02‏/07‏/2022

أثر العولمة في الأدب وتأثرها بالانفتاح بين الثقافات

الدكتور حازم ناظم فاضل

دكتوراه في علم النفس التربوي

المقدمة

ظهرت العولمة بعد سقوط المنظومة الماركسية ومعسكرها وأحزابها وحكوماتها سنة 1991م. وانتشـر استخدام مصطلح العولمـة منـذ أوائـل التسعينيات في كتابات سياسية واقتصادية عديدة - بعيدة عن الإنتاج الفكري والعلمي أو الأكاديمي في البداية - وذلك قبل أن يكتسب المصطلح دلالات استراتيجية وثقافيـة مهمـة، مـن خـلال تطورات واقعية عديدة في العالم.

فالعولمة هي اجتياح الشمال للجنوب.. اجتياح الحضارة الغربية؛ ممثلة في النموذج الأمريكي، للحضارات الأخـرى.. وهي التطبيق العملي لشـعـار نـهـاية التاريخ، الذي أرادوا به الادعاء بأن النموذج الغربي الرأسمالي هو (القدر الأبدي) للبشـرية جمعاء، وهي القوة العظمى الوحيـدة الآن. فمـع تنـامي مجالات السياسة والاقتصاد وتبادل المعلومـات والثقافة ووسائل الاتصال، ونظرا إلى دور الولايات المتحدة المركزي في معظم هذه المجالات، بات من الصعوبة بمكان معرفة الحد الذي ينتهي عنده النفوذ الأمريكي.

ولم يحدث في تاريخ البشـرية من قبل أن برز على سطح المـجـتـمع الدولي تيـار اقـتـصـادي وسياسي واجـتـمـاعي، وأثار من الجدل والحيرة والقلق والتوجس، مثلما فعل التيار الذي أطلق عليـه مصطلح (العولمة). فهو تيار لم يقننه فلاسفة أو مفكرون ثم قدموه للناس على أنه نظرية أو مذهب جديد يسعى إلى دمج العالم في منظومة متكاملة، بل تيار تدفق كنتيجة طبيعية لانهيار الاتحاد السوفيتي، وانتهاء عصـر القطبية الثنائية، وثورة المعلومات التي جعلت من العالم قرية صغيرة، وتضخم وتطور الشـركات العملاقة المتعددة الجنسيات، ومع بروز ملامح هذا التيار منذ أوائل التسعينيات، هرع المفكرون الاستراتيجيون والسياسيون والاقتصاديون والاجتماعيون إلى تقنينها في إطار منهجي متبلور، وسعى بعضهم إلى تقديمها كنظرية حتمية لا يمكن تجاهلها أو تجنبها على المستوى التطبيقي الدولي.

 

مفهوم العولمة

بداية أود أن أشير إلى أن تعريف العولمة؛ تعريفـاً جامعاً مانعاً، هو أمر صعب؛ فمن الطبيعي أن يتفاوت فهـم الأفـراد للعولمة ومضامينها المختلفة؛ فالجدال حول العولمة متعدد، ومتغاير، ومتنوع، ومتمايز بصورة كبيرة. فالاقتصادي يفهـم العولمة بخلاف عالم السياسة، كما أن عالم الاجتماع يفهمها فهماً قد يختلف فيـه عن المهتـم بالشؤون الثقافية. فهناك عولمـات عدة تتفاوت في معانيها ومظاهرها. فهي نسق معيـن؛ سیاسي، اقتصادي، ثقافي، عسكري، ينتقل من بيئة إلى أخرى، وغالباً ما يكون الانتقال من بيئة حضارية متقدمة إلى بيئة حضاريـة مـن دول العالم الثالث.. فالمستعمرون يقلدون المستعمرين، وهذا هو ما تفرضه العولمـة الآن(1).. فهي مرحلة من مراحل التفكير الإنساني في العالم المعاصر، بدأت بالحداثة، ما بعد الحداثة، العالمية، ثم العولمة.

والعولمة كناية عن ولادة كرة أرضية واحدة، هي من الآن وصاعداً ملك الناس أجمعين: إنها ليست ملكية أي حضارة كبرى، ولا سيطرة لأي منها عليها(2).

والعولمة قديمة، وكل الشعارات التي ترفع لتبرير العولمة، أو لمقاومتها، قديمة أيضاً. إن من المفيد بالطبع لفت النظر إلى التسارع الهائل الذي حدث في معدل العولمة في العقود الأخيرة، ولكن من المفيد أيضاً - من حين لآخر - لفت النظر إلى أنه مجرد تسارع حديث لظاهرة قديمة ومستمرة(3).

في تعريفه للعولمة يقول السيد ياسين: إذا أردنا أن نقترب من صياغة تعريف شامل للعولمة، فلا بد أن نضع في الاعتبار ثلاث عمليات تكشف عن جوهرها.

العملية الأولى: تتعلق بانتشار المعلومات، بحيث تصبح متاحـة لدى جميع الناس.

العملية الثانية: تتعلق بتذويب الحدود بين الدول.

العملية الثالثة: هي زيادة معدلات التشـابه بيـن الجماعـات، والمجتمعات، والمؤسسات(4).

أمـا الدكتـور عابد الجابري، فيقول: إن العولمة ترجمـة لكلمة Mondialisation الفرنسية، التي تعني جعل الشيء على مستوى عالمي، أي نقلـه مـن المحـدود المراقب إلى اللامحدود، الذي ينأى عن كل مراقبة(5).

ولعل العناصر المشتركة بين جميع هذه التعريفات ما يلي:

1- تجاوز الأفكار والخبرات والنظم والسلع والمشكلات لبيئاتها المحلية، وعبورها للحدود السياسية والجغرافية، على مستوى العالم.

۲- نظام العولمة قائم على عدم الاكتراث بالخصوصيات المحلية والتراثية والبيئية للدول والشعوب التي تغزوها؛ لأن العولمة تصنع - بآلياتها الجبارة - الميزات والخصائص والأجور التي تنسجم مع رواجها، ومع مصالح القائمين عليها.

3- تضاؤل الاعتبارات المحلية؛ من فكرية واقتصادية وسياسية واجتماعية، في تشكيل حياة الناس وأذواقهم وأوضاعهم المختلفة، لصالح إسهامات وانعكاسات دولية عامة.

4- تسارع وتيرة الاتصال العالمي، وتقدم وسائله؛ مما سهل انتقال كل ما يراد نقله(6).

 

الغزو الثقافي

يعتبر الغزو الثقافي؛ من أكثر القضايا التي حظيت باهتمام المفكرين والمؤسسات الثقافية على حد سواء، وليس هذا بغريب على أمة تتعرض لأشد حملات الغزو الثقافي ضـراوة، ولا يوجد وجه من أوجهه إلا وعانت منه؛ فهناك الغزو الثقافي المباشـر، المصاحب للاحتلال الاستيطاني، الذي يعاني منه الشعب العربي في فلسطين المحتلة، وعانى منه شعب الجزائر من قبله على يد المحتل الفرنسـي.. فالغزو الثقافي الإسرائيلي لم يكتف بما يقترفه لطمس المعالم الأثرية للشعب الفلسطيني، بل اتسعت جبهته لتشمل العرب جميعاً؛ من تشويش صورة الشخصية العربية، وتزوير التاريخ، وعلاوة على ما نعانيه مع الآخرين من الغزو الثقافي غير المباشـر، بفعل الإمبريالية(7).

إن العولمة تحمل - دائماً - في طياتها نوعاً أو آخر من (الغزو الثقافي)، أي: من قهر الثقافة لثقافة أخرى أضعف منها(8). ولكي نتبين حقيقتها، وأبعادها، ومخاطرها على الفرد والمجتمع والحضارة والثقافة الإسلامية، والإنسانية، بصورة عامة، نرى بأن هناك إجماعاً كبيراً – على الأقل – بين مفكري البلاد العربية، على أن البشـرية تتجه نحو ثقافة عالمية مشتركة، بمعـنى أن هنـاك خصائص ثقافية ذات طابع عالمي، تفرض نفسها على ثقافـات ومجتمعـات متباينة، تخترقها دون مراعاتها لهوية هذه المجتمعات، وخصوصيتها الثقافية، الـتي تكونت عبر قرون طويلة، ومحاولة احتوائها؛ بدءاً من زعزعة وهدم ثوابتـها، ومروراً بمحوها من ذاكرة أبنائها، وانتهاءً بالحلول محلها(9).

إن العديد من ثقافات شعوب العالم المختلفة، لا تقبل الذوبان في ثقافة الآخر، وإن قبلت التفاعل معها. ولا تقبل أن تهيمن عليها عناصر ثقافة الآخر، وإن قبلت بعض هذه العناصـر.. إن الثقافة - كما أقول دائماً - هي شأن عقلي؛ ومن ثم فلا يمكن لآليات الثقافة الغربية المعاصـرة، وهيمنتها، أن تزيح الثقافات الأخرى من عقول أصحابها، لأن كل فرد، في أي شعب، وخاصة الشعوب ذات الثقافات العريقة، المتجددة، قادر على استجلاء عناصر ثقافته الأصلية، والتمسك بها، في مواجهة الثقافات الأخرى(10).

ويقرر (صامويل هنتنجتون): "إن فرضيتي تقوم على أن المصدر الجوهري للصـراع في هذا العالم الجديد، لن يكون في الأصل أيديولوجياً، أو في الأصل اقتصادياً، وإنما ستكون الانقسامات الكبيرة بين الجنس البشري، والمصدر السائد للصـراع، ثقافياً"(11).

وتسعى العولمة إلى إزالة الطابع الأكاديمي عن عالم المعرفة والبحث(12)، لتكوين ثقافات فرعية متمايزة، متناقضة؛ بين ثقافـة النخـب وثقافـة الجماهير، وبين ثقافة سكان الحضـر وسكان الريف، وبين الثقافـة الأصـيلة والثقافة المعاصـرة.

لذا نرى (شمعون بيريز) يقول: "… إن رخاء الأمة يأتي حصيلة تجميع المعرفة، فالمعرفة هي الثروة الحقيقية على أعتاب القرن الحادي والعشرين"(13).

 ويذهب أبعد من ذلك، حين يقرر: "إن موقع الصدارة والهيمنة سيكون للمبادئ القائمة على العلوم والمعرفة، التي يتم إحرازها في الجامعات ومعاهد الأبحاث"(14).

فلقـد أصبح مألوفاً أن نشهد ملامح العولمة، واحتلالها للعقول والنفوس، في شبكة المعلومات (الإنترنت)، التي أزالت الحدود؛ وفي وسائل الإعـلام، واحتلالها للفضاء، ونشوء منظمات تحمل إيقاع العولمة، مثل: (أطباء بلا حدود)، و(مراسلين بلا حدود)، و(صحفيين بلا حدود)، و(حوارات بلا حدود)، ...إلخ؛ وفي شيوع مصطلحات العولمة على الساحة الثقافية؛ ومحاولات تنميط أسلوب الحياة في الطعام، واللباس، والتسوق، والاستهلاك، وصناعة الثقافة العالمية، ورسملة العالم، وتتم السيطرة عليه في ظل هيمنة دول المركز وسيادة النظام العالمي الواحد، وبذلك تتهافت الدولة القومية، وتضعف فكرة السيادة الوطنية، ويؤول الأمر مع الثقافة إلى صياغة ثقافة عالمية واحدة، تضمحل إلى جوارها الخصوصيات الثقافية. ويبدو الآن النمط السائد هو العولمة الأمريكية، بمعنى أمركة العالم، وسيادة الإيديولوجيا الأمريكية، على غيرها من الإيديولوجيات(15).

 

التعددية الثقافية

بعد عام ١٩٨٩م فقط، أصبح من الممكن أن نتصور - على الأقل - وجود عالم (بلا حدود)، حيث الناس، والبضائع، والأفكار، والأفلام، تتدفق، منذ أن سقط الحاجز الكبير بين الشـرق والغرب. علاوة على ذلك، فإن العالم - بعد نوفمبر ١٩٨٩م- بدا كأنه شخص يزيد من سرعته، دون أن يتوقع(16).

وظهر دعاة التعددية الثقافية Multiculturalism، وهي فلسفة سياسية، أو اجتماعية، تعمل على تطوير التنوع الثقافي. وتحظى هذه الفلسفة بدعم العديد من المربين في الدول التي يتكون فيها السكان من مجموعات اجتماعية تنتمي إلى خلفيات عرقية أو ثقافية متباينة(17).

ومن أهم أهداف التعددية الثقافية، وخصائصها، في عصـر العولمة:

1 - أنهـا ثقافة منفتحة على العالم كله، وليست محصورة فقط في المجال المحلي.

۲ – أنهـا ثقافة متعددة الوسائل (مطبوع، مسموع ، مرئي .. إلخ)، ولا يمكن الاقتصار على إحداها.

3– تتطلب متابعة يقظة، وسـريعة، ومستوى معيناً من الذكاء.

4- يغلب عليها الطابع الكمي، على حساب الكيف والنوعية.

5– تتميز بالإبهار في العرض، والسيطرة على اهتمام المتلقي.

6- تحتاج إلى مهـارة تكنولوجية، للإفادة القصوى من وسائلها ومعطياتها.

7- تقوم على انتشار المعلومات، وسهولة حركتها، وزيادة معدلات التشابه بين المجتمعات والجامعات.

ومع ما نلاحظه، من خلال هذه الخصائص، من بعض السلبيات، فإن التعددية الثقافية في عصـر العولمة، تتضمن – بالتأكيد – بعض الإيجابيات، التي يأتي في مقدمتها:

1- زيادة الوعي بالقضايا الإنسانية، والتفاعل معها.

2- تتطلب قدراً من التسامح مع وجهات النظر المختلفة، والمخالفة.

۳ - تساعد علـى سهولة الاندماج، أو - على الأقل - سهولة التعامل مع المجتمعات الأخرى(18).

إن وجود لغات وأديان مختلفة، يضمن التنوع الثقافي عملياً. وإن التقاليد، والشـيء المهدد بالخطر، هو فكرة ثقافة (قومية) حصـرية، ومكتفية بذاتها عملياً، ثقافة لا يشكل فيها الأفراد سوى نماذج تلهج بلغة ومعتقدات ونشاطات، مشتركة. لقد حاولت الدول، بحماس متقد، أن تخلق مثل هذه الثقافات، عن طريق نظم مشتركة للتعليم، والخدمة العسكرية، وما شاكل. وإن تعذر القـيـام بهذه المشاريع في البلدان المتقدمة، يعني أن عليها أن تبحث عن مرتكزات أخرى لولاء المواطن، خارج نطاق التجانس الثقافي البدائي(19).

وهكــذا يـصـير النظام الثقافي الجديد عبارة عن الخصوصية الثقافية للغـرب، معممة على غيره من شعوب العالم، مما يفضـي - حتماً - إلى تجريد الإنسانية مـن التـنوع الثقافي، والتعدد الحضاري، الذي تنبني عليهما الخصوصيات التي تتميز بها هذه الشعوب، وتستمد منها عناصر طاقتها ومعاني وجودها وأسباب عطائها(20).

لكن العولمة لم تؤد - كما يرى الكثيرون - إلى تعددية متساوية، أو متوازية، في المؤثرات الثقافية، وإنما تعكس الوضع الحضاري العالمي، الذي يهيمن فيه النموذج الحضاري الغربي على غيره من النماذج. وإذا كانت تلك الهيمنة لا تتخذ شكل المواجهة المباشرة، كما كان يحدث في الاستعمار الأوروبي القديم للشعوب الأخرى، فإنها تتمثل في نوع من الزحف الحضاري السلمي، وغير المباشـر، كانتشار مطاعم الهامبورجر الأمريكية، أو ملابس الجينز، أو أغاني الروك، أو من خلال سلاسل الفنادق الأمريكية، والأوروبية، أو شبكات التلفزيون الغربية. فعلى الرغم من أن هذه لم تنتج عن محو غيرها من المأكولات، أو الملابس، أو أشكال الثقافة والاستثمار الاقتصادي الأخرى، فإنها زاحمتها؛ إما إلى درجة الحد من الانتشار، أو إلى ما يشبه الإلغاء التام، وذلك نتيجة لأسباب كثيرة، من أبرزها عدم التكافؤ في المنافسة الاقتصادية. ومن هنا، فإن هناك من يرى أن العولمة أدت، وتؤدي، في كثير من الأحيان، إلى هيمنة نموذج حضاري واحد، هو النموذج الغربي الأمريكي، في المقام الأول(21).

 

العولمة الثقافية

تعني العولمة الثقافية: بروز عالم بلا حدود ثقافية، فيه تنتقـل الأفكـار، والمعلومات، والقيم، والأنماط السلوكية، بحرية كاملة، في اتجاه تكـوين ثقافـة إنسانية واحدة، على أساس أن طبيعة الإنسان واحدة، واحتياجاته واحـدة، أينما وجد على هذا الكوكب. وما تنوع الثقافات -كما يـزعم منظـرو العولمة - إلا نوع من استجابة الجماعات البشرية للبيئة الطبيعيـة، وتفاعلـها معها، لتلبية احتياجاتهم المادية، والروحية. وبالتالي، لا توجـد ثقافـة أصـلية، وأخرى أدنى، ولا توجد ثقافة متحولة، وأخرى ثابتة(22).

إن ثقافة العولمة تجتمع مع تقنية الإعـلام، والمعلومات، والاتصالات، في الرموز والتعابير، أي محكومة بمنظومة الثقافة التي تؤسس لها، وتفتح آفـاق تطـورها، بحيث يغدو كل منهما معطى للآخر، أو سبباً ونتيجة لوجود الآخر. وحيث إن تقنية المعلومات، والاتصالات، تعتبر أهم أدوات صناعة عولمة الثقافة ونشـرها، وإن نموها يؤدي إلى تطوير تقنيات المعلومات؛ فإن تفاعل وتكامل هذين الجانبين هو الذي يجعل عولمة الثقافـة واقعاً(23).

وإنها لكارثة كبيرة إذا أدت العولمة بالإنسان إلى شعور جارف بالغربة والضياع، عندما يفتقر إلى الجذور التي تربطه بأيّ أرض يعيش أو يتحرك عليـهـا، بل وعندما يكتشف أن ثقـافـتـه التي عرف الكون والحـيـاة من خلالها، والتي ترسخت عـبـر الـعـصـور والأجيال، قد محيت من الوجود إلى غير رجعة(24)، عبر تفكيك وتهميش الثقافات الوطنية، عن طريق قوة وسـائل الاتصال والإعلام والمعلومات، التي تحتكرها الدول الرأسمالية الكبرى، بقصد توجيـه نمط الثقافة نحو تقوية منطق الاستهلاك لدى الشعوب، وتوظيف العلم والمعرفة لاختراق الثقافات التقليدية، من خلال إظهـار تفوق الغرب الرأسمالي وحضارته، وضرورة الاعتماد على إنتاجـه المعـرفي لتطوير المناهج التعليمية وإجراء البحوث .. إلخ.

ومن هنا جاء مصطلح (العولمـة الثقافيـة)، أي قـدرة الثقافـة والمجتمـع والحضارة الأقوى تكنولوجياً، على اختراق الثقافـات والمجتمعـات والحـضارات الأضعف تكنولوجياً، وتهميشها، ومن ثم إلغائها، إن أمكن، وذلك عـن طريـق زرع القيم والأفكار النفسية والثقافية، ومن ثم السلوكية، في وعي الآخـرين، مـن أجل اختراق هذه المجتمعات، وإسقاط عناصـر المقاومة والممانعة لديها. مما يؤدي بدوره إلى تأسيس هوية ثقافية وحضارية جديدة، معادية لهويتها السابقة(25). والخوف من استشـراء خطر الثقافة الواحدة، وتعاظم نزعة الفكر الواحد، لم يعد هاجساً يراود رجال الفكر وحدهم، ولكنه امتد ليشغل اهتمام رجال السياسة، في كـثـير مـن أقطار البلاد النامية، وفي العديد من الدول العربية والإسلامية، على وجه الخصوص.

وإذا كان النظام العالمي الجديد، والسياسات التي تحكمت في تسيير دفة العالم، والهيمنة عليه، هي التي أفرزت ظاهرة (العولمة)، فإن هذا النظام، وآلياته، يسير من قبل دول ومؤسسات وهيئات دولية تتحكم في الجوانب الثقافية والفكرية. فالدول الكبرى تريد أن تفرض ثقافتها، وأنماطها الفكرية، على دول العالم الثالث، بتعميم النموذج الغربي في العالم.

إذن، فالعالم كله يواجه خطر إشاعة الثقافة العولمية ذات الطابع المـؤمرك، والمتجهة إلى إقصاء الثقافات الأخرى، وتذويب الهويات، تحت شـعارات طوباويـة زائفة، مثل (المواطنة العالمية)، و(القرية الكونية)، و(القيم الكونية)... إلخ مـن تلك المصطلحات التي لا واقع ولا أمل لها، وصناعة الجهل في البلدان النامية.

وقد تفننت عبقرية الجهل في اختراع استراتيجية:

(1) لمنع العامة من الوصول إلى المعرفة الأساسية؛ في مجالات العلوم، والاقتصاد، وعلم النفس، وعلم الأعصاب، وعلم التحكم الآلي: حافظوا على اهتمام الرأي العام بعيداً عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، اجعلوه مفتوناً بمسائل لا أهمية حقيقية لها. أبقوا الجمهور مشغولاً، مشغولاً، مشغولاً، لا وقت لديه للتفكير، وعليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات.

(2) وفي إلباس الجمهور ثوب الجهل، وإبقائه غير قادر على فهم التقنيات والأساليب المستعملة من أجل السيطرة عليه، واستعباده، وإغراقه في بحار الجهل، ونشـر وباء الجهل بينهم، وانحلال الخُلق. "يجب أن تكون نوعية التعليم الذي يتوفّر للمستويات التعليميّة الدنيا سطحيّاً، بحيث تحافظ على الفجوة التي تفصل بين النخبة والعامّة، وأن تبقى أسباب الفجوة مجهولة لدى المستويات الدنيا"(26).

 

تأثير العولمة الثقافية في النصوص الأدبية العربية الحديثة

تعمل العولمة على إيجاد تمايز واضح بين ثقافة النخب وثقافة الجماهير، وتعميق الازدواجية بين الأصالة والمعاصـرة، في الثقافة والفكر والسلوك(27).

 كانت الأمم الأوروبية، في العصور الرومانية والقوطية، والنهضة والباروك، تميل على الدوام إلى التباس اتجاهات جديدة في الفن والثقافة من بعضها البعض، وبدرجة مدهشة من الوحدة. وعلى الرغم من كل (أمركة) الحياة الثقافية اليومية في فترة تبدل القرن، ما زالت موسیقی القرن الثامن والتاسع عشـر الألمانية، بشكل أساسي، تعزف في كل العالم؛ من لندن، وعبر شيكاغو، وصولاً إلى اليابان، کموسيقى كلاسيكية. وهذا التطور أيضاً أقدم بكثير مما نطلق عليه اليوم العولمة(28).

ولعل أبرز مظاهر تأثير العولمة الثقافية، أن وسائل الاتصال المتعددة، وشبكة الانترنت، وغيرها من الوسائط، تساعد على إيصال المنتوج الثقافي، بمختلف مصادره، إلى جميع أنحاء العالم، في نفس اللحظة. والمقصود بالثقافة، في حركة العولمة، هي (الاستهلاكية)، الموجهة أساساً لدعم العمل الاقتصادي والتجاري، من مثل: السينما، والموضة، والفنون، بمختلف أشكالها.

ففي شهر فبراير ۱۹۹۷م اشتهرت (عيشة)، وهي أحدث أغنية للمهاجر الجزائري خالد، ويدعى أيضاً ملك الراي، في مهرجان الأغنية الفرنسية، وأصبحت أغنية العام. وكون هذه الأغنية موجهة إلى فتاة عربية في أسطوانات المحطات الإذاعية الفرنسية الكبرى (وليس فقط في أجهزة الأقنية الخلفية الناطقة بالعربية) يعد في حد ذاته أمراً جديراً بالاعتبار. إنها مثال على نجاح المهاجرين المغاربة في (أغاني) ثقافة الأمة الفرنسية. وإذا ما نظرنا إلى الأمر الخارج، فإن خالداً يمثل فرنسا، وقد فتنت موسيقاه الناس في بلدان مختلفة اختلافاً كبيراً، مثل مصـر وإسـرائيل، وحتى المملكة العربية السعودية، المعروفة بمحافظتها الشديدة، وقد وجدت لها صياغات محلية باللغة العبرية والتركية والهندية. وتدل هيئته وموسيقاه على أنه ليس من الضـروري أن تكون العولمة شارعاً باتجاه واحد، وإنما هي للثقافات الموسيقية المحلية، على العكس من مسارح وأهمية امتداد العالم للعولمة الثقافية(29).

لقد وفرت التكنولوجيا للمبدع الثقافي وسائل مادية عديدة لمعاونته في إنتاج عمله الأدبي أو الفني، ولكنها - في الوقت نفسه - قد قلصت من دوره، بتهميشها الثقافة، وتحويل الفنون والآداب والموسيقى إلى وظيفة ديكورية، أو مكون سلعي مكمل لمنتجات عصـر الصناعة. ولا شك أن حاجة السلطة للمثقـف ستزداد في عصـر المعلومات، في محاولة لاستغلاله، من أجل السيطرة على التوتر، بعد أن أصبحت الجماهير - بفعل انتشار المعلومات - أكثر إدراكاً لواقعها(30).

وكان من الطبيعي للعولمة، التي تهدف إلى صياغة العقول طبقاً لأهدافها، أن تمسك بزمام الأمور في مجال الصناعات الثـقـافـيـة، وأن تجعل منها مدفعيتها الثقيلة المدوية التي تصم الآذان، فلا تترك مجالاً للعقول کي تتأمل وتحلل وتفـسـر بأسلوب مـوضـوعـي مـتـفـرد. وتتعدد هذه المنتجات وتتنوع بحيث تحاصـر الجماهير بالصوت والصورة، والحركة والكلمة، من كل جانب؛ من المعارض إلى الكتب، ومن المسـرحيات إلى الحفلات الموسيقية، ومن الأفلام السـيـنـمـائيـة إلى الأعمال التليـفـزيـونيـة، مثل التـمـثـيـليـات، أو المسلسلات والبرامج والمقابلات والمـحـاضـرات والأحاديث والندوات وغيرها. وكذلك أشرطة الفيديو، بل وعروض الأوبرا والحفلات.

فإن معناها الثقافي هو تعميم ثقافة الدول الرأسمالية الكبرى - وعلـى رأسها أمريكا - على كل بلاد العالم، ولا سيما التقليدية منها، على اعتبـار أن الثقافة نظام جزئي لحضارة النظام الرأسمالي، ولا بد من القيـام بـأدواره حتى تكتمل منظومة عولمة العالم.

ومهما كانت الحال، فثمة إجماع كبير - على الأقل بين مفكري وعلماء البلاد العربية - أن البشـرية تتجه نحو ثقافة عالمية مشتركة، بمعـنى أن هنـاك عولمة الثقافة في البلاد العربية، في هذه المرحلة، والمتمثلة في تمزيق مكونات المجتمعات العربية.

إن بعض أكثر الظواهر الثقافية أهمية، في زمننا، تتصل بردود الأفعال والتأويلات الخاصة بالنظام الكوني ككل. وبشكل أكثر تحديداً، تنطوي العولة على ضغط على المجتمعات، والحضارات، وممثلي التقاليد، بما في ذلك التقاليد الخفية والمخترعة، کي تمحص الساحة الثقافية الكونية من أجل أفكار تعد وثيقة الصلة بهوياتها. وربما كانت عملية استهلاك الثقافة، وتوفيقها، تعد أكثر الجوانب المهملة الخاصة بإعادة الحياة للثقافة، باعتبارها فكرة سوسيولوجية بارزة(31).

إن الدور المتعاظم للمعلوماتية، وثورة الاتصال، في خلق مناخ الذات الاجتماعية، من جهة، ومن جهة أخرى مكملة للأولى، دور الحاسوبية والمغامرة التكنولوجية، في هز مرجعية الخيال الأدبي، والتحريض على نشوء آليات جديدة لإنتاج النصوص، ربما تحمل معها مرجعيتها النوعية؛ وقد تنتقل بالمرجعيات والإحالات الداخلية للسانيات والسيميائيات إلى مرحلة نوعية جديدة(32).

 

النشر الإلكتروني، والمواقع الالكترونية

من المعلوم أن الثورة الإلـكـتـرونيـة تـجـاوزت كل الحـدود الـجـغـرافـيـة والسيادية بين الدول، وحطمت الكثير من السدود والأسوار. فنحن نرى أدوات التطور التكنولوجي، وعصر المعلومات، أدوات خير صهرت العالم فأصبح قرية كونية صغيرة، تلاشت المسافات بينها إلى غير رجعة، ويمكن أن تكون وسيلة للتلاقي بين الشعوب والحضارات. وليست العولمة بحد ذاتها شـراً، ولكنها كانت نتيجة تراكم الإنجازات العلمية، وهي قد لا تكون مرغوباً فيها فقط، ولكنها حدث تاريخي حتمي لا يمكن تجنبه(33).

 

العولمة والرواية

تراجعت كثيراً الأعمال الروائية في المجتمعات التي تعاني انحداراً ثقافياً وحضارياً، عكس المجتمعات التي حققت أعلى درجات الإنجاز العلمي والتقني والاقتصادي والسياسي، وأصبحنا أمام ظاهرة عولمة الأفكار والثقافات والاتجاهات الروائية، بدلاً من مركزتها في شكل استقطاب أحادي اللون والنكهة الثقافية. وإن ما نراه اليوم من شيوع الندوات والمؤتمرات السنوية، التي تعنى بالرواية والروائيين، ربما يكون الدليل الواضح على أهمية الدور الثقافي العولمي الذي تنهض به الرواية، وبخاصة الرواية الأمريكية اللاتينية والأفريقية والآسيوية.

لقد أصبحت الرواية الفن الأكثر حضوراً بين القراء، والأكثر إغراءً لتأليفها وترجمتها إلى اللغات العالمية، التي غالباً ما تكون اللغة الإنجليزية، وتحويلها إلى أفلام ومسلسلات تلفزيونية. وأصبحت فكرة (الرواية العالمية) رائجة كذلك، للاستفادة من وسائل العولمة. فمثلاً؛ نجح الروائي (أورهان باموك)، التركي، في نقل بيئة محلية في شـرقي تركيا، إلى مستوى عالمي، في رواية (ثلج KAR)، التي تدور أحداثها في مدينة (قارص) التركية، الغارقة في الفقر والبؤس والانقسامات السياسية. كذلك نجح في تمثيل فئات المجتمع كافة، في (مسـرح الشعب)، الذي تجري فيه أحداث الرواية، ويجلس المشاهدون؛ من مختلف الأطياف التركية، لمشاهدة مسرحية دعائية(34).

وفي عام 1988م فاز الروائي، والكاتب المصـري نجيب محفوظ(ت2006م)، بجائزة نوبل، ويُعد أول أديب عربي حائز على هذه الجائزة في الأدب. ونتيجة ذلك أصبح الأدب العربي موضع اهتمام المترجمين، فتضاعفت حركة الترجمة الأدبية عدة أضعاف منذ هذا الاعتراف العالمي برواية محفوظ رواية عالمية، وبمحفوظ روائيًا عالميًا.

 

العولمة والشعر

لقد ظهرت الدعوة إلى الإصلاح بداية القرن العشـرين، وكانت آفة هذه الدعوة الغلو في القدح في القديم، ومدح الجديد الذي تدعو إليه. ولا يخفى أن حالة العصـر الحاضر تقتضـي أن تكون الأدبيات موافقةً للشؤون الاجتماعية فيه، فنحن في أشد الحاجة إلى الشعراء والمنشئين الذين يصـرفون قوتهم الخيالية إلى جذب وجدان الأمة إلى الفضائل الاجتماعية التي ترتقي بها وتساوي الأمم العزيزة وتجول في ميادين المعلومات التي انتهت اليها المدنية الحاضرة. لأجل ذلك، كما أننا في أشد الحاجة إلى إحياء موات لغتنا العربية الشـريفة بالاستعمال، لأن الأمة لا تحيا بدون لغة، فإذا وجد في عالمنا الأدبي من يشتغل بإقامة أحد هذين الركنين، لا ينبغي لنا أن نهضم حقوقه لأنه لم يقم الركنين كليهما معاً. وامتاز هذا الطور بظهور بعض المصلحين الاجتماعيين. وقد أسهم الشعراء بشعرهم في الدعوة إلى الإصلاح.

ولكون الأمة العربية تحتل مكان الصدارة في العالم بالنسبة لموقعها الجغرافي، لذا كانت مطمع الغزاة في القديم والحديث. فهناك عدو رابض، المتمثل في الاستعمار الكامن وراء الغزو الفكري. وصـار الاتجاه إلى الطلاسم والتمرد على الواقع، بـل علـى معطيات الثقافة العربية التي تستقي مقوماتها من الإسلام، وصارت إهانة هذه المعطيات ديـدن هـؤلاء الشعراء، وكلمـا تمـردوا عليهـا زادت شهرتهم، وبالتالي زادت مسـاحة النشـر لهم، على حساب الكلمة الطيبة، أو على حساب الكلمة الشاعرية، حتّى المعنى والمضمون؛ تلك التي تخالج الوجدان، وتثير مكامن العاطفة لدى الناس، من صنوف الغزل العفيف، الذي لا ينـزل إلى حد البذاءة والتسطيح في المعنى والمضمون..

أما شعراء الحكمة والالتزام، بـأدنى حدود الالتزام، فقد جرى لهم تجاهل، وشكك النقاد في شاعريتهم، وعدوا شعرهم ضـرباً من النظم، كما كانت بعض العلوم تنظم شعراً، أو نظماً، وكانت منها فائدة عظيمة، ولكنها تعرضت للهجوم الذي تعرض له التراث عموماً. ولعلنا نتذكر الحملة على ما سموه، حينها، بالكتـب الصـفراء، الـتي لم تعـد كـذلك، اليـوم، شـكلاً ومضموناً، إذ إنها قد أدخلت في الحاسوب، ويتداولها الناس اليـوم(35).

 

دور الانترنت في انتشار أعمال الأدباء

فالعولمة هي الاجتياح الغربي، بزعامة أمريكية، لصب العالم في قالب الحضارة المهيمنة، ولمصلحة أهلها.. فإن هذا الاجتياح الطوفاني لا يترك ميداناً من الميادين إلا ويريد أن يطاله ويحتويه.. وخاصة إذا وجد فراغاً يغري بالاحتواء.

لقد أحدث ظهور الانترنت ثورة عارمة في مجال صناعة الكتب والمجلات والجرائد، ما تسبب في حالة من الرعب لدى الكثير من المفكرين من إمكانية اختفاء الكتاب الورقي.

إن أدب الجيل الحاضـر سريع بسرعة البرق في الانتشار، لكن يتضمن نشر معلومات غير موثقة وغير حقيقية، ولكن لا مفر من مجاراة العصـر الإلكتروني، وبما يسمى الأدب الرقمي. وأصبح الإطلاع على الثقافات المختلفة بكل سهولة ويسـر. وشهد أدب الإنترنت تطورا سريعاً . لقد أسهمت العديد من المواقع الإلكترونية في نشـر الأعمال الإبداعية في المجال الأدبي إلكترونياً، مما سهل الحصول عليها، خاصة أعمال الأدباء الذين يتمتعون بشهرة وصدى إعلامي كبير. كما أن هذه الأعمال الناجحة كثيراً ما أصبحت تستقطب اهتمام الدارسين والنقاد وطلبة الجامعات، وهذا ما من شأنه أن يثري الساحة الأدبية، ويعطيها حراكاً أدبياً ونقدياً يحسّن مستوى الأداء الإبداعي لبعض الأدباء.

 

الخاتمة

(1) لم يحدث في تاريخ البشـرية من قبل، أن برز على سطح المـجـتـمع الدولي تيـار اقـتـصـادي وسياسي واجـتـمـاعي، وأثار من الجدل والحيرة والقلق والتوجس، مثلما فعل التيار الذي أطلق عليـه مصطلح (العولمة).

(2) إن ما أتت به العولمة من ثورة المعلومات، جعلت من العالم قرية صغيرة. كما أن تقدم وسائل الاتصال العالمي، زاد من قـدرة الثقافـة والمجتمـع والحضارة الأقوى تكنولوجياً، على اختراق الثقافـات والمجتمعـات والحـضارات الأضعف تكنولوجياً، وتهميشها، ومن ثم إلغائها إن أمكن.

(3) تذويب الحدود بين الدول، وانتشار المعلومات، وسهولة حركتها، وزيادة معدلات التشابه بين المجتمعات والجامعات.

(4) إن العولمة تحمل دائماً في طياتها (الغزو الثقافي)؛ من قهر الثقافة الأقوى، لثقافة أخرى أضعف منها.

(5) ثقافة العولمة منفتحة على العالم كله، وليست محصورة فقط في المجال المحلي.

(6) تعمل العولمة على إيجاد تمايز واضح بين ثقافة النخب وثقافة الجماهير، وتعميق الازدواجية بين الأصالة والمعاصـرة، في الثقافة والفكر والسلوك.

(7) تعميم ثقافة الدول الرأسمالية الكبرى - وعلـى رأسها أمريكا - على كل بلاد العالم، ولا سيما التقليدية منها، على اعتبـار أن الثقافة نظام جزئي لحضارة النظام الرأسمالي، ولا بد من القيـام بـأدواره حتى تكتمل منظومة عولمة العالم.

(8) تعاظم كثيراً دور الأعمال الروائية في المجتمعات التي حققت أعلى درجات الإنجاز العلمي والتقني والاقتصادي والسياسي، عكس المجتمعات التي تعاني انحداراً ثقافياً وحضارياً، وأصبحنا أمام ظاهرة عولمة الأفكار والثقافات والاتجاهات الروائية، بدلاً من مركزتها في شكل استقطاب أحادي اللون والنكهة الثقافية.

(9) إن أدب الجيل الحاضـر سـريع بسـرعة البرق في الانتشار، لكن يتضمن نشر معلومات غير موثقة وغير حقيقية، ولكن لا مفر من مجاراة العصـر الإلكتروني، وبما يسمى الأدب الرقمي. وأصبح الاطلاع على الثقافات المختلفة ميسـراً بكل سهولة ويسـر، وشهد أدب الانترنت تطوراً سـريعاً. وقد ساهمت العديد من المواقع الإلكترونية في نشـر الأعمال الإبداعية في المجال الأدبي إلكترونياً.

(10) تعرض شعراء الحكمة والالتزام للهجوم، وتم تجاهلهم، وشكك النقاد في شاعريتهم، وعدوا شعرهم ضـرباً من النظم، كما كانت بعض العلوم تنظم شعراً، أو نظماً. وصـار الاتجاه إلى الطلاسم والتمرد على الواقع، بـل علـى معطيات الثقافة العربية التي تستقي مقوماتها من الإسلام، وصارت إهانة هذه المعطيات ديـدن هـؤلاء الشعراء، وكلمـا تمـردوا عليهـا زادت شهرتهم، وبالتالي زادت مسـاحة النشـر لهم، على حساب الكلمة الطيبة، أو على حساب الكلمة الشاعرية، حتّى المعنى والمضمون.

 

الهوامش

(1) العولمة السياسية: انعكاساتها وكيفية التعامل معها، د. فضل الله محمد سلطح، مكتبة بستان المعرفة، الاسكندرية، ۲۰۰۰م ، ص۱۰.

(2) العولمة الثقافية :الحضارات على المحك، جيرار ليكلرك، ترجمة : جورج كتورة، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2004م، ص۳۳۳.

(3) العولمة، جلال أمين، دار الشروق، القاهرة، 2009م، ص49.

(4) العولمة والطريق الثالث، السيد ياسين، مـيريت للنشر والمعلومات، القاهرة، ۱۹۹۹م، ص۱۸.

(5) قضايا في الفكر المعاصر، محمد عابد الجابري(ت2010م)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ۱۹۹۷م ، ص 136.

(6) العولمة: طبيعتها وسائلها – تحدياتها - التعامل معها، د عبدالكريم بكار، عمان، 2013م ، ص12.

(7) العرب وعصـر المعلومات، د. نبيل علي، سلسلة عالم المعرفة، العدد:184، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت ، ص315.

(8) العولمة، جلال امين، ص48.

(9) العولمة والتربية: آفاق مستقبلية، د. أحمد علي الحاج محمد، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الدوحة، 2011م ، ص 106,

(10) ما بعد العولمة: قراءة في مستقبل التفاعل الحضاري وموقعنا منه، د. مصطفى النشار، دار قباء للطباعة والنشر، القاهرة، 2003م ،ص97.

(11) مقال الرؤية الغربية لصامويل هنتنجتون، نشر في كتاب الحضارات العالمية، د. محمد عمارة، ص22.

(12) عولمة العولمة: من أجل التنوع الحضاري، مهدي المنجرة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2011م ، ص16.

(13) الشرق الأوسط الجديد، شمعون بيريس(ت2016م)، ترجمة: محمد حلمي عبدالحافظ، الأهلية للنشـر والتوزيع، عمان، 1994م ، ص179.

(14) الشرق الأوسط الجديد، ص173.

(15) آفاق الإبداع ومرجعيته في عصـر المعلوماتية، د. حسام الخطيب ، دار الفكر الإسلامي الحديث، دمشق، 2001م، ص124.

(16) العولمة والحياة اليومية،لارى راى، ترجمة: الشـريف خاطر، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة، 2014م، ص32.

(17) الموسوعة العربية العالمية، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض، 1999م ، ج8 ص 41.

(18) الإعلام والعولمة، د. رضا عب دالواجد أمين، دار الفجر للنشـر والتوزيع، القاهرة ، 2007م ، ص 105-106.

(19) ما العولمة: الاقتصاد العالمي وإمكانات التحكم، بول هيرستاو وجراهام طوميون، ترجمة: د. فالح عبدالجبار، سلسلة عالم المعرفة، العدد: 273، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب،الكويت، 2001م.، ص393.

(20) العولمة فرص وتحديات، عمر عبيد حسنة، المكتب الاسلامي، بيروت،٢٠٠٤، ص٢٤.

(21) الموسوعة العربية العالمية، ج16 ص721.

(22) العولمة والهوية الثقافية: عولمة الثقافة أم ثقافـة العولمـة العرب والعولمة، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربيىة، عبدالإله بلقزيز ، بيروت، 1998م ، ص ۳۱۰.

(23) العولمة والتربية: آفاق مستقبلية، د. أحمد علي الحاج محمد، مصدر سابق، ص 106.

(24) أقنعة العولمة السبعة، د. نبيل راغب، دار غريب للطباعة والنشر ، القاهرة، ۲۰۰۱م ، ص340.

(25) الهوية الإسلامية في زمن العولمة الثقافية، د.خليل نوري مسيهر العاني، ديوان الوقف السني، بغداد، 2009م، ص۱۲۸.

(26) الأسلحة الصامتة لحرب هادئة، ناعوم تشومسكي، د.ت.

(27) العرب والعولمة، العولمة والهوية الثقافية، محمد عابد الجابري(ت2010م)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ص316.

(28) فرص العولمة: الأقوياء سيزدادون قوة، نورمان دان شرييرع، ترجمة حسين عمران، العبيكان للنشـر، الرياض ۲۰۰۲م ، ص13.

(29) ما هي العولمة، أولريش بك، ترجمة: أبو العبد دودو، منشورات الجمل، بغداد، 1999م ، ص45-46.

(30) العرب وعصر المعلومات، د. نبيل علي، ص325.

(31) العولمة: النظرية الاجتماعية والثقافية والكونية، رونالد روبرتسون، ترجمة: أحمد محمود ونورا أمين، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة، 1998م ، ص106.

(32) أفاق الإبداع ومرجعيته في عصر المعلوماتية، ص۳۲-۳۳.

(33) نذر العولمة، عبدالحي يحيى زلوم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1998م، ص25.

(34) رواية الثلج، أورهان باموق، ترجمة: عبدالقادر اللي، منشورات الجمل، كولونيا، ألمانيا،2005م.

(35) فكر الانتماء في زمن العولمة: وقفات مع المفهومات والتطبيقات، د. علي بن ابراهيم النملة، العبيكان للنشر، الرياض، ٢٠٠٦م ، ص٢٦.

هناك 3 تعليقات:

  1. جزاكم الله خيرا كثيرا

    ردحذف
  2. دراسةممتعةوواقعيةيستحق كاتبها كل التقدير

    ردحذف
  3. د. عبدالقادر جليل محمد الصالحي17 يوليو 2022 في 8:31 م

    أحسنتم دكتور حازم على هذه المقالة الشاملة عن العولمة وبالذات تأثيرها على الثقافة .. لكم كل التقدير .. أظن أن العولمة "شرّ لا بدّ منها" و "خير أيضا"!! فالتيار جارف بفعل التفوق العلمي والاقتصادي والحضاري للمصدر الغربي والأمريكي .. وأظن أن الإسلام كفكر وثقافة ودين، وليست الشعوب العربية والتركية والإيرانية والكُردية ..الخ، يمكن أن يجد له "دورا إيجابيا" في تقليل الشرور وزيادة الفائدة، والله أعلم .. جزاكم الله خيرا وجزى الله القائمين على (الحوار) خيرا

    ردحذف