03‏/04‏/2022

هل الحجاب من أسلحة الدمار الشامل؟

د. سعد سعيد الديوه جي
قبل أيام أصدر الاتحاد الأوروبي تعليمات تقضـي بمنع لبس الحجاب في المؤسسات العامة، وهو قرار غريب بكل المقاييس، لأنه يتعارض مع أبسط مبادئ الحرية والديمقراطية التي صموا بها آذاننا، وهو بالتأكيد موجه للنساء المسلمات اللآتي يعشن في المجتمعات الأوروبية.

وقد انطلقت هذه الدعوات ومثيلاتها من قلب بلد الحرية (فرنسا)، وكانت لها ردود فعل مختلفة في باقي الدول الأوروبية.

والحجاب الذي تستعمله النساء المسلمات لا يحتوي على دلائل سياسية أو إرهابية، ولا يعدو كونه ممارسة دينية تقر بها الشريعة الإسلامية، وللمرأة كامل الحرية في اختيار نوع الحجاب من عدمه، خصوصاً في العالم الغربي.

ويذكر (جون .ل. أسبوزيتو) في كتابه (التهديد الإسلامي خرافة أم حقيقة؟)، ما قاله أمير ويلز البريطاني: "بأن الغالبية العظمى من المسلمين، على الرغم من تقواهم وتدينهم الشخصي، معتدلون في سياستهم، وهو ما يربط عالمينا سوياً بروابط أقوى كثيراً من العوامل التي تفرق بيننا.".

وقد قامت الدنيا ولم تقعد من قبل الصحف المتطرفة البريطانية ضد هذا الموقف، وذلك استناداً لبعض النظرات الغربية التي ترى أن كل ما يخالف في رؤاه وأساليبه نظامهم القيمي والأخلاقي، فهو متخلف وخطير بالضرورة، كما يقول د.قاسم عبده قاسم. ولذلك كتبت جريدة (الديلي – تلجراف) بأن الأمير على خطأ، وأن الإسلام يهدد الغرب. وفات على من كتب هذه الردود أن يبين لنا الخطر الذي يمثله الحجاب، أو الذهاب إلى المساجد، رغم أن حرية الممارسات الدينية تقر بها كل الدساتير الغربية.

إن التصدي للممارسات الاجتماعية الإسلامية داخل المجتمعات الغربية، لا تنطلق إلا من خلفيات سياسية ومخاوف تاريخية، وتصب معظم الآراء بأن الغرب بعدما انتهى من حربه وانتصاره على الشيوعية والنازية والفاشية، فإن الحرب مع الأيديولوجية الإسلامية يجب أن لا تتوقف. وكما يقول السيد (أسبوزيتو) فإن كثيراً من المنظرين الغربيين يعتقدون أن الإسلام يشكل القوة الأممية الأكثر نفوذاً وقدرة على لمّ الشمل في العالم.. وهو أمر شديد الغرابة في عالم اليوم.

إن زيادة عدد المسلمين على مساحة تمتد من شمال أفريقيا الى جنوب شرق آسيا، هو العامل الأكثر خطورة في القوة الإسلامية الكامنة، وهي مسألة سياسية معقدة ليس لها علاقة بالحجاب داخل الغرب أو خارجه، وهي تتعلق بالفكر الغربي منذ بداية عهد الاستعمار في نهجه بالسيطرة السياسية والعسكرية والثقافية على الشرق.

ولهذا يجد هؤلاء المنظرون بأنهم في مأزق محرج عندما تنتقل هذه التقاليد الدينية والعادات إلى داخل بلدانهم، ومنها إلى مواطنين غربيين ليسوا من المهاجرين أو من أولاد المهاجرين، وصوروا المسألة كغزو ثقافي داخلي لا يقل خطراً عن الغزو الخارجي!.

لقد نجح مروجو العداء للإسلام في زرع أفكار داخل المجتمعات الغربية بأن الإسلام يشكل نوعاً من الأخبار غير السارة، ويلمحون بأن الإسلام يشكل خطراً على الحضارة الغربية.. وهذه الصورة السلبية للإسلام سائدة بكثرة تفوق أي صورة أخرى، بل يحلو لقسم منهم أن يضعها في إطار الحرب الدينية، رغم أن الإسلام يعترف بالمسيحية كدين سماوي، ويحترم المسيح – عليه السلام – الذي يمثل جزءاً من العقيدة الإسلامية.

لقد صار الحجاب رمزاً للخوف من الإسلام، إلى جانب اللحية والعمامة؛ التي لا يرتديها معظم المسلمين، وتم خلط الأمور بالسياسة والخوف من الإرهاب عن عمد، حتى أن اثنين من أعضاء البرلمان الفرنسي لم يترددا بوضع قطع من القماش على شكل أغطية رأس على رؤوسهن، للفت النظر إلى خطر الحجاب على المجتمع الفرنسي.

لقد امتدت المسألة لأبعد من ذلك، وتم زرع الخوف من قبل بعض المنظرين الغربيين، بأن الحجاب يمثل التعصب الإسلامي، وأن معاداة المسلمين للغرب تنطلق من تعصبهم، وأنهم يمثلون جنساً لا عقلانياً، ويتحركون كجسد واحد، ويتحدثون بصوت واحد!.

والمستقبل الاجتماعي للأقليات المسلمة في أوروبا لا يبشر بخير في وسط تأجيج الأحقاد نحو المسلمين، إن بقوا متمسكين بدينهم وتقاليدهم، حيث تجري الأمور في صب ذلك بالسياسة وإشاعة (الإسلاموفوبيا) كمسألة حتمية لا تقبل النقاش. حتى أن إحدى الصحف البريطانية عكست المسألة بقولها: "إن الأصولية الإسلامية تمثل التهديد الرئيسـي للسلام والأمن العالمي، وهي مثل التهديد الذي شكلته النازية والفاشية والشيوعية"!.

وفي استفتاء لإحدى الوكالات، فإن ثلاثة من كل أربعة فرنسيين تمّ سؤالهم، يظنون أن كلمة (متعصب) تنطبق تماماً على المسلمين!، رغم أن المسلمين يشكلون حوالي 10% من المجتمع الفرنسي، وكثير منهم يحتلون مراكز مرموقة في مجالات الإدارة والرياضة.

وقد زادت الدعوات إلى طرد العمال الأجانب، مصحوبة بالقضايا المهمة التي تم فيها منع الطالبات المسلمات في المدارس والجامعات من لبس الحجاب، وصارت قضية الحجاب تمثل الفجوة المتزايدة في هذا الصراع الكامن، فضلاً عن اتكاء اليمين المتطرف، في (فرنسا) وغيرها، على معاداة المسلمين والشعائر الإسلامية، في حملاتهم الانتخابية، وتأجيج الحس الديني، ودغدغة المشاعر الصليبية المكبوتة، من أجل اكتساب المزيد من الأصوات، والوصول إلى كراسي السلطة.

ومن أبرز من قدم الصورة الصادمة للإسلام والمسلمين المؤرخ الراحل (برنارد لويس) (ت2018م)، في كتابه (الأصولية الإسلامية)، وهو أكثر مؤرخي الإسلام والشرق الأوسط تأثيراً بعد الحرب العالمية الثانية. وقد تمّ نشر مقالة من الكتاب بعنوان (جذور الهياج المسلم)، حيث يضع علاقة الإسلام بالغرب في ضوء الغضب والكراهية واللاعقلانية.

وبسبب مكانته العالمية في عالم الاستشراق والسياسة، فقد لقيت مقالته قبولاً واسعاً في الغرب، كما يقول السيد (أسبوزيتو) في كتابه آنف الذكر.

ويعلق السيد (أسبوزيتو) على المسألة فيقول بأن الإسلام المتحجر خرافة غربية سارية ومتكررة لم تتولد عن حقائق التاريخ الإسلامي، وإن بعض الجماعات الأصولية المتشددة التي ترفض كل مظاهر الحضارة الغربية مهما كانت جيدة، ويُنفِرّون المسلمين من كل ما هو إيجابي في الحضارة الغربية، لا يمثلون إلا تياراً ضيقاً بين المسلمين؛ شأنهم شأن كل التيارات المتطرفة في المسيحية واليهودية وباقي المعتقدات، فمعظم المسلمين - مع احتفاظهم بمعتقداتهم وتقاليدهم - عصريون ومتعلمون ويحتلون مواقع وظيفية متميزة، ولا يرون غضاضة في أساليب العيش الحديثة، مع احتفاظهم بإيمانهم الإسلامي العميق.

إن مكانة المرأة في الإسلام تسمو بحجابها وليس في عُريها، وإن الحجاب لا يشكل نوعاً من الدونية، كما يعتقد بعض المتعصبين في الغرب، وينشرون ذلك في مجتمعاتهم، لأسباب سياسية بحتة. وليس ثمة أزمة روحية لدى المسلمين الواعين بين التطور التكنولوجي وعقائدهم الدينية، كما يُشاع في قطاعات غربية واسعة، وعند بعض المسلمين فاقدي الهوية.

ويروق لبعض المفكرين الغربيين اتهام المسلمين باللاوطنية في ديارهم الجديدة (المهجر)، وهو أمر لا ينطبق إلا على بعض المتعصبين والانعزاليين، ولا يمس الجميع.

وعلى كل حال، فالمسلمون الذين لجأوا إلى الغرب، لأسباب اقتصادية أو سياسية، أو نتيجة عيشهم في بلاد مُستعمرة، لا يمثلون كتلة واحدة صماء، فهنالك اختلافات في المنهج والأسلوب بين التيارات الإسلامية، وإن كان الحجاب يمثل القاسم المشترك الأعظم بينهم.

إن تأجيج الصراعات الدينية بين الشرق والغرب، يجب أن يتوقف، لأن ذلك من مصلحة الجميع، إن كانوا فعلاً يتطلعون إلى عالم مستقر لا تؤججه العداوات والأحقاد العقائدية، ولا يمثل فيه الحجاب الإسلامي، ولا الرموز الدينية الأخرى، أمراً بالغ الخطورة، بتحميله ما لا يحتمل، والاتكاء عليه في تأجيج المزيد من الفرقة والتعصب والاحتراب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق