02‏/07‏/2022

نظريات المواجهة (كيفية التعامل مع الحاكم الجائر - المتغلب) .. من كنوز قلائد الجمان شـرح اللؤلؤ والمرجان بما اتفق عليه الشيخان - الحلقة الأولى -

فكرة وإعداد وشرح:

صالح شيخو الهسنياني

 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

  كثرت الآراء والأقوال ووجهات النظر في كيفية التعامل مع الحاكم الجائر، في القديم والحديث، ما بين جواز الخروج عليه خروجاً مسلحاً؛ أو العصيان عليه بعدم التعامل معه أو مع منظومته، وما بين السكوت والإقرار بحكمه درءاً للفتنة، وما بين منعزل لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.

 في هذه النظريات (18 نظرية)، التي استنتجناها حول كيفية التعامل مع الحاكم الجائر أو الفاسق، استنبطنا أسماءها ونصها وأفكارها من أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ومن مواقف الصحابة والتابعين حول الأحداث التي واكبت بيعة وتولي (يزيد بن معاوية) الخلافة، وكذلك الأحداث التي جرت في خلافة (عبد الملك بن مروان)، عند أخذ البيعة لولدين من أولاده (الوليد وسليمان)، وأيضاً قصته مع عبد الله بن الزبير، ومن أقوال العلماء والفقهاء الذين عاشوا المرحلة، أو الذين كتبوا عنها فيما بعد إلى العصـر الحديث.

طرق انعقاد الرئاسة العامة:

الطريق الأول: 

 مبايعة أهل الحل والعقد([1])؛ من العلماء والوجهاء والرؤساء، للإمام. فإذا بايعه وجهاء الناس؛ ممن تحصل بهم الشوكة والمنعة، ويكون الناس تبعاً لرأيهم ومبايعتهم، انعقدت الولاية، وتمت البيعة. وبهذه الطريقة بويع كلٌّ من أبي بكر وعلي – رضي الله عنهما. وهذه الطريقة تشمل أن يعقدها أهل الحل والعقد، ثم يتابعهم الناس، كما في بيعة أبي بكر (رضي الله عنه)، أم يشارك عامة الناس، وفيهم أهل الحل والعقد في بيعة الإمام، كما في بيعة علي (رضي الله عنه).

الطريق الثاني:

 أن يعهد الإمام في حياته لمن يخلفه في الإمامة بعده، فيختار الإمام للمسلمين أصلح الناس وأفضلهم، ليكون هو الخليفة من بعده، ويبايعه الناس على ذلك، وهي الطريقة التي تولى بها عمر بن الخطاب (رضي الله عنه).

الطريق الثالث:

أن يعهد الإمام بالخلافة إلى مجموعة معينة من الناس من أهل الحل والعقد ليحددوا الخليفة من بينهم، ثم يبايعونه ويبايعه الناس بعد ذلك، وهي الطريقة التي تولى بها عثمان (رضي الله عنه).

الطريق الرابع:

أن يتنازل إمام لإمام آخر، تجنباً للفتنة وإراقة الدماء، وهي الطريقة التي تمت فيها مبايعة معاوية (رضي الله عنه)، حيث إنها لم تكن كالطرق الثلاثة المذكورة، وقد وقعت بالصلح بين المسلمين؛ بتنازل الخليفة الحسن بن علي إلى معاوية بالخلافة، واتفاق المسلمين على ذلك.

الطريق الخامس:

بيعة الحسن بن علي (رضي الله عنه)؛ حيث تمت بطريقة مغايرة للطرائق السابقة؛ حيث تمت بمبايعة أمراء الأجناد له([2]).

الطريق السادس:

عن طريق الانتخابات الرئاسية المعاصـرة، وهو من الطرق المباحة للوصول إلى الحكم، ولكن بشـروط؛ منها اختيار الأصلح والأكمل، والقوي الأمين([3]).

حالات أربع:

الأئمة الذين يتولون الحكم في شعوبهم، حالهم لا يخرج عن واحد من أربعة:

1. إمام عادل مقسط.

2. إمام كافر، أو مرتد.

3. إمام فاسق.

4. إمام متغلب جائر.

فالأول يحرم الخروج عليه مطلقاً، وذلك باتفاق جميع العلماء، وذلك امتثالاً للنص الشـرعي في ذلك، قرآن وسنة وإجماع المسلمين، وطاعتهم واجبة ملزمة للجميع، أياً كانت طريق وصوله للسلطة.

والإمام الثاني، اتفق جميع العلماء على وجوب الخروج عليه ومقاتلته، إذا ملكوا القوة والقدرة على ذلك، وتخليص المسلمين من تسلطه عليهم.

أما الإمام الثالث، فالأمر فيه تفصيل كبير عند العلماء، وذلك لاختلافهم في هل الفسق سبب من أسباب الخروج أم لا؟ وهل هو سبب من أسباب العزل أم لا؟([4]).

أما الرابع، فالأمر كذلك فيه تفصيل عند علماء الفقه والقانون، وذلك لاختلافهم في هل الخروج عليه يزيل الفساد؟ أم سيفتح أبواباً أخرى لمزيد من الفساد والفتنة؟ فكان لهم طرائق وآراء شتى.

 

ومن هذه النظريات:

1. نظرية هجر الظالمين:

قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِم قَالُواْ فِيمَ كُنتُم قَالُواْ كُنَّا مُستَضعَفِينَ فِي ٱلأَرضِ قَالُوٓاْ أَلَم تَكُن أَرضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَٰٓئِكَ مَأوَىٰهُم جَهَنَّمُ وَسَآءَت مَصِيرًا}[النساء: 97].

 

طرق هجر الظالمين المستبدين:

أ. تغيير الظلم، وذلك عن طريق ترك مجالس الظالمين، وعدم الدفاع عن شعاراتهم ومشاريعهم، والعمل على الابتعاد عنهم، مهما كانت الإغراءات. يقول الدكتور محمد عمارة: "الذين لا يهجرون المجتمع الظالم لتغييره، هم ظالمون لأنفسهم، وهو أشد أنواع الظلم، لأن ضحيته ليس ذات الظالم لنفسه وحدها، وليست فرداً أو أفراداً، بل الأمة، ومصالحها، والقيم التي دعا إليها الله، وبشر بها الرسول.

 ذلك أن كونهم {مُستَضعَفِينَ فِي ٱلأَرضِ} لا يعفيهم من مسؤولية التكليف بواجب التغيير للظلم، لأن منطقهم الاستسلامي هذا يعاكس إرادة الله سبحانه؛ تلك الإرادة التي صاغها القرآن الكريم في آية جمعت من المعاني والطاقات الثورية ما لم تجمعه شعارات وشعارات: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱستُضعِفُواْ فِي ٱلأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةٗ وَنَجعَلَهُمُ ٱلوَٰرِثِينَ}[القصص: 5].. فإرادة الله أن تكون القيادة والإمامة للمستضعفين في الأرض، وأن تكن لهم وراثة ما في حوزة أوطانهم من ثروات وعلوم وإمكانيات"([5]).

ب. الانضمام لموكب التغيير السلمي، ليكثر بهم المصلحون، ويعظم جهادهم ودعوتهم، حيث العزة والكرامة. وفي ذلك يقول الشيخ الشعراوي: "قوله تعالى: {فِيمَ كُنتُم}، أي: في أي شيء كنتم من أمر دينكم؟ والاستفهام هنا للتوبيخ والتقريع، أي لماذا ظلمتم أنفسكم؟ ولماذا لم تفعلوا مثلما فعل إخوانكم، وهاجرتم وانضممتم لموكب الإيمان والجهاد؟ ولماذا ظللتم في أماكنكم؛ محجوزين، ومحاصـرين، ولا تستطيعون الحركة، ولا تستيطعون الفِكاك؟"([6]).

ج. مقاومة الذل الواقع عليهم. قوله تعالى: {مُستَضعَفِينَ فِي ٱلأَرضِ}، أي: أنهم أريد ضعفهم وإذلالهم وعدم تمكينهم من إقامة الحق؛ لأن السين والتاء تدلان على طلب الضعف لهم من غيرهم، فهم يعتذرون بأن أعداء الدين، أو المسيطرين عليهم، أرادوا بهم هذا الضعف، وألزموهم إياه، فلم يستطيعوا عنه حولاً!. وهذا اعتذار غير سليم، لأنهم كانوا في ذات أنفسهم ضعفاء، إذْ رضوا بالذل والهوان"([7]).

د. العمل على إفشال مشاريع الظالمين، "بأسلوب غير أسلوب القوة، ولقاء العدوان بالعدوان، والشـر بالشـر، حين يكون الإنسان فى وجه قوة عاتية متسلطة، ولا قدرة له على دفعها.. إن كرامة الإنسان تفرض عليه أن يدفع عن وجوده الضيم والذل، بكل ما يملك من وسائل مادية وغير مادية، وإلَّا فقد باع إنسانيّته بثمن بخس.

وحين لا يجد الإنسان بين يديه القوة التي يدفع بها يد الظلم المسلّطة عليه، كان إمساك نفسه على هذا المرعى الخبيث وعدم التحول عنه، إقرارا بقبول الظلم، ونزولاً على حكم الظالمين"([8]).

 

2. النظرية العندية:

 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم): (أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، أَوْ أَمِيرٍ جَائِرٍ)([9]).

 وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): (سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ، فَنَهَاهُ وَأَمَرَهُ، فَقَتَلَهُ)([10]).

 وعَنْ أَمِينِ الْأُمَّةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ (رضي الله عنه) قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَيُّ الشُّهَدَاءِ أَكْرَمُ عَلَى الله؟ قَالَ: (رَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ بِمَعْرُوفٍ وَنَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ، فَقَتَلَهُ)([11]).

أفضل الجهاد:

يقسم قول الحق عند السلطان إلى أربعة أحوال:

1. كلمة حق وعدل عند سلطان عادل، وهذه سهلة.

2. كلمة باطل عند سلطان عادل، وهذه خطيرة؛ لأنك قد تفتن السلطان العادل بكلمتك، بما تزينه له من الزخارف.

3.كلمة حق عند سلطان جائر، وهذه أفضل الجهاد.

4. كلمة باطل عند سلطان جائر، وهذه أقبح ما يكون.

فهذه أقسام أربعة، لكن أفضلها كلمة الحق عند السلطان الجائر([12]).

وعن الحالة الثالثة يقول عبد العزيز الراجحي: "إذا ارتكب السلطان منكرًا، فللرعية معه ثلاث حالات:

الأولى: أن يقدر على نصحه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، من غير أن يحصل منه ضـرر أكبر من الأول، ولا منكر أعظم من الأول، ففي هذه الحالة يجب نصحه. وكيفية النصح يجب أن تكون بالموعظة الحسنة مع اللطف؛ لأن هذا هو مظنة الفائدة، وناصحه وآمره في هذه الحالة مجاهد سالم من الإثم، ولو لم ينفع نصحه.

الثانية: أن لا يقدر على نصحه، لأنه يبطش بمن يأمره، أو لأن نصحه يؤدي إلى حصول منكر أعظم وضـرر أكبر. وفي هذه الحالة يكون الإنكار عليه بالقلوب، وكراهية منكره، والسخط عليه. وهذه الحالة هي أضعف الإيمان.

الثالثة: أن يكون راضيًا بالمنكر الذي يفعله السلطان، ومتابعًا له عليه. وفي هذه الحالة يكون شـريكه في الإثم والوزر([13]).

 

الإنكار وعدم التأثير:

اختلف العلماء فيما إذا كان القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، متأكداً من عدم التأثير؛ أو إنَّ أمره ونهيه لا يفيد، ولا يعود بطائل، على عدة أقوال:

1. لا يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الحالة. وهو قول أبي حامد الغزالي، إذ قال: "... أن يعلم أنه لا يفيد إنكاره، ولكنه لا يخاف، فلا تجب عليه الحسبة، لعدم فائدتها"([14]).

2.  تستحب، لإظهار شعائر الإسلام، وتذكير الناس بأمر الدين([15]).

3. الإنكار بالقلب والهجر. قال القرطبي : "قال ابن عطية: والإجماع منعقد على أن النهي عن المنكر فرض لمن أطاقه، وأمن الضـرر على نفسه وعلى المسلمين. فإن خاف، فينكر بقلبه، ويهجر ذا المنكر ولا يخالطه"([16]).

4. إظهار معالم الشـرع. يقول التفتازاني في (شـرح المقاصد)، وهو يتحدث عن شروط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "منها تجويز التأثير، بأن لا يعلم عدم التأثير قطعاً، لئلا يكون عبثاً واشتغالاً بما لا يعني. فإن قيل: يجب، وإن لم يؤثر، إعزازاً للدين، قلنا: ربما يكون إذلالاً"([17]).

ويقول ابن المناصف القرطبي: "والأظهر عندي: أنه يجب عليه القول، وإن كان يائساً من كفّ ذلك المنكر؛ لأن الإنكار أخصُّ فريضةً، لا يسقطه عدم تأثر المنكر عليه، ألا ترى أنّ إنكار القلب، حيث لا يستطاع الإنكار بالقول، واجبٌ باتفاق، وهو لا أثَرَ له في دفع ذلك المنكر! فكذلك يجب القول إذا أمكنه، وإن لم يؤثر. وأيضاً ففي إعلان الإنكار تقريرُ معالم الشـرع"([18]).

5. يسقط الإنكار إذا كان الحاكم دكتاتوراً ومستبداً. وفي ذلك يقول السفاريني الحنبلي، في (لوامع الأنوار البهية): "من خاف على نفسه السيف، أو السوط، أو الحبس، أو القيد، أو النفي، أو أخذ المال، ونحو ذلك من الأذى، أو خاف مثل ذلك على أهله وجيرانه، سقط وجوب الإنكار. وقد نص على ذلك الأئمة؛ منهم: مالك بن أنس، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم. قال الإمام أحمد: لا يتعرض للسلطان، فإن سيفه مسلول"([19]).

ويقول ابن النحاس([20]): "وأما الإنكار على السلطان بالسب وتخشين الكلام... فينظر؛ إن علم أن شـرّ ذلك يتعدى إلى غير القائل، لم يجز له الإقدام عليه، كما في غير السلطان. وإن كان لا يخاف إلَّا على نفسه، كان ذلك جائزاً، بل مندوباً إليه، لأن فيه تحريض للشهادة"([21]).

6. وجوب الإنكار. يقول ابن شبرمة: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كالجهاد، يجب على الواحد أن يصابر فيه الاثنين، ويحرم عليه الفرار منهما، ولا يجب عليه مصابرة أكثر من ذلك. وأما مجرد خوف السب، أو سماع الكلام السيئ، فلا يسقط الإنكار - نص عليه الإمام أحمد - وإن احتمل الأذى، وقوي عليه، فهو أفضل"([22]).

وقال العظيم آبادي: "قال العلماء: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله، فإن الذكرى تنفع المؤمنين. والذي عليه الأمر والنهي، لا القبول"([23]).

عندما يكون قول الحق جريمة:

  يقول علي القاري: "أكابر الصحابة، في الصدر الأول، عجزوا مع كمال قوتهم في الدين واليقين والمعرفة، ولم يقدروا على إظهار الحق لأهل البطلان؛ كيزيد والحجاج، وأمثالهما من الظلمة والفسقة، فكيف حالنا والحال أن بعد الألف([24]) أيام تقهقر الإسلام، وتسلط السلاطين على جميع الأنام، من غير تحققهم بشـروط الإمامة والخلافة، وقلة العلماء العاملين، وكثرة العضلاء الجاهلين والقضاة الظالمين والمشايخ المرائين، فإنا لله وإنا إليه راجعون. فهذا لا شك أنه زمان الصبر المقرون بالشكر، المنضم إلى الرضا بالقضاء، المتعين فيه السكوت، وملازمة البيوت، والقناعة بالقوت إلى أن يموت"([25]).

الفساد داء خبيث، إن بدأ من السلطة:

  يقول الشيخ محمد الغزالي: "مهما كانت عظمة مرتكب المنكر، فإن المؤمن العظيم يستهين بملوك الدنيا أجمعين، إذا نظر إلى جلال الله وواسع فضله على من يرمي بالحق في وجوههم. فإذا سفك دمه في هذه السبيل، فقد فاز بأعلى الدرجات... المسلم مكلف بترك الشـر، وتنظيف المجتمع من لوثاته، مطالب أمام الله بنبذ المعصية، ومحو آثارها من حوله، فرسالته تتجاوز الحدود الضيقة لشخصيته إلى نطاق أرحب، يشمل أمته كلها، بل يشمل العالم أجمع. هل معنى ذلك: أن الإسلام يأمر بالتدخل في تصـرفات الآخرين، أو التعرض للحريات الشخصية؟ كما يتصور بعض الناس حين ينهون ويأمرون. ونقول: نعم، إن الحرية مكفولة لمحاربة الظلم، لا لإيقاعه والجور على المصلحة الكبرى للبشـر. والإسلام يعتبر الفساد داء خبيثاً، لا يقصـر شـره على صاحبه، بل يتعداه إلى كيان الأمة كلها. وكما أن المصاب بمرض معد تصادر حرية انتقاله من مكان إلى مكان، ويحجز في مستشفى خاص، حتى لا تنتشر جراثيم علته بين الناس، فكذلك الشخص الفاسد!! إن لم يضـرب على يده، ويستنكر ما بدا منه، شاع فساده، ووجد في القلوب المريضة قبولاً حسناً، وفي البيئات الضعيفة مرتعاً خصباً، والويل لشعب تتبجح فيه المعصية، وتسير مستعلنة من غير نكير، إنه يسير حثيثاً إلى الهاوية! والحق أن المجتمع يدفع عن نفسه حين يحبس أولئك الحمقى، ويمنعهم عن غوايتهم"([26]).

 

3-      نظرية النصح (النظرية النصحية):

 عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم)، قَالَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ) قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: (لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ)([27]). 

وفي رواية أخرى: قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ) قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: (لِلَّهِ، وَكِتَابِهِ، وَرَسُولِهِ، وَأَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَامَّتِهِمْ، أَوْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ)([28]).

وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ)([29]).

وقال: (ثَلَاثُ خِصَالٍ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ)([30]).

 قال الخطابي: "النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبر هذا المعنى بكلمة واحدة تحصـرها، وتجمع معناها، غيرها. وأصل النصح في اللغة: الخلوص، يقال: نصحت العسل، إذا خلصته من الشمع.

فمعنى النصيحة لله سبحانه، صحة الاعتقاد في وحدانيته، وإخلاص النية في عبادته. والنصيحة لكتاب الله، الإيمان به، والعمل بما فيه. والنصيحة لرسوله، التصديق بنبوته، وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه. والنصيحة لأئمة المؤمنين، أن يطيعهم في الحق، وأن لا يرى الخروج عليهم بالسيف إذا جاروا. والنصيحة لعامة المسلمين، إرشادهم إلى مصالحهم"([31]). 

 وقال الكلاباذي: "النصح هو: فعل الشـيء الذي به الصلاح والملاءمة، مأخوذ من النصاحة، وهي السلوك التي يخاط بها. وتصغيرها: نصيحة. يقول العرب: هذا قميص منصوح، أي: مخيط. ونصحته أنصحه نصحاً، إذا خطته. وإنما اختلف النصح في الأشياء، لاختلاف أحوال الأشياء: فالنصح لله عز وجل هو: وصفه بما هو أهله، وتنزيهه عما هو ليس بأهل له؛ عقداً وقولاً، والقيام بتعظيمه، والخضوع له ظاهراً وباطناً، والرغبة في محابه، والبعد من مساخطه، وموالاة من أطاعه، ومعاداة من عصاه، والجهاد في رد العاصين إلى طاعته قولاً وفعلاً. وإرادة النصيحة لكتابه: إقامته في التلاوة، وتحسينه عند القراءة، وتفهم ما فيه، واستعماله، والذب عنه من تأويل المحرفين، وطعن الطاعنين. والنصيحة للرسول (صلى الله عليه وسلم): مؤازرته ونصـرته، والحماية من ذويه حياً وميتاً، وإحياء سنته بالطلب، وإحياء طريقته في بث الدعوة، وتأليف الكلمة، والتخلق بأخلاقه الظاهرة. والنصيحة للأئمة: معاونتهم على ما تكلفوا القيام به، في تنبيههم عند الغفلة، وتقويمهم عند الهفوة، وسدّ خلّتهم عند الحاجة، ونصـرتهم في جمع الكلمة عليهم، وردّ القلوب النافرة إليهم. والنصيحة لجماعة المسلمين: الشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم، والرحمة بصغيرهم، وتفريج كربهم، والسعي فيما يعود نفعه عليهم في الآجل، ودعوتهم إلى ما يسعدهم، وتوقي ما يشغل خواطرهم، ويفتح باب الوسواس عليهم، وإن كان في نفسه حقاً وحسناً، ومن النصيحة للمسلمين رفع مؤنة بدنه ونفسه وحوائجه عنهم، والله أعلم"([32]).

نصيحة الأئمة:

  قال أبو عبد الله القلعي: "يجب على من صحب الْمُلُوك وَجَالسهمْ، وَصَارَ من أهل المباسطة لَهُم والموانسة، أَن لَا يطوي عَنْهُم نصيحةً تعود عَلَيْهِم فِي صَلَاح الدّين ودوام المملكة وَحسن الأحدوثة عَنْهُم، قَالَ (صلى الله عليه وسلم): (رَأس الدّين النَّصِيحَة). وَلَا يحملهُ مَا يرَاهُ من محبَّة الْملك لما يرتكبه من لذيذ شهواته، وسروره بِمَا يَتَأَتَّى لَهُ من دَرك إِرَادَته، وارتياحه إِلَى تَنْفِيذ أوامره ونواهيه، واغتباطه من السياسة بِمَا يذره ويأتيه، مِمَّا يكسبه إِثْمًا، أَو يلْحقهُ وصماً، أَو تعود عاقبته إِلَى فَسَاد فِي مَمْلَكَته، أَو اختلال فِي دولته، على مُوَافَقَته فِي اسْتِحْسَان مَا استحسنه، ومتابعته على استصواب مَا خيل إِلَيْهِ رَأْيه من ذَلِك وزيّنه، فَإِن ذَلِك من أعظم دَلَائِل الخيانة، وَهُوَ مباين لسبيل النصح وَالْأَمَانَة([33]).

 وإذا علم ناصح الأئمة أن نصيحته تعدو عليه وبالاً، فهو بين أمرين:

الأمر الأول: عدم القيام بالنصح، وفي ذلك يقول ابن بطال: "والنصيحة فرض، يجزئ فيه من قام به، ويسقط عن الباقين. والنصيحة لازمة على قدر الطاقة، إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه، ويطاع أمره، وأمن على نفسه المكروه. وأما إن خشـي الأذى، فهو في سعة منها"([34]).

الأمر الثاني: القيام بالنصح مع توقع وقوع الضـرر. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم): (سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ، فَنَهَاهُ وَأَمَرَهُ، فَقَتَلَهُ)([35]).

 إنما صار قائل الحق ضمن قائمة سيد الشهداء، بعد حمزة بن عبد المطلب، "لأن من جاهد السلطان الجائر، وكان متردداً بين رجاء وخوف، لا يدري هل يغلب أو يغلب؟ وصاحب السلطان مقهور في يده، فهو إذا قال الحق وأمره بالمعروف، فقد تعرض للتلف وأهدف نفسه للهلاك، فصار ذلك أفضل أنواع الجهاد، من أجل غلبة الخوف. والله أعلم"([36]). 

أول النصح: تعلم علم النصيحة:

يقول أبو بكر الآجري: "ولا يكون ناصحاً لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، إلَّا من بدأ بالنصيحة لنفسه، واجتهد في طلب العلم والفقه، ليعرف به ما يجب عليه، ويعلم عداوة الشيطان له، وكيف الحذر منه، ويعلم قبيح ما تميل إليه النفس، حتى يخالفها بعلم"([37]).

نصيحة أبو سعيد الخدري للحسين (رضي الله عنه):

  لما بايع الناس معاوية ليزيد، كان الحسين ممن لم يبايع له، وكان أهل الكوفة يكتبون إلى الحسين يدعونه إلى الخروج إليهم، في خلافة معاوية. كل ذلك وهو يأبى. فقدم منهم قوم إلى محمد ابن الحنفية يطلبون إليه أن يخرج معهم، فأبى، وجاء إلى الحسين فأخبره بما عرضوا عليه، وقال: إن القوم إنما يريدون أن يأكلوا بنا، ويشيطوا دماءنا. فأقام الحسين على ما هو عليه من الهموم، مرة يريد أن يسير إليهم، ومرة يجمع الإقامة. فجاءه أبو سعيد الخدري فقال: يا أبا عبد الله، إني لك ناصح، وإني عليكم مشفق، قد بلغني أنه قد كاتبكم قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم، فلا تخرج إليهم، فإني سمعت أباك يقول في الكوفة: والله لقد مللتهم وأبغضتهم، وملوني وأبغضوني، وما يكون منهم وفاء قط، ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم ثبات، ولا عزم على أمر، ولا صبر على سيف([38]).

نصيحة رجل لعبد الملك بن مروان:

  قيل: خطب عبد الملك بن مروان يوماً بمكة، فلما صار إلى موضع العظة قام إليه رجل، فقال: مهلاً مهلاً إنكم تأمرون ولا تأتمرون، وتنهون ولا تنتهون! أفنقتدي بسيرتكم في أنفسكم؟ أم نطيع أمركم بألسنتكم؟ فإن قلتم اقتدوا بسيرتنا، فأين، وكيف، وما الحجة؟ وما النصير من الله في الاقتداء بسيرة الظلمة الجَوَرَة، الذين أكلوا أموال الناس دُوَلاً، وجعلوا عباد الله خَوَلاً؟([39]).

وإن قلتم أطيعوا واقبلوا نصيحتنا، فكيف ينصح غيره من يغش نفسه؟ أم كيف تجب الطاعة لمن لم تثبت عدالته؟

وإن قلتم خذوا الحكمة من حيث وجدتموها، واقبلوا العظة ممن سمعتموها، فعلام قلّدناكم أزمّة أمورنا؟ وحكّمناكم في أموالنا ودمائنا؟ أما علمتم أن فينا من هو أفصح بفنون العظات، وأعرف بوجوه اللغات، منكم؟ فتلحلحوا عنها لهم؟ وإلَّا فأطلقوا عقالها، وخلّوا سبيلها، يبتدر إليها الذين شـردتموهم في البلاد، ونقلتموهم في كل واد. أم لئن بقيت في أيديكم لانقضاء المدة وبلوغ الغاية، فإن لكل قائم يوماً لا يعدوه، وكتاباً بعده يتلوه، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلَّا أحصاها، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون([40]).      

 

4-      نظرية السمع والطاعة:   

 تقول الحقيقة: (عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ الطَّاعَةُ، فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ).

عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم)، قَالَ: (السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ؛ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ)([41]).

وعن عبادة بن الصامت، قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا، أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْـرِنَا وَيُسْـرِنَا، وَأُثْرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، (إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ)([42]).

وعن حذيفة، عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم)، قَالَ: (يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ). قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: (تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُـرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ)([43]).

وعنه أيضاً، قال: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: (عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ الطَّاعَةُ، فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ)([44]).

يستنبط مؤيدوا هذه النظرية من هذه الأحاديث جملة من القواعد، منها:

1. طاعة ولاة الأمر من طاعة الله - عز وجل -.  يقول أبو جعفر الطحاوي[45] (ت: 321هـ/933م)، في عقيدته: "ولا نرى الخروج على أئمتنا، وولاة أمورنا، وإنْ جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله - عز وجل - فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة"([46]).

2. الصبر على الطاعة، تكفير للسيئات. وفي ذلك يقول ابن أبي العز الحنفي[47] (ت: 792هـ/1390م)، في شـرح العقيدة الطحاوية: "وأما لزوم طاعتهم وإنْ جاروا، فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جَورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلَّا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد بالاستغفار والتوبة وإصلاح العمل"([48]).

3. السمع والطاعة، سداً للذريعة. يقول ابن القيم: "نهيه (صلى الله عليه وسلم) عن قتال الأمراء، والخروج على الأئمة - وإنْ ظلموا أو جاروا، ما أقاموا الصلاة - سداً لذريعة الفساد العظيم، والشـر الكثير، بقتالهم، كما هو الواقع؛ فإنه حصل بسبب قتالهم، والخروج عليهم، أضعاف أضعاف ما هم عليه"([49]).

4. الحفاظ على مصالح العباد والبلاد. "إن المتغلب على الحكم، إما أن يكون مستجمعاً للصفات، مرضياً عنه، بعد تغلبه، فهذا تعتبر إمامته شـرعية، إذا بايعه المسلمون، فالعبرة بالرضا، فإذا رضي المسلمون عنه، زال الاغتصاب.

إما إذا كان المتغلب غير مستجمع للصفات، أو مستجمعاً، ولكن غير مرضي عنه، سواء عقدت له البيعة بالإكراه أو لم تعقد، فإنه يعتبر غير شـرعي، ووجوده منكر يجب تغييره، حسب الاستطاعة... لأنها معصية لا تستوجب الخروج عليه، وينكر عليه باللسان، أو بأي طريق سلمي آخر، حتى يرجع إلى الحق، فإن لم يرجع، فعلى المسلمين السمع والطاعة تجنباً لإراقة الدماء، وحرصاً على مصالح المسلمين"([50]).

 وبعد هذا، والذي عليه الأكثر من العلماء، أن الصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه، لأن في منازعته والخروج عليه؛ استبدال الأمن بالخوف، وإراقة الدماء، وانطلاق أيدي السفهاء، وشن الغارات على المسلمين، والفساد في الأرض([51]).

  وقال ابن القيم في هذا الصدد:

  "إن الشـريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث؛ فليست من الشـريعة، وإنْ أدخلت فيها بالتأويل؛ فالشـريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه... وقد شـرع النبيّ لأمته إيجاب إنكار المنكر، ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه، وأبغض إلى الله ورسوله، فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه، ويمقت أهله. وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم؛ فإنه أساس كل شـر وفتنة إلى آخر الدهر. "وقد استأذن الصحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ فقال: (لَا، مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ)([52]). وقال: (من رأى من أميره ما يكرهه، فليصبر، ولا ينزعن يداً من طاعته)([53]). ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن، الكبار والصغار، رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على منكر؛ فطلَبَ إزالته، فتولد منه ما هو أكبر منه؛ فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها، بل لما فتح الله (مكة)، وصارت دار إسلام، عزم على تغيير البيت وردّه على قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك - مع قدرته عليه - خشية وقوع ما هو أعظم منه؛ من عدم احتمال قريش لذلك، لقرب عهدهم بالإسلام، وكونهم حديثي عهد بكفر. ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد؛ لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم"([54]). 

 

مواقف مؤيدة للنظرية:

1. معارضة خلع يزيد، من قبل فضلاء الصحابة:

اعترض بعض علماء وفقهاء المدينة على خلع يزيد بن معاوية، والخروج عليه، ولم يؤيدوا من قام بالخروج، وقاموا بنصح إخوانهم، واعتزلوا الفتنة. وكان أغلب هذا الرأي من أهل العلم والفقه في الدين، فكان منهم:

- عبد الله بن عمر (رضي الله عنه):  

  في مقدمة الذين اعتزلوا الفتنة الصحابي الجليل، الإمام القدوة، عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، فقد اشتهر عنه إنكاره على الذين رفضوا البيعة ليزيد، وسعوا في خلعه. فعندما أراد عبد الله بن مطيع([55]) الفرار من المدينة، تهرباً من البيعة ليزيد، وسمع ذلك عبد الله بن عمر، خرج إليه، حتى جاءه، فقال له: أين تريد يا ابن عم؟ فقال: لا أعطيهم طاعة أبداً. فقال له: أين تريد يا ابن عم؟ لا تفعل، فإني أشهد أني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)([56]). وعندما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية، جمع ابن عمر حشمه، وولده، فقال: إني سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: (يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ)، وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ القِتَالُ، وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ، وَلاَ بَايَعَ فِي هَذَا الأَمْرِ، إِلَّا كَانَتِ الفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ([57]).

 فقد عارض ابن عمر من خرج من أهل المدينة، لسببين:

الأول: نقضهم البيعة. وهو يرى أنهم أعطوا البيعة عن رضى واختيار، ولم يفعلوا مثل الحسين (رضي الله عنه)، حيث كان موقفه واضحاً منذ البداية، ولم يعط البيعة، وذلك عند ابن عمر خيانة وغدر، ويتضح ذلك في قوله لعبد الله بن مطيع: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)([58]).

الثاني: هو تعظيم حرمة دماء المسلمين، وحرمة الاقتتال بينهم. وتزداد هذه الحرمة في الأماكن المقدسة؛ كمكة، والمدينة([59]). 

- محمد بن علي بن أبي طالب (ابن الحنفية):

 لم ير ابن الحنفية([60]) خروج أهل المدينة على يزيد، ولم يستجب لدعوتهم إياه بالخروج معهم، بل جادلهم في نفي التهم التي أشاعوها عن يزيد. ولما رجع وفد أهل المدينة من يزيد، مشـى عبد الله بن مطيع، وأصحابه، إلى محمد بن الحنفية، فأرادوه على خلع يزيد، فأبى عليهم.

 فقال ابن مطيع: إن يزيد يشـرب الخمر، ويترك الصلاة، ويتعدى حكم الكتاب.

فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضـرته، وأقمت عنده، فرأيته مواظباً على الصلاة، متحرياً للخير، يسأل عن الفقه، ملازماً للسنة.

قالوا: فإن ذلك كان منه تصنعاً لك.

فقال: وما الذي خاف مني أو رجا، حتى يظهر لي الخشوع؟ فأطلعكم على ما تذكرون من شـرب الخمر؟([61]) فلئن كان أطلعكم على ذلك، إنكم لشـركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم، فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا.

قالوا: إنه عندنا لحق، وإن لم يكن رأيناه.

فقال لهم: أبى الله ذلك على أهل الشهادة، فقال: {إِلَّا مَن شَهِدَ بِٱلحَقِّ وَهُم يَعلَمُونَ}[الزخرف: 86]، ولست من أمركم في شيء.

قالوا: فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك، فنحن نوليك أمرنا.

قال: ما أستحل القتال على ما تريدون عليه، تابعاً ولا متبوعاً.

قالوا: فقد قاتلت مع أبيك.

قال: جيئوني بمثل أبي، أقاتل على ما قاتل عليه.

فقالوا: فمر ابنيك أبا القاسم والقاسم بالقتال معنا.

قال: لو أمرتهما، قاتلت.

قالوا: فقم معنا مقاماً تحض الناس فيه على القتال.

قال: سبحان الله آمر الناس بما لا أفعله ولا أرضاه. إذاً، ما نصحت لله في عباده.

قالوا: إذاً نكرهك.

قال: إذاً آمر الناس بتقوى الله، ولا يرضون المخلوق بسخط الخالق.

ولما رأى محمد بن الحنفية الأمور تسير في الاتجاه الذي لا يريده، وبدا يظهر له سوء عاقبة تصـرفات المخالفين له من أهل المدينة، حينما ترامى إلى الأسماع قدوم جيش أهل الشام إلى المدينة، لذلك قرر ترك المدينة، والتوجه إلى مكة([62]).

وقال لأصحابه الذين تمنوا زوال ملك بني أمية: "اتَّقُوا هَذِهِ الْفِتَنَ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَشْـرِفُ إِلَيْهَا أَحَدٌ إِلَّا اسْتَبَقْتُهُ. أَلَا إِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَهُمْ أَجَلٌ وَمُدَّةٌ، لَوْ أَجْمَعَ مَنْ فِي الْأَرْضِ أَنْ يُزِيلُوا مُلْكَهُمْ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَأْذَنُ فِيهِ، أَتَسْتَطِيعُونَ أَنْ تُزِيلُوا هَذِهِ الْجِبَالَ"([63]).

- أهل بيت النبوة:

  لزم أهل بيت النبوة الطاعة، ولم يخرجوا مع أهل المدينة ضد يزيد. فعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لم يخرج مع أهل المدينة، ولزم الطاعة ليزيد. وهو الذي قال فيه الزهري: "كان أفضل أهل بيته، وأحسنهم طاعة. وقال عنه: لم أدرك من آل البيت أفضل من علي بن الحسين"([64]). وكذلك ابن عباس، وهو فقيه الأمة وحبرها وعالمها، لم ينقل عنه تأييداً لأهل المدينة، بل كان معتزلاً في الطائف، كما أنه لم يذكر عنه أنه نزع بيعة يزيد بن معاوية. فهؤلاء أفضل آل بيت النبوة في زمانهم، ومع ذلك لم يخرجوا مع أهل المدينة، ومسوغات الخروج على يزيد عندهم هي أكثر من غيرهم([65]). 

- النعمان بن بشير الأنصاري:

  وممن عاب على أهل المدينة خروجهم، وعارضهم، الصحابي الجليل النعمان بن بشير الأنصاري([66])، وقد كان إبان خروج أهل المدينة في الشام، فاستغل يزيد فرصة وجوده، فبعثه إلى أهل المدينة، لعله يفلح في صدهم عن الخروج، ويعيدهم إلى الطاعة ولزوم الجماعة. فاستجاب النعمان لذلك، وقدم المدينة، فجمع عامة الناس، وأمرهم بالطاعة ولزوم الجماعة، وخوّفهم الفتنة، وقال لهم: إنه لا طاقة لكم بأهل الشام. فقال له عبد الله بن مطيع: ما يحملك يا نعمان على تفريق جماعتنا، وفساد ما أصلح الله من أمرنا. فقال النعمان: أما والله لكأني بك لو قد نزلت تلك التي تدعو إليها، وقامت الرجال على الركب تضـرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف، ودارت رحى الموت بين الفريقين، قد هربت على بغلتك تضـرب جبينها إلى مكة، وقد خلفت هؤلاء المساكين (الأنصار) يقتلون في سككهم، ومساجدهم، وعلى أبواب دورهم. فعصاه الناس، فانصرف، وكان والله كما قال([67]).

- عبد الله بن جعفر بن أبي طالب:

   كان بالشام عندما عزم يزيد أن يبعث جيشاً إلى المدينة، فحاول عبد الله بن جعفر([68]) أن يتدخل في الأمر، ليجنب أهل المدينة شـر القتال، فكلم يزيد، وطلب منه الرفق بأهل المدينة، ورقّقه عليهم، وقال: إنما تقتتل بهم نفسك. وقد تجاوب معه يزيد، حين قال: فإني أبعث أول جيش، وآمرهم أن يمروا بالمدينة إلى ابن الزبير، فإنه قد نصب لنا الحرب، ويجعلونها طريقاً، ولا يقاتلهم، فإن أقر أهل المدينة بالسمع والطاعة تركهم. وقد وجد عبد الله بن جعفر مدخلاً لكف القتال والأذى عن أهل المدينة، فكتب على الفور إلى زعماء أهل المدينة يخبرهم بذلك، ويقول: استقبلوا ما سلف، واغنموا السلامة والأمن، ولا تعرضوا لجنده، ودعوهم يمضون عنكم. وكان ردهم عليه: لا يدخلها علينا أبداً([69]).

 

- تأييد عصـري:

 قالوا: "إن من عقيدة أهل السنة والجماعة، وأصولهم، السمع والطاعة للأئمة، ما داموا بأمور الدين قائمين، وعن بيضته وحوزته محامين ومدافعين، وعلى الثغور مرابطين، وللمسلمين موالين، ولحرماتهم محافظين، ولأهل البدع والعدوان قامعين، وللكفار والمنافقين معادين. ولنا الظاهر من تصـرفاتهم، ونكل إلى الله سـرائرهم. كما يرون أن الجهاد معهم ماض، والصلاة خلفهم صحيحة، وكذلك بقية العبادات([70]). ويعتقدون أن الدعاء والنصيحة لهم من الإسلام، وأن الغدر والنكث لهم من الخذلان، وأن طاعتهم طاعة لله ورسوله، ومعصيتهم معصية لله ورسوله، وأن الخارج عليهم يعتبر شاقاً لعصا المسلمين، مخالفاً لأثر المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، ولذلك حكم عليه - إن مات على ذلك - بالميتة الجاهلية، وعلى المسلمين مدافعته، والأخذ على يده نصـرة لإمامهم، وحفظاً لدينهم، وحقناً لدمائهم، وصيانة لأعراضهم وأموالهم. ويعتقدون أن من تغلّب بالسيف، وصار له شوكة وقوة، وسمّي أميراً، وقاد الناس وساسهم بكتاب الله وسنة رسوله، وجبت طاعته، والانضمام تحت أمرته، وإعطاؤه صفقة اليد، وثمرة القلب، وبذل النصيحة له، والصدع بالحق له وعليه، فإن صدر من الأئمة ما يشين سلوكهم وعقيدتهم؛ من كفر بواح، أو عدم إقامة للصلاة، أو ترك الدعاء إليها، أو بدعة عقدية مكفرة؛ كالرفض ونحوها، ففي هذه الحالة يجب على الأمة خلعهم، وعدم السمع والطاعة لهم.

ويتلخص مذهب أهل السنة والجماعة نحو الأئمة في الأمور الآتية:

أولاً: السمع والطاعة لهم، فيما هو طاعة لله سبحانه ولرسوله (صلى الله عليه وسلم).

ثانياً: النصح لهم.

ثالثاً: الوفاء بالبيعة لهم؛ الأول فالأول.

رابعاً: إعطاؤهم حقهم، وإن منعوا حق غيرهم.

خامساً: إقامة الصلاة خلفهم.

سادساً: الجهاد والغزو معهم.

سابعاً: قول الحق، والصدع به، معهم، دون خوف ولا وجل.

ثامناً: الصبر على جورهم وظلمهم.

تاسعاً: عدم منازعتهم أمرهم، أو الغدر بهم.

عاشـراً: عدم الطاعة لهم فيما هو معصية.

الحادي عشـر: عدم تصديقهم بكذبهم.

الثاني عشـر: عدم إعانتهم على ظلمهم.

الثالث عشـر: عدم الإنكار عليهم بالسيف، أو الخروج عليهم، إلَّا أن يكون كفراً بواحاً"([71]).

 

 

 

 

 

 

 


 

 

 

 


 



[1] - رؤوس الناس؛ من العلماء والفقهاء والأمراء والوجهاء المتبوعين.

[2]- فهد بن صالح العجلان، الانتخابات وأحكامها في الفقه الإسلامي: (327-328، 330)، دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع – الرياض، ط1، 1430هـ/2009م. لمزيد الاطلاع يراجع: الفصل الثالث – المبحث الثالث: بيعة الخلفاء الراشدين من كتاب (النظام السياسي في الإسلام)، للدكتور أحمد غلوش: (ص196-211)، مؤسسة الرسالة – بيروت، ط2، 1405هـ/2004م.

[3]- هناك طرق أخرى لا تراعى فيها الشـروط، حيث يتم اختيار رئيس الحكومة عن طريق البرلمان (مجلس النواب) بأغلبية الأصوات، أو عن طريق التوافقات الحزبية والسياسية والقومية، أو الحزب الذي يحصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان، أو الكتلة التي تستطيع جمع  أكثر المقاعد البرلمانية، أو بطرق أخرى متبعة اليوم في الكثير من الدول.

[4]- حسني محمد العطار، ثورات الربيع العربي وفقه الخروج على الحاكم: (ص77-78)، مؤسسة نافذ للبحث والطباعة والنشـر، رفح، فلسطين، ط1، 1442هـ/2020م.

[5]- الإسلام والثورة، محمد عمارة، (ص27)، بتصرف يسير.

[6]- الخواطر: (4/2577).

[7]- زهرة التفاسير: (4/1819).

[8]- التفسير القرآني للقرآن للخطيب: (3/877-878).

[9]- سنن ابن ماجه: (2/1329؛ رقم: 4011)؛ سنن أبو داود: (4/124؛ رقم: 4344)؛ سنن الترمذي: (رقم: 2174)، حكم الألباني: صحيح.

[10]- المعجم الأوسط للطبراني: (4/238؛ رقم: 4079)؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته: (1/685؛ رقم: 3675)، حديث حسن.

[11]- مسند البزار: (4/109؛ رقم: 1285).

[12]- شـرح رياض الصالحين، لابن عثيمين: (2/454).

[13]- القول البين الأظهر في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (ص126-127)، الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية، بدون بيانات.

[14]- إحياء علوم الدين: (2/319).

[15]- إحياء علوم الدين: (2/319).

[16]- الجامع لأحكام القرآن: (6/253).

[17]- شـرح المقاصد في علم الكلام: (2/245).

[18]- الإنجاد في أبواب الجهاد: (ص15).

[19]- لوامع الأنوار البهية: (2/434)، مؤسسة الخافقين – دمشق، ط2، 1402هـ : 1982م.

[20]- ابن النَّحَّاس (ت: 814هـ /1411م): أحمد بن إبراهيم بن محمد، أبو زكريا، محيي الدين الدمشقيّ ثم الدمياطيّ، المعروف بابن النحاس: فرضي، رياضي، هندسي، فاضل، مجاهد، من فقهاء الشافعية. ولد في دمشق، ورحل أيام تيمورلنك إلى مصر، ولازم المرابطة والجهاد بثغر دمياط، وقتل شهيداً في معركة مع الفرنج. من تآليفه: مشارع الأسواق إلى مصارع العشاق، مثير الغرام إلى دار السلام، تنبيه الغافلين في معرفة الكبائر والصغائر، بيان المغنم في الورد الأعظم، وحاشية على شـرح تجريد الكلام. (الأعلام للزركلي: (1/87)؛ معجم المؤلفين: (1/142).

[21]- تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين: (ص60).

[22]- لوامع الأنوار البهية: (2/434).

[23]- عون المعبود شـرح سنن أبي داود: (11/330).

[24]- للعلم أنه توفي سنة (1014ه/1605م).

[25]- مرقاة المفاتيح: (8/3217).

[26]- الإسلام والاستبداد السياسي، محمد الغزالي: (ص148).

[27]- مسند الإمام أحمد: (28/138؛ رقم: 16940)؛ صحيح مسلم: (1/74؛ رقم: 55). 

[28]- سنن أبو داود: (4/286؛ رقم: 4944)؛ سنن الترمذي: (رقم: 1926)؛ صحيح ابن حبان: (10/435؛ رقم: 4574).

[29]- موطأ الإمام مالك: (5/1441؛ رقم: 3632)؛ مسند الإمام أحمد: (14/399؛ رقم: 8799)، حديث صحيح.

[30]- مسند الإمام أحمد: (35/467؛ رقم: 21590)؛ سنن الترمذي: (رقم: 2658)؛ صحيح ابن حبان: (1/270؛ رقم: 67).

[31]- معالم السنن: (4/125-126).

[32]- بحر الفوائد: (ص105).

[33]- أبو عبد الله القلعي، تهذيب الرياسة وترتيب السياسة: (ص160-161)، مكتبة المنار – الزرقاء، الأردن، ط1.

[34]- فتح الباري: (1/129).

[35]- المعجم الأوسط للطبراني: (4/238؛ رقم: 4079)؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته: (1/685؛ رقم: 3675)، حديث حسن.

[36]- معالم السنن: (4/350).

[37]- فتح الباري: (1/130).

[38]- البداية والنهاية: (11/499-500).

[39]- يعني خدم.

[40]- نصيحة الملوك للماوردي: (ص60-61)، تحقيق: الشيخ خضر محمد خضر، مكتبة الفلاح، ط1، 1403هـ/1983م.

[41]- اللؤلؤ والمرجان: (رقم: 1205).

[42]- اللؤلؤ والمرجان: (رقم: 1207).

[43]- صحيح مسلم: (3/1476؛ رقم: 1847). قال الدارقطني: وهذا عندي مرسل، أبو سلام لم يسمع من حذيفة، ولا من نظرائه الذين نزلوا العراق. الإلزامات والتتبع: (رقم: 53).

[44]- سنن ابن ماجه: (2/956؛ رقم: 2864)؛ سنن النسائي الكبرى: (7/192؛ رقم: 7781)، وفيه: (عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ ...)، حكم الألباني: صحيح.

[45]- أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزديّ الطحاوي، أبو جعفر: فقيه، انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر. فقيه مجتهد، محدث، حافظ، مؤرخ. من تصانيفه: أحكام القرآن، المختصر في الفقه، الاختلاف بين الفقهاء، المحاضر والسجلات والتاريخ الكبير، مشكل الآثار، معاني الآثار، النوادر الفقهية، مناقب أبي حنيفة، وغيرها من المصنفات. تاج التراجم: (1/100؛ رقم: 21)؛ أعلام الزركلي: (1/206)؛ معجم المؤلفين: (2/27).

[46]- شـرح العقيدة الطحاوية (المتن): (ص251)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، وكالة الطباعة والترجمة في الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

[47]- ابن أَبي العِزّ علي بن علي بن محمد بن أبي العز، الحنفي الدمشقيّ: فقيه. كان قاضي القضاة بدمشق، ثم بالديار المصرية، ثم بدمشق. الدرر الكامنة: (4/103؛ رقم: 188)؛ أعلام الزركلي: (4/313).

[48]- شـرح العقيدة الطحاوية: (ص252).

[49]- أعلام الموقعين: (3/126).

[50]- نظرية الخروج: (ص104).

[51]- تفسير القرطبي: (2/109).

[52]- مسند الإمام أحمد: (17/321؛ رقم: 11223)، صحيح لغيره، وهذا إسناده ضعيف.

[53]- عن ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) ، قَالَ: (مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فلْيَصْبِرْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً). اللؤلؤ والمرجان: (رقم: 1212) سيأتي شـرحه.

[54]- أعلام الموقعين: (3/11، 12).  

[55]- عبد الله بن مطيع (ت: 73هـ/692م): عبد الله بن مطيع بن الأسود الكعبي القرشي العدوي: من رجال قريش، جلداً وشجاعة. ولد في حياة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وكان على قريش يوم الحرة، فلما انهزم أصحابه توارى في المدينة، ثم سكن مكة. واستعمله ابن الزبير على الكوفة، فأخرجه المختار ابن أبي عبيد منها، فعاد إلى مكة، فلم يزل فيها إلى أن قتل مع ابن الزبير في حصار الحجاج له. وأرسل رأسه إلى الشام مع رأسي ابن الزبير وصفوان. قيل مر الحسين بن علي على ابن مطيع وهو ببئره، فنزل حسين عن راحلته، فاحتمله ابن مطيع احتمالاً، حتى وضعه على سريره، ثم قال: بأبي وأمي أمسك علينا نفسك. فو الله لئن قتلوك، ليتخذنا هؤلاء القوم عبيداً. طبقات ابن سعد: (5/109؛ رقم: 684)؛ الاستيعاب: (3/994؛ رقم: 1661)؛ أسد الغابة: (3/390؛ رقم :3190)؛ أعلام الزركلي: (4/139)؛

[56]- عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ، زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: اطْرَحُوا لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكَ لِأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يَقُولُهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يَقُولُ: (مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً). صحيح مسلم: (3/1478؛ رقم: 1851). 

[57]- صحيح البخاري: (9/57؛ رقم: 7111).

[58]- سبق تخريجه.

[59]- الدولة الأموية للصلابي: (1/525-526).

[60]- ابن الحَنَفِيَّة (21 - 81هـ / 642 - 700م): محمد الأكبر بن علي بن أبي طالب، أحد الأبطال الأشداء في صدر الإسلام. وهو أخو الحسن والحسين، غير أن أمهما فاطمة الزهراء، وأمّه خولة بنت جعفر الحنفية، يقال كانت أمه من سبي اليمامة، فصارت إلى علي بن أبي طالب. يُنسب إليها تمييزاً له عنهما. وكان يقول: الحسن والحسين أفضل مني، وأنا أعلم منهما. كان واسع العلم، ورعاً، أسود اللون. وأخبار قوته وشجاعته كثيرة. وكان المختار الثقفي يدعو الناس إلى إمامته، ويزعم أنه المهدي. وكانت الكيسانية (من فرق الإسلام) تزعم أنه لم يمت، وأنه مقيم برضوى. مولده ووفاته في المدينة. وقيل: خرج إلى الطائف هارباً من ابن الزبير، لأنه امتنع عن بيعته، فمات هناك. طبقات ابن سعد: (5/67؛ رقم: 680)؛ سير أعلام النبلاء: (5/55؛ رقم: 404)؛ أعلام الزركلي: (6/270).

[61]- قال ابن تيمية: "يزيد بن معاوية ولد في خلافة عثمان بن عفان، ولم يدرك النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولا كان من الصحابة، باتفاق العلماء؛ ولا كان من المشهورين بالدين والصلاح، وكان من شبان المسلمين؛ ولا كان كافراً، ولا زنديقاً؛ وتولى بعد أبيه، على كراهة من بعض المسلمين، ورضا من بعضهم، وكان فيه شجاعة وكرم، ولم يكن مظهراً للفواحش، كما يحكي عنه خصومه". ويتابع ابن تيمية رأيه فيه، من ناحية قتل الحسين، وموقعة الحرّة، فيقول: "ولما قدم أهلهم على يزيد بن معاوية أكرمهم، وسيرهم إلى المدينة. وروي عنه أنه لعن ابن زياد على قتله. وقال: كنت أرضى من طاعة أهل العراق بدون قتل الحسين، لكنه مع هذا لم يظهر منه إنكار قتله، والانتصار له، والأخذ بثأره: كان هو الواجب عليه، فصار أهل الحق يلومونه على تركه للواجب، مضافاً إلى أمور أخرى. وأما خصومه، فيزيدون عليه من الفرية أشياء". مجموع الفتاوى: (3/410، 411).

  وقال ابن كثير: "يزيد بن معاوية أكثر ما نقم عليه في عمله شـرب الخمر، وإتيان بعض الفواحش. فأما قتل الحسين، فإنه لم يأمر بذلك، ولم يسؤه. قال: لو كنت أنا لم أفعل معه ما فعله ابن مرجانة. يعني عبيد الله بن زياد. وقال للرسل الذين جاءوا برأسه: قد كان يكفيكم من الطاعة دون هذا. ولم يعطهم شيئاً". البداية والنهاية: (11/250، 251).

[62]- البداية والنهاية: (11/ 653)، للمزيد ينظر: الدولة الأموية للصلابي: (1/526-527).

[63]- مصنف ابن أبي شيبة: (6/202؛ رقم: 30668؛ 7/472؛ رقم: 37324).

[64]- مختصر تاريخ دمشق: (17/234).

[65]- الدولة الأموية للصلابي: (1/527). ينظر: د. محمد بن عبد الهادي الشيباني، مواقف المعارضة في عهد يزيد بن معاوية: (ص512)، دار طيبة للنشر والتوزيع – الرياض، ط2، 1430هـ/2009م.

[66]- النّعمان بن بَشِير (2 - 65هـ / 623 - 684م): النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري، أبو عبد الله: أمير، خطيب، شاعر، من أجلاء الصحابة. من أهل المدينة. له (124) حديثاً. وجّهته نائلة (زوجة عثمان) بقميص عثمان، إلى معاوية، فنزل الشام. وشهد (صفين) مع معاوية. وولي القضاء بدمشق، بعد فضالة بن عبيد سنة (53 هـ/673م)، وولي اليمن لمعاوية، ثم استعمله على الكوفة، تسعة أشهر، وعزله، وولاه حمص.

 واستمر فيها إلى أن مات يزيد بن معاوية، فبايع النعمان لابن الزبير. وتمرد أهل حمص، فخرج هارباً، فاتبعه خالد الكلاعي فقتله. وهو أول مولود ولد في الأنصار بعد الهجرة. قال ابن حزم: افتتح (مروان) دولته بقتله، وسيق إليه رأسه من حمص. وقيل: قتل يوم مرج راهط. قال سماك بن حرب: كان من أخطب من سمعت. له ديوان شعر - ط ، وهو الّذي تنسب إليه (معرة النعمان)؛ بلد أبي العلاء المعري: كانت تعرف بالمعرة، ومر بها النعمان صاحب الترجمة، فمات له ولد، فدفنه فيها، فنسبت إليه، وكانت له ذرية في المدينة وبغداد. أعلام الزركلي: (8/36).

[67]- الدولة الأموية للصلابي: (1/528)، ينظر: تاريخ الطبري: (3/351).

[68]- عَبْد الله بن جَعْفَر (1 - 80هـ / 622 - 700م): عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي: صحابي. ولد بأرض الحبشة، لما هاجر أبواه إليها. وهو أول من ولد بها من المسلمين. أمه أسماء بنت عميس. وأتى البصرة والكوفة والشام. وكان كريماً يسمى بحر الجود وقطب السخاء، وكان لا يعطى شيئاً، إلَّا فرقه من ساعته. وللشعراء فيه مدائح. وكان أحد الأمراء في جيش عليّ يوم (صفين)، ومات بالمدينة. أسد الغابة: (3/880؛ رقم: 1488)؛ إكمال تهذيب الكمال: (7/278؛ رقم: 2851)؛ تهذيب التهذيب: (5/170؛ رقم: 294)؛ أعلام الزركلي: (4/75).

[69]- طبقات ابن سعد: (5/110-111).

[70]- ماذا إن كانوا لا يصلون ولا يصومون ولا يؤدون زكاة أموالهم، ويسرقون وينهبون ويجوعون الناس، ويأتون المنكرات، ويمارسون الظلم جهاراً نهاراً، ويقننون القوانين، ويضعون الدساتير لإفساد المجتمع، ويوالون الكفار؟!

[71] - مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية: (العدد 36، ص481-483)، من الانترنت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق