فكرة
وإعداد وشرح: صالح شيخو الهسنياني
في الحلقات
السابقة تطرقنا إلى النظريات التالية:
1. نظرية هجر الظالمين.
2. النظرية العندية.
3. نظرية النصح (النظرية النصحية).
4. نظرية السمع والطاعة.
5. نظرية التقديس.
6. نظرية الاعتراف.
7. نظرية الدعاء والاستسلام (نظرية الحسن البصري).
8.
نظرية الطاعة المطلقة.
9. نظرية الصبر وتجميد شـروط الإمامة (نظرية الحسن بن علي).
10. نظرية الموقف (نظرية الأئمة).
11.
نظرية إمام الضرورة:
تقول
النظرية: (إذا تغلب شخص ذو منعة وعصبة، في غلبة فوضى، على مقاليد الحكم، ولا تتوفر
فيه شـروط الإمامة، ويترتب في صرفه فتنة لا تحتمل، لا يجوز الخروج عليه، إلَّا إذا
قام في الناس بكفر بواح لا تأويل معه).
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه إذا غلب على الناس
رجل، وقهرهم بسيفه، حتى أقروا له، وأذعنوا بطاعته وتابعوه، صار إماماً يحرم قتاله
والخروج عليه، إذ المدار على درء المفاسد، وارتكاب أخف الضررين، وصوناً لإراقة
دماء المسلمين، وذهاب أموالهم([1]).
قال
ابن حجر: "أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه،
وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء([2])،
ولم يستثنوا من ذلك إلَّا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح، فلا تجوز طاعته في
ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليه"([3]).
وقال
الدسوقي: "من اشتدت وطأته بالتغلب، وجبت طاعته، ولا يراعى في هذا شـروط
الإمامة، إذ المدار على درء المفاسد، وارتكاب أخف الضررين"([4]).
ويسمون
هذا النوع من الإمامة بإمامة المتغلب، أو إمامة الضرورة، لأنها تقبل تحت تأثير
الضرورة، خشية الفتنة([5]).
وذهب
بعض الفقهاء إلى أن إمامة ذلك المتغلب لا تصح ولا تنعقد؛ لأن الحق في الإمامة
للمسلمين، ولا تنعقد بدون رضاهم([6]).
12.
نظرية الأمر الواقع (نظرية ابن تيمية):
تقول
النظرية: (ستون سنة من إمام جائر، أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان).
لما أجمع معاوية أن يبايع لابنه يزيد، حجّ سنة
(51هـ/671م)، فقدم (مكة) في نحو ألف رجل، فلما دنا من (المدينة)، خرج ابن عمر وابن
الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر، فلما قدم معاوية (المدينة)، صعد المنبر فحمد الله
وأثنى عليه، ثم ذكر ابنه يزيد، فقال: من أحق بهذا الأمر منه. ثم ارتحل فقدم (مكة)،
فقضى طوافه، ودخل منزله، فبعث إلى ابن عمر، فتشهد، وقال: أما بعد يا بن عمر، فإنك
قد كنت تحدثني أنك لا تحب أن تبيت ليلة سوداء ليس عليك أمير، وإني أحذرك أن تشق
عصا المسلمين، وأن تسعى في فساد ذات بينهم([7]).
تولى معاوية الخلافة في الأصل بالمبايعة الحرة،
أو الاختيار من الأمة جميعاً. وإنما الذي بايعه أهل الشام الذين كانوا في ولايته،
ثم بايع سائر الناس الذين بايعوه بعد عام الجماعة. ولكن هذه المبايعة في حقيقة
الأمر كانت اعترافاً بالواقع، وحرصاً على حفظ وحدة الأمة، وبهذا دخل عنصر القوة
والاضطرار، ليحل محل الاختيار التام أو الشورى، كأساس تقوم عليه الخلافة، بحيث
يمكن القول إنه قد حدث هنا الفارق بين المثال والواقع، وإن الخلافة أخذت تنحرف نحو
الملك، من حيث الأساس الذي تقوم عليه. ولذلك، فإن أهل السنة يعتبرون خلافته اعترافاً
بالأمر الواقع([8]).
مؤيدو
هذه النظرية:
-
الصحابيان الجليلان عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس كلاهما بايع يزيد عند موت
معاوية سنة (60هـ/680م)([9]).
- ومنهم الشعبي، إذ أمر
الحجّاج بعد انتهاء (دير الجماجم) مناديه أن يقول: من لحق بقتيبة بن مسلم بالري
فهو آمن. فكان الشعبي من الذين توجهوا إلى (الري)، فذكره الحجّاج يوماً، وسأل عنه،
فعلم بلحوقه بالري، فكتب إلى قتيبة بن مسلم يأمره بإرسال الشعبي إليه، فأرسله إليه.
فلما قدم على الحجّاج، لقيه يزيد بن أبي مسلم، حاجب الحجّاج، وكان صديقاً للشعبي،
فقال له الشعبي: أشـر عليّ.
قال يزيد: ما أدري ما أشير به عليك، غير أن
اعتذر ما استطعت من عذر. فلمّا دخلت، سلّمت بالإمرة، ثمّ قلت: أيها الأمير، إنّ
الناس قد أمروني أن أعتذر إليك بغير ما يعلم الله أنه الحق. وأيم الله لا أقول فى
هذا المقام إلَّا حقاً. قد والله سوّدنا عليك، وخرجنا واجتهدنا عليك كلّ الجهد،
فما ألونا([10])،
فما كنّا بالفجرة الأقوياء، ولا بالبررة الأتقياء، ولقد نصرك الله علينا، وأظفرك
بنا، فإن سطوت فبذنوبنا وما جرّت إلينا أيدينا، وإن عفوت عنّا فبحلمك. وبعد،
فالحجّة لك علينا. فقال له الحجّاج: أنت والله أحبّ إليّ ممّن يدخل عليّ يقطر سيفه
من دمائنا، ثمّ يقول: ما فعلت، وما شهدت. قد أمنت عندنا يا شعبي.
قال: فانصرفتُ. فلما مشيت قليلاً، قال: هلّم يا
شعبي. قال: فوجل لذلك قلبي، ثمّ ذكرت قوله: قد أمنت، فاطمأنّت نفسي.
قال: كيف وجدت الناس بعدنا
يا شعبي؟ وكان لي مكرماً.
فقلت: أصلح الله الأمير،
اكتحلت والله بعدك السهر، واستوعرت الجناب، واستحلست الخوف، وفقدت صالح
الإخوان، ولم أجد من الأمير خلفاً.
قال: انصرف يا شعبي.
فانصرفت([11]).
تحليل ابن تيمية:
قال: "يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من
أعظم واجبات الدين؛ بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلَّا بها. فإن بني آدم لا تتم
مصلحتهم إلَّا بالاجتماع، لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس،
حتى قال النبي ﷺ: (إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ، فَلْيُؤَمِّرُوا
أَحَدَهُمْ)([12])..
وروى الإمام أحمد في المسند، عن عبد الله بن عمرو، أن النبي ﷺ قال: (لَا يَحِلُّ
لِثَلَاثَةِ نَفَرٍ يَكُونُونَ بِأَرْضِ فَلَاةٍ إِلَّا أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ
أَحَدَهُمْ)([13])،
فأوجب ﷺ تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر، تنبيهاً بذلك
على سائر أنواع الاجتماع. ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر،
ولا يتم ذلك إلَّا بقوة وإمارة.
ويقال: (ستون سنة من إمام
جائر، أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان). والتجربة تبيّن ذلك. ولهذا كان السلف -
كالفضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل، وغيرهما - يقولون: لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا
بها للسلطان)([14]).
13. نظرية الاختباء أثناء الفتن (نظرية
أبو ذر الغفاري):
تقول النظرية: (عندما تتعدد التأويلات، ولا
يُسمع صوت العقل، وترفض النصائح، ويكون القتال بين المسلمين، الأولى اجتناب سفك
الدماء، واللجوء إلى الاعتزال، والاختباء والهروب من أرض المواجهة).
روّاد
هذه النظرية:
من روّاد هذه النظرية جماعة من سادات الصحابة،
منهم: جابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، الذي لجأ يوم الحرَّة إلى كهف
في جبل سلع (من جبال المدينة القريبة)، فلحقه رجل من أهل الشام. قال: فلما رأيته
انتضيت سيفي، فقصدني، فلما رآني، صمم على قتلي، فشمت سيفي، ثم قلت: {إِنِّيٓ أُرِيدُ أَن تَبُوٓأَ بِإِثمِي وَإِثمِكَ
فَتَكُونَ مِن أَصحَٰبِ ٱلنَّارِ وَذَٰلِكَ جَزَٰٓؤُاْ ٱلظَّٰلِمِينَ}[المائدة:
29].
فلما
رأى ذلك، قال: من أنت؟ قلت: أنا أبو سعيد الخدري. قال: صاحب رسول الله ﷺ؟ قلت:
نعم. فمضى وتركني([15]).
14. نظرية النظرة الجزئية (نظرية ابن
القيم)، أو نظرية: النظرة الكلية (نظرية حاكم المطيري):
تقول النظرية: (ليس من الضروري أن كل خروج
مسلح على الحاكم الجائر يؤدي إلى فتنة، وشـر، وفساد، وحوادث التاريخ شاهدة على
ذلك).
يقول ابن القيم: "الإنكار على
الملوك، والخروج عليهم، أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر"([16]).
ويرد الدكتور حاكم المطيري عليه بقوله:
"نظر أصحاب هذا الخطاب إلى حوادث التاريخ نظرة جزئية لا نظرة كلية، فظنوا أن
كل خروج لم يترتب عليه سوى الفساد، [وقول ابن القيم] مبالغة منه لا دليل عليها، بل
هي نفثة فارسية كسروية رائجة في كتب الآداب السلطانية، التي تجعل من السلطان نصف
إله، ولم ينظروا إلى الحوادث التي ترتب عليها كثير من الصلاح. فقد خرج ابن الزبير
على يزيد، وكان عهده خيراً من عهد يزيد، وخرج العباسيون على بني أمية، وكان عصرهم
خيراً من عصر بني أمية في الجملة، وكان أحمد بن حنبل يفضلهم، ويقول: (أقاموا
الصلاة، وأحيوا السنة)، وقد أسقط صلاح الدين دولة الفاطميين، وكان عصره خيراً من
عهدهم، وجاء العثمانيون وكانوا خيراً من المماليك، وحوادث التاريخ كثيرة جداً.
وهذا تاريخ شعوب العالم كله يؤكد عدم صحة هذه
النظرية، وهذه سنن اجتماعية، لا فرق فيها بين المسلمين وغيرهم، وقد كان سبب نهوض
أوروبا وتطورها وخروجها مما هي فيه، هو الحركات الثورية التي تصدت لطغيان السلطة،
حتى استقام لهم أمرهم في شؤونهم الدنيوية... فلا يمكن التسليم أن مقاومة طغيان
السلطة لا يأتي منه إلَّا شـر! كيف والنبي ﷺ يقول: (فَمَنْ جَاهَدَهُمْ
بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ)، ويقول: (إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا)!
ولو لم يكن للخروج فائدة لما أذن الشارع فيه في بعض الحالات، بل لقد أخبر الله - عز
وجل - أن الظلم هو سبب الهلاك"([17]).
قال القرطبي: "قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ ٱلقُرَىٰ بِظُلمٖ
وَأَهلُهَا مُصلِحُونَ}[هود: 117]، أي: أهل القرى. {بِظُلمٖ}
أي: بشرك وكفر. {وَأَهلُهَا مُصلِحُونَ}،
أي فيما بينهم في تعاطي الحقوق، أي لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده، حتى ينضاف إليه
الفساد، كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان، وقوم لوط باللواط. ودلّ هذا على
أن المعاصي أقرب إلى عذاب الاستئصال في الدنيا من الشرك، وإن كان عذاب الشرك في
الآخرة أصعب"([18]).
وفي مسند الإمام أحمد، وسنن الترمذي، وغيرهما،
من حديث أبي بكر الصديق، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إِنَّ النَّاسَ إِذَا
رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ
اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ)([19]).
وقال
الشوكاني: "قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ ٱلقُرَىٰ بِظُلمٖ}،
أي: ما صح ولا استقام أن يهلك الله سبحانه أهل القرى بظلم يتلبسون به وهو الشرك،
والحال أن أهلها مصلحون فيما بينهم في تعاطي الحقوق لا يظلمون الناس شيئاً.
والمعنى: أنه لا يهلكهم بمجرد الشرك وحده، حتى ينضم إليه الفساد في الأرض، كما
أهلك قوم شعيب بنقص المكيال والميزان وبخس الناس أشياءهم، وأهلك قوم لوط بسبب
ارتكابهم للفاحشة الشنعاء، وقيل: إن قوله: {بظلم} حال من الفاعل. والمعنى: وما كان
الله ليهلك القرى ظالماً لهم، حال كونهم مصلحين غير مفسدين في الأرض"([20]).
وقفة مع حديث:
(لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ)
أجاب
الحافظ ابن حجر عن معنى حديث أنس، عندما جاءه الناس يشكون له ما يجدون من
ظلم الحجاج، فقال لهم: (اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ
إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ)،
سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ ﷺ([21]).
قال الحافظ: "وقد استشكل هذا
الإطلاق، مع أن بعض الأزمنة تكون في الشر دون التي قبلها، ولو لم يكن في ذلك إلَّا
زمن عمر بن عبد العزيز، وهو بعد زمن الحجاج بيسير، وقد اشتهر الخبر الذي كان في
زمن عمر بن عبد العزيز، بل لو قيل: إن الشر اضمحل في زمانه لما كان بعيداً، فضلاً
عن أن يكون شراً من الزمن الذي قبله. وقد حمله الحسن البصري على الأكثر الأغلب،
فسئل عن وجود عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج، فقال: لا بد للناس من تنفيس. وأجاب
بعضهم أن المراد بالتفضيل تفضيل مجموع العصر على مجموع العصر، فإن عصر الحجاج كان
فيه كثير من الصحابة في الأحياء، وفي عصر عمر بن عبد العزيز انقرضوا، والزمان الذي
فيه الصحابة خير من الزمان الذي بعده؛ لقوله ﷺ: (خير القرون قرني)، وهو في
الصحيحين([22])،
وقوله: (أَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى
أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ)([23]).
ثم وجدت عن عبد الله بن مسعود التصريح بالمراد، وهو أولى بالاتباع، فأخرج يعقوب بن
شيبة من طريق الحارث بن حصيرة عن زيد بن وهب قال: (سمعت عبد الله بن مسعود يقول:
لا يأتي عليكم يوم إلَّا وهو شر من اليوم الذي كان قبله، حتى تقوم الساعة، لست
أعني رخاء من العيش يصيبه، ولا مالاً يفيده، ولكن لا يأتي عليكم يوم إلَّا وهو أقل
علماً من اليوم الذي مضى قبله، فإذا ذهب العلماء استوى الناس، فلا يأمرون
بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر، فعند ذلك يهلكون). ومن طريق أبي إسحاق، عن أبي
الأحوص عن ابن مسعود، إلى قوله: (شر منه)، قال: "فأصابتنا سنة خصب، فقال: ليس
ذلك أعني، إنما أعني ذهاب العلماء". ومن طريق الشعبي عن مسروق عنه، قال:
"لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ عَامٌ إِلَّا وَهُوَ شَرٌّ مِنَ الَّذِي كَانَ
قَبْلَهُ. أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَعْنِي عَامًا أَخْصَبَ مِنْ عَامٍ، وَلَا
أَمِيرًا خَيْرًا مِنْ أَمِيرٍ، وَلَكِنْ عُلَمَاؤُكُمْ وَخِيَارُكُمْ
وَفُقَهَاؤُكُمْ يَذْهَبُونَ، ثُمَّ لَا تَجِدُونَ مِنْهُمْ خَلَفًا، وَيَجِيءُ
قَوْمٌ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ"([24]).
وفي لفظ عنه من هذا الوجه: (وما ذاك بكثرة الأمطار وقلتها، ولكن بذهاب العلماء، ثم
يحدث قوم يفتون في الأمور برأيهم، فيثلمون الإسلام ويهدمونه). وأخرج الدارمي الأول
من طريق الشعبي بلفظ: (لست أعني عاماً أخصب من عام)، والباقي مثله، وزاد: (وخياركم)،
قبل قوله: (وفقهاؤكم). ويحتمل أن يكون المراد بالأزمنة المذكورة أزمنة الصحابة،
بناءً على أنهم هم المخاطبون بذلك، فيختص بهم، فأما من بعدهم فلم يقصد في الخبر
المذكور، لكن الصحابي فهم التعميم؛ فلذلك أجاب من شكا إليه الحجاج بذلك، وأمرهم
بالصبر، وهم أو جلهم من التابعين. واستدل ابن حبان في (صحيحه)، بأن حديث أنس ليس
على عمومه، بالأحاديث الواردة في المهدي، وأنه يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً.
ثم وجدت عن ابن مسعود ما يصلح أن يفسر به الحديث، وهو ما أخرجه الدارمي بسند حسن
عن عبد الله قال: لا يأتي عليكم عام إلَّا وهو شر من الذي قبله، أما إني لست أعني
عاماً أخصب من عام، ولا أميراً خيراً من أمير، ولكن علماؤكم وخياركم وفقهاؤكم يذهبون،
ثم لا تجدون منهم خلفاً...)([25]).
يقول الدكتور المطيري: "ومعنى هذا،
فقد شاع مفهوم أنه لا يأتي زمان إلَّا والذي بعده شر منه، بين العامة والخاصة،
فأدى ذلك إلى شيوع روح اليأس من الإصلاح، والخوف من المستقبل، والركون إلى الحاضر،
وعدم الرغبة في التغيير.
[1] - الموسوعة الفقهية الكويتية:
(31/262-263).
[2] - يقول الشوكاني: "لا
ينبغي لمسلم أن يحط على من خرج من السلف الصالح، من العترة وغيرهم، على أئمة الجور،
فإنهم فعلوا ذلك باجتهاد منهم، وهم أتقى لله وأطوع لسنة رسول الله من جماعة ممن
جاء بعدهم من أهل العلم". نيل الأوطار: (7/362).
[3] - فتح الباري: (13/7).
[4] - حاشية الدسوقي: (4/294).
[5] - الإسلام وأوضاعنا السياسية،
للعودة: (ص169-170).
[6] -
الموسوعة الفقهية الكويتية: (31/263).
[7] - تاريخ خليفة بن خياط: (ص213).
[8] - د. صلاح الدين محمد نوار، نظرية
الخلافة أو الإمامة وتطورها السياسي والديني: (ص97)، منشأة المعارف- الاسكندرية،
مصر، ط1، 1416هـ/1996م.
[9] - تاريخ ابن
كثير: (11/477)، دار هجر.
[10] - قصَّرنا.
[11] - تاريخ الطبري:
(3/644)؛ تجارب الأمم لابن مسكويه: (2/363-363).
[12] - سنن أبو داود: (3/36؛ رقم: 2608)، حكم الألباني: حسن صحيح.
[13] - مسند الإمام أحمد: (11/227؛ رقم: 6647)، صحيح لغيره.
[14] - مجموع الفتاوى: (38/390، 391).
[15] - البداية والنهاية: (11/622)؛
حركة النفس الزكية: (ص30).
[16] - إعلام الموقعين: (3/12).
[17] - تحرير الإنسان وتجريد الطغيان:
(ص617).
[18] - الجامع لأحكام القرآن: (9/114).
[19] - سبق تخريجه.
[20] - فتح القدير: (2/605).
[21] - صحيح البخاري: (9/49؛ رقم: 7068).
[22] - عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ
يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ). اللؤلؤ والمرجان: (رقم: 1646).
[23] - صحيح مسلم: (4/1961؛ رقم: 2531).
[24] - مسند الدارمي: (1/279؛ رقم: 194)، تعليق حسين الداراني: إسناده
ضعيف.
[25] - فتح الباري: (13/21).
[26] - تحرير الإنسان وتجريد الطغيان:
(ص617).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق