08‏/01‏/2023

الوعي أرجح وزناً مع الحب

أ. م. د. سامي محمود إبراهيم

 رئيس قسم الفلسفة/ كلية الآداب - جامعة الموصل 

للطير أن تحسد، فإنها تتحاشى التفكير في الشجر والجذور، تمضـي خفافاً، قنوعة، وتعود سعيدة تغني أنشودة الحياة.. والحال أن أية حياة، مهما كانت تافهة، ستكون ممتعة إن رويت بصدق.

في الواقع، تصبح كل الأفعال المتحققة مرفوضة، تخلو من كل ما يريح الروح، لهذا لا بد أن يحلم المرء بمدينة نائية، طيبة، فاضلة، يعلق عليها كل ما حرم منه من إنسانية وعدالة، ينشد فيها الخلاص من تضخم (أنا) الحضارة.. ينشد روحية إنسانية، مدينة فاضلة، جمهورية مثالية، تنتهي عند بوابتها رحلة الشقاء..

لكن (وايتهيد) يتنبه إلى أن الإنسان سينتهي، وتنتهي أحلامه، إذا بلغ الحقيقة، وتحقق الحلم، فيجعل الطريق إلى الحقيقة أجمل بكثير من بلوغها!

فالحياة رحلة البحث عن الأمل المفقود، وبدونها لم يكن بإمكاننا العيش.. فالحضارة ولدت من هذا الحلم، أخذت أحياناً شكل المدينة الفاضلة (الفارابي)، وأحياناً الجمهورية المثالية (أفلاطون). وأحياناً أخذت شكل ذلك المرتفع العالي الذي يرتفع أكثر فأكثر كلما ظن المتسلق على سفوحه أنه اقترب من الوصول!

 إنها الحكاية الطريفة عن العجوز وزجاجة الخل والجني، فالعجوز كانت تئن طوال الوقت من ضيق الزجاجة، وحين سمعها الجني حقق حلمها في الإقامة في بيت كبير وهادئ.. لكنها عادت إلى الشكوى مرة أخرى، لكن من العزلة والهدوء هذه المرة.. فأخذها إلى المدينة الصاخبة، ومع ذلك لم تكف عن الشكوى.. فأعادها الجني أخيراً إلى زجاجة الخل!

 فكلنا يقيم، بشكل أو بآخر، في زجاجات؛ قد تكون مليئة بالخل، أو الزيت، أو الماء، أو العطر، أو أي شيء آخر.. وكلنا نحلم بواقع، بهدف، لكن سرعان ما نشكو من الوصول، ونبدأ بالحلم من جديد.. وربما تأخذنا الأحلام إلى المدينة المحرمة من جديد!

فهل نجد في القراءة بحثاً موازياً عن الحقيقة؟ أم أننا نبحث عن محطات جديدة، نتزود فيها بقليل من الزاد والماء والراحة، لنواصل السير؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق