06‏/07‏/2023

قراءة في الأحداث السودانية

 د. عبد اللطيف ياسين علي

 كان تاريخ 17 /3 /2012 هو موعدي مع السفر إلى (السودان)، لأول مرة في حياتي. وفي يوم 15/3، أي قبل يومين من تاريخ السفر، كنت في مصيف (شقلاوة) مع عائلتي، حيث كانت الثلوج التي غطت الجبال والطرقات والقرى المحيطة بتلك المدينة الجميلة، تتساقط بغزارة، فكانت نسبة الثلوج المتساقطة تتراوح بين 20 إلى 100 سم، وتخيل برودة الجو، وطبيعة الأجواء.

وبعد يومين نزلت في مطار الخرطوم الدولي، في درجة حرارة تجاوزت 45 سلزن. كان التفاوت والفرق شاسعاً

بين برد قارص وحرارة مرتفعة، وكان من الطبيعي أن أصاب بخيبة أمل ونوع من الندامة المميتة، إذ كنا نتصل بأصدقائنا هناك، ونستشيرهم عن حوائج السفر، وكنا نؤكد على البلوز والجاكيت، وهم كانوا يضحكون منا، ويقولون لا تأتوا إلا بتيشيرت..!!

وهكذا، عندما نزلنا مطار الخرطوم تعرضت لصدمة كبيرة، فعلى حدّ تعبير أخوتي وأهلي السودانيين (الجو كان سخان شديد)، أي أن الأجواء حارة جداً. لم يكن من السهل أن نتعود على هذه السخونة الشديدة، وقد ضجرنا حتى من التيشيرت، ومن الأحذية، وقد غامرني الندم، وكنت متردداً: هل أرجع إلى كوردستان وأترك الدراسة، أم استمر في الدراسة؟

وعندما وصلنا إلى المطار، استقبلنا حشد من الأخوة الأعزاء في المطار، وأخذونا إلى الشقة في حي المعمورة، قرب (لفة جوبة)، قريباً من مستشفى (الشيخ التعليمي). وبادرنا بالذهاب إلى الجامعة، ولم نكن قد نلنا ولو قسطاً قليلاً من الراحة، وذلك لغرض إكمال المعاملات ودفع أقساط الجامعة.. وكان مما زاد الطينة بلة هو بُعد جامعتنا عن مكان إقامتنا، فنحن كنا في (حي المعمورة) في الخرطوم، وأما الجامعة (جامعة أم درمان الإسلامية)، فكانت في مدينة (أم درمان) في شارع العرضة، فكان البعد بين المكانين شاسعاً، وكنت لا زلت أعيش في هواجسـي المطعمة بالندم، وخاصة أني كنت أصبت بالصدمة من شدة الحر، وقد صدمني بُعد الجامعة عن مكان الإقامة أكثر، وكان الجوع شبحاً آخر لنا، حيث لم نكن نحمل نقوداً سودانية، ولم نكن نعلم كيفية صرف النقود، وقد سلفنا الأستاذ (ياسين عبدالباقي) بعض الجنيهات لتدبير أمورنا، ولم تكن تكفي لشـراء الطعام. على كل حال حصلنا أنا وأخي (بخاري جميل) على سندويجين، ولكن هيهات هيهات أن تغني من الجوع.. وبعد صلاة العصـر عدنا إلى الشقة، وعند نزولنا من (أمجاد)، وهي سيارة صغيرة للأجرة، وقع نظرنا على محل لحلويات التسامح اشترينا نصف كغم من الحلويات، ولكن بسبب اختلاف الطعم، ومكونات الحلويات، لم نستطع تناولها..

كل هذا كان جزءاً مما شعرت به، في أول لقاء لنا بمطار الخرطوم وأجوائه الحارة. وبعد مدة من إقامتنا في الخرطوم بدأت خيوط التعود والتطبيع تسري في كياننا.

وقد دونت شيئاً من هذه الذكريات والانطباعات في كتاب لي، صدر عام 2021، تحت اسم (سودانناسي)، أي: معرفة السودان، أو سودانيات. وهو عبارة عن تجربة تجمع بين الذكريات والمذكرات، توثيقاً لأحداث ووقائع عايشتها في (السودان) ما بين الأعوام من 2012 إلى 2017م. وقد تناولت في كتابي هذا حياتنا في السودان، لفترة تقارب الستة أعوام، تعلمنا من حب أهل السودان ومودتهم وعطفهم الكثير من العبر والدروس في العلم والأخلاق، فجزاهم الله عنا خير الجزاء.

أقول هذا كمدخل ومقدمة لتناول الأوضاع الحالية وما يجري اليوم في هذا البلد، من منطلق تأثري بتجربتي ومعايشتي لأبنائه، وكمتابع لتطورات أحواله من بعيد.

السودان هي دولة مسلمة تقع في شمال شرق أفريقيا. تحدها (مصـر) من الشمال، و(ليبيا) من الشمال الغربي، و(تشاد) من الغرب، و(جمهورية أفريقيا الوسطى) من الجنوب الغربي، و(جنوب السودان) من الجنوب، و(أثيوبيا) من الجنوب الشـرقي، و(أريتريا) من الشرق، و(البحر الأحمر) من الشمال الشرقي. يبلغ عدد سكان السودان نحو 48 مليون نسمة (تقدير عام 2022)، وتبلغ مساحتها 1,861,484 كيلومتر مربع.

وفي عام 1953 منحت بريطانيا السودان الحكم الذاتي. وتمّ إعلان الاستقلال في 1 يناير 1956. وتوالى على حكم السودان، منذ الاستقلال، سلسلة من الحكومات البرلمانية غير المستقرة والأنظمة العسكرية. تحت حكم جعفر النميري، أدخل السودان الشريعة الإسلامية إلى القضاء عام 1983.

الحكم بالشـريعة ليس وليد الساعة عند السودانيين، فهم أهل الإيمان والتقوى والكرم، وعودة السودانيين إلى حظيرة الإسلام أمر أصيل وذو جذور عميقة، فبعد تفشي الشوعية في قلب العالم الإسلامي كان من الطبيعي أن يتأثر السودان أيضاً بالمد الشيوعي.

تأسس الحزب الشيوعي السوداني سنة 1946. ويُعتبر الحزب أحد القوى السياسية المؤثرة في السودان، كما كان يُعتبر واحداً من أكبر الأحزاب الشيوعية في العالم العربي، مع الحزب الشيوعي العراقي، قبل سنة 1971. وقد تم كبح جماح الحزب بعد محاولة انقلابية فاشلة في 19 يوليو 1971 ضد نظام الرئيس جعفر النميري، على إثر ذلك تم إعدام أهم قادة الحزب، مثل جوزيف قرنق، وعبد الخالق محجوب وهاشم العطا.

ومحاولات الشيوعيين الانقلابية ليست بالأمر الجديد، إنما هي واردة ومتوقعة، وحتى ما يحدث الآن في السودان، للشيوعيين اليد الطولى فيه.

وقعَ انقلاب 2019 في السودان عشيّة العاشر من نيسان/أبريل عام 2019، حيثُ تمت إزاحة الرئيس السوداني عمر البشير من السلطة، بواسطة الجيش السوداني، عقبَ احتجاجات شعبيّة طالبت برحيله. حينَها أطاح الجيش، بقيادة أحمد عوض بن عوف، بالحكومة والبرلمان، وأعلن حالة الطوارئ في البلاد لمدة 3 أشهر، تليها فترة انتقالية مدّتها سنتين.

عوض بن عوف؛ الذي كان وزيرًا للدفاع في السودان ونائباً للرئيس، أصبح رئيس الدولة بحكم الأمر الواقع، كما تم أيضًا تعليق العمل بالدستور، وفرض حظر التجوال من الساعة 10 مساءً إلى الساعة 4 صباحًا، كما أمرَ بفضّ الاعتصامات الاحتجاجية؛ وذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن جميع السجناء السياسيين، بمن فيهم قادة الاحتجاج المناهضين للبشير، قد تم إطلاق سراحهم من السجن.    

وما حدث للرئيس عمر البشير هو صورة من تلك الأحداث التي تتوالى على العالم الإسلامي؛ من فتح باب الفوضى والتسيب باسم الديمقراطية، وهذا ما حدث في العراق وتونس وليبيا وسوريا واليمن ولبنان، ووصلت إلى السودان، وغداً إلى مصر..

وبنظرة سريعة نرى أن جميع تلك الدول التي دمرتها أمريكا باسم الحرية والديمقراطية، لم تشهد تحسناً في أوضاعها ومسيرتها، وأن ما نتج عن تلك التغيرات كان الفوضى والدمار ووصول عصابات وفرق الإعدام إلى سدة الحكم، والعيث في الأرض فساداً.. وكنا نتحدث مع الأخوة في السودان حول ما وصلت إليه الحال في تلك الدول، ولم يكونوا مخالفين لما نقوله، فهم شعب مثقف ومطلع على الأوضاع  العالمية، ولكن المؤامرة أكبر من حجم الشعوب.

نعم كانت لهم ملاحظات وعتاب على نظام الرئيس البشير، ولكنهم لم يرغبوا في الفوضى والتسيب، وكانوا وطنيين.

والانقلاب الأخير كان مرسوماً، كما هو الحال في العراق وغيره من الدول، وكقاعدة ثابتة فإن جميع تلك التحولات والتغيرات في المنطقة لم تبشـر بالخير، وإنما كانت من سيء إلى الأسوء، والأسوء، ولن نتوقع الأحسن في هذه التغيرات.

ولو رجعنا إلى التاريخ، لرأينا أنه بعد أن ضعفت الدولة العثمانية، وأصابها الوهن، كان أمر تقسيم تركتها مدبراً له، رغم اختلاف المتآمرين في مذاهبهم وسياساتهم، إلا أنهم اجتمعوا على ضرب الدولة العثمانية.. وبعد إسقاط الدولة العثمانية، قامت دويلات وممالك وجمهوريات صغيرة لا تمتاز بأي خصوصيات سيادية أو قانونية، وإنما خيم وقبائل جمعت وسميت باسم جمهورية أو مملكة.. ومن ثم أغدقت عليهم نسائم الحريات والتمدن والترف قسـراً ومؤقتاً، كي يبرهنوا لهم أنهم أحسنوا العمل بانسلاخهم من ذلك التاريخ والتراث والانتماء، وأنهم قد تم إنقاذهم من براثن التخلف والانغلاق، على حد تعبيرهم وزعمهم، وهذا الزعم لم يدم طويلاً حتى بدأ عصـر الانقلابات والتمردات.. ونشبت الحرب العالمية الثانية، وكوي العالم اليتيم السائب بدفع ضرائب أعمال غيرهم، وإقحامهم في صراعات الكتل المتصارعة، وتوالي الانقلابات والقتل الجماعي بين اليسار واليمين..

وانشغلت الأمة بقطاعات أرض سميت دولاً، والموارد تستنزف من كل الجوانب، حتى تم صناعة ملوك ورؤساء مستبدين أباحوا الحرمات وانتهكوا الأعراض، وتحت حماية أسيادهم.. وبعد أن انتهت صلاحياتهم، ويئست منهم شعوبهم، جاءوا بربيع في وسط الخريف بين مطرقة الشتاء وسندانة الصيف، وكل ذلك يصنف تحت شعار تدمير الحاضنة ودحر الاستقرار، حتى تعوم المنطقة في وسط هيجان الأمواج والفوضى، حتى باتت السفينة ضائعة بين الأمواج المتلاطمة والمتضاربة والمتصارعة والمتقاتلة..

وما يحدث في السودان اليوم هو استمرار لهذا المسلسل الدرامي.. وقد رأينا أنه بعد اليوم الثاني للانقلاب أعلن الفريق أول أحمد عوض بن عوف تنازله عن رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، واختيار المفتش العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، خلفاً له.

ومع البرهان برز وجه جديد على ساحة الحكم في السودان، هو عبد الله آدم حمدوك الكناني (من مواليد الأوّل من كانون الثاني/يناير 1956)، وهو رئيس وزراء الحكومة الانتقالية في السودان ما بين عامي 2019 و2022، حيث استقال، والأمين العام السابق للجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة. عملَ كخبيرٍ اقتصادي، وخبيرٍ في مجال إصلاح القطاع العام، والحوكمة، والاندماج الإقليمي وإدارة الموارد، وإدارة الأنظمة الديموقراطية، والمساعدة الانتخابية.

بانتقال السلطة من المجلس العسكري الانتقالي إلى مجلس السيادة السوداني، عيّن مجلس السيادة حمدوك رئيساً للوزراء خلال الفترة الانتقالية. وأدى اليمين في 21 أغسطس 2019. ثم في 25 أكتوبر 2021 تم اختطافه ونقله إلى مكان مجهول، خلال انقلاب عسكري. وصرح الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وقوى غربية أخرى بأنهم مع الاعتراف بمجلس وزراء حمدوك، على أنهم «القادة الدستوريون للحكومة الانتقالية».

والوجه الحقيقي لهذه الشخصية أنه جزء من تلك المؤامرة التي تدار في المنطقة، وهو واحد مثله كمثل تلك الوجوه التي تحكم العراق وهم غير عراقيين ولا ينتمون إلى العراق، وإنما يعادون العراق، ويعادون التنمية، ويشجعون التخلف والتبعية.

"كان صعود رئيس الحكومة السودانية (عبد الله حمدوك)، إلى رأس السلطة، عقب الثورة الشعبية التي أطاحت بحكم البشير في إبريل/نيسان عام 2019، وكما هو سائد بأن اختيار حمدوك كان بمثابة تتويج لتوافق نادر على شخصه بين المُكوِّنين المدني والعسكري للسياسة في السودان، ليصبح الرجل القادم من ولايات جنوب كردفان الفقيرة والمُهمَّشة، والعضو السابق في الحزب الشيوعي السوداني، محطَّ أنظار الجميع، لا سيما وقد تعهَّد بتبني سياسة اقتصادية ليبرالية تعالج قضايا الفقر والعدالة الاجتماعية، وتتحرَّر فيها البلاد من هيمنة اقتصاد الدولة، وتُعيد هيكلة المؤسسات المدنية والعسكرية، وهي أفكار ظل مدفوعاً بها لعقود طيلة شبابه.

وشملت التحوُّلات التي اعتنقها حمدوك تبني سياسة ليبرالية اقتصادية بُغية رفع يد الدولة عن الاقتصاد، وكذلك استدانة ملايين الدولارات من المؤسسات الدولية، مقابل تنفيذ شروطها المُجحِفة، إلى جانب رفع الدعم عن السلع الأساسية، وتحرير سعر الصـرف. بيد أن أيًّا من ذلك لم يُسهم في خلق علاقة متوازنة مع المُكوِّن العسكري، الذي انتقد علانية الوضع الاقتصادي المأزوم، وهي تصـريحات فُهِمت بوصفها تحضيراً لانقلاب وشيك لمنع الانتقال السلِس للسلطة، الذي يُعَدُّ الهدف الأساسي لحكومة حمدوك، فإن طريق حمدوك في السلطة لم يكن مفروشاً بالورود، حيث يُشير الأداء الاقتصادي للحكومة بعد عامين من الثورة إلى أزمة تكشفها الأرقام الرسمية؛ فقد ارتفع التضخم من 69% في عهد البشير، وصولاً إلى أرقام فلكية بلغت 422%، بينما واصلت العملة الانهيار إلى عُشـر قيمتها السابقة تقريباً؛ من 47 جنيهاً مقابل الدولار الواحد قبل الثورة، إلى 441 جنيهاً مقابل الدولار اليوم"([1]).

لقد رأينا تجارب قريبة من هذه التجربة الفاشلة، ففي العراق جاءوا بوجوه تخرجت في الجامعات الأوروبية، أو كانت أعضاء في منظمات عالمية، وأصحاب جنسيات أوروبية، إلا أنهم كانوا أكثر اللصوص مهارة ونهباً.. فلم تكن عودتهم إلا كانتقام من شعبهم، وتطبيقاً لأجندات غربية.

نحن نتفق أن اواخر عهد البشير لم تكن أحوال البلد من الجانب الاقتصادي بخير وعافية، ولكن كان هناك استقرار نسبي وحركة داخل ذلك الركود.

كانت هناك حركة وفود سياسية، وطلابية، ورسومات دراسية، وإيجار شقق، وحركة الطلاب عبر المواصلات والمطاعم.. وكانت قيمة الدولار مستقرة نسبياً.. ففي الخرطوم مثلاً لم يكن من السهل الحصول على شقة للسكن، فكلها كانت مؤجرة وبأسعار غالية، وكلهم كانوا أجانب، وكانت أموالهم تصب في جيوب السودانيين،  وخاصة إذا قورنت بالعملة السودانية، وجميع المطاعم والكافتريهات كانت مكتضة بالزبائن، وحتى (ستات شاي). قد تكون هذه الحركة الاقتصادية نسبية، وتشمل الشـريحة الشعبية والمواطنين، ولكن كانت حركة قوية تنشّط القطاع العام، كرسومات الجامعات، كان هناك الآلاف من الطلاب الوافدين، الذين يصـرفون الكثير على الجامعة والشقق والمواصلات والمطاعم، والكتب والأوراق.. وهذا لا يقدر بشـيء أمام الحركة الاقتصادية الكبيرة المأمولة، ولكن الحكومة مع الأسف كانت غير موفقة في هذه الإدارة، إلا أنها استطاعت أن تفرض الأمن، وأن تفسح المجال أمام ما أشرنا إليه..

 ولكن بعد الانقلاب لم يبق شيء من كل ما ذكرنا، فأتى على كل شيء وجعله هباء منثوراً، وتفشت الفوضى مكان الأمن والاستقرار..

والشخص الثالث الذي ذاع سيطه هو (حميدتي)، الفريق أول محمد حمدان دقلو، ويُلقب بـ حميدتي (من مواليد 1975، وهو من قبيلة الرزيقات، من رفاعة، من جهينة)، هوَ عسكري سوداني، وقائد قوات الدعم السـريع في السودان. برزَ اسمهُ خلال الثورة السودانية التي اندلعت في 19 ديسمبر/كانون الأول من عام 2018، والتي أسقطت الرئيس عمر البشير، الذي ظل يحكمُ البلاد لما يزيد عن ثلاثة عقود. شغل منصب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبدالفتاح البرهان، بعد الإطاحة بالمشير عمر البشير. اختلف حميدتي لاحقاً مع عبدالفتاح البرهان، وأعلن التمرد على الجيش السوداني في 15 أبريل 2023، وقد وصف حربه بأنها ضد الإسلاميين المتطرفين، ولتحقيق الديمقراطية والحكومة المدنية.

"تبدأ قصة حميدتي في عام 2003، عندما حشدت حكومة البشير قوات من الرعاة العرب لمحاربة المتمردين الأفارقة في (دارفور)، وكانت نواة هذه القوات، التي عرفت لاحقاً باسم (الجنجويد)، مؤلفة من رعاة إبل من عشيرتي المحاميد والماهرية، من قبائل الرزيقات في شمال دارفور، والمناطق المتاخمة لها في (تشاد). وخلال الحرب الضارية في دارفور بين عامي 2003-2005، كان قائد الجنجويد الأكثر شهرة والأسوأ سمعة هو موسى هلال، زعيم عشيرة المحاميد. وبرز حميدتي، الذي كان يعمل إلى جانب هلال، عندما تمكن من توسيع الميليشيا التي يقودها من الماهرية، وضم إليها قبائل أخرى، لينافس زعيمه السابق هلال، وليستعين به البشير لاحقاً إثر خلاف مع الأخير"([2]).

أثر دارفور في النزاعات الداخلية:

إقليم دارفور في السودان. تحد الإقليم ثلاث دول: من الشمال الغربي ليبيا، ومن الغرب تشاد، ومن الجنوب الغربي أفريقيا الوسطى، ومن الجنوب دولة جنوب السودان، فضلاً عن حدوده مع بعض الولايات السودانية مثل غرب كردفان والولاية الشمالية. يمتد الإقليم من الصحراء الكبرى في شماله، إلى السافانا القديمة في وسطه، إلى السافانا الحديثة في جنوبه. وله بعض المرتفعات الجبلية، وأهمها جبل مرة، الذي يبلغ ارتفاعه 3088م، حيث توجد أكثر أراضي دارفور خصوبة. كما ينقسم الإقليم إدارياً إلى خمس ولايات:

ولاية شمال دارفور، وعاصمتها مدينة (الفاشـر). ولاية جنوب دارفور، وعاصمتها مدينة (نيالا). ولاية غرب دارفور، وعاصمتها (الجنينة). ولاية شـرق دارفور، وعاصمتها (الضعين). ولاية وسط دارفور، وعاصمتها (زالنجي).

وكانت (دارفور) دولة مستقلة، تعرف بسلطنة دارفور. وكانت مستقلة من 1603 إلى 6 نوفمبر 1874. أول من حكم السلطنة هو السلطان سليمان سولونق، أما آخر حكامها فهو السلطان علي دينار.

توغل الأوروبيون في القارة السمراء؛ إيطاليا من جهة، وفرنسا من جهة، وبريطانيا من جهة. وجميع هذه الدول كانوا غزاة، على الأراضي السودانية، إلى أن وصل الأمر إلى الحرب العالمية الأولى، واستمرت القوى المنتصـرة في الحرب في التلاعب بمصير هذه المنطقة. وكانت الأجواء الفكرية والثقافية والاقتصادية والعسكرية مهيئة لهذا التوغل الاستعماري. واستمر هذا الصـراع إلى أن حصل السودان على الحكم الذاتي في عام 1953، ومن ثم الاستقلال في عام 1956.

 وإذا نظرنا إلى الخارطة الزمنية في هذه الأحداث قبيل الحرب العالمية الثانية، أي تحديداً في نهاية القرن التاسع عشـر، حيث توغل الأوروبيون في قالب جديد، ومهدوا لحملة صليبية استعمارية جديدة، وعندما تم إسقاط الخلافة سيطروا على المنطقة كلها:

 انقلاب الفريق إبراهيم عبود، في عام  1958، على الحكومة المدنية التي تم انتخابها في وقت سابق من العام برئاسة عبد الله خليل، في أعقاب تفاقم الخلافات والانقسامات داخل الأحزاب السودانية وفيما بينها.

  1962 - اندلاع الحرب الأهلية في جنوب السودان بين الجيش وحركة أنانيا، التي كانت تطالب بحكم ذاتي للجنوب.

1964- تفجر ثورة أكتوبر الشعبية، التي أطاحت بنظام الرئيس الفريق إبراهيم عبود، الذي اضطر إلى تسليم السلطة لحكومة انتقالية وسط الضغوط الجماهيرية.

1969 - العقيد أركان حرب جعفر محمد النميري ينقلب على حكومة الرئيس إسماعيل الأزهري، ويعلن استيلاء القوات المسلحة السودانية على السلطة في البلاد، وتشكيل مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء، اللذين مثلا معاً السلطتين التنفيذية والتشريعية في البلاد.

1971 - حركة (يوليو التصحيحية) العسكرية تنفذ انقلاباً عسكرياً ضد النميري، بزعامة الرائد هشام العطا، وهو شيوعي، وتتسلم السلطة لثلاثة أيام فقط، يعود بعدها النميري للحكم مرة أخرى.

1972 - انتهاء الحرب الأهلية بعد توقيع اتفاقية أديس أبابا بين حكومة الخرطوم وقادة التمرد في الجنوب، والتي تضمنت مشـروع القانون الأساسي لتنظيم حكم ذاتي إقليمي في مديريات السودان الجنوبية.

1983 - اندلاع الحرب الأهلية الثانية في الجنوب بين القوات الحكومية والحركة الشعبية لتحرير السودان، بزعامة مؤسس الحركة جون قرنق، الذي طالب بإعادة صياغة منهج الحكم، وتفكيك قبضة الحكومة المركزية في الشمال على الإقليم الجنوبي، وذلك بعد أن خالف النميري قانون الحكم الذاتي بموجب اتفاق أديس أبابا، وقسم الإقليم الجنوبي إلى ثلاثة أقاليم.

1983 - الرئيس جعفر النميري يصدر (قوانين سبتمبر)، التي قام بموجبها بإعلان تطبيق الشـريعة الإسلامية، وسط تصاعد حدة الخلافات بينه وبين التيار اليساري. وقد ساعده في صياغة القوانين مجموعة من الإسلاميين، على رأسهم الدكتور حسن الترابي.

1985 - الإطاحة بالرئيس النميري، بينما كان في رحلة علاجية إلى (واشنطن)، وسط انتفاضة شعبية شملت جموعاً من الشعب والنقابات والاتحادات العمالية والأحزاب. وقد أعلن وزير الدفاع آنذاك الفريق عبد الرحمن سوار الذهب انحياز القوات المسلحة إلى الشعب، وشكل مجلساً عسكرياً أعلى لإدارة مرحلة انتقالية تحت رئاسته، وحدد مدة هذه الفترة بسنة واحدة.

1986 - تشكيل حكومة ائتلافية بزعامة رئيس حزب الأمة الصادق المهدي، بعد انتخابات شهدت صعوداً غير مسبوق للتيار الإسلامي.

1989 - العميد عمر حسن البشير يقود انقلاباً ضد حكومة رئيس الوزراء الصادق المهدي، بدعم من الجبهة الإسلامية القومية برئاسة حسن الترابي، ويتولى منصب رئيس مجلس قيادة ما عرف بـ (ثورة الإنقاذ الوطني)، ويصبح حاكماً للبلاد.

1993 - حل مجلس قيادة الثورة، وتعيين عمر البشير رئيساً للجمهورية.

1999 - الرئيس البشير يأمر بحل المجلس الوطني (البرلمان)، وإعلان حالة الطوارئ في البلاد، إثر صراع على السلطة بينه وبين رئيس البرلمان حسن الترابي.

2002 - محادثات بروتوكول ماتشاكوس في (كينيا)، تفضـي إلى توقيع اتفاقية إطار مع الحركة الشعبية لتحرير السودان/الجيش الشعبي لتحرير السودان، لإنهاء الحرب الأهلية، والتي نصت على فترة انتقالية يجري بعدها استفتاء تحت رقابة دولية، يقرر من خلاله أهل الجنوب ما إذا كانوا يرغبون في الانفصال.

2004 - تحرك قوات الجيش إلى (دارفور) في غرب السودان، للقضاء على حركة التمرد التي اتهمت السلطة المركزية في الخرطوم بتهميش الإقليم، ونزوح مئات الآلاف من سكان دارفور إلى دولة (تشاد) المجاورة. وزير الخارجية الأمريكية آنذاك (كولين باول) يصف الوضع في دارفور بأنه إبادة جماعية.

2005 - توقيع اتفاق سلام بين الحكومة ومتمردي الجنوب.

2005 - مجلس الأمن الدولي يفرض عقوبات على منتهكي اتفاق وقف إطلاق النار في (دارفور)، ويقرر إحالة المتهمين بارتكاب جرائم حرب في الإقليم إلى المحكمة الجنائية الدولية.

2005 - زعيم المتمردين الجنوبيين السابق (جون قرنق) يؤدي اليمين الدستورية نائباً للرئيس عمر البشير في يوليو/تموز، ثم يلقى حتفه في حادث تحطم طائرته في أغسطس/آب من العام ذاته، وفي أجواء غامضة.

2005 - صدور دستور جديد يعطي قدراً كبيراً من الحكم الذاتي للجنوب.

2006 - الخرطوم توقع اتفاق سلام مع الفصيل المتمرد الرئيسـي في دارفور (حركة تحرير السودان)، في حين يرفض فصيلان متمردان آخران الاتفاق، ويتواصل القتال في الإقليم.

2007 - مجلس الأمن الدولي يصدر قراراً بشأن إرسال قوة لحفظ السلام في (دارفور)، قوامها 26 ألف جندي، وحكومة الخرطوم تقول إنها ستتعاون مع بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي (اليوناميد).

2008 - تصاعد حدة التوتر بين السودان وتشاد، بعد شن جماعات متمردة من دارفور غارات على مدينة أم درمان. والسودان يتهم تشاد بالتورط في تلك الغارات، ويقطع علاقاته الدبلوماسية معها.

2010 - حركة العدالة والمساواة، الفصيل المتمرد الرئيسـي في دارفور، توقع اتفاق سلام مع الحكومة، والبشير يعلن انتهاء الحرب في الإقليم. لكن الجانبين يخفقان في الاتفاق على التفاصيل، وتتواصل الاشتباكات مع جماعات متمردة صغيرة أخرى، ويتعرض الاتفاق للخطر.

2011 - استقلال جنوب السودان، بعد استفتاء شعبي.

2014 - كبير ممثلي الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية يعلن وقف التحقيقات في مزاعم ارتكاب جرائم حرب في دارفور، بسبب غياب الدعم من قبل الأمم المتحدة.

2018 - خروج احتجاجات شعبية للتنديد بارتفاع أسعار المواد الأساسية وندرة الكثير من السلع في الخرطوم وغيرها من المدن، تتحول بنهاية العام إلى مظاهرات حاشدة عبر أنحاء البلاد تطالب بإسقاط النظام.

2019 - الرئيس البشير يعلن حالة الطوارئ في فبراير/شباط، ويقيل عدداً من كبار المسؤولين الحكوميين والإقليميين، في محاولة لإنهاء المظاهرات المستمرة منذ أسابيع، والتي لقي خلالها نحو 40 شخصاً مصرعهم.

2019 - الجيش يطيح بالبشير في انقلاب عسكري في أبريل/نيسان، ويبدأ محادثات مع المعارضة حول فترة انتقالية باتجاه التحول إلى الديمقراطية.

2019 - عبد الله حمدوك يتولى رئاسة حكومة جديدة في سبتمبر/أيلول، ضمن اتفاق لتقاسم السلطة مدته ثلاث سنوات مع الجيش وممثلين عن المجتمع المدني وقادة الاحتجاجات.

2021، أكتوبر/تشـرين الأول - قوات الأمن تعتقل حمدوك والعديد من القيادات المدنية، وذلك بعد أسابيع من تبادل الاتهامات بين القوى المدنية والعسكرية والإعلان عن محاولة انقلاب فاشلة. وقائد الجيش (الفريق أول عبد الفتاح البرهان) يعلن حل الحكومة المدنية وغيرها من الهيئات الانتقالية.

2021، نوفمبر/تشـرين الثاني - بعد خروج عدد من المظاهرات الحاشدة احتجاجاً على الانقلاب، الذي أدى إلى تعليق غالبية الدعم المالي الدولي للسودان، الإعلان عن اتفاق بين القادة العسكريين وحمدوك لإعادة تعيينه رئيساً للوزراء، لكنه لا يستمر في المنصب سوى شهرين، ويعلن استقالته في بداية العام التالي.

2022، أكتوبر/تشـرين الأول - خروج حشود ضخمة إلى الشوارع في ذكرى الانقلاب الأولى، فيما اعتبر واحدة من أكبر المسيرات المناهضة للجيش.

2022، ديسمبر/كانون الثاني - قوى مدنية توقع اتفاقاً إطارياً مع الجيش لبدء عملية جديدة للانتقال السياسي مدتها عامان، وتعيين حكومة مدنية.

2023، الخامس من أبريل/نيسان: تأجيل توقيع الاتفاق النهائي للمرحلة الانتقالية للمرة الثانية، وسط خلافات حول ما إذا كان الجيش سيخضع لإشراف مدني، وحول خطط دمج قوات الدعم السريع شبه العسكرية في الجيش.

2023، 13 أبريل/نيسان: الجيش يحذر من أن تعبئة قوات الدعم السـريع داخل الخرطوم ومدن سودانية أخرى، بدون تنسيق مع الجيش، قد تؤدي إلى صراع مسلح بين الجهتين.

2023، 15 أبريل/نيسان: اندلاع اشتباكات بين قوات الجيش وقوات الدعم السـريع في الخرطوم وبعض المدن الأخرى"([3]).

وأما ما لا يشار إليه في هذه المعادلة الصعبة والكارثية على الشعب السوداني، فهو :

أن المؤامرة على السودان قديمة، وقد سبقها سيناريوهات متعددة.

التنمية في السودان كانت متأخرة إلى أبعد الحدود.

الجامعات السودانية كانت منارة العلم، ولكنها لم ترتق بالشعب السوداني إلى المستوى المطلوب من الانتماء، والنظافة، وهو ما يُسمى بالبعد الحضاري والتمدن.

وكانت بقية المدن بعيدة عن الخدمات والتطور.

وكانت هناك فوضى في إدارة الموارد الحيوانية والزراعية. الرأسمال الحيواني السوداني كان وفيراً وكثيراً، وكان يصدر إلى دول الخليج، ولكن بشكل عشوائي دون مراعاة الجانب الاقتصادي العالمي.

استعانة البشير برموز القبائل والعشائر، دون جدول زمني، لتنظيمهم داخل المؤسسات، وإذعانهم للمؤسسات، كان أمراً في غاية الخطورة، وتقديم حميدتي إلى الواجهة خير برهان، بحيث أصبح تقديم الولاء للقبيلة فوق جميع الانتماءات.

الواقع السياسي والفكري والثقافي والاقتصادي كان دون المطلوب لإدارة الصـراع، ودحر المؤامرة على المنطقة.

البنى التحتية في السودان كانت هشة ومنكوبة في بعض الأحيان، فما كان بمقدورها أن تصمد إلا قليلاً.

كان من المتوقع أن يبرز تصادم قوي بين هذه الأقطاب.

هذا الاحتدام في الصراع أمر لا مفر منه، وخاصة إذا علمنا جوهر الصـراع.

الصـراع الآن بين الإسلام وغيره من الذين يعادونه، وتحت عناوين مختلفة، ولكن جوهر الصـراع هو حرب الأحزاب على الإسلام.

وطبيعة النظام العالمي الجديد هو تغيير تعريف الحكم والسلطة، وإعادة صياغة هذه المصطلحات والمفاهيم.

فالنظام العالمي بصدد استحداث بعض الدول، وحل بعضها، وصقل بعضها الآخر.

بخصوص الاستحداث، هو تقسيم بعض الدول، وجعلها دويلات تحت سيادات وهمية هزيلة، وإذا ما أرادوا العيش فلا يسعهم ذلك إلا تحت حماية الدول الأوروبية، أو أمريكا، وإما تحالف يميل إلى الاستجداء مع إسـرائيل.

انظروا إلى العراق، وليبيا، واليمن، ولبنان...

ونرى الحراب على تركيا، فطبيعة الصـراع هو نفس الصـراع، ولكن آلية المواجهة تختلف.

فبقايا الأحزاب اليسارية ليسوا إلا كماشات بأيدي الليبرالية العالمية، فهم عنصـر للهدم، ولا يخاف عليهم لأنهم ليسوا أهلاً للبناء.

هناك تدخلات كبيرة وكثيرة في الشأن السوداني، فلمصر حظها، وللإمارات والسعودية وروسيا وأمريكا وليبيا وتشاد وأثيوبيا وإريتيريا، ولا نخالف الصواب إذا قلنا إن إعادة هيكلة النظام العالمي أثرت في صناعة وتسارع الأزمة السودانية، فالحكومات السودانية لم تستطع أن تعالج أزمة دارفور والجنوب عبر تاريخها الذي أوردناه، ولا أنكر أنها حاولت جاهدة، ولا أقول أنها كانت صائبة، هي حاولت جاهدة، ولكن دون نتائج تذكر. وكل هذه الصراعات أثرت على عموم السودان وبنيته.

ولا نستغرب إذا كانت التوجهات والأزمات تؤدي إلى فصل درافور عن السودان، كما حصل لجنوب السودان، ولا يقف الأمر عند هذا، بل يطال كردفان، وشمال السودان. ولا نستغرب إذا وصل الأمر إلى تقسيم السودان إلى خمسة دويلات، غير قادرة على حماية نفسها، وإنما تحكم تحت هيمنة وحماية القوى الأوروبية.

ولن يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما يطال دولاً أخرى، يتم تقسيمها إلى وحدات دويلات صغيرة، كشجرة خبيثة اجتثت فوق الأرض ما لها من قرار.

والحل الوحيد والأمثل لما تعانيه الأمة الأسلامية هو الفهم والعلم؛ الفهم لما يحاك ويدبر من أطرافنا، وعلينا، فنحن نحتاج إلى فهم دقيق لما يحاك، وأن تكون الرؤية واضحة وبينة للعيان، وأن نتدارك الركب الحضاري عن طريق العلم.

إذا فهمنا ما يحاط وما يدار حولنا، نستطيع تقييم الأداء جيداً. فمثلاً لو فهم العراقيون حجم المؤامرة، لما وصل العراق إلى هذه المرحلة، ولما وصلت ليبيا إلى هذه المرحلة، و... و...

وكذا حال السودان مع الأسف، الأخوة السودانيون لم يفهموا الأمر كما ينبغي، فكنا نتحاور مع سواق التكسي، إذ هم شـريحة يحتكون مع الكثيرين، ومن أصناف عدة، وشـريحة الطلاب، الذين كانو يشتكون من قلة الخدمات، والفرص، والعمل.. إلخ..

ولكنهم لم يتصوروا ما ستؤول إليه الأمور، لم يتصوروا انعدام الأمن. لم يتصوروا عودة الطاوبير في المخابز، لم يتصوروا تدهور العملة السودانية أمام الدولار، لم يتصوروا سفك الدماء، لم يتصوروا هروب الوافدين، وخلو الشقق والمطاعم والمقاهي، لم يتصوروا إحراق المطارات والشوارع، وانعدام الكهرباء والمياه.. لا لم يتصوروا.. لم يتصوروا فصل دارفور عن السودان، وبعده كردفان، وبعده شمال السودان، وهلم جرا.. ولينظروا إلى أعمال الحكومات السابقة بالتقصير في الأداء، وهذا التقصير لا يقارن بما آلت إليه الأوضاع، وستؤول أكثر إلى تدمير البنى التحتية كاملة.

البنى الاقتصادية والاجتماعية في السودان لا تحتمل هذا الواقع، فهي غير قادرة على تحمل هذه الحرب وأوزارها .

وحقيقة الأمر أن الغرب، بعد إسقاط الخلافة العثمانية، وتقسيم تركتها، قام بنهش عظام الشعوب المسلمة، واستباحة الحرمات، وهتك الأعراض. فالغرب يتاجر بدماء وأعراض المسلمين.. خانوا الكورد مرات ومرات.. دمروا العراق وسوريا وليبيا ولبنان واليمن.. والحرب قائمة على تركيا المسلمة، وعلى مسلمي الإيغور، ومسلمي الهند.. وماذا فعلوا بأفغانستان؟!.. هم سموا هذه الحرب بالحرب الصليبية..

نحتاج إلى فهم صحيح، حتى نبني علماً واسعاً وعميقاً.



[1] - معركة تكسير العظام.. صراع حمدوك والبرهان وحميدتي على ثروات السودان ، محمد العربي: https://www.aljazeera.net/midan/reality/politics/2021/10/17/%D8%AC%D9%8A%D8%B4-%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%83%D8%A7%D8%B1%D9%8A-%D9%88%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%B1%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%8E%D9%86-%D9%8A%D8%B1%D8%A8%D8%AD

[2] - ميدتي: من هو، وكيف أصبح لاعباً أساسياً في المعادلة السياسية في السودان؟  https://www.bbc.com/arabic/middleeast-65287119

[3] -  اشتباكات السودان: ما أبرز الأزمات السياسية التي مرت بها البلاد منذ استقلالها؟  https://www.bbc.com/arabic/middleeast-65302906

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق