02‏/07‏/2022

في أخلاق النبي (صلى الله عليه وسلم) مع زوجاته .. الرفق في الحياة الزوجية

د. عبد اللطيف ياسين 
 كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) خير الناس، وخيرهم لأهله، وخيرهم معاشرة لأزواجه بالإكرام والاحترام، حيث قال (صلى الله عليه وسلم): «خَيْرُكُم ْخَيْرُكُم ْلِأَهْلِهِ، وَأَنَاخَيْرُكُم ْلِأَهْلِي»([1])، وكان كريماً عفواً في تعامله مع أهله وزوجه.. وإذا كان بالنا­­س رؤوفاً ورحيَماً، فكيف مع أهله وزوجاته؟ إذا كان لينا مع أمته، فكيف مع زوجاته؛ كان محسناً رؤوفاً متلطفاً متودداً ممازحاً لهن، وكان من شأنه (صلى الله عليه وسلم) أن يرخم اسم عائشة رضي الله عنها، كأن يقول لها: (ياعائش)([2])، ويقول لها: (ياحميراء)، "عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيّ َرَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) وَقَدْ سَخَّنْتُ مَاءً فِي الشَّمْسِ، فَقَالَ: «لَا تَفْعَلِي يَاحُمَيْرَاء، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ»([3])، وقد كان يناديها بابنة الصديق.

كان يعين أهله، ويساعدهم في أمورهم، ويكون في حاجتهم، وكانت عائشة تغتسل معه (صلى الله عليه وسلم) من إناءٍ واحد، «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ وَنَحْنُ جُنُبَانِ»([4]).. "عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ»([5]).

"عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَلَغَ صَفِيَّةَ - رضي الله عنها - أَنَّ حَفْصَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: بِنْتُ يَهُودِيٍّ، فَبَكَتْ، " فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) "وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟" فَقَالَتْ: قَالَتْ لِي حَفْصَةُ: إِنِّي بِنْتُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): " إِنَّكِ لَابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ، فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): اتَّقِي اللهَ يَا حَفْصَةُ ([6]).

"عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) قَال: "إِذَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُ نَفَقَةً عَلَى أَهْلِهِ، وَهْوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً"([7]).

"عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا سُئِلَتْ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: "كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ"([8]).

"عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: «تَقَدَّمُوا»، فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لِي: «تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ»، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: «تَقَدَّمُوا» فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ: «تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ» فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ: «هَذِهِ بِتِلْكَ»([9]).

"عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ الله (صلى الله عليه وسلم) يُحَوِّي لَهَا (صفية) وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ"([10]).

"عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ وَمَا رَأَيْتُهَا، وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلاَّ خَدِيجَةُ، فَيَقُولُ إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ"([11]).

 هذا غيضٌ من فيض رفق النبي مع أزواجه.. وما أحرى بالمتزوِّج أن يتحلّى بالرفق مع زوجته، وخاصّة لمن له أكثر من زوجة، ولكل واحدة منهن سجية مختلفة وطبع خاص وثقافة خاصة، وما أحرى به أن يستمع إلى مطالب النساء وإلى عتابهن، ويتحلّى بالصّبر والرفق معهن.

 

المعروف والإصلاح في الحياة الزوجية:

إنّ الإسلام الذي رضيه الله للبشـرية ديناً، ونزله على قلب سيد البشـر (صلى الله عليه وسلم) يحمل بين طيّاته عدداً من القوانين والموازين والمعايير الأخلاقية، ومن أشهر هذه القوانين، التي كان لها دور كبير في تقدّم وانتشار المسلمين على وجه المعمورة، هي: اللين واللاّعنف، الذي أكّدت عليه الآيات المباركة والأحاديث النبوية المطهرة.

إنّ الآيات الداعية والمحفّزة، وفي بعضها الآمرة بالعفو وعدم ردّ الإساءة بمثلها، تحمل دلالة واضحة إلى الدعوة إلى اللاّعنف، فليس العفو إلاّ ضـرباً من ضـروب اللاّعنف.

قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ  إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(سورة البقرة/ 109). في البدء جاء معنى العفو والصفح "العفو: ترك العقاب على الذنب، كما قال تعالى: {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمٰنِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}(سورة التوبة/ 66). والصفح: الإعراض عن المذنب بصفحة الوجه، وهو يشمل ترك العقاب وترك اللوم والتثريب"([12]). "اختلف الناس في هذه الآية، فقالت فرقة، فيها مالك وغيره: إنها مخرجة المطلقة بعد الفرض من حكم التمتيع."([13])، أو طلاق المدخول بهن، أو قبل الدخول. وقد تناول أهل العلم؛ من الفقهاء والمفسـرين، هذا الموضوع من جوانب وزوايا متعددة، إلا أن المتفق عليه في هذا الموضوع هو أن هناك مشكلة أسـرية، "والآيات الواردة في هذه السورة تتناول بعض أحكام الزواج والمعاشـرة، والإيلاء والطلاق والعدة والنفقة والمتعة، والرضاعة والحضانة وغيرها"([14])، ولا يخلو أي مجتمع من هذه المشاكل. وكما يقول الأستاذ سيد قطب: "ومن ثم كان نظام الأسـرة في الإسلام هو النظام الطبيعي الفطري المنبثق من أصل التكوين الإنساني، بل من أصل تكوين الأشياء كلها في الكون، على طريقة الإسلام في ربط النظام الذي يقيمه للإنسان بالنظام الذي أقامه الله للكون كله، ومن بينه هذا الإنسان"([15]). والمتدبر في أجواء هذه السورة، وفي سياقاتها، يلمس مسائل حساسة، ولكن بلمسات رحمانية علوية، تطعم الحياة الأسـرية بالرحمة والحب، فقد وردت كلمة (الإصلاح)، وفي هذه الأجواء الساخنة  بين الزوجين، يذكرهم الحق - جل شأنه - نية الإصلاح كشـرط من شـرائط التعايش والاستمراية: {وَٱلمُطَلَّقَٰتُ يَتَرَبَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَٰثَةَ قُرُوٓءٖ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكتُمنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيٓ أَرحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱليَومِ ٱلأٓخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِن أَرَادُوٓاْ إِصلَٰحٗا وَلَهُنَّ مِثلُ ٱلَّذِي عَلَيهِنَّ بِٱلمَعرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٞ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(سورة البقرة/ 228)، ووردت في هذا السياق كلمة المعروف أيضاً.

 مرة أخرى يأتي الأمر الرباني بـ(إمساك بمعروف، أو تسـريح بإحسان): {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْـرِيحٌ بِإِحْسَانٍ..}(البقرة/229)، وأطلق سبحانه كلمة الطلاق، رغم وقعها المؤذي، والمترتبات النفسية والاجتماعية والاقتصادية، في أجواء مليئة بالمعروف: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(سورة البقرة/ 231)، وحذّر ونهى عن الإمساك بغية الإضرار بهن: { وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}. وتارة أخرى يستعمل كلمة المعروف لبناء علاقة أخرى مع كائن آخر، إذا أرادت أن تشكل أسـرة أخرى، وذلك أزكى وأطهر للقلوب المؤمنة، التي تذعن وتستسلم للوحي الإلهي: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ .. }(البقرة/ 132)، {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير}(البقرة/ 233).

 والأمر أن يكون الرزق والكسوة بالمعروف، والنهي عن إيصال الضـرر بالوالدة بسبب ولدها (العُرْف)، وهو المعروف؛ لأن النفوس تسكن إليه"([16])، ولم يأت ذكر العرف والمعروف في سياق المذمّة أو السوء. إذاً، إذا أبعدنا المعروف الذي يأت ضد المنكر، لوجدنا أن العرف هو ما تعارف عليه الناس وتعالى أمامهم، ووجدوه حسناً، ووافق الشـرع، ولم يأت بمعنى ما تعارف عليه الناس من أمور السوء وما يخالف الشـرع. وهو - كما اختصـره صاحب البحر المحيط –: "وَالْمَعْرُوفُ هُوَ الْمَأْلُوفُ شَـرْعًا وَمُرُوءَةً"([17]). {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْـرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(سورة البقرة/ 234).

من الآية 224 وإلى 237 في (سورة البقرة) ذكر الله - سبحانه وتعالى - كلمة المعروف عشـر مرات، تذكيراَ وتوجيهاً بأن جميع تلك الظواهر الاجتماعية والنفسية يجب أن تعامل معاملة تندرج تحت كلمة (المعروف)، هذا في حالة أسوأ مرحلة تمر بها مرحلة العلاقة الزوجية، وتعتبر هذه المرحلة في أدنى مستوياتها، ومع هذا يجب أن تكون المعايير والموازين في التعامل بين كلا الطرفين قائمة على المعروف. وهو - كما قلنا - ضـرب من ضـروب الرفق، وهو ضد العنف، بدءاً بجانب الأحاسيس، إلى الكلمة، وناهيك عن العنف الجسدي، حيث النهي شديد بحيث لا تتضـرر المرأة، وإنما هي علاقة قائمة بالمعروف، وفي المعروف، وتنتهي بالمعروف: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}(سورة البقرة/ 235).. "وَأَنَّ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ إِجْحَافٍ لَا بِالزَّوْجِ وَلَا بِالزَّوْجَةِ، وَذَكَرَ جَوَازَ فَصْلِهِ وَفِطَامِهِ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِرِضَا أَبِيهِ وَأُمِّهِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، وَجَوَازَ الِاسْتِرْضَاعِ لِلْأَوْلَادِ إِذَا اتَّفَقَ الرَّجُلُ وَالزَّوْجَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَشَارَ إِلَى تَسْلِيمِ أَجْرِ الْأَظْآرِ، تَطْيِيبًا لِأَنْفُسِهِنَّ، وَإِعَانَةً لَهُنَّ عَلَى مَحَبَّةِ الصَّغِيرِ، وَاشْتِمَالِهِنَّ عَلَيْهِ، حَتَّى يَنْشَأَ كَأَنَّهُ قَدْ أَرْضَعَتْهُ أُمُّهُ، فَإِنَّ الْإِحْسَانَ جَالِبٌ لِلْمَحَبَّةِ، ثُمَّ خَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ بِالْأَمْرِ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَبِأَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ، كَمَا خَتَمَ تَعَالَى الْآيَةَ الْأُولَى بِالْأَمْرِ بِالتَّقْوَى بِالْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمُجَازَاةِ، وَتَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ لِمَنْ خالف أمره تعالى"[18].

{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}(سورة البقرة/ 236). {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(سورة البقرة/ 237).

"وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ، خطاب للزوجين"([19])، وفي كل يهدي الله أصحاب الحقوق والنزاع في كل ما مضـى إلى أمر تحتاجه البشـرية حاجة ملحة، وهو أن العفو هو أقرب للتقوى.

 

الرفق في العلاقات الاجتماعية:

أولاً: قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(سورة البقرة/ 178).

"النداء للذين آمنوا، وبهذه الصفة التي تقتضـي التلقي من الله، الذي آمنوا به، في تشـريع القصاص، وهو يناديهم لينبئهم أن الله فرض عليهم شـريعة القصاص في القتلى، بالتفصيل الذي جاء في الآية الأولى. وفي الآية الثانية يبين حكمة هذه الشـريعة، ويوقظ فيهم التعقل والتدبر لهذه الحكمة، كما يستجيش في قلوبهم شعور التقوى، وهو صمام الأمن في مجال القتلى والقصاص. وهذه الشـريعة التي تبينها الآية: أنه عند القصاص للقتلى- في حالة العمد - يقتل الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ}، وهذا العفو يكون بقبول الدية من أولياء الدم، بدلاً من قتل الجاني، ومتى قبل ولي الدم هذا ورضيه، فيجب إذن أن يطلبه بالمعروف والرضى والمودة، ويجب على القاتل، أو وليه، أن يؤديه بإحسان وإجمال وإكمال، تحقيقاً لصفاء القلوب، وشفاء لجراح النفوس، وتقوية لأواصر الأخوة بين البقية الأحياء. وقد امتن الله على الذين آمنوا بشـريعة الدية هذه، بما فيها من تخفيف ورحمة: {ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}.

لم يكن هذا التشـريع مباحاً لبني إسرائيل في التوراة، إنما شرع للأمة المسلمة استبقاء للأرواح عند التراضي والصفاء، {فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ}، وفوق العذاب الذي يتوعده به في الآخرة يتعيّن قتله، ولا تقبل منه الدية، لأن الاعتداء بعد التراضي والقبول، نكث للعهد، وإهدار للتراضي، وإثارة للشحناء بعد صفاء القلوب. ومتى قبل ولي الدم الدية، فلا يجوز له أن يعود فينتقم ويعتدي.

من ثم "ندرك سعة آفاق الإسلام، وبعد بصره بحوافز النفس البشـرية، عند التشريع لها، ومعرفته بما فطرت عليه من النوازع. إن الغضب للدم فطرة وطبيعة، فالإسلام يلبيها بتقرير شـريعة القصاص، فالعدل الجازم هو الذي يكسر شـر النفوس، ويفثأ حنق الصدور، ويردع الجاني كذلك عن التمادي"([20]). وفي قوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى}، بيان لتكافىء المسلمين، فليس حر أحسن من حرّ، أو عبد أكرم من عبد، أو أنثى أفضل من أنثى! وقد رأى بعض الأئمة الفقهاء أن القصاص هنا إنما يقع بين المتماثلين: الحرّ بالحرّ، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى، فلا يقتل الحرّ بالعبد، ولا الرجل بالمرأة! وهذا تخريج غير سليم للآية الكريمة، إذ إنه ليس المراد هذا التقسيم النوعي للناس، بالذي يوجب التفاضل بين نوع ونوع! ولو كان موجباً لذلك لما كان قتل المرأة بالرجل، ولا العبد بالحرّ قصاصاً، إذ لا يفي دم المرأة - على هذا التقدير- بدم الرجل، وكذلك دم العبد ودم الحرّ! وأولى من هذا أن تفهم الآية على وجه آخر، وهو أن التنويع الذي جاءت به الآية، ليس مقصوداً به التفاضل بين نوع ونوع، وإنما المقصود به أولاً هو: ألّا تفاضل بين أفراد الأنواع؛ فالحر لا يفضل الحرّ، سواء أكان قرشياً، أو غير قرشي، وهكذا سائر الأنواع.

فإذا استقام ذلك، وزالت الفوارق بين الناس؛ في النسب، والدم، والجاه، والسلطان، جمعهم جميعاً - أحراراً وعبيداً، ذكوراً وإناثاً - نسبهم واحد هو الإسلام، الذي اصطبغوا بصبغته وحدها، وتعرّوا من كل نسبة إلا نسبته، وهنا تتكافأ دماؤهم: الحر، والعبد، والأنثى، سواء، كما في الحديث الشـريف: «المسلمون تتكافأ دماؤهم»، وعلى هذا تقتل النفس بالنفس، أيّا كان جنسها، أو مكانها الاجتماعي.

"إنسان بإنسان، وروح بروح"([21])،  ويؤكد العلامة ابن عاشور([22]) على المنحى الذي سلكه صاحب التفسير القرآني للقرآن: "فَكَانُوا يُغِيرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ لِغَنِيمَةِ أَنْعَامِهِ وَعَبِيدِهِ وَنِسَائِهِ، فَيُدَافِعُ الْمُغَارُ عَلَيْهِ، وَتَتْلَفُ النُفُوسٌ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، ثُمَّ يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ طَلَبُ الثَّارَاتِ، فَيَسْعَى كُلُّ مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فِيقَتْلِ قَاتِلِ وَلِيِّهِ، وَإِنْ أَعْوَزَهُ ذَلِكَ قَتَلَ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ وَاحِدٍ كُفْءٍ لَهُ، أَو عدد يَرَاهُمْ لَا يُوَازُونَهُ، وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ بِالتَّكَايُلِ فِي الدَّمِ، أَيْ كَأَنَّ دَمَ الشّـَرِيفِ يُكَالُ بِدِمَاءٍ كَثِيرَةٍ، فَرُبَّمَا قَدَّرُوهُ بِاثْنَيْنِ أَوْ بِعَشـَرَةٍ أَوْ بِمِائَةٍ، وَهَكَذَا يَدُورُ الْأَمْرُ وَيَتَزَايَدُ تَزَايُدًا فَاحِشًا، حَتَّى يَصِيرَ تَفَانِيًا. قَالَ زُهَيْرٌ:

تَدَارَكْتُمَا عَبْسًا وَذُبْيَانَ بَعَدَ مَا     تَفَانَوْا وَدَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشِمِ([23])

فصّل الله تعالى حكم القصاص، فقال تعالت كلماته: {الْحرُّ بِالْحُرِّ}، أي الحر يقتل في مقابل الحر، (وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) والعبد يقتل في مقابل العبد، (وَالأُنثَى بِالأُنثَى)، والأنثى تقتل في مقابل الأنثى، هذا هو العدل. وهو رد على الجاهليين الذين كانوا لَا يسوون في الدماء، فالعبد إذا قتل حراً من قبيلة، أو الحر إذا قتل حراً من قبيلة، وكان الأول من دهماء الناس، وكان الثاني من أشـرافهم، لَا يقتل به، بل يبحث عمن يكافئه، وربما لَا يكافئه واحد، وذلك من العصبية الجاهلية، ومن نظام التفاوت الذي لَا يزال يسـري بين الناس مقيتاً، وإن كان مألوفاً.

 كذلك بيّن القرآن حال المساواة في الوصف؛ من حرية ورِقّ، وذكورة وأنوثة، ولم يذكر إذا اختلف الوصف أو الجنس؛ بأنْ قَتَلَ الحر العبد، والعبد الحر، والمرأة الرجل، والرجل المرأة، وذلك لأن النص سيق لإبطال العادة الجاهلية التي كانت تقتل غير القاتل، وتتعدى القاتل إلى قبيلة، وغير الشـريف - في زعمهم - إذا كان هو القاتل، إلى شـرفائها، فرد الله تعالى زعمهم، وصحح الأمر في هذا المقام، بالقصاص العادل. أما التساوي في النفوس، لَا في الأوصاف، فقد ثبت بقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(سورة المائدة/ 45)، {یَـٰأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا رَبَّكُمُ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن نَّفس وَ ٰحِدَة وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالا كَثِیرا وَنِسَاء..}(سورة البقرة/ 275)"([24]).

ثانياً: قال سبحانه: {إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوٓءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} (سورة النساء/ 149). "اعْلَمْ أَنَّ مَعَاقِدَ الْخَيْرَاتِ عَلَى كَثْرَتِهَا مَحْصُورَةٌ فِي أَمْرَيْنِ: صِدْقٌ مَعَ الْحَقِّ، وَخُلُقٌ مَعَ الْخَلْقِ، وَالَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْخَلْقِ مَحْصُورٌ فِي قِسْمَيْنِ: إِيصَالُ نَفْعٍ إِلَيْهِمْ، وَدَفْعُ ضَرَرٍ عَنْهُمْ، فَقَوْلُهُ إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ، إِشَارَةٌ إِلَى إِيصَالِ النَّفْعِ إِلَيْهِمْ، وَقَوْلُهُ أَوْ تَعْفُوا إِشَارَةٌ إِلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ، فَدَخَلَ فِي هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَإِنَّ الله كانَ عَفُوًّا قَدِيراً، وَفِيهِ وُجُوهٌ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى يَعْفُو عَنِ الْجَانِبَيْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الِانْتِقَامِ، فَعَلَيْكُمْ أَنْ تَقْتَدُوا بِسُنَّةِ اللَّه تَعَالَى. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. الثَّانِي: إِنَّ اللَّه كَانَ عَفُوًّا لِمَنْ عَفَا، قَدِيرًا عَلَى إِيصَالِ الثَّوَابِ إِلَيْهِ. الثَّالِثُ، قال الْكَلْبِيُّ([25]): إِنَّ الله تَعَالَى أَقْدَرُ عَلَى عَفْوِ ذنوبك، منك على عفو صاحبك"([26]). "وأكثرهم على أن (الهاء)، في (تُخْفُوهُ)، تعود إِلى الخير. وقال بعضهم: تعود إِلى السوء. قوله تعالى: فَإِنَّ الله كانَ عَفُوًّا، قال أبو سليمان: أي: لم يزل ذا عفوٍ مع قدرته، فاعفوا أنتم مع القدرة"([27]).

ثالثاً: قال - عزّ وجلّ -: {وَلَا يَأتَلِ أُوْلُواْ ٱلفَضلِ مِنكُم وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤتُوٓاْ أُوْلِي ٱلقُربَىٰ وَٱلمَسَٰكِينَ وَٱلمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَليَعفُواْ وَليَصفَحُوٓاْ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغفِرَ ٱللَّهُ لَكُم وَٱللَّهُ غَفُور رَّحِيمٌ}(سورة  النور/ 22).

كما هو معهود في المنهج التربوي القرآني، وهو استعراض الأجواء والمناخ الذي نزلت فيه السورة، ومن ثم عرض البعد النفسي والاجتماعي والملابسات المحيطة بالواقع المواكب لهذا الإنزال، "والخطاب في قوله {هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}، لمن ساءه ذلك من المؤمنين، وخاصة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)،  وأبي بكر، وعائشة، وصفوان بن المعطل([28]) - رضي الله عنهم"([29]) -. هذا الحادث، حادث الإفك، قد كلف أطهر النفوس في تاريخ البشـرية كلها آلاماً لا تطاق، وكلف الأمة المسلمة كلها تجربة من أشق التجارب في تاريخها الطويل، وعلى قلب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقلب زوجه عائشة التي يحبها، وقلب أبي بكر الصديق وزوجه، وقلب صفوان بن المعطل، شهراً كاملاً من الشك والقلق والألم الذي لا يطاق"([30]).

وبعد أيام صعاب مرت، ولا تزال تلقي بوطئتها على قلب أبناء عائشة، (فزوجات الرسول أمهات المؤمنين)، أنزل الله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ ٱمْرِئٍ مِّنْهُم مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلْإِثْمِ وَٱلَّذِى تَوَلَّىٰ كِبْرَهُۥ مِنْهُمْ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(سورة النور/ 11)، فلما أنزل الله تعالى ما يدل على البراءة من هذا الإفك، قال أبو بكر الصديق- رضي الله عنه-، وكان ينفق على مسطح بن أثاثة، لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد ما قال لعائشة - رضي الله عنها -، فأنزل الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ..}، إلى قوله: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي. فأرجع إلى مسطح النفقة التي كان يجريها عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً"([31]).

هكذا عاش رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأهل بيته، وعاش أبو بكر - رضي الله عنه - وأهل بيته، وعاش صفوان بن المعطل، وعاش المسلمون جميعاً هذا الشهر كله في مثل هذا الجو الخانق، وفي ظل تلك الآلام الهائلة، بسبب حديث الإفك الذي نزلت فيه تلك الآيات([32]). وحادثة الإفك، واتهام  المحصنات في عرضهن، متكررة عبر التاريخ، وليست بشـيء جديد على المجتمعات البشـرية، وهي سلوكيات تبدر عن الإنسان؛ سواء بشكل خلجات تصيب القلب، أو على شكل إيحاءات أو إشارات وتفسير، {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ}، أي لكل امرئ منهم جزاء ما اجترح من الإثم، بقدر ما خاض فيه، فإن بعضهم تكلم، وبعضهم ضحك؛ كالمسـرور الراضي بما سمع، وبعضهم أقلّ، وبعضهم أكثر"([33]). وهذا ما حدث للسيدة عائشة - رضي الله عنها -، وهذه الحالة الاجتماعية تحتاج إلى إصلاح وتزكية وتربية، لصون المجتمعات من الانزلاق في هاوية الشكوك والاتهام والإيقاع في عرض الطاهرات العفيفات: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُۥ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِۦ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُۥ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظيم. وَلَوْلَآ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَٰنَكَ هَٰذَا بُهْتَٰنٌ عَظِيمٌ}(سورة النور/ الآيات  15، 16)، "وقت تلقيكم ما أفضتم فيه من الإفك، وأخذ بعضكم إياه من بعض بالسؤال عنه، وقولكم قولاً بالأفواه دون أن يكون له منشأ في القلوب يؤيده، وظنكم إياه هيناً سهلاً لا يعبأ به، وهو من العظائم والكبائر عند الله".

وخلاصة ذلك - إنه وصفهم بارتكاب ثلاثة آثام، وعلق مس العذاب العظيم بها:

1/ تلقي الإفك بالألسنة، فقد كان الرجل يلقى أخاه فيقول له ما وراءك، فيحدثه حديث الإفك حتى شاع وانتشر، حتى لم يبق بيت ولا ناد إلا طار فيه، فهم قد فعلوا جهد المستطاع في نشـره.

2/ إنه قول بلا روية ولا فكر، فهو قول باللسان لا يترجم عما في القلب، إذ ليس هناك علم يؤيده، ولا قرائن أحوال وشواهد تصدقه.

3/ استصغار ذلك، وحسبانه مما لا يؤبه له، وهو عند الله عظيم الوزر، مستحق لشديد العقوبة.

4/ {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا، سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ}، أي وهلّا حين سمعتموه ممن بدأ به وانتحله، أو ممن تابعه في القول، قلتم - تكذيباً له، وتهويلاً لشأن ما ارتكب من جرم: لا يحل لنا أن نتكلم بهذا، ولا ينبغي لنا أن نتفوه به، سبحانك ربي، هذا كذب صـراح يحيّر السامعين أمره، لما فيه من جرأة على بيت كريم شهير بالعفاف والطهر، ولما فيه من مس عرض ذلك البيت المقدس، بيت النبوة الذي هو في الذروة العليا من الإجلال والاحترام وعظيم المكانة. وإذا جاز الخوض فيه على هذه الشاكلة، فماذا يبقى للمؤمنين بعدئذ؟ أفليس هؤلاء هم الأسوة الحسنة، وينبوع الطهر، ومنهم يقتبس المؤمنون فضائل الدين، وشـريف الأخلاق؟ وإنا لنبرأ إليك ربنا منه، وأن تلوكه ألسنتنا، وأن يحمل الهواء تلك النبرات الصوتية لتصل إلى أسماعنا، كما نبرأ إليك ربنا من كل أفّاك أثيم سولت له نفسه أن يكون الوسيلة في انتشار هذا القول الكاذب بين المؤمنين"([34]). وكل هذه الاتهامات التي تلقى بالألسن، والتقول بالأفواه، والإفضاء إلى الغير، يعتبر من العنف ضد الأشخاص والمجتمع.

ومدارج التزكية في السياق القرآني بيّنة في الآيات السابقة.. ونكتفي بهذا، فالبقية من حادثة الإفك لا يمس صلب أطروحتنا.

قال تعالى مخاطباً رسوله الأكرم بأن يعفو (صلى الله عليه وسلم) عن المسلمين: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}(سورة آل عمران/ 159). "جرّده عن أوصاف البشـرية، وأفرده بما ألبسه من نعت الربوبية، وأخبر أن ما يلوح إليه فمن أنوار التولي، لا من آثار الوفاق والتبري، ولولا أنه استخلصه بما ألبسه، وإلا متى كان بتلك الصفة؟! ويقال إن من خصائص رحمته - سبحانه- عليه أن قوّاه حتى صحبهم، وصبر على تبليغ الرسالة إليهم، وعلى ما كان يقاسيه من اختلافهم، مع سلطان ما كان مستغرقاً له، ولجميع أوقاته، من استيلاء الحق عليه. فلولا قوة إلهية استأثره الحق بها، ما أطاق صحبتهم؟! ألا ترى إلى موسى - عليه السّلام - لما كان قريب العهد بسماع كلامه، كيف لم يصبر على مخاطبة أخيه، فأخذ برأس أخيه يجرّه إليه؟

قوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}: لو سقيتهم صـرف شـراب التوحيد، غير ممزوج بما فيه لهم حظّ، لتفرقوا عنك، هائمين على وجوههم، غير مطيقين للوقوف لحظة، {فَاعْفُ عَنْهُمْ}، فيما يكون تقصيراً منهم في حقك وتوقيرك، وما عثرت عليه من تفريطهم في خدمتنا وطاعتنا- فانتصب لهم شفيعاً إلينا.

ويقال: {فَاعْفُ عَنْهُمْ}، فاعف - أنت - عنهم، فإن حكمك حكمنا، فأنت لا تعفو إلا وقد عفونا،  ثم ردّه عن هذه الصفة بما أثبته فى مقام العبودية، ونقله إلى وصف التفرقة"([35]).

رابعاً: قال سبحانه: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(سورة المائدة/ 13). "ذلك كان ميثاق الله مع نقباء بني إسرائيل عمن وراءهم، وقد ارتضوه جميعاً فصار ميثاقاً مع كل فرد فيهم، وميثاقاً مع الأمة المؤلفة منهم. فماذا كان من بني إسرائيل؟! لقد نقضوا ميثاقهم مع الله تعالى، وقتلوا أنبياءهم بغير حق، وبيتوا القتل والصلب لعيسـى - عليه السلام-، وهو آخر أنبيائهم، وحرفوا كتابهم (التوراة)، ونسوا شـرائعه، فلم ينفذوها، ووقفوا من خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وسلم) موقفاً لئيماً ماكراً عنيداً، وخانوه وخانوا مواثيقهم معه، فباءوا بالطرد من هدى الله، وقست قلوبهم، فلم تعد صالحة لاستقبال هذا الهدى»([36]). "وَقَدْ جَمَعَتِ الْآيَةُ مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى قِلَّةِ اكْتِرَاثِهِمْ بِالدِّينِ، وَرَقَةِ اتِّبَاعِهِمْ، ثَلَاثَةَ أُصُولٍ مِنْ ذَلِكَ: وَهِيَ التَّعَمُّدُ إِلَى نَقْضٍ مَا عَاهَدُوا عَلَيْهِ مِنَ الِامْتِثَالِ، وَالْغُرُورُ بِسُوءِ التَّأْوِيلِ، وَالنِّسْيَانُ النَّاشِئُ عَنْ قِلَّةِ تَعَهُّدِ الدِّينِ وَقِلَّةِ الِاهْتِمَامِ بِهِ"([37]). "وهو خطاب للرسول (صلى الله عليه وسلم) يصور حال اليهود في المجتمع المسلم في المدينة المنورة، فهم لا يكفون عن محاولة خيانة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقد كانت لهم مواقف خيانة متواترة، بل كانت هذه هي حالهم طوال إقامتهم معه؛ في المدينة، ثم في الجزيرة كلها، وما تزال هذه حالهم في المجتمع الإسلامي على مدار التاريخ، على الرغم من أن المجتمع الإسلامي هو المجتمع الوحيد الذي آواهم، ورفع عنهم الاضطهاد، وعاملهم بالحسنى، ومكن لهم الحياة الرغيدة فيه.. والتعبير القرآني الخاص عن واقع حال اليهود مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المدينة، تعبير طريف: {وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ}.

الفعلة الخائنة، والنية الخائنة، والكلمة الخائنة، والنظرة الخائنة، يجملها النص بحذف الموصوف وإثبات الصفة (خائنة)، لتبقى الخيانة وحدها مجردة، تملأ الجو، وتلقي ظلالها وحدها على القوم، فهذا هو جوهر جبلتهم، وهذا هو جوهر موقفهم؛ مع الرسول(صلى الله عليه وسلم)، ومع الجماعة المسلمة!

إن هذا القرآن هو معلم هذه الأمة، ومرشدها، ورائدها، وحادي طريقها على طول الطريق([38])، والعفو والصفح "هو توجيه لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يقبل هذه الجماعة القليلة التي سلمت وأسلمت من اليهود، وألا يأخذها بجريرة الكثرة الكثيرة منهم! وألا ينظر إليها من خلال موقفها من النبي أول الدعوة، فقد كان اليهود جميعاً على عداوة وحسد للنبي"([39]).

خامساً: قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(سورة البقرة/ 109). "بعد أن نهى - عز اسمه – المؤمنين، في الآيات السالفة، عن الاستماع لنصح اليهود، وعدم قبول آرائهم في شيء من أمور دينهم- ذكر هنا وجه العلة في ذلك، وهي أن كثيراً منهم يودون لو ترجعون كفاراً، حسداً لكم ولنبيّكم، فهم لا يكتفون بكفرهم بالنبي (صلى الله عليه وسلم)، والكيد له، بنقض ما عاهدهم عليه، بل يحسدونكم على نعمة الإسلام، ويتمنون أن تحرموا منها. وقد كان لأهل الكتاب حيل في تشكيك المسلمين في دينهم، فقد طلب بعضهم من بعض أن يؤمنوا أوّل النهار ويكفروا آخره، كي يتأسّى بهم بعض ضعاف الإيمان من المسلمين، وكانوا يلقون بعض الشبه على المؤمنين ليشكّكوهم في دينهم"([40]).

هذا تحذير آخر من الله سبحانه، من أن يستمع المسلمون إلى ما يلقاهم به اليهود عند وقوع هذا الأمر - وهو تحويل القبلة إلى المسجد الحرام - من تلبيسات وتلفيقات وأكاذيب، ثم هو تنبيه للمسلمين أن يمضوا إلى ما أمرهم الله به، وأن يستقيموا على قبلتهم التي وجههم الله إليها، غير ملتفتين إلى تخرصات المتخرصين، وضلالات الضالين"([41]). فمواقف اليهود والنصارى العدائية كثيرة مع المسلمين، وقد بيّنها القرآن الكريم في كثير من المواقع، والمسلمون على بينة واضحة من أمر أهل الكتاب، ومع هذا أمر سبحانه أن يعاملوا بالعفو والصفح، "أي فعاملوهم بأحسن الأخلاق؛ من العفو عن مذنبهم بترك عقابه، والصفح عنه بترك لومه وتعنيفه، حتى يأتي نصـر الله لكم بمعونته وتأييده"([42]). وقال سبحانه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}(سورة الأعراف/ 199)، من خصائص سنّة الله في الكرم أنه أمر نبيّه (صلى الله عليه وسلم) بالأخذ به، وعلى قدر عظم رتبة العبد في الكرم، يتوقف العفو عن الأصاغر والخدم. قال النبي (صلى الله عليه وسلم) في الجراحات التي أصابته في غزوة أحد: «اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون».

قوله: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}: أفضل العرف أن يكون أكمل العطاء لأكثر أهل الجفاء، وبذلك عامل الرسول (صلى الله عليه وسلم).

قوله: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ}، الإعراض عن الأغيار بالإقبال على من لم يزل ولا يزال، وفي ذلك النجاة من الحجاب، والتحقق بما يتقاصر عن شرحه الخطاب"([43]). الْعَفْوَ ضد الجهد: أي خذ ما عفا لك من أفعال الناس وأخلاقهم، وما أتى منهم، وتسهل من غير كلفة، ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم، حتى لا ينفروا. كقوله (صلى الله عليه وسلم): «يسِّـروا ولا تعسِّـروا»([44])، كما وجدنا - فيما مر بنا - أن الله سبحانه جعل العفو سنام القول والفعل والسلوك في مجال الأسـرة والمجتمع، وبين الأديان.



[1]- حدثنا محمد بن يحيى حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان بن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي، وإذا مات صاحبكم فدعوه. قال أبو عيسـى: هذا حديث حسن غريب صحيح من حديث الثوري، ما أقل من رواه عن الثوري. وروي عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، قال الشيخ الألباني: صحيح، سنن ابن ماجه(1/ 636).سنن الترمذي - شاكر + ألباني(5/ 709).

[2]- لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشـرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، شمس الدين، أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي(ت: 1188هـ)، مؤسسة الخافقين ومكتبتها – دمشق، ط: الثانية - 1402 هـ - 1982 م،(2/ 375).

[3]- رواه خالد بن إسماعيل المخزومي نا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله وقد سخنت ماء في الشمس، فقال لا تفعلي يا حميرا فإنه يورث البرص). غريب جداً، وخالد بن إسماعيل متروك، الدارقطني الجزء: 1 / الصفحة: 38 / حديث رقم: 2

[4]- صحيح مسلم (1/ 256)، رقم الحديث(321). حدثنا هَارُونُ بن سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ حدثنا بن وَهْبٍ أخبرني مَخْرَمَةُ بن بُكَيْرٍ عن أبيه عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن قال قالت عَائِشَةُ: كان رسول اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) إذا اغْتَسَلَ بَدَأَ بِيَمِينِهِ فَصَبَّ عليها من الْمَاءِ فَغَسَلَهَا، ثُمَّ صَبَّ الْمَاءَ على الْأَذَى الذي بِهِ بِيَمِينِهِ، وَغَسَلَ عنه بِشِمَالِهِ، حتى إذا فَرَغَ من ذلك صَبَّ على رَأْسِهِ. قالت عَائِشَةُ كنت أَغْتَسِلُ أنا وَرَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) من إِنَاءٍ وَاحِدٍ وَنَحْنُ جُنُبَانِ.  

[5]- صحيح البخاري(1/ 239). رقم الحديث(644). حدثنا آدَمُ قال حدثنا شُعْبَةُ قال حدثنا الْحَكَمُ عن إبراهيم عن الْأَسْوَدِ قال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ ما كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يَصْنَعُ في بَيْتِهِ، قالت كان يَكُونُ في مِهْنَةِ أَهْلِهِ (تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ)، فإذا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ.

[6]- الجامع الصحيح للسنن والمسانيد(16/ 91). صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان(2/ 374)رقم الحديث(2248).

[7]- مختصر صحيح الإمام البخاري(3/ 422).

[8]- المسند الموضوعي الجامع للكتب العشرة، (18/ 185).

[9]- مسند أحمد مخرجاً (43/ 313).

[10]- صحيح البخاري - الطبعة الأميرية (3/ 84).

[11]- صحيح البخاري - طبعة دار الشعب (5/ 48).

[12]- تفسير المراغي، (1/ 190).

[13]- تفسير ابن عطية،  المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، (1/ 320).

[14]- في ظلال القرآن، (1/ 236).

[15]- المصدر نفسه (1/ 235).

[16]- دراسات في فقه اللغة،  د. صبحي إبراهيم الصالح (المتوفى: 1407هـ)، دار العلم للملايين، 1379هـ - 1960م، (ص/ 177).

[17]- البحر المحيط في التفسير، (2/ 534).

[18] - البحر المحيط في التفسير، (2/ 512).

[19] - زاد المسير في علم التفسير، (1/ 214).

[20] - في ظلال القرآن، (1/ 164).

[21] - التفسير القرآني للقرآن، (1/ 194).

[22] - ابن عاشُور: محمد الفاضل بن محمد الطاهر ابن عاشور: أديب خطيب، مشارك في علوم الدين، من طلائع النهضة الحديثة النابهين، في تونس. مولده ووفاته بها (1327 - 1390 هـ = 1909 - 1970 م). تخرج بالمعهد الزيتوني، وأصبح أستاذاً فيه، فعميداً. وكان من أنشط أقرانه، دؤوباً على مكافحة الاستعمار الّذي كان يسمى (الحماية)، وألقى محاضرات في السـربون (بفرنسة)، وجامعة اسطمبول، وجامعة عليكره في الهند. وشارك في ندوات علمية كثيرة، وفي بعض مؤتمرات المستشـرقين. وشغل خطة القضاء بتونس، ثم منصب مفتي الجمهورية. وهو من أعضاء المجمع اللغوي بالقاهرة، ورابطة العالم الإسلامي بمكة. الأعلام: خير الدين الزركلي الدمشقي (6/ 325) .

[23]- التحرير والتنوير، (2/ 135).

[24]- زهرة التفاسير، محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (ت: 1394هـ)، دار الفكر العربي، (1/ 532).

[25]- الشَّيْخُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، الرَّحَّالُ المُتَفَنِّنُ، مَجْدُ الدِّيْنِ، أَبُو الخَطَّابِ عُمَرُ بنُ حَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ الجُمَيِّلِ - وَاسْمُ الجُمَيِّلِ مُحَمَّدٌ - بنِ فَرَحِ بنِ خَلَفِ بنِ قُوْمِسَ بن مَزْلاَلِ بنِ مَلاَّلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ بَدْرِ بنِ دِحْيَةَ بنِ خَلِيْفَةَ الكَلْبِيُّ، الدَّانِيُّ، ثُمَّ السَّبْتِيُّ. هَكَذَا سَاق نَسبَه، وَمَا أَبعدَه مِنَ الصّحَّةِ وَالاتِّصَالِ! وَكَانَ يَكتب لِنَفْسِهِ: ذُو النِّسْبَتَيْنِ بَيْنَ دِحيَةَ وَالحُسَيْنِ. سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي ،ط الرسالة (22/ 389).

[26]- مفاتيح الغيب = التفسير الكبير، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري، (ت: 606هـ)، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط: الثالثة - 1420 هـ(11/ 254).

[27]- زاد المسير في علم التفسير، (1/ 492).

[28]- صفوان بن المعطّل: بن ربيعة ، بالتّصغير، ابن خزاعيّ بلفظ النّسب، ابن محارب بن مرة بن فالج بن ذكوان السّلمي ثم الذّكوانيّ. هكذا نسبه أبو عمر. لكن عند ابن الكلبي رحضة بدل ربيعة، وزاد بينه وبين= خزاعيّ المؤمل. قال البغويّ: سكن المدينة، وشهد صفوان الخندق والمشاهد، في قول الواقديّ، ويقال: أول مشاهده المريسيع، جرى ذكرها في حديث الإفك المشهور في الصّحيحين.

[29]- تفسير الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، (3/ 217).

30- في ظلال القرآن، (4/ 2495).

[31]- في ظلال القرآن، (4/ 2497).

[32]-المصدر نفسه،(4/ 2497).

[33]- تفسير المراغي، (18/ 83).

[34]- المصدر السابق (18/ 85).

[35]- لطائف الإشارات، تفسير القشيري، (1/ 290).

[36]- في ظلال القرآن، (2/ 858).

[37]- التحرير والتنوير، (6/ 144).

[38]- في ظلال القرآن، (2/ 859).

[39]- التفسير القرآني للقرآن، (3/ 1055).

[40]- تفسير المراغي، (1/ 190).

[41]- التفسير القرآني للقرآن، (1/ 130).

[42]- تفسير المراغي، (1/ 191).

[43]- لطائف الإشارات = تفسير القشيري، (1/ 597 -598).

[44]- تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، (2/ 189).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق