08‏/01‏/2023

أثر الدُّعاة والفقهاء في إصلاح المجتمع الإسلامي

بشار ناڤگوندی‌

 نظرة تاريخية:

كان مجتمع الصحابة الكرام في المدينة المنورة هو اللبنة الأولى والأساس في ولادة الحضارة الإسلامية القائمة على القيم الإنسانية المثلى ومكارم الأخلاق التي بعث الله رسوله الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) لإتمامها بين الناس، فكانت المنارة التي انبثق منها نور الهداية نحو الأقاليم والمجتمعات البشـرية المجاورة. وكان الصحابة الكرام حاملي هذا النور إلى الأمم الأخرى التي انضوت تحت راية

المسلمين الفاتحين، واندمج أبناؤها في المجتمع الإسلامي الذي أخذ يتشكل بمرور الأيام، وينضج على أساس المساواة والأخوة والقيم الأخلاقية العليا التي جاءت بها الرسالة الإسلامية.

كان المجتمع الإسلامي في عهوده الأولى متماسكاً، يتميز بقوة التمسك بالقيم الاجتماعية والأخلاقية، نظراً لقرب عهد أهله من الإسلام، ولانشغال المسلمين بالجهاد والفتوحات، لذلك قلًت فيه مظاهر التحلل والانحرافات الاجتماعية، التي بدأت تطفو إلى السطح مع بدايات عهد الدولة العباسية، ومع تأثر خلفاء بني العباس بمظاهر وأسلوب حياة الفرس الذي كان سائداً في عهد الساسانيين من الترف والبذخ وجمع الأموال والاستكثار من الجواري والمغنين، فسيطرت ثقافة الفرس على بيوت الخلفاء وأسرهم.

 عندما بنى الخليفة العباسي الثاني أبا جعفر المنصور (ه136-158ه) مدينة (بغداد)، واستقر فيها، استقر في هذه المدينة مختلف الأجناس والأقوام، خاصة الفرس، الذين قامت الثورة العباسية على أكتافهم، فتغلغل أسلوب عيشهم وثقافتهم في المجتمع البغدادي، وتأثر بها الناس، حتى طغت على حياتهم، فانتشـرت مظاهر اللهو والترف بين سكانها، وتميزت بغداد بكثرة الملاهي والمغنيات والمغنيين، وبارات شـرب الخمر، حتى بات الأمر مألوفاً، وانتشـرت كل الآفات الاجتماعية والأخلاقية التي تكون كفيلة بالقضاء على أي مجتمع بشـري وتفككه، إلا أنه بالمقابل كانت هناك حركة علمية وثقافية، ونمو للمدارس الدينية التي تفقّه الناس، وتخرّج الدعاة والفقهاء، من مختلف أقاليم العالم الإسلامي. فكان هناك خطان متوازيان يسيران جنباً إلى جنب: مسار الانحلال عن القيم والأخلاق، ومسار التعلق بالدين، ومحاولة إصلاح ما فسد. وكانت السلطة الحاكمة تقف في الوسط بين هذين المسارين. وفي العقود الأخيرة من عمر الدولة العباسية كان المجتمع المسلم قد بلغ مستوى اللارجوع من الفساد والبعد عن القيم الأخلاقية العليا، وخاصة في العاصمة الحضارية للعالم الإسلامي (بغداد)، التي كانت أكبر المدن حينذاك، من حيث عدد السكان، وهي قبلة طلاب العلم من كل العالم، ولها مكانة روحية عظيمة في قلوب المسلمين، كونها مركز الخلافة، إلا أنها في الحقيقة كانت تتآكل من الداخل، وتتجه نحو الفناء، نتيجة الأمراض والآفات الاجتماعية التي نخرت في جسدها وكيانها، مما يدفعنا هنا إلى إلقاء الضوء على دور الدعاة والفقهاء وعلماء الدين في معالجة الأمر، وهل حاولوا إنقاذ المجتمع؟ فمعرفة دورهم، وأسلوب حياتهم، تقربنا من الصورة الكاملة في فهم مجريات الأمور.      

   حظي العلماء والفقهاء بمكانةٍ مرموقة في المجتمع البغدادي، ولدى السلطةِ على حدٍ سَواء، وكانَ لَهم دورٌ كبير في توعية الناس بالإسلام والشـرع الحنيف، وهداية المجتمع نحو الطريق الصحيح والهداية والصلاح. فعلاوةً على دورهم الفعال في العملية التعليمية، والتربوية، وإدارة المدارس المختلفة في المجتمع، فقد لعبوا أيضاً دوراً في مجال الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والاهتمام بمصالح الناس، وتوعيتهم، والدفاع عن الحق، ونشـر القيم والتعاليم الدينية، من خلال الدروس، وحلقات العلم، التي اتسعت في أواخر عهد الخلافة العباسية في بغداد، لتشمل الخلفاء، وكبار رجال الدولة، الذين دأبوا على حضورها والاستماع إليها.

    وبَرَزَ في بغداد، أيام حكم الناصر لدين الله (575ه-622ه)، مجموعة مؤثرة من العلماء والفقهاء، الذين أغنوا رصيد المجتمع من العلم الشـرعي، والدعوة إلى الله، منهم رئيس الشافعية، وفقيه المدرسة النظامية: الشيخ الإمام رضي الدين القزويني(1). ويصف الرحالة الأندلسـي (ابن جبير) مجلسهُ الذي حضرهُ في بغداد، أنه مجلس علم ووعظ، يملأه الخشوع والدموع، فلا يكاد درسه ينتهي إلا والتائبون يقعون على يده، فبمثل مقام هذا الشيخ يرحم العصاة، وتستدام العصمة والنجاة(2).

ومن العلماء الذين لعبوا دوراً كبيراً في مجال الدعوة والإصلاح في (بغداد)، جمال الدين ابن الجوزي(3). وكان يجلس بإزاء داره كل يوم سبت، على الشط بالجانب الشـرقي لمدينة بغداد، ليلقي الدروس والموعظة التي تحث الناس على الصلاح والعودة إلى الله، ومحاولة إصلاح المجتمع البغدادي، الذي بلغ مستوى خطيراً من الفساد والانحراف عن قيم ومعاني الإسلام الحنيف. وهو رئيس الحنبلية في بغداد، والذي حظي باحترام كبير لدى رجال الدولة ودار الخلافة. وتتخلل خطبه ودروسه توبة الكثير من التائبين على يديه يومياً، معلنين الرجوع إلى الله، فيمسح على رؤوسهم داعياً لهم بالاستقامة والثبات(4). وكانت مجالسه تحظى باهتمام كبير لدى العامة، وكبار رجال الدولة، على حد سواء، حيث يحضـرها الملوك، والوزراء، وبعض الخلفاء، والأئمة الكبار، والألوف من عامة الناس(5). وقد حظي بالاحترام الكبير لدرجة أن إحدى نساء البلاط من خواص الخليفة العباسي، وهي (بنفشا بنت عبد الله الرومية)، التي صرفت اهتمامها نحو أعمال البر والإحسان، وكانت حنبلية المذهب، أوقفت داراً لها، وحولتها إلى مدرسة، وسلمتها للحنابلة، برئاسة ابن الجوزي(6). كما أنه كان من العلماء القليلين الذين سمح لهم بدخول ساحة قصور الخلافة، ومناظره المشـرفة عليه، والذي هو حرم الخليفة، حيث خص بالوصول إليه، والتكلم فيه، ليسمعه من تلك المناظر الخليفة، ووالدته، ومن حضـر من الحرم، ويفتح الباب للعامة للدخول إلى ذلك الموضع، والاستماع إلى مواعظ هذا العالم الجليل(7).

ونظراً لهذه المكانة التي وصل إليها العديد من علماء بغداد في تلك الفترة، كان من الصعوبة الفصل بين دورهم السياسي والاجتماعي.

  وكان لبعض العلماء نفوذ مؤثر لدى السلطة، لدرجة دفعت الناس إلى اللجوء إليهم، والاستعانة بتأثيرهم، ومكانتهم لدى الخلفاء ورجال الدولة، في قضاء حاجاتهم، وحل مشكلاتهم. وبرزت نماذج عديدة لهؤلاء العلماء، الذين سارعوا إلى قضاء حاجات ومطالب الناس، وإيصالها إلى أصحاب السلطة لتلبيتها؛ كإطلاق سراح السجناء، وكشف الأذى عنهم؛ منهم المقرئ الحنبلي عبد العزيز بن أبي دلف بن أبي طالب (المتوفى سنة 630ه)(8)، ومنهم من تسنم مناصب عليا في الدولة، ولعب دوراً في السلطة، فكان يمارس دوره الديني كفقيه وعالم، من جهة، وكموظف كبير في الدولة، من جهة أخرى. منهم - على سبيل المثال -: الفقيه ابن المني الحنبلي(9)، وكان قد ولي كتابة دار التشـريفات، وشهد عند القضاة، فضلاً عن توليه الإعادة للحنابلة في المدرسة المستنصـرية(10).

وأبرز العلماء الذين تولوا المناصب الإدارية في الدولة، ووظفوا أبناءهم في المناصب العليا، هو الصاحب محيي الدين ابن الجوزي (580ه-656ه). (11)وهو ابن الشيخ أبي الفرج الجوزي، المتوفى سنة 597ه، حيث عاصر آخر أربعة من خلفاء بني العباس، وخدم دولتهم، فتولى الحسبة للخليفة الناصر، وهو في مقتبل عمره، وحظي عنده بمكانةٍ كبيرة، وبقي في منصبه في خلافة الظاهر بأمر الله، وزادت منزلته، وزيد في تكريمه أيام المستنصـر بالله، حيث أرسله مبعوثاً إلى جهات عدة، وحصل على أموال ضخمة. وبعد وفاة هذا الخليفة، وتولي ابنه المستعصم بالله الخلافة، تولى ابن الجوزي أستاذية الدار (12)، وبلغ من نفوذه لدى مسؤولي الدولة، والخليفة، أن أدخل ابنه جمال الدين أبو الفرج في سلك رجال البلاط المعتمدين لدى الخليفة، حيث تولى وظيفة المحتسب في أسواق بغداد، كما أُرسل مبعوثاً للخليفة إلى مصـر، وغيرها(13).

    كانت مكانة العلماء لدى السلطة، والعامة، محفوظة، ولهم احترامهم في المجتمع. وقد ساهم هؤلاء إلى حد كبير في الحفاظ على السمت الإسلامي العام، ومهابة القيم الإسلامية لدى الناس، وقدموا خدمات علمية جليلة للمجتمع، حيث دأبوا على نشر العلم بين الناس، من خلال المدارس الرسمية الكثيرة التي كانت أنشأتها الدولة، أو تلك التي شارك الأمراء في إنشائها. وكانت في بغداد، أيام حكم الناصر لدين الله، الذي حكم قرابة 47 سنة (من العام 575ه إلى سنة وفاته في 622ه)، نحو ثلاثين مدرسة، والتي كانت لها الأوقاف العظيمة، يتم من خلال وارداتها إدارة هذه المدارس، وتوفير مستلزمات الطلبة والمدرسين فيها(14). وقد احتضنت هذه المدارس الكثير من علماء الدين الأفاضل، والفقهاء، وطلبة العلم، الذين كان تأثيرهم واضحاً في حفظ هيبة الدين الإسلامي، وقيمه، في المجتمع البغدادي. وكانت مدرسة (المستنصـرية) بمثابة الجامعة التي تجمع أبرز علماء وفقهاء بغداد في أروقتها، حيث كان رواد المذاهب الفقهية الأربعة؛ من حنفية وحنبلية ومالكية وشافعية، يدرسون في بناية واحدة(15). أما من لم تسنح له فرصة التدريس في تلك المدارس، فكان يؤدي دوره الديني والدعوي من خلال الزوايا، التي كان بعضهم يعتكفون فيها، فيتجمع التائبون والمريدون حولهم، حيث حفلت بغداد بعدد لا يحصـى من دور القرآن، والزوايا، ودور الحديث، وحلقات المساجد، وأماكن الدراسة الأخرى؛ من مجالس المناظرة، والوعظ، والندوات الأدبية، والتحديث في الدكاكين، والأسواق، ودور العلم، التي هي كمخازن الكتب – المكتبات – بالمصطلح الشائع الأن(16).

ورغم كل هذه الفعاليات ومراكز الدعوة والفكر والثقافة، إلا أننا نرى أن المجتمع البغدادي كان في عمومه يميل نحو التخبط والضياع والغرق في الفوضى الاجتماعية، مما يدل على أن تأثير الدعاة والعلماء والمصلحين لم يكن يصل إلى المستوى المطلوب. وتجمعت أسباب عدة في عدم قدرة الدعاة والفقهاء على إصلاح المجتمع، أبرزها:

أولاً: محاباة رجال الدين للسلطة:

    من الأسباب الرئيسة لعدم قدرة الدعاة على التأثير على الناس، هو عدم التزامهم شخصياً بما يوصون الناس به. وقد شهد المجتمع البغدادي بعضاً من هؤلاء الذين يقولون ما لا يفعلون، كابن هبيرة، الذي كان حاجب الباب، ومن كبار موظفي الدولة أيام الخليفة الناصر لدين الله، وكان يأمر الناس بالمعروف وينهى عن المنكر، ومنَعَ الناس من شرب الخمر، وبالغ في الاحتياط وإظهار الدين، إلا أن أمره انكشف بعد وشايته لدى الخليفة كونه يفعل الموبقات ويشـرب الخمر ويمنع الآخرين عنها، فراقبه الناصر إلى أن دخل بستانه التي فيها داره مع إحدى المغنيات، فأرسل بعض مماليكه إليه، فصعدوا الحائط ودخلوا عليه، فوجدوه متكئاً على مخدة والمغنية إلى جانبه، وعليها قميص تحتاني بغير سراويل، فقبضوا عليهما، وضربوهما ضرباً شديداً أمام ناظري الخليفة، ثم عبروا بهما إلى الجانب الشـرقي، فطافوا بهما، ثم أودعا السجن وفي رجليهما السلاسل(17).

    وكان بعض الفقهاء والعلماء يبالغون كثيراً في تمجيد الخلفاء، والتملق لهم، إلى درجة تدفعهم إلى الخروج عن الثوابت المعهودة، وتكذيب الثوابت التاريخية، مثال ذلك ما أنشده أحد الفقهاء المتواجدين في محفل للعلماء أقامه الخليفة المستنصـر بالله، بمناسبة قدوم الملك الناصر داود بن الملك المعظم داود بن عيسـى بن محمد بن أيوب، بن الملك العادل الكبير ابن أيوب (18)، قائلاً:

لو كنت في يوم السقيفة حاضراً       كنت المقدم والإمام الأروع

    فعظم ذلك على الملك الناصر، ولم يتحمل السكوت، فرد عليه على الملأ، قائلاً: كذبت، كان جدّ مولانا أمير المؤمنين العباس بن عبد المطلب يوم السقيفة حاضراً، ولم يكن المقدم والإمام الأروع إلا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فخرج المرسوم بنفي ذلك الفقيه(19).

إن أمثال هذا الفقيه كانوا يتواجدون بكثرة حول الخليفة، وكبار رجال الدولة، يحاولون بشتى الوسائل التقرب منهم، طمعاً في الجاه والمال ورضا السلطان، وما أكثرهم في كل زمان ومكان.   

    كانت السلطة في بغداد تهتم بتقريب العلماء منها، والسيطرة عليهم، والاستفادة من مكانتهم المهمة بين أفراد المجتمع، فتقوم بتوظيفهم في الوظائف الرسمية، وتغدق عليهم بالعطايا الجزيلة، للاستفادة من كفاءتهم، وقدراتهم الإدارية، من جهة، ولتقريبهم من الحاكم، وتقوية مركز السلطة. وغالباً لم يكن هذا التقريب، ومنحهم الوظائف والمناصب، دون مقابل، خصوصاً إذا كان الحاكم مستبداً، وميالاً إلى الظلم، فهو يتوقع أو ينتظر دائماً من المقابل تنازلات أو خطوات تدل على إخلاصه له، كي يبدأ بدوره برفع قدره، ومنحه وظيفة في دولته. فالشيخ جمال الدين ابن الجوزي – مثلاً -، الذي هو حفيد شيخ الحنابلة أبي الفرج الجوزي المتقدم ذكره، عمل مدرساً في المستنصـرية، عندما وليَ أبوه الأستاذدارية، ثم ولي حسبة بغداد أيضاً، له قصيدة طويلة في مدح الخليفة الناصر لدين الله، يؤكد فيها على أن حب الناصر فريضة، وطاعته من طاعة الله، وأن من عاداه سيدخل النار(20)، على الرغم مما كان معلوماً حينها من سوء سيرة الناصر في رعيته، وميله للظلم، ومصادرة الأموال ظلماً، باتفاق المصادر التاريخية. وهذا ما يضع هذا الشيخ في خانة علماء السلطان، من وجهة نظر الناس، وربما يكون هذا الأمر حاجزاً أمام وصول مواعظه إلى قلوبهم، مهما كانت كلماته قوية ومؤثرة، ومهما كان قدره وعلو منزلته الدينية، إلا أنه يبقى بمنظورهم جزءاً من النظام الحاكم، الذي يجور عليهم في جوانب عدة في الحياة، خصوصاً لدى أولئك المطحونين والمعدمين المكتوين من جور بعض السلاطين والحكام، والذين يرون ويلاحظون جاه وترف الفقيه والعالم، وما حظي به من أموال من قبل الحاكم، فتبدأ العيون تترقبه، والأفئدة تتحدث عنه. وهذا ما حصل فعلاً مع الشيخ محمد بن الحسن، المعروف بتاج الدين الأرموي (573ه-653ه)، الذي كان أول من تم تعيينه مدرساً في (المدرسة الشـرابية)، سنة 628ه، وحصل له من الجاه والمال، من قائد الجيوش الشـرابي، ما جعله يستكثر من المماليك الحسان، والجواري، ويتباهى بهم، ويركب أجمل المراكب، لدرجة دفعت أهل بغداد إلى التحدث عنه، وانتقاده، إلا أنه لم يأبه بالكلام، واستمر على أسلوبه، دون الالتفات إلى وجهة نظر الناس حوله(21). وكان العمل في هذه المدارس مبتغى العلماء والفقهاء، لما له من امتيازات مادية واجتماعية وثقافية، فعندما يتم تعيين أحدهم للتدريس فيها، يتم إهدائه خلعاً وهدايا مسبقاً، عدا عن الراتب الشهري المنتظم، وامتيازات أخرى(22).

    أحياناً يكون تأييد ومساندة بعض العلماء وشيوخ الزوايا للحاكم، نابعاً من قناعتهم الدينية، أو من طبيعة فهمهم للنصوص، التي يستخدمونها لتبرير موقفهم من ولي الأمر، وعدم إنكار الظلم الواقع على الناس من قبله، وربما يكون جبناً من هذا الشيخ أو ذاك، أو عدم استعداده لتحمل التبعات التي تنتج من ردة فعل الحاكم، إن هو تكلم. وهذا ما يتضح من موقف أحد شيوخ الزوايا المعروفين في بغداد، ويدعى السيد أحمد، الذي طلب من أتباعه الكف عن ذكر ظلم الخليفة الناصر لدين الله، وعدم الاستماع إلى كل من يذكر عن ذلك، بداعي أنه من أهل البيت، وأن له في أعناقهم البيعة، التي تقتضـي حفظ حرمة ولي الأمر، وتوقيره، وذكر محاسنه، والكف عن مساويه، والدعاء بالتوفيق لصالحهم، والإصلاح لطالحهم، وطلب من الفقراء المطحونين والمعدومين والمتفرقين في الربط والزوايا، أن يحسنوا الظن به، ويلتزموا الأدب حين ذكره(23).

هذا ما كان يُطلَب من الفقراء، في الوقت الذي كان خادم واحد من خدام قصـر الخليفة، يستطيع إن يطعم هؤلاء الفقراء والشيخ لسنين من أمواله، التي يأخذها لقاء تربيته لطيور الخليفة مثلاً في إحدى قصوره العديدة ببغداد. وبهكذا منطق تمكن الناصر لدين الله أن يحكم سبع وأربعين سنة، وأن يمارس سياسته التعسفية بكل أريحية، دون أن يلاقي معارضة، أو حتى نوعاً من التذكير والنصح والزجر. وقد تجنب العلماء والفقهاء مواجهته؛ إما من منطلق طبيعة فهمهم للنصوص الدينية، أو لخوفهم إثارة غضبه، وتجنباً لبطشه ونقمته.

    كما كانت الصوفية منتشـرة بكثرة، ويتجمع الكثيرون منهم في رباط شيخ شيوخهم ببغداد، ينشدون ويطربون في طقوس خاصة بهم، منعزلين بذلك عن الواقع، ومنشغلين بالعبادة والذكر. لذلك كانوا يبدون كمجموعة منعزلة على نفسها، لا يتدخلون في شؤون الحاكم والمجتمع(24). كما أن من العلماء من سلك طريق الزهد والعبادة، بعيداً عن التدخل في أمور الناس، أو الاحتكاك بهم، أو بالحكام(25).   

    كما انخرط الكثيرون من علماء الدين، والفقهاء، في الوظائف العامة للدولة، وانشغلوا بمناصبهم، وامتيازاتهم، حيث شغلوا مناصب في دار التشـريفات، والتدريس في المدرسة النظامية، والنظر في أوقافها، وكذلك في سلك القضاء(26). وناب بعضهم عن قاضي القضاة في عقود الأنكحة، كالقاضي الحنفي أبو محمد عبدالسلام اللمغاني، القاضي الحنفي الذي كان شيخاً من أعيان الحنفية، من أهل باب الطاق ومشهد أبي حنيفة في بغداد(27).

 كما تولى بعض الشيوخ والمحدثين الصوفيين، في بغداد، بعض المهام الاجتماعية الرسمية للخليفة؛ منها السفارة للخلفاء إلى الأقاليم المجاورة، لمهام مختلفة، منها مهمة الوفد الذي ذهب إلى عاصمة سلاجقة الروم في الأناضول، لخطبة ابنة أميرها السيدة سلجوقة خاتون للخليفة الناصر لدين الله(28).

وكان بعض الشيوخ، وعلماء الدين، يتعرضون للإقالة، بعد تولي الخليفة الجديد للحكم، حيث عزل المستنصـر بالله في أوائل أيام خلافته، القاضي أبا صالح نصـر (المتوفي سنة 633ه)، وهو حفيد الشيخ عبد القادر الجيلاني، من منصبه، بعد أن كان لسنين طويلة في ذلك المنصب(29).

وكان بعض الشيوخ، وخاصة الصوفية منهم، ينعمون تحت ظل الحريم الطاهري، وحاشية دار الخلافة، الذين كانوا يغدقون عليهم بالنعم والمؤن، فكان هؤلاء يسكنون الرُبَط التي تمولها دار الخلافة؛ كالرباط المنسوب إلى الجهة السلجوقية من حريم الخليفة(30).

كما أن بعض الشيوخ والعلماء المحسوبين على الدين، والذين كان لهم وزنهم الديني في بغداد، انشغلوا بالمعاصي والشـراب، وأذية الناس، كأولاد الشيخ عبدالسلام الجيلاني، الذين انشغلوا بالملذات ونشـر البدع والأباطيل بين أتباعهم، حتى انحرفوا عن منهج جدهم الأكبر، فأفسدوا طريقته، وجاهروا بالمعاصي والفواحش، حتى وصف أحدهم أبناء هذا الشيخ بشـرار الناس(31). كما ابتلي الكثير من علماء الدين بآفة الكبر والإعجاب بالنفس(32)، إلى درجة تدفعهم إلى تزويق كلامهم لكسب قلوب الناس إليهم، ودفعهم إلى تعظيمهم لهم، وإذا رأوا نظيراً لهم في علمهم، أخذوا يطعنون فيه، ويستصغرون شأنه ليصرفوا عنه الناس(33).

ثانياً: الصراعات الفكرية والمذهبية:

  كان الصـراع والمنافسة بين أتباع المذاهب الفقهية، من السمات المألوفة في المجتمع الإسلامي عموماً، والمجتمع البغدادي خصوصاً، وقد قسمت هذه التوجهات المذهبية والفكرية المجتمع الإسلامي، وهددت كيانه الوحدوي، فلكل مذهب أتباعه ومعتنقيه ومدارسه، التي يدرسون فيها، ويتميزون عن المذاهب الأخرى. وكان بناء الخليفة المستنصر بالله للمدرسة المستنصـرية، محاولة للتقريب بين المذاهب الأربعة لأهل السنة، وتقليل الخلافات والاختلافات بين أتباعها، وجمعها في أروقة مدرسة واحدة، وقد عيّن لكل مذهب مدرساً، يساعده أربعة معيدين. وكانت مدرسة الفقه من أهم أقسام المستنصـرية، وتتكون من أربعة أرباع، بعدد المذاهب الأربعة(34).

وكانت تحدث مشاكل وخلافات مصحوبة بالعنف بين أتباع المذاهب الفقهية المختلفة في العالم الإسلامي، فقد وصل الخلاف والتنافس بين بعض رواد وشيوخ هذه المذاهب مستوىً دفع الحنابلة – مثلاً – إلى حرق جامع للشافعية(35)، وكانت الخلافات تصل أحياناً إلى داخل أتباع المذهب الواحد، كما حصل لشيخ الحنابلة أبي فرج ابن الجوزي، الذي واجه نقمة مشايخ الحنبلية عليه، بسبب ميله إلى التأويل في بعض كلامه، واشتد نكيرهم عليه، متهمين إياه بالاضطراب في كلامه، والتلّون بالآراء الخاصة بالحديث والآثار، هذا على الرغم من كون ابن الجوزي إمام عصـره في الوعظ والتصنيف في العلوم، وكان صاحب قبول كبير، ورغم ذلك لم يسلم من الانتقاد من مشايخ المذهب الذي يعتنقه(36).

وكان أتباع كل مذهب فقهي مستقلين تماماً عن المذاهب الأخرى، ويتميزون عنهم في طريقة تناول المسائل الفقهية في الدين، لدرجة أن أحد القادة المعتنقين لمذهب أبي حنيفة قام رسمياً بتغيير مذهبه، والانتماء إلى المذهب الشافعي، بمساعدة أحد الشيوخ الشافعية الكبار (37). ولم تكن الخلافات بين المذاهب الأربعة جوهرية، أو عقائدية، إنما كانت خلافات فقهية لا تخرج من الإطار العام لمذهب أهل السنة.

كما شهدت هذه الفترة من الزمن ظهور توجهات فلسفية وفكرية، كانت عاملاً في خلق التوترات الاجتماعية، وظهور الضغائن والأحقاد بين العلماء، وبالتالي اللجوء إلى الانتقام عندما تحين الفرصة، وهذا ما حصل بين الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي، وأبي منصور عبد السلام الملقب بالركن(38). الذي كان يتهم بمذهب الفلاسفة، وأُخِذَت كتبه قبل موته بسنتين، فأظهرت في ملأ من الناس، ورأوا فيها من يتخير النجوم، ومخاطبة زحل بالإلهية، وغير ذلك من الأفكار المخرجة من الإسلام، فأحرقت بباب العامة ببغداد، وحبس، ثم أفرج عنه بشفاعة والده لدى الخليفة، وتم توظيفه في الدولة(39)، ليبدأ انتقامه من ابن الجوزي، الذي كان من المناوئين له، وأحد الحضور في الحدث الخاص بحرق كتبه. ولكون ابن الجوزي أيضاً من أعوان الوزير عبيد الله بن يونس الحنبلي(40)، الذي كان بدوره عدواً لأبناء الشيخ عبدالقادر الجيلاني، ولا يحبذهم، فلما انتهى عهده في الوزارة، وأسر أثناء الحملة العسكرية في الشـرق، تسَلط عبدالسلام بن عبدالوهاب الجيلاني هذا على ابن الجوزي، وتولى اعتقاله(41)، بعد أن وشوا به إلى الخليفة الناصر، فجاءوا إلى بيته، وشتموه، وأخذوه قبضاً باليد، وتم تشتيت عياله، وأرسل على متن قارب إلى (واسط)، وحاول خصمه عبدالسلام قتله في (واسط)، إلا أن خطتهُ لم تنجح(42). ولم يسلم الوزير ابن يونس، المذكور أعلاه، من الانتقام من قبل الوزير ابن القصاب(43)، الذي قلّده الخليفة الناصر لدين الله الوزارة، وأرسلهُ على رأس جيشه، فأخذ خوزستان والري وهمدان وأصفهان(44). وكان هذا الوزير الجديد قد أرسل إلى أقاليم البلاد، وأقطارها، للقضاء على ابن يونس وإهلاكه، مدفوعاً بأسباب تتعلق بصـراع المتنافسين على المنصب، من جهة، والصـراع المذهبي، من جهة أخرى، حيث كان ابن القصاب ينتمي للمذهب الشيعي، على حد قول بعض مؤرخي تلك الفترة. ومعروف أيضاً أن الخليفة الناصر لدين الله كان يميل إلى الشيعة، فكانت هذه النقطة على ما يبدو منطلقاً لانتقام ابن القصاب من خصمه السياسي، الذي ربما يهدد مركزه، فيما لو تمكن من الوصول إلى العاصمة بغداد. وبعد أن تمكن ابن يونس من الإفلات من قبضة ولاة الموصل وتكريت، وصل إلى داره في بغداد، وبدأ يمارس نشاطه الدعوي من تدريس القرآن والفقه، واستدعاه الخليفة لداره، ثم جعله أستاذ الدار، إلا أن ابن القصاب ظل وراءه إلى أن أوقعهُ من خلال عقد مجلس لقاضي القضاة العباسي، وحكموا عليه بالفسق في قضية كان قد حكم فيها سابقاً، فعُزل وقبض عليه الوزير ابن القصاب، ونفاه إلى واسط سنة 590ه، وتوفي بعد ثلاث سنوات في محبسه(45). 

وفي هذه الفترة ازداد الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة ضراوة بين سكان مناطق بغداد، حيث انتشـر سبّ صحابة رسول الله - عليه الصلاة والسلام -، واستفحلت هذه الظاهرة لدرجة أدت إلى مفارقة كبير شيوخ الشافعية، الشيخ الإمام رضي الدين القزويني لبغداد، راجعاً إلى دياره في قزوين، رغم المحاولات الكثيرة لثنيه عن ذلك(46).

ولم تكن الخلافات المذهبية والفكرية تبقى دوماً في الإطار السلمي، بل كانت تصل إلى العنف، وسفك الدماء، منها ما وقع في (واسط) سنة 600ه، من قتل للباطنية على يد أهل المدينة، بعد أن كثر عددهم، فوقع شجار بين أتباع هذا المذهب والأهالي، ما أدى إلى وقوع قتلى من الطرفين، فهجم الأهالي بعد حصـر أتباع الباطنية المعروفين في دار كبيرهم داخل المدينة، فصعدوا إلى السطح من خلال الدور المجاورة، وكسـروا الأبواب، وقتلوا كل من وجدوه في الداخل(47). وتكررت مثل هذه الفتن والحوادث ذات الطابع المذهبي، وابتلي المجتمع البغدادي بها، ففي سنة 603ه قتل أربعة أشخاص من أهل الكرخ، من صعادي النخل، على يد أهل باب البصـرة، فاشتعلت الحرب بين المحلتين، ودامت الفتنة أياماً، قتل من الطرفين خلق كثير، ولم تهدأ إلا بعد تدخل الشـرطة، الذين حالوا بين الفريقين(48).

وتوالت الفتن التي تحمل طابعاً مذهبياً بين الفريقين (الشيعة والسنة)، داخل بغداد، ولم تكن تهدأ فتنة حتى تقوم أخرى، وفي كل مرة تتدخل السلطات، وتنهي المشكلة بالقوة والترهيب. وآخر تلك الفتن تلك التي وقعت سنة 653ه بين أهل الكرخ وباب البصـرة مجدداً، حيث قتل عدد كبير من الفريقين، واستمر الشـر بينهم، وتدخلت السلطات، واستطاعت تهدأة الوضع، بالاستعانة بشيوخ المنطقتين، لكف الجهلة من الطرفين عن الشـر، فسكنت الفتنة لأيام، ثم عادت واشتعلت مجدداً، وقتل خلق كثير من الطرفين، وتدخلت السلطة، وكفت الطرفين(49). وفي السنة التالية تجددت الفتنة بين أتباع المذهبين، عندما قتل أهل الكرخ رجلاً من سكان باب البصـرة في بغداد، فاستنجد أهلها بالأمير أبو بكر ابن الخليفة المستعصم بالله، والذي كلف قائد العسكر الدويدار بمعاقبة أهل الكرخ، فبالغ في رد الفعل، وشارك مع جنوده في حرق الكرخ، ونهبها، وفعلت المنكرات، وسبيت النساء العلويات، وشارك الغوغاء والعامة في نهب البيوت. فأمر الخليفة المستعصم بإيقاف الأمر، وإرجاع كل الممتلكات المنهوبة لأهلها(50). وهكذا كان وضع بغداد، حيث الانشقاق، والاستقطاب المذهبي، والفتن المتوالية دون توقف.

إزاء هذا الوضع المرتبك، والفوضى الاجتماعية والثقافية، التي كان الناس غارقين فيها، كان من شبه المستحيل على القلة القليلة من الدعاة والمصلحين الصادقين تدارك الوضع وإصلاح المجتمع، لأن عملية الإصلاح تحتاج إلى تكاتف جميع الجهات، بدءاً من السلطة، وبالتعاون مع كافة الجهات المعنية، والعلماء والوعاظ والمصلحين، وهذا ما كان غير موجود حينها، في ظل التوترات الثقافية والفكرية والاضطرابات الاجتماعية التي لا تنتهي، والتي أوردت البلاد في النهاية المهالك، وسقطت المدن الإسلامية الواحدة تلو الأخرى بيد الغزاة القادمين من الشرق، وأبيد أهلها، إلا من رحم ربي.

 

الهوامش:

(1) وهو أحمد بن إسماعيل بن يوسف بن محمد بن العباس القزويني الطالقاني، الإمام الفقيه الصوفي، الملقب رضي الدين، ولد سنة 512ه في (قزوين)، وتفقه بها، ثم ارتحل إلى (نيسابور)، ثم وصل إلى (بغداد)، واستقر بها. تولى التدريس في (المدرسة النظامية)، وكان كثير الحفظ للقرآن. رحل في أواخر عمره إلى (قزوين)، وأقام بها، إلى أن توفي سنة 590ه. وكان ذا اطلاعٍ واسع في العلوم الشـرعيةِ؛ حفظاً وجمعاً ونشـراً، فكان يعقد المجلس للعامة ثلاث مرات في الأسبوع، ويحضـر خطبهُ الأمراء والأعيان. انظر: السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي، 1969م، طبقات الشافعية الكبرى، تح: عبد الفتاح محمد الحلو ومحمود الطناجي، دار إحياء الكتب العربية، مصر، ج3، ص8.

(2). ابن جبير، محمد بن احمد، رحلة ابن جبير، دار ومكتبة الهلال، بيروت، ص175.

(3) هو الشيخ الإمام الحافظ المفسـر جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي القرشي التيمي البكري البغدادي الحنبلي. ولد سنة تسع أو عشـر وخمسمائة. صنف الكثير من المصنفات والكتب، بلغت 250 كتاباً، في مختلف فنون العلم والفقه والحديث والتاريخ والدعوة وغيرها. كان من أعلام زمانه في النظم والنثر والوعظ والفقه. توفي ليلة الجمعة من الثالث عشـر من رمضان سنة 597ه. انظر: الذهبي، شمس الدين محمد، سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1402ه-1982م، ج21، ص365.

(4) ابن جبير، مصدر سابق، ص177. 

(5). الذهبي، سير أعلام النبلاء، مصدر سابق، ج21، ص370.

 (6). نفس المصدر، ج21، ص370.

  (7) ابن جبير، مصدر سابق، ص177.

(8). ابن رجب، عبد الرحمن بن احمد، الذيل على طبقات الحنابلة، تحقيق وتعليق: عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، مكتبة العبيكان، مكة المكرمة، ج4، ص217.

(9). هو المفتي سيف الدين أبو المظفر محمد بن مقبل بن فتيان ابن مطر النهرواني ابن مني الحنبلي، ولد سنة 569ه، سمع من مجموعة من شيوخ عصـره، وحدث عن مجموعة آخرين، وأجاز لخلق، وكان عدلاً رئيساً إماماً فقيهاً بصيراً بالاختلاف، توفي سنة 649ه. انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء، مصدر سابق، ج23، ص252. 

(10) ابن رجب، مصدر سابق، ج3، ص550.

(11). هو يوسف بن عبد الرحمن بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادي ابن الجوزي القرشي التيمي البكري البغدادي، وهو ابن الإمام الواعظ الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المشهور. ولد سنة 587ه ببغداد، وسمع بها من أبيه ومجموعة من مشايخ زمانه، وقرأ القران بالروايات العشـر على ابن الباقلاني بـ(واسط) وقد جاوز العشـر سنين من عمره، واشتغل بالخلاف والأصول، وبرع في ذلك، وكان أمهر من أبيه، ووعظ في صغره على قاعدة أبيه، وعلا أمرهُ، وعظم شأنه، وولي الولايات الجليلة. قتل مع أولاده الثلاثة على يد المغول، يوم سقوط بغداد سنة 656ه، انظر: نفس المصدر السابق، ج4، ص20.

(12). ابن الشعار، كمال الدين أبي البركات، قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان، تح: كامل سلمان الجبوري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1426ه-2005م، ج10، ط1، ص266.

(13). هو جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن يوسف الجوزي بن عبد الرحمن ابن الصاحب محيي الدين ابن الإمام الجوزي. ولد سنة 600ه، وتولى مهام المحتسب ببغداد، وأرسل من قبل الخليفة إلى (مصـر)، ووعظ وحدّث، قتل مع والده واثنين من أشقائه على يد المغول سنة 656ه في بغداد. انظر: ابن رجب، مصدر سابق، ج4، ص29.

(14). ابن جبير ، مصدر سابق، ص183.

(15). معروف، ناجي، تاريخ علماء المستنصرية، مطبعة العاني، بغداد، 1379ه-1959م، ط1، ص1.

(16). معروف، ناجي، المدارس الشرابية ببغداد وواسط ومكة، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1385ه-1965م، ط1، ص111.

(17). الأيوبي، محمد بن تقي الدين، مضمار الحقائق وسر الخلائق، تحقيق: حسن حبشـي، عالم الكتب، القاهرة، ص232.

(18) ولد في جمادى الآخرة سنة 603ه بدمشق، وولي السلطنة بعد أبيه سنة 624ه، وأحبه أهل دمشق، وكان عالماً فاضلاً حنفي المذهب ومناظراً ذكياً، توفي في قرية يقال لها البويضاء على باب دمشق سنة 656ه، انظر: ابن خلكان، شمس الدين احمد بن محمد بن أبي بكر، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تح: إحسان عباس وآخرون، دار صادر، بيروت، لبنان، 1397ه-1977م، م3، ص496.

 (19). ابن واصل، جمال الدين محمد، مفرج الكروب في أخبار بني أيوب، تحقيق: حسنين محمد ربيع وآخرون، دار الكتب والوثائق القومية – المطبعة القومية، 1377ه-1957م، ج4، ص201.

(20). ابن رجب، مصدر سابق، ج4، ص26.

(21). ابن الشعار، مصدر سابق، ج10، ص268.

(22). ناجي معروف، المدارس الشرابية ببغداد وواسط ومكة، مرجع سابق، ص146.

(23). ابن الساعي، علي بن أنجب، مختصـر أخبار الخلفاء، المطبعة الأميرية، بولاق، مصر، 1309ه-1891م، ص109.

(24).   الغساني، إسماعيل بن العباس، العسجد المسبوك والجوهر المحكوك في طبقات الخلفاء والملوك، تحقيق: (شاكر محمود عبد المنعم)، دار البيان، بغداد، 1975م، ص287.

(25) ابن الساعي، علي بن أنجب، تاريخ ابن الساعي، تحقيق: محمد عبد الله القدحات، دار الفاروق، عمان، الأردن، ط1، 1431ه-2010م، ص82.

 (26) ابن الفوطي، كمال الدين أبي الفضل عبد الرزاق، الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة، تحقيق: مهدي النجم، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2003م، ص65.

(27). ولد سنة 520ه، سكن دار الخلافة، وسمع الحديث، ورواه، وناب عن القاضي أبي طالب علي بن علي بن البخاري في عقود الأنكحة، والمطالبات، في ولايته الثانية بدار الخلافة. فلما ولي قاضي القضاة عبد الله بن الدمغاني، لزم بيته إلى أن توفي سنة 605ه، وكان قبل ذلك يدرس بمدرسة (زيرك)، انظر: ابن الساعي، تاريخ ابن الساعي، ص268./ الذهبي، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ج43، ص177.

(28). جواد، مصطفى، سيدات البلاط العباسي، دار الكشاف، بيروت، لبنان، 1950م، ص188.

(29). ابن الساعي، مختصر أخبار الخلفاء، مصدر سابق، ص125.

(30). ابن الساعي، تاريخ ابن الساعي، ص129.

(31). ابن الساعي، مختصر أخبار الخلفاء، ص121.

(32). ابن الجوزي، جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن، 1430ه-2009م، صيد الخاطر، تح: محمد بيومي، دار الغد الجديد، القاهرة، ط1، ص259.

(33). نفس المصدر، ص368.

(34). ناجي معروف، تاريخ علماء المستنصرية، مرجع سابق، ص43.

(35). الغساني، مصدر سابق، ص254.

(36). ابن رجب، مصدر سابق، ج2، ص487.

(37). ابن الساعي، تاريخ ابن الساعي، مصدر سابق، ص110.

(38). هو عبد السلام بن عبد القادر بن جنكي دوست بن أبي عبد الله الجيلي البغدادي، من بيت تصوف وتعبد، قرأ علوم الأوائل والفلسفة، واقتنى كتباً كثيرة من هذا النوع، تعرض لعقوبة السجن، وبقي فيها إلى أن أفرجَ عنه سنة 589ه، وأُعيد عليه ما ذهب منه، انظر: القفطي، جلال الدين أبي الحسن علي بن يوسف، أخبار العلماء بأخبار الحكماء، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، 2005م- 1426ه، ص176.

(39). ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ، تصحيح: محمد يوسف الدقاق، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1407ه-1987م، ج10، ص288.

(40). هو عبيد الله بن يونس الحنبلي بن هبة الله البغدادي الأزجي الأصولي المتكلم، وزير الخليفة الناصر، كان والده وكيلاً لأمّ الخليفة الناصر، أما ابن يونس فاشتغل بالعلم، ورحل في طلبه إلى (همذان)، وقرأ القرآن، وتفقه بالدين، وأصول الكلام، وطلب فنون عدة من العلوم. أرسله الخليفة على رأس جيش كبير لمحاربة السلطان طغرل بن أرسلان، فلقيهم قرب همذان، فتفرق عسكره، ووقع بن يونس في الأسر، ثم استطاع التخلص من الأسر، ورجع إلى الموصل، ومنها إلى بغداد. توفي سنة 593ه، انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج9، ص433.

(41). جواد، مصطفى، سيدات البلاط العباسي، مرجع سابق، ص167.

(42). الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج21، ص376.

(43) هو مؤيد الدين أبو الفضل محمد بن علي بن أحمد ابن القصاب البغدادي، ناب في الوزارة، وخدم في ديوان الإنشاء، كان أبوه قصاباً عجمياً بسوق الثلاثاء، كان من أهل الفضل الوافر والكتابة الحسنة، والتجربة التامة. توفي في الرابع من شعبان من سنة 592ه في (همذان)، وقد بلغ اثنتين وسبعين عاماً، انظر: المنذري، عبد العظيم بن عبد القوي، 1405ه-1984م، التكملة لوفيات النقلة، تح: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط3، م1، ص262.

(44). الأربلي، مصدر سابق، ص283.

(45). ابن رجب، مصدر سابق، ج9، ص433.

(46). ابن الأثير، مصدر سابق، ج10، ص13.

(47). نفس المصدر، ج10، ص202.

(48). ابن الساعي، تاريخ ابن الساعي، مصدر سابق، ص205.

(49). ابن الفوطي، كمال الدين، الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة، ص213.

(50). نفس المصدر، ص225.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق