06‏/07‏/2023

مقابلة مع الأكاديمي الكوردي السوداني د. عبد الله علي حسن

 ‌‌‌أجرى الحوار: أحمد عبد الله جاف

الأكاديمي الكوردي السوداني الدكتور عبد الله علي حسن:

      إن كورد السودان وصلوا إلى مرحلة قد سمِّيت بعض المناطق باسمهم، حيث إن هناك منطقة (الكردفان)، وهو إقليم كبير من حيث المساحة، يعادل مساحة بريطانيا..


أعزائي الكرام يشـرفني ويسعدني أن ألتقي بالدكتور عبد الله الكوردي، وهو أكاديمي سوداني من أصول كوردية، حائز على شهادة الدكتوراه في التاريخ، وهو من الكورد الذين يقطنون في (السودان). وقد التقيت به في سفري إلى تركيا مؤخراً، فأجريت معه هذا اللقاء المقتضب، عسـى أن يكون بادرة لمزيد من إلقاء الضوء على ملف وجود الكورد في (السودان)، وغيرها من البلدان.

* في البداية أرحب بالدكتور العزيز الدكتور عبد الله الكوردي، وقد كنت محظوظاً بالسماح لي بإجراء هذه المقابلة،  فشكراً جزيلاً.

- دكتور عبدالله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. نرحب بكل أهلنا الكورد الموجودين في كوردستان.. تحية طيبة.. نتمنى أن نكون خفيفي الظل على المتلقي، وأن يستفيد منا فيما نسرد من معلومات عن الكورد.

* هل تستطيع أن تعرفنا عن نفسك، وعن تاريخ عائلتك في السودان؟ وهل بحوزتكم وثائق أو أي نوع من أنواع الأرشيف، يثبت هويتكم الكوردية؟

- نعم، أنا اسمي بالكامل: عبدالله علي حسن محمد علو عبدالله الكوردي، والاسم الأخير (الكوردي) هو جدي الـذي جاء من كوردستان، حيث ينقسم الكورد الذين جاءوا إلى السودان إلى قسمين: قسم منهم جاءوا مبكراً سنە 1517، أي ما يزيد عن خمسمائة سنة، وهؤلاء تمركزوا في شرق السودان، وكانوا قد جاءوا مع السلطان العثماني سليم الأول، أثناء فتوحاته فى شمال أفريقيا ومصـر، واستقروا في مدينة (سنكات)، حيث تمركز أهلنا الكورد هناك، وكانوا يمثلون الغالبية حين ذاك، وقد احتفظوا لفترة وجيزة بعاداتهم وتقاليدهم في منطقة شرق السودان في (سنكات) و(سواكن)، وهذه المناطق تطل على البحر الأحمر، وهي مناطق تاريخية، وأوائل الكورد الذين جاءوا مع سليم الأول تمركزوا في هذه المناطق.. وكما تعلمون إن معظم الكورد جاءوا  كجنود أو كموظفين، جاءوا رجالاً بدون نساء، لذلك اضطروا للتزاوج مع أهل السودان.

أما المجموعة الثانية، فقد دخلوا السودان عن طريق محمد علي باشا، الذي فتح السودان، ودخل معه الكورد، جنوداً وضباط.. وكان جدي من ضمنهم، وقد تزوج جدي من سودانية بعد استقراره هناك.. ولكننا احتفظنا بلوننا الأبيض، وتزاوجنا مع بعض.. وهناك أيضاً عوائل أخرى متركزة في السودان في مناطق شتى، حيث نجد الكورد متمركزون في شمال السودان أيضاً.

أما عن أسرتي، فقد تمركزنا في شرق السودان، في منطقة (القضارف)، ومناطق شرق السودان هي الأقرب إلى البحر الأحمر، حيث جاء إليها سليم الأول عن طريق مصـر، جاءوا إما بطريق النيل بحراً،  أو عن طريق البر.

أما الأكراد الذين تمركزوا في شمال السودان، فقد جاءوا عن طريق البر، وسكنوا في منطقة (وادي الحلفا)، وهم أكثر احتفاظاً منا بلونيتهم وتراثهم وحتى بلبسهم، على غرارانا، فنحن ساكني شرق السودان قد احتككنا بالسودانيين، وحملنا الجنسية السودانية نحن وأجدادنا .

*  هل تحتفظون أو بعبارة أخرى هل بقيت لديكم وثائق ثبوتية لهويتكم الكوردية؟

- نعم، كان أجدادنا يمتلكون الوثائق، حيث أتذكر عندما كنت صغيراً، كان جدي يحتفظ ببعض الوثائق والصور والكتابات عن بلدنا، حيث كان يسـرد لنا بأننا ننتمي لقرية في مدينة السليمانية والموصل، ولكننا لم نستطع الاحتفاظ بهذه الوثائق، ولكن بقي اسم الكوردي متداولاً إلى يومنا هذا.. وكما تعلمون فإن كورد السودان وصلوا إلى مرحلة قد سميت بعض المناطق باسمهم، حيث إن هناك منطقة الكردفان، وهو إقليم كبير من حيث المساحة، يعادل مساحة بريطانيا، وعندما دخل الكورد إلى السودان بدأوا يعمرون السودان، في (الخرطوم) مثلاً. .

وكان أحمد باشا من الكورد، وكان قد أتى مع جيش محمد علي، ومحمد باشا أيضاً كوردي، وقد تبوؤا مناصب ووظائف مرموقة، فكان أحمد باشا يشتغل منصب حكمدارية في السودان (الخرطوم)، وقد أصيب بمرض الربو (ضيق التنفس)، فنصحه بعض الناس بالذهاب إلى منطقه بعيدة حيث يوجد فيه هواء نقي ولا يتعرض للزحمة أو الهواء المتلوث، فذهب إلى منطقه كوردفان الحالية، حيث كان اسم المنطقة قديماً (قياسقي)، وكانت منطقة جبلية وزراعية، وذهب أحمد باشا إلى هناك، وقام بنصب خيمته، وحشمه، في تلك المنطقة، وبقي هناك كي يتعافى، ثم توفاه الله، وكان شخصية محبوبة من قبل أهالي الخرطوم، لأنه كان رجلاً عادلاً محبوباً، فكانوا يقولون - على سبيل المثال - أين أنتم ذاهبون، فيقولون كوردفان، أي بمعنى الكوردي الذي سكن هناك توفى، وعليه احتفظ هذا الإقليم باسم كوردفان. ويوجد في الإقليم إلى الآن قرية كوردية اسمها الكوردي، حيث تتميز القرية بمناظرها الخلابة، وهناك أيضاً العشـرات من المناطق التجارية والكافتيريهات والمناطق السياحية باسم الكورد، وأيضاً يوجد في الخرطوم شارع الجمهورية، وهو شارع كبير، ويوجد فيه أكثر من أربع محلات باسم الكورد، وأغلبية المناطق التي يتواجد فيها الكورد هي مناطق تجارية، بالإضافة إلى نجاحهم في الزراعة أيضاً، حيث يمتلكون سمعه وسيرة حسنة جداً، وهم من الفئة المتعلمة والتجارية.

* أستاذ عبد الله، هل هناك أدباء وكتاب بارزون من الكورد السودانيين، برزوا في السودان وكان لهم دور في الحياة السياسية والثقافية في السودان؟

- نعم، اللواء حسن محمد الكوردي، وهو لواء في الجيش، وهو أديب ويمتلك ديوان شعر، وكان يقطن في شرق السودان.. وبالنسبة لنفسـي، فأنا إعلامي معروف في السودان، وكاتب صحفي في جريدة الأخبار، ومعروف بالكوردي، ولدي الكثير من البرامج على منصات التواصل الاجتماعي، وأعمل ناشطاً أيضاً، وقد ألفت ثلاثة كتب (الفلسفة في التاريخ)، و(المرجع في التاريخ)، و(إعدام أحلام) عن الغزو العراقي للكويت.

* هل كتبت عن تاريخ الكورد أو عن الشعراء والمفكرين في إقليم كوردستان؟

- بكل أمانة، لم أتحدث بشكل صريح عن تاريخ الكورد، ولكن كتبت مقالات كثيرة، لديّ عامود في (الأخبار)، باسم أمينة الحكاوي، حيث كتبت فيه عن الكورد وتاريخهم، وأفتخر بصلاح الدين الأيوبي، وكنت أتمنى أن أزور كوردستان، حيث إني زرت الموصل فقط، عندما كنت طالباً في جامعة الموصل، قسم الترجمة .

* ذكر ابن خلدون أن هناك قبيلتين من كوردستان العراق من منطقه شهرزور (ببیي لوین و بابیر)، قد نزحوا إلى شمال أفريقيا هاربين من بطش وظلم هولاكو، وبرز منهم شخصيات مهمة في مجال السياسة والتجارة. هل يمكن أن تتحدث لنا عن المناطق التي يتمركز فيها الكورد في السودان؟ وهل لا يزال هناك سودانيون يتكلمون اللغة الكوردية؟

- كما ذكرت سابقاً، فإن التجمعات الكوردية تتمركز في شـرق السودان، ونحن كعائلة محمد عبدالله الكوردي نفتخر بأن لدينا أكبر قرية تأسست سنة 1908، حيث نزح جدي من الخرطوم إلى شرق السودان، وأسس هناك مقاهي ومناطق تجارية، وكانت مباني المنطقة حينذاك بسيطة من القش والأشجار والحشائش، ولكن استطاع جدي أن يبني بالحجر الطوب في منطقة القضارف، وكانت مساحة البيت أكثر من ألفي متر، ولا يزال موجوداً إلى يومنا هذا، ويسمى بالبيت الكوردي. وكان جدي رجلاً ذا دين، ولهذا السبب بنى خلوة أمام المسجد لتحفيظ القرآن، وعمل سبيل للمياه، لا يزال موجوداً هو الآخر. وكان جدي يمتلك العديد من المناطق التجارية والدكاكين، حيث تركها للوقف، ولم نرثه، وكان البيت مبنياً من الحجر الثابت، ولا يزال أهلنا في الشمال يسمونه بالقطا، نظراً لطول البيت ونوافذه، وقد أخرج هذا البيت العديد من الكتاب والشعراء والأدباء ولاعبي الكرة والمثقفين، مثلاً كان هناك فريق السهم، كانوا جميعهم من القومية الكوردية، وكانوا محترفين في لعبهم، فلم يكن هناك من يستطيع التغلب عليهم، ومن اللاعبين الكورد المشهورين عبد العزيز الكوردي، ومحمد الكوردي، وغيرهم، حيث احتفظوا بالبشـرة البيضاء، وكانوا يتميزون باحترافهم على مستوى عال.

*  الطريقة الصوفية منتشرة في السودان بكثرة، هل للكورد حظ منها؟

- نعم، لدينا طريقة كوردية، وهي الطريقة الكسنزانية، وهناك من ينتمون لهذه الطريقة، وهناك شيخ كوردي اسمه عبد الله الكوردي، ويسمون الطريقة الصوفية الكوردية، ونحن نعلم بأن الطريقة الكسنزانية من كوردستان العراق، ولديهم أيضاً المئات من الأتباع غير الكورد من السودانيين.

*  كيف كان موقفكم من الطاغية صدام حسين عند هجومه بالأسلحة الكيمياوية على مدينه حلبجة الكوردية؟

- بالرغم من تعاطف الحكومة السودانية مع صدام حسين، إلا أنني كنت دائماً أتصدى له في مجال الإعلام، وفي الأندية الرياضية، وقد تحدثت عن الهجوم الكيماوي على مدينة حلبجة عندما كنت ألتقي بأشخاص، وحتى أنني أذكر بأنه كان لدي طالب اسمه صدام، في جامعة أم درمان، فقلت له: هل والدك يحب صدام حسين؟ فقال: نعم. فقمت بإظهار مساوئ صدام حسين، كغزو العراق للكويت، وقصف مدينة حلبجة، حيث إنني فقدت العديد من أصدقائي عند غزو العراق للكويت، على يد جنود صدام، لأنهم رفضوا تسليم سياراتهم، حيث إنني كنت في الكويت آنذاك، وتركت كل شيء هناك، وهربت، وأيضاً هناك سودانية قد اغتصبت على يد سبعة من الجنود العراقيين، فعندما تكلمت عن هذه الحوادث تغيرت نظرته عن صدام، وقد غير اسمه أيضاً من صدام إلى محمد .

 

*  هل توجد مخطوطات أو وثائق تدل على وجود الكورد في السودان؟

- لا يوجد أي مخطوطات، فقط دراسات، ولا يوجد أي مخطوطات في دار الوثائق، حيث إن هناك إشارات فقط، مثلاً: دخل جيش محمد علي باشا وكان معهم جنود أكراد، وهكذا.. ويعود سبب عدم وجود وثائق أو مخطوطات، إلى أن الجنود الأكراد كانوا يأتون مع الجنود المصـريين والأتراك، إذ لم يأتوا لوحدهم، ولم يأتوا للإقامة أصلاً في هذه الديار، حتى تكون وثائقهم معهم.

*هل ظهر مفسرون كورد في السودان؟

- من حيث الناحية الصوفية نعم، هناك دكتور عبد الله الكوردي، ودكتور حسن الكوردي، والعالم خالد كوردي، عالم من علماء السودان في مجال علم النفس في جامعة الخرطوم، والعالم سليمان محمد، وهؤلاء علماء على مستوى الجامعات، ولديهم مؤلفاتهم وكتاباتهم.. وهناك أيضاً كورد خارج السودان، في الأمم المتحدة في (جنيف)، وغيرها من البلدان، لتمثيل السودان .

*بأي شيء يتميز كورد السودان، أو المناطق الكوردية في السودان؟

- سبحان الله يتميزون بالجينات الوراثية، التي لها دور كبير في تمييزهم، وهم يشتهرون بالشجاعة الفائقة، وقوة الشخصية، ونادراً ما يصادفك كوردي فاسق في السودان، فنحن هنا ملتزمون دينياً وأخلاقياً، ومحتفظون بالكرامة، وبأصلنا.

* كلمة أخيرة توجهها إلى الشعب الكوردي في كوردستان العراق .

- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. يجب أن نعمل بروح الفريق الواحد.. يجب أن يكون الكورد حزمة واحدة.. يجب أن نتكاتف ونعمل يداً واحدة، ولا نتدابر، لأننا سنكون فريسة سهله للعدو، وإذا لم نعمل بروح الفريق الواحد فلن تنجح القضية الكوردية، ويتوجب علينا أن نجمع الأعلام الكورد الذين يعيشون في كافة أنحاء العالم، وأن نأتي بعلماء الكورد، حتى لو كانوا في أي مكان، نأتي بهم ونستفيد من خبراتهم.

 

   *السيرة الذاتیة:

الدكتور عبد الله الكوردي. تاريخ الميلاد 1961 بمدينة (القضارف) شرق السودان. خريج جامعة الإسكندرية، كلية الآداب، قسم التاريخ، عام 1984. الماجستير بتاريخ عام 1984 ، من جامعة الزعيم الأزهري بالسودان، وعنوان الأطروحة: أهمية القلابات الاستراتيجية في الدولة المهدية. الدكتوراة عام 2006 من جامعة الزعيم الأزهري أيضاً، بعنوان: الصـراع الأيدولوجي بين الختمية والمجاذيب، وما له من أثر في انتشار الثورة المهدية في شرق السودان. أستاذ في جامعة أم درمان.

 الصحف والمجلات التي كتب بها:

(  صحيفة الأخبار   الانتباهة  الخبر   التيار المستقبلمعالم).

شارك في مؤتمرات في الكويت، مسقط، إسطنبول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق