن التقارب
الجاري بين المشـروع الأمريكي (الليبرالي)، والنظام القائم في العراق، سيصب في
النهاية لصالح القوى المتحالفة مع المحور (الصيني الروسي الكوري الشمالي)،
للهيمنة على المنطقة والعالم.. ولو حدث ذلك، فعندئذ سنعيش حقاً نهاية نهاية
التاريخ، بحسب فوكوياما!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق