08‏/01‏/2023

الأسلحة النووية صمام أمان من نشوب حرب عالمية

محمد صادق أمين

  ربما يكون عنوان المقال صادماً، فمن المعلوم أن الاسلحة النووية هي أسلحة دمار شامل، وتعزز الدول ترسانتها منها لزيادة قوتها في المشهد الدولي، فكيف لها أن تكون سبباً في منع حرب عالمية ثالثة؟!.

قدرة هذه الأسلحة الهائلة على التدمير، هي التي جعلت منها سبباً في منع نشوب الحرب، فرغم حدوث أزمات دولية خلال القرن العشـرين أكبر من تلك التي تسببت بنشوب الحربين الكونيتين الأولى والثانية،

إذ أدركت القوى العظمى أن استخدام السلاح النووي سيؤدي إلى فناء الحياة على الأرض، وأن رابحاً لن يخرج من هذه الحرب.

وهنا يمكن الإشارة إلى عبارة (لا يمكن لأي طرف أن يكسب حرباً نووية، ولا يجب خوض حرب نووية)، التي وردت في بيان مشترك عام 1985، صادر عن الرئيسين السابقين الأمريكي رونالد ريغان، والسوفييتي ميخائيل غورباتشوف في مؤتمر (قمة جنيف)، الذي عده المراقبون نقطة تحول في الحرب الباردة بين البلدين، اللافت أنه وفي يونيو عام 2021 كرر الرئيسان الأمريكي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين، ذات العبارة، في قمة مشتركة جمعتهما بمدينة (جنيف).

عواقب الحرب النووية، والخسائر التي يمكن أن تتسبب بها، دفعت الدول الكبرى في العالم إلى التريث والتعقل في التعامل مع الأزمات الدولية، لمنع حدوث مواجهة بين الدول النووية.

وفي هذا المقال سأتناول الآثار المحتمل وقوعها في العالم، في حال نشوب مواجهة نووية بين روسيا ودول حلف شمال الأطلسـي (الناتو)، بعد تزايد احتمالات وقوعها بسبب التهديد الروسي، بعد غزو أوكرانيا، من خلال استقصاء الدراسات الغربية، التي دفعت الجميع للحرص على عدم تكرار تجربة الحربين.

الشتاء النووي:

أجرى باحثان من جامعة (Rutgers) البحثية الأمريكية، دراسة نشرت في أغسطس 2022، تحت عنوان (انعدام الأمن الغذائي العالمي، والمجاعة، الناتجين عن انخفاض المحاصيل ومصائد الأسماك البحرية والإنتاج البحري، بسبب الاضطرابات المناخية الناتجة عن انتشار السخام في الحرب النووية).

بُنيت الدراسة على احتمالين؛ الأول نشوب حرب نووية بين باكستان والهند، سيلقي فيها الطرفان حوالي 500 رأس نووي، قدرة الرأس الواحد تعادل القنبلة التي ضربت هيروشيما وناغازاكي اليابانية، وهذه المواجهة ستسبب بموت 27 مليون إنسان على الفور، ويموت لاحقاً 2 مليار بسبب الجوع.

  الاحتمال الثاني نشوب حرب نووية بين روسيا وأمريكا، يستخدم فيها الطرفان 4400 قذيفة نووية، ستؤدي إلى موت 360 مليون إنسان على الفور، و5 مليار إنسان بسبب الجوع.

وكشفت نتائج الدراسة أن المواجهة ستؤدي إلى آثار مناخية مدمرة قد تستمر لعشرة أعوام، فيما يعرف بـ(الشتاء النووي)، حيث ستخلف حوالى 330.6 مليار رطل من الكربون الأسود في الغلاف الجوي، وهو ما سيتسبب بحجب أشعة الشمس، ما يعني انخفاض ​​متوسط ​​درجات حرارة سطح الأرض فجأة بمقدار 1.5 درجة مئوية، وهو أدنى مستوى للحرارة منذ أكثر من ألف عام، وسيكون متوسط درجة الحرارة في أميركا الشمالية، وآسيا، وأوروبا، والشرق الأوسط، خلال فصل الشتاء ما بين 2.5 إلى 6 درجات مئوية، ما يؤدي إلى تدمير المحاصيل الزراعية، وموت 75% من سكان العالم بالجوع.

ظهر مصطلح (الشتاء النووي) خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وأشار تقرير لموقع (Nature) المتخصص بالتقارير العلمية، إلى أنه حتى الحروب النووية المحدودة ستكون نتائجها مدوية على مستوى العالم، من خلال التأثيرات على الطبيعية، مثل تضـرر طبقة الأوزون، وبرودة مناخ الأرض بصورة غير طبيعية، وستكون هناك خسائر في المحاصيل الزراعية وصيد الأسماك، الأمر الذي قد يفضي إلى ما يصفه العلماء بـ(المجاعة النووية).

الآثار الاقتصادية والاجتماعية:

أجرت وكالة الطوارئ الفدرالية الأمريكية، المعروفة اختصاراً بـ(FEMA)، عام 1976، محاكاة لحرب نووية تحت اسم (Crisis Relocation program 2B)  بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

وافترضت المحاكاة أن روسيا ستلقي 6559 ميغا طن من المواد النووية، عبر 843 رأس حربي من عيار واحد طن متري، كل رأس منها سيخلف حفرة قطرها 305م، وعمقها 61م، وستباد جميع أشكال المباني التي في محيط الحفرة على مساحة تقدر بواحد كيلومتر، فيما ستدمر المباني تدميراً كاملاً، في دائرة نصف قطرها 4كم، وتبقى هياكل الأبنية فقط.

وتشير المحاكاة إلى أن هذه الحرب ستخلف خسائر هائلة، أهمها:

- 125 ميلون شخص سيلقون حتفهم على الفور.

-ستنهار البنى التحتية، ما يتسبب بانهيار سلاسل التوريد، ما يعني انقطاع إمدادات الحياة الأساسية لمن تبقى على قيد الحياة.

-انهيار القطاع الصحي، وتدمير المستشفيات والمراكز الصحية، ما يعني أن من يتبقى على قيد الحياة لن يتمكن من الحصول على المساعدة الطبية.

وفي هذا السياق، تشير (Jennifer Leaning)، أستاذة الصحة، في دراسة قدمت لجامعة (Harvard) الأمريكية؛ إلى أن المخاطر الصحية الأكبر ستظهر بعد الهجوم النووي وليس أثنائه، حيث ستنتشـر الأمراض بسـرعة، بسبب لجوء الناس للملاجئ، التي ستكون مكتظة، وسيئة التهوية، وعند الخروج من الملاجئ لن تكون هناك قدرة على التعامل مع النفايات والمخلفات البشرية، ما يعني انتشاراً مذهلاً للحشـرات؛ في ظل دمار كامل لأنظمة الصرف الصحي.

- انهيار مؤسسات الدولة، خصوصاً الأمنية، وانتشار الجوع والهلع، سيتسبب بالهرج والمرج، وقد يتسبب بمواجهات في الشوارع بين الجياع من عامة الناس، للحصول على المواد الأساسية؛ متمثلة بالغذاء والدواء.

-انهيار شبكتي الاتصالات والكهرباء، وهي أساسية ومحورية في إدارة القطاعات الحيوية، والاقتصادية خصوصاً.

سيناريو القيامة:

مصطلح (ساعة القيامة) فكرة ظهرت سنة 1947، من قبل مجلس إدارة مجلة علماء الذرة، التابع لجامعة (Chicago) الأمريكية، وحذروا فيه من قرب نهاية العالم بسبب السباق بين الدول النووية.

إذ تملك الدول النووية حوالي 18 ألف رأس حربي نووي، عدة آلاف منها يمكن أن تكون جاهزة للإطلاق خلال 5-15 دقيقة.

ويفترض سيناريو نهاية العالم أن قنبلة واحدة يمكن أن تتسبب بهذه النهاية، فلو فرضنا أن روسيا قررت أن تطلق قنبلة نووية على العاصمة الأوكرانية كييف، ولو سقطت القنبلة في أحد شوارع مركز المدينة فستظهر خلال أقل من ثانية كرة من البلازما تصل حرارتها إلى ما يعادل حرارة الشمس، وتُبخِّر كل ما يوجد ضمن نطاق 2-3 كم من مركز الانفجار، كل شيء سيتبخر من بشـر وأشياء ومنازل وسيارات وأشجار وغيرها.

خلال 20 ثانية لاحقة، ستنطلق موجة حارة هائلة، في دائرة نصف قطرها 25-30 كم، ستحرق كل ما هو قابل للاحتراق، بما في ذلك البشـر والأشجار والمنازل، يرافقها موجة زلزالية قادرة على هدم معظم المنازل.. أثر تلك الموجة سيكون أكبر من مرور إعصار هائل من الدرجة الخامسة.

ويقدر الباحثون عدد القتلى في هذه الضربة بحوالي 500 ألف إنسان على الفور، مع ضعف هذا العدد من المصابين، الذين لن يجدوا من يسعفهم بسبب انهيار البنية التحتية.

التلوث الإشعاعي للضربة سيمتد لعشرة كيلومترات إضافية، وسيقتل من 50-90% من السكان خلال الساعات والأيام التالية.

يلي ذلك انتشار واسع لما يسميه العلماء بالغبار النووي، وهو الرماد المشع المتبقي الذي دُفع به إلى الغلاف الجوي بعد الانفجار، ويمكن أن ينتشـر هذا الغبار لعدة مئات من الكيلومترات من موقع الانفجار، في حين أن معظم الجسيمات التي يحملها الغبار النووي تتحلل بسرعة، فإن بعض الجسيمات المشعة سيكون لها أثر باق يتراوح من ثوانٍ إلى بضعة أشهر.

أما بالنسبة لبعض النظائر المشعة، مثل (Strontium-90) (Caesium-137)، فإن أثرها يدوم طويلاً جداً، ربما لمدة تصل إلى 5 سنوات بعد الانفجار الأولي.

سيناريو الحرب النووية:

السيناريو السابق قائم على وقوع ضربة واحدة محدودة، لكن الدولة التي تتلقى الضـربة الأولى، سترد على الفور.

ولمعرفة آثار هذا السيناريو، بنى الباحثون في جامعة (Princeton) الأميركية محاكاة تتطور خلالها حرب تقليدية بين روسيا والناتو إلى حرب نووية، عبر إدخال كم هائل من البيانات العلمية والاستخباراتية إلى المحاكاة. افترضوا فيها أن الضـربة الأولى ستكون من جانب روسيا، بضـربة صاروخ باليستي نووي قادم من قاعدة في مدينة (كالينينغراد) الروسية، الواقعة بين بولندا وليتوانيا على ساحل البلطيق، مستهدفاً قاعدة عسكرية توجد على الحدود البولندية الألمانية.

رداً على هذه الضربة، تفترض المحاكاة أن الناتو لن يسكت، وسيطلق ضربة تكتيكية تستهدف قاعدة عسكرية على الحدود الروسية الغربية، ستنطلق عبر قاذفة قنابل مسافرة من قاعدة تقع على الحدود بين ألمانيا وفرنسا.

هذه الضـربات النووية اعتبرتها المحاكاة مجرد ضربات تحذيرية موجهة إلى قواعد عسكرية نائية، عدد القتلى لن يكون فيها كبيراً، لكن المحاكاة تتوقع أن روسيا، خلال ساعات قليلة، ستطلق أول ضربة نووية حقيقية على دول الناتو، تفترض أن ذلك سيتضمن قاذفات قنابل تحمل 300 رأس حربي نووي، موجهة إلى مواقع عسكرية منتشرة في كل أوروبا.

من جانبه سيرد الناتو بـ 180 رأساً نووياً حربياً، موجهة إلى مناطق عسكرية حدودية، وفي عمق الدولة الروسية. تتوقع المحاكاة أن عدد الوفيات سيصل، خلال ثلاث ساعات فقط من هذه المناورة، إلى 2.6 مليون شخص.

الخلاصة:

إن حجم الدمار الذي ستتسبب به الحرب النوية، سيكون كارثياً على مستقبل الحياة البشرية على الأرض، وهذا ما تدركه دول العالم قاطبة، خصوصاً النووية منها.

 لذلك اتجه المجتمع الدولي إلى سياسة أن أفضل وسيلة للانتصار بالحرب هو تجنب وقوعها..

 وهكذا أصبحت الأسلحة النووية سبباً لعدم وقوع حرب عالمية ثالثة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق