09‏/01‏/2020

أفكار لذوي الاعتبار من الأحرار

د. عمار وجيه
الأفكار تتزاحم في الرأس، والناس تتضجر من المقالات الطويلة، والحقيقة أن عشرات الصفحات لا تكفي للحديث عن مآلات التظاهر والاحتجاج. لذا آثرت أن أكتب مجموعة أفكار آمل أن تكون نافعة:
١. الرجولة قيمة لا يُستغنى عنها [من المؤمنين رجال صدقوا…]، [وجاء من أقصـى المدينة رجل يسعى…]، والرباط في ساحة التظاهر طلباً لامتلاك وطن وكرامة، رجولة.
٢. في كثير من مجتمعات العالم رجال أشدّاء ثاروا وخاضُوا الحروب وانتصـروا، لكن الفرق أن رجولة المؤمن مرتبطة بقيمة أبدية (الإيمان بالله واليوم الآخر)، وهي الضامن للاستمرار على العهد [من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه].

٣. الأحزاب والتيارات في الغالب بدأت بنخبة اتفقت على مطلب ديني أو دنيوي، ثم توسّعت في كسب الجماهير. التحدي في التظاهرات أنها انطلقت من جمهور ناقم على الفساد والتبعية، ويبحث عن نخبة، وعن فكر، ينقذ العراق، وهو مخاض سيحتاج إلى سنوات حتى يتبلور.
٤. المتحدّثون باسم الحراك، أو لصالحه، مختلفون فكرياً، ومن هنا ضرورة الاتفاق على برنامج وطني فيه احترام للحقوق والحريات، وأهمها حرية المعتقد للجميع بلا استثناء. وأهم مقدّس هو القرآن، الذي يمثّل كتاب ٩٨٪ من العراقيين، سنةً وشيعة، فضلاً عن مقدّسات الأقلّيات. وإلا فما الذي سيجمع عماد الخفاجي وجمعة الحلفي الشيوعيين، مع أحمد الأبيض الليبرالي، ومنتظر الزيدي الصدري، وهشام الهاشمي السلفي، إن لم يجتمع هؤلاء، وغيرهم، على [العنوان الوطني الذي يحترم الأغلبية الساحقة المسلمة]؟
٥. إذا كانت أغلب المعارضة العراقية السابقة، التي تسلمت السلطة بعد ٢٠٠٣، قد فشلت في بناء العراق الجديد، لا في المدّة التي اتكأت فيها على الغرب، ولا في التي بعدها حين مالت نحو الشـرق، فما الذي سيميّز معارضة اليوم؟ ستقولون إن معارضة اليوم من الداخل، وإن أغلب رجالها أكلوا الخبز الأسود يوم الحصار. نقول إن هذا لا يكفي، فأغلب المليشيات، والقاعدة، وداعش، قادتها أبناء الداخل و(وِلد الملحة)، و٩٩٪ من الفاسدين والمرتشين من أبناء الداخل، وممّن عاشوا الحصار، أو أبناء من عاش الحصار. الأصل: النبل، وأخلاق الرجال، وصدق النيّة [فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى. فسنيسـره لليسرى].
٦. الفاسدون والمفسدون آفة الحراك، وفاقد الشـيء لا يعطيه. وربّنا يقول [إن الله لا يصلح عمل المفسدين]، والنبي - عليه الصلاة والسلام - قال للمشـرك الذي أراد أن يقاتل معه: (تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال: فارجع فلن أستعين بمشـرك…). وبمنطق القياس مع الفارق، يجب أن يقال لمن يشارك في الحراك: تريد عراقاً يحكمه أبناؤه، ويقرّرون مصيره، ويقيم علاقات باحترام متبادل مع الدول؟ أم تريده ذيلاً لغيره؟ فإن علمتم أنه لا يفكّر باستعادة قوة العراق، بل يفكّر بمصالحه الشخصية، أو الفئوية، فقولوا إنّا لا نستعين بمن لا إرادة له.
٧. والآفة الأخرى: الاجتثاث. لأننا قبل أن نولد عشنا مع حكومات ظالمة تبعية، تجتث أبناءها لتحقيق أجندات سياسية حقيرة. فمنذ الأربعينات عاش العراق ظاهرة الاجتثاث والتغيير الديمغرافي. يهود العراق اجتثوا، والكورد هجّروا، وذوو التبعية الإيرانية ألقوا على الحدود، والشيعة اضطهدوا، والسنة وقعت عليهم كل المظالم، والتركمان، والمسيحيون، والإيزيديون، والشبك، آخر المظلومين. لذا فأهمّ ما يجب أن يميّز عراق المستقبل تغيير لغة الاجتثاث. وأكثر ما يستفزّ أصحاب النفوذ اليوم أن يأتي من يجتثهم، ويصادر أموالهم، ويخرجهم من نفوذهم، وتصدرهم للمشهد. المتظاهرون بحاجة إلى جانب عملي يؤكد أنهم عازمون على الشراكة مع الآخر. ومن يتعهد بإصلاح الفساد، لا بد أن تمنح له فرصة.
٨. مبدأ (شلع قلع) ما أريد به وجه الله. وهي فكرة شوفينية حقيرة، وساذجة. ولا بد من التمييز بين المصلح والمفسد.
٩. إشاعة العدالة الاجتماعية بين الناس، وتقديم النموذج القدوة، ونشـر الخير ومحاربة الشـر، والتشجيع على السلم الأهلي، ومحاسبة الفاسدين، وتفعيل قانون: من أين لك هذا؟، وفتح قنوات الحوار بحرّية تامّة.. هذه كلّها عوامل تعزّز ثقة الناس بالدولة، وثقة الدولة بالناس، وعندها تتلاشى المنظّمات السـرّية، ويضيق الخناق على الدولة العميقة.
١٠. مسطرة المتظاهرين والمصلحين يجب أن تكون واحدة، ومطالبهم شاملة، ويجمعها الحرية والعدالة، كي نضمن كرامة الإنسان العراقي، وتحسين فرص العمل والخدمات، وإنصاف المظلوم، والإفراج عن السجين البريء، وتعويضه، والكفّ عن ملاحقة السياسيين المعارضين، وإلغاء قانون الاجتثاث، والتوزيع العادل للثروة والسلطة.
١١. أخيراً وليس آخراً، رسالة إلى السياسيين الشيعة حصـراً، مما لا زالوا يخافون على مكتسباتهم: إنّ العدل، والتراحم، وتبنّي اللغة الحضارية (عدلتَ، فأمنتَ، فنمتَ)؛ هي الضمانات الوحيدة لبقائكم في الحكم، وأمنكم، وأمن عوائلكم، من مكر الله تعالى، فهو الحكم العدل. ولا يتصوّر أحد أنّ هناك ظلماً يختلف عن ظلم. لأن (المسطرة)، أي الميزان عند الله تعالى، واحد. فمن أدّب الشيوعيين، وأدّب البعثيين، سيؤدّب غيرهم. (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق