د. عبد اللطيف ياسين
"بالرغم
من أن ظاهرة العنف أو التطرف هي ظاهرة طبيعية، ضاربة بجذورها في التاريخ البشـري
منذ القدم"، ولكن اليوم - وفي ظلّ المستجدّات الحديثة على الصعيد التقني
والثورة المعلوماتية - فقد استشرت ظاهرة العنف والتطرّف أكثر فأكثر، وفي جميع
الميادين، وبين جميع الشـرائح، ومع تفاوت النسب بين هذه الشـرائح. "ظاهرة
التطرّف ظاهرة إنسانية وقضية بشـرية قبل أن تكون مسألة فكرية تترتب عليها ممارسة
وعمل، هناك من يتطرّف يعني يأخذ الطرف من المسألة، سلباً كان ذلك أم إيجاباً،
إفراطاً أو تفريطاً، زيادة أو نقصاناً، فهو لا يدرك الاتّزان المطلوب، لسبب داخلي
أو ظرف خارجي مؤثر"([1]).
العنف مصطلح واسع
يضمّ أنواعاً كثيرة من الأذى، "وأسبابه شتّى؛ إذا هدّدت شخصاً أو خبطته، لأنك
عجزت عن إقناعه باللين، فهذا عنف العاجز. عاشق يقتل في ثورة الغيرة، هو غير قاتلٍ
يغتالُ سياسياً. والحرب غير ذلك
كلّه، كقوله تعالى:﴿.... وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ
مِنَ الْقَتْلِ﴾([2]).
ومهما نرى من عنف بين الأفراد، فإن شجون العنف تدور حول انتشار العدوان
الجماعي"([3]).
و"العنف ظاهرة
ومفهوم، فهو ظاهرة ذات تجلّيات مادية ورمزية أفرزتها الإنسانية، أفراداً وجماعات،
في مختلف مراحلها التاريخية، أي إنها ظاهرة لها محدّدات اجتماعية واقتصادية ونفسية
وثقافية. كما أنه مفهوم، أي بناء نظري تجريدي، ينطوي على مداخل ومستويات معرفية
متعدّدة، تروم العلوم الإنسانية والطبيعية استكشاف مظاهرها، ووصف بنياتها، وتجتهد
في إدراك وتفسير آليات اشتغالها"([4]).
وهناك شبه إجماع لدى
المفكرين والأكاديميين على أن التطرّف قضية يومية اجتماعية،كأيّ ظاهرة اجتماعية
تتعرّض لها المجتمعات، مرتبطة بالواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني،
والسمة البارزة لها هي الخروج عن المألوف، واتّخاذ موقف متشدّد أمام واقع معيّن،
أو ظاهرة معيّنة، وقد يكون خروجاً عن بعض الملامح الاجتماعية، أو القواعد الفكرية.
وما يبدر عن التطرّف هو العنف، أي إن العنف هو النتيجة الطبيعية لأي فهم متطرّف،
كما ذكرناه آنفاً.
"ومن
خلال جميع ما سبق يمكن تعريف العنف: بأنه "أيّ سلوك يؤدّي إلى إيذاء شخص لشخص
آخر، وقد يكون هذا السلوك إيلاماً نفسياً (معنوياً)، يتضمن أشكالاً بسيطة من الاعتداءات
الكلامية، أو التهديد، وقد يكون السلوك فعلياً(مادياً)، مثل الضـرب المبرّح،
والاغتصاب، والحرق، والقتل، وقد يكون كلاهما. وقد يؤدّي إلى حدوث ألم جسدي، أو
نفسي، أو إصابة، أو معاناة، في آن واحد"([5]).
"تعدّ ظاهرة
الإرهاب من مظاهر العنف الذي تفشّـى في المجتمعات الدولية، فمنذ أوائل السبعينات
من القرن الماضي وكلمة (الإرهاب)، ومشتقاتها، من أمثال: (إرهابي) و(الإرهاب
المضاد)، وغيرها، قد غزت بالفعل أدبيات جميع فروع العلوم الاجتماعية. حيث أضحى
مصطلح (الإرهاب) من أكثر الاصطلاحا شيوعاً في العالم، في وقت تزداد فيه نسبة
الجريمة ارتفاعاً، وأشكالها تنوّعاً؛ وأصبح الإرهاب واقعاً مقلقاً ومزعجاً.
فالمؤلفون في ميادين علم النفس، وعلم الإجرام، وعلم الاجتماع، والفكر الديني…إلخ،
انكبوا على دراسة هذا الموضوع أكثر من أي ظاهرة اجتماعية – سياسية أخرى في
عصرنا"([6]).
ولكن الإرهاب،
كممارسة إنسانية، واكب الحضارات والأمم السابقة وحتى الآن، فهو حالة سلبية وتهديد
حقيقي أمام الإنسان وحياته ومشـروعه الحضاري، ولا تجد دولة أو فكرة أو جماعة إلا
وقد خرج من صفوفهم من يؤمن بالعنف وإرهاب الناس، كطريقة أو وسيلة لتحقيق أهدافه
ورسالته. وفي العصر الحديث رأينا عنف وإرهاب اليساريين، حيث قتلوا الملايين في
سبيل تطبيق رؤاهم وقناعاتهم، وأبادوا المدن والقرى والمؤسسات العلمية والثقافية
والاجتماعية في سبيل تحقيق مآربهم الخاصة. وبعد سقوط الشيوعية، وتفتيت دولهم إلى
دويلات، انتهى إرهابهم وعنفهم بالسلاح والإبادة الجسدية، ولكن شرورهم وإرهابهم
وعنفهم لا يزال قائماً بأشكال أخرى.
ورغم كون الإرهاب
والعنف والتطرّف حالات اجتماعية ونفسية، إلا أنها
في نفس الوقت حالة سياسية أيضاً، لها دوافعها الخاصة،
وأسبابها، وهذا ما تناوله الباحثون في مجالات شتى.. ومع كل هذا، فليس المسلم بمعزل
عن كلّ هذه الأسباب والدوافع والواقع الاجتماعي، وكذا فهو ليس بعيداً عن شراك
المخابرات والأنظمة الدولية.
ولم تكن كوردستان
بمعزل عن هذه التغيّرات والتحوّلات، فلقد تعرّض الإقليم إلى موجة من العنف
والإرهاب، عرفت حينها تحت مسمّى (الاقتتال الداخلي = كورد كوژی)، وقد مورست أنواع
العنف والإرهاب الفكري والجسدي والتصفية الجسدية، ممّا يندى له الجبين خجلاً،
فكان
الكوردي يقتل الكوردي في سبيل القضية الكوردية، كما هو الحال بالنسبة للإرهاب
الإسلامي؛ حيث يقتل المسلم أخاه المسلم في سبيل الله ..!! فعلاً هي مهزلة العقل، ولم
يسلم أيّ حزب من التضلّع في هذا الحراك الدموي.. وفي جميع الأحوال لم نجد حزباً
إلا وكان طرفاً في هذا الواقع آنذاك،
باستثناء الاتحاد الإسلامي الكوردستاني. يقول الأستاذ صلاح الدين محمد بهاء الدين:
"نحن في الاتحاد الإسلامي نفتخر بكوننا طرفاً محايداً في الصـراع الدائر بين
الأحزاب المتقاتلة، ولنا علاقة حسنة مع جميع الأحزاب والاتجاهات السياسية
المتواجدة، ولنا شـرف المساهمة الجادة في عملية المصالحة الوطنية بين الأطراف
المتنازعة، ونرى في السلام والصلح كل الخير والأمن والسعادة لجميع الشعب، بما فيه
الأطراف المتقاتلة نفسها.. نحن نخالف استعمال السلاح لحسم النزاعات الداخلية..
ونرى في الحوار والتفاهم السبيل الوحيد لحل الإشكالات"([7]). "نحن مع الحوار
والحل المدني السلمي السياسي لأية إشكالية أو نزاع قد يقع بين الأطراف المتنافسة
في ساحتنا.. وإن العنف لا يأتي بخير، وإن شعبنا قد شبع معاناة ومآسي في هذا المجال،
فكفاه ما عانى.. وينبغي أن يكون الإسلامي مضمّداً للجراحات، ودواءً للداء، وسمحاً
في تعامله مع الساحة، متحمّلاً أذاها، ومتجاوزاً خروقاتها.. بغية الوصول إلى يوم
تتحكّم في الناس عقلية المنطق ومنطق العقل، ويميّزوا العدو من الصديق، وينطفيء هذا
اللهيب الغوغائي من صراع الأفكار والأيديولوجيات، ونزاع الأحزاب.. مع حقيقة واضحة:
أن شعبنا مسلم في العموم، ولا نرى جواز حمل السلاح ضده، أو ضد تياراته السياسية أو
الفكرية التي نشأت فيه، ورفعت شعار إنقاذ الشعب وإسعاده. وقد ظهرت حقيقة الأمور،
ولا داعي لوسيلة العنف والسلاح في مجال يمكن الوصول إلى الهدف بغيره من الوسائل"([8]).
لقد جاء الاتحاد
الإسلامي الكوردستاني بموديل جديد في ممارسة السياسة، وفهم الدين، بعيداً عن
السلاح والقتل، ونعْتِ المقابل ورميه بالكفر أو الخيانة. وقامت
قيادة الاتحاد الإسلامي بإرساء مفاهيم جديدة على الساحة الكوردية، وهي الوسطية
والاعتدال والتوازن في الفكر والممارسة. وكان
رائد هذا الفكر هو الأستاذ صلاح الدين محمد بهاءالدين. وابتعدت هذه الجماعة عن
التطرّف في فهم الدين، وفهم الواقع الاجتماعي، ونأت بنفسها عن مواطن العنف بكل
أشكاله، فكانت ساحتها خالية من الإرهاب والعنف واللاتوازن. "إن الاتحاد الإسلامي
يعتبر من التجارب الموفّقة في ميدان العمل السياسي الإسلامي المعاصر في المنطقة،
وذلك بشهادة الكثير من رجال العلم والدعوة والسياسة.. حيث إنه جمع بين العمل
الدعوي والخدمي والسياسي، وفي صورة متوازنة.. ويمارس التعددية السياسية في ساحة
شائكة، وقام بترجمة الأفكار والنظريات الإسلامية في ميدان العمل والتطبيق، مع
مراعاة خصوصيات الزمان والمكان.. علماً أن العملية الإسلامية، وانتهاج السبيل
الأمثل، واجتياز الساتر تلو الآخر، وإحضار الإسلام نضالاً سياسياً بعد تغييب طويل،
وتجاوز الاجتهادات الابتداعية المسمّاة بالإسلامية، أمور كبيرة الأهمية، وليست
سهلة المنال.. وهي المطلوب الأول للإسلاميين، والصحوة الإسلامية، لنجاتها من غوغاء
الأدعياء، وتخبّط الاشتهاءات، باسم الجهاد.. فالنهج الإصلاحي التصحيحي الذي يمارسه
الاتحاد الإسلامي، في ساحتنا الإسلامية، يعتبر من المميزات والإنجازات الكبيرة
له"([9]).
أبرز الأبعاد الفكرية التي ينطلق منها الاتحاد
الإسلامي الكوردستاني:
في فهم الدين والتديّن: تعرّض
العالم الإسلامي إلى الكثير من الضغوطات والتحوّلات الطبيعية منها، والاستثنائية،
فكان من الطبيعي أن تتأثّر الأفكار بالأجواء والحيثيّات والمطبّات والتدافع
الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وأن تبرز أفكار واتجاهات متأثّرة بكل ما ذكرنا،
وتتسم بالعنف والتطرّف والتميع والانكسار إلخ.. فكان لا بد من إيجاد تيار أو رؤية
تعيد التوازن إلى الفهم، وتعمّق الفهم، فكانت النتيجة الفصل بين الدين الحق
والتدين المتأثر بالزمان والمكان والحال والتطور الاجتماعي والاقتصادي. وهذه
الرؤية ولّدت توجّهاً جديداً يتمتع بالمرونة أمام الآخر، وتقبّله "التيار
المعتدل بمعاييرنا الإسلامية فهو المقبول عندنا، ونحن نرى الوسطية حالة صحية
وتوازناً فكرياً ونفسياً ومنهجياً، وأمتنا هي الأمّة الوسط، والمنهج الوسط هو
المقبول والأقرب إلى الصواب، ونحن نريد أن نكون في موقع الوسطية والاعتدال في
الفكر والسلوك، ونرفض التطرّف لأنه حالة غير طبيعية، وديننا الإسلامي
يأباها"([10]).
ومن ضمن كل تلك
الصراعات القائمة على الساحة الفكرية في فهم الدين والتدين، أراد الأستاذ أن يكون
هناك توازن بين كل تلك الأفكار الموجودة، إذ "لا يخفى على كل مثقف مطّلع أن
الاسلام ليس دين العقوبات، بل هو دين التوازن بين حركة الفكر والمعرفة مع تفاعل
الفرد والمجتمع معها، باستلهام منهجي من الوحي ونصوص الكتاب والسنّة، من خلال
برنامج عقلاني ناضج، وجهد اجتهادي صائب.. فالتشريع في الإسلام ينظّم العلاقة بين
الإنسان وربّه، والإنسان وأسرته ومجتمعه، وبين الحاكم والمحكوم، وبين الأغنياء
والفقراء"([11]).
في النظرة إلى
المجتمع:
المجتمع الكوردي - كبقيّة المجتمعات الإسلامية - متنوّع في تكوينه وتاريخه وحاضـره،
وهو متأثّر بما وقع على الأمّة الإسلامية من سقوط الدولة العثمانية، وتقسيم الدول
الإسلامية إلى دويلات، وقد أنّ تحت وطأة الظلم والإجحاف بحقّه، وذاق الأمرّين بأيدي
مستعمريه تارة، وبأيدي مقسّميه تارة أخرى، وأيدي إخوانه، ومنع من ممارسة أدنى
استحقاقاته في العيش الكريم. في حال كان لكوردستان تاريخ وحصة في نظام الولايات
الإسلامية، وفي العصور المتعاقبة والمختلفة، ومع هذا منعه الاستعمار من ممارسة
حقوقه، مع أن هذا الاستعمار جعل من خيم وجماعات بدوية دولاً ذات سيادة وعلم. وبعد
ذلك تعرّض هذا الشعب إلى الكثير من الظلم والاضطهاد والاستبداد، فكان حريّاً
بالاتحاد الإسلامي أن ينظر نظرة الإنصاف والعدل إلى قضيته وتاريخه وإنجازاته
ونكباته واستحقاقاته، لذا نأى بنفسه بعيداً عن مقام الحاكمية على المجتمع، وإطلاق
الحكم عليهم، وإنما نزل إلى مقام النصح والإرشاد في بعض الحالات، وفي بعضها تسنّم
منصب الدفاع والمحاماة عن قضيته، وفي بعضها متسوّلاً لأبناء جلدته؛ يجمع لهم الدعم
والمساعدات الإنسانية، وخاصة في تسعينيات القرن المنصـرم، حيث تعرّضت كوردستان إلى
قحط وجدب وحصار من قبل الحكومة العراقية، ومن قبل المجتمع الدولي، وتكفّل عن طريق
منظماته الخيرية كفالة الآلاف من الأيتام، وبنى مئات المساجد والمستوصفات، وحفر
عشرات آبار المياه، وأقام الدورات التثقيفية والعلمية. ومن الجانب الفكري، نظر
الاتحاد الإسلامي إلى المجتمع الكوردي كمجتمع مسلم يدين بالإسلام، وله ثقافته
الدينية الخاصة، وله علماء أجلاء خدموا الدين والدنيا، وبصّـروا الناس بأمور
حياتهم ودينهم، وسلّم سـرائر الناس إلى ربّهم، فهو أعلم بهم سبحانه وتعالى، وهذا
ما جعل من أعضاء الاتحاد الإسلامي بعيدين كل البعد عن فكرة التكفير أو التفسيق، أو
مقاطعة مجتمعهم، فكل عضو فيهم خال تماماً من النظرة التكفيرية أصلا،ً لا يفكر في
هذا الجانب ولا يخامره أيّ شعور في هذا السياق". قضية شعب مسلم له دوره و
تاريخه، أما واقعه فممزق بين دول تحكمها حكومات عنصـرية، وقد حصل لهم أنواع من المظالم،
وبمقادير متنوعة من الإبادة و مسخ الهوية والوجود، وصولاً إلى الحرمان من حقوق
المواطنة المتساوية ..
- حقٌ
نطالب به:
حقّ الشعوب كحقّ الأفراد؛ عطاءٌ رباني، وآيةٌ من آيات الله سبحانه، وجعلٌ منه تعالى..
- حقّ التبس
بباطل:
العصبية الجاهلية غير العاطفة القومية، والحقوق القومية غير الضغوط العنصـرية،
ونوازعها الجاهلية، والذي يدافع عن نفسه وماله وحقّه في الحياة، غير الذي يهاجمه
غيره ويسلبه الحق ويغصبه ويقتله ويشـرّده.. وبعبارة أوضح: المعتدي المُبادئ
المبادر، غير المدافع الرادّ.. فمسؤوليتنا كمسلمين أكراد هي تبيين هذه الحقائق،
وتوضيح الحق، وتشخيص الباطل، وتحديد المعتدي والمدافع..
- وقائع
مؤسفة:
الحالة التي يعانيها الكورد كشعب في كلّ الأقطار الموزّع عليها، حالة مؤسفة.. هضم
للحقوق الإنسانية.. منع للتكلّم بلغة الأمّ، والكتابة بها.. تشـريد وترحيل وتقتيل
وإبادة جماعية.. وكل هذا بين ظهراني إخوانهم في الدين والتاريخ والجغرافيا..!!
فالسكوت على هذه
الحالة غريب فى قاموس الإسلام والمسلمين، مهما كانت المبرّرات.. فالنصوص الإسلامية،
والتاريخ الإسلامي، كشعوب وحكومات، لم تشهد مثل هذه الظاهرة.. وصرخة المظلوم في الأمّة
الإسلامية لم يردّ عليها إلا بالتلبية
الرسمية والنفير نصـرة لها !!
فنحن بوصفنا مسلمين لا يجوز لنا السكوت عن هذه
المظالم، وليس مقبولاً من أي مسلم، فضلاً عن قيادات وقامات..! نرفع بندائنا الدفاعي
لتبيين هذه الحقائق، والتعريف بهذه الوقائع المأساوية، ولتبصير إخواننا البعيدين
بحقيقة الأمر.. نصرة للحق، وانتصاراً للمظلوم، ودفاعاً عن النفس، ورفعاً للالتباس
في هذه القضية الجوهرية لشعب مسلم أصيل من الشعوب الإسلامية، وقع في مظلمة، بين
شعوب مسلمة ودول محسوبة على الإسلام، وبتخطيط المستعمر، واتفاقية سايكس بيكو المشؤومة ...!![12]"
في النظرة إلى
الساحة السياسية: مفهوم الاجتهاد السياسي، من إحدى الإبداعات التي ابتكرها
الاتحاد الإسلامي، وبهذا أخرج الاختلاف من دائرة المحذورات والاتّهام، وأدخله ضمن
دائرة الاجتهادات العقلية، ووجهات النظر، تجاه المسائل العالقة أو الموجودة على
الساحة الكوردستانية، فليس هناك خائن، وإنما مجتهد نحو مسألة ما، فإذا كان ثمة
اجتهاد في مجال الدين، فمن الأولى أن يكون هناك اجتهاد في إحدى مجالات الحياة، وهي
السياسة.. وعلى هذا الأساس، ومن هذا المنطلق، تقدّم الاتحاد الإسلامي أشواطاً نحو
توطيد العلاقة مع الآخر، حتى وصل به الأمر إلى تشكيل تحالفات سياسية مع الأحزاب
الموجودة على الساحة السياسية، دون النظر إلى خلفياتهم الفكرية. وكما قال الأستاذ:
"لقناعتنا بأن الصـراعات السياسية في الساحة هي صـراعات تنافسية حزبية، وليست
معركة بين الكفر والإيمان، و لا يجوز استخدام بطاقة (كارت) التكفير والقتال في الصـراع
الحزبي والخلاف الفكري.
إن السلاح والقتال
في الأصل وسيلتان أساسيتان لإقامة الحكم العادل، وصيانته، والدفاع عن الأمن والوطن،
في ظروفه الخاصة، زماناً ومكاناً (ألا وهي أحكام الدولة)، ونحن دعوة وحزب مدني
ولسنا دولة.. ولا يأتي تركنا للسلاح رفضاً للقتال بالكامل، وليس تكذيباً لآيات
القتال في القرآن (كما يروق لبعض الحاقدين الجهلة بالدين قولها)، وإنما هو موضوع
تنزيل هذه الأحكام على الواقع.. نحن نرى جازمين بأن آيات القتال، وأحاديثه، لا
يمكن تنزيلها على مجتمع مسلم كمجتمعنا، وعلى ساحة سياسية كساحتنا، وفي زمان وعصـر
كزماننا وعصـرنا..
وهذا دليلنا الأصولي
الواضح، وشواهد التاريخ، ويوميات الساحة، تؤكّد وتجزم على صواب ما ذهبنا إليه..
ويبقى أن نقول: هذا اجتهادنا الذي يوافق اجتهاد جمهور السلف الصالح، وأكبر قطاع إسلامي
في العالم المعاصـر، حيث لا يجيزون استعمال السلاح في المجتمع المسلم، وضد الأنظمة
المتسلطة في البلدان الإسلامية، بحجة جورها، مادام هناك وسائل أخرى، ومادامت
الخسارة والمضار أكثر من المنافع المتخيل الحصول عليها.. ورفضنا للسلاح اليوم يعني
رفض العنف والميليشيات، ولا يعني أبداً أن السلاح لا ينفع، بل إنه وسيلة أساسية في
حفظ كيان الدولة وأمن البلاد، وهناك فرق كبير في المجال العسكري وممارسة واجبات
الدولة، في مستلزمات الدعوة والعمل السياسي، ومستلزمات السلطة والدولة والحكومة..
فلا دولة بدون جيش وسلاح، ولكنه طبيعي - بل مطلوب - أن يكون نضالنا بلا سلاح،
ونحترم مع هذا رأي الآخرين، ونعتبره اجتهاداً. وكل ما في الأمر أننا لا نأخذ
برأيهم، ولسنا ملزمين باجتهادهم، وما يترتّب عليه من تبعات وإفرازات، إلا في حدود
الأخوة الإسلامية والمواطنة العامة"([13]).
في النظرة إلى
المتدينين:
يقول الأستاذ صلاح الدين محمد بهاء الدين: "احترام التعددية الإسلامية –
مثلاً-، فكما قلنا إن التعددية السياسية مسألة موجودة، والتعددية الإسلامية تعني
احترام العمل السياسي الإسلامي، أو تقدير العمل السياسي الإسلامي للآخرين، وليس
شرطاً أن يكون عملهم منحصـراً في حزب سياسي على الساحة الكوردستانية، فهناك أنواع
من التعددية، مثلاً أخوتنا (الصوفية) و(السلفية)، وهناك مسلمون مستقلون، وأيضاً
أخوتنا في (الحركة الإسلامية) و(النهضة الإسلامية) و(حزب الله الثوري)، فلا يمكن
أن نحصر الاسم في جماعة أو طائفة معينة.. فكل هذه الساحة تحتاج إلى التعامل معها
بكل مرونة وهدوء، ومع ذلك فإنه في بعض الأحيان نشأت تعقيدات في علاقتنا، وكان
سببها سوء الفهم، أو الضغوط النفسية، ولكننا كنا نسعى دوما إلى أن يتفهم بعضنا بعضاً،
ونفهمهم مواقفنا.. فنحن نقرّ بأنه ليس غريباً أو عجيباً أن يتحقق (التدين) بأشكال
مختلفة، فالوحي لا ينزل على أحد، وكل هذه المسائل هي اجتهادات. استيعابنا لمسألة
التدين هو بهذا الشكل الذي نمارسه، ولا نحصـر مفاهيم التدين في أنفسنا فقط، كما هو
الحال في المسائل السياسية أيضاً"([14]).
إن التعامل مع
التعددية مبنيّ على الاحترام، وهو خطوة أفضل من التقبّل، قد يكون التقبّل هو موقف
المغلوب على أمره، ولا يملك من أمره شيئاً، ولكن الاحترام هو أرقى من سلّم التعامل
الاعتيادي، وليس بالضـرورة أن تكون تلك الجماعة حزباً سياسياً، بل تكفيه أن
تكون قناعة اعتنقها جماعة من البشـر، فهذا جدير بالتقدير والاحترام، وذكر تلك
الأسماء كونهم أصحاب نفوذ ومعتنقين، والتعامل لا يعني الانخراط والاندماج هذا،
ولأن لكل رؤية طريقتها وآلياتها ووسائلها للعمل الجماعي أو الحزبي، فالاتحاد
الإسلامي يقدّر ويحترم جميعهم، ولكنه مقتنع بصوابية رأيه مع احتمال الخطأ.
وكان حريّاً بهذه
الجماعة أن تلقي الضوء على مفهوم الدعوة والدولة: "نحن دعوة ودعاة، ولسنا
دولةً ولا سلطة، أي إننا مشمولون بأحكام المناضل والمجاهد والمجتهد والداعي، ولا
تشملنا أحكام الدولة والسلطة، ولكل منهما خصوصياتها، ولكل ظروفها وأساليبها،
وأحكامها وأولوياتها... ولا شك أن كل خلط بين هاتين الحالتين، وهاتين المرحلتين،
يؤدي الى اختلال في الممارسة والتوجهات، لأنه ناجم من اختلال في الفهم والتصور.
فجهادنا الدعوي، ونضالنا السياسي، وجهدنا الخدمي، كله عمل صالح، له مرحلته، وتتحكم
فيه أحكامها.. عليه، نحن تبنينا نهجنا التغييري والتصحيحي والإصلاحي من هذا
المفهوم، وهذا المنطق، كدعوة وحركة وجماعة وحزب"([15]).
هذه الرؤية أنشأت
جيلاً يعتنق هذه المبادىء، ويطبّقها في حياته اليومية دون عناء وجهد، بحيث أصبحت
ملكة وجزءاً من تكوينه الشخصي وممارساته اليومية، وجعل أعضاء الاتحاد الإسلامي
أكثر الناس وسطية واعتدالاً وتوازناً ومرونة؛ فكراً وممارسة، وأمام الجميع. ولا يخفى
على أحد أثر تلك الرؤية على الساحة السياسية الكوردية، وحتى على النخبة الحاكمة.
"وأصبح الاتحاد الإسلامي قوة سياسية مؤثرة على التوازنات والمعادلات، تحظى
بالتقدير والاحترام من قبل القوى الداخلية والدول الإقليمية، وله تأثيره الفاعل في
إشاعة التسامح والتآخي والاعتراف بالآخر والحوار مع الآخر، كما أصبح نموذجاً
عملياً لمحاولة تطبيق كافة النظريات الإسلامية النبيلة في الواقع الفعلي؛ من خلال
مؤسساته الإعلامية والثقافية والعلمية والاجتماعية والخيرية، في هامش الحريات
المسموح به في إقليم كوردستان، جامعاً بين تعاليم الدين والفكر النيّر والفهم
السليم والعقيدة الصحيحة، مع متغيّرات الوضع الاجتماعي، وتطوّرات الحالة المدنية،
والتقدّم العلمي والتكنولوجي، حافظاً على ضوابط الثوابت والمتغيّرات، التزاماً
بالأولى، وتعاملاً مرناً وسطياً مع الثانية"([16]).
[1] - مقابلات وحوارات مع
صلاح الدين محمد بهاءالدين: ص 5 ، 2018.
[3]/ الأُسس البيولوجية
لسلوك الإنسان، الدكتور إبراهيم فريد الدر، 1403هـ - 1983م دار الآفاق الجديدة –
بيروت(ص 358).
[4]- لغة العنف وعنف
اللغة: مقاربة لسانية نفسية" أ.د. مراد موهوب، أستاذ التعليم العالي بجامعة
السلطان مولاي سليمان، كلية الآداب والعلوم الإنسانية – بني ملال المملكة
المغربية، (ص1).
[5]- تحليل ظاهرة العنف وأثره
على المجتمع د.علي
إسماعيل مجاهد، عضو هيئة التدريس – الأكاديمية الملكية للشرطة، (ص4).
[7]- مقابلات وحوارات مع
صلاح الدين محمد بهاءالدين: ص 16، 2018.
[10]- مقابلات وحوارات مع
صلاح الدين محمد بهاءالدين: ص 6، 2018.
[14]- مقابلات وحوارات مع
صلاح الدين محمد بهاءالدين: ص 38 ، 2018.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق