03‏/04‏/2022

السياسة الاقتصادية والمالية للرسول في دولة المدينة المنورة

بشار ناڤگوندى

تمهيد:

تعدُّ المدينة المنوّرة أوّل مدينة إسلامية نشأت لتكون أوّل عاصمة لأوّل دولة إسلامية كتب الله - عزّ وجلّ - لها أن تحمل راية الإسلام وتبلغه للبشرية جمعاء، وكان لا بد لهذه الدولة من عوامل تساعدها على البقاء والقوة والاستمرار، وأبرز هذه العوامل، هو العامل الاقتصادي، والعمل على توفير واردات لها لتتمكّن من البقاء أوّلاً، وتبليغ رسالة الإسلام ثانياً، وتحرير النّاس من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد.

يعدُّ الجانب الاقتصادي هو الأهم في تقوية الدولة، وبسط نفوذها على المناطق الأخرى، ويكفي دليلاً أن الله

- سبحانه وتعالى - ذكر إحدى النعم التي أنعمها على قريش، ودعاهم ليعبدوا الله شكراً عليها، وهي الإيلاف؛ حيث يقول تعالى في محكم كتابه: [لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ](سورة قريش، الآية: 1- 4)، فالخالق يبيّن لنا أنّ الأمن الغذائي يأتي حتى قبل الأمن السياسي والأمني، عندما يقول لقريش أطعمكم من جوع، ومن ثم آمنكم من خوف، فبدون وجود الغذاء لا قيمة تذكر للاعتبارات الحياتيّة الأُخرى.

مِمّا لا شكّ فيه أن ظهور دولة فتية تحمل رسالة سماوية يترأسها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بيئة بدوية وبدائية كالجزيرة العربية لم يكن حدثاً بسيطاً وبدهيّاً على المنطقة، وأصداؤه لن تكون طبيعية، خاصّة أنها تحمل تعاليم دين سماوي جديد في بيئة اعتاد سكانها - لقرون طويلة - على الوثنية، وبنوا تراثهم وحياتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية عليها، مثل هكذا مجتمع من البدهيّ أن يقاوم الدِّين الجديد الّذي سيقلب موازينهم وأسلوب حياتهم ومصالحهم رأساً على عقب. ولهذا، واجه هؤلاء أتباع هذا الدّين الجديد بكل الطرق الممكنة، مِمّا تطلبت الحاجة إلى أن يقوم المسلمون بالإعداد والتحضير المناسب لمواجهة الأخطار المحدّقة بهم وبدولتهم الفتية في المدينة المنوّرة.

كانت الإمكانات المادية والاقتصادية للمسلمين بصورة متواضعة في البداية، وذلك لكونهم (المهاجرين منهم) فقدوا أموالهم وأملاكهم في مكّة بعد مصادرتها من قبل المشركين، فوصلوا إلى المدينة المنورة منهكين ومعدومين، وعلى الرغم من أنّ الأنصار من أهل المدينة استقبلوهم، وتقاسموا أموالهم وسكنهم معهم، إلا أنّ ذلك لم يكن ليعوّضهم عن الخسائر الاقتصادية الّتي تعرضوا لها على يد المشركين في مكّة، وذلك لكون أهل المدينة من الأوس والخزرج على العموم لا يمتلكون الإمكانات الماديّة والاقتصاديّة بالمستوى المطلوب، وبساتينهم ومزارعهم بالكاد تغطي حاجاتهم الحياتيّة، فضلاً عن كونهم يعانون من الديون الّتي تراكمت عليهم من قبل اليهود الّذين يتعاملون بالرِّبا، حتّى كان الرّجل منهم يضطرّ - أحياناً - أنْ يتنازل عن أرضه الزراعيّة للدّائن بعد أن يعجز عن الالتزام بإيفاء ديونه في الوقت المطلوب، كلّ هذه المشكلات والمصاعب الاقتصاديّة كانت تحديّات تواجه الدولة الإسلامية الوليدة في المدينة المنوّرة بقيادة الرّسول محمّد (صلى الله عليه وسلم)، ولكن سنرى - في متن هذا البحث - كيف أنّ القيادة الرّشيدة للدولة استطاعت تنويع واردات الدّولة بطرق شتّى، فضلاً عن انفتاح آفاق ومستجدّات جديدة أمام المسلمين أسهمت - وبشَكْل كبير - في زيادة الواردات الماليّة والاقتصاديّة الّتي أدّت إلى تحسن معيشتهم، وارتفاع المستوى الاقتصاديّ للدّولة، وبالتالي المساهمة في زيادة نشاطات الغزو والدِّفاع عن الأرض ومحاربة الأعداء.

 

أولاً: الحياة الاقتصادية للمدينة المنورة (يثرب)، قبل ظهور الإسلام:

مدينة يثرب قبل الإسلام، حالها كحال كُلّ المدن والحواضر البشريّة الموجودة في ذلك الزّمان، اجتمع فيها مجموعة من البشر، فتكوّن مجتمعٌ، وظهرت حاجتهم كبشر إلى طعامٍ ومَلْبس ومَسْكن. وكما يقول ابن خلدون إنّه لا بُدّ من الاجتماع الإنسانيّ فهو ضروري، أي لا بُدّ من الاجتماع الّذي هو المدينة في اصطلاحهم"(1)، وهو معنى العمران، وبيانه أنّ الله - سبحانه - خلق الإنسان وركّبه على صورة لا يَصِحّ حياتها وبقاؤها إلا بالغذاء، وهداه إلى التماسه بفطرته، وبما ركّب فيه من القُدْرة على تحصيله، إلا أنّ قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء، غير موفيه له بمادّة حياته منه، ولو فرضنا منه أقلّ ما يمكن فرضه، وهو قوت يوم من الحنطة مثلاً، فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن والعجن والطبخ، وكل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين وآلات لا تَتِمّ إلا بصناعاتٍ متعدّدة؛ من حدّاد، ونجّار، وفاخوري"(2).

تألّف مجتمع المدينة من الأوس والخزرج في بداية وجودهم تحت رحمـة اليهود، وحتى بعد أن استعانوا بالعرب من شمال الجزيرة العربية"(3)، وسيطر اليهود على أسواق المدينة، وذلك من خلال معاملات الاستدانة، حيث تـمّ استغلالها شرّ استغلال حتى يضطر أصحاب المزارع إلى بيع ثمارهم مزابنة ومحاقلة، مِمّا يزيد من ثراء اليهود وخسارة الفقراء، حتّى يضطرّوا أحياناً لبيع أراضيهم للأغنياء من اليهود وفاءً لديونهم"(4).

وقد حاول العرب التخلّص من بسط اليهود سيطرتهم عليهم، حتى بعد أن استعانوا بالعرب من شمال الجزيرة العربية وقهروا اليهود، إلا أنّ اليهود ظلّوا مسيطرين على موارد الثروة الزراعيّة والصّناعة والتِّجارة"(5).

قامت في (يثرب) - على الرّغم من اعتمادهم على الزراعة، وخاصّةً النخيل - بعض الصِّناعات الّتي تعتمد على الإنتاج الزراعي، مثل صناعة الخمور من التمر، وصناعة المكاتل، والقفف، من سعف النخل، والنِّجارة؛ من شجرة الطرفاء والإثل، وهو شجر يكثر غابه في (يثرب). كما اشتهرت (يثرب) بصناعة التُحَف المصنوعة من المعادن؛ كالحلي وأدوات الزّينة، وبصناعة الأسلحة والدروع، وخاصّة اليهود"(6).

والمتصفح لكتاب الله الكريم يرى أنّ فيه أسماءً لبعض تلك الصِّناعات؛ كالقدور والجفان والأرائك والأباريق وغيرها، مِمّا يُوحي بأنّ مدلولاتِها يفهمها العربيّ، ويتصوّرها"(7).

وأهل المدينة ارتبطوا بأرضهم، وزاولوا الزِّراعة، وكانت لهم أُمّاً ومصدراً للحياة، وتكوّنت ثقافتهم وحياتهم الاجتماعيّة، فورثوا الشجاعة والوفاء، وحُسن المعيشة والمسكن وحُسن الجوار، من أرضهم الطيِّبة الّتي سكنوا فيها. وليس هناك أجمل من وصف (ول ديو رانت)، في (قصة الحضارة)، لموضوع ارتباط ثقافة الإنسان بالزراعة والأرض؛ فيقول: إنّ الثقافة ترتبطُ بالزِّراعة كما ترتبطُ المدنيّة بالمدينة، إنّ المدنية في وجهٍ من وجُوهها هي رِقّة المعاملة، ورِقّة المعاملة هي ذلك الضَّرْب من السلُوك المهذّب الّذي هو في رأي أهل المدن من خصائص المدينة وحدها"(8). هذه الطّبيعة الّتي تحلّى بها أهل يثرب، وطبيعة تكوينهم النفسي والحضاري؛ هو الّذي أدّى إلى أنْ يتحمّلوا واجب استقبال المسلمين المهاجرين إليهم القادمين من (مكّة)، واستقبال النبـي محمّد - عليه الصّلاة والسّلام -، لتكون مدينتهم التي سُمّيت مدينة رسول الله أو المدينة المنوّرة، منطلقاً نحو فتح العالَم.

 ثانياً: المدينة المنوّرة أوّل مدينة إسلامية بعد الهجرة النبوية الشريفة:

تعتبر هجرة الرّسول محمّد (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة المنوّرة حادثة مفصليّة حاسمة في حياةِ هذه المدينة وتاريخها، فقد دخلتِ التّاريخ الإنساني من أوسع أبوابه، حيث احتضنت خير البرية وأصحابه، واتخذت عاصمة لأوّل دولة إسلامية شاء الخالق - عزّ وجلّ - أن تكون منطلقاً لتغيير وجه البشريّة جمعاء نحو الأفضل. إذن، فبهجرة نبـي الرّحمة - عليه أفضل الصّلاة والتّسليم - إلى المدينة، وبناء المسجد، وإصدار الوثيقة، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، باتت هذه المدينة أوّل مدينة إسلاميّة واضحة المعالم، وصريحة السِّمات، وأوّل عاصمة لأوّل دولة إسلاميّة.. حيث أمر - عليه الصّلاة والسّلام - فور وصوله ببناء مسجد، ونزل على أبي أيوب الأنصاري، حتى بنى مسجده، ومساكنه، وعمل فيه ليرغب المسلمين في العمل فيه، فعمل المهاجرون والأنصار ودأبوا فيه"(9). قال ابن إسحاق: وكتب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادع فيه اليهود، وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم، واشترط عليهم، وآخى سول الله (صلى الله عليه وسلم) بين أصحابه المهاجرين والأنصار"(10).

وكانت أرض المدينة تكثر فيها الأوبئة، وخاصّة الحمى، حيث يروي البلاذري عن أمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أنّه لما هاجر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة، مرض المسلمون بها، فكان مِمّن اشتدّ به مرضه أبو بكر وبلال وعامر بن فهيرة"(11)، فأخبر النبـيّ (صلى الله عليه وسلم) بذلك، فقال: اللهُمَّ طيِّب لنا المدينة كما طيّبت لنا مكّة، وبارك لنا في مدها وصاعها"(12)، واستجاب الله - عزّ وجلّ - لدعاء نبيّه الكريم، فصلحت أجواء المدينة، وزادت البركة فيها، وبدأت المدينة تلعب دورها كأوّل مدينة إسلاميّة تحتضن الإسلام، وأوّل عاصمة إسلامية لدولة الرّسول محمّد (صلى الله عليه وسلم)، وخاصّة بعد أن بدأت أُسس مجتمع جديد تظهر، وهو المجتمع الإسلاميّ، وبالتالي الدّولة الإسلاميّة.. هذه الدولة الّتي ستصل حدودها، في بعض مراحل حياة أصحابه، إلى تخوم الصين شرقاً، وتخوم القسطنطينية غرباً.

وقد أرّخ المسلمون هجرة الرّسول - عليه الصّلاة والسّلام - لتكون تقويماً وتاريخاً للمسلمين، حيث يذكر ابن الاثير أنّ أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر بن الخطاب: إنّه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ. فجمع عمر الناس للمشورة؛ فقال بعضهم: أرّخ لمبعث النبـيّ (صلى الله عليه وسلم)، وقال بعضهم: لمهاجرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال عمر: بل نؤرّخ لهاجرة رسول الله، فإنّ مهاجرته فرق بين الحق والباطل(13).

ثالثاً: النَّشاط الاقتصادي للمدينة المنوّرة، في بداية تأسيس الدّولة الإسلاميّة:

تنوّعت أبواب وجوانب النشاط الاقتصادي لسكان المدينة المنوّرة بداية هجرة الرّسول (صلى الله عليه وسلم) والمسلمين المهاجرين من مكّة إليها، فهي - كالحظائر العربيّة الأُخرى، في شبه الجزيرة العربيّة حينذاك - تنوّعت نشاطات أهلها الاقتصاديّة، إلا أنّ هذه المدينة اتّصفت بتواضع وارداتها، ومداخيل أهلها الماليّة والاقتصاديّة، بصورة عامّة، بالمقارنة مع مدن العالم وقتها، وهذا يعود إلى أسباب موضوعية وطبيعية كثيرة، سنأتي عليها، ونقف عندها في هذا البحث. فالنَّشاطاتُ الاقتصاديّة بصُورةٍ رئيسة قدِ انقسمتْ كالآتي:

1- الزِّراعة: كانتِ الزِّراعة في ذلك العصر عماد الحياة الاقتصاديّة للمجتمعات كافّة، ولا زراعة بدون وجود الماء الكافي. وكانت أرض المدينة المنوّرة تتمتّع بالمياه المستخرجة من الآبار القريبة، ويبدو أنّ الآبار عندهم كانت مدعاة للفخر، وقد زاد وجود الحرار بها من خصوبتها، بالإضافة إلى كثرة الأودية فيها. واشتغل معظم سكان المدينة بالزِّراعة، وكان الغالب على أهل المدينة؛ العمل في حوائطهم وأموالهم بأنفسهم، فلم يكن لغيرهم معهم فضل كبير في العمل"(14). واشتهرت بزراعة النّخيل وجودة محصوله. ولما قدم رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) المدينة، حاول الأنصار أن يشركوا المهاجرين في الزِّراعة، فيذكر البخاري قول الأنصار للنبـيّ (صلى الله عليه وسلم): يا رسُولَ الله، اقسم بيننا وبين إخواننا النّخيل؛ قال: لا. وقال (صلى الله عليه وسلم): (تكفونا المؤونة، ونشرككم في التمر)، قالوا: سمعنا وأطعنا"(15).

 ومن أشهر حاصلات يثرب الزِّراعية التمر والشعير، فضلاً عن القمح والعنب والرُمّان والليمون والقاوون والبقول وبعض الخضروات، كالقرع والبصل والثوم والقثاء، كما اشتهرت يثرب بكثرة حدائقها وأشجارها، ومن أهمِّها حديقة جابر بن عبدالله، وحائط ابن النجّار، وحائط الشوط والمخراف لسعد بن عبّادة، وحائط أبي سعيد الخدري. وذكرت المصادر أنّ النبـي أقطع بعض أصحابه أرضاً كي تستعمل في الزِّراعة، واستطاع بهذه الإدارة الحكيمة أنْ يُحقِّق الأهداف مجتمعة، ولكن في كل الحالات لم يقطع النبـي أحداً حقاً لمسلم، أو جماعة"(16).

2- الصناعة: على الرّغم من أنّ البشرية لم تكن بمستوى متقدّم في المجال الصناعي، إلا أنّها مع ذلك، وفي كل عصر من العصور، كانت بعض الصِّناعات الضروريّة تنتشر بين الشعوب، على الرّغم من بساطتها وبدائيتها إذا ما قورنت بالصِّناعات المتطوّرة الّتي ظهرت في القرون الأخيرة. ومجتمعات العرب في ذلك العصر، حالها كحال المجتمعات الأُخرى، نالت حِصّتها من بعض الصِّناعات اليدويّة الضروريّة في تسيير الحياة اليوميّة وقتذاك، وكانت الصِّناعات الحربيّة والأسلحة على العموم تأخذ دائماً حصة الأسد من اهتمام النّاس، نظراً لطبيعة الحياة حينها القائمة على حكم القويّ على الضّعيف وسيطرة الأقوياء على مقدرات الضُّعفاء وأملاكهم بل وحتّى حياتهم، لذلك كان هاجس الدِّفاع عن النّفس والحماية هو المسيطر على إنسان ذلك العصر، لذلك نرى أنّ الرسول محمّد (صلى الله عليه وسلم) اهتمّ بالصِّناعة عموماً، وشجّع المسلمين عليها، فتعلّم بعضهم صناعة السّيوف بالمدينة، كما ابتعث من يتعلّم صناعة المجانيق والدبّابات بجرش باليمن"(17)، كما أنّ النساء لعبن دوراً متميّزاً في النَّشاط الاقتصاديّ، وساندن الرِّجال في البناء والإنتاج. فالمرأة - بعد ظهور الإسلام - أصبحت عنصراً فعّالاً في المجتمع، ومُشارِكاً حقيقيّاً للرّجل في مجالاتِ الحياة كافّة، وقد أفسح المجتمع المسلم للمرأة المجال على مصراعيه؛ لتدخل في المشاركة الفعليّة في الحياة حتّى في الحروب أيضاً، بعد أن كانت مُهمّشة في العصر الجاهليّ. فقد مارستِ النِّساء المسلمات في صناعة الغزل والنسيج، ففيما يروى أنّ نساء المسلمين كُنّ يتركن المغزل حتّى يخرجن في الحروب"(18). وبذلك كانت المرأة في العهد الإسلامي الوليد عنصراً مُشارِكاً في بناء المجتمع، إضافة إلى ذلك تذكر المصادر التاريخيّة والفقهيّة والجغرافيّة المبكِّرة بعض الصِّناعات والأدوات الّتي كانت شائعة ومستعملة في زمن الرّسول (صلى الله عليه وسلم)، فمثلاً الآلات الّتي حفروا بها الخندق، تمثل صناعة معدنية بسيطة، وهي المساحي والكرازين والفؤوس والمكاتل، وهي مستعارة مـن بني قريضة، لأنها صناعتهم"(19).

ومن الصِّناعات الّتي كانت سائدة حينها: صناعة المنتوجات الجلديّة؛ كالأحذية، وأوعية المياه، والأواني الفخارية، والحجرية، والنحاسية والفضية، ومن الأواني المصنّعة والمستخدمة حينها القصعة والقداح من الخشب أو الحجارة، والمغتسل من النحاس، والصاع؛ ويستخدم للكيل، والثور؛ وهو يشبه الطست، وكذلك الأواني الفخارية المطلية"(20). وهناك بعض الصِّناعات اليدويّة الّتي نشأت نتيجة للحركة الزِّراعية؛ مثل صناعة المكاييل؛ كالصاع والمد، من الخشب، وكذلك بعض أواني الشراب والطعام، وأساسات البيوت؛ كالأبواب وأعمدة السقوف، من خشب النخيل. وقد صنعوا منبر الرّسول (صلى الله عليه وسلم)، واختلف المؤرّخون فيمن صنعه: أهو غلام العبّاس، كما أورده ابن سعد؟"(21).

3- الرّعي: كان قطاع الرّعي من القطاعات الاقتصاديّة المهمّة والرّئيسة، الّتي تمدّ حياة المسلمين بالواردات المطلوبة؛ لتسيير أمور الحياة والمجتمع والدّولة. فطبيعة المجتمع المديني، والبيئة والمناخ المناسب، تؤدّي إلى انتشار مراعي خصبة وجيّدة للماشية والبغال والحمير والأحصنة والجمال الّتي يمتلكها المسلمون، وتعدّ العمود الفقري للاقتصاد القائم، وعصب قطاع النقل في التِّجارة والحروب والغزوات.

 وكان للرّعي مكانة خاصّة في قلوب المسلمين، والنبـي (صلى الله عليه وسلم) كان راعياً، حيث يذكر ابنُ سعد في الطّبقات الحديث النبوي الشّريف حيث يقول - عليه الصّلاة والسّلام -: (ما من نبـي إلا قد رعى الغنم، قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا)"(22)، وليس خافياً على أحد حجم محبّة المسلمين؛ من المهاجرين والأنصار، للنبـي (صلى الله عليه وسلم) وتقديسهم لسيرته وحياته، قُربة لله، فهم الفئة الّتي رضي الله عنهم ورضوا عنه، وهم الّذين سيماهم في وجوههم من أثر السجود، وهم الأشدّاء على الكُفّار الرُّحماء بينهم. ومن الطبيعي من هذا الجيل العظيم أن يحترم مهنة نبيّهم، وهي الرّعي، وأن يهتمّوا بها أشدّ الاهتمام، ويرجوا البركة، وهو ما ينعكس تلقائياً على تقوية جانب من الجوانب الاقتصادية والمادية المهمّة للمجتمع الإسلاميّ.

 كان أهلُ المدينة مزارعين، ولهم باع في الرّعي أيضاً، وقد شاع قبل ظهور الإسلام مفهوم الحمى عند العرب، وهو عبارة عن أرض موات يحتكرها أفراد أقوياء - غالباً ما كانوا رؤساء قبائل - لأنفسهم، ولا يسمحون للآخرين بالرّعي فيها، وقد أبطل الإسلام الحمى الخاص بالقبائل أو الأفراد، وأبقى الحمى العام، الّذي هو عبارة عن قيام الدّولة بحجز جزء من الأرض لترعى فيه الماشية الّتي تخصُّ جماعة المسلمين. وقد حمى الرّسول (صلى الله عليه وسلم) النقيع، بالقُرب من المدينة، لخيل المسلمين"(23).

ومن اللّطيف هنا أن نذكر بعض أسماء خيل النبـي - (صلى الله عليه وسلم)كما أورده ابن الأثير في الكامل، لنُدرك أهميّة وجود المراعي للحيوانات الأليفة الّتي كان المسلمون يربونها، ويستفيدون منها في مأكلهم ومشربهم ومطعمهم ومركبهم، حيث يذكر ابن الأثير أنّ أوّل فرس اشتراه النبـي (صلى الله عليه وسلم) بالمدينة من إعرابي من (فزارة) بعشر أواق، وسماه السكب،"(24)، وكان له فرس آخر يدعى المرتجز، وأفراس ثلاثة أخرى (لزاز والظرب واللحيف)، وفرس آخر يقال له الورد، وفرس آخر اسمه اليعسوب. ويذكر ابن الأثير أيضاً بغال النبـي - عليه الصّلاة والسّلام -، وحميره، وإبله، فأوّلها دلدل، وهي أول بغلة رؤيت في الإسلام، وحمار اسمه عفير، وإبله فالقصواء هي الأشهر. وأما لقاحه، فكانت له عشرون لقحة بالغابة، ومنائحه فكانت سبع منائح من الغنم: عجوة، وزمزم، وسقيا، وورسة، وأطلال، وأطراف، وسبع أعنز يرعاهن أيمن بن أمِّ أيمن"(25).

   4- التجارة: تُعدّ التِّجارة إحدى أبرز النَّشاطات الاقتصاديّة في الجزيرة العربية بصُورةٍ عامّة، ومكّة والمدينة بصُورةٍ خاصّة، خصوصاً بعد هجرة المسلمين من مكّة إلى المدينة المنوّرة، وتأسيس أوّل دولة لهم. وقد أباح القرآن الكريم التِّجارة بقوله: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ](26)، ولم يكن المسلمون المهاجرون الّذين وفدوا إلى المدينة المنوّرة، بعد تركهم لمكّة، قليلي خبرة في الجانب التجاري، فهم كانوا متمرّسين جدّاً في العمل التجاري؛ نظراً لطبيعة موقع مدينة مكّة الجغرافي، ومساهمة هذا الموقع في ازدهار تجارة أهله. لذلك عندما وصل المهاجرون إلى المدينة المنوّرة كانوا جلبوا معهم خبرات ممتازة من فنون العمل التجاري، لذلك نرى أنّ عدداً غير قليل من التجّار الأذكياء (كالصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف، وأبي بكر الصدّيق) زاحم اليهود من سكّان المدينة، وهم الّذين كانوا روّاد أسواق المدينة تجارياً حينذاك، وكانوا يسيطرون على كلّ الجوانب الاقتصاديّة في سوق المدينة، وكادوا ينتزعون منهم السيادة الاقتصاديّة. فلم يطق هؤلاء صبراً، فعكفوا على الكيد للإسلام ومقاومته سِرّاً(27). وكان من الطبيعي لرجال على هذا المستوى من التمرّس التجاري أن يُدرِكوا أهمية أن تكون لهم سوق خاصة بهم يستطيعون السيطرة عليها، ويبتعدون عن تلاعب الغير بأسعار ومجريات السوق. لذلك نرى أنه لم تقف همّة المهاجرين المكيِّين عند حدِّ تعاطي التِّجارة، بل أنشأوا لهم سوقاً تجارية خاصّة بهم، إلى جانب سوق بني قينقاع (سوق المدينة الأكبر)، وبلغ شِدّة اعتماد التجّار المسلمين على أنفسهم في مثال عبدالرحمن بن عوف، حينما قال لأخيه سعد بن ربيع الأنصاري، عندما سأله عن المساعدة الّتي يقترح عليه أن يسديها إليه: (دلني على السوق)! وقد جنى عبدالرحمن أرباحاً كثيرة من اشتغاله بالتِّجارة(28). وهذا ليس غريباً على جيل الدعوة في مكّة، والجيل الّذي تربّى على يد خير الأنام رسول آخر الزمان، الّذي أرسله الخالق إلى البشريّة جمعاء هادياً ونذيراً، لذلك نرى أنّ جيل الصّحابة استطاع في وقتٍ قياسي، وبقيادة النبـي - عليه الصّلاة والسّلام - أن يُشكّل مجتمعاً قوياً متماسكاً ذا أرضيّة اقتصاديّة متينة، استندت عليه الدّولة الجديدة حتّى قويت، وصارت إمبراطوريّة تمتدّ لأصقاع الأرض شرقاً وغرباً.

وكانت التِّجارة الداخلية والخارجية نشطة في عهد الرّسول (صلى الله عليه وسلم)، واشتغل المسلمون بالتِّجارة الخارجية مع الشام واليمن (كما تذكر المصادر)، وهاتانِ الوجهتانِ كانتا معروفتين في تلك الفترة. فاليمن كانت مركزاً لنقل البضائع الواردة من الهند، ونقلها من قبل تجار الجزيرة العربية إلى الشام، حيث حضائر الإمبراطورية والبوابة نحو الغرب. لذلك كان موقع المدينة المنوّرة مناسباً جغرافياً ليلعب تجّارها دوراً في نقل البضائع من الجنوب نحو الشمال، وبالعكس، فكانت مورداً مهمّاً للمسلمين ولدولتهم.

وكانت السِّلع المتنوّعة ترد إلى المدينة المنوّرة؛ من الثياب والمنتوجات الزراعيّة والتمور والسِّلاح والعطور، كالمسك والحيوانات، وأهمّها الإبل وغيرها.. وقد اشترى الرّسول (صلى الله عليه وسلم)، إضافة إلى ما ذكرناه سابقاً - بعيراً من عمر، ومن جابر بعيراً، واشترى شاة من مشرك، ومن يهودي طعاماً بنسيئة(29). وظلّت التِّجارة من أبرز نشاطات المسلمين التجارية، والوريد الّذي يمدّ الدولة الإسلاميّة بما تحتاجه من وارداتٍ لتسيير أمورها المتعدِّدة.

الفصل الثاني:

 أوّلاً: العملة المتداولة في دولة المدينة المنوّرة الإسلاميّة:

تُعدُّ العملة من الاختراعات الغريبة العجيبة الّتي أوجدها الإنسان على مرِّ العصور، فقد قلبت نظامه الاقتصادي رأساً على عقب، ومهّدت الطّريق لخلق نظام اقتصادي جديد ومُغاير تماماً لما قبله، حيث كان التبادل التجاري يقوم على نظام المقايضة، أي استبدال البضاعة ببضاعة أُخرى. أما العملة، فقد نظمت النظام التجاري والتبادل الاقتصادي بصورة مختلفة تماماً، لذلك أنا اعتبر اختراع العملة وإيجادها كنظام للبيع والشراء والتبادل التجاري من أهمِّ الاختراعات البشرية القديمة في الجانب الاقتصادي على الإطلاق. ويذكر ابن خلدون، في مقدّمته، تعريفاً للعملة أو السكة يفيد أنّ السكة هي الختم على الدنانير والدّراهم المتعامل بها بين البشر بطابع من حديد تنقش فيه الصور أو الكلمات المطلوبة بطريقةٍ خاصّة(30). وقد تعامل الرّسول (صلى الله عليه وسلم) مع العملة على نهج الإسلام في الإفادة من الحضارات السابقة، فقد أقرّ النقود على ما كانت عليه، وتعامل بهذه النقود، حيث زوّج ابنته فاطمة لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بصداق قيمته 480 دِرْهماً، وفرض الرّسول زكاة الأموال بهذه النقود(31). وكانت الدنانير البيزنطية أوّلاً، والدَّراهم الساسانية ثانياً، هي المتداولة، وتجلب مع رجال القوافل التجارية إلى الحجاز من الشام والعراق(32). وظلّ المسلمون يتعاملون بهذه العملات في تجارتهم ومعاملاتهم وتعاقداتهم في زمن الرّسول (صلى الله عليه وسلم)، ولكن نظراً لاتساع دائرة العالم الإسلامي، ولوجود الحاجة إلى نقود كثيرة، وأيضاً وجود شعارات مسيحية أو فارسية تخالف العقيدة الإسلاميّة على هذه النقود، شعر المسلمون بضرورة إنشاء دور لسكّ العملة الخاصة بهم، فأمر الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ببناء دار لسكّ العملة الفارسيّة في طابع فارسي كي ينقش عليها (لا إله إلا الله محمّد رسول الله)(33).

ثانياً: موارد الدولة في عهد الرّسول:

1- الغنائم: هو المال الّذي يظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر من الكُفّار، وخمسه لله وللرّسول وذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، لقوله تعالى: [وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ](الأنفال، الآية: 41). وكانت أولى اهتمامات المسلمين، في بداية الأمر، هي إلحاق الأذى بقريش، وكان المهاجرون أكثر حماسة للقيام بذلك، وكانت أولى غنائم المسلمين بعض إبل قريش محمّلة آدم، وذلك أثناء إرسال الرّسول (صلى الله عليه وسلم) سرية استطلاعيّة بقيادة عبد الله بن جحش، في السنة الثانية للهجرة، في مكان يسمى (نخلة)، وقد أسرت السرية رجلين من قريش، وتم افتداء كل منهما بأربعين أوقية (والأوقية أربعون درهماً)(34).

ومن الملاحظ أنّ غنائم المسلمين من مجمل النَّشاط الحربي يصعب حصرها، لأنّ المصادر لم تهتم بذكرها تفصيلاً، بل اكتفت بإشاراتٍ جزئية لها، ولكنّها اتفقت أنّ المسلمين بدأوا يحصلون على الغنائم في السنة الثانية للهجرة، وحتى السنة التاسعة، نتيجة الحروب والمعارك والغزوات العديدة الّتي خاضوها خلال هذه الفترة؛ أبرزها معارك بدر وحنين وخيبر وغيرها. وكانت الغنائم من المصادر الرّئيسة للدّولة وقتها، نظراً لكثرة النَّشاطات الحربيّة والغزوات الكثيرة الّتي نفّذها المسلمون، الّتي كان أغلبها في البداية ضد قوافل المشركين من قريش، الّذين سلبوا المسلمين كُلَّ أملاكهم وأموالهم في مكّة، لذلك كان طابع هذه النَّشاطات والغزوات انتقامياً؛ لاسترداد جزءٍ من أموالهم من المشركين.

2- الفيء: هو ما أخذه المسلمون دون قتال. ويُعدّ من الواردات الّتي تصل ليد المسلمين في الغزوات، قال تعالى: [مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ](سورة الحشر، الآية: 7)، والمقصود هنا أموال الكُفّار في القرى والمدن. ويذكر بعض المفسرين أنّ المقصود بها في هذه الآية أموال بني قريضة والنضير، وخيبر، وبعض قرى المشركين.

ولا يجوز لعامل الفيء أن يقسم ما جباه إلا بإذن، وهذا ما لم ينه عن ذلك، فضلاً عن الصدقات، بنصِّ الآية الكريمة: [إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم](التوبة، الآية: 6).

3- العشور: أطلق مصطلح الأرض العشرية علي جميع الأراضي الّتي ضمّت إلى الدّولة الإسلاميّة، وعلى الرّغم من أنّ خلفية هذه الأراضي وأصولها كانت علـى عدّة أنواع، إلا أنّها أخذت تسميتها هذه من مقدار الضريبة الّتي فرضت عليها. ولقد شكّلت ضريبة العشر الّتي يدفعها مستثمرو الأراضي أحد موارد الدّولة الإسلاميّة(35)، لأنّها تمدّ خزينة الدّولة بمبالغ مالية طائلة، وأسهمت في تسيير أمور الدّولة وتحقيق أهدافها، وقد توّلت الدّولة عبر موظفيها أمر استيفاء هذه الضريبة، عملاً بأحكام الآية الكريمة: [وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ](الأنعام، الآية: 141).

وهناك فرق بين عشور التِّجارة وعشر المنتجات الزراعيّة، فقد أورد البلاذري، في (فتوح البلدان)، أنّ الرّسول (صلى الله عليه وسلم) منع أخذ الخراج من سوق المدينة(36)، ويقصد بالخراج هنا عشور التجارات، وهي الضريبة الّتي كانت مألوفة قبل الإسلام، وكانت تعرف بالمكوس.

4- الزكاة والصدقات: فرض الله على المسلمين الإنفاق في سبيله لمصلحة العامّة ولرعايـة الفُقراء والمحتاجين في المجتمع الإسلامي، منذ فجر الدعوة في عصرها المكي، واستمرّت حتّى فرض الزّكاة.

والزّكاة نسبة 2,5% واجبة في النقود والذّهب والفضّة والثمار، يدفعها المسلم(37). والزّكاة من الفرائض المهمّة في الإسلام، وقد ذكرها الخالق - عزّ وجلّ - في القرآن في عشرات الآيات، حيث قال عزّ من قائل: [طس تِلْكَ آيَاتُ القرآن وَكِتَابٍ مُّبِينٍ. هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ](سورة النمل، الآية:1).

والزّكاة فريضة شرعيّة، وهي الرّكن الثالث من أركان الإسلام، وهي غير واجب الإنفاق العام في سبيل الله، فالزّكاة مخصُوصة بأنواع محدّدة مـن الأموال؛ تشملُ الثرواتِ النقديّة، وعروض التجارة، وصنوفاً من الثروة الحيوانية، وصنوفاً من الثروة الزراعية، بشروط ونسب معيّنة. وقد كانت من المصادر المهمّة للدخل في الدّولة أيام رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهي فريضة إلزاميّة في أصلها.. وكان عمال جمع الزكاة يأخذون أجر عملهم من واردات الزكاة، عملاً بقوله تعالى: [إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا](التوبة، الآية: 60). والّذي نستطيع تأكيده أنّه كانت هناك موارد ماليّة من الزكاة والصّدقات، وكانت كبيرة المقدار، ولكنها لم تحدّد، كما أنّ عطاء الرّسول منها لم يحدّد في بعض المواطن(38). مثال ذلك ما رواه أنس ين مالك - رضي الله عنه - أنّه قال: أتي إلى النبـي (صلى الله عليه وسلم) بمال من البحرين، فقال انثروه في المسجد، وكان أكثر مال أتي به رسول الله. فخرج رسول الله إلى الصّلاة ولم يلتفت إليه، فلمّا قضى الصّلاة جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحداً إلا أعطاه، إذ جاءه العباس فقال يا رسول الله أعطني، فإنّي فاديت نفسي وفاديت عقيلاً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خذ، فحثا في ثوبه، ثم ذهب يقله، فلم يستطع؛ فقال: يا رسول الله، مر بعضهم برفعه إلي. قال: لا. قال: فارفعه أنت عليّ. قال: لا. فنثر منه، ثم ذهب يقله، فلم يستطع؛ فقال: مر بعضهم برفعه إلي. قال: لا. قال: فارفعه أنت عليّ. قال: لا. فنثر منه، ثمّ احتمله على كاهله، ثم انطلق. فما زال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يتبعه بصره حتى خفي علينا، عجباً من حرصه. فما قام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وثم منها درهم) (أخرجه البخاري)(39).

5- الجزية: ضريبة خاصّة بغير المسلمين مِمّن هم في دار الإسلام، ومن المعاهدين خارج هذه الدّار. قال تعالى في كتابه العزيز: [قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ](التوبة، الآية: 25). وتوجد بعض الوثائق في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تحدّد مقدار الجزية الواجب دفعها كُلّ عام، فمثلاً يذكر البلاذري أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صالح صاحب (أيلة) على أن جعل له على كل حالم بأرضه في السّنة ديناراً، فبلغ ذلك ثلاثمائة دينار. واشترط عليهم قرى من مر بهم من المسلمين، وكتب لهم كتاباً بأن يحفظوا ويمنعوا(40). ويذكر أيضاً أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صالح أهل (أذرع) على مائة دينار كُلّ رجب. وصالح أيضاً أهل (نجران) على ألفي حلة. وتذكر المصادر اتفاقات صلح مشابهة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) على بعض المناطق الأخرى في الجزيرة العربية، كما أنّ بعض الوثائق لم تحدّد المقدار، وإنّما حدّدت النسبة، مثال ذلك ما ورد في كتاب صلح أهل (مقنا) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صالحهم على ربع ما أخرجت نخيلهم، وربع ما صادت عروكهم، وربع ما اختزلت نساؤهم(41).

 

ثالثاً: نفقات الدّولة في عصر الرّسول - عليه الصّلاة والسّلام -:

أ- إنفاق الزكاة: واجهت الدّولة زمن الرّسول - عليه الصّلاة والسّلام - نفقات متعدّدة اقتضتها ضرورة البناء الاجتماعي حينها، أهمّها إنفاق الزّكاة على مستحقيها، ورواتب العُمّال والولاة، والإنفاق على المصالح العامّة الأخرى. قال تعالى: [إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ](التوبة، الآية: 60). فالزّكاة - بنصِّ الآية الشريفة - تخصّص للفقراء الّذين يعانون الحِرمان، والمساكين الّذين يتحمّلون ضغط نضوب المال، والعبيد الّذين يقعون في مذلّة العبودية، فتمكنهم الزّكاة من التحرّر من ذلها، والغرماء الّذين يتحملون ديناً ثقيلاً أو حمالة مالية، وأبناء السبيل الّذين يعوزهم المال في الغربة، فيسعفهم مال الزّكاة حتّى يعودوا إلى أوطانهم.

تخصيص أموال الزّكاة للوجوه المحدّدة بالآية يحقّق تكافل المجتمع، فالفقراء لا يحسدون الأغنياء، والمساكين لا يبغضون أصحاب الأموال، والعبيد - بعد فكّ أسرهم - يتآخون مع سائر المسلمين، والغرماء أصحاب الدّيون والّذين تحملوا حمالة، بعد أداء الزّكاة لديونهم، يعودون لحركتهم البناءة في المجتمع، والمناؤون للإسلام ومجتمعه تسكن نفوسهم وتتآلف قلوبهم نحوه، وأبناء السبيل يحمدون للمجتمع إيناس غربتهم بما قدّمه لهم أرباب الأموال من زكاة، وبذلك تشيع في مجتمع المسلمين حالة الاستقرار، وتبعد إرهاصات الفتن، وتضعف هزّات المحن"(42).

ب- الرّواتب: كان من ضرورات تسيير وإدارة الدولة الاستعانة ببعض المساعدين والموظفين والإداريين، لذا نرى أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولّى عدداً من الصّحابة على الوظائف العامّة؛ فعلى القضاء والتعليم الديني ولي كل من عمر بن الخطّاب، وعلي بن أبي طالب، وعبدالله بن مسعود، وأبى بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبا موسى الأشعري. كما استعمل عدداً آخر من الصحابة ولاة إداريين على الأقاليم، أو على الوظائف المالية، كجباية الزّكاة والجزية، ونصيب المسلمين من نتاج الأرض والأخماس، وكان هؤلاء العمّال والولاة يتقاضون رواتب من الدّولة، فقد أعطى مثلاً عتاب بن أسيد كل يوم درهماً(43)، وقيل درهمين(44).

ت- الإنفاق على عامّة الناس: وكان التوزيع يتم بواسطة سجل تكتب فيه أسماء من يأخذون العطاء في المدينة. فقد ذكر الجاحظ أنّ حكيم بن حزام محا اسمه من الدّيوان بعد وفاة النبـي (صلى الله عليه وسلم)(45).

كان الرّسول (صلى الله عليه وسلم) إذا أتاه قسمة في يومه، يعطي صاحب الأهل حظين، والأعزب حظّاً واحداً، فلم يكن يضع مالاً عنده، ولا يبيته. قال ابن سلام... إذا جاءه المال غروة، لم ينتصف النهار حتّى يقسمه، وإذا جاءه عشية لم يبيته حتى يقسمه... ويذكر ابن حجر أنّ بلال بن رباح كان خازن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكان يجيز الوفود بأمر الرّسول، ويزوّدهم بجوائز نقديّة وعينيّة. فكان إذا أتاه المسلم عارياً، يأمر بلالاً فينطلق ويستقرض (دون فوائد ربوية)، ويشتري له الكسوة والطعمة. وفي حديث سالم أنّ الرّسول (صلى الله عليه وسلم) أعطى عمر، فقال عمر: أعطه من هو أفقر مني، فقال: فتموله أو تصدق به(46).

ث- الصّرف في سبيل الله: والمراد به الصّرف على الغزاة والمرابطين لحماية الثغور، أي للإنفاق في الجهاد، فيصرف إليهم ما يحتاجونه في الجهاد من سلاح ونفقة وراحلة، ولا يشترط أن يكون الغازي فقيراً، لأنّ الغازي في سبيل الله من الخمسة الأغنياء الذين أوردهم الرّسول (صلى الله عليه وسلم) في حديثه(47).

ج- الإنفاق على الجهاز الإداريّ للدّولة: من الأنشطة الّتي توجه إليها النفقات العامّة للدّولة الإنفاق على إدارة الجهاز الإداري للدّولة، ذلك أنّ الدولة لها حكومة، والحكومة هي الهيئة الّتي تقوم بشؤون الدّولة الداخلية أو الخارجية، ويخضع لسلطانها كُلّ ما يوجد على إقليم الدّولة من أشخاص وعقارات ومنقولات، وللقيام بشؤون الدّولة يكون للحكومة جهاز إداري يتطلب أماكن وعمالة وأدوات وغيرها من مستلزمات الإدارة، فيوجه جزء من الأموال العامة لتمويل هذه المتطلبات، ويطلق عليها النفقات العامّة للجهاز الإداري للدّولة(48).

وقد شملت السياسة المالية الناجحة وإدارته الموفقة كُلّ شرائح المجتمع، بحيث عمّت الفائدة كافّة الشرائح الموجودة حينها في الدّولة الإسلاميّة، حيث تحرّكت الإدارة المالية العامّة الإسلاميّة على أساس شمول حركتها للمسلمين وغيرهم من أهل الكتاب، فتجبى الإدارة المالية منهم الأموال العامّة المفروضة عليهم من جزية وخراج، وتؤدّي لهم الدّولة الخدمات العامّة بالعدل باعتبارهم من رعاياها، ما داموا لم يقاتلوا مع أعداء الإسلام ولم يناصروهم، بل يمكن أن تمتدّ دائرة المعاملة المالية إلى البِرّ بهم، كمنحهم الإعانات الماليّة في حالة الفقر أو العوز، والمعاشات في حالة البطالة، والتوقّف عن العمل والعلاج في حالة الإصابة والمرض.

وتميّزت السياسة المالية للرّسول (صلى الله عليه وسلم) في العدالة العامّة؛ عدالة في فرض الأعباء العامّة، وعدالة في توزيع النفقات العامّة، وعدالة في التنفيذ(49).

بقي أن نقول إنّه في السّنة العاشرة من الهجرة فرق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عمالاً إلى جميع البلاد الّتي وصلها نور الإسلام، فبعث المهاجر بن أبي أمية إلى (صنعاء)، وزياد بن لبيد، أخا بني بياضة الأنصاري، إلى (حضرموت)، وعدي بن حاتم على صدقة (طيىء) و(أسد)، ومالك بن نويرة على صدقات (بني حنظلة)، وفرق صدقة (بني سعد) على رجلين منهم، والعلاء الحضرمي على (البحرين)، وعلي بن أبي طالب إلى (نجران) ليجمع صدقاتهم، ويقدم على رسول الله بجزيتهم(50).

مِمّا لا شكّ فيه أنّ كُلّ كيان، وكُلّ دولة، مهما كانت صغيرة أو كبيرة، تعتمد بالدّرجة الأُولى على الجانب الاقتصاديّ والماليّ لضمان قوتها وديمومتها أمام القوى والكيانات المجاورة، ودولة الرّسول محمّد (صلى الله عليه وسلم) بدأت فتية وضعيفة ثم كبرت وقويت بفعل العقيدة الإسلاميّة السمحاء الّتي أدّت إلى تماسك المسلمين في مجتمع واحد متعاون ومتضامن، وحكمة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في إدارة الأمور ومواجهة المخاطر والتهديدات الّتي هددت كيان هذه الدّولة وهذه الأمّة الوليدة الّتي كتب الله لها أن تحمل رسالة الإسلام الحنيف إلى البشرية جمعاء.

ولقد أولى الرّسول (صلى الله عليه وسلم) بعد تأسيس الدّولة الإسلامية في المدينة المنورة، اهتماماً كبيراً بالجانب الاقتصاديّ لدولته، وتنظيم واردات الدّولة، ووجوه الإنفاق بالطرق المناسبة، معتمداً على التعاليم السماوية والآيات الّتي تتنزل عليه، وتؤدِّي إلى تقوية الدّولة والمجتمع، ليكونا على استعداد لمواجهة العدو المتربّص به، وليمهّد الطريق نحو انطلاق الجيوش نحو الأمم المجاورة لنشر الإسلام.

تنوّعت واردات الدّولة، وتعدّدت أبوابها من الغنائم الحربية والفيء والخراج والزّكاة والصّدقات وغيرها من الأوجه الّتي كانت تدرُّ الأموال والسِّلع على الدّولة ومواطنيها في المدينة وأطرافها، وكان اهتمام القيادة منصبّاً نحو استغلال الأراضي الزراعية وإحيائها لتكون مصدر دخل للمسلمين.

كما أنّه وبظهور الدّولة وتثبيت أركانها، ظهرت جوانب من الإنفاق العام الّذي اعتمد بدوره على ما يصل من واردات مالية واقتصادية إلى خزينة الدّولة. واتّسم الإنفاق في عهد الرّسول (صلى الله عليه وسلم) بالسرعة في توزيع العطايا، وعدم تأخيرها، وهذا بدوره أدّى إلى تحسين معيشة النّاس، وانتقال المجتمع من مجتمع فقير أو متوسط الدخل إلى مجتمع قوي يتمتّع أفراده بالرّخاء وسعة العيش، وبالتالي تقوية إمكاناتهم الاقتصادية الّتي تنعكس بطبيعة الحال على زيادة قوتهم العسكرية والقتالية الّتي كانت حينذاك من أهمِّ عوامل البقاء في محيط مليء بالأعداء المتربّصين بهم.

اعتمد قائد الدّولة - رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على (الوحي) في إدارة جانب الواردات الّتي كانت تأتي للدّولة عن طريق الغزوات والجهاد، وهذا ما أدّى إلى نجاح سياسته الاقتصادية، وتحقيقه كُلّ الأهداف المنشودة من زعيم الدّولة، الّذي يسعى إلى توزيع الثروات والإيرادات بشكلٍ عادل دون ظلم شريحة على حساب أخرى. قال تعالى: [مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ](الحشر: 7- 10).

فالتزام المسلمين بالوحي المبارك من ربِّ العالمين أسهمَ في التوزيع العادل للثّروات والواردات، ومنع احتكار الأغنياء لها على حساب الفقراء، وبالتالي نهضت الدّولة في وقتٍ قياسي، وباتت قوة عظمى كتب الله لها أن تقضي على أقوى إمبراطوريتين على وجه الأرض حينها، بعد سنين قليلة، وعلى يد الجيل الذي ربّاه النبـي محمّد (صلى الله عليه وسلم).

شكّل اهتمام قيادة الدّولة الإسلاميّة بالصِّناعة، وتشجيعه للمواطنين في المدينة المنوّرة على تعلّم بعض الحرف والصّناعات الشّائعة حينذاك، إلى تثبيت أسس الدولة، وتمتين أواصر المجتمع وتقويته من كُلِّ النواحي، فتعلّم بعض المسلمين لصناعة السّيوف أدّى إلى طفرة في القوّة العسكريّة، حيث بات المسلمون يصنعون سلاحهم بأيديهم، ومن يصنع سلاحه بيديه يستطيع الدِّفاع عن نفسه أمام تهديدات الأعداء والانتصار عليهم. وهذا هو شأن الدّول القوية في كُلِّ الأزمان، حيث تعتمد على نفسها في صناعاتها العسكرية، وبالتالي تهيمن على محيطها، وتردع خصومها.

كما أنّ تعلّم نساء المسلمين في المدينة المنوّرة لصناعة الغزل والنسيج، فضلاً عن وجود الصّناعات الجلدية والأواني الفخارية والحجرية والنحاسية والمكاييل والصاع والمد من الخشب وأواني الطعام والشراب، وتشجيع القيادة لها، ومحاولة تطويرها وتقويتها، دليل على العقلية الاستراتيجية الّتي يتمتع بها زعيم الدّولة، حيث يحاول على الرغم من الإمكانات البسيطة الاكتفاء ذاتياً في بعض السِّلع والصِّناعات الّتي تكلّف المواطنين أموالاً وجهداً أثناء استيرادها من الخارج، فالاكتفاء الذاتي يعدّ أبرز نقاط قوّة الدّولة وازدهارها.

وكان الرّعي والزِّراعة أساس البنيان الاقتصادي لدولة المدينة المنوّرة - كما رأينا-، لدرجة أنّ الدّولة قامت بحجز الحمى، وجزء من الأراضي، لتكون مكاناً لرعي الماشية وخيل المسلمين. وهذا الأمر يدلُّ على أهمية الحيوانات وقتها في تسيير أمور الدّولة، ودعم اقتصادها، فالماشية هي المصدر الأساس لطعام المواطنين؛ سواء من الحليب واللبن، الّتي تهبها يومياً، أو من لحومها، الّتي كانت الرافد الرئيس لدعم الأمن الغذائي للمواطنين. واهتمام القيادة بتوفير بيئة مناسبة للرّعي دليل على أثر هذا الجانب في اقتصاد الدّولة واستقراره، فضلاً عن الدور الكبير الّذي تؤدِّيه الخيول والجمال في النَّشاط التجاريّ، وفي النشاطات الحربيّة والتحرّكات العسكريّة.

من العوامل الّتي أسهمت، وبفاعليّة كبيرة، في سرعة نهوض المسلمين اقتصادياً، هو خبرتهم الكبيرة في التِّجارة، خاصّة المهاجرين من أهل مكّة، وقد ذكرنا ذكاء كُلّ من عبدالرّحمن بن عوف، وأبي بكر الصّديق، في هذا الجانب، وكيف استطاعوا مزاحمة اليهود في السوق وانتزاع الصدارة منهم في الجانب التجاري، وهذا إنْ دلّ على شيء فهو دليلٌ على قدرة المسلمين على النهوض وتجاوز الصّدمة الّتي تعرّضوا لها جرّاء خروجهم من مكّة ومصادرة أموالهم، فاستطاعوا بوقتٍ قياسي تعويض خسائرهم الماديّة والنهوض بتجارتهم، وبالتالي أسهموا في رفد الدّولة بالواردات، وفتحوا أبواباً جديدة من الرِّزق للناس، وبالتالي تنشيط الجانب الاقتصادي للدّولة. كما أنه كانت أخبار تحرّكات القوى المجاورة تصل إلى المسلمين عبر التجار الّذين يشدون الرِّحال إلى المدينة المنوّرة، كما رأينا من الأخبار الّتي وصلت للمسلمين عبر تجّار بلاد الشّام عن تحرّكات الرّوم، فضلاً عن معرفة تحرّكات قريش، وغيرها، وهذا ما أدّى إلى الاستعداد وأخذ الحيطة والحذر لأيِّ طارئ من قبل المسلمين. فكان طبيعياً لدولة تمتلك مواطنين بهذا المستوى أنْ تنهض وتصير في غضون سنوات معدودة من أقوى الدُّول في العالَم وقتذاك.

وامتاز أهل المدينة من الأنصار بزراعة النخيل، واشتغالهم بأنفسهم في مزارعهم، وتمكّنوا من تحقيق شيء من الاكتفاء الذاتي في بعض المحاصيل، ومساعدة إخوانهم المهاجرين في الأكل والمال، وآثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وهذا ما ساعد على صمود المسلمين المهاجرين، وتقوية أواصر الأخوة والإيمان بين الطّرفين، بحيث شكّلوا مجتمعاً إسلامياً مثالياً في التعاون والتآزر والإيثار، وهذه من أبرز النقاط الّتي تساعد على بناء مجتمع سليم بعيد عن الآفات النفسيّة والاجتماعيّة والعقديّة المعروفة.

لقد كانت الأموال العامّة في عهد الرّسول - عليه الصّلاة والسّلام - غنائم وفيء وعشور وزكاة وصدقات وجزية وما إلى ذلك قليلة بصفة عامّة، ويرجع ذلك لأنّ الأساس في نشاط الرّسول الكريم هو تبليغ الدّعوة وليس الهدف المالي، فضلاً عن كون الدّولة ما زالت حديثة، ولم تتّسع رقعة النَّشاطات الحربيّة، والتوسّع الجغرافي، الّذي بدأ في أواخر عهده، واكتمل في عصر خلفائه الراشدين. وقد ظلّت حاجات عديدة عامّة غير مشبعة، لعدم وجود الأموال العامّة، وقد انعكس ذلك على حياة الرّسول نفسه؛ من قلّة المتاع، ورقّة الحال، فضلاً عن تأثير قلّة المال على فقراء المسلمين، ولكن ذلك لم يمنع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من العمل على تحسين الأوضاع، وأحياناً الاقتراض، وخاصّة أثناء تجهيز الجيوش في الغزوات. وقد أدّى التوازن الديني، وقوّة العقيدة، في الرّعيل الأول، إلى سرعة التطوّع بالأموال لتمويل الغزوات، وسرعة أداء الزكوات، كما رأينا تبرّع الصّحابة بأموالهم في تجهيز جيش العسرة الّذي اتجه نحو ثغور الشّام في الصّيف الحار، وموقف عثمان بن عفّان الشهير في التبرّع، وتجهيزه للجيش، ولم تتحسّن الأحوال الاقتصاديّة بالمستوى المطلوب إلا بعد فتح (خيبر)، وسيطرة المسلمين عليها، كما هو معروف لكُلِّ متصفح للمصادر التاريخية.

وفيما يتعلّق بسياسة الإنفاق، فقد اتّسمت السياسة المالية والاقتصاديّة للرّسول الكريم بالتوازن الكمي، الّذي يجعله ينفق في حدود ما لديه من أموال، ولكنّه إنفاق يؤتي ثماره، ويسدّ الحاجات الملحة لحياة المسلمين، بل ويعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع المسلم، وتقليل الفوارق بينهم.

هذا التوازن الديني، وقوّة العقيدة والأخوة في الله، أسهمت في تماسك المجتمع الإسلامي، وتجاوزه للأزمات الّتي واجهته في البداية. وضرب الصحابة أروع الأمثلة في الصمود والإيثار، ومواجهة متاعب الحياة، بالتوكّل على الله وإيمانهم الراسخ أنّ الله ناصرهم على أعدائهم، فكان أن ثبتوا وصابروا وثابروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فقويت شوكتهم، وزادت قوّتهم، ووصلوا لدرجة من القوّة بحيث تمكّنوا من شنِّ الغزوات والحروب وتحقيق الانتصارات الّتي أدّت إلى تدفّق الغنائم إلى (المدينة)، وتوسّعت مناطق المسلمين، وكثرت واردات الدّولة لدرجة وصلت إلى درجة الاكتفاء المالي لدى خزينة الدّولة. قال تعالى: [مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا](الفتح، الآية29 (.

أدّت السّياسة الاقتصاديّة الحكيمة للرّسول محمّد (صلى الله عليه وسلم)، وتزايد الواردات الّتي تصل إلى المدينة، نتيجة النَّشاطات الحربيّة والنَّشاطات الاقتصاديّة المختلفة، إلى تقوية أسس الدّولة، وتمتين جانب الأمن الغذائي للمواطنين، مِمّا انعكس على قوّة الدّولة في الجوانب الأُخرى، وخاصّةً العسكريّة، وزيادة رقعة المناطق الّتي تـمّ فتحها، وزيادة عدد المسلمين، وبسط نفوذ الدّولة الإسلاميّة على مناطق واسعة، حتى شملت في نهاية عهد الرّسول (صلى الله عليه وسلم) كُلّ الجزيرة العربية؛ من اليمن جنوباً، إلى المدينة المنوّرة وما بعدها شمالاً، ومن سواحل البحر الأحمر غرباً، إلى البحرين والسواحل الشرقيّة للجزيرة العربية شرقاً.

 

الهوامش:

1. ابن خلدون، عبدالرحمن، مقدمة ابن خلدون، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 2001 ص54.

2. ابن خلدون، المصدر نفسه، ص54.

3. السمهودي، نور الدين بن عبدالله، وفاء الوفاء، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، ج1، ط1 2001، ص49.

4. السمهودي، المصدر نفسه، ص127.

5. محمّد مصطفى محمّد صالح، تنظيم الأسواق في المدينة على عهد النبـي، رسالة دكتوراه مقدّمة لكلية الآداب قسم الدراسات الإسلامية، الخرطوم 2002، ص51.

6. عبدالعزيز سالم، تاريخ العرب في العصر الجاهلي، دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة 1998، ص313.

7. الهمشري، مصطفى، النظام الاقتصادي في الإسلام، دار العلوم للنشر، 1985، ص49.

8. ديو رانت، ول وايريل، قصة الحضارة، ترجمة د. زكي نجيب محمود، دار الجيل للطباعة والنشر، بيروت، مجلد1، ص50.

9. ابن هشام، عبد الملك بن هشام بن أيوب، مختصر السيرة النبوية، اختصره: أحمد بن عثمان المزيد، مكتبة الملك فهد الوطنية، السعودية، ط1، م2، 2017، ص113.

10. ابن هشام، المصدر نفسه، ص115.

11. البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر، فتوح البلدان، شركة طبع الكتب العربية، القاهرة 1317هـ-1900م، ص17.

12. البلاذري، المصدر نفسه، ص18.

13. ابن الأثير، عزّ الدين أبو الحسن علي، الكامل في التاريخ، اعتنى به: أبو صهيب الكرمي، بيت الأفكار الدولية، عمان-الأردن، ص13.

14. الهمشري، مصطفى، المصدر السابق، ص127.

15.  المصدر نفسه، ص127.

16. الكرمي، حافظ أحمد عجاج، الإدارة في عصر الرسول، دار السلام للطباعة والنشر والترجمة، ط2، مصر 2007، ص165,

17. الواقدي، محمد بن عمر، المغازي، تحقيق د. مارسدن جونز، دار الكتب، لندن، ط3، 1984، ص360.

18. الواقدي، المصدر نفسه، ص 445.

19. عون الشريف قاسم، نشأة الدولة الإسلامية، دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع، بيروت، 1991، ص157.

20. عون الشريف قاسم، المصدر نفسه، ص157.

21. ابن سعد، محمد بن سعد الزهري، الطبقات الكبرى، تحقيق: الدكتور علي محمد عمر، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 2001، ج3، ص250.

22. ابن سعد، الطبقات، المصدر نفسه، ص104.

23. الكرمي، المصدر السابق، ص172.

24. ابن الأثير، المصدر السابق، ص274.

25. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، المصدر السابق، ص275.

26. القرآن الكريم، سورة النساء، الآية 29.

27. أمين سعيد، نشأة الدولة الإسلامية، مطبعة عيسى البابي الحلبـي وشركاؤه، مصر، ص36.

28. المصدر نفسه، ص37.

29. ابن سعد، الطبقات، المصدر السابق، ص 106.

30. عبدالرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، مراجعة: سهيل زكار، دار الفكر، بيروت، 1421هـ-2001م، ص17.

31. عويس، د.عبدالحليم، الحضارة الإسلامية إبداع الماضي وآفاق المستقبل، الصحوة للنشر والتوزيع، ط1، 2010، ص91.

32. الحسيني، محمد باقر، تطور النقود العربية الإسلامية، دار الجاحظ، ط1، بغداد، 1969، ص14.

33. عويس، الحضارة الإسلامية، المرجع السابق، ص91.

34. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، المصدر السابق، ص 281.

35. الكبيسي، حمدان، الخراج أحكامه ومقاديره، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، لبنان، 2004، ص41.

36. البلاذري، فتوح البلدان، المصدر السابق، ص16.

37. عويس، الحضارة الإسلامية، المصدر السابق، ص92.

38. الهمشري، المصدر السابق، ص223.

39. الهمشري، المصدر نفسه، ص224.

40. البلاذري، فتوح البلدان، ص80.

41. الهمشري، المصدر السابق، ص225.

42. قطب إبراهيم محمد، السياسة المالية للرسول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1988، ص180.

43. الكرمي، المصدر السابق، ص80.

44. ابن هشام، المصدر السابق، ص107.

45. الكرمي، المصدر السابق، ص180.

46. المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

47. قطب إبراهيم محمد، المصدر السابق، ص191.

48. قطب إبراهيم محمد، المصدر نفسه، ص249.

49. قطب إبراهيم محمد، المصدر نفسه، ص210.

50. المصدر نفسه، ص185.

 

المصادر والمراجع:

1- القرآن الكريم.

2- ابن الاثير، عزالدين بن يحيى، الكامل في التاريخ، اعتنى به أبو صهيب الكرمي، بيت الأفكار الدولية، الأردن - عمان، 2009.

3- ابن خلدون، عبد الرحمن، مقدمة ابن خلدون، مراجعة سهيل زكار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 2001.

4- ابن سعد، محمّد بن سعد الزهري، الطبقات الكبرى، تحقيق: الدكتور علي محمد عمر، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، ج3 2001.

5- ابن هشام، عبد الملك، مختصر السيرة النبوية، اختصره أحمد بن عثمان المزيد، مكتبة الملك فهد الوطنية، السعودية، ط1، م2، 2017.

6- البلاذري، أحمد بن يحيى، فتوح البلدان، شركة طبع الكتب العربية، مصر - القاهرة، 1900م.

7- الحسيني، محمد باقر، تطور النقود العربية الإسلامية، دار الجاحظ، ط1، بغداد، 1969.

8- ديورانت، ول وايريل، قصة الحضارة، ترجمة د. زكي نجيب محمود، دار الجيل للطباعة والنشر، تونس، مجلد1، 1988.

9- سالم، عبد العزيز، تاريخ العرب في عصر الجاهلية، دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، م1، القاهرة، 1998.

10- سعيد، أمين، نشأة الدولة الإسلامية، مطبعة عيسى البابى الحلبـي وشركاؤه، مصر، 1934.

11- السمهودي، نور الدين بن عبدالله، وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، تحقيق د.قاسم السامرائي، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، ج1، ط1، السعودية، 2001.

12- عويس، عبد الحليم، الحضارة الإسلامية إبداع الماضي وآفاق المستقبل، الصحوة للنشر والتوزيع، مصر - القاهرة، 2010.

13- قاسم، عون الشريف، نشأة الدولة الإسلامية، دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع، ط3، لبنان، 1991.

14- الكرمي، حافظ أحمد عجاج، الإدارة في عصر الرسول، دار السلام للطباعة والنشر والترجمة، ط2، مصر، 2007.

15- الكبيسي، حمدان عبدالمجيد، الخراج أحكامه ومقاديره، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، ط1، لبنان 2004.

16- محمّد، قطب إبراهيم، السياسة المالية للرسول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1988،

17- محمّد صالح، محمّد مصطفى، تنظيم الأسواق في المدينة على عهد النبـي، رسالة دكتوراه مقدمة لكلية الآداب قسم الدراسات الإسلامية، الخرطوم، 2002.

18- الهمشري، مصطفى، النظام الاقتصادي في الإسلام، دار العلوم للطباعة والنشر، ط1، المملكة العربية السعودية، 1985.

19- الواقدي، محمّد بن عمر، المغازي، تحقيق: د.مارسدن جونز، دار الكتب، لندن، ط3، 1984.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق