09‏/01‏/2020

مكانة السُنَّة في نظر الشيخين السبحاني ومفتـي زاده (القسم الثالث) .. مكانة السُنَّة في نظر الشيخ أحمد مفتي زاده


كتبه: الدكتور محمود محمد علي الزمناكويي
ترجمة: الأستاذ هريم جمال الهروتي

مقدمة
من كان ذا معرفة بأشرطة العالم والمجاهد الكبير في شرق كوردستان، المرحوم (الشيخ أحمد مفتي زاده) ومؤلفاته ومكتوباته، يتبيّن له أنه كان ذا مكنة قوية، وعلم عميق، وفكر راسخ، ولا نبالغ إن أعطيناه لقبَ: (العابد والشاهد والزاهد والعارف والعالم والمثال الحي الديني والمفكّر والفيلسوف) في عصـره.
   نشاطات مفتي زاده ومؤلفاته، سابقاً ولحد الآن، كانت محل إعجاب الإسلاميين، وكانت لها انعكاسات وآثار بالغة على المثقفين والباحثين في تيار الصحوة الإسلامية.
  
من الواضح أن القرآن كان هو المصدر الأول والمعيار الأساسي لمفتي زاده، ومنه ينظر إلى الأفراد والمجتمع وسائر مناحي الحياة الإنسانية، بكل أبعادها: (الفكرية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، النفسية... إلخ)، ثم بقصد إصلاح المشاكل والأزمات والصعوبات أيضاً، كان يرجع إلى القرآن أوّلاً، وهذا من أَجَلِّ خِصاله ومظاهره.
   لكن هل هذا يعني أنه أهمل المصادر الأخرى، مثل: السُنَّة، وإجماع أهل الشورى؟!.
   هل هو جزء من الاتجاه المسمّى بالقرآني؟، أو بمعنى آخر: هل رفض السُنَّة؟.
 مرات كثيرة ينسبون هذه التهمة إليه، وإلى الشيخ ناصر السبحاني.
   هذه التهمة، علاوة على بطلانها، قد خصّص مفتي زاده بعض محاضراته، للردّ على هذه الفكرة الساقطة، ولمواجهة هذه الأزمة الفكرية، التي سمّاها هو: (دوّامة الاكتفاء بالقرآن).
   ثم بين دفتي هذا البحث، يتبيّن للجميع مدى المكانة العظيمة الجليلة للسنّة في نظر مفتي زاده.
  ويرجع اهتمام مفتي زاده بقضية الحديث، ورغبته في البحث في هذا المجال، إلى مقتبل عمره وريعان شبابه، وإن كان هو يعترف بخطأ تعامله مع الحديث في ذلك الوقت، ويُرجِعُ هذا الإدراك والتصحيح إلى عالم معاصـر، لكنه نسي اسمه، مع الأسف.
   أودّ أن تسمعوا حكاية وسـر المنعطف الفكري لمفتي زاده من لسانه، فهو يقول: "في أواخر مرحلة مراهقتي، وبداية مرحلة شبابي، كانت لديّ رغبة طافحة في (الحديث)، من غياب معرفتي المفيدة عن القرآن، كنت أعتمد علی بحث حال الروايات فقط، ربّما كانت نتيجة عملي هي الوصول بيقين إلى صحة سبعة عشـر أو ثمانية عشـر حديثاً، لكن نبهتني قراءة قول إمام معاصـر ـ مع الأسف نسيت اسمه([1]) ـ إلى هذا الخطأ، فآنذاك توجّهت رغبتي إلى فيض القرآن، وبركته. أقول: كنت في هذه الأيام، مدرّس العلوم الإسلامية العليا، في أرقى المدارس الدينية في كوردستان، أي (دار الإحسان) في جامع (سنه) الكبير.
   لكن إلى فترة، لم أكن منشغلاً بالقرآن والسُنَّة أساساً!، قلت لـ (كاك أمين الأكبري) في السجن: كل فرد منكم أنتم معشـر الشباب، مع عدم ارتباطكم بالعلوم الإسلاميّة، أعرف بالقرآن وأعلم، أكثر من الزمن الذي كنت فيه مدرّساً للعلوم العليا!، لأنه لم يكن يوجد برنامج معهود لهذا الاهتمام في مدارس العلوم الدينيّة أساساً!، كان الطالب ينتهي من هذه الدراسة، وكان المعهود أنه لم يدرس درساً من المادتين المنسيّتين: (القرآن والسُنَّة)، حتی للبحث عن هذه الآيات، التي كانت موجودة في الكتب الدراسية، كانوا مهتمّين بالكلمة التي كانت مرتبطة بموضوع الدرس فقط! أمّا تحليل معنى الآية، فلم يكن يهمهم، كالشواهد الأخری التي كانت في الأشعار، وإن هذه الجملة التي سمعتموها كثيراً لجديرة بالتعجب، إذ كان يقول المدرّس في هذه المواقف: هذه آية قرآنية! فهذه الجملة، كانت كافية للإعراض عن القرآن، والتساهل في البحث عن معانيه!!.
   كنت من قبل، أحثّ الطلاب علی قراءة كتب السُنَّة والسيرة والتاريخ، لكن بعدما شعرت بخطئي، انقلب ما لديّ من التحريض والرغبة والطموح إلى تعليم القرآن وتعلّمه، جنب العلوم المعروفة، لكن لعدم وجود أيّ محرّك في المجتمع، حتّی أيّ توجيه لتحمّل مشقة كهذه لم يكن موجوداً. لو جمعنا ما درَّستُه من القرآن ربما لم يبلغ أكثر من جزئين بشكل متفرّق!.
   ثم عندما شدّتني معرفتي القليلة بالقرآن، واطّلعت علی أهمية التذكرة المزلزلة لذلك العالم الكبير ـ رحمة الله ورضاه علی روحه الطاهرة ـ، فالبحث في الحديث وتدريسه بدون التعرّف علی القرآن ـ قدر الاستطاعة ـ أراه خيانة في الدين، وما قرأتم وسمعتم من موقفي عن السُنَّة إلى الآن، هو خيوط تلك السابقة"([2]).
   وخصوصاً عناية مفتي زاده بالدفاع عن السُنَّة النبوية، وإزالة الشبهة التي تقال (القرآن كافٍ)، أو بتعبيره: (دوامة الاكتفاء بالقرآن)، في بداية الثورة الإيرانية.
   هو يقول في ذلك: "أثناء ثورة إيران، كان لدي بحث عميق عن شبهة: (الاكتفاء بالقرآن)، وأحياناً قد قمتم بتوضيحات شفوية، عن رواية الرسول (صلی الله عليه وسلم)، فاحرصوا على تجميعها وترتيـبها، متمنّياً أن تكون كافيةً لفهم المقصد والاطمئنان"([3]).
   لكن مع الأسف، وعلى حدّ علمي ـ وهذا اعتراض منبعه الإخوّة والإخلاص، راجياً أن لا ينزعج إخوتي من (مكتب قرآن) ـ فإنّ طلب مفتي زاده، ووصيّته، لم ينفّذ من قبل مكتب قرآن وأتباعه، إلى الآن. فهذه البحوث والدراسات المهمّة، أكثرها رهين الأشرطة، وقليلها مكتوب، ولم يجمع أيّ منها بين دفتي كتاب مطبوع، وليست بين أيدي الباحثين والقراء.
   مع أن أحد الإخوة من (مكتب قرآن) أفادني بأن جميع نتاجات مفتي زاده تمّت كتابتها، وبلغت مائة وخمسين مجلداً، لكنها لم تطبع بعد.
   لذلك تعبت كثيراً ـ أنا كباحث ـ حتّی حصلت علی هذه المصادر المتفرّقة لمفتي زاده، باللغات الثلاث (الكوردية، العربية، الفارسية)، والكوردية بعضها بلهجة (سنه)، وأغلبها صوتيات، وبعضها مكتوب، وبعضها مطبوع أو مخطوط.
   ومن هنا، دعائي وشكري الجزيل موصول لهؤلاء الأساتذة ـ الذين تمّ التنويه بهم في الشكر والتقدير ـ إذ ـ بعد فضل الله ـ كانوا عوناً لي، لإعداد هذا البحث، تقبّل الله تعالى منـّي ومنهم.
   بقي أن أقول: إنّ لسان الكلام متفاوت كثيراً مع لسان الكتابة، لذلك أوضّح: بأنّني غيّرتُ من كلمات مفتي زاده، أو كتابته، أو من كلام فاروق فرساد، فيما لا يتناسب مع لسان الكتابة، بقصد فهم أكثر، لأن لهجة الكورد في شرق كوردستان متفاوتة، خصوصاً لهجة (سنه).

مصادر الأحكام عند مفتي زاده
   قبل أن أعرض وجهة نظر مفتي زاده، عن مصادر الأحكام في الإسلام، أودّ أن أذكر أوّلاً تعريفه للإسلام.
هو يعتقد: أن مصطلح الإسلام استُعمل لخمسة معان مختلفة:
"1. جميع الأديان الإلهية.
2. آخر وأكمل نظام ديني، الذي أُرسِلَ عن طريق محمد (صلی الله عليه وسلم).
3. المعرفة + القبول القلبي.
4. المعرفة + القبول القلبي + القبول الظاهري والعملي.
5. القبول الظاهري، دون القبول العملي، سواء أكان معه المعرفة أو لا"([4]).
   ثم يعرّف الإسلام كدين، فيقول: "في البداية من المهمّ أن نعرف، أن الإسلام: مجموعة من الأحكام والأسس والمعايير، يحتاج إليها الإنسان في الحياة الفردية والاجتماعية والروحية والعملية، ولا يحتاج أن يستعين بأيّ جهة أخری لسير الحياة الإنسانية بصورة صحيحة مستقيمة، أو لبناء تربية الإنسان، فالإسلام كافٍ"([5]).
   أمّا عن مصادر الأحكام في الإسلام، لتوجيه المسلم من جميع النواحي، والواجب عليه الالتزام بها، وعدم الإعراض عنها، فيعتقد مفتي زاده أنها ثلاثة مصادر فقط:
(1.القرآن، 2. السُنَّة، 3. شوری (أولي الأمر) في أيّ عصـر)
   هو يقول: "ذكر في كتب أصول الفقه، ثلاث مصادر، يجب علی المسلم الالتزام بها، وهي: الأوّل: القرآن، ثم بعده: السُنَّة، وهي قول الرسول – صلى الله عليه وسلم - وعمله وإقراره التشريعي، ثم بعده: الإجماع، وهو رأي جميع أو أكثرية أعضاء شوری الأمّة، في أيّ زمن"([6]).
   ويقول في الرسالة الخامسة أيضاً: "..عدم حجيّة غير القرآن والسُنَّة والشوری"([7]).
   ويظهر أن السبحاني له نفس الرأي، كما يقول: "مصدر الحكم في نظام الحكم (بما أنزل الله) ثلاثة أشياء: 1. الكتاب (أطيعوا الله)، بإطاعة الكتاب. 2. (وأطيعوا الرسول)، بإطاعة السُنَّة. 3. (أولي الأمر منكم)، وهم أهل الحلّ والعقد"([8]).
   ثم يضرب مفتي زاده الدليل علی هذا الموضوع بآيتين:
   يقول: "لدينا في القرآن آية أخری، تقول عن مصادر الدين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾([9]): أي: أطيعوا القرآن والسُنَّة والإجماع. في موضع آخر، يشير القرآن إلى أنه يقع للمسلم بعض الأزمات والمشاكل الاجتماعية، وعندما يواجهون أزمة يصيبهم العجز، حينذاك يجب أن يستفيد الإنسان الواعي من الأسس القرآنية: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ  وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإلىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾([10]).
   والقصد هو: كلّما حدث حادث أو أزمة للمجتمع، بدل أن يقدّم الناس من قِبَلِهم آراءَهم وتدبيرهم، بدل ذلك: في حياة الرسول نرجع إليه، وإلى علماء الأمّة، وبعد وفاة الرسول أرجعوا الأمر إلى العلماء (أولي الأمر)، فهم قادرون بما يستنبطونه من القرآن والسُنَّة، وبما لهم من الاطلاع على أحوال المجتمع، أن يهتدوا للطريق القويم، وحلّ المشاكل الاجتماعية اليومية.
   إذن: (أولي الأمر) يعني: "الذين تتمكن أذهانهم من فهم العلاقة بين مسائل المجتمع ومشكلاته، وبين المعايير والقواعد الشـرعية، بقصد إيجاد حلّ للمشكلات. أو هم: ذوو القدرة التامّة على فهم القرآن والسُنَّة، كلّما يواجهون إحدی مشكلات المجتمع، فإنّهم بسبب معارفهم قادرون علی إيجاد حلّ لهذه المشكلة عاجلاً"([11]).
   يعتقد مفتي زاده: أن طريق الإسلام الحقيقي هو: القرآن، والمصدران الآخران (السُنَّة والإجماع)، خصوصاً (السُنَّة)، لتبيين القرآن وخدمته. كما يقول: "طريق الإسلام الحقيقي، الذي هو طريق القرآن، والسُنَّة النبوية، لفظية كانت، أو عملية، أو تقريرية، مبيّنة للقرآن، تبيّن القرآن للناس"([12]).
   في موضع آخر يتحدّث عن أهمية المصدر الثالث، وهو شوری (أولي الأمر)، بعد مقدّمة عن مفهوم الاختلاف. يقول: "هذا المفهوم  ـ الاختلاف ـ نتيجة وجود الشوری التي فَوّض إليها القرآن جميع أمور المسلمين، من أصغر مجموعة، وهي الأسرة، إلى أكبرها، وهي الدولة([13]). لأن شوری (أولي الأمر) رحمة للمجتمع والأمّة، فبديهي إذ يكون لازمه            ـ الاختلاف ـ، بل فصل منطقه رحمة، أيّاً كانت مرتبة الاختلاف في الرأي، إلى حين عدم التوصّل إلى وفاق، فهو آخر المراتب، أي: التفرّق، وهو مذموم وشـرّ للأمّة، إذ عدم المقصود من وجود هذه المرتبة ـ التفرّق ـ ثابت في الروايات"([14]).

تقسيم الأحكام عند مفتي زاده
     يقسّم مفتي زاده نصوص دين الإسلام ـ القرآن والسُنَّة ـ إلى قسمين:1ـ النصوص الخاصة. 2ـ النصوص العامة.
   عندما كان مفتي زاده معتقلاً في سجن انفرادي بطهران، سنة (۱٤۱۲ه)، كما أشار إليه نفسه، كتب بعض الحواشي باللغة العربية علی كتاب: (أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة)، للدكتور يوسف القرضاوي.
   في الحاشية الرابعة علی كتاب: (أولويات الحركة الإسلامية)، صفحة (۱۲٥) في السطر (۷)، بعد جملة (وصنيع الرسول الكريم) يقول مفتي زاده: "حقيقةُ الموضوع أنَّ للدِّين نصوصاً خاصّةً لحاجيّات غير متغيّرة لنوع الإنسان، متى ما أراد أن يكون إنساناً، ونصوصاً عامة لحاجيّات الإنسان المتغيّرة. فالنوع الأوّل يطلب من الجميع صورة معيّنة في هذه المسألة أو تلك. أمّا الثاني، ففوّض الأمر إلى الاجتهاد واستنباط ذوي الأهليّة (أولي الأمر)، للحكم بما يناسب حاجة الزمان والمكان للبشـر، أخذاً من واحد أو عدد من تلك النصوص العامة، كما نأخذ من المواد العامة في الأرض حاجياتنا المادية، لتنظيم جميع شؤوننا، حتّى كيفيّات استفادتنا من النعم المادية. إذن، فيمكن تغيير أحكام حكوميّة بتغيّر الظروف، كما هو الشأن في موضوعات الضـرورة، والأحكام الثانوية، والمصالح المرسلة.."([15]).
   هذا التقسيم لمفتـي زاده، موجود عند السبحاني كذلك، كما ذكرنا من قبل في أقسامه، لكن بصورة أوسع، وأمثلة وتطبيقات أكثر، وارتباط أعمق بالقرآن، فهو يذكره في سياق ذكر الحكمة وأنواعها([16]).
   في موضع آخر، حول تقسيم أحكام المصادر الثلاثة: (الكتاب والسُنَّة والإجماع) يقول مفتي زاده: "في البداية أعرف شيئاً لثلاثتهم، وهو: أن جميع الأحكام المبثوثة في مصادر الفقه الإسلامي، إمّا لها جانب تشريعي، أو جانب حكومي. بمعنى: أنّ هذه الأحكام، إمّا أن تكون شرّعت لكي تبقى إلى يوم القيامة، أو أنّها متعلّقة بتطبيق الحكومة في أحد النواحي، في ظرف ومناخ حكم شرعي واحد.
   بمعنی: أنه تعبير عن كيفية تطبيق الحكم الشرعي بشكل يصلح وينسجم مع الظروف الخاصة. هذان الحكمان: (التشـريعي، والحكومي)، إنْ كانا واردين في القرآن، نلاقيهما بعنوان، كالناسخ والمنسوخ مثلاً، وأمثاله. وإنْ كانا واردين في السُنَّة، نلاقيهما باسم: (التشـريعي والحكومي). وإنْ كانا واردين في الإجماع، فيكونان باسم: (الأحكام الأوّلية والثانوية)، بمعنی: الأحكام التشـريعية الأساسيّة (الأوّلية)، والأحكام التشـريعية غير الأساسية (الثانوية)... والإجماع مختصّ فقط بقانون الحكومة الإسلامية عندما تكون الشوری موجودةً، إذا أصدرت الحكومة الإسلامية ـ وهي الشوری نفسها ـ رأياً أو حكماً، فهو إجماع. وما دونه يجب أن يقال له: الاتفاق، لا الإجماع، وهو اتفاق جملة من فقهاء الإسلام، بعد انتهاء خلافة الراشدين. في حين إن الحكومة يجب أن تكون للشورى"([17]).

التعامل الصحيح مع السُنَّة عند مفتي زاده
   في شريط صوتي باسم: (الحاجة إلى السُنَّة اللفظية والعملية، وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوّف والعرفان) يتحدّث مفتي زاده عن كيفيّة التعامل مع السُنَّة بالتفصيل. في بداية هذه المسألة، يقسّم المسلمين إلى ثلاث فئات.
  كما يقول: "فيما يتعلّق بموقف المسلمين من السُنَّة ـ قوليّة كانت، أو فعليّة ـ طوال تاريخ هذه الأربعة عشر قرناً الماضية، كانت هناك ثلاثة أنماط مختلفة، وحتی الآن هذه الأنماط الثلاثة موجودة: نمط إفراطي، ونمط تفريطي - وكلاهما مردودان -، ونمط صحيح ومتوسط، والقرآن نفسه عيّن لنا هذا النمط"([18]).
   ثم يأتي إلى تحليل وتفسير هذه الأنماط الثلاثة في التعامل مع السُنَّة، ثم يعرض موقفه منها:
الأوّل: اتّجاه إفراطي
   عن هذا الاتّجاه يقول: "كيفيّة الإفراط في التمسّك بالسُنَّة هي: اهتمام مبالغ فيه من قبل البعض بكلّ ما روي بلسان رسول الله ، من غير مراعاة أهمّ الشـروط الأساسيّة لقبول الحديث، وبالنتيجة: تلقّي كثير من المسائل بالقبول باسم السُنَّة، لكن ثبت أنها ليس لها أيّ ارتباط بالنبـي ﷺ، وليست من أقواله، وليست مرتبطة ببرنامجه وأعماله، بل ثبت أنها أثر عداوة الإسلام، اصطنع الأعداء بدهاء مسألة، وجعلوها علی ألسنة النّاس منسوبةً إلى رسول الله . هذه الشريحة من المسلمين، الذين أفرطوا في الأخذ بالسُنَّة، أتوا بها، وحشوا الكتب بها، واتّخذوها دليلاً لهم، ولرأيهم الفقهي وغير الفقهي، وحتّی في مسائل العقيدة. ونشير – استطراداً - إلى أن هناك في المسلمين من جعلوا مفهوم السُنَّة أشمل من ذلك، حيث عرّفوا أقوال كثير من الشخصيات الإسلامية الكبيرة باسم السُنَّة، وتمسّكوا بها"([19]).
   في موضع آخر، يری مفتي زاده أن هذا التعامل مع السُنَّة، أمر خطير علی القرآن، وحتّی علی السُنَّة كمبيّن للقرآن، لذلك يقول: "لو افترضنا، أن كلّ من حصل علی رواية، وأراد أن يعرف ـ بناءً عليها ـ ماذا قال النبي ﷺ، فإنّه يصيبه انحراف فادح؛ انحراف بعيد عن طريق الإسلام الحقيقي بعداً تامّاً، وهو طريق القرآن. وسنّة النبـي مبيّنة للقرآن، قوليّةً كانت، أو عملية، أو تقريرية، لكي تبيـّن القرآن للناس"([20]).
الثاني: اتّجاه تفريطي
   وعن أصحاب هذا الاتجاه، الذين سمّوا أنفسهم (القرآنيين)! - الذين أعتقد أن شـرّهم وخطرهم ليس بأقلّ من الاتجاه الأوّل علی الإسلام ومصادره، إن لم أقل إنّهم أكثر شـرّاً وضـرراً- يقول مفتي زاده: "وفي المقابل، اتّجاه التفريط بالنسبة للسنّة، المتمثّل في قولهم بالاكتفاء بالقرآن، خلافاً لما يقوله القرآن نفسه! يدّعون أنهم ـ لتبيين مسائل القرآن وموازينه ـ مستغنون عن السُنَّة تماماً. يدعون إلى نبذ عموم السُنَّة نهائياً، واعتماد العالم الإسلامي في تدبير أموره علی القرآن وحده، من غير التمسك بالسُنَّة، وهو تفريط، وغير صحيح"([21]).
    يتّضح هنا أن التهمة الملفّقة لمفتي زاده بأنه قرآني ـ أي بمعنى رفض السُنَّة ـ، باطلة، وبعيدة عن الحقيقة. بل هو من خصوم هذا الاتجاه على الإطلاق.


الثالث: الاتّجاه الوسطي
   بالنسبة لهذا الاتجاه، الذي يراه اتّجاهاً متوسطاً وصحيحاً ومنطقيّاً، يقول: "بين الاتجاهين ـ أي الاتجاهين السابقين ـ ثمّة اتجاه آخر يشترط ـ لقبول السُنَّة والاستفادة منها، أو رفضها وردّها ـ شروطاً معينة، ومنها الشـرط الأساسي الذي أشـرت إليه، وهو عبارة عن تطبيقها ومقارنتها بالقرآن"([22]).
    هذا الاتجاه الذي يؤمن به مفتي زاده ـ الاتجاه الوسطي ـ هو نفس الاتجاه الوسطي الذي سار عليه السبحاني، وخصّص له جزءاً واسعاً في عمله العظيم: (رسالة في علوم الحديث).
   والاتجاهان الآخران ـ الإفراط والتفريط ـ، لا سيّما الذين يبالغون في قبول الحديث، يرى كاك أحمد أنهم سائرون في الخطأ والبطلان. وفي ذلك يقول: "هذان الاتجاهان الآخران، ‌لو أردنا أن نتحدّث عنهما مفصّلاً، لبيان مدى بطلانهما، يطول الكلام كثيراً، لذلك أقول في بيان هذا الاتجاه الإفراطي مجملاً: حقيقة أنهم يبالغون في التمسّك بالسُنَّة،. فهناك روايات كثيرة في السُنَّة، إذا افترضنا احتسابها من الأحاديث، تقضـي على الإسلام من أساسه"([23]).
   ويضرب الدليل لموقفه هذا، فيقول  عن الاتجاه الإفراطي: "في روايات أناس يبالغون في التمسّك بالسُنَّة، سواء أكانت علی لسان النبي ﷺ، أو علی لسان أشخاص آخرين من الشخصيات الإسلامية، قبلوا كلّ ما بلغهم، وتمسّكوا به، نرى أموراّ كثيرةً، تخالف أكثر الأصول الإسلامية بداهة. هذا بديهي أنها باطلة. شيء كهذا لا يتفق مع ثوابت الإسلام وبديهيّاته، واضحٌ أنه باطل"([24]).
   ثم للردّ علی الاتّجاه الثاني يقول: "والدليل للاتجاه الآخر، وهو التفريط - وهو طعن في مكانة السُنَّة، وتقليل من أهميّتها- أيضاً يكفي دليل واحد للردّ على هؤلاء: يقول القرآن للنبـي ﷺ: فوّضنا إليك مهمّة البيان، وحسب العرض الذي قدّمنا عن الصلاة أو الإخاء، قال النبـي أشياء، لم يصرّح بها القرآن، فكيف يكون موقفنا من هذه الأمور؟، لنضـرب الآن مثلاً: لنعد إلى الصدر الأول للإسلام، إذا اُفترِضت صحة هذا الموقف من السُنَّة، بأن نقول: القرآن كافٍ، ونحن مستغنون عن أي شيء آخر من أقوال النبي، في حين إنه ﷺ يبلّغ ويقول: يجب أن يكون نظام الإخاء قائماً بين المسلمين، كلّ فقير شريك لغنيّ. فكيف يكون موقفنا؟. فإذا اُفترِض قبول هذه الفكرة الباطلة لأهل التفريط حول السُنَّة، بأن نقول: القرآن يكفينا، ونردّ ما سواه، و(حسبنا كتاب الله). فلو قلناه بهذا المعنی فهو خطأ، بمعنی أن نرفض السُنَّة، فهل يمكن نقول للنبي كلّا، لا نطيعك؟! فالقرآن لم يصـرّح بنظام الإخاء هكذا. أجل، في الأساس لا توجد في القرآن كلمة عنه هكذا، لكن هل نعارض النبـي ولا نطيعه؟! إن كانت فكرتنا كذلك، كان هناك جمع من المسلمين لا يطيعون النبي ﷺ في أموره، والقرآن يعاتبهم بشدّة، في حين إن هذه الأمور لم تذكر في القرآن، فقط قال هو: منسجم مع أسس القرآن، صادر عن النبي ﷺ"([25]).
   ثم يعود إلى موضوع منطقية هذا الموقف المعتدل الوسط، إذ يقول: "هذا هو الموقف الصحيح للإسلام، ويؤمن به أهل السُنَّة، فيقبلون السُنَّة بهذه الكيفية. وفي الحقيقة هو موقف وسطي منطقي، لا لأني مقتدٍ بالسُنَّة، بل أقوله لأن هذا هو الواقع، بل بعنوان إنسان، يقرّر من خارج، نقول: جاء نبيّ من عند الله، نقل علی لسانه أموراً، لتبيين هذا التشريع، فما هو تكليف أتباع هذا النبي؟. وبما أن هذا هو الحدّ الوسط، ليس لنا أن نقول: اقبلوا كل ما روي، ولا أن نقول: ارفضوا كلّ ما روي، هذا هو الحدّ الوسط، والحدّ الوسط في كل أمر هو المعقول. ثمّة مظنّة انحراف الإفراط والتفريط، لكن ليس في الحدّ الوسط مظنّة الانحراف، عندما كان الشـيء مطلوباً، من حيث الذات، لا أن يقال مثلاً: الإفراط في التدخين ليس مستحسناً، لكن التقليل منه أيضاً ليس بمستحسن، أو مثلاً: الحدّ الوسط في شرب الخمر! كلّا، إن كان الشيء مطلوباً، من حيث الذات، وكان الإنسان مسؤولاً عنه، فيرفض الإفراط والتفريط، والحدّ الوسط قابل للقبول دون خوف ولا تردّد"([26]).
   إذن: تبيّن لنا، أن مفتي زاده كان مع الاتجاه الوسط، في موقفه من السُنَّة، وهو: أنه لا تقبل أيّة رواية من غير البحث فيها، وعرضها علی القرآن، وعلى معايير أخری، ولا يرفض السُنَّة كلياً - كما يفعله المسمَّون بالقرآنيين- بل يری السُنَّة مبيّنة للقرآن، ويعتمد عليها في الأحكام الجزئية.


أنواع نزول الوحي إلى النبـي عند مفتي زاده
   عند مناقشة الفكرة المسمّاة بـ (بالاكتفاء بالقرآن، والاستغناء عن السُنَّة)، وعند عرض الأدلّة علی بطلان هذه الفكرة، يضيف مفتي زاده إضافة مهمة علی هذه القاعدة: (حكم الله موجود خارج القرآن أيضاً)، وهي أن مصدر معارف النبي ومعلوماته لا يحصر في وحي القرآن، بل الله تعالى يطلع نبيه ـ عن طريق مصادر أخری ـ على أحكامه وقراراته وتوجيهاته ورسالاته ليبلّغها للأمة.
   من هنا يشير مفتي زاده إلى عدّة مصادر للمعرفة، لتعليم النبي :
1. الوحي إليه عن طريق القرآن.
2.           الوحي إليه عن طريق غير القرآن.
ويقسّم ذلك إلى بعض أنواع:
1.           الوحي إليه، عن طريق رحلة الإسراء والمعراج.
2.           الوحي إليه، عن طريق الرؤيا.
3.           الوحي إليه، في حالة السهر.
4.           فهم النبي واستنباطه الخاص من القرآن الكريم. وواضح أن فهمه لیس كفهمنا.
5.       اجتهاد النبي وإقراره من قبل الله، إن كان صواباً، وتصحيحه له إن كان خطئاً، ويكون صوابه تشـريعاً للمسلمين.
لجميع ما سبق يقول مفتي زاده: "بالنظر إلى المواضيع التي قلت بها، وأشرت إليها: موضوع الإخاء، وموضوع الصلاة، والقبلة، نعلم أن النبي أوحي إليه، أكثر مما هو في صورة القرآن، وعُلّم قضايا ومسائل أخری، لكن لا بعنوان نصّوص القرآن، ولا أن تثبت في القرآن، لأن جميع ما قاله، وما بيّنه لنا، مأمور به من عند الله، بأن يكون بهذا الشكل. فإن كان كذلك، فقبوله في الحقيقة كقبول جزء من الوحي، فهل نبطل جزءاً من القرآن؟!.
   عندما يقولون: لا نريد ما قاله النبي ولا نحتاج إليه، لأن بعض ما قاله النبـيّ لم يكُن  عن اجتهاده، وإن كان بعضه اجتهاده ورأيه، لكن بعضه كان وحيّاً، إمّا عن طريق القرآن، وإمّا عن طرق أخرى، فقد أوحي إليه بلا حصـر، وتمّ تبليغه، وبيّن هو للمسلمين"([27]).
   وفي موضع آخر، يؤكّد على هذه القضيّة المهمّة، بل يعتقد: أن بعض طرق الوحي أقوى من بعضها، فهو يمثّل بالرحلة السماويّة، وملكوتية الإسراء ومعراجه، ومخاطبة النبي المباشرة ـ للمرة الأولى ـ لله تعالى. ويعتقد أن هذه المعلومات، التي تعلّمها في تلك الليلة، ربّما تفوق كلّ ما تلقّاه من المعلومات خلال ثلاث وعشرين سنة من النبوة،  حتى مع الوحي القرآني.
 في الحقيقة لا أخفي عليكم، لأول مرة يقرع سمعي مثل هذا الكلام، ولا أعلم أحداً أشار إلى هذه المسألة، قبل مفتي زاده!.
 هو يقول: "عندما أمر الله تعالى النبـيّ، في قضايا مختلفة: أن يقول لهم الصورة التفصيلية للأحكام، أو حكماً آخر، غير موجود في القرآن، لأن طرق وصول المعلومات من عند الله إلى النبـيّ كثيرة. مثلاً: إن ما حصل عليه النبـيّ في المعراج من المعلومات، ربّما لم يحصل عليه خلال ثلاث وعشرين سنة، عُرض عليه في المعراج أمور كثيرة.
 إن طرق حصول النبـي على المعلومات من عند الله في منامه وسهره لا تُحصـى، ولا تنحصر في القرآن فقط، فقد عُلِّم من غير طريق القرآن أموراً أخرى كثيرة. ثم هل يقارَن فهم النبـيّ للقرآن بفهمنا؟!"([28]).
 وفي موضع آخر يشير إلى أهمية اجتهاد النبـيّ ﷺ، ويعتقد أن اجتهاده أولى من اجتهاد غيره، كما يقول: "مثلاً: الصلاة، فقد أمر بها القرآن عموماً، فهل أفعل برأيي، أو برأيي غيري؟، أليس النبـيّ أولى من ذلك الشخص ومنّي؟. في الوقت الذي نعلم أن النبـيّ قد أوحي إليه أكثر من الوحي الموجود في القرآن، ولكن لم يكن كله بمثل هذا الوحي الخاص، بأن يبقى كدستور إلهي، وأن تبقى كلماته وجُمَله محفوظة للإنسان. وإن كانت المسألة مسألة اجتهاد، فأرى أن النبيّ هو خير مجتهد، وأفضل منّي ومنك ومن غيرك. وإن كان القرآن كافياً، لكن للمسألة الفلانية، أعتقد أن النبـي أجدر من كل أحد. وهذا كان المقصود"([29]).
   فهنا تتبيّن مكانة السُنَّة عند مفتي زاده بجلاء، على أنها جزء من هذه التعليمات والتوجيهات التي علّمها الله نبيّه، ليبلّغها لأمته.
علاوة على ذلك، يرى أن آراء رسول الله واجتهاداته أولى من غيره.
   أبعد هذا التبيين يمكن أن تُنسب تهمة رفض السُنَّة إلى رجل عظيم كمفتي زاده؟!.

ضوابط مفتي زاده لقبول الرواية عموماً
   للشيخ أحمد مفتي زاده جملة من الرسائل المكتوبة باللغة الفارسية، وجهها إلى شورى مكتب القرآن، طرح فيها وصاياه وآراءه حول مختلف القضايا الفكرية والشـرعية والسياسية والاجتماعية...إلخ، مع الإجابة لبعض الأسئلة الفقهية التي وجهت إليه من قِبل إخوة وأخوات مكتب القرآن.
   ولحسن الحظ، حُفظت هذه الرسائل وطبعت من قِبل شورى مكتب القرآن.
   في الرسالة السادسة، يجيب على بعض الأسئلة الفقهية، منها:
1.      ترقيق الحواجب، وأمثاله، للنساء، بشـرط رغبة الزوج، وحفظ حدود اللباس الإسلامي.
2.      أداء الصلاة، بقصد دعاء الاستغفار واستـنزال الرحمة الإلهية، للولد والوالدين وغيرهم.
3.      دعاء ما بعد الآذان.
4.      المقصود بالإنسان الثوري.
5.      لبس البنطلون.
 إن قصدي من هذا الموضوع هو أن مفتي زاده في بداية جواب السؤال الأوّل، يشير إشارة سريعة إلى نظره وأصوله لضوابط قبول الرواية، سواء أكانت إسلامية، أو تاريخية، ثم يجيب على هذه الأسئلة الجزئية. وهذا يبيّن لنا أن مفتي زاده - مثل السبحاني - لم يتعامل مع القضايا والمسائل بشكل جزئي، بل بشكل كلي ومبدئي.
  يقول مفتي زاده: "قبل البدء بالجواب على هذه الأسئلة، أذكركم بأنّ لديّ سابقاً عدّة أبحاث شفوية عن بعض الضوابط، لقبول أيّ رواية، سواء كانت بعيدة أو قريبة، وسواء لتقييم اللفظ، أو السند، فلهذا أكتفي الآن باختصار هذه الضوابط وعناوينها:
الأول: التعرّف والاطلاع ـ قدر المستطاع ـ على فكر وتفكّر وسلوك وأخلاق وجميع أحوال ذلك الرجل الذي نسبت إليه الرواية، وهو حضرة النبـيّ ، أو غيره.
الثاني: التعرّف والاطلاع ـ قدر المستطاع ـ على أحوال وظروف المكان المتعلّق بالرواية، ومقامها.
الثالث: معرفة القرآن ـ في حدود الاستطاعة ـ في أيّ عصـر.
الرابع: معرفة أسس الإسلام ومعاييره وأصوله، عن القضايا الدينية المهمة، وعلى الخصوص دين الإسلام، ولا سيّما ما يتعلق بأرضية مسائل الرواية، وقضاياها([30]).
   فإذا حصلت الرواية على درجة القبول، بتوافر هذه الشروط الأربعة، يأتي دور البحث في اللفظ، وهو: تقييم درجة فصاحة اللسان والبلاغة والصياغة والتركيب، ثمّ بعد كل ذلك، يأتي تقييم السند. فلو رُفضَت روايةٌ في المرحلة الأولى، أو الثانية، فلا نحتاج حينئذ العبور إلى ما بعدها من المراحل"([31]) ([32]).
   ومن الجدير بالذكر أن أقدر رجل لشرح هذه الضوابط وتفسيرها، هو الطالب المقرّب من مفتي زاده: الشهيد كاك فاروق فرساد، حيث شرح الرسالة السادسة لمفتي زاده مفصَّلاً.
   في شرح الشرط الأوّل يقول: "الصاحب القريب لمؤسّس مذهب، أو إمام، أو شيخ، كيف يعطي الحقّ لنفسه ـ تلمذة، أو اتباعاً أو تقليداً- تعيين رأي هذا الإمام أو الشيخ من غيره. شخص قريب من القرآن أو السُنَّة، يحصل على نوع من التلمذة في حضور النبـيّ، فيسمح لنفسه أن يقرّر: هذا فيه لون كلامه وعطره، أو ليس فيه. يقول كاك أحمد: من غير هذه المعرفة، ومن غير هذه الصحبة مع الموازين، لا يكون هكذا"([33]).
   ثم يشير إلى أن ابن القيم أشار إلى هذا الموضوع، قبل كاك أحمد. يقول كاك فاروق: "قد بيّن بعض العلماء هذه القضية التي قالها كاك أحمد، منهم: ابن القيم، عندما يُسأل: هل هناك طريق لمعرفة الحديث الضعيف من غير دراسة السند؟.."([34]) ثمّ يشير إلى مصدر قول ابن القيم، وهو كتاب (قواعد التحديث للقاسمي)([35]).
   من هنا أحببت ـ كعادتي ـ أن آتي بنص قول ابن القيم من كتابه، لا من كتاب غيره.
   هو يقول: "وسُئلتُ: هل يمكن معرفةُ الحديث الموضوع بضابطٍ من غير أن يُنْظَرَ في سنده؟. فقلت: هذا سؤال عظيم القدر، وإنّما يَعرفُ ذلك من تضلَّع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطتْ بدمه ولحمه، وصار له فيها ملكةٌ واختصاصٌ شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة رسول الله ﷺ  وهديه، فيما يأمر به وينهى عنه ويُخبَر عنه ويدعو إليه ويحبه ويكرهه ويشـرّعه للأمّة، بحيث كأنّه مخالط للرسول ﷺ كواحد من أصحابه الكرام. فمثل هذا يَعرف من أحوال الرسول ﷺ وهديه وكلامه وأقواله وأفعاله، وما يجوز أن يُخبَر عنه وما لا يجوز، ما لا يعرف غيره. وهذا شأن كل متَّبِعٍ مع متبوعه، فإنَّ للأخصّ به، الحريص على تتبع أقواله وأفعاله، من العلم بها والتمييز بين ما يصحُّ أن يُنسب إليه وما لا يصح، ما ليس لمن لا يكون كذلك. وهذا شأن المقلِّدين مع أئمتهم؛ يعرفون من أقوالهم ونصوصهم ومذاهبهم وأساليبهم ومشاربهم ما لا يعرفه غيرهم"([36]).
   وكذلك يقول كاك فاروق فرساد عن شـرح الشـرط الثاني: "المكان الذي تتعلّق به الرواية، إن لم يكن المرء على علم به، يمكن كثيراً أن ينسَب شيء، أو يقال، فلو كان الرجل على علم بما عليه هذا المكان من الظروف والخصوصية، ليعرف أن هذه القضية لا يمكن أن تحدث في مثل هذا المكان.
   مثلاً: واضح لو أن رجلاً على علم بتاريخ المدينة، ومعرفة بخصوصية العرب، لأن كثيراً من الروايات المنقولة كانت هناك، وقالها النبـيّ هناك، يستطيع أن يعيّن كيفية حدوث بعض الأحداث المتوجهة نحو بعض الأماكن، أو بعض الأشياء في المدينة، أو بعض العادات والأعراف بين الناس.
   ومن الفوائد المهمّة لهذا الشرط القدرة على التفريق بين هذه التطبيقات المبنيّة على العرف، والتطبيقات والتشريعات التي قالت بها السُنَّة. وهذا مهم جداً.
 من الأخطاء الظاهرة التي أصابت المحدّثين والفقهاء هي: أنهم نظروا إلى أن هناك رواية منقولة، فظن كثير منهم ـ من غير مراعاة هذه القضية ـ أن هذا الأمر أو هذا البرنامج الصادر عن النبـيّ هو وضع برنامج تشـريعي دائم، في حال لو كانوا على علم بخصوصية هؤلاء الناس وأعرافهم، لعلموا أنه تطبيق عملي لذلك الحكم الدينـي، المنسجم مع عرف أهل المدينة. وبالنتيجة لو تبدلت هذه المدينة بمكان آخر، سيُطرح تطبيق آخر، وبشكل آخر"([37]).
   وكذلك يقول كاك فاروق في شـرح الشـرط الثالث: "أن يعلم القرآن، وواضح أن معرفة القرآن لها عدّة مراتب، لكن الحدّ المطلوب هو أن يعرف المرء تفسيراً جيّداً للقرآن من أوّله إلى آخره. وقد سألت كاك أحمد مرّةً: ما المقصود من الحدّ المقدور؟، فأعطى بياناً تنبّهت من أنه يكون بتعيين أناس، لهم نوع مرجعية للناس، لا أن يدرس أحد التفسير الفلاني، فهو قد بلغ إلى الحدّ المقدور لهذا الزمان. وإني سألته، قلت: بماذا يعيّن الحدّ المقدور في كل عصـر؟ قال: إني أقيسه بمقياسي. ثم بيـّن أكثر، فكانت خلاصة الموضوع الذي انتبهت اليه هو: واضح أن كاك أحمد يؤمن بأنه في كل عصـر يتفوّق أناس، ويحصلون على حجيّة نسبية لأناس يثقون فيهم... هكذا فهمت من كلام كاك أحمد أنه يشترط تعيين هؤلاء العلماء.. هؤلاء ـ بعنوان العالم الذي حصل في ذلك الزمن علی العلم بالقرآن، في حدود القدرة البشـرية ـ إنْ أثبتوا وحدّدوا بأنّ هذا الرجل ماهر بالقرآن، وصالح لتقييم الروايات، فالحجيّة في مرجعيتهم وتعيينهم"([38]).
   وكذلك يقول كاك فاروق في شـرح الشـرط الرابع: "حين يقول: أن يكون ذا معرفة بأصول وضوابط إسلامية، خصوصاً في الروايات. فلأن كاك أحمد كان تطبيقه بناء على هذا المنطلق، تراه يأتي بأصل من أصول الإسلام، فيقول: هذه الرواية التي بنيت عليها هذه الفتوی، غير منسجمة مع هذا الأصل الإسلامي الثابت. مثلاً: سمعت من كاك أحمد ذات مرّة، عندما سألوه في درجة روايات تخبر بأن النبي أشار إلى تعيين أناس للخلافة من بعده، مثل: الإمام علي (رض)، وغيره. فقال: يقيناً كلّها غير صحيح، لأنه لا يصلح أن يكون هناك {وأمرهم شوری بينهم}، ويتدخّل النبي فيه. ماذا يعني هذا؟!. فطبّق ذلك، أي أصلاً من أصول الإسلام هو {أمرهم شوری بينهم} بالتفسير الذي قاله كاك أحمد، فيقول: فإذا اُفترِض هكذا، فليس ـ أساساً ـ من حدود صلاحيات رسول الله ﷺ، حتی يتدخل فيه"([39]).
   كذلك يعود كاك مفتي زاده - مرّة أخرى - في تفسير موضوع الكفر والإسلام، إلى قضية ضوابط قبول الرواية وتقييمها عموماً.
   مثلاً: يشير إلى رواية تاريخية للثورة العظيمة الجليلة للإمام الحسين (رض) فيقول: "الدارس للقرآن، غير المتّبع لما يقال وما يُنقل، يجعل ذلك أساسَ تفكيره،.كلّا، في أيّ مكان نقل الحدث، وكيف حصلت الروايات، في الأساس الصورة الصحیحة لفهم التاريخ جيّداً هي: أن لا يتّبع أحد أيّ نقل لوحده، بل أن ينظر إلى جميع المنقولات والمرويّات، موافقة كانت أو مخالفة، ثم تتعرف باستنباطك على القدر المشترك أو أقل منه، وهو روح القضية المتحصلة التي فهمتها، وأن تقيّم الواقعة علی أساس ذلك. فلو قـيّم المرءُ أيّة واقعة تاريخية، علی أساس النقل والروايات المتنوّعة ـ ليس واقعة بسيطة، بل أي واقعة تاريخية هامة وعظيمة بهذا الشكل ـ لارتكب خطأ"([40]).
   هذه الضوابط التي وضعها كاك أحمد لقبول الرواية، تخلّصنا من الاشتغال بدراسة كل سند و كل راو من جميع الروايات، وستوفّر لنا أوقاتاً كثيرة، علاوة على ذلك فقد نصل إلى طريق مسدود ـ مرّات كثيرة ـ عند معرفة سيرة راوٍ، لعدم توفّر أيّة معلومة عنه.

معايير مفتي زاده لقبول الحديث
   قبل أن نأتي إلى ذكر هذه الضوابط، من المستحسن أن أقول: في مسألة سيرة النـبي ﷺ أری فرقاً بين فكر مفتي زاده، وفكر ناصر السبحاني.
   يعتقد مفتي زاده: أن القرآن لم يذكر ـ خلا بعض الإشارات ـ شيئاً قــيّماً عن سيرة النبـي. كما يقول: "فلأن القرآن لا يذكر شيئاً ممّا يقوله النبـي ﷺ، إلا أن يقول ـ استثناءً ـ بعض الجُمل، أو عن حالته كيف كانت، لا يذكر موضوعاً، إلا أن يشير إشارة إلى عادة النبـي وأخلاقه ﷺ"([41]).
   لكن - كما ذكرنا- فإن السبحاني يعتقد: أن أكثر سيرة النبـي ﷺ، وسنته، موجودة في القرآن([42]). بل يعتقد -أكثر من ذلك-، فيقول: لو وجد رجل خبير، لاستطاع استنباط جميع السُنَّة، وجميع تاريخ رسول الله ﷺ، والصحابة، من القرآن"([43]).
   أما عن ضوابط مفتي زاده، لقبول الحديث، فهو يری في البداية: أنه يجب أن لا يتعجل في قبول كلّ حديث، بل يجب القيام بدراسة جديّة. يقول: "قد ثبتت المصادر الأساسية من القرآن والسُنَّة، وكذلك فإن انكشاف صحة حديث من عدمه يحتاج إلى دراسة وتتبّع علمي، من غير غرض"([44]).
   فلذلك نشير هنا، إلى ما وضعه مفتي زاده من الضوابط لقبول الحديث:
المعيار الأول: تطابق الحديث مع القرآن
   أي مقارنة الحديث، وتوافقه، وتطابقه، مع القرآن، أو عرض الحديث علی القرآن. بمعنی آخر: تفسير ودراسة صحّة الحديث وضعفه، من حيث المتن والمضمون، قبل دراسة السند.
   يتحدّث مفتي زاده عن المعايير، حسب المرتبة والترتيب، ويهتمّ اهتماماً خاصّاً بهذا المعيار، ويری: أن أعلاها عبارة عن الذي يسمّيه: (التطابق مع القرآن)
   كما يقول نفسه: "توجد مجموعة من الشـروط لكي تستطيع قبول السُنَّة، وتستفيد منها، أو لا تقبلها، وترفضها. أهم تلك الشـروط، هو الذي أشرت إليه، وهو عبارة عن: التطابق مع القرآن"([45]).
   وبنفس الصورة يسمّيه السبحاني بتعبير قريب من هذا: "توقيف العمل بالسُنَّة لحين إيجاد أصلها في القرآن"([46]).
   يعتقد ـ أي السبحاني ـ: أن هذا الشرط، نصف علم الحديث، بل نصفه الأهم، ولا أعلم هل اكتسب هذا من مفتي زاده، أو من تقاطع الاجتهاد؟([47]).
   لكن أكثر من ذلك، يعتقد مفتي زاده: أنّ تخطي هذا الضابط، وعدم الالتزام به، والعبور إلى مراحل أخری، نوع من الخيانة الدينيّة.
   كما يقول، بعد ما حكى قصته وتعامله مع القرآن: "فالبحث في الحديث، وتدريسه، من غير معرفة بالقرآن قدر المقدور، أراه خيانةً للدين. وما سمعتموه إلى الآن وقرأتموه، حول موقفي تجاه الحديث، جذور لهذا الماضي. لكن أخي العزيز، تقديم عمل علی عمل، لا يعني التقليل من شأن هذه الأعمال. أؤكّد مرة أخری: من لم يبلغ في فهم القرآن إلى القدر المناسب، فاشتغاله بالحديث، عمل غير صحيح. وآنذاك فإن اتّباعه الحديث، والإفتاء به ـ غير المواضيع المسلَّمة ـ يعدّ وقاحة تجاه رسول الإسلام ﷺ، وربّما خيانة في الدين"([48]).
   وعلی هذا الأساس، ينبّه ـ في الرسالة السادسة ـ أتباعه، ويحذّرهم من خطر الإفتاء، وخصوصاً الإفتاء بالرواية ـ إن لم يكونوا علی معرفة جيّدة بالقرآن، كما ذكره في مواضع أُخَر ـ حيث يقول: "أؤكد مرة أخری: أن لا تفتوا بالقرآن والسُنَّة، ولا تعتمدوا علی الروايات، وإلا يمكن ـ كما بيّنته من قبل ـ أن تقعوا في الافتراء على الدين، والخيانة لله والرسول ﷺ"([49]).
   وفي الرسالة الرابعة أيضاً، يبيّن هذا الموضوع أكثر، ويذكر شـروطه، فيقول: "من يريد رأيَنا، فلا أعطي أحداً إجازة الرواية المطلقة - الرواية فقط، لا الإفتاء، فهو عمل أعلی- إلا بعد الاطمئنان إلى تقواه وفهمه وقدرته العلمية بالقرآن، وعلمه بشـروط الاعتماد علی الرواية، وأن شـروطه واسعة. لأنّ الرواية وحدها - أحياناً - تتساوى مع الإفتاء بالحديث، الذي هو الاجتهاد المطلق في القضايا الفقهية، وأحياناً تتساوى بإسناد قول مخالف للدّين في القضايا الفقهيّة أو غيرها  إلى الرسول العظيم ﷺ. فهل حقّاً يرضی من يحبّ النبـي ﷺ صادقاً، بهذا الصورة من الوقاحة والمعصية والخيانة؟! لكن يمكن أن أوافق أحياناً علی الرواية المحدودة، أي رواية عدّد محدود من الأحاديث"([50]).
  أحياناً يذكر هذا الضابط الرئيسي مختصـراً، وأحياناً يذكره مفصّلاً، فمثلاً يقول في موضع مختصـراً: "لا يمكن الظن بأن كل مرويّ باسمه ـ أي النبـي ـ صادر منه، بل يجب أن نبحث فيه ونحلّله. وما جمعه أئمة الحديث لا يلزم قبوله من قبل عالم ديني من غير دراسة، بل يجب أن يكون ذا معرفة تامة بالقرآن، والقواعد الرئيسية الدينية، وأن يقيم هذا الحديث، لكي يطمئن إلى أنه من أقوال النـبـي ﷺ. فإن لم يكن مطمئناً إليه من حيث السند، ولكنه – في معناه - منسجم مع القرآن وموافق له، فهذا واضح أنه من كلام النبـي ﷺ، ويجب أن يقتدى به"([51]).
   أجل، كذلك يعتقد مفتي زاده أن القرآن كافٍ، لكن يجب أن نعلم ماذا يقصد، هل يقصد أن نهمل السُنَّة ونهجرها؟!. كما يقول نفسه: "نعم القرآن كافٍ، لكن ليس بهذا المعنی: أن نستغني عن السُنَّة، كلّا"([52]).
   فماذا يقصد من أن القرآن كافٍ؟، ما هي مكانة السُنَّة ودورها في مقابل القرآن؟، وماذا يقصد بضابط: (تطابق السُنَّة مع القرآن)؟.
 جواب كلّ هذه الأسئلة مهمّ جداً، وذو أهمية، لذا يتحدّث عنها بشكل رائع ومفصّل، ويمثّل لها. فيقول: "فوّض القرآن مهمّة التبيين إلى النبيّ ﷺ. الأصول والموازين الأساسية التي تحدّد مسار أصول العقيدة، والأخلاق، والاجتماع، وأنواع أُخر من القضايا والمسائل المتعلّقة بحياة الإنسان، هذه الأمور جاءت في القرآن، لكن كثير منها ورد بشكل غير مبين، ولم تُذكر جزئياتها، بل فُوضت إلى النبـي ﷺ، لكي يـبيـّن للمسلمين ـ بقوله وعمله ـ ما قاله القرآن من الموازين. 
   هذا هو الصحيح والمعقول في التمسك بالسُنَّة. وما كان كذلك: باقتضاء هذا التعامل الصحيح، بأن يكون مطابقاً للقرآن. نحن نعلم سابقاً المعايير الواردة في القرآن لبيان أصول الإسلام، وهو ـ القرآن ـ دليل أساسي، ثم أيّ شيء وصل إلينا باسم السُنَّة، سواء كان متعلّقاً بالأفعال أو الأقوال، يجب أن نأتي به ونطبقه أوّلاً مع القرآن... لماذا؟،  لكي نعلم هل ذلك الشيء نفسه موجود في القرآن؟. كلّا، ليست المسألة هكذا. إن كان الشـيء نفسه موجوداً بخصوصه في القرآن، فلا تحتاجون إلى السُنَّة، بل لنعلم أن هذا المنهج العام، أو الميزان والمعيار الكلي مبيَّن في القرآن، وهذا الحديث مطابق معه"([53]).
   إذن، كذلك مفتي زاده يقول: القرآن كافٍ، لكن ما المقصود من هذا التعبير؟ يبيّنه بنفسه فيقول: "يقولون: القرآن كافٍ، نعم كافٍ، لكن كيف يفسّـر معنی كفايته؟ معنی كفايته هو ما قلتُه: قد بيّن القرآن جميع الموازين الأساسية لحياة الإنسان، لكن لا يبيّن الصور الجزئية لهذه الموازين، بل فوض تبيينها إلى النبيّ ﷺ، وكثير من التبيينات موجود في أحاديثه ﷺ، التي هي لحدّ الآن جاءت بشكل موازين كليّة، ليس تبييناً للصور الجزئية، وهي ـ أي الأحاديث ـ تقتضـي التبيين مرّة أخری، وتلك مهمّة المجتهدين، لكي يبيّنوا تلك الموازين عن طريق الشوری والإجماع، أو أن يستفيدوا من موازين القرآن مباشرة"([54]).
   وكذلك يعتقد السبحاني أيضاً: "ما كان ضـروريّاً لحياة الإنسان، جميعه موجود في القرآن، إمّا بتفاصيل وجزئيات، أو علی هيئة مبادئ وقواعد كلّيّة، ثم تُرك تبيينه للنبـيّ ﷺ، ثم لأهل الاجتهاد في أيّ زمن"([55]).
  
أمثلة المعيار الأوّل: (تطبيق الحديث بجانب القرآن):
   بعد تبيين القواعد والمعايير، لقبول الحديث نظرياً، يأتي مفتي زاده إلى التطبيق العملي وضرب المثال لهذا المعيار الهام، إذ يشير في ذلك إلى عدّة أمثلة:
   المثال الأوّل: يتحدّث عن أن في القرآن الأمر بالصلاة، وذكر بعض أوقاتها، وأتت السُنَّة القولية والفعلية بتفصيلات القيام بها، بهذا الشكل والصورة الموجودة حالياً.
   يقول مفتي زاده في ذلك: "مثلاً يأمر القرآن المسلمين بإقامة الصلاة، وتشير السُنَّة إلى بعض أوقاتها في مواضع مختلفة([56]) ـ قولية كانت أو فعلية ـ فتقول لنا: ركعتان في الصبح، وأربع ركعات في الظهر، وأربع ركعات في العصر، وثلاث ركعات في المغرب، وأربع ركعات في العشاء، أقلّ الصلوات التي يجب أن يقوم بها المسلم، وأكثر من ذلك الصلوات المسنونات، سواء أكانت رواتب ما قبل الفرائض أو ما بعدها...أو ما ليست برواتب، مثل: صلاة العيدين، وصلاة التهجّد، وصلاة الضحی، أوصلوات أُخَر تعرض لأحداث مختلفة([57]). نحن عندما نری في السُنَّة مسألة عن هذه الصلوات، نری: أنها موافقة للقرآن، فماذا يعني أنها موافقة للقرآن؟، أي إن الصلاة نفسها مأمور بها في القرآن، وقيل في القرآن إنها محدّدة، وإن لها أوقاتاً محددة([58])... إذن: عندما تكون القاعدة الكليّة موجودة في القرآن، ونری أن الذي في السُنَّة مطابق لها، غير متعارض معها، نعرف ذلك بعنوان المبيِّن لهذه المسألة التي أمر بها القرآن... وبيانه ﷺ كما يقوله القرآن {لتبيّن للناس}، هو هذه الأعمال التي قام بها النبي، أو هذه الأقوال، التي قالها حول تلك المسائل. فعلی هذا نحن نعرف تكليفنا عن الصلاة، وأنه يجب أن تُقام بهذه الصورة"([59]).
   المثال الثاني: يتحدّث فيما يتعلّق بأمر القرآن بإزالة الفوارق والفواصل بين الفقراء والأغنياء، فيبيّن النبـي ذلك بالإخاء بين المهاجرين الفقراء، والأنصار الأغنياء.
   يقول مفتي زاده في ذلك: "الإخاء نظام اقتصادي، أعلنه النبـي ﷺ في مجتمع المدينة، فنقوم بتقييم ذلك، لنعلم هل يتّفق مع القرآن أم لا؟، نری: أنه موافق، ماذا يعني أنه موافق؟ أي إن القرآن ذكر الإخاء. إذن: أليس القرآن يصدر عدّة أوامر لتنظيم اقتصاد المجتمع الإسلامي، ننظر أن الاخاء هو صورة منها، لأن يتلاشى ذلك البعد والفاصلة الكبيرة في أوّل مجتمع إسلامي، هذه الصورة التي أقرّها النبي ﷺ، بأن يكون كل فقير شريكاً لكل غني، إذن لهذا يقال: إنه موافق للقرآن"([60]).
   ثم يقرّر أن هذا الأمر هو الضابط والقاعدة، مؤكّداً أن ذلك ليس مختصّاً بهذا المثال فقط، كما يقول: "هذا المقدار الذي نحصل عليه من السُنَّة، باعتبار أن السُنَّة مبيّنة للقرآن، أو أن المسألة التي قالها القرآن بيّنتها لنا السُنَّة القولية والعملية، بأنه يجب أن تقام هذه التكاليف التي قالها القرآن بهذه الصورة. وكذلك في المسائل والمواضيع الأُخَر"([61]).
   وممّا يجدر بالذكر أن مفتي زاده يقول: "هذا أهم المعايير"، يقصد: أن هذا المعيار حسب الترتيب، هو المرحلة الأولی لدراسة الحديث، فإن لم يفلح في اختبار هذا المعيار، فلا يحتاج بعده أن نشغل أنفسنا بدراسة السند والرواة.
   يقول مفتي زاده في ذلك: "نری في أحاديث النبـي ﷺ هذا الأمر، وهو: أنه لو روي شيء منّي باسم الحديث والسُنَّة، وعلمتم أنه لا ينطبق مع القرآن، فاضـربوه عرض الجدار([62]). فلا يحتاج بعد أن تبحث وتقول: لِأَعلم مَنْ رواه، كيف كان حال راويه، أو سنده، أو متنه، أو تعبيره؟، هذه الدراسات التي اختارها أئمة الحديث لعلم الحديث في حال الاعتبار بالحديث في البداية، أي أن ينطبق مع القرآن، حينذاك نحن نبحث"([63]).
   أتعجب هنا من الشيخ مفتي زاده حيث يُسند إلى النبـي ﷺ حديثاً ضعيفاً من حيث السند ـ على الأقل ـ إن لم أقل إنه موضوع ـ، هذا لا ينطبق مع ما قاله من الشـروط والضوابط!، إذ إن أحد الشروط هو: إن لم يصح الحديث من حيث السند، واتّفق معناه مع القرآن، فيصح أن يُذكر، لكن بشـرط أن لا يُصـرَّح بعزوه إلى النبـي، كما سنذكره في المعيار الثاني.
   لكن - لحسن الحظ - في موضع آخر، ينبّهنا بنفسه بأنني لو ارتكبت خطأ كهذا، فليصححه أحدكم، أو أي مسلم آخر، كما يقول: "أنا ـ بناءً على هذا الشرح المذكور، بدليل التوافق مع القرآن، وقبول المعنی، بل أهمية المعنی ـ ذكرت فيما يتعلق به ـ أثناء البحث عن الشوری ـ لكن لأن من بين عدد هذه الأحاديث لا يوجد حديث واحد أطمئن إلى صحة سنده، أتحفظ ـ كعادتي ـ من عزوه إلى النبـي ﷺ صراحة، ولو فعلت شيئاً هكذا - كاحتمال بعيد- فأنا مخطئ حقيقة، واستغفر الله، فإن اطلعتم أنتم، أو أي مسلم آخر، على مثل هذا الخطأ، فليتكرّم بإخباري، حتی أقدّم التوضيح"([64]).
المثال الثالث: حول المال والنصاب ومقدار الزكاة.
   في البداية يتحدّث عن فلسفة الإنفاق والزكاة وأمثالها في الإسلام، محدّداً غاية ذلك في الاقتصاد الإسلامي.
   وفي ذلك يقول: "في نظام الاقتصاد الإسلامي، النقطة المهمة هو الإنفاق، أي إزالة الفراغات والفواصل بين الشرائح والطبقات، كي يتلاشى وجود الطبقات. إن لنظام الاقتصاد مبادئ وأسساً، وكلّ مبدأ وضعه الإسلام، ثابت، لا يعدّل ولا يتغيّر، ولكن يمكن أن تتغيّر الأشكال وتتنوع. وهدف الاقتصاد الإسلامي، كما قلت، هو: الإنفاق. إذن: إزالة الفواصل التي يكون ملاكها الحدّ المتوسط في أي مجتمع، يحاول الاقتصاد الإسلامي لكي يتمتّع جميع أفراد أي مجتمع بالحد المتوسط. ويختلف الحد المتوسط من مجتمع لآخر، حسب اختلاف المجتمعات بعضها لبعض، ويتغيّر حسب اختلاف الزمان. لكن ملاك الحدّ المتوسط في عصـرنا هذا سهل، يتحدّد عن طريق إحصاء سكان موضع، يحسب من الدخل الموجود، مثلاً: كم هو الدخل القومي لكل فرد، وهذا في حياتنا اليوم سهل جداً. المقبول في الإسلام، هو أن يطبّق نظام الاقتصاد الإسلامي بصورة تبلغ حياة جميع الناس فيها إلى الحدّ المتوسط. ولإجراء ذلك تُطرح قضيتان: الأولى: المبادئ. الثاني: الأشكال. المبادئ ثابتة، وغير متغيّرة، لكن الأشكال تتغيّر. والمبادئ في الاقتصاد الإسلامي كثيرة، ولكن بعضها قواعد لبعض آخر"([65]).
   لكن في الحاشية الرابعة علی (أولويات الحركة الإسلامية)، صفحة (125)، وفي السطر (7)، بعد جملة: "وصنيع الرسول الكريم"، يمثّل مفتي زاده للنصوص العامة، والأحكام المتطوّرة، بالزكاة. فيقول: "خُذ ذلك مثلاً: (الزكاة)، فلم يُعيّن القرآنُ شيئاً من أركانها إلا في أصول عامة، حاصلها : )القسط)، أي الحدّ الوسط للجميع. فقرّر رسولنا الكريم ﷺ، حسب الأوضاع في مكة، وما نراه من إنفاق الأسوتين: مولانا أبي بكر الصديق، وسيدتنا خديجة الكبرى، وحسب الأحوال في أوائل عهد الحياة في المدينة (الإخاء)، ثم حسب ازدياد الجمعية، وتفسّح الجغرافية الإسلامية  ـ مع كثرة المشاكل وقلة الوسائل ـ الزكويات والنصابات ومقادير الزكاة. وكل هذه  ـ عندي ـ من المسائل الحكومية القابلة للتغيير حسب الظروف، ولكن بتطبيق تلك النصوص العامة التي تهدف جميعاً إلى مجتمع ليس فيه كنز ولا إتراف، إذن فهل يبقى إلا القسط؟. والمجال لا يسع البحث، ولكن أودّ أن أقول: كما لا ترى في خلق الرحمن من تفاوت، ولا فطور، لا تجد في أمره أيضاً من ذلك شيئاً"([66]).
   يعود مفتي زاده - في موضع آخر - إلى هذا الموضوع، ويشـرحه أكثر، ويبيّن الغاية الرئيسية للإسلام في قطاع الاقتصاد، وهي إقامة الحدّ المتوسط لعامّة الناس من غير تفريق. في حدود هذا الإطار تستطيع الحكومة الإسلامية اتخاذ الإجراءات.
   يقول مفتي زاده: "يجب أن يعرف المجتهد أن ما قاله النبـي ﷺ حول الزكاة، كان ذا علاقة بالأمور الحكومية في ذلك العصر، وإلا ليس نصاب الزكاة ما ورد، ولا الأعيان الزكوية ما وضع، ولا مقادير الزكاة هي ما عيّن، كان ذلك من أمر وقانون الحكومة الإسلامية في ذلك الزمان والمكان الخاص، ليس أيّ منها حكم دائم، كما نستطيع أن نفهم من القرآن: ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ﴾(الحشر:7).
   إقامة القسط هو: ردّ حياة الإنسان من الدرجة العليا والسفلى، إلى الحدّ المتوسط، الحياة المادية والمعنوية لأي فرد في المجتمع. أي: كما يقولون: حسب إحصاء وحساب الدخل لأي فرد في المجتمع لهذا المقدار، بحيث يعيش جميع أفراد هذا المجتمع بهذا المستوى، وبهذا المقدار، لا في حالة الأعلى والأترف، ولا في حالة الأسفل والأمرّ.
  الزكاة كانت موجودة في البداية، ولكن لم يعيّن النبـي ﷺ الأعيان الزكوية، ولا مقادير الزكاة، ولا حدودها، ولا أنصبتها.كلنا نعرف أناساً مثل خديجة الكبری وأبي بكر الصديق (رضي الله عنهما)، ونعلم أنهما كانا ينفقان كل ما لديهما من غير حدّ، لكن عندما يزداد عددهم، تحتاج الزكاة إلى نظام لتنظيم اقتصاد المسلمين، كما نری: يتم إنشاء بيت المال"([67]).
   وكذلك في موضع آخر، أثناء تقسيم الأحكام الفقهية الإسلامية، يعود إلى هذا الموضوع مرّة أخری، فيقول: "وكذلك في الأحاديث ـ التي لها جانب حكومي ـ ليست حجة ثابتة، كالأحاديث المتعلّقة بالأموال الزكوية، ومقادير الزكاة وأنصبتها، تلك متعلّقة بجزئيات تطبيق وظيفة الزكاة، في ظروف خاصة، وليس أي منها حجّة لحكومات الأزمنة المقبلة، والحجة الوحيدة اليوم هي تنظيم المستوى المتوسط لحياة كل أحد، وهو قانون قرآني دائم"([68]).
   في موضع آخر، يتحدّث حول موضوع الزكاة، ويسهب في الموضوع، فيقول: "عندما لا توجد الحكومة الإسلامية لإدارة شؤون الاقتصاد، فما واجب الزكاة؟، وبماذا نعطي الزكاة؟. في ذلك أقول مختصراً: هناك في الزكاة ثلاثة أشياء مهمّة لتعرف:
1.             الأموال الزكوية التي تخرج منها الزكاة.
2.             حدودها التي يقال لها: النصاب. أي كمية الأموال الزكوية التي يجب فيها الزكاة، وإذا قلَّت عنها لا تجب فيها الزكاة.
3.             مقدار الزكاة الذي يتم تحصيله.
   لم يعيّن القرآن شيئاً من ذلك، بل أمر بالزكاة، وتم تفويض المسؤولية إلى النبي ﷺ، وبعده إلى الشوری الإسلامية، لكي يعيّنوا هذه الثلاثة مع مرور الزمن.
 بالشكل الذي نفهمه من تاريخ الإسلام، أن النبـي ﷺ بعد المنعطف الأوّل الذي يجب تأسيسه لتنظيم الاقتصاد، فقد قام بهذا المنعطف في صورة الإخاء، ثم عيّن الزكاة في عدة أنواع من الأموال، علی نسب مختلفة.
   ونظر المذاهب الفقهية مختلف. فلذلك، ومادام وجود الذي يجب اتّباعه بعد القرآن والسُنَّة مرة أخری، وهو الشوری، غير متحقق، ومادامت الشورى لم تعيّن طريقة أخری إجماعاً: فواجب المسلمين هو تنفيذ ما تعيّن، باتّباع أيّ مذهب كان، ومراعاة ما قيل في مذهبه حول الأموال الزكوية، ومقدار النصاب، ونسبة الزكاة. وينبغي للمسلم الاحتياط، فإن راعى المقدار الأكثر ممّا قيل في المذاهب، فأمر طبيعي، وهذه وظيفة المسلم. لكن إن كان وقع إجماع، فليس تلك الأمور متعيّنة، ولا بيان الصورة النهائية من قِبل النبـي ﷺ، فقد تنبه ـ بعد الإخاء ـ إلى أن هناك أشياء في المجتمع تعدّ مصادر للثراء، سمّيت بالأموال الزكوية، وفي أيّ حدّ يصبح المرء غنياً سمّي نصاباً، وأيّ مقدار متحصّل كافٍ لكي يحقّق المساواة التي حصلت بسبب الإخاء، سمّي هذا المقدار بالزكاة.
 وهذا ليس بثابت. في مجتمعات أخری، يمكن أن تصير أشياء أُخَر إلى أموال زكوية أكثر من تلك، ويمكن أن يتغيّر النصاب. وفي الحقيقة يتغيّر، لأن مجتمع الفقير والغني مختلف، فيمكن أن يتغيّر مقدار الزكاة أيضاً، لأن أصل معيار الزكاة الذي يعيّنه القرآن، هو العفو: [وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ] (البقرة:219). والمراد ما زاد عن الحدّ المتوسط للمجتمع. فمن ملك هذا المقدار، بسبب أيّ نوع من الأموال والثروات، بأن يحسب الدخل المتوسط للمجتمع، أيْ: كم يأخذ كل فرد، لو قسّمنا جميع الثروات التي يملكها المجتمع؟، فمن ملك أكثر من ذلك، حينئذ تجب عليه الزكاة فيما زاد.
أما الآن، ففي الوقت الذي لا توجد شوری، ولا إجماع، فطريق المسلمين هو هذه الصورة فقط، التي تعيّنت في السابق، إلا أن يمتلك مسلم رشداً وإدراكاً، ويعلم أنه مالك لأكثر من الحدّ المتوسط، فيأتي به ويـخرجه في طرق مختلفة، ومن أجل خير المجتمع ومصلحته. إن لم يكن له ذلك، ليس عليه تكليف، إلا أن يعلم بنفسه أنه يملك الكثير، فيكفي أن يصـرف هذا المقدار للزكاة. فإنْ انعقدت الشوری، وأصدر الإجماع رأياً حول المسائل الثلاث، أو مسألة من مسائل الزكاة، حينئذ تجب على المسلمين إطاعة (أولي الأمر) بأمر القرآن"([69]).
   يرى مفتي زاده: أن عمل النبـي ﷺ هو القيام بوظيفة الإمامة والاجتهاد، وقد قرّره كرئيس الحكومة، وحسب أحوال عصـره وظروفه، أي إنّه ليس حكماً تشـريعياً ثابتاً، ولا عامّاً، بل بتعبير مفتي زاده نفسه، هو حكم حكومي، أو بتعبير العلماء إنه حكم سلطاني، أو بعنوان إمامة، أو رئيس الدولة، لا كنبيّ.
   وكذلك الشيخ ناصر السبحاني له نفس الرأي عن نصاب الزكاة ومقاديرها، كما أشـرنا إليه من قبل، لذلك أظن ظنّاً قوياً أنه استفاد من رأي مفتي زاده، لأن السبحاني يشير إلى أصل هذا الموضوع، أنه أخذ بعضه من علماء آخرين، من غير أن يذكر أسماءهم.
   جدير بالقول، إنّ هذه الفكرة لمفتي زاده، التي هي عبارة عن عرض السُنَّة علی القرآن، وقبولها إن كانت موافقة له، هي نفس الفكرة التي عند السبحاني، حتّی إنّه خصّص شطراً كبيراً من عمله العظيم: (رسالة في علوم الحديث) لهذه القاعدة، وتطبيقاتها. لأن السبحاني يعتقد: أن جميع ما جاء في كتب علم الحديث ـ ما خلا هذه القاعدة ـ هو نصف علم الحديث، وهذا الضابط نصفه الآخر، بل نصفه الأهم([70]).
   هنا أقول مرّة أخری: غالب ظني: أن السبحاني قد أخذ فكرته هذه من مفتي زاده، ثم شرحها أكثر. وربّما يكون ذلك ـ كاحتمال ضعيف ـ توافقاً في الرأي، وتقاطعاً في الاجتهاد!

عدم انسجام بعض الأحاديث مع القرآن
   وكما تحدّث كاك أحمد مفتي زاده، عن انسجام الحديث مع القرآن، كضابط وشـرط للعمل بالحديث، وحجيته، فإنّه يذكر - في المقابل - عكسه، أي: لا يُقبل أي حديث، ويُرفض، إنْ كان مخالفاً للقرآن.
   يقول مفتي زاده في ذلك: "أصحاب الموقف الوسط والمعتدل والصحيح عن الحديث، شرطهم الأول لإعطاء الحديث الأهميّة والقيمة، هو الذي يقولونه: يجب أن نطابقه مع القرآن، فإن كان موافقاً له، قبلناه، وعملنا به. لكن إن لم يكن منسجماً مع القرآن، ماذا يعني؟، يعني أن ينظر هل هذه المسألة ـ في الأساس ـ مخالفة لما قاله القرآن، وأن معايير القرآن شيء، وهو شيء آخر، فهذا ـ الحديث ـ مرفوض"([71]).
   لفهم هذا المصطلح أحسن، نشير إلى بعض الأمثلة، فيما ذكره مفتي زاده في مواضيع مختلفة:
المثال الأول: حديث لعن المهاجرين والأنصار مردود.
   هو يقول: "مثلاً، تری أن القرآن يقول شيئاً عن المهاجرين والأنصار، يذكر بعض صفاتهم، بعنوان جمع من أفضل الناس، وأفضل الأمّة، وأفضل شاهد وشهيد، لتجسيد صورة ذاتية وعملية من المعايير النظرية التي يبيّنها الإسلام، فنری القرآن يصف المهاجرين والأنصار بهذا الشكل، ويذكر أن الله راضٍ عنهم، وأنهم رضوا عنه. فلو رأينا حديثاً يلعن المهاجرين والأنصار، نجزم بأنه غير منسجم مع القرآن، إذن يُرفض. فعندما وضع هذا الشـرط، وانعدم الأوّل، فلا حاجة إلى الشروط التالية، فهي زائدة، لعلمك في البداية، أنه غير متوافق مع القرآن، فترميه"([72]).
المثال الثاني: الرجم.
   أي الرجم حتی الموت، كعقوبة للرجل المحصن أو المرأة المحصنة، بعد ما ثبت زناه، بشهادة أربعة شهود، أو بإقراره. هذا الموضوع من الناحية الفقهية فيه ثلاثة آراء:
   الرأي الأوّل: الرجم حكم شرعي يجب أن يُطبّق. وهذا رأي المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وكذلك الظاهرية والإمامية والزيدية والإباضية([73]).
   حتی نقل بعض العلماء، الإجماع علی هذا الموضوع، منهم: ابن المنذر، وابن بطال، والماوردي، وابن حزم، وابن عبد البر، والقاضي عياض، وابن رشد، وابن قدامة، وابن القطان، والقرطبـي، والنووي، وابن تيمية...إلخ([74]).
   وكذلك هو رأي أكثر علماء العصـر، لأنه في الندوة التشريعية الإسلامية التي عقدت في ليبيا عام (۱۹۷۳)، عندما أعلن الشيخ أبو زهرة رأيه حول الرجم، الذي كتمه في قلبه عشـرين سنة، وقال: لا أؤمن به، فأثار ضجة كثيرة، ولم يتفق معه أحد!([75]).
   وكذلك عندما شكّل البرلمان المصـري لجنة من المشـرعين والقانونيين، لغرض تحضير مشروع قانون، لتقنين الشـريعة الإسلامية، يصلون إلى هذه النتيجة، وهي أن الرجم حكم شـرعي([76]).
   الرأي الثاني: لا رجم في الشريعة، والحكم الموجود هو مائة جلدة للزاني فقط، متزوجاً كان، أو غير متزوج. وهذا رأي الخوارج والمعتزلة([77])، وكذلك رأي بعض العلماء المعاصـرين، منهم: (الشيخ محمد أبو زهرة)([78])، و(الشيخ محمد السنقور)، و(الشيخ أبو القناية)، و(الشيخ محمد البنا)، و(الدكتور مصطفی محمود)، و(الدكتور أحمد السقا)، و(الدكتور مصطفی الزلمي)([79])، وكذلك (الشيخ أحمد مفتي زاده)، و(الشيخ ناصر السبحاني)([80]).
 الرأي الثالث: أن الرجم حكم تعزيري، موكول إلى تقدير الإمام، يستعمله حسب المصلحة، وليس عقوبة ثابتة، كنفي الزاني مدة سنة عند الحنفية. وهذا رأي: الشيخ محمد شلتوت، والشيخ مصطفی الزرقا، والدكتور القرضاوي([81]).
   لا يتّسع المجال هنا لكي نأتي بأدلّة هذه الآراء ومناقشها، ونختار الرأي القوي، بل نتحدّث عن رأي كاك أحمد ودليله حول هذا الموضوع فقط، حيث يقول: "الإسلام دين الرحمة، الدين لا يسمح حتى بإيذاء الحيوانات المتوحشة المخيفة، فالرجم ليس حكماً إلهياً. في زمن بعيد جداً كانت تمارس مثل هذه الجرائم، في الأمم المختلفة، لا سيّما بين اليهود والمسيحيين، حينما كان اليهود يعيشون بجوار المسلمين في المدينة، ثم أسلم كثير منهم، وخصوصاً أحبارهم، مثل: كعب الأحبار الذي كانت آراؤه المنحرفة تتسـرّب تدريجاً إلى الإسلام، بطرق مختلفة، منها: اختلاق الحديث والرواية باسم النبـي ﷺ والأئمة والأصحاب، وإقحامها في الإسلام. سمّيت هذه الأحاديث والروايات: الإسرائيليات، وقد آمن بذلك كثير من علماء الإسلام الكبار، ويوجد الكثير منها ـ مع الأسف ـ في كتب الشيعة والسُنَّة، في حين إن المشرّع في الدين هو الله وحده، والنبـي ﷺ يعرض طريقة تطبيق هذه الأحكام فقط (السُنَّة).
 ليس لأحد ـ وحتی رسول الله ـ حقّ التشـريع في الدين {إن الحكم إلا لله}. أقول باطمئنان: إن جميع الأحاديث والروايات المتعلّقة بالرجم التي نقلت عن النبـي والأئمة وأصحاب رسول الله، كلّها كذب، ومختلق"([82]).
   ثم يضرب الدليل بعدّة آيات قرآنية فيقول: "إذن شاهدوا كيف يبيّن الله حكمه، ولا مجال للرجم والإعدام... لكن أعظم دليل علی عدم وجود الرجم هو هذه الآية: [فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب](النساء :25). فالآن أسألكم، وأسأل أئمة المذاهب: إن كان عقوبة الزاني المحصن الرجم، فماذا يعني نصف العذاب الوارد في الآية؟!، هل يمكن أن تصدر قراراً بالرجم لشخص، وقراراً بنصفه لشخص آخر؟!.
 أطلب منكم، أن تذكروا أدلتكم من القرآن وحده، وإلا فالأحاديث والروايات المتعلّقة بالرجم، سواء أكانت عند الشيعة أم عند السُنَّة، كلها مخالف للقرآن والعقل"([83]).
المثال الثالث: صفات الله والنبوة والقرآن.
   يقول مفتي زاده في ذلك: "مثلاً: لدينا من الأحاديث ما يتحدّث عن صفات الله الثابتة، بخلاف ما هو ثابت في الكتاب، وليس المراد بالكتاب: القرآن، كلا، بل بالمعنی العام من لدن آدم إلى محـمد ـ عليهم الصلاة والسلام ـ، جميع المرسلين كانوا مصـرّين علی أصل من أصول العقيدة، ولدينا من الأحاديث ما هو مخالف له.
   ولدينا من الأحاديث، ما ينفي النبوة أساساً، إذا اُفترِض أن يقول النبي ﷺ شيئاً كهذا، فقد قام بما يخالف وظيفة النبوة. أو لدينا من الأحاديث ما ينزع الأصالة من القرآن، ويُدخل الظن في القرآن، أو يجعل القرآن شيئاً كالألغاز والمعمَّيات، لا يقدر الإنسان علی فهمه، إلا جملة من المتخصصين، وذلك إبقاءً لتجارتهم...في حال إن في القرآن نفسه تذكرة مرّتين: بأن القرآن نزل بلسان عربي مبين، ليتدبّره المسلمون ويفهمونه.
وكذلك قيل: ولقد يسـرّنا القرآن للذكر، فهل من مدَّكر؟، فدرجة الإدراك لها صعود وهبوط، لكن من تعلّم اللغة العربية الفصحى، يفهم منه مسائل إلى حد ما، ويستفيد من القرآن، لكن متى زادت معرفته، زادت حدود استفادته من القرآن أكثر([84]).
المثال الرابع: نقصان عقل المرأة ودينها، وأنها مخلوقة من ضلع الرجل.
   يقدّم مقدّمة حول هذا الموضوع، ثم يرفض الروايات التي تتحدّث عن هذه المسائل، ويعدّها مخالفة للمعايير القرآنية.
هو يقول: "تعامل الذكور ـ الأبوين والأخ والزوج، وغيرهم ـ مع الإناث، لا ينسجم مع الضوابط الإسلامية إلا نادراً. لو اُفترِض أن يُبيّن جميع أخلاقهم السيئة وسلوكهم المشين، في كتاب واحد، ربّما يحتاج إلى عدّة مجلدات، إذن نشير في مكان كل ذلك إلى هذه الكذبة فقط: أن النساء (ناقصات العقل والدين)، والكذب الأوسع علی لسان أعلام الإسلام، مثلاً: في (نهج البلاغة) علی لسان علي (رض)، أتينا به ممّا هو من امتيازات التراث الثقافي قبل الإسلام، في المجتمع الجاهلي ـ ولو كان في لون دينـي ـ، مثل كثير من المعايير السيئة الأخرى، التي جاءت في الروايات، أو حتی في التفاسير، في حال إن القرآن في مقابل هذه النظرة الجاهلية، يعرِّف الرجل والمرأة بنفس واحد، لا أن المرأة خلقت من الضلع الأيسـر للرجل!"([85]).
هنا يشير مفتي زاده إلى روايتين:
۱ـ حديث رواه البخاري ومسلم، لا إشكال فيه من حيث السند([86]).
۲ـ رواية نقلت عن ابن عباس وبعض التابعين في التفاسير([87]).
  لكن مفتي زاده يرفضها، لأنه حسب المعيار الذي وضعه، وهو أن لا تخالف القرآن، فإن كانت مخالفةً ـ ولو كانت قوية السند ـ فلا تقبل، فهو يرى: أن هاتين الروايتين مخالفتان للقرآن.
المثال الخامس: النمص
   وهذا الموضوع، من المواضيع التي يختلف رأي الشيخين مفتي زاده والسبحاني فيه.
   يری السبحاني أن النمص غير جائز، وهذا الحديث الذي يذكره، فيقول: (لَعَنَ اللهُ الْوَاشِماتِ وَالْمُسْتَوْشِماتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ...) موافق لهذه القاعدة القرآنية: {فليغيّرن خلق الله}.
يقول السبحاني: "لا يصلح أن أبادر بالحكم على هذا الحديث، يجب أن أتوقّف حتّى أرجع إلى القرآن الذي يقول: ﴿فَلَيُغَيرُنَّ خَلقَ اللهِ﴾([88]). ولا أستعجل بالقول بأنه هو... بقي أن نعلم ما القصد بالخلق؟، استعمل الخلق في القرآن للباطن، للفطرة، وللقسم الخارجي، فقال عن الباطن: ﴿لا تَبدِيِلَ لِخَلقِ اللهِ﴾، إذ الفطرة منسجمة مع التوحيد فلا تفسد، والمشرِك يحارب الفطرة، ولا يغيّرها.
إذن يقصد الهيكل الظاهري، فلا يجوز أيّ تغيير في هذا الهيكل.. فصار هذا الحديث (لعن الله الواشمة..)([89]) مذكّراً بالأصل القرآني"([90]).
 لكن كاك أحمد له رأي مختلف، ففي الرسالة السادسة يتحدّث عن هذا الموضوع مفصّلاً، ويضـرب عدّة أدلة علی جوازه:
الدليل الأول: بعد تقسيم العصاة يوم القيامة، وجعلهم خمسة فئات، يقول: "من هذا البحث المقتضب، تدركون استحالة أن يلعن النبـي ﷺ غير المشـركين ـ بالوصف الذي سبق ـ، لو صدر عنه اللعن، لو كانت هناك رواية كهذه، يثبت زيف تلك الرواية، بدليل تعارضها الصريح مع المبادئ المسلَّمة... يا أصحابي: تأملوا في القرآن وتدبّروا فيه، فقد حذّرنا مراراً بشكل صريح وقطعي من ارتكاب المعاصي الكبيرة الضارّة بالفرد والمجتمع، إذن فكيف تؤمنون في رحمة (الغفور الرحيم) أن يـحرم شخصاً من المغفرة والرحمة الدائمة في القيامة، بسبب عمل، لم يأتِ ذكره في القرآن قطعاً، في حين إن مرتكب القتل والزنا ـ مع اهتمام القرآن بتلك المعاصي والتحذير منها ـ قابل للمغفرة والرحمة؟!، فأيّ سيئة أكبر من أن يبتلى شخص باللعنة، هل يصلح أن يصمت القرآن على سيئة كهذه؟، في حال ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ ﴾(التوبة:١١٥). وفي حال ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ (النحل:٨٩)، تعرفون أن الشيء يعني جميع مسائل الدين المهمة"([91]).
   الدليل الثاني: يقول مفتي زاده: "دليل آخر علی اختلاق هذه الروايات التي اعتمدوا عليها، هو تعليل حكم اللعنة بالتغيير في الخلق. أحبابي، لماذا تستهينون بمسائل الدين وتستخّفون بها إلى هذا الحد؟.
   لماذا لا تتأملون في الآية المشتملة على موضوع تغيير الخلق؟!، في هذه الآية، الشيطان بعد التوعد من أتباعه ـ وهو النصيب المفروض نفسه- بالإضلال والتمني والتبكيت، يقول: سآمرهم بالتغيير في الخلق، هذا التوعد في هذا المقام، كيف يمكن أن يشمل هذا العمل الصغير، وغير المذكور في القرآن؟!.
   هذا التغيير في الخلقة ـ الذي هو أشدّ وعيد للشيطان ـ هو نفس الخطيئة الكبيرة، التي هي الدافع الأساسي والبنية التحتية لجميع شقاوات الإنسان، فذلك غير قابل للتوبة أبداً. أي: يساوون المخلوق بالخالق في المرتبة والمقام، ويجعلون الإنسان العابد لله، عبداً للهوی، أو أي طاغوت آخر، أي: نفس الشرك الموصوف.
   حقيقةً، تفكير ساذج يجعل هذه الأعمال الخفيفة ـ أي النمص وأمثاله ـ تحت أكبر خطر للشیطان (تغيير الخلق)، يشبه خيال الشخص الذي كان يقول: أقول إنه كافر! لأنه لا يقص شواربه!. فإرضاء حقد الشيطان وانتقامه من الإنسان، الذي كان وجوده سبباً لنزع سلطة ذلك الجزء في عالمنا، منه ومن غيره([92])، فهذا هو ما يجعله: أن يقوم بالنمص؟. يا له من عدو هزيل"([93]).
  الدليل الثالث: يقول مفتي زاده: "إذا اُفترِض أن نسمّي تعديلات الجسد الداخلية والخارجية المتنوعة تغييراً للخلق، فمئات وآلاف الأعمال الصغيرة والكبيرة من العمليات وغيرها، تكون من أكبر كبائر الذنوب، وأن يعدّ ذلك أشدّ من القتل، حتى تكون تلك الأعمال مستوجبة للعن، كالشـرك الموصوف.
   أحبابي: المسألة على العكس، أي: جميع هذه الأعمال، يشملها الحكم بالإباحة الأصلية، إلا ما دلّ دليل علی تحريم بعضها"([94]).
   لا أخفي عليكم، إن تأصيل مفتي زاده لرأيه، وتفسيره لسياق الآية، قوي جداً، لكن أری أن رأي السبحاني أقوی منه، لأن الغاية من هذه اللعنة الواردة في الحديث، ليست هذه اللعنة التي تطرده من رحمة الله إلى الأبد، وتجعله كافراً، لأن النساء اللواتي يقمنَ بهذا العمل، إنما يفعلنه لزيادة التجميل (المغيّرات خلق الله للحسن).
ولأن الحديث له أصل في القرآن ـ كما يقوله السبحاني ـ واستكمل جميع ضوابط السند، فيلزمنا التمسك به احتياطاً، والله أعلم.
   حتی إن هذا الاختلاف بينهما في موضوع (تغيير الخلق)، قد انعكس علی سيمائهما، لذلك تری مفتي زاده حليق اللحية، لكن السبحاني ذو لحية كثة.
   خلاصة المعيار الأول الذي وصفه كاك أحمد بأهم المعايير وأولاها، وكذلك كاك ناصر السبحاني وصفه بنصف علوم الحديث، بل وصفه بنصفه الأهم، هو الذي يبيّنه مفتي زاده مختصراً مرة أخری: "الموقف الصحيح بين هذين الموقفين، هو أن تقبل السُنَّة باعتبارها مبيّناً للقرآن، بالصورة التي عيّنها القرآن، وأمر بها النبـي ﷺ. متى وصل إليك شيء باسم السُنَّة، أن تطبّقه مع معايير القرآن، فإن لم ينسجم معها، فارم به في البداية، ولا تبادر بالبحث عنه، واضح أنه باطل، وكلام الخونة أو البلهاء، باطل مهما كان"([95]).
المثال السادس: الغيبيات الخمسة في ختام سورة لقمان.
   أكثر العلماء والباحثين في القرآن ـ طوال التاريخ ـ عدوا هذه المواضيع الخمسة في ختام سورة لقمان من الغيبيّات، إذ يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(لقمان:34). حتی جاء في صحيح البخاري: هذه الخمسة مفاتح الغيب([96]).
   لكن مفتي زاده له رأي مختلف حولها، لا يقبل الحديث الذي ورد فيها، ولا حتی تفسير الآية بهذه الصورة.
   هو يقول: "واضحٌ أنه حدث خطأ في تسمية الأمور الواردة في الآيات بـ(الغيبيات الخمسة)، هنا تحدّثت عن الغيبيات بشكل مطلق، وذكرت خمسة غيبيات: أحدها غير متعلّق ـ أساساً ـ بمسألة العلم، بل هو مسألة القدرة والعمل، وأربعة منها مسألة علم، اثنان منهما متعلّقان بأن معرفتهما غير ممكنة للإنسان، والاثنان الآخران ليس الشأن فيهما أن يعرفه الإنسان، أو لا يعرفه... أمّا مسألة {وينزّل الغيث}، فإن الله تعالى وضع هذا القانون والنظام، بأن يكتسب هذا البخار، في هذه الظروف، تلك الحالة التي ينزل خلالها الغيث، وهذا أيضاً غير متعلّق بالعلم، وليس كذلك بحثاً عن الغيبيات. تبقی الأربعة، اثنان منها متعلّق بعلم الله، فليسا في قدرة الإنسان أصلاً أن يعرفهما، أو أن لا يعرفهما.
 يقول: {إن الله عنده علم الساعة}، أي اللحظة الأخيرة لانتهاء عمر هذا الكون، ثم البدء بالعمر مجدّداً، هذا عند الله، فهو العالم بذلك فقط. ليس المقصود اشتمال الآية على بعض الغيب الذي لا يعرفه الإنسان، ليس فيها مسألة كهذه أصلاً، نعم يعلم الله أن الناس لا يعلمون ذلك، لكن ليس هذا سياق الموضوع، الموضوع متعلّق بعلم الله. والآخر هو: {يعلم ما في الأرحام}، الله يعلم ما في الأرحام، ففي هذه المرحلة البدائية، الله أعلم بكم وبأوضاعكم وبالتغيّرات التي تأتي عليكم، من هذه المرحلة التي تبدأ من الأرض علی شكل أعشاب ومواد متنوعة، قابلة للتحوّل إلى أعشاب وحيوانات، ثم بعدها تدخل تدريجياً في وجود الإنسان، وتتحوّل إلى نطفة، وتستقر في الأرحام، وتنقل إلى الأرضية التي يجهز الطفل فيها للولادة.. الله يعلم ماذا يحدث له.. وهنا أيضاً ليس البحث في عدم علم الناس، ربما قد تظهر له هذه النكتة، أو يدرك تلك، لكن لم يُنفَ علمُ ذلك عن الإنسان، بل قيل ذلك لنا، وتم إفهامنا بأن الله عليم بأطوار حياتكم المتنوعة، التي هي مرحلة مؤقتة، إذ تقرّون في الأرحام. هنا ليس الموضوع نفي العلم عن الإنسان أصلاً. والاثنان الآخران: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾، ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾، هما نفي علم الإنسان. هذان فقط اللذان نُفيَ عنهما علم الإنسان، ولا يعرفهما، وهو: أن الإنسان لا يعلم ماذا يعمل في الغد، صحيح أنه يضع الخطط، لكنه ربما يموت في الغد، قد يضع الخطة لسنة إلى عشر سنوات، ماذا يعمل، لكن ربما بعد لحظة من ذلك يحدث أمر يمنعه من تحقق شيء من ذلك، الموت والحياة والتغيرات المتنوعة. فالعلم هنا بمعنی العلم الذي لا يتغير، ويكون حتمياً، لا يعرفه أحد، لأنه لا يعلم متى يلاقيه الموت. العلم هنا معدوم"([97]).
   كما ذكرنا من قبل، أن ناصر السبحاني له الرأي نفسه حول تفسير تلك الآيات في سورة لقمان، علی أنّ هذه الخمسة ليست كلها غيبية، لكن ثمّة فرق طفيف في تحليل وتفسير هذه الخمسة.
المعيار الثاني: البحث في سند الحديث
   بعدما اجتاز الحديث المعيار الأوّل، وظهر أنه موافق ومنسجم مع أصول القرآن من غير أن يناقضه، تأتي المرحلة الثانية، وهي البحث في سند الحديث.
   في هذا الموضوع، يقول مفتي زاده: "لا تستلزم صحة كل ما هو منسجم مع القرآن، مثلاً يُروی حديث بأن صلاة الضحی واجب ـ أقوله كمثال ـ نعم، هذا موافق للمعايير القرآنية، لأن الصلاة في القرآن هامّة جداً، لكن انسجام ذلك مع القرآن لا يستلزم القطع بصحته، ربما يكون غير صحيح.
 فبعد أن علمنا أنه منسجم مع المعايير القرآنية، نقوم بالتأكد من صحة الحديث، وتَـــتَبُّعه، لنعلم هل هو صحيح؟، هذه الرواية قالها النبـي ﷺ أم لا،  أم قاله غيره، واستكمل علی لسانه؟"([98]).
   في موضع آخر يؤكد علی ذلك، وأنه بعد تحقّق المعيار الأوّل، تبدأ دراسة السند، لأن عدم مخالفته للقرآن لا يسلتزم صحته، كما يقول: "إذا تحصَّل شخص المعيار الأوّل ـ أي الاطّلاع المناسب على القرآن ـ، فبيِّنُوا له حينئذ: أن يحصل علی المعايير الأخری، قبل تعلّم الحديث، وتعليمه، وروايته، والإفتاء به، منها هو: دراسة السند، وقولوا له: إسناد حديث إلى النبـي العظيم ﷺ من غير مراعاة المعايير، سوء أدب لحضرته، فقد نبهتكم مراراً:
   1. قد يكون الحديث غير مخالف للقرآن، لكنه أيضاً ليس من كلام النبـي ﷺ.
   2. هناك من يحقر الرواية التي لا تخالف القرآن، وذات سند قوي!.
   لكن إن كانت الرواية مخالفة للقرآن، فلا تُقبل أبداً، وإنْ كانت سالمة كاملة من حيث السند وسائر الشـروط، في حين إن الحديث الموافق للقرآن (الموافق أخصّ من غير المعارض)، وإن لم يكن له سند صحيح، فذكره من حيث المعنى، بدليل قبول معناه، لا بأس به ولا إشكال، شريطة أن لا يصـرح بعزوه إلى حضرة الرسول ﷺ"([99]).
   إذن خلاصة فكرة مفتي زاده، عن هذا المعيار هو:
1.             إذا خالف حديثٌ القرآن، فلا يُقبل بأيّ حال، ولو كان مستكملاً للسند وسائر الشروط.
2.       إذا كان الحديث موافقاً للقرآن، فلا بأس في ذكره، وإن لم يكن سنده صحيحاً، بشرط أن لا يقال: (قال النبي)، أو (يقول)، يمكن أن يُذكر بصيغة التمريض (روي، جاء في الرواية، وغير ذلك).

المعيار الثالث: تقسيم قضايا الدين إلى عقيدة وشريعة
   وإن كان مفتي زاده مع هذا الاتجاه المعتدل والوسطي، الذي يتمسّك بالحديث عموماً، ويقبله، ويعتمد عليه، إن كان موافقاً للمعايير القرآنية. لكنه لديه معيار آخر، وهو تقسيم قضايا دين الإسلام ومسائله إلى عقيدة وشريعة. وبناءً على هذا الأساس لا يمكن جعل كل حديث دليلاً لمسألةٍ متعلّقة بالعقيدة.
   كما يقول نفسه: "إن وافق  ـ أيْ الحديث ـ القرآن، فابدأ بالبحث، فإذا تبيّن لك - من جهة موازين الحديث- أنه قابل للقبول، حسب الموضوع، اذ بعض المواضيع تقتضـي أموراً يقينية، مثل قضايا العقيدة، فإن كان أضعف من اليقين قدر مثقال ذرّة، فليس له أيّ اعتبار، لكن في بعض المواضيع تكفي الأشياء الظنية، كحديث الآحاد، كالمسائل العملية، أو أن تقبله في هذه الحدود، فإن كان أضعف من ذلك فارفضه. هذا هو الرأي الصحيح والمنطقي حول السُنَّة"([100]).
   هذا التقسيم موجود أيضاً عند السبحاني، فهو يرى أن حديث الآحاد لا يقبل في قضايا العقيدة، ولكنه حجّة في قضايا الأحكام الجزئية، كما مرّ ذكره.

المعيار الرابع: قراءة الروايات واستنباط روح المسألة ومحتواها
   واضح أن هذا المعيار لمفتي زاده ـ كما يذكره نفسه ـ ليس معياراً لتقييم رواية الحديث فقط، بل هو معيار لتقييم كل رواية منقولة، سواء أكانت رواية حديث، أم رواية وقائع تاريخية، أو رواية متعلّقة بسيرة النبـي ﷺ. 
   هنا يبيّن مفتي زاده هذا الموضوع بدقّة، فيقول: "مثلاً موضوع سيرة الرسول والروايات، فقد تعامل العلماء في القرون السابقة مع هذين الموضوعين بنوع لا يوصلهم إلى نتيجة صحيحة، فارتكبوا أخطاء أساسية كثيرة. حقيقةً هو خطأ كبير لمن كان ذا خبرة واطّلاع على القرآن، لكن ـ حسب النمط الذي أطرحه ـ لو قرأوا دراسة الموافق والمخالف في أيّ شيء له علاقة بهذه الواقعة ـ مثلاً حال حضـرة النبـي ﷺ وسيرته ـ حول القضايا المختلفة، ثم استنبطوا ـ من جميع ما بقي ـ أي الروايات ـ روحاً ومغزى، لعلموا كم من هذه الروايات ـ التي جاءت في السيرة ـ صحيحة، وكم منها غير صحيحة. لكن عندما ينظر الإنسان إلى متون هذه الروايات فقط، يسقط فعلاً في بركة عكرة من الظلمة والإبهام والغموض، بحيث لا تتبيّن له الحقيقة أبداً.
حقيقة كيف كانت حال النبـي ﷺ في هذه القضايا التي ذكرت في السيرة، لوجود روايات متعارضة، ينقلها البعض بشكل، والبعض الآخر بنوع آخر، وكذلك الأحاديث، إذا اُفترِض أن كل من وجد حديثاً، يريد أن يعرف علی أساسه ماذا قال النبـي ﷺ، يصيبه انحراف كثير، انحراف بعيد تماماً عن طريق صحيح الإسلام، وهو طريق القرآن، وسنّة النبـي ﷺ - لفظية  كانت، أو فعلية، أو تقريرية- التي هي مبيّنة للقرآن، لكي يبيّن القرآن للناس. في حال لو اتّبع الإنسان هذا الطريق الذي أقترحه للسنة والحديث أيضاً، وفي أية واقعة أخری، متعلّقة بزمن مختلف ـ لا المتعلّقة بالإسلام وغير الإسلام فقط ـ مثلاً: حال معرفة الحقيقة حول الوقائع، حالية كانت أو ماضية، وحتى حول وقائع زمانك، لكي تدرك كنه الحقيقة، عليك: أن تقرأ الآراء والنظرات المختلفة بمقدار حصولك علی وجهة حقيقية وواقعية ـ ولو في إطار محدود وصغير جداً ـ حول الموضوع الذي أنت بصدد الحصول عليه، وتفهمه، ثم تقيّم جميع الأمور علی أساس هذه القاعدة، فيتبيّن لك: أيّ منه صحيح، وأيّ منه غير صحيح.
 أنت بسبب قراءة مختلفة للسيرة، تحصل علی كلّيات صحيحة وأساسية في سلوك النبـي ﷺ وحاله، فمتى حصلت عليه تحصل علی فهم جيد لما تتضمنه كتب السيرة من الصحيح وغير الصحيح، وكذلك في الأحاديث"([101]).
   يجدر بالذكر، أن هذا المنهج للتعامل مع الوقائع أمر جديد ـ على الأقل لديّ ـ، يستحق الاهتمام والدراسة، لأنه ينجينا من غربلة جميع الروايات والأسانيد، التي هي من أصعب العمليات، خصوصاً في هذا الزمان.


([1])  أظن – وإن كنت غير متيّقن- أنه يقصد ذلك العالم المفكّر والعلم الكبير لعالم الإسلامي: الشيخ جمال الدين الأفغاني، أو تلميذه: الشيخ محمد عبده، اللذان كانا قائدين لاتجاه تثقيف وصحوة الإسلاميين في العصر الجديد.
([2]) الرسائل: أحمد مفتي زاده، تدوين: شورى مديرية مكتب قرآن، القسم الثاني، غير منشور، (ص82،83).
([3]) الرسائل: أحمد مفتي زاده، القسم الثاني، (ص63).
([4]) حول كوردستان: أحمد مفتي زاده، (ص112).
([5]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية، وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان: أحمد مفتي زاده، المخطوطة المفرغة من الأشرطة.
([6]) فلسفة المحراب، ومطلب حول الشورى: أحمد مفتي زاده، انتشارات نور، تابستان، 59ش. ق:(ص7).
([7]) الرسائل: أحمد مفتي زاده، القسم الأول، (ص55).
([8]) الدعوة ومراحلها: ناصر السبحاني، (ص214).
([9]) سورة النساء: 59 .
([10]) سورة النساء: 83 .
([11]) فلسفة المحراب ومطلب حول الشورى: أحمد مفتي زاده، (ص7-9) و (ص14-15).
([12]) الكفر والإسلام، أحمد مفتي زاده، محاضرة مرئية.
([13]) يقصد مفتي زاده بأصغر القضايا الأسرية، قضية فطام الصبي الواردة في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ﴾(البقرة:٢٣٣)، ويقصد بأكبر قضية، وهي الدولة التي وردت في قوله تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ (آل‌عمران:١٥٩)، وقوله: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾(الشورى:٣٨).
([14]) الرسائل: أحمد مفتي زاده، القسم الثاني، (ص84).
([15]) حواشي أحمد مفتي زاده على مواضع من كتاب:  )أولويات الحركة الإسلامية( ، تأليف: الدكتور يوسف القرضاوي، (ص1).
([16]) الدعوة ومراحلها، ناصر السبحاني:(ص87).
([17]) كتاب الاجتهاد، كاك أحمد مفتي زاده، مخطوطة، (ص5-7).
([18]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان، أحمد مفتي زاده، المخطوطة المنقولة من الشريط.
([19]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([20]) الكفر والإسلام، أحمد مفتي زاده، محاضرة مرئية.
([21]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([22]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([23]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([24]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([25]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([26]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([27]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([28]) أشرطة السؤال والجواب، حجيّة السنة.
([29]) كيف وأين نبدأ؟، أحمد مفتي زاده، ترجمة: كامران حمه سعيد، (ص78).
([30]) وضع مفتي زاده هنا حاشية يقول فيها: (الشرطان الأخيران مختصّان بالرواية الإسلامية). الرسائل: أحمد مفتي زاده، القسم الأول، حاشية:(ص73).
([31]) وضع مفتي زاده حاشية هنا، فيقول: "يمكن أن تُقبل رواية من اختبار الشـروط الأربعة الأولى، لكنها أن تُردّ في المرحلة الثانية، فرواية مثل هذه، مُهملة، إن كانت من جهة الرواية فقط". الرسائل: أحمد مفتي زاده، القسم الأول، هامش:(ص74).
([32]) الرسائل: أحمد مفتي زاده، القسم الأول، (ص 73-74).
([33]) أشرطة شرح الرسالة السادسة: كاك فاروق فرساد، الشريط الأول.
([34]) أشرطة شرح الرسالة السادسة: كاك فاروق فرساد، الشريط الأول.
([35]) قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث: محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي )المتوفى: 1332 ه(، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ: (ص 164-165).
([36]) المنار المنيف في الصحيح والضعيف: محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، تحقيق: حسن السماعي سويدان، دار القادري، بيروت، الطبعة الأولى، 1990، (ص: 32 ، 33).
([37]) أشرطة شرح الرسالة السادسة: كاك فاروق فرساد، الشريط الأول.
([38]) أشرطة شرح الرسالة السادسة: كاك فاروق فرساد، الشريط الأول.
([39]) أشرطة شرح الرسالة السادسة: كاك فاروق فرساد، الشريط الأول.
([40]) الكفر والإسلام، أحمد مفتي زاده، محاضرة مرئية.
([41]) الكفر والإسلام، أحمد مفتي زاده، محاضرة مرئية.
([42]) رسالة في علوم الحديث: (ص24).
([43]) الدعوة ومراحلها: (ص113) أصول الفقه: ناصر السبحاني: (ص32).
([44]) حول كوردستان: أحمد مفتي زاده، (ص58).
([45]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([46]) رسالة في علوم الحديث: (ص58).
([47]) رسالة في علوم الحديث: (ص35-36).
([48]) الرسائل: أحمد مفتي زاده، القسم الثاني، (ص83).
([49]) الرسائل: أحمد مفتي زاده، القسم الأول، (ص 78ـ79).
([50]) الرسائل: أحمد مفتي زاده، القسم الأول، (ص46).
([51]) كيف وأين نبدأ؟، أحمد مفتي زاده، ترجمة: كامران حمه سعيد، (ص51).
([52]) أشرطة السؤال والجواب ـ حجيّة السنة ـ كاك أحمد مفتي زاده.
([53]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([54]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([55]) تجديدات الشيخ ناصر السبحاني في علم الحديث: د. محمود الزمناكويي، مكتبة التفسير، الطبعة الأولى، 2015، (ص16-19).
([56]) يقصد مفتي زاده بأوقات الصلاة هذه الآية: [أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا](الإسراء :٧٨). [فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ $ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ](ق:39-40).
([57]) يقصد مفتي زاده: صلاة الاستسقاء، وصلاة الخسوف والكسوف.
([58]) يقصد مفتي زاده هذه الآية: [إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا](النساء :١٠٣).
([59]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([60]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([61]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية فيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([62]) يقصد ما روي عن النبـي: (مَا أَتَاكُمْ عَنِّي فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ فَأَنَا قُلْتُهُ وَإِنْ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ فَلَمْ أَقُلْهُ أَنَا، وَكَيْفَ أُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ، وَبِهِ هَدَانِي اللَّهُ). قال عبد الرحمن بن مهدي: الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث. جامع بيان العلم وفضله: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463 ه) تحقيق: أبي الأشبال الزهيري، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1994 م (2/1191). وكذلك قال ابْنُ السَّاجِيِّ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ. الإبانة الكبرى: أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العُكْ يَرب المعروف بابن بَطَّة العكبري (المتوفى: 387 ه) حققه: رضا بن نعسان معطي، دار الراية للنشـر والتوزيع، الرياض، الطبعة الثانية، 1994م (1/266).
([63]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([64]) الرسائل: أحمد مفتي زاده، القسم الثاني، (ص 84-85).
([65]) كاك أحمد مفتي زاده: سروت عبدالله، الكتاب الثاني، (ص372،373).
([66]) حواشي أحمد مفتي زاده على مواضع من كتاب:)أولويات الحركة الإسلامية( تأليف: الدكتور يوسف القرضاوي، (ص1ـ2).
([67]) كيف ومن أين نبدأ: أحمد مفتي زاده، (ص73ـ74).
([68]) كتاب الاجتهاد: كاك أحمد مفتي زاده، مخطوطة، (ص6ـ7).
([69])أشرطة المسائل الفقهية: (الزكاة، الحج، التيمم، قصر وجمع الصلاة)، الشريط الأول.
([70]) رسالة في علوم الحديث للسبحاني (ص62).
([71]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([72]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([73]) لمعرفة هذه الآراء انظر: لا رجم في القرآن: د. مصطفى الزلمي، مطبعة الشـرق، أربيل، الطبعة الأولى، 2011، (34- 38).
([74]) لمعرفة أقوال هذه العلماء انظر: موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي، مسائل الإجماع في حد الزنا وحد القذف..: د. محمد بن معيض الشهراني، دار الهدي النبوي، مصر، الطبعة الأولى، 2014، (9/380-384).
([75]) الشيخ مصطفى الزرقا والدكتور يوسف القرضاوي، كانا حاضرين في هذه الندوة ويحكيان ذلك. انظر: فتاوی مصطفی الزرقا، اعتنی بها: مجد أحمد مكي، تقدیم: الدكتور یوسف القرضاوی، دار القلم، دمشق، الطبعة الثالثة، 2004(ص 391-395).
([76]) مشروع تقنين الشريعة الإسلامية: لجنة من علماء الدين والسياسة والقانون (ص 523).
([77]) ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع: علي بن محمد بن عبد الملك الكتامي الحميري الفاسي، أبو الحسن ابن القطان (المتوفى: 628 ه) المحقق: حسن فوزي الصعيدي، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 2004 م، (2/ 256 ). شرح الزرقاني على الموطأ: محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري الأزهري، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، الطبعة الأولى، 2003 م (4/ 222 ).
([78]) زهرة التفاسير: محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (المتوفى: 1394ه) دار الفكر العربي، مصر، بدون تاريخ (10/5141) فتاوى مصطفى الزرقا، اعتنى بها: مجد أحمد مكي، تقديم: الدكتور يوسف القرضاوي، دار القلم، دمشق، الطبعة الثالثة، 2004 (ص 391-395).
([79]) لا رجم في القرآن: د. مصطفى الزلمي (ص45)، فتاوى الشيخ محمد أبو زهرة، جمع وتحقيق: د.محمد عثمان شبير، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 2006 (ص 670-674).
([80]) تعليق كاكە أحمد مفتي زادە حول حكم الرجم، مخطوطة. أصول الفقە: ناصر السبحاني، مخطوطة، (52).
([81]) فتاوی مصطفی الزرقا، اعتنی بها: مجد أحمد مكي، (ص 392-395).
([82]) تعليق كاكە أحمد مفتی زادە حول حكم الرجم، مخطوطة.
([83]) تعليق كاك أحمد مفتي زاده على حكم الرجم، مخطوطة.
([84]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([85]) الرسائل: أحمد مفتي زاده، القسم الأول، (ص34ـ 35).
([86]) عَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ  )صلی الله علیه وسلم(  في أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلى المصُلّى، فَمَرَّ عَلى النِّسَاءِ، فَقَالَ: (يَا مَعْشر النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِن أُرِيتُكُنَّ أَكْثر أَهْلِ النَّارِ) فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ (تُكْثِرن اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ »، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ المرَأةَ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ) قُلْنَ: بَلى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، ألَيَس إذِا حَاضَتْ لمَ تصلِّ وَلم تصمْ) قلُنَ: بلى، قاَلَ: «فذلكِ مِنْ نقْصَانِ دِينهِا ». صحيح البخاري (1/68)، صحيح مسلم (1/86).
([87]) قال السیوطي: أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: خلقت المرأة من الرجل... وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك... قال: خلق حواء من آدم من ضلع الخلف وهو أسفل الأضلاع. الدر المنثور في التفسير بالمأثور (2/423).
  ([88])سورة النساء: 119 .
  ([89])يجدر بالذكر أن كاك أحمد مفتي زاده له تفسير مختلف حول هذه الآية والحديث، نذكره في موضعه.
 ([90])أصول الفقه: ناصر السبحاني، (ص15) بتصرف بسيط.
([91]) الرسائل: أحمد مفتي زاده، القسم الأول، (ص76،77).
([92]) هنا وضع مفتي زاده حاشية، فيقول: هو معنى الخلافة، بشكل، الآن أعلم أنني بيّنته لبعضكم.
([93]) الرسائل: أحمد مفتي زاده، القسم الأول(ص77،78).
([94]) الرسائل: أحمد مفتي زاده، القسم الأول(ص78).
([95]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([96]) عن ابن عمر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ(صلی الله علیه وسلم) قَالَ: مَفَاتِحُ الغَيْبِ خَمْسٌ: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنْزِلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأيّ أَرْضٍ تَموتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) صحيح البخاري (6/56).
([97]) كاك أحمد مفتي زاده: سروت عبدالله، الكتاب الثاني، مطبعة سيما، سنة 2011، (ص630،633).
([98]) معرفة الله: الشيخ ناصر السبحاني، (271-272).
([99]) الرسائل: أحمد مفتي زاده، القسم الثاني، (ص83).
([100]) الحاجة إلى السنة اللفظية والعملية، وفيما يتعلّق بالاكتفاء بالقرآن والتصوف والعرفان.
([101]) الكفر والإسلام، أحمد مفتي زاده، محاضرة مرئية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق